• البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39860 / تحميل: 4835
الحجم الحجم الحجم
تأريخ جديد للتأريخ  على هامش الفرق الإسلامية

تأريخ جديد للتأريخ على هامش الفرق الإسلامية

مؤلف:
العربية

يجعلونه إماما أونبيا. وأنا أشك أن يقبل إمام أونبي لنفسه أن يكون مجرد تابع وداعية لواحد ممن هم دونه رتبة أو مساوون له في أحسن الحالات !!

وبعد دعوى الإمامة أو النبوة التي لم نصل فيها الى نتيجة واضحة كما ظهر حتى الآن.

ننتقل الى دعوى السحر التي علقت بالمغيرة. فهل كان هذا فعلا مشعوذا ساحرا كما وصفه بعض المؤلفين. وهل كان قتله لهذا السبب ؟

قد يكون المغيرة نظر في السحر وكان يري الناس أشياء من النيرنجات والمخاريق كما يقول الأشعري. لكن كيف نفسر خوف خالد القسري، وهو والي العراق، واضطرا به الى الحد الذي أصبح موضع سخرية الناس في ذلك العهد حتى قال فيه الشعراء ما رأينا بعضه، وهو لا يواجه جيشاً ولا عدواً ذا شوكة وقوة بل واحداً من هؤلاء الذين لا تزيد بضاعتهم على خفة اليد والحركة. ولم يكن شيء أسهل عليه من قتله دون خوف أو اضطراب ودون أن يستطعم الماء وهو على المنبر.

ثم أن الشعر الذي رأيناه لا يشير من قريب أو بعيد الى ما يتهم به المغيرة من تعاطي السحر. وكان حرياً بالشاعر لو صحت التهمة، أن يعرض لها ويجعلها ضمن ما يهجو به خالداً خصوصاً وأنه لم يقصر في وصف المغيرة وأصحابه الاعلاج الثمانية ولم يقصر في هجاء خالد ووصف حالته حين بلغه نبأ خروجهم وهو يخطب.

فهل كان المغيرة إذن ثائراً ضد السلطة القائمة آنذاك ؟ وإذا قبلنا هذا

١٢١

الفرض فلا بد أن تسأل عن هذه الثورة التي قادها والتي نجهل كل شيء عنها وتخلو المصادر من أي ذكر لها وكم عدد الذين ثاروا مع المغيرة وحملوا السلاح في ثورته تلك. أهم الثمانية وشيخهم الذي لا نصير له كما يقول يحيى بن نوفل ؟ وما عسى أن يبلغ هؤلاء في مواجهة خصم هو الدولة، حتى لو رفعنا عددهم الى عشرين وهو أعلى رقم لم يذكره لهم غير المقريزي.

ثم ما علاقة بيان. بن سمعان بالمغيرة وخروجه معه، وهو كما يدعي المؤلفون في العقائد، زعيم فرقة اخرى يسمونها البيانية كما مر بنا. فهل تخلى بيان وتخلى أتباعه وأنصاره عن فرقتهم ومبادئها لينضموا الى المغيرة في ثورتهم التي لا يجمعون معهم فيها أكثر من تسعة أشخاص أو عشرين شخصاً عند المكثر من المؤلفين، بينهم زعيما الفرقتين.

أية فرقة هذه التي لا تستطيع أن تحشد مجتمعة عندما تريد أن تحارب أكثر من عشرين ؟!

ألا نعذر يحيى بن نوفل إذن وهو ينعى على خالد خوفه، ولم ينشب قتال ولم يجرد سيف ولم تتعرض الكوفة لأي خطر، ولا يمكن.

ويظل السؤال عن المغيرة.

ويظل السؤال الآخر كيف أصبح هذا ( المغيرة ) من الشيعة، حتى مع إضافة لفظ ( الغلاة ) إليهم، هذا القيد الذي يلجأ إليه الكتاب والمؤلفون في العقائد عادة، وكأنهم يحاولون أن يخففوا التهمة عنهم، وهم يحشرون في صفوف الشيعة كل من رفضوا معتقده أو استقبحوا مذهبه.

١٢٢

لقد برئ أئمة الشيعة زعماؤهم من المغيرة كما يقول هؤلاء المؤلفون أنفسهم. فماذا يريدون أكثر من ذلك لنفيه ونفي أمثاله وإخراجهم من صفوف الشيعة، وترك الحديث عن غلاة الشيعة، فليس هناك شيعة وغلاة شيعة، وإنما هناك شيعة وغير شيعة فحسب من فرق المسلمين الأخرى، أو من الخارجين على الإسلام.

ان غلاة فرقة ما، هم الذين يحتلون أحد طرفي هذه الفرقة، ولكنهم لا يخرجون عنها وإلا لما جاز أن تضيفهم إليها فتقول ( غلاتها ).

فهل يصح هذا في حالة المغيرية وأمثالهم ؟ وهل يعتبر شيعيا، حتى لو سمي غاليا، أي شيعيا متطرفا، من يشرك بالله ويجعل عليا إلها آخر معه، أو من ينكر نبوة محمد أو يشكك فيها ؟!

أظنني أجب على السؤال... الآخر.

