• البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40032 / تحميل: 4878
الحجم الحجم الحجم
تأريخ جديد للتأريخ  على هامش الفرق الإسلامية

تأريخ جديد للتأريخ على هامش الفرق الإسلامية

مؤلف:
العربية

عمرو بن حرب. فهل كان هذا اماماً كما يقول الاشعري والشهرستاني ؟ وان كان حديثهما عن تحول روح ابي هاشم اليه يوحي بأن الموضوع يتجاوز حدود الامامة.

ام انه كان الهاً كما يقول البغدادي والأسفراييني وابن حزم ؟ وما اظن الفرق بين الامام والاله مما يمكن الخطأ فيه !!

وعلى كل فلا ادري ما وجه بحث هذه ( الفرقة ) ضمن فرق الرافضة او الشيعة عموماً: شخص ادعى انه امام او اله، ولأفترض انه وجد بعض الأغبياء والحمقى ممن يصدقونه في دعواه، فما علاقة ذلك بالشيعة، والرافضة منهم على وجه الخصوص، واقصى ما يرميهم به خصومهم، انهم رفضوا ابا بكر وعمر، وليس فيه ما يخرجهم عن الاسلام. بينما تتجاوز دعوى الالوهية الاسلام والمسلمين، شيعة وغير شيعة.

وما يصدق على الحربية، يصدق كذلك على البيانية الذين يبحثهم الاشعري مع الرافضة من الشيعة مرة، ومع الغلاة الخارجين عن الاسلام مرة اخرى(١) والذين سنعرض لهم ايضاً عند الحديث عن فرق الغلاة.

الصنفان الثاني عشر والثالث عشر من الرافضة:

ففي الصنف الثاني عشر يقول الاشعري انهم ( يزعمون ان الامام بعد ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ).

والأشعري يخطئ هنا فيما لا يقع الخطأ فيه عادة فان علي بن الحسين توفي عام ٩٤ه- أي قبل وفاة ابي هاشم عام ٩٩ ه- بخمس سنين فكيف تكون

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٩٥.

٦١

الامامة لعلي بعد ابي هاشم.

اما عن الصنف الثالث عشر ( المغيرية ) فان الاشعري يكرر هنا ما فعله مع الحربية والبيانية حيث المغيرية في فرق ( الرافضة الامامية ) مع بحثهم في فرق الغلاة الخارجين عن الاسلام.

فأنت لا تدري اين مكان هذه الفرقة لدى الاشعري: ضمن فرق المسلمين، ام ضمن تلك الفرق ؟ مع انها كفرقة يفترض ان يكون لها ما يمثل الحد الادنى لما يجب ان تكون عليه الفرق، عقيدة وانصارا، والا لما وجد الاشعري مسوغا للكتابة عنها.

واذا كان هناك خطأ او اجتهاد، فلا يمكن في اية حال ان يكون هذا الخطأ او الاجتهاد في اسلامها او عدم اسلامها.

كيف تستطيع ان تحمل اذن محمل الجد ما يقوله شخص، لا يدري وهو يعرض لفرقة ما - هي المغيرية هنا - أمسلمون هم ام غير مسلمين ؟!

وعلى كل فقد تكلمنا عن المغيرية ضمن حديثنا عن فرق الغلاة. ولهذا فنحن نحيل عليه في مكانه هناك لمن اراد الوقوف على رأينا في هذه الفرقة.

الكاملية:

وهم الذين يكفرون الصحابة ويكفرون عليا معهم. ويضعهم البغدادي ضمن فرق الامامية(١) ، ويبحثهم الآخرون ضمن فرق الغلاة، مؤكدين - كلا الطرفين - ما سبق ان قلنا من عدم وجود ضوابط محددة تحكم تصنيف الفرق، بما يجنبك الخلط والاضطراب كما هي الحال الآن.

____________________

١- الفرق بين الفرق ص٣٥.

٢- المعارف ص٦٢٢، والبدء والتأريخ ج٥ ص١٣٣، والاعلاق النفسية لابن رستة ص٢١٨.

٦٢

وقد بحثنا هذه الفرقة عند حديثنا عن فرق الغلاة، جريا وراء الغالبية من المؤلفين. فهناك موضعها لمن اراد.

وفي جميع الاحوال فان السؤال الذي لا بد ان نواجهه، هو كيف تتصور فرقة من الشيعة الامامية او من الغلاة - في علي طبعا - وهي تكفر عليا ؟!

وماذا تركت للنواصب والخوارج ؟ !

الخشبية:

ما سمعت باسم هذه الفرقة من الرافضة مرة الا ظننت ان هناك تصحيفاً او خطأ في الاسم، واتهمت نفسي بأنني لم اهتد الى الصواب فيه. ذلك ان الفرق التي مرت والتي ستمر، تحمل في غالبيتها اسماء اشخاص. وانا لم اعرف بين اصحاب الفرق من اسمه خشب لتحمل فرقته اسم ( الخشبية ) نسبة اليه، وان كان العرب قد سموا حجراً وصخراً وما ماثل ذلك.

على ان اتهامي لنفسي لم يطل لحسن الحظ فقد تأكدت من صحة الاسم، ووجدت المؤلفين يفسرون ( الخشبية ) بانهم كانوا يحملون الخشب ويحاربون به بدلاًً من السيوف.

هذا ما يقوله عنهم ابن قتيبة في معارفه ( من الرافضة كان ابراهيم بن الاشتر لقي عبيد الله بن زياد واكثر اصحاب ابراهيم معهم الخشب فسموا الخشبية )(١) .

وتساءلت، ولماذا يحارب هؤلاء بالخشب دون جميع الناس في ذلك

____________________

١- سبق الحديث عن معركة الخازر في بحث الكيسانية ويمكن الرجوع إليها في كتب التأريخ في أحداث سنة ٦٧.

