الذّنبُ أسبابه وعلاجه

الذّنبُ أسبابه وعلاجه0%

الذّنبُ أسبابه وعلاجه مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 277

  • البداية
  • السابق
  • 277 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31785 / تحميل: 6174
الحجم الحجم الحجم
الذّنبُ أسبابه وعلاجه

الذّنبُ أسبابه وعلاجه

مؤلف:
العربية

ايضاً بأن سبب الوصايا الاسلامية في ان تكون امورهم شورى بينهم والنهي عن التسميات السيئة واعابة احدهم الآخر دليل واضح على دفع نشوء عقدة الحقارة عندهم.

وفي التأريخ نماذج حية لاشخاص دفعهم النبذ الاجتماعي الى التطبع بنوع من التعقيد والوقوع في خاتمة المطاف في طريق ارتكاب الذنوب المهلكة نتيجة ذلك الانزواء.

قال الامام الباقر (عليه السلام) لأحد اصحابه ويدعى جابر الجعفي:

« واعلم يا جابر بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا انك رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك على ما في كتاب الله فان كنت سالكاً سبيله، زاهداً في تزهيده، راغباً في ترغيبه، خائفاً من تخويفه فاثبت وابشر فانه لا يضرك ما قيل فيك ».(١)

نستنتج من خلال ما قاله الامام الباقر (عليه السلام) أنه قد اعطانا درساً مثمراً وعميق المحتوى.

____________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٦٩١.

١٤١

٥ - الارضية النفسية للذنب

إنّ احدى الاسباب التي تهيىء الارضية للذنب، هي الارضية النفسية التي توجد عند الانسان على اثر الضغط والهموم الكاذبة، او على اثر العقائد الخاطئة، او الحالات الروحية السيئة، وكل هذه العوامل النفسية سبب في اقتراف انواع مختلفة من الذنوب. والتعصب في غير محله، والضغوط غير الصحيحة، والخضوع والذلة او الاستخفاف بالاشخاص وتحقيرهم وامور اخرى كلها تنشيء العقدة النفسية عند الانسان وحينئذ يكون مستعداً لاقتراف الذنوب الكبيرة والخطيرة.

ولاجل ان نوضح اكثر يجب الانتباه الى الامور التالية:

أ - الشخصية وعزة النفس.

ب - احتقار وتحطيم شخصية الانسان.

ج - الضغوط الاقتصادية وتحطيم الغرائز.

د - الآمال والامنيات الكاذبة والتافهة.

١٤٢

أ - الشخصية وعزة النفس:

خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وجعله سيد مخلوقاته وجعل فيه خصائص وكفاءات تميزه عن جميع ما خلق، فمن ناحية الجسم اودع فيه الباري جل وعلا محاسن كثيرة، ومن ناحية الروح وهبه استعدادات وقدرة لا حد لها.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء (٧٠).

(ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البّر والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً).

ويمتلك الانسان نوعين من الكرامة:

١ - الكرامة الذاتية:

والتي ذكرت في الآية السابقة، حيث ان الانسان له درجة التفضيل على كل ما خلق الله سبحانه وتعالى لما وهبه من الاستعدادات الروحية التي لا توجد عند موجود آخر.

٢ - الكرامة الاكتسابية:

وهذه الكرامة لها علاقة بالاعمال الصالحة ومقدار التقوى عند الانسان حيث يقول الله تعالى.

(إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). (سورة الحجرات الآية ١٣).

١٤٣

ان قادسة الانسان وصلت الى درجة أن الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة ان يسجدوا لآدم، وهذا السجود في الحقيقة سجود شكرٍ لله جل وعلا لخلقه هذا الموجود العالي(١) .

ومن هنا يظهر لنا أن التربية والهداية واعطاء الشخصية للانسان هي عامل مهم في الهداية، وتصغير الانسان وتحقيره من عوامل انحرافه.

نماذج من الروايات حول التربية والهداية:

١ - قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« إنه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها الاّ بها ».(٢)

وقال (عليه السلام) في كلامٍ آخر:

وتحسب انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الاكبر

٢ - وقال (عليه السلام) أيضاً:

« هلك امرؤّ لم يعرف قدره ».(٣)

٣ - كما قال (عليه السلام):

« العالم من عرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً ألاّ يعرف

____________________

(١) ورد الامر بالسجود في سورة البقرة / ٣٤) و (الاسراء / ٦١) و (طه / ١١٦).

(٢) نهج البلاغة حكمة ٤٥٦.

(٣) نهج البلاغة حكمة ١٤٩.

١٤٤

قدره ».(١)

٤ - وقال (عليه السلام) ايضاً:

« نعم العبد أن يعرف قدره ولا يتجاوز حدّه ».(٢)

ب - احتقار وتحطيم شخصية الانسان (الاحساس بالحقارة والذلة):

لقد ذكرنا سابقاً عند تحليل الارضية العائلية ان احد العوامل في تهيئة الارضية للذنب هو تحقير وتحطيم شخصية الانسان، وهنا نكتفي بالقدر القليل لتوضيح المطلب.

أذا عرف الانسان شخصيته وقدره فمن المستحيل ان يسلك الطرق المنحرفة. فمثلاً لو ملك الانسان قطعة من الذهب فمحال أن يبدلها بحفنة تراب.

قال الامام السجاد (عليه السلام):

« من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا ».(٣)

من هذه العبارة يظهر ان تدمير الشخصية اساس حب الدنيا والانحراف، ولكن حفظ الشخصية والاهتمام بها لاتجعل الانسان اسيراً للأمور الوضيعة، فالاحساس، بالحقارة والعقد النفسية الناتج من

____________________

(١) نهج البلاغة ١٠٣ - كما وردت الجملة الثانية في الخطبة ١٦ ايضاً.

(٢) غرر الحكم ج ٢ ص ٧٧٧.

(٣) تحف العقول ص ٣١٨.

١٤٥

الاحتقار وعدم العلم بشخصية الانسان، يدفع الانسان نحو الذنوب وكل الاعمال الوضيعة بطبيعة الحال.

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« نفاق المرء من ذلٍ يجده في نفسه ».(١)

وقال الرسول الاكرم (صلىالله عليه وآله وسلم):

« لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه ».(٢)

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« ما من أحدٍ تكبّر أو تجبّر الا من ذلّةٍ وجدها في نفسه ».(٣)

وقال الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

« ان الله عز وجل فوّض