الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ١

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 88091
تحميل: 5158


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88091 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلّا معنى الأولى المرادف للإمامة والولاية المطلقة التي إستحفى عليه السلام خبرها منهم فأجابوه باستنادهم في ذلك إلى حديث الغدير.

17 - قد سلفت في ص 191، إصابة دعوة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أُناساً كتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والركبان، فأصابهم العمى والبرص، والتعرّب بعد الهجرة، أو آفة أخرى، وكانوا من الملأ الحضور في مشهد يوم الغدير.

فهل يجد الباحث مساغاً لإحتمال وقوع هاتيك النِقم على القوم، وتشديد الإمام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معنى النصرة والحبِّ العامّين بين أفراد المجتمع الدينيّ، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيراً من المسلمين الذين تشاحنوا، وتلاكموا، وقاتلوا، فقمّوا جذوم تينك الصفتين، وقلعوا جذورهما، فضلاً عن كتمان ثبوتهما بينهم، لكنَّ المنقِّب لا يرى إلّا أنَّهم وسُموا بشية العار، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبئاً عظيماً يختصّ به هذا المولى العظيم صلوات الله عليه، وما هو إلّا ما أصفقت عليه النصوص، وتراكمت القراين من إمامته وأولويَّته على الناس منهم بأنفسهم.

ثمَّ إنَّ نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عاديّ هو شرعٌ سواء بينه وبين غيره، وإنَّما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختصُّ بها، فكأنَّهم لم يرقهم أن يتبجَّح الإمام بها فكتموها لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقِّ، وأبقت عليهم مثلبة لايحة على جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءاً، ثمِّ تضمَّنتها طيّات الكتب فعادت تلوكها الأشداق، وتتناقلها الألسن حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

18 - مرّ بإسناد صحيح ص 174 و175 في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحبُّ الدين الطبري: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لَمّا ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنَّهم سمعوه منه قال أبو الطفيل: فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئاً(1) فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول

_____________________

1 - كذا في لفظ أحمد، وفي لفظ النسائي: وفي نفسي منه شيء. وفي لفظ محبُّ الدين: وفي نفسي من ريبة شيء.

٣٨١

الله صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك.

فما الذي تراه يستكبره أو يستنكره أبو الطفيل من ذلك؟ أهو صدور الحديث؟ ولا يكون ذلك لأنَّ الرجل شيعيٌّ متفانٍ في حبِّ أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثقاته، فلا يشكُّ في حديث رواه مولاه، لا، بل هو معناه الطافح بالعظمة فكان عجبه من نكوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته، وهم أتباع الرَّسول صلّى الله عليه وآله وأصحابه فاحتمل أنَّه لم يسمعه جلّهم، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلك، فطمنَّه زيد بن أرقم بالسماع، فعلم أنَّ الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له، وما ذلك المعنى المستعظم إلّا الخلافة المساوقة للأولويّة دون غيرها من الحبِّ والنصرة، وكلٌّ منهما منبسطٌ على أيِّ فرد من أفراد الجامعة الإسلاميَّة.

19 - سبق أيضاً ص 239 - 246 حديث إنكار الحارث الفهريِّ معنى قول النبيِّ صلّى الله عليه وآله في حديث الغدير، وشرحنا ص 343 تأكّد عدم التئامه مع غير الأولى من معاني المولى.

20 - أخرج الحافظ ابن السمّان كما في الرياض النضرة 2 ص 170، وذخاير العقبى للمحب الطبري ص 68، ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكّي، ومناقب الخوارزمي ص 97، والصواعق ص 107 عن الحافظ الدارقطني عن عمر وقد جاءه أعرابيّان يختصمان فقال لعليّ: إقض بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري مَن هذا؟ هذا مولاي ومولى كلِّ مؤمن، ومَن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.

وعنه وقد نازعه رجلٌ في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس، وأشار إلى عليِّ بن أبي طالب فقال الرجل: هذا الأبطن؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثمَّ قال: أتدري مَن صغَّرت؟ هذا مولاي ومولى كلِّ مسلم.

وفي الفتوحات الإسلاميَّة 2 ص 307 حكم عليٌّ مرَّةً على أعرابيّ بحكم فلم يرض بحكمه فتلبَّبه عمر بن الخطاب وقال: له ويلك إنَّه مولاك ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة. وأخرج الطبراني إنّه قيل لعمر: إنّك تصنع بعليٍّ - أي من التعظيم - شيئاً

٣٨٢

لا تصنع مع أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّه مولاي. وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب ص 13 عن الدارقطني.