٦٣

الوقت ؟ اكانوا لا يحسنون الضرب بالسيف كغيرهم من العرب والمسلمين، ام انهم لا يملكون، ام كان الخشب امضى واشد فتكاً من السيف في حروبهم ؟

وتساءلت ثانية: ماذا سيكون اسمهم عند المؤلفين المسلمين لو انهم عدموا الخشب ايضا فلجأوا الى الحجارة يحاربون بها، او اكتفوا بأيديهم فحسب وقد عدموا الحجارة كما عدموا السيف والخشب.

أيكون اسمهم عند ذاك الحجرية او اليدوية. وتنشأ فرقة كاملة من فرق المسلمين، تبحث في كتب الفرق، ويخلق لها زعيم واتباع وعقيدة خاصة مأخوذة من الحجارة او من الايدي، لضاف فيما بعد الى الرافضة طبعاً ؟!

ولكن متى استعمل الخشبية هؤلاء الخشب، وفي اية معركة ؟

يجيب ابن قتيبة بان ذلك كان عندما لقي ابراهيم بن الاشتر عبيد الله بن زياد، اي في معركة الخازر في الموصل بداية عام ٦٧ ه- التي انتهت بهزيمة جيش الشام ومقتل عبيد الله نفسه وقادة جيشه الذي كان اضعاف جيش ابن الاشتر وقد تقدم حديث ذلك(١) .

أيكون الخشب اذن امضى واشد فتكاً من السيف كما قلت فيتنصر حملة الخشب والمحاربون به على حملة السيف والرمح وغيرهما من الاسلحة التي كانت معروفة في ذلك العهد ؟!

ويضحكني اكثر رأي الملطي في تعليل التسمية فهو يقول ( ومنهم صنف قالوا ان علياً افضل الناس كلهم وطعنوا على ابي بكر وعمر وعثمان رضي ‌الله‌ عنهم وقدموا علياً في الخلافة فصاروا هؤلاء !! بطعنعم وتقديمهم رافضة يقال لهم الخشبية )(٢) .

____________________

١- التنبيه والرد ص١٥٥.

٢- ابن الأثير أحداث سنة ٦٦ ه- ج٤ ص٥٣.

ويذكر ابن سعد الخشبية في ج٥ ص٧٦ في ترجمة محمد بن الحنفية قائلاً ( وحج عامئذ - يقصد عام ٦٨ه- - محمد بن الحنفية في الخشبية معه وهم أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى ) وإذا كان ابن سعد يقصد الذين أرسلهم المختار وأشار إليهم ابن الأثير فان هؤلاء قد جاؤوا الى مكة عام ٦٦ه- في حياة المختار وليس بعد موته الذي يجعله

ابن سعد عام ٦٨ه- مخالفاً فيه الطبري وابن الأثير والمسعودي وغيرهم من المؤرخين الذين يتفقون على أن مقتل المختار كان عام ٦٧ه-.

ثم يعود ابن سعد الى ذكر الخشبية في ترجمة عبد الله بن مطيع ص١٠٩ من الجزء نفسه ولكن دون أن يوضح إن كان يقصد بالخشبية حملة خشب أم فرقة اسمها كذلك.

٦٤

فأنا لا ادري ما وجه الصلة بين الطعن على الخلفاء وتفضيل علي، وبين الخشب وتسمية هؤلاء بالخشبية ؟

ولا أكتمك، انني ما اردت الضحك يوما الا رجعت للملطي، أقرأ ما كتبه عن الفرق الاسلامية. فأنا لم اجد احمق ولا اكثر تخليطا من هذا الملطي، ولا أجرأ على الخوض فيما لا يحسن - وما اظنه يحسن شيئا - منه. ودونك كتابه لتعرف كم كنت رفيقا به حين اقتصرت في وصفه على ما قلت.

على ان ابن الاثير له رأي آخر في تسمية الخشبية، فهو يقول ( وانما قيل لهم خشبية لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة اشهار السيوف في الحرم )(١) . وكان المختار قد ارسلهم لإنقاذ محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس ومنم معهم من الهاشميين وانصارهم الذين سجنهم عبد الله بن الزبير في سجن عارم لإجبارهم على البيعة له. واوشك ان يضرم فيهم النار لو لا وصول المدد الذي أرسله المختار.

واذا كان رأي ابن الأثير اكثر قبولاً في تفسير التسمية لجماعة امتنعوا عن دخول الحرم مع سيوفهم اجلالا واحتراما للمكان وقداسته. فانه يبقى غير مقبول اذا اراد ابن الاثير ان يجعل من حمل الخشب وترك السيف، لما ذكره من اسباب، علما على فرقة سياسية دينية. وكأن حمل الخشب في نظره عقيدة ومذهب لها.

ويتحدث صاحب الأغاني في ترجمته لأعشى همدان عن حصار المهلب بن ابي صفرة لنصيبين وفيها ابو قارب يزيد بن ابي صخر ومعه ( الخشبية ) وقول المهلب يحرض اصحابه ( يا ايها الناس لا يهولنكم هؤلاء القوم فانما هم العبيد

____________________

١- الأغاني ج٦ ترجمة أعشى همدان.

ويقول المسعودي في مروج الذهب ج٣ ص٩٩ ان الذي سماهم خشبية هو مصعب بن الزبير دون أن يعطي سبباً لذلك وفي هامش الصفحة نفسها ( في نسخة سماهم الحسينية ) في فرق الزيدية يذكر البرسي في مشارق أنوار اليقين ص٢٥٥ فرقة اسمها الخشبية.

٦٥

بأيديهم العصي )(١) .

وقد هزم اصحاب المهلب: هزمهم ايضا الذين يحملون العصي.

وان كنت أظن المهلب لم يرد في قوله الا تحقير اعدائه والتقليل من شأنهم في عيون اصحابه بتشبيههم بالعبيد - وربما كان بينهم بعض الموالي - وهؤلاء لا يصلحون في نظر العرب لحمل السيف والقتال به وما هو بسلاحهم، وانما سلاحهم العصي والخشب ان احتاجوا الى سلاح.

ما أحسب المهلب كان يقصد شيئا غير هذا.