بقي أن أقول ان المغيرة وأمثاله ربما كانوا في وقت ما من أصحاب الأئمة من آل البيت لكن هذا لا يمنع أيا منهم أن تنازعه نفسه للسلطة والرئاسة فيحاول أن يجعل من الصعود بهم فرق منازلهم وإضافة صفات تدخل في حد الكفر إليهم، ثم الزعم بانتقال هذه الصفات إليه، طريقه لما يريد، مستغلا سذاجة من يدعوهم ويغرر بهم، وحبهم وتقديرهم لآل بيت النبي.

ولكن ما ذنب آل البيت عند ذاك ؟ وما ذنب الشيعة أن يخرج واحد أو اثنان أو أكثر فيدعون ما يدعي المغيرة وأشباهه إذا أعلنوا براءتهم منهم ونفوهم عنهم ولعنوا من يصدقهم أو يتصل بهم.

١٢٣

وهل خلت الأديان والمذاهب والفرق الأخرى من أمثال هؤلاء المشعوذين والخارجين والمتنكرين لأديانهم ومذاهبهم وفرقهم.

وهل تحملت تلك الأديان والمذاهب والفرق تبعة المشعوذين والخارجين والمتنكرين ؟!

الكاملية:

وهؤلاء أصحاب رجل لا يعرفه المؤلفون إلا بكنيته: أبي كامل دون أن يضيفوا(١) . أما من أبو كامل هذا، ما اسمه لقبه ماذا كان نشاطه. في أي البلاد ولد وفي أي عصر وأين كانت وفاته ومتى. فهي أمور لا يعرض لها المؤلفون، مع أنهم يكتبون عن رئيس فرقة يؤرخون لها ولعقيدتها ويمنحونها اسما خاصا بها وهم يعدون فرق الغلاة من الشيعة.

وسواء صح وجود هذا ( الأبي كامل ) أم لم يصح، فالكاملية تمثل نموذجاً آخر للفرق التي يدعوها المؤلفون في العقائد ب- ( غلاة الشيعة ).

ولن أطيل الحديث في هذه الفرقة ولن أحتاج إليه فقد كفاني ذلك ما أورده المؤلفون أنفسهم من أن الكاملية يقولون بتكفير علي بن أبي طالب.

ولا أدري فيم غلو الغلاة أفي حب علي أم في بغضه وتكفيره ؟!

وإذا كان الشيعة يرفضون أن يضاف إليهم - حتى مع قيد الغلاة - من يؤلهون عليا فهل سيقبلون بأن يكون منهم من يكفره ؟

ولن يبرر موقف المؤلفين من هذه الفرقة، ولن يسمح لها بمكان بين الغلاة

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ص٦٧.

١٢٤

أو إضافتها إليهم، ان تكفيرهم لعلي كان كما يقول أولئك المؤلفون بسبب سكوته وتركه قتال الصحابة الذين كفروا بترك بيعته.

ماذا سيكون الهذيان غير هذا أو دون هذا ؟ كيف تقول عن فرقة انها غالية - يعني في علي - ثم تقول انها تكفره لأي سبب كان تكفيره.

لو جعل المؤلفون الكاملية من فرق الخوارج لعذرناهم ولكانوا أقرب الى الحق والمنطق.

وعلى كل فهذا ما يقوله المؤلفون أعرضه هنا ولكنني لا أملك تغييره.

الجناحية:

فرقة أخرى من الفرق التي يقول كتاب المقالات انها من غلاة الشيعة.

وزعيم الفرقة التي تحمل هذا الاسم، هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر ( ذي الجناحين ) بن أبي طالب.

ولا أدري لماذا تجاوز المؤلفون في تسمية هذه الفرقة، اسم مؤسسها عبد الله بن معاوية، وذهبوا الى جده الكبير جعفر بن أبي طالب ( ذي الجناحين ) شهيد معركة مؤتة عام ٨ه-، خلافاً لما ساروا عليه من نسبة الفرق الى مؤسسيها، كما مر بنا حتى الآن، كالبيانية والمغيرية والكاملية. وحتى السبئية، فبرغم أن اسم زعيمهم هو عبد الله سبأ، وقد سبق الحديث عنه وعن فرقته، إلا أن شهرته بابن سبأ تتجاوز شهرته باسمه عبد الله.

لعل السبب في ذاك أن اسم رئيس الفرقة مركب، والنسبة للمركب

١٢٥

أصعب من النسبة الى الاسم المفرد، فضلاً عن أن اسم عبد الله يطلق على كثير من رؤساء الفرق، كعبد الله بن سبأ وعبد الله بن عمرو بن حرب، فاختير ( الجناحية ) تجنباً للبس مع العبادلة من رؤساء الفرق الأخرى.

كما تركت النسبة لجده جعفر ( ذي الجناحين ) وهي أولى وأوضح من الجناحية ربما للسبب نفسه أيضاً، أي لما يمكن أن يجره ذلك من الخلط بين أصحابه الجعفرية، نسبة الى جده جعفر بن أبي طالب، وبين الجعفرية: أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق أكبر فرق الشيعة.

وأعود الآن الى عقيدة هذه الفرقة التي يقول عنها الأشعري(١) ( يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وان الأرواح تناسخت وأن روح الله كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت إليه.

قال وزعم أنه رب وأنه نبي فعبده شيعته وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أن الدنيا لا تفنى ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأولون قول الله عز وجل ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا )(٢) .