فإنَّ المولويَّة الثابتة لأمير المؤمنين التي إعترف بها عمر على نفسه وعلى كلِّ مؤمن زِنَة ما إعترف به يوم غدير خمّ، وشفع ذلك بنفي الإيمان عمَّن لا يكون الوصيُّ مولاه، أي لم يعترف له بالمولويَّة، أو لم يكن هو مولىً له أي محبّاً أو ناصراً، ولكن على حدّ ينفي عنه الإيمان إن إنتفى عنه ذلك الحبّ والنصرة، لا ترتبط إلّا مع ثبوت الخلافة له، فإنَّ الحبَّ والنصرة العاديّين المندوب إليهما بين عامَّة المسلمين لا ينفي بانتفائه الإيمان، ولا يمكن القول بذلك نظرا إلى ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتى آل في بعض الموارد إلى التشاتم، والتلاكم، وإلى المقاتلة، والمناضلة، وكان بعضها بمشهد من النبيِّ صلّى الله عليه وآله فلم ينف عنهم الإيمان، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك، فلم يبق إلّا أن تكون الولاية التي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولويَّة المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه إلى حديث الغدير كما تومي إليه رواية الحافظ محبُّ الدين الطبري لها في ذيل أحاديث الغدير، أو أنّه أرسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتّى النواحي.

*(تذييل)* عزى ابن الأثير في النهاية 4 ص 246، والحلبي في السيرة 3 ص 304 وبعض آخر إلى القيل وذكروا أنّ السبب في قوله صلّى الله عليه وآله: مَن كنت مولاه: إنّ أُسامة بن زيد قال لعليّ: لستَ مولاي إنّما مولاي رسول الله. فقال صلّى الله عليه وآله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

إنَّ من روى هذه الرواية المجهولة أراد حطّاً من عظمة الحديث، وتحطيماً لمنعته فصوَّره بصورةٍ مصغَّرةٍ لا تعدو عن أن تكون قضيَّةً شخصيَّةً، وحواراً بين إثنين من أفرد الأُمَّة، أصلحه رسول الله بكلمته هذه، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنّه تخصمه على تلك المزعمة الأحاديث المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلى مقدَّمات ومقارنات أُخرى لا يلتأم شيءٌ منها مع هذه الأُكذوبة، ومثلها الآية الكريمة الناصَّة بكمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الربِّ بذلك الهتاف المبين،

٣٨٣

وليست هذه لعظمة من قيمة الإصلاح بين رجلين تلاحيا، لكن ذهب على الرجل أنّه لم يزد إلّا تأكيداً في المعنى وحجَّةً على الخصم على تقدير الصحَّة.

فهب أنَّ السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر لكنّا نقول: إنَّ ما أنكره أُسامة على أمير المؤمنين عليه السلام من معنى المولى وأثبته لرسول الله خاصّه دون أيِّ أحد لا بدّ أن يكون شيئاً فيه تفضيل لا معنى ينوء به كلُّ أحد حتى أُسامة نفسه ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة، وذلك المعنى المستنكر المثبت لا يكون إلّا الأولويّة أو ما يجري مجراها من معاني المولى.

ونقول: إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله لما علم أنّ في أُمّته من لا يلاحي ابن عمِّه ويناوئه بالقول ويخشى أن يكون له مغبّة وخيمة تأول إلى مضادَّته، ونصب العراقيل أمام سيره الإصلاحيِّ من بعده، عقد ذلك المحتشد العظيم فنوَّه بموقف وصيّه من الدين، وزلفته منه، ومكانته من الجلالة، وإنّه ليس لأحد من أفراد الأُمّة أن يقابله بشيء من القول أو العمل وإنّما عليهم الطاعة له، والخضوع لأمره، والرضوخ لمقامه، وأنّه يجري فيهم مجراه من بعده، فاكتسح بذلك المعاثر عن خُطّته، وألحب السنن إلى طاعته، وقطع المعاذير عن محادَّته بخطبته التي ألقاها، ونحن لم نألُ جُهداً في إفاضة القول في مفاده.

ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 5 ص 347 وآخرون عن بريدة قال: غزوت مع عليٍّ اليمن فرأيت منه جفوةً فلمّا قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليّاً فتنقَّصته فرأيت وجه رسول الله يتغيَّر فقال: يا بريدة؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله؟ قال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

فكأنَّ راوي هذه القصَّة كراوي سابقتها أراد تصغيراً من صورة الأمر فصبَّها في قالب قضيَّةٍ شخصيَّةٍ، ونحن لا يهّمنا ثبوت ذلك بعد ما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المربية على التواتر، فإنَّ غاية ما هنالك تكريره صلّى الله عليه وآله اللفظ بصورة نوعيَّة تارة وفي صورة شخصيَّةٍ أُخرى، لتفهيم بريدة أنَّ ما حسبه جفوة من أمير المؤمنين لا يسوغ له الوقيعة فيه على ما هو شأن الحكّام المفوّض إليهم أمر الرعيَّة، فإذا جاء الحاكم

٣٨٤

بحكم فيه الصالح العامّ ولم يرق ذلك لفرد من السوقة ليس له أن يتنقَّصه، فإنَّ الصالح العامّ لا يدحضه النظر الفرديُّ، ومرتبة الولاية حاكمةٌ على المبتغيات الشخصيَّة فأراد صلّى الله عليه وآله أن يُلزم بريدة حدَّه فلا يتعدّى طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامّة نظير ما ثبت له صلّى الله عليه وآله بقوله صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟.

( هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ

لِّلْمُتَّقِينَ )

«آل عمران 138»

٣٨٥

الأحاديث المفسِّرة

لمعنى المولى والولاية

وقبل هذه القرائن كلّها تفسير رسول الله صلّى الله عليه وآله نفسه معنى لفظه وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذَّة بالقذَّة.

أخرج القرشي عليّ بن حميد في - شمس الأخبار - ص 38 نقلاً عن (سلوة العارفين) للموفّق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله بإسناده عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله أنّه لَمّا سُئل عن معنى قوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. قال: الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومَن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعليٌّ مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه.

ومرَّ في صفحة 200 في حديث إحتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية قوله: يا معاوية؟ إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، وأُسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوام، وهو يقول: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا: بلى يا رسول الله؟ قال: أليس أزواجي أمّهاتكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله؟ قال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه أولى به من نفسه، وضرب بيده على منكب عليّ فقال: أللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه؟ أيّها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعليٌّ من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر (إلى أن قال عبد الله): ونبيّنا صلّى الله عليه وآله قد نصب لأُمَّته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خمّ، وفي غير موطن، واحتجَّ عليهم به، وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنَّه وليّ كلِّ مؤمن من بعده، وأنَّه كلُّ من كان هو وليّه فعليٌّ وليّه، ومَن كان أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به، وأنَّه خليفته فيهم ووصيّه. الحديث.

٣٨٦

ومرَّ ص 165 فيما أخرجه شيخ الإسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان قوله: ثمّ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّها الناس أتعلمون أنّ الله عزَّ وجلَّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله؟ قال: قم يا عليُّ؟ فقمت فقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه. فقام سلمان فقال: يا رسول الله؟ ولاءٌ كَماذا؟ قال: ولاءٌ كولاي، مَن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه.

وسبق ص 196 في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين قوله: ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أيّها الناس؟ إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم، مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مّن خذله. فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله؟ ولاءٌ كماذا؟ فقال: ولاءٌ كولاي، مَن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه.

وروى الحافظ العاصمي في «زين الفتى» قال: سُئل عليُّ بن أبي طالب عن قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فقال: نصبني عَلماً إذ أنا قمت فمن خالفني فهو ضالٌّ.

يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد (يوم الغدير) لما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وآله ليرفعه فيعرّفه وينصبه عَلماً للأُمّة وقد مرَّ ذلك ص 15 و23 و165 و217 وأشار إليه حسّان في ذلك اليوم بقوله:

فقال له: قم يا عليُّ؟ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

وفي حديث رواه السيِّد الهمداني في مودَّة القربى: فقال (رسول الله): معاشر الناس؟ أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: مَن كان الله وأنا مولاه فهذا عليٌّ مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي، أللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، وأخذل مَن خذله، أللهمَّ؟ أنت شهيدٌ عليهم إنّي قد بلّغت ونصحت.

وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيُّ صلّى الله عليه وسلم

٣٨٧

لعليٍّ مسؤولٌ عنها يوم القيامة، رُوى في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) . أي عن ولاية عليّ رضي الله عنه والمعنى: إنّهم يُسألون هل والوه حقَّ الموالاة كما أوصاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

وذكره وأخرج حديثه شيخ الإسلام الحمويني في «فراد السمطين» في الباب الرابع عشر، وجمال الدين الزرندي في - نظم درر السمطين -، وابن حجر في «الصواعق» ص 89، والحضرمي في «الرشفة» ص 24.

وأخرج الحمويني من طريق الحاكم أبي عبد الله ابن البيِّع عن محمد بن المظفَّر قال: ثنا عبد الله بن محمد بن غزوان: ثنا عليّ بن جابر: ثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبد الله: ثنا محمد بن فضيل: ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أتاني ملك فقال: يا محمد سل مَن أرسلنا قبلك مِن رسلنا على ما بُعثوا؟ فقالوا: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.

وقال: ورُوي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: جُعلت الموالاة أصلاً من أصول الدين. وأخرج من طريق الحاكم ابن البيِّع: ثنا محمد بن عليّ: ثنا أحمد بن حازم: ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي عن أبيه عن أبي صادق قال: قال عليّ: أُصول الإسلام ثلاثة لا ينفع واحدٌ منها دون صاحبه: الصلاة. والزكاة. والموالاة. ومرَّ (ص 382) عن عمر بن الخطاب نفي الإيمان عمَّن لا يكون أمير المؤمنين مولاه.

وقال الآلوسي في تفسيره 23 ص 74 في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) . بعد عدّ الأقوال فيها: وأولى هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقايد والأعمال ورأس ذلك لا إله إلّا الله ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم الله تعالى وجهه.

ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنَّم لم يجزها أحدٌ إلّا مَن كانت معه براءة بولاية عليِّ بن أبي طالب. وأخرجه محبُّ الدين الطبري في الرياض 2 ص 172.

ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) . وقوله: سل مَن أرسلنا قبلك من رسلنا

٣٨٨

وما أخرجه الحفّاظ عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله من حديث البراءة والجواز. فلا أحسب أنّ ضميرك الحرَّ يحكم بملائمة هذه كلّها مع معنىً أجنبيٍّ عن الخلافة ووالأولويَّة على الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلاً من أُصول الدين. وينفي الإيمان بإنتفائه، ولا يرى صحَّة عمل عامل إلّا به.

وهذه الأولويَّة المعدودة من أُصول الدين والمولويَّة التي ينفي الإيمان بانتفائها كما مرَّ في كلام عمر ص 382 صرّح بها عمر لإبن عبّاس في كلامه الآخر ذكره الراغب في محاضراته 7 ص 213 عن ابن عبّاس قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر عليِّ بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطلب؟ لقد كان عليٌّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر. فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منّا دون الناس، فقال: إليكم يا بني عبد المطلب؟ أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطاب، فتأخَّرتُ وتقدَّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرتَ، وقال: أعد عليَّ كلامك. فقلت: إنّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليه جوابه ولو سكتَّ سكتنا. فقال: إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوةٍ ولكن إستصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لِمَا قد وترها، قال: فأردتُ أن أقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟ فقال: لا جرم، فكيف ترى؟ والله ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتى نستأذنه.

وفي شرح نهج البلاغة 2 ص 20 قال «عمر»: يا بن عبّاس أما والله إنَّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا أنّا خفناه على اثنين - إلى أن قال ابن عبّاس -: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: خفناه على حداثة سنِّه، وحبّه بني عبد المطلب، وفي ج 2 ص 115: كرهناه على حداثة السنِّ وحبِّه بني عبد المطلب.

والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نورٌ وحكمةٌ مودوعةٌ في قلوب مواليه عليه السلام، ودونها كانت تُشدُّ الرحال، ولتعيين حامل عبأها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في [المحاسن والمساوي] 1 ص 30 في حديث طويل جرى بين ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه: قال الشاميُّ: يا بن عبّاس؟

٣٨٩

إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردَّني بغير حاجتي فإنَّ القوم هالكون في أمر عليّ ففرِّج عنهم فرَّج الله عنك. فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام؟ إنَّ مثل عليٍّ في هذه الأُمّة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى عليه السلام - ثمّ ذكر حديث أُمّ سلمة وفيه لعليّ فضايل جمَّة - فقال الشاميُّ يا بن عبّاس ملأتَ صدري نوراً وحكمةً، وفرَّجت عنّي فرَّج الله عنك، أشهد أنَّ عليّاً رضي الله عنه مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

( وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ

لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )

«الأنعام 126»

٣٩٠

كلمات حول مفاد الحديث

للأعلام الأئمَّة في تآليفهم

لقد تمخَّضت الحقيقة من معنى المولى، وظهرت بأجلى مظاهرها، بحيث لم يبق للخصم منتدحٌ عن الخضوع لها، إلّا مَن يبغي لِداداً، أو يرتاد إنحرافاً عن الطريقة المثلى، ولقد أوقفنا السير على كلمات دُرِّيَّة لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلى صراح الحقِّ، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم:

1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم أبو محمد المصريُّ المتوفّى 387 في «تاريخ مصر»: وفي ثمانية عشر من ذي الحجَّة سنة 362 وهو يوم الغدير تجمَّع خلقٌ من أهل مصر والمغاربة ومَن تبعهم لِلدعاء، لأنَّه يوم عيد، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب فيه واستخلفه(1)

يُعرب هذا الكلام عن أنَّ ابن زولاق وهو ذلك العربيُّ المتضلِّع لم يفهم من الحديث إلّا المعنى الذي نرتأيه، ولم ير ذلك اليوم إلّا يوم عهد إلى أمير المؤمنين واستخلاف.

2 - قال الإمام أبو الحسن الواحديُّ المتوفّى 468 بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هي مسؤولٌ عنها يوم القيامة. راجع تمام العبارة ص 387.

3 - قال حجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي المتوفّى 505 في كتابه: سرّ العالمين(2) ص 9: إختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنّها بالنصِّ، ودليلهم في المسألة قوله تعالى:( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ

_____________________

1 - وحكاه عنه المقريزي في الخطط 2 ص 222.

2 - لا شك في نسبة الكتاب إلى الغزالي فقد نص عليه الذهبي «في ميزان الاعتدال» في ترجمة الحسن بن صباح الاسماعيلي وينقل عنه قصته، وصرح بها سبط ابن الجوزي في «التذكرة» ص 36 وشطراً من الكلام المذكور.

٣٩١

إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) . وقد دعاهم أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الطاعة فأجابوا، وقال بعض المفسِّرين في قوله تعالى:( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ) ، قال في الحديث: إنَّ أباك هو الخليفة من بعدي يا حُميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى مَن نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنَّه أمَّ بالمسلمين على بقاء رسول الله والإمامة عماد الدين.

هذا جملةُ ما يتعلّق به القائلون بالنصوص ثمَّ تأولّوا وقالوا: لو كان عليٌّ أوَّل الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً كما لا يقدح في نبوَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخراً، والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أنَّ هذا وما يتعلّق به فاسدٌ وتأويلٌ باردٌ جاء على زعمَكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان، ويحيى قالوا: كان لأزواجه ثُمن الخلافة، فبهذا تعلّقوا وهذا باطلٌ إذ لو كان ميراثاً لكان العبّاس أولى.

لكن أسفرت الحجَّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمّ باتِّفاق الجميع وهو يقول: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فقال عمر: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن؟ لقد أصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة، فهذا تسليمٌ، ورضى وتحكيمٌ، ثمَّ بعد هذا غلب الهوى لحبِّ الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون.

4 - قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيُّ المتوفّى 654 في [ تذكرة خواصّ الأُمّة ] ص 18: إتّفق علماء السير إنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجَّة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً وقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. الحديث. نصَّ صلى الله عليه وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَمّا قال ذلك طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار (ثمَّ ذكر ما مرَّ

٣٩٢

في آية سأل) فقال: فأمّا قوله: مَن كنت مولاه. فقال علماء العربيَّة: لفظ المولى ترد على وجوه (ثمّ ذكر من معاني المولى تسعة(1) فقال): والعاشر بمعنى الأولى قال الله تعالى:( فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . ثمَّ طفق يبطل إرادة كلٍّ من المعاني المذكورة واحداً واحداً فقال:

والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعيّن الوجه العاشر وهو: الأولى ومعناه: مَن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به، وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الإصبهاني في كتابه المسمّى بـ «مرج البحرين» فإنّه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عليٍّ عليه السلام فقال: مَن كنت وليَّه وأولى به من نفسه فعليٌّ وليّه. فعلم أنّ جميع المعاني راجعةٌ إلى الوجه العاشر، ودلَّ عليه أيضاً قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نصٌّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار. ا هـ.

5 - قال كمال الدين ابن طلحة الشافعيٌّ المتوفّى 654 في «مطالب السئول» ص 16 بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه: فقوله صلى الله عليه وسلم. مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. قد اشتمل على لفظة مَن وهي موضوعةٌ للعموم، فاقتضى أنَّ كلَّ إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه كان عليٌّ مولاه، واشتمل على لفظة المولى وهي لفظةٌ مستعملةٌ بإزاء معان متعدِّدة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارةً تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حقّ المنافقين:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . معناه: أولى بكم. ثمّ ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتِق، فقال: وإذا كانت واردةً لهذه المعاني فعلى أيّها حملت إمّا على كونه أولى كما ذهب إليه طائفة، أو على كونه صديقاً حميماً فيكون معنى الحديث: مَن كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإنَّ عليّاً منه كذلك. وهذا صريحٌ في تخصيصه لعليٍّ عليه السلام بهذه المنقبة العليَّة وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة

_____________________

1 - وهي المالك. المعتق بالكسر. المعتق بالفتح. الناصر. ابن العم. الحليف. المتولي لضمان الجرير. الجار. السيد المطاع.

٣٩٣

مَن التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.

وليُعلم أنَّ هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) . والمراد نفس عليٍّ على ما تقدَّم فإنّ الله تعالى لَمّا قرن بين نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نفس عليٍّ وجمعهما بضمير مضافٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت رسول الله لنفس عليّ بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموماً فإنّه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيِّد المؤمنين، وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ المولى لرسول الله فقد جعله لعليٍّ عليه السلام وهي مرتبةٌ ساميةٌ، ومنزلةٌ سامقةٌ، ودرجةٌ عليَّةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ خصَّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأولياءه.

تقرير ذلك وشرحه وبيانه: إعلم أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرةً تهديك إلى سواء السبيل، إنّه لما كان من محامل لفظة المولى (الناصر) وإنَّ معنى الحديث: مَن كنت مولاه فعليٌّ ناصره، فيكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ مَن كان النبيُّ ناصره فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنّما أثبت النبيُّ هذه الصفة وهي الناصريَّة لعليٍّ لَمّا أثبتها الله عزَّ وجلَّ لعليٍّ فإنَّه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قال: لَمّا نزل قوله تعالى:( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صالح المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام. فلمّا أخبر الله فيما أنزله على رسوله وإنَّه ناصره هو الله وجبريل وعليٌّ، يثبت الناصريَّة لعليّ فأثبتها النبيُّ صلّى الله عليه اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثمَّ وصفه صلى الله عليه وسلم بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله رواه الحافظ أبو نعيم في حليته (ج 1 ص 66) بسنده: إنَّ عليّاً دخل عليه فقال: مرحباً بسيِّد المسلمين، وإمام المتَّقين. فسيادة المسلمين وإمامة المتَّقين لَمّا كانت من صفات نفسه صلى الله عليه وسلم وقد عبَّر الله تعالى عن نفس عليّ بنفسه ووصفه بما هو من صفاته. فافهم ذلك.

ثمَّ لم يزل صلى الله عليه وسلم يخصِّصه بعد ذلك بخصايص من صفاته نظراً إلى ما ذكرناه حتّى روى الحافظ أيضاً في حليته (ج 1 ص 67) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال

٣٩٤

رسول الله لأبي برزة وأنا أسمع: يا أبا برزة؟ إنَّ الله عهد إليَّ في عليِّ بن أبي طالب: إنَّه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة؟ عليٌّ إمام المتَّقين، مَن أحبِّه أحبَّني، ومَن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك. فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصّصه صلى الله عليه وسلم عليّاً بكثير من الصفات دون غيره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون(1) .

6 - قال صدر الحفّاظ فقيه الحرمين أبو عبد الله الكنجيُّ الشافعيُّ المتوفّى 658 في «كفاية الطالب» ص 69 بعد ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحدٌ أحقَّ منك لقدمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول الله، وصهرك عندك فاطمة سيِّدة نساء العالمين. وهذا الحديث وإن دلَّ على عدم الإستخلاف لكن حديث غدير خمّ دليلٌ على التولية وهي الإستخلاف، وهذا الحديث أعني حديث غدير خمّ ناسخٌ لأنّه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم.

7 - قال سعيد الدين الفرغانيُّ المتوفّى 699 - كما ذكره الذهبيُّ في العبر - في شرح تائيَّة ابن الفارض الحموي المتوفّى 576، التي أوَّلها.

سقتني حميّا الحبِّ راحة مقتلي

وكأسي مُحيّا مَن عن الحسن جلّتِ

في شرح قوله:

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلاً

عليٌّ بعلمٍ ناله بالوصيَّةِ

وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان عليّ كرَّم الله وجهه ووإيضاحه بتأويل ما كان مشكلاً من الكتاب والسنَّة بوساطة علم ناله بأن جعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصيَّه وقائماً مقام نفسه بقوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. وذلك كان يوم غدير خمّ على ما قاله كرّم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله:

وأوصاني النبيُّ على اختياري

لأٌمَّته رضىً منه بحكمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمِّ

وغدير خمّ ماءٌ على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن: طريق المشاة إلى مكّة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصيَّة من جملة الفضائل التي

_____________________

1 - نقلنا هذا الكلام على علاته وإن كان لنا نظر في بعض أجزائه.

٣٩٥

لا تُحصى خصَّه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فورثها عليه الصلاة والسلام. وقال:

وأمّا حصَّة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الذي هو من أخصِّ معجزاته صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان بما ناله بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها. وبقوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. مع فضائل أُخر لا تُعدُّ ولا تُحصى.

8 - قال علاء الدين أبو المكارم السمنانيُّ البياضيُّ المكيُّ المتوفّى 736 في - العروة الوثقى - وقال لعليّ عليه السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبيَّ بعدي. وقال في غدير خمّ بعد حَجَّة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه. وهذا حديثٌ متَّفقٌ على صحَّته فصار سيِّد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السرِّ أشار سيِّد الصدّيقين صاحب غار النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبو بكر حين بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى علي لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة؟ أنت أمين هذه الأُمَّة أبعثك إلى مَن هو في مرتبة مَن فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسن الأدب.

9 - قال الطيبي حسن بن محمد المتوفّى 743 في «الكاشف» في شرح حديث الغدير، قوله: إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني به قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) . أطلق فلم يُعرِّف بأيّ شيء هو أولى بهم من أنفسهم، ثمَّ قيَّد بقوله:( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) . ليؤذن بأنَّه بمنزلة الأب، ويؤيِّده قرائة ابن مسعود رضي الله عنه: النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبٌ لهم. وقال مجاهد: كلّ نبيّ فهو أبو أُمّته. ولذلك صار المؤمنون إخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. في كونه كالأب، فيجب على الأُمّة إحترامه وتوقيره وبرُّه، وعليه رضي الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنَّأ عمر بقوله: يا بن أبي طالب؟ أصبحت وأمسيت مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.

10 - قال شهاب الدين ابن شمس الدين دولت آبادي المتوفّى 1049 في «هداية السعداء»: وفي «التشريح» قال أبو القاسم (رح) مَن قال: إنَّ عليّاً أفضل من عثمان

٣٩٦

فلا شيء عليه لأنَّه قال أبو حنيفة رضي الله عنه وقال ابن مبارك: مَن قال: إنَّ عليّاً أفضل العالمين، أو: أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شيء عليه لأنَّ المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته كقوله صلى الله عليه وسلم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. أي في زمان خلافته ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يُحصى ولا يُعدُّ.

وقال أيضاً في «هداية السعداء»: وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودستور الحقايق: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا رجع من مكة نزل في غدير خمّ فأمر أن يُجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر فصعد عليها فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله. وقال الله عزَّ وجلَّ:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . قال أهل السنَّة: المراد من الحديث: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. أي في وقت خلافته وإمامته(1)

11 - قال أبو شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشيُّ السالميُّ الحنفيُّ في - التمهيد في بيان التوحيد -. قالت الروافض: الإمامة منصوصةٌ لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه بدليل أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعله وصيّاً لنفسه وجعله خليفةً من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي. ثمَّ هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام فكذلك عليٌّ رضي الله عنه. والثاني: وهو: أنَّ النبيَّ عليه السلام جعله وليّاً للناس لَمّا رجع من مكّة ونزل في غدير خمّ فأمر النبيُّ أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم. فقال عليه السلام: مَن كنت مولاه فعلي موه، أللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، والله جل جلاله يقول:

_____________________

1 - قصدنا من إيراد هذا القول وما يأتي بعده محض الموافقة في المفاد، وأما ظرف الولاية والأفضلية فلا نصافق الرجل عليه، وقد قدمنا البحث عن ذلك مستقصى وسيأتي فيه بياننا الواضح.

٣٩٧

( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، الآية. نزلت في شأن عليّ رضي الله عنه دلَّ على أنَّه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثمّ قال في الجواب عمّا ذكر: وأمّا قوله: بأنَّ النبيَّ عليه السلام جعله وليّاً، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي الله عنه، وفي زمن معاوية رضي الله عنه ونحن كذا نقول. وكذا الجواب عن قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . الآية. فنقول: إنَّ عليّاً رضي الله عنه كان وليّاً وأميراً بهذا الدليل في أيّامه ووقته وهو بعد عثمان رضي الله وأمّا قبل ذلك فلا.

12 - قال ابن باكثير المكّيُّ الشافعيُّ المتوفّى 1047 في - وسيلة المآل في عدِّ مناقب الآل - بعد ذكر حديث الغدير بعدَّة طرق: وأخرج الدارقطني في الفضايل عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: عليّ بن أبي طالب عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: الّذين حثَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلم على التمسّك بهم، والأخذ بهديهم فإنَّهم نجوم الهدى مَن إقتدى بهم إهتدى، وخصَّه أبو بكر بذلك رضي الله عنه لأنَّه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمَّة، وعالم الأُمّة، وكأنّه أخذ ذلك من تخصيصه صلى الله عليه وسلم له من بينهم يوم غدير خمّ بما سبق، وهذا حديثٌ صحيحٌ لا مرية فيه ولا شك ينافيه، ورُوي عن الجمِّ الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمع حجّة الوداع.

13 - قال السيِّد الأمير محمد اليمنيُّ المتوفّى 1182 في - الروضة النديَّة شرح التحفة العلويّة - بعد ذكر حديث الغدير بعدَّة طرق، وتكلّم الفقيه حميد على معانيه وأطال وننقل بعض ذلك (إلى أن قال): ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه. والمولى إذا أُطلق من غير قرينة فُهم منه أنَّه المالك المتصرِّف، وإذا كان في الأصل يُستعمل لمعان عدَّة منها: المالك للتصرُّف ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق إلى الأفهام أنَّه المالك للتصرُّف في أُمورهم. ثمَّ عدَّ منها: الناصر وابن العمّ والمعتِق والمعتَق. فقال: ومنها: بمعنى الأولى قال تعالى:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . أي أولى بكم وبعذابكم. وبعدُ فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة

٣٩٨

مولى السابق المالك للتصرّف لكانت منسوبة إلى المعاني كلّها على سواء وحملناها عليها جميعاً إلّا ما يتعذَّر في حقّه عليه السلام من المعتِق والمعتَق فيدخل في ذلك المالك للتصرُّف، والأولى المفيد ملك التصرُّف على الأُمّة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان إماماً ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: مَن كنت وليَّه فهذا وليّه. والوليّ المالك للتصرُّف بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى الله عليه وسلم: والسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له. يريد ملك التصرُّف في عقد النكاح يعني أنَّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة، فإنّه يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدلّ دليلٌ على التخصيص.

14 - قال الشيخ أحمد العجيليُّ الشافعيُّ في - ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل - بعد ذكر حديث الغدير وقصَّة الحارث بن نعمان الفهري: وهو من أقوى الأدلَّة على أنَّ عليّاً رضي الله عنه أولى بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتِّباع باعتبار الأحوال والأوقاف والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لِما سبق وما سيأتي إنشاء الله تعالى من أنَّ عليّاً رضي الله عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن فلمّا قضى حجَّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره وردّاً على مَن تكلّم فيه كبريدة فإنَّه مكان يُبغضه ولَمّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً فقصَّه لِلنبيِّ صلى الله عليه وسلم فجعل يتغيَّر وجهه ويقول: يا بريدة؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. لا تقع يا بريدة في عليٍّ فإنَّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.(1)

( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا

إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ )

«سورة الحج 24»

_____________________

1 - مرّ الكلام حول هذا الحديث وأمثاله ص 383 و384.

٣٩٩

*(توضيح للواضح)*

في ظرف مفاد الحديث

دعانا إليه إغضاء غير واحد(1) ممّن إعترف بالحقِّ في مفاد الحديث، حيث وجده كالشمس الضاحية بلجاً ونوراً، أو تسالم عليه(2) عن لازم هذا الحقِّ، وهو: أنّه إذا ثبتت لمولانا أمير المؤمنين خلافة الرسول صلّى الله عليه وآله فإنّ لازمه الذي لا ينفكُّ عنه أن تكون الخلافة بلا فصل كما هو الشأن في قول الملِك الذي نصب أحدَ مَن يمتُّ به وليَّ عهده من بعده، أو مَن حضره الموت أوصى إلى أحد، وأشهدا على ذلك، فهل يحتمل الشهداء أو غيرهم أنَّ الملوكيَّة للأوَّل والوصاية للثاني تثبتان بعد رَدحٍ من الزمن مضى على موت المِلك والموصي؟ أو بعد قيام أُناس آخرين بالأمر بعدهما ممّن لم يكن لهم ذكرٌ عند عقد الولاية، أو بيان الوصيَّة؟ وهل من المعقول مع هذا النصِّ أن ينتخبوا للملوكيَّة بعد الملِك، ولتنفيذ مقاصد الموصي بعده، رجالاً ينهضون بذلك؟ كما هو المـِّطرد فيمن لا وصيَّة له ولا عهد إلى أحد؟ أللهمّ لا. لا يفعل ذلك إلّا مَن عزب عن الرأي، فصدف عن الحقِّ الصراح.

وهلّا يوجد هناك مَن يُجابه المنتخِبين «بالكسر» بأنَّه لو كان للملِك نظرٌ إلى غير مَن عهد إليه وللموصي جنوحٌ إلى سوى من أفضى إليه أمره فلماذا لَم ينصّا به وهما يشهدانه ويعرفانه؟ فأين أولئك الرجال؟ لِيجابهوا مَن مرِّت عليك كلماتهم من أنَّ الولاية الثابتة لمولانا بنصِّ يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصوريَّة بعد عثمان.

أوَ ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعرف المتقدَّمين على ابن عمِّه، ويشهد موقفهم، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة؟ فلماذا خصَّ النصَّ بعليّ عليه السلام؟ بعد ما خاف أن يُدعى فيجيب، وأمر الملأ الحضور أن يُبايعوه، ويُبلّغ الشاهد الغايب(3)

_____________________

1 - راجع من كتابنا هذا ص 397 و398.

2 - راجع شرح المواقف 3 ص 271، والمقاصد ص 290، والصواعق ص 26، والسيرة الحلبية 3 ص 303.

3 - تجد هذه الجمل الثلاث في غير واحد من الأحاديث فيما تقدم.

٤٠٠