وما احسب ابا الفرج من جانبه كان يقصد بالخشبية فرقة من اتجاه معين لعدم وجود هذه الفرقة لا في وقته ولا في أي وقت آخر وانما اراد، وقد ساقه الحديث الى هذا الموضع، ان يسمي هؤلاء الذين حاصرهم المهلب، والذين لا يملكون غير العصي. فكيف سيسميهم بغير ( الخشبية ) وهو لا يعرف لهم اسما آخر، وقد سبقه المهلب نفسه وسهل له الطريق الى هذه التسمية حين وصفهم بحملة العصي.

هذا ما اراده ابو الفرج كما اظن، خلافا لابن قتيبة الذي لا يبدو موفقا في تسميته لأصحاب ابراهيم بن الاشتر بالخشبية، لأن اكثرهم كما يقول كانوا يحملون الخشب.

هل يمكن لجيش كجيش ابن الأشتر يخرج لملاقاة جيش اهل الشام او لنقل جيش الدولة الأموية بكل ثقلها في أهم وأخطر معركة وهو لا يملك الا ( الخشب ) يقاتل به ؟! اذن سيؤكل وينتهي في الطريق قبل ان يصل، وقبل ان يلاقي جيش الشام.

غير ان ابا الفرج يعود الى موضوع الخشبية في ترجمة كثير عزة فيقول ان ( خندف الأسدي الذي أدخل كثيراً في الخشبية ) (١٢٣) وهو ما يوحي بأن الخشبية

____________________

١- هكذا ورد اسمه بالفاء بنقطة واحدة في الأغاني طبعة دار الكتب في ترجمة كثير ج٩ ص١٧ وفي طبعة دار الثقافة - بيروت في ترجمة كثير ج٩ ص١٦ لكننا نجد الاسم ( خندق ) بالقاف بنقطتين في الجزء الثاني عشر من الأغاني ط دار الكتب نفسها تحت عنوان ( خبر كثير وخندق الأسدي ص١٧٤ مع قصيدة قافية هذا بيتها الأخير ( واني لجاز بالذي كان بيننا بني أسد رهط ابن مرة خندق ) مما يؤكد أن اسمه خندق بالقاف المثناة من فوق وهو ايضا ما نجده في مختار الأغاني لابن منظور تحقيق الدكتور طه الحاجري ج٦ ترجمة كثير عزة ص٢٣٧.

١٢٣- الأغاني ط دار الكتب ج٩ ص١٧ و ١٩.

٦٦

قد تحولت هنا في نظر ابي الفرج الى فرقة دينية لا مجرد جماعة تحارب بالخشب.

ثم يعود فيؤكد هذا المعنى ( الفرقي ) في حديثه عن الخليفة عمر بن عبد العزيز(١) .

ويبقى السؤال هو التالي: اذا كان اسم ( الخشبية ) قد جاء فعلاً من ان قوماً كانوا لا يملكون سلاحاً غير الخشب ولا يحاربون الا به فان هذا - على افتراض حصوله - لن يحصل الا مرة واحدة لأنه لن تكون لهؤلاء الا معركة واحدة تنتهي بانتصارهم او نهايتهم والقضاء عليهم فليس من المعقول ان يعود اصحاب العصي الى خوض تجربة جديدة ومعارك جديدة وهم ليس معهم من سلاح يقابلون به اسلحة خصومهم على اختلافها واختلافهم الا العصي التي لا تغني شيئاً من السيف والرمح وغيرهما من الأسلحة التي يعرفها ذلك العصر.

وبالتالي فان معركة واحدة - وان كنت لا اعرفها حتى الآن - هي الصحيحة والتي خاضها ( الخشبية ) وحديث المؤلفين عن معارك مختلفة يجعلون من كل منها اصلاً للتسمية هو حديث غير مقبول.

اما اذا كانت التسمية تستند الى فرقة معينة فان المؤلفين في الفرق والمذاهب قد اخفقوا الى اليوم في ايجاد الصلة بين هذه الفرقة وبين الخشب فهل كان الخشبية مثلا يعبدون الخشب وحده او يصنعون تماثيلهم منه دون غيره من المواد او المعادن.. او.. او ؟

أم أن التسمية كلها ليست الا خطأ في النسخ وان التسمية الصحيحة هي ( الحسينية ) القريبة من ( الخشبية ) فصحفت بفعل بعض الناسخين وحولت من الاولى الى الثانية ؟

وقد يعزز هذا الاتجاه ان كل الجماعات التي اطلق عليها اسم الخشبية ترتبط بشكل او بآخر بالمختار وثورته التي قامت باسم الحسين وللثأر من قتلته.

____________________

١- أنظر فيما يتعلق باسم هذه الفرقة والفرق التي قبلها خطط المقريزي ج٤ ص١٧٧ - ١٧٨.

٦٧

وان كنت اتمنى الا اكون مصيبا في ذلك فأية كارثة ان يكون جزءَ من تأريخنا الذي ندرسه وندرسه منذ قرون ليس في حقيقته الا خطا في النسخ ارتكبه واحد او اكثر من النساخ الأغبياء.

وبعد الخشبية سأسمح لنفسي ان اطلب مساعدة القارئ الكريم فلعل عنده علماً عن فرق من الرافضة عجزت انا عن معرفتها او معرفة شيء عنها ولكنها بالتأكيد ستزيد العدد الوارد في حديث ( ستفترق أمتي... ) لتزيد في الوقت نفسه من حدة الصراع بين الفرق على احتلال المركز الثالث والسبعين المخصص للفرقة الناجية الا اذا اتفقت هذه الفرق على ان تشغل كل منها جزءً من المكان ولو ببعض الضيق !!.

واعود للقارئ لأسأله عن فرقة اسمها ( الحلوية ) الذين افترض استنادا للتسمية ان من عقيدتهم تفضيل الحلوى وكثرة اكلها او ان لهم اختصاصا في صنعها وعملها.

وفرقة اخرى اسمها ( الشاعية ) وثالثة تدعى ( الخلفية ) ورابعة ( المتربصية ) وخامسة ( الامرية ). وسادسة اسمها ( الحبية ) او (الجبية )(١) وسابعة ( الجمهورية )(٢) وثامنة هي ( الكرنبية )(٣) وافترض ان لهم علاقة ما ب- ( الكرنب ) النبات المعروف فربما كانوا من المختصين بزراعته او طبخه او اكله. وتاسعة او عاشرة واعتذر اذا اخطأت الحساب، تسمى ( الربعية )(٤) ولعل هذه الفرقة لم يكن لينتسب اليها الا من كان اسمه ربيعا اوربيعة او كان من ربيعة القبيلة العربية المعروفة. وبعدها ( قحطبية )(٥) . ثم ( شرامخة ) و ( رمية ) و ( اقحطية )(٦) وأخرى وأخرى...

وثق يا سيدي ان هذه اسماء فرق اسلامية وان الامر جد لا هزل فيه فعقائد الناس ليست مما يحتمل الهزل او يمكن ان يكون موضوعاً له. فهل لديك

____________________

١- التنبيه والرد للملطي ص١٥٠.

٢- البدء والتاريخ ج٥ ص١٢٤.

٣- المصدر السابق الجزء والصفحة نفسها.

٤- المصدر السابق.

٥- المصدر السابق.

٦- المصدر السابق.

٦٨

عن هؤلاء الشرامخة واصحابهم ما تزودني به فانا لا املك منعلم عنهم غير الاسم الذي يبدو ان المؤلف اكتفى به فلم يرد ان يستكمل اختراعه باختراع عقيدة تناسبه بعد ان استنفدت العقائد المعقولة وغير المعقولة كافة ؟!.

ورحم الله تأريخنا لكم تمنيت ان القاه لأخبره بما فعل ( المؤرخون ) معه.

ثم حلاجية )(١) والمقصود طبعا اصحاب الحسين بن منصور الحلاج وما اظنك تجهل الحلاج والتهم التي وجهت اليه والظروف التي احاطت بمقتله واختلاف الرأي بين المسلمين في شأنه.

فهل رايت اجهل واحمق ممن يجعل الحلاج والحلاجية من فرق الرافضة ؟

و ( مبيضة )(٢) والمبيضة كما يذكر المؤرخون هم انصار الأمويين في مقابل ( المسودة ) انصار العباسيين.

ولأول مرة اعلم ان من بين فرق الرافضة من كانوا من انصار الأمويين ويرفعون شعارهم !!

وكاغدية(٣) والذي اعرفه ان ( الكاغدي ) بالدال المهملة هو ابو عبد الله الحسين بن علي بن ابراهيم المعروف بالجعل من رجال المعتزلة وكان كما يقول ابن النديم ي الفهرست(٤) على مذهب ابي هاشم ( يقصد الجبائي الابن من كبار رجال المعتزلة ورئيس واحدة من فرقهم ).

ولا استغرب ان يقفز الكاغدي فيطيل القفز ليصبح رئيساً لإحدى فرق الرفض بعد ان كان شيخاً من شيوخ المعتزلة لكن الذي استغربه ما الذي منع صاحب الخطط وصاحب البدء والتاريخ من الاستمرار في ذكر مئات وحتى الوف من الفرق الأخرى ذات الأسماء المشابهة، ونسبتها الى الرافضة، وامامهما ثمانية وعشرون من حروف الهجاء العربية يستطيعان ان يركبا منها ما شاءا من الاسماء ؟!

____________________

١- المصدر السابق.

٢- المصدر السابق.

٣- الفهرست لابن النديم ط المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة - المقالة الخامسة ص٢٤٨.

٤- هذه أرجح الرويات وهناك روايات اخرى تحدد لثورة زيد ١٢١ه- او ١٢٣ه-.

٦٩

الزيدية:

الزيدية - كما يشير الاسم - هم اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أحد اعلام العلويين ورجالهم ديناً وفضلاً ونبلاً.

ثار في الكوفة عام ١٢٢(١) ، في زمن هشام بن عبد الملك وانتهت ثورته بقتله وصلبه.

وقد سبق ان عرضنا له ولثورته عند الحديث عن الرافضة فلا حاجة بنا للعودة الى ذلك ولكننا نحاول الان ان نتناول فرق الزيدية كما فعلنا من قبل مع الرافضة وكما سنفعل مع الغلاة، لنرى ان كان المؤلفون في العقائد عندنا منصفين فيما تحدثوا به عنهم.

وأسارع الى تأكيد نقطة أظنني أشرت اليها في مكان سابق وهي أني لا اريد ان احل محل أي واحد من هؤلاء المؤلفين في العقائد، ولا كتابي هذا محل واحد من كتبهم، فليس الغرض من هذا الكتاب ان يكون جامعا للفرق الاسلامية مستقصياً لعقائدها وانما الغاية منه تسجيل بعض الملاحظات ومناقشة بعض المواقف من هذه الفرقة او تلك من الفرق الاسلامية التي لم يكن اولئك المؤلفون قد انصفوها عن عمد او عن خطأ.

وأبدأ أولاً بعدد الفرق التي يجمعها اسم الزيدية، فهذا العدد ليس واحداً عند الجميع وانما يختلف صعوداً ونزولاً من مؤلف لآخر. فهو مثلاً عند الأشعري ست فرق(٢) ، وعند البغدادي والشهرستاني والأسفراييني والرازي والحميري والأيجي ثلاث فرق(٣) بينما هو عند الملطي والمقريزي اربع فرق(٤) ويذكر المسعودي نقلاً عن جماعة من مصنفي كتب المقالات كأبي علي الوراق وغيره ان

____________________

١- مقالات الإسلاميين ص١٣٧.

٢- الفرق بين الفرق ص٢٢، والملل والنحل ج١ ص١٥٧، والتبصير في الدين ص١٦، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٢، والحور العين ص١٥٥، وشرح مواقف الأيجي للجرجاني ط١٣١١ ه- ج٣ ص٢٩٠.

٣- التنبيه والرد ص٣٨، وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥.

٤- مروج الذهب ج٣ ص٢٠٨ -٢٠٩.

٧٠

الزيدية كانت في عصرهم ثماني فرق(١) .

على ان واحداً من المؤلفين هو الحافظ رجب البرسي يصعد بالعدد الى خمس عشرة فرقة(٢) .

هذا اذن اول اختلاف، وهو ليس اختلافاً يسيراً. فليس يسيراً ان تكون فرق طائفة واحدة ثلاثاً عند بعض المؤلفين ورابعاً عند بعضهم وستاً عند آخرين وثماني عند غيرهم وخمس عشرة عند سواهم.

ولو أضفت ما ينفرد به كل مؤلف من تلك الفرق لأصبح لديك سبع عشرة فرقة من الزيدية.

وأقل ما يرد اليه هذا الاختلاف هو عدم دقة المؤلفين في تحديد هوية الفرق بحيث يسهل عليك ان تضيف وتحذف ما شئت كلما شئت. وقد سبق ان راينا مثل هذا في فرق الرافضة.

هذا عن عدد الفرق فاذا انتقلت الى اسمائها وجدت ثلاثا منها فحسب يتفق المؤلفون على اسمائها(٣) هي ١- الجارودية(٤) ٢- الجريرية او السليمانية(٥) ٣ - البترية(٦) .

ويضيف الأشعري والمسعودي والمقريزي والبرسي فرقة يسمونها اليعقوبية(٧) .

وينفرد الأشعري بفرقتين أخرين يسمى الاولى منهما النعيمية والثانية لا يعطيها اسما معينا بل رقما هو الرقم(٥) بين فرق الزيدية الست عنده.

ويبدو ان الاشعري لم يجد من الاشخاص ما يسمي به هذه الفرقة فلجأ الى الارقام واختار لها الرقم(٥) ليجعله اسما لها.

____________________

١- مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين منشورات دار الفكر بيروت ١٣٧٩ ص٢٥٥.

٢- فتقسيم الزيدية يختلف عند النوبختي بين من يسميهم الضعفاء او العجلية نسبة الى هارون بن سعيد العجلي ويجعل البترية فرقة منهم وبين الآخرين الذين يسميهم الأقوياء ومنهم الجارودية.

ويبدو ان تقسيم الزيدية الى ضعفاء وأقوياء يخضع عند النوبختي للموقف من الخلافة بعد النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انظر ص٥٠ و٥١ من فرق الشيعة.

٣- أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي رأس فرقة الجارودية من الزيدية توفى بعد عام ١٥٠ ه-.

٤- أصحاب سليمان بن جرير الرقي كما يسميه النوبختي، ربما نسبة الى مدينة الرقة في سوريا ويسميه البغدادي في الفرق بين الفرق الزيدي. زعيم الجريرية او السليمانية كما تدعى احيانا، من فرق الزيدية.

٥- من فرق الزيدية اصحاب رجلين هما الحسن بن صالح بن حي الهمداني الكوفي المولود عام ١٠٠ه- والمتوفى عام ١٦٨ه- او ٦٩ ه-، عند ابن الأثير في اللباب عام ١٦٧ ه- وكثير النواء الملقب بالأبتر توفى في حدود ١٦٩ه- والنواء بفتح النون وتشديد الواو بعدها الف ثم همزة نسبة الى بيع النواة وفي انتساب السمعاني ( النوا ) بلا همز ويخالف المقريزي إجماع المؤلفين فيجعل من الرجلين رجلاً واحداً يسميه الحسن بن صالح بن كثير النواء.

٦- يقول عنهم المسعودي في مروج الذهب ( وهم اصحاب يعقوب بن علي الكوفي ) ولا يزيد.

٧- وهو عند المسعودي زياد بن المنذر العبدي مروج الذهب طبعة دار الاندلس ١٩١٨ ج٣ ص٢٠٨.

٧١

ويذكر المسعودي اربع فرق اخرى هي المرئية والابرقية والعقبية واليمانية.

ويشاركه البرسي في الثلاث الاخيرة منها ويضيف الصاحبية والمحمدية والطالقانية والعمرية والركبية والخشبية والحلسفية !

وها أنت امام عدد من الفرق يبدأ بالثلاث لينتهي بالسبع عشرة وامام اسماء لا تدري اهي لأشخاص ام لمهن ام الأماكن. وحتى الارقام تحولت هي ايضا الى اسماء فرق.

وهذه دقة علمية وجهد كبير لا نملك الا ان نشكر مؤلفينا في الفرق عليهما !!

وبعد العدد والاسماء نأتي الى الفرق ذاتها نحاول ان نتعرف مواقفها ومواقف المؤلفين منها مبتدئين بالجارودية.

١ - الجارودية : وهي الاولى التي يبحثها المؤلفون في الغالب من فرق الزيدية ونسبتها الى ابي الجارود زياد بن المنذر العبدي.

ونحن كالعادة لا نعرف كثيرا عن رئيس الفرقة هذا، فكتب العقائد لا تتجاوز اسمه واحيانا تقتصر على الكنية دون الاسم وقد تختلف حتى في الكنية.

وكتب الرجال لا تتناوله الا باختصار شديد، وهي مع هذا الاختصار لا تتناوله الا لتذمه وتوجه الطعن اليه، حتى في نسبه فهو الهمداني او الثقفي او الشهدي(١) بالاضافة طبعا الى النسب الذي عرف به وهو ( العبدي ).

ولو لا ما نقله لنا ابو الفرج عن اشتراك ابي الجارود في ثورة زيد وانه كان ينادي بشعاره ويحمل معه هرديا، لما كان لدينا منه غير شخص اعمى او اعمى البصر والبصيرة وكذاب متروك الحديث ورافضي، مع انه لم يرفض زيدا

____________________

١- مقاتل الطالبيين ص١٣٦.

٧٢

ولم يرفضه زيد ليصح تلقيبه بذلك تبعا للرواية المعروفة في تسمية الرافضة، بل بقي على ولائه لزيد وخرج معه يوم خرج كما راينا عند صاحب مقاتل الطالبيين(١) .

فإذا تركنا ابا الجارود الى الجارودية فان هؤلاء كما يذكر المؤلفون في العقائد يقولون ان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على علي بالوصف لا بالاسم، وهذا ما يتفقون فيه مع باقي فرق الزيدية، ولكنهم يقولون ايضا ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي وهو ما يختلفون فيه معهم(٢) . ذلك ان الامر الاساسي الذي سبب انقسام انصار زيد الى رافضة وزيدية هو، كما يقول اولئك المؤلفون، الموقف من الخلافة بعد وفاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كان زيد يجيز خلافة ابي بكر وعمر ولا يتبرأ منهما برغم قوله بأفضلية علي وانه الاحق بالخلافة، وان الأمة تركت الأفضل بعدم مبايعتها له.

ورأي زيد هذا هو الذي اعطى للزيدية هويتهم. فكيف يجوز لك ان تجعل من الجارودية القائلين بتكفير ابي بكر ومن رضي ببيعته خلافا لرأي زيد، فرقة من الزيدية دون ان تقع في التناقض ابتداء من اول الطريق ؟!

ليس امامك اذن الا احد خيارين: ان تحذف الجارودية اصلا من الزيدية وتنقلهم من صفهم فيها الى اية طائفة اخرى. وهذا يقودك حتماً الى رفض التقسيم الذي سار عليه مؤلفو العقائد من المسلمين، وان كان هؤلاء المؤلفون انفسهم لم يتحرجوا ابداً من نقل او حذف او اضافة او خلق ما شاؤوا من الفرق كما راينا. فليس كثيرا اذن ان تنقل الجارودية الى الصنف الذي تراه اليق بهم ولكن كيف تستطيع ان تحذف الجارودية من فرق الزيدية، وزعيمها الذي تستمد اسمها من كان من بين الخارجين مع زيد في ثورته، لم يتركه ولم

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص١٣٣ والفرق بين الفرق ص٢٢، والتبصير في الدين ص١٦، والملل والنحل ج١ ص١٥٧، وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥،

والحور العين ص١٥٥، ويشاركهم في موقفهم هذا من الخلافة الفرقة التي تحمل رقم (٥) عند الأشعري من دون تسمية معينة لها انظر مقالات الإسلاميين ج١ ص١٣٧.

٢- هو ابو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط من كبار رجال المعتزلة تنسب اليه فرقة منهم باسم الخياطية توفى في حدود عام ٣٠٠ ه- من مؤلفاته كتاب (الانتصار) في الرد على ابن الراوندي انظر ص٩٦.

٧٣

يتخلف عنه ؟!

هذا احد الخيارين. اما الثاني فهو ان تعيد النظر في عقيدة الزيدية نفسها بحيث تستطيع ان تضم الجارودية فيما تضم من فرق، دون ان يكون هناك تعارض بين الزيدية وبين واحدة من اهم فرقها هي الجارودية.

وهذا يقتضيك التضحية بما افترضه اصلاً لهذا الطائفة، والتفتيش عن اصل اخر، اعرض واوسع قد يستطيع ان يجمع فرق الزيدية، ومنها الجارودية.

وقد يكون الخياط اخذ بالخيار الاول وهو يرد على ابن الراوندي في موضوع الرجعة فأفرد للجارودية مكانا مستقلا وذكرهم بعد الزيدية، وكأنهم ليسوا فرقة منها(١) . وهو في ذلك يمثل العكس تماما لما فعله ابن حزم بعده حين جعل الكيسانية من فرق الزيدية او حسب تعبيره ( شعبة من الزيدية )(٢) .

٢ - فرق الزيدية الاخرى : - لا اجد كبير فرق بين الجارودية او السليمانية كما يرد اسمهم احيانا عند المؤلفين وبين النعيمية كما يروي عنهم الأشعري. فالاثنان متفقان على ان الأمة قد أخطأت في البيعة لأبي بكر وعمر مع وجود علي الأفضل والأصلح للخلافة منهما وان كان هذا الخطأ لا يبلغ عند الطرفين درجة الفسق او الكفر.

والاثنان متفقان ايضا على تكفير عثمان والبراءة منع وعلى تكفير محاربي علي.

وقتد تكون هناك فروق بين الطرفين سوغت انقسامهما الى فرقتين منفصلتين لكن المصادر التي بين ايدينا لا تساعدنا على معرفتها والاطلاع عليها.

____________________

١- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٣٥.

٢- المعارف لابن قتيبة ص٦٢٢، وخطط المقريزي ج٤ ص١٨٢، والملل النحل ج١ ص١٧٤، والأعلاق النفسية ص٢١٨.

وقد سبق ان لاحظت انه لا يجوز عد السبئية جزءاً من الرافضة اذا ربطنا الرفض بثورة زيد بن علي عام ١٢٢ه-.

٧٤

كذلك لا اجد كبير فرق بين الذين يعطيهم الأشعري رقم(٥) من الزيدية وبين الجارودية فيما يخص الخلافة والموقف منها، فكلا الفريقين يتبرآن من أبي بكر وعمر.

اما الفرق الأربع ( المرئية والأبرقية والعقبية واليمانية ) التي اشار اليها المسعودي، والفرق الاخرى التي انفرد بها البرسي فلا نعرف عنها ولا عن مواقفها ولا الأسباب التي دعت الى قيامها شيئا. وهذا نقص كبير في معلوماتنا عن الزيدية حين نجهل بشكل مطلق احدى عشرة من فرقها التي لا تتجاوز السبع عشرة فرقة في اكبر عدد اعطي لها.

فاذا ما انتهينا من التقارب بين الجريرية وبين النعيمية من جهة والتقارب بين الجارودية وبين رقم(٥) من جهة ثانية وجدنا ان فرق الزيدية المعروفة لدينا على قلتها نسبيا تتباعد كثيرا بين المكفرين ومكفري المكفرين غير المكفرين.

وما اظن طائفة يصل بعد ما بين فصائلها وفرقها ما وصل بين فصائل الزيدية وفرقها، حتى لتبدو وكأن ما يفرقها اكثر مما يجمعها. او ان ليس هناك ما يجمعها بعد ما اختلفت فيما يفترض انه الاصل والجامع لها.

وقبل ان انهي حديث الزيدية ارى ان اقف عند واحد من هؤلاء المؤلفين الذين يختلط عندهم التعصب بالجهل فلا تدري ايهما كان اشد جناية على التاريخ وتشويها له. هذا الواحد هو ابو الحسين الملطي صاحب ( التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع ) من كتب العقائد التي يرجع اليها الدارسون. فلهذا الرجل موقف من بعض الفرق الاسلامية ومنها الزيدية، لا يمكن تفسيره بغير التعصب والجهل.

٧٥

وحتى لا أُتهم بالتحامل عليه فسأعرض موقفه هذا كما ورد في كتابه المذكور محتفظا برأيي فيه الى ما بعد ذاك.

يقول الملطي ص٣٨:

( والفرقة الثامنة عشرة: هم الزيدية: اصحاب زيد بن علي رضي ‌الله‌ عنهما وهم اربع فرق: -

فالأولى: - من الزيدية اعظمهم قولا وهم الذين يكفرون الصدر الأول وسائر من ينشأون ابدا اذا خالفهم، ويرون السيف، والسبي، واستهلاك الأموال، وقتل الأطفال، واستحلال الفروج وليس في الامامة اكثر ضررا منهم في الناس انما هو بقدر ما يخرج الواحد منهم يضع السيف، والحريق، والنهب، والسبي ولا يقصدون ولا يرعون وكان منهم علي بن محمد صاحب البصرة سبى العلويات، والهاشميات، والعربيات وباعهن مكشفات الرؤوس بدرهم ودرهمين وافرشهن الزنوج والعلوج، واحرق المصاحف والمساجد وتأويل انهم مشركون وكان يقول: ( لا يلدوا الا فاجرا كفارا )، وكان يستحل كل ما حرم الله.

والفرقة الثانية من الزيدية: - يكفرون السلف ويتبرأون ويتولون ولا يرون السيف ولا السبي ولا استحلال الفروج ولا الأموال.

والفرقة الرابعة من الزيدية: - هم معتزلة بغداد يقولون بقول الجعفرية، جعفر بن مبشر الثقفي، وجعفر بن حرب الهمداني، ومحمد بن عبد الله الاسكافي وهؤلاء ائمة معتزلة بغداد، وهم زيدية يقولون: بامامة المفضول على الفاضل، ويقولون: ان علياعليه‌السلام افضل الناس بعد رسول الله

٧٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسبقه بالفضل احد من الامة، وزعموا ان امامة المفضول على الفاضل جائزة لما ولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرو بن العاص على فضلاء المهاجرين والانصار في غزوة ذات السلاسل... الخ ).

وليت الملطي اعلمنا اين وجد كل هذه المعلومات التي لم يستطع احد من المؤلفين قبله ولا بعده الاطلاع عليها او على بعضها. حشرها في اسلوب لو جاء به طالب ابتدائية لما احرز من الدرجات غير الصفر بحروف كبيرة.

لقد عرضت عليك ما كتبه الاشعري والبغدادي والشهرستاني والاسفراييني والرازي والحميري والمقريزي والجرجاني والمسعودي والايجي والبرسي ممن تعرضوا لعقائد الزيدية وحرصت ان اكون اميناً في النقل عنهم وعن غيرهم. فهل رايت عند واحد منهم شيئا من غريب ما وجدته عند هذا الملطي ؟

هل رايت احداً غيره تكلم عن السبي واستهلاك الاموال وقتل الاطفال واستحلال الفروج ؟!

وهل رايت احداً ينسب صاحب الزنج الى الزيدية ويجعل من ثورته او حركته ثورة او حركة زيدية ؟

لم يستحل الزيدية السبي واستهلاك الأموال ولا قتل الأطفال واستحلا الفروج. لكن الملطي هو الذي استحل منهم ومن غيرهم ما لم يستحله احد حين عدا على عقائد المسلمين، وبينهم الزيدية فأوسعها تزويرا وتشويهاً، يدفعه الى ذلك جهل وتعصب لا يقفان عند حد.

اما حديثه عن تكفير الصدر الاول ذلك خاص بالجارودية من الزيدية كما يروي المؤلفون. والملطي اخرج الجارودية من الزيدية فتحدث

٧٧

عنهم في مكان آخر وجعلهم الفرقة الحادية عشرة من فرق الرفض دون اية علاقة لهم بالزيدية، والا لعذرناه في هذه النقطة على الاقل.

ثم يأتي الملطي الى الفرقة الرابعة من الزيدية التي هي عنده معتزلة بغداد وهذا جهل آخر يضيفه الى ما سبق منه، اذ لم يقل احد ممن كتب عن المعتزلة، ولا معتزلة بغداد انفسهم انهم زيدية او فرقة منها.

ولا ادري لماذا سكت هؤلاء المعتزلة وتستروا تحت اسم آخر لم يعرفه احد حتى جاء الملطي فكشف عنه بعد حوالي قرنين من الزمان.

ان معتزلة بغداد هم معتزلة. قد يقتربون من الزيدية كما تقترب فرقة اسلامية من فرقة اسلامية اخرى في قضية ما. لكن هذا يبقى محصورا في حدود التقارب، دون ان يتجاوز الى ذوبان احداهما في الاخرى، والا لما كان هناك فرقتان ولا اسمان. ودونك كتب الفريقين فلن ترى غير ذلك.

وانه لمن المضحك والمحزن ان اضطر الى محاولة اثبات ان المعتزلة هم معتزلة، وانهم ليسوا فرقة اخرى لو لا مؤلفا في عقائد المسلمين اسمه الملطي، وكتابا له يقرؤه الناس اسمه التنبيه والرد، قد دفعاني الى هذا المضحك المحزن.

الغلاة

وبعد الروافض والزيدية تصل الى الغلاة، فكيف اضيف هؤلاء الى الشيعة ونسبوا اليهم ؟

وقبل ذاك. نسأل ما هو الغلو ومتى بدأ ومع من ؟ فما يزال الحديث عن

٧٨

الغلاة يستهوي القارئ، وما يزال تأريخهم يحتاج الى وقفة متأنية تدرس قبل ان تجيب وتبحث قبل ان تستسلم لأساطير ليس وراءها الا تعصب او غباء او الاثنان معا.

لغة: لا يعني غير الافراط وتجاوز الحد المألوف، فهو لا يثير اشكالاً كأي لفظ تحدد معناه في اللغة. وعلى هذا فالغلاة هم المفرطون المتجاوزون للحد المألوف.

اما اصطلاحا: فيراد به الجماعات التي غلت في علي بن ابي طالب وتجاوزت به ذلك الحد.

واولى هذه الجماعات كما يقال هم السبئية اصحاب عبد الله بن سبأ الذي يزعم المؤلفون انه ( كان اول من كفر من الرافضة ) ومنه (... انشعبت اصناف الغلاة من الرافضة )(١) .

فالسبئية هم اذن اصل الغلو ومنشأه، منهم بدأ وعنهم أخذته الفرق الاخرى.

ولهذا فاننا سنقصر حديثنا الآن في الغلو على السبئية، تاركين الحديث عن الفرق الغالية الأخرى الى الفصل التالي من هذا الكتاب.

فماذا عن السبئية هؤلاء، وماذا عن رئيسهم عبد الله بن سبأ ؟

تقول المصادر ان عبد الله بن سبأ كان ( يهودياً من اهل صنعاء امه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم انتقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند احد من اهل الشام فأخرجوه حتى اتى مصر فأقام فيهم )(٢) .

____________________

١- الطبري أحداث عام ٣٥ ج٤ ص٣٤٠ وابن الأثير أحداث العام نفسه ج٣ ص٤٦.

٢- لا أدري ان كان ابن سبأ قد وجد حقاً أم لم يوجد كما اعتقد ؟ ولا أدري ان كان قد قال برجعة علي أم لم يقل ؟ لكن الذي يرويه المؤرخون أن الخليفة عمر بن الخطاب قد أنكر موت النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكد رجعته قائلاً ( ان رجالاً من المنافقين

يزعمون ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفى وان رسول الله والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه اربعين ليلة ثم رجع بعد ان قيل قد مات والله ليرجعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقطعن ايدي رجال وارجلهم يزعمون ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات ) فعمر يقسم ان النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مات بل ذهب الى ربه كما ذهب موسى وانه سيرجع فيعاقب الذين قالوا بموته بقطع ايديهم وأرجلهم.

واظن الرجعة التي قال بها عمر عند وفاة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سبقت الرجعة عند ان سبأ بأكثر من عشرين عاماً تاريخ الطبري ج٢ ص٢٠٠، وابن الأثير ج٢ ص١٨٧ وسيرة ابن هشام ج٤ ص٦٥٥.

٧٩

وتقول المصادر ايضا انه هو الذي قال بألوهية علي ونفي موته، وهو اول من وضع للمسلمين فكرة الرجعة. فعلي يرجع الى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً(١) .

وهو ايضا الذي وضع فكرة الوصية ( وصية النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بالامامة ).

وانه واصحابه يقولون ان عليا هو الذي يجيء في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه واذا سمع هو واصحابه صوت الرعد قالوا ( عليك السلام يا امير المؤمنين )(٢) .

ثم لم يكتف ابن السوداء بكل هذا، فاضاف الى بدعته او بدعه الدينية، بدعة سياسية هذه المرة، حين حرض الناس على عثمان واغراهم به حتى انتهى الامر بقتله كما هو مبسوط في مواضعه من الكتب.

كل هذا تجده في كتب التاريخ والعقائد وهي تتحدث عن السبئية ورئيسهم عبد الله بن سبأ.

والحق ان شخصية ابن سبأ وما نسب اليه من دور ديني وسياسي قد اثارا شكوكي منذ بدأت اقرأ عنه. وكانت شكوكي تزداد وتقوى كلما تقدمت في القراءة(٣) .

واسباب ذلك كثيرة، اول ما واجهني او واجهته منها هو ما يتعلق بالعصر الذي يزعم الرواة ان ابن سبأ ظهر واشهر دعوته فيه.

فهذا العصر الذي يحدده اولئك الرواة بفترة خلافة عثمان التي بدأت بعد ثلاثة عشر عاماً فقط من وفاة النبي محمد يمكن تسميته بعصر النبوة او هو امتداده في جميع الأحوال(٤) .

____________________

١- الطبري وابن الأثير الصفحات السابقة، ومقالات الإسلاميين ج١ ص٨٥، والملل والنحل ج١ ص١٧٤، والفرق بين الفرق ص١٤٣، والتبصير في الدين ص٧١، والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٣٦، ٤٦ والحور العين ص١٥٤، وخطط المقريزي ج٤ ص١٨٢، والأعلاق النفسية ص٢١٨، والمعارف لابن قتيبة ص٦٢٢، والفرق المفترقة بين اهل الزيغ والزندقة ص٤٠، واصول الدين للبغدادي ص٣٣٢، والتنبيه والرد للملطي ص٢٥ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص٥٧، والبدء والتاريخ ج٥ ص١٢٥، ١٢٩.

٢- للاستاذ مرتضى العسكري كتاب جليل عن ابن سبأ وقد رجعنا اليه كثيرا في بحثنا

٣- كانت وفاة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ١١ ربيع الأول من عام ١١ه- وبويع لعثمان بالخلافة في الثالث من محرم سنة ٢٤ه- ومحرم هو مبدأ السنة الهجرية ومن هذا يبدو أن خلافة عثمان بدأت قبل إكمال الثلاث عشرة سنة على وفاة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤- باستثناء مدة حكم عمر بن عبد العزيز التي لم تتجاوز السنتين وخمسة أشهر ٩٩- ١٠١ه- كما هو معروف.

٨٠