وقال عنهم البغدادي(٣) ( هؤلاء أتباع عبد الله بن معاوية ابن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب وكان سبب إتباعهم له أن المغيرية الذين تبرؤوا من المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسن خرجوا من الكوفة الى المدينة يطلبون إماما فلقيهم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فدعاهم الى

____________________

١- سورة المائدة ٩٣.

٢- الفرق بين الفرق ص١٥٠.

٣- لقد قتل المغيرة سنة ١١٩ ومحمد النفس الزكية لم يكن قد خرج بعد، بل لم يكن قد عرف وشهر ( قتل سنة ١٤٥). أما خروج عبد الله بن معاوية فكان سنة ١٢٧ أي بعد ثماني سنوات من مقتل المغيرة.

ولا ادري كيف صبر اولئك المساكين الذين كانوا يفتشون عن إله لهم مدة ثماني سنوات من غير أن يعثروا عليه حتى ظفروا عن طريق الصدفة بعبد الله الذي اتفقوا معه على ان يشغل منصب الإله الشاغر حتى ذلك الوقت.

١٢٦

نفسه وزعم أنه هو الغمام عبد علي وأولاده من صلبه فبايعوه على إمامته ورجعوا الى الكوفة وحكوا لأتباعهم أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر زعم أنه رب وأن روح الإله كانت في آدم ثم في شيث ثم دارت في الأنبياء والأئمة الى أن انتهت الى علي ثم دارت في أولاده الثلاثة ثم صارت الى عبد الله ابن معاوية وزعموا أنه قال لهم أن آلعلم ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة في العشب(١) .

وكفرت هذه الطائفة بالجنة والنار واستحلوا الخمر والميتة والزنا واللواط وسائر المحرمات وأسقطوا وجوب العبادات وتأولوا العبادات على أنها كنايات عمن تجب موالاتهم من أهل البيت علي وقالوا في المحرمات المذكورة في القرآن انها كنايات عن قوم يجب بغضهم كأبي بكر وعمر وطلحة والزبير وعائشة... ).

ويقول عنهم الشهرستاني(٢) ( وكان من مذهب عبد الله أن الأرواح تتناسخ من شخص الى شخص وأن الثواب والعقاب في هذه الأشخاص أما أشخاص بني آدم وأما أشخاص الحيوانات قال وروح الله تناسخت حتى وصلت إليه وحلت فيه وادعى الإلهية والنبوة معا وانه يعلم الغيب فعبده شيعته الحمقى...

وعنه نشأت الخرمية والمزدكية بالعراق... )

ويقول ابن حزم عنه(٣) ( وكان عبد الله هذا رديء الدين معطلا مستصحبا للدهرية ).

ويقول الحميري(٤) ( وكان عبد الله بن معاوية يقول انه رب وان العلم

____________________

١- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٣٦.

٢- الحور العين ص١٦٠.

٣- خطط المقريزي ج٤ ص١٧٦.

٤- الفرق بين الفرق ص١٥٠ وشيء قريب من هذا تجده في الحور العين ص١٦٠ وان كان الحميري يجعل الوفد المسافر للتفتيش عن الإمام أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب لا أصحاب المغيرة.

١٢٧

ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة والعشب وان الأرواح تتناسخ وان روح الله كانت في آدم ثم نسخت حتى صارت فيه فعبدته شيعته وكفروا بالقيامة وزعموا أن الدنيا لا تفنى واستحلوا الخمر والميتة وغيرها من المحارم وتأولوا قول الله ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ).

ويتناولهم المقريزي فيذكر أنهم(١) ( أتباع عبد الله بن معاوية.. وزعموا أنه إله... ومذهبهم استحلال الخمر والميتة ونكاح المحارم وأنكروا القيامة.. وزعموا أن كل ما في القرآن من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كناية عن قوم لزم بغضهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وكل ما في القرآن من الفرائض التي أمر الله بها كناية عمن يلزم موالاتهم مثل علي والحسن والحسين وأولادهم ).

فالجناحية إذن يعبدون عبد الله بن معاوية الذي هو عندهم إله، ويستحلون الخمر والزنا والميتة وباقي المحارم. وهذا ما سأعود الى الحديث عنه فيما بعد. لكن ليس من المناسب قبل ذاك، وتمهيدا له، أن نناقش الأسلوب الذي تم به تعيين هذا الاله، وكيف أسندت إليه رتبة الألوهية ؟!

يحدثنا البغدادي عن ذلك كما رأينا، فيذكر أن المغيرية.. ( خرجوا من الكوفة الى المدينة يطلبون إماماً، فلقيهم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، فدعاهم الى نفسه وزعم أنه هو الإمام بعد علي وأولاده من صلبه. فبايعوه على إمامته، ورجعوا الى الكوفة وحكوا لأتباعهم أن عبد الله بن معاوية زعم أنه رب. وأن روح الإله كانت في آدم ثم في شيث، ثم دارت في الأنبياء والأئمة

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٥٠.

١٢٨

الى أن انتهت الى علي. ثم دارت في أولاده الثلاثة. ثم صارت الى عبد الله بن معاوية... الخ )(١) .

والحق انني لم أكن أعرف قبل، أن الأئمة والأنبياء والآلهة يجري اختبارهم بهذا الأسلوب الذي كشف عنه البغدادي لأول مرة. إذ يلتقي الذين يفتشون لهم عن إمام أو نبي بمن تتوفر فيه الصفة المطلوبة، فيتم الاتفاق بين الطرفين: الإمام أو النبي أو الإله من جهة، والأتباع من جهة أخرى. ولا يمنع ذلك أن يتم هذا اللقاء في الطريق، ومن غير موعد سابق. بل ومن غير معرفة سابقة لأحد الطرفين بالآخر.

وأحسب أن لو عرفت ذلك العصر، الطباعة لما احتاج هؤلاء الأتباع الى الذهاب بأنفسهم، ولاكتفوا بإعلان ينشرونه في الصحف، عن حاجتهم الى من يملأ منصب إمام أو نبي.. أو حتى إله شاغر ؟!

وبعد أن ينتهي البغدادي من تعيين عبد الله بن جعفر إلهاً للجناحية، يبدأ في الحديث عن عقيدتهم، فيفصل ما أجمله الأشعري منها. ثم يلاحظ أن الأشعري قد أغفل موقف هؤلاء من الصحابة، فلم يوجه إليهم أية تهمة في هذا الشأن. فماذا عليه لو أضاف تهمة جديدة تنسب إليهم، مثل القول إن العبادات هي ( كنايات عمن تحب موالاتهم من أهل بيت علي ) والمحرمات ( كنايات عن قوم يجب بغضهم كأبي بكر وعمر وطلحة والزبير وعائشة ).

وهذا ما فعله البغدادي(٢) .

أما المقريزي فيأسف ألا تكون لديه هو أيضاً تهمة يضيفها الى عبد الله

____________________

١- خطط المقريزي ج٤ ص١٧٦.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٥٢.

١٢٩

والجناحية، بعدما سبقه الآخرون الى كل ما يخطر على باله من تهم. فعمد الى ايضاح المقصود ب- ( المحارم ) أو ( المحرمات ) عند الأشعري والبغدادي فقال: انه: ( نكاح المحارم ) من أم أو بنت أو أخت. فعبد الله بن معاوية كان يجيز لنفسه: إذن نكاح أمه أو بنته أو أي من محارمه الأخريات كما يرى المقريزي(١) .

غير أن الاكتشاف الأهم، هو الذي تم بجهود الشهرستاني الذي أثبت أن المزدكية التي عرفتها فارس قبل الإسلام، قد نشأت عن مذهب عبد الله هذا(٢) .

وربما يكتشف بعضهم في مذهب عبد الله ما فات الجميع حتى الآن.

بقي أن أسأل أين موضع علي في كل هذا وما شأنه به ؟

عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ( ذي الجناحين ) بن أبي طالب، رجل ليس من أبناء علي ولا من أحفاده، يدعي الإمامة أو النبوة أو الألوهية، وإن روح الإله كانت في آدم وتناسخت حتى صارت إليه وعبده أتباعه.

وسواء صح هذا كما يزعم المؤلفون أم لم يصح. فما علاقته بالغلو في علي، وهو ما يفترضه عنوان البحث، مع أن الحديث كله عن غلو الجناحية في عبد الله بن معاوية وعبادتهم له.

وأي غلو أكثر من زعمك، أن روح الإله قد حلت فيه، وانه تحول الى إله أو نبي بدين جديد، حلل فيه حرام الإسلام وحرم حلاله ؟!

وإذا كانت المسافة التي قطعتها روح الإله في سفرتها، ابتداء من آدم حتى

____________________

١- تاريخ الطبري ج٧ احداث سنة ١٢٧ ص٣٠٢ وابن الأثير ج٥ احداث نفس السنة ص٣.

٢- الطبري ج٧ احداث سنة ١٢٧ ص٣٠٢ وما بعدها واحداث سنة ١٢٩ ص٣٧١ وما بعدها وابن الأثير ج٥ احداث سنة ١٢٩ ص٣٦ وما بعدها والاغاني ج١٢ ترجمة عبد الله بن معاوية ص٢٢٩.

١٣٠

عبد الله بن معاوية طويلة جدا، وعبرت خلالها من المحطات، بعدد الأنبياء والأئمة. كما يقول المؤلفون. فلماذا لا يكون الغلو في آدم الذي انطلقت منه، أو في عبد الله بن معاوية الذي استقرت فيه، أو في واحد من الألوف الذين حلت فيهم ورحلت عنهم، ليرتبط من دون أولك كلهم بعلي وبنيه، وهم لا يختلفون في شيء عن غيرهم ممن مرت بهم روح الإله ثم تحولت عنهم كما يدعون. مع علمنا بإن روح الإله التي حلت في علي وبنيه لم تكن تجيز الخمر والزنا، ولا المحرمات الأخرى. فكيف اختلفت وأصبحت عند انتقالها الى عبد الله بن معاوية، واستقرارها فيه - مع قرب المسافة بين الطرفين - تستحل الخمر والزنا ونكاح المحارم، وتنكر القيامة والجنة والنار ؟

ثم اني اعرف شخصا اسمه هو أيضا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ( ذي الجناحين ) بن أبي طالب، ولا أدري إن كان هو نفسه الذي يتحدث عنه الأشعري والبغدادي والشهرستاني... الخ أم هو شخص آخر غيره.

لكن هذا الشخص الذي أعرفه كان ثائرا ضد السلطة الأموية.

يقول عنه الطيري في حوادث سنة ١٢٧(١) .

( وفي هذه السنة دعا الى نفسه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالكوفة وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان فهزمه عبد الله بن عمر فلحق بالحبال وغلب عليها ).

واستمر عبد الله في ثورته حتى سنة ١٢٩، وتنقلت ساحات قتاله بين

____________________

١- ابوه الغضبان بن القبعثري من سادات بني شيبان في العصر الأموي.

١٣١

وخلال ذلك خاض معارك كثيرة، جرب فيا حظه من النصر والهزيمة والفوز والخذلان، حتى انتهى سنة ١٢٩ قتيلاً في هراة بأمر أبي مسلم صاحب دولة العباسيين.

ويذكر الطبري وابن الأثير(١) أن جيش ابن معاوية ضم في صفوفه اليمن وربيعة ومضر وأهل الكوفة والزيدية والخوارج، والكثير من وجوه العرب وذوي البيوت، كعبد الرحمن بن يزيد بن المهلب وعمر بن الغضبان بن القبعثرى الشيباني(٢) ومنصور بن جمهور الكلبي(٣) وإسماعيل بن عبد الله القسري، شقيق خالد بن عبد الله القسري، والي العراقيين من قبل هشام بن عبد الملك وعمرو بن سهل بن عبد العزيز بن مروان، ومن كان معهم من أهل الشام. كما أتاه بنو هاشم: والسفاح والمنصور وعماهما عبد الله وعيسى ابنا علي ابن عبد الله بن عباس. وقد أسر أولهما في آخر معارك عبد الله بن معاوية.

فعلى امتداد ثلاث سنوات ١٢٧، ١٢٨، ١٢٩ كان ابن معاوية يحارب، ويحارب معه أصحابه، فيقتلون ويقتلون. وبينهم رؤوس العرب ووجوه الهاشميين والأمويين. وبينهم أهل الكوفة والشام. وبينهم الخوارج المتشددون في أمور الدين، والذين يكفرون تمن يرتكب أدنى خطيئة واهون ذنب.

الم يكتشف واحد من هؤلاء شيئا مما اتهم به عبد الله بن معاوية، وهو كثير خطير ابتداء من دعوى الألوهية والنبوة وحتى نكحاح المحارم ؟!

وكيف إذن اكتشفه بعد مئات السنين، الأشعري والبغدادي

____________________

١- من رجال كلب وفرسانهم خرج مع يزيد بن الوليد، مات في الصحراء بين السند وسجستان عام ١٣٢ عند قيام الحكم العباسي.

٢- تاريخ الطبري ج٧ احداث سنة ١٢٩ ص٣٧٤.

٣- الأغاني ج١٢ ترجمة عبد الله بن معاوية ص٢٢٥.

١٣٢

والشهرستاني والمقريزي وغيرهم ؟!

أم أنهم اكتشفوا ذلك ورضوا به واعتقدوه. وكان قتالهم مع ابن معاوية ديناً وعقيدة، عن معرفة وايمان ورضى بنكاح الأم والبنت والأخت ؟!

ان أشد ما اتهم به عبد الله بن معاوية، هو ما أشار إليه الطبري(١) في الحديث الذي دار بين عامر بن ضبارة وبين عبد الله بن علي، عم السفاح والمنصور، وما أورده أبو الفرج في ترجمته لعبد الله بن معاوية.

فأما الطبري فيروي أنه حين أتي بعبد الله بن علي أسيراً ن في آخر معركة خاضها جيش ابن معاوية عام ١٢٩ ضد الجيش الأموي وانهزم فيها، سأله عامر ابن ضبارة قائد الجيش الذي أسره ( ما جاء بك الى ابن معاوية وقد عرفت خلافة أمير المؤمنين ؟ قال كان عليّ دين فأديته ) ثم قال له ابن ضبارة ( ان الذي قد كنت معه قد عيب بأشياء فعندك منها علم قال نعم وعابه ورمى أصحابه باللواط ).

وانتهى الحديث كما يروي الطبري بين الاثنين.

وألاحظ أولا أن الحديث كان يدور بين ابن ضبارة، قائد الجيش المنتصر وبين عبد الله بن علي الأسير لديه، والذي كانت حياته كلها معلقة بكلمة أو إشارة تصدر من آسره. وهي مسألة لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، عند الحكم على موقف عبد الله أو موقف شبيه منه.

ثم انه لا ابن ضبارة، ولا عبد الله بن علي، قد وجها تهمة واحدة محددة لعبد الله بن معاوية، غير تهمة الخلاف لأمير المؤمنين أي الخروج على السلطة

____________________

١- فرق الشيعة للنوبختي ص٣٤ و٣٥. وفي ( فرق الشيعة ) ط النجف ص٣٨ ( وقال بالسرياني أي بني ).

١٣٣

وهي تهمة سياسية ليس فيها ما يتصل مطلقا بما ألصف به فيما بعد. بل ان ما الصق به يتنافى عادة، مع السياسة والثورة وطبيعة الثوار.

أما ما زاد على ذاك، فلا يحدد تهمة ولا يؤكد عيبا. فكل ما قاله قائد الجيش أن ابن معاوية قد عيب بأشياء. وكل ما رد به عبد الله أن له علما بهذه الأشياء. فلا السائل ولا المسؤول بينا الأشياء التي عيب بها عبد الله بن معاوية.

وما أظن من حق أحد، بعد قرنين من الزمان أو أكثر، أن يختلق تهما يرمي بها ابن معاوية، وهي لم تعرف حتى من أعدائه وأثناء ثورته عليهم وقتاله لهم.

لو كان ابن معاوية حقا كما اتهم، لما تردد عامر بن ضبارة في بيان تلك التهم، والزيادة فيها والإضافة إليها في حديثه مع عبد الله.

فلم يكن ابن ضبارة رفيقا بعبد الله بن معاوية الى هذا الحد، ليمر بالتهم المنسوب إليه فلا يصرح بها، وهو الذي دخل معه حربا، كان من المحتمل أن يفقد جيشه ومنصبه وحياته فيها.

بل لكان ابن ضبارة وغير ابن ضبارة ممن هم فوقه أو دونه، قد أسرعوا الى استغلال تلك التهم لتشويه سمعة عبد الله وإضعاف أمره وتفريق أصحابه عنه، خلال المدة التي استمرت فيها ثورته. ولما انتظروا فيها هزيمته وأسر من أسر من جيشه، ومنهم عبد الله بن علي. فماذا يجدي عليهم ذلك الآن وقد انتهى الرجل وزال خطره وأصبح مشغولا بالبحث عن ملجأ له.

أما اتهام أصحاب عبد الله باللواط، فلا أدري مَن من أصحابه كان ذلك ؟ الخوارج، أم وجوه الهاشميين والأمويين، أم رؤساء القبائل وذوو البيوت منهم ؟!

١٣٤

وعلى كل فان تهمة اللواط لم توجه له وإنما لأصحابه. ثم ان اللواط - مع اعتبار الظرف الذي كان يحيط بعبد الله بن علي وهو يرد على سائله قائد الجيش - هو العيب الوحيد الذي ذكره الطبري، وهو عيب مهما قيل فيه فلا يمكن أن يصل الى إدعاء الألوهية ونكاح المحارم، وهي بعض التهم التي ألصقها مؤرخو العقائد الذين سبق ذكرهم ن بعبد الله بن معاوية وأصحابه ( الجناحية ).

والى هنا ننتهي من حديث الطبري وابن الأثير لنستمع الى رأي أبي الفرج في عبد الله بن معاوية.

يقول أبو الفرج ( وكان عبد الله من فتيان بني هاشم وأجوادهم وشعرائهم ولم يكن محمود المذهب في دينه وكان يرمى بالزندقة ويستولي عليه من يعرف ويشهر أمره فيها... )(١) .

وأبو الفرج يستعمل هنا صيغة ( وكان يرمى ) وهي صيغة لا تفيد التأكيد في حال من الأحوال. ولو أراد ابو الفرج غير ذلك، أو لو كان واثقاً من تهمة الزندقة لقال ( وكان عبد الله زنديقاً أو مجاهراً بزندقته ) أو أية صيغة أخرى تفيد الغرض.

هذا إذن كل ما وجهه أبو الفرج الى عبد الله واتهمه به: ( لم يكن محمود المذهب وكان يرمى بالزندقة.. ).

وهذا ما دونه، هو القدر الذي أستطيع قبوله من سيرة عبد الله وعقيدته.

أما ما تجاوز ذلك فلا استطيع فهمه ولا قبوله، إلا على أنه قد اختلق وأضيف وجرى تناقله فيما بعد، كل يزيد على من سبقه من المؤلفين. وبعكس

____________________

١- مقالات الإسلاميين ص٧٤.

١٣٥

هذا فسأجد حرجاً كبيراً في التوفيق بين أتباع رؤوس العرب والمسلمين لعبد الله، في ثورة ضد السلطة الأموية، استمرت ثلاث سنوات، سلت فيها سيوف وسالت دماء، وبين كل هذه التهم المنسوبة لزعيمهم وقائد ثورتهم.

أكان أولئك كلهم يتبعون زنديقاً مستحلاً للمحارم، ينتحل الألوهية والنبوة والإمامة، ويجيز اللواط والخمر والزنا ونكاح الأم والبنت والأخت فلا يعلمون ولا يسألون، او يعلمون ويرضون ؟!

انني لا أريد الدفاع عن عبد الله، ولا رفع التهمة عنه، ولكني أريد الدفاع عن العقل ورفع التهمةعنه.

وأخيراً فما شأن علي بن أبي طالب والغلو والغلاة فيه، وما اتهم به ابن معاوية: أن يكون إلهاً أو زنديقاً أو لواطاً... أو لا يكون.

المنصورية:

أتباع أبي منصور العجلي، من عجل بن لجيم، من بكر بن وائل. وينسبه النوبختي الى عبد القيس ويقول عنه: انه كان أمياً نشأ في البادية وسكن الكوفة.

وقد ادعى بعد وفاة محمد بن علي ( الباقر ) أنه فوض إليه أمره وجعله وصيه من بعده. ثم ترقى به الأمر كما يذكر النوبختي الى أن قال ( كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام نبياً ورسولاً وكذلك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وأنا نبي ورسول والنبوة في ستة من ولدي يكونون بعدي أنبياء... ) ( وزعم أن جبرائيلعليه‌السلام يأتيه بالوحي من عند الله عز وجل

١٣٦

وأن الله بعث محمداً بالتنزيل وبعثه هو - يعني نفسه - بالتأويل... ).

كما ادعى ( أن الله عز وجل عرج به إليه فأدناه منه وكلمه ومسح يده على رأسه وقال لي بالسرياني - ينتقل النوبختي الى صيغة المتكلم هنا - وذكر أنه نبي ورسول وأن الله اتخذه خليلا )(١) .

وقال عنه الأشعري(٢) ( أتباع أبي منصور، يزعمون أن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ( أبو منصور)... وأنه هو الكشف الساقط..(٣) وزعم أبو منصور أنه عرج به الى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ثم قال له أي بني أذهب فبلغ عني ثم نزل به الى الأرض... وزعم أن عيسى أول من خلق الله من خلقه ثم علي... وكفر بالجنة والنار وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل واستحل النساء والمحارم واحل ذلك لاصحابه وزعم ان الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحارم حلال وقال لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئاً تقوى به أنفسنا وإنما هذه الأشياء أسماء رجال حرم الله ولايتهم وتأويل في ذلك قوله تعالى ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا )(٤) .

وأسقط الفرائض وقال هي أسماء رجال أوجب الله ولايتهم(٥) .

ويتفق البغدادي الذي يتابعه الأسفراييني كعادته، مع النوبختي والأشعري فيما ذهبا إليه من ادعاء أبس منصور الإمامة بعد الباقر ومن عروجه الى السماء ومسح الله على رأسه وطلبه منه التبليغ عنه.

كما يتفق مع الأشعري في أنه الكسف الساقط من السماء لكنه يختلف

____________________

١- سورة الطور ٤٤ ( وان يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم ).

٢- سورة المائدة ٩٣.

٣- سبق ان راينا ذلك عند الجناحية اصحاب عبد الله بن معاوية الذين تأولوا هم ايضا الآية ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات... ) على انها تعني رجالاً مخصوصين. ويقول الغزالي وهو يتحدث عن الباطنية ان ( المحرمات - وهو يقصد عند الباطنية طبعا - عبارة عن ذوي الشر من الرجال والعبادات عبارة عن الأخيار الأبراب الذين أمرنا باتباعهم ) فضائح الباطنية ص٥٦.

٤- الفرق بين الفرق ص١٤٩ والتبصير في الدين ص٧٣ ومقالات الإسلاميين ج١ ص٧٤ وفي شرح المواقف للجرجاني ج٣ ص٢٨٧ ( والجنة رجل امرنا بموالاته وهو الامام والنار بالضد ) فالجرجاني يتفق مع الأشعري في ذلك مع تفصيل لصفة الرجلين - الجنة والنار -.

٥- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٥.

١٣٧

عنه في تفسير الجنة والنار عند أبي منصور والمنصورية. فالبغدادي يرى أن الجنة هي نعيم الدنيا في عقيدة هؤلاء، والنار محن الناس فيها. بينما يذهب الأشعري الى أنهما رجلان كما مر بنا قبل قليل(١) .

وإذا تركت النبوة التي يتفق فيها ان حزم مع النوبختي والتي لم يعرض لها الأشعري صراحة فلا أكاد أجد فرقا لدى ابن حزم(٢) عما أورده الأشعري وغيره إلا ما ذكره عن المنصورية من أنهم ( يقتلون من كان منهم ومن خالفهم ويقولون نعجل المؤمن الى الجنة والكافر الى النار )(٣) .

كما لا أجد فرقا لدى الشهرستاني عما ذكره الأشعري من حديث أبي منصور وانتقال الإمامه إليه بعد الباقر وعروجه الى السماء ومن تأويل المحرمات على أنها أسماء أشخاص أمر الله بمعاداتهم والفرائض أسماء أشخاص أمر بموالاتهم لكنه يبدو حائرا في الكسف الساقط من هو: الله ؟ أم علي ؟! أم أبو منصور نفسه ؟(٤) .

ويتناول ابن قتيبة وابن عبد ربه وابن رستة والرازي والجرجاني المنصورية باختصار شديد(٥) .

وقبل مناقشة الغلو في عقيدة المنصورية كما يعرفها المؤلفون، أجدني مضطراً أن اناقش مسألة أخرى تبدو لي على جانب كبير من الخطورة، وهي هذه الظاهرة التي تتمثل في كثرة مدعي النبوة والألوهية ممن رأينا، وممن سنرى.

فهل ادعى هؤلاء حقاً النبوة والألوهية، وهل كانت هذه الدعوى من السهولة، بحيث يستطيع حتى الأمي كأبي منصور، أن يدعيها، وأن يجد من يصدقه

____________________

١- وهذا مر لم نعرفه عند اية نحلة اخرى غير ( منصورية ) ابن حزم فمن الذي سيقتل المخالفين لهم إذن اذا قتل هؤلاء المنصورية أنفسهم كما يقول ابن حزم. على ان ما ورد لدى الأشعري والبغدادي أنهم يستحلون خنق المنافقين لهم.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٧٨، ١٧٩.

٣- المعارف ص٦٢٣، والعقد الفريد ج٢ ص٢١٩ وفيه خلط بين المنصورية والسبئية فضلا عن ان ابن عبد ربه يجعل الكسف عليا والسحاب ابا منصور وهو ما لم يقله احد من المؤلفين، والأعلاق النفسية ص٢١٨ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٨ والتعريفات ص١٣٧.

٤- اسمه محمد ابن ابي زينب وهو المشهور وفي خطط المقريزي ج٤ ص١٧٤ ابن ابي ثور او ابن يزيد وفي التحرير الطاووسي للشيخ حسن بن الشهيد الثاني اسمه محمد او مقلاص ويكنى بأبي الظبيان او ابي اسماعيل او ابي الطيبات الأجدع الأسدي او مولاهم رئيس فرقة الخطابية موضوع بحثنا وانظر ايضا عنه وعن موقف جعفر بن محمد الصادق منه رجال الكشي تعليق السيد احمد الحسيني - نشر مؤسسة الاعلمي للمطبوعات - كربلاء ص٢٤٦ ورجال ابن داود - طهران رقم ٤٦٧ عمود ٥١٠.

٥- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٥.

١٣٨

ويستجيب له فيها ؟!

ولأترك السلطة، فقد يجاب بأنها قامت بما كان يلزمها من قمع أولئك المدعين. فقتل والي الأمويين خالد بن عبد الله القسري، فلاناً وصلب فلانا. وقتل واليهم الآخر يوسف بن عمر الثقفي، فلاناً من المدعين وصلب فلاناً. وقتل عيسى بن موسى العباسي قائد المنصور، فلاناً وفلاناً. وماذا يطلب من السلطة أكثر من هذا أو غير هذا، وقد فعلته.

ولا أريد الرد هنا، وإن كنت أملكه. ولكني أسأل عن الإسلام والمسلمين خارج السلطة. وخارج الحكم. ما شأنهم، ما موقفهم، ماذا كانت ردود فعلهم لو صدقنا المؤلفين فيما يقولون ؟

كيف يمكن أن يستجيب المسلمون، بعد أكثر من قرن على قيام الإسلام ورسوخه وانتشاره، لمن يدعي الألوهية أو النبوة، فيقاتلون معه ويقتلون دونه ؟! أكانوا في شك من دينهم ونبيهم، أم كانت الألوهية والنبوة أمراً هيناً مما يتداوله الناس من أمور ذلك العصر، يتعاطاه من شاء ويسعى إليه من شاء ؟!

ان وجود مدعي الألوهية والنبوة بهذه الكثرة في العصر الذي نتحدث عنه، يثير بحق سؤالاً بالحجم نفسه، عن دور الإسلام الذي لم يستطع أن يحصن المسلمين ضد النصابين والسحرة والمشعوذين، من مدعي الألوهية والنبوة.

ولو شئت أن أكون أكثر صراحة لقلت، أنه اتهام للإسلام أكثر مما هو اتهام لهؤلاء المدعين الذين وجدوا أغبياء وحمقى وفراغاً روحياً، فاستغلوا الغباء والحمق، واستغلوا الفراغ الروحي.

١٣٩

ذلك مع الأسف ما يقودنا إليه لأخذ بما أورده المؤلفون في العقائد. وذلك ما لا أظن مسلماً يرضاه ويقبل به.

وأعود الآن الى صاحبنا أبي منصور، وما أحسبه إلا عاتباً أو غاضباً على الأشعري، ألا يكون وضعه في الموضع الذي يستحق، فتجاهل نبوته ولم يصرح بها كما فعل النوبختي وابن حزم، واقتصر على وصفه إماماً بعد محمد بن علي، مع أن الأشعري اعتبر أنبياء، من هم دونه رتبة ومنزلة، ومن لم يعرج بهم الى السماء ولم يكلمهم الله بالسرياني كما يقول النوبختي. ولم يطلب منهم التبليغ عنه، ولم يأتوا أخيراً بدين جديد يخالف دين محمد كما يعترف الأشعري نفسه.

لكن ما استعصى علي فهمه في حديث أبي منصور هو لماذا اختار الله السريانية وفضل بها الكلام معه ؟ صحيح أن الله يتكلم جميع اللغات. ولكن لا ( النبي ) أبو منصور الذي يريده أن يبلغ عنه، كان يعرف السريانية أو يتكلمها في بادية قومه بني عجل، ولا من بعثه إليهم كانوا يعرفون السريانية أو يتكلمونها ليتم التبليغ بها. فهل كان ذلك لتأكيد معجزة أبي منصور ؟ ربما وعلى كل فأنا هنا أنقل بأمانة ما يسميه الناس منذ مئات السنين ( تأريخا ).

وأعود مرة أخرى ولكن لأرى هذه المرة أين مكان الغلو في علي عند أبي منصور والمنصورية ؟

ان الرجل لم يرض لنفسه أن يتساوى مع علي.. فكيف يغلو فيه ؟! فإذا كان علي نبيا ورسولا، فهو أيضا نبي ورسول، ولكنه - وهو امتياز لا يشاركه علي فيه - عرج به الى السماء ورأى الله الذي مسح على رأسه وكلمه

١٤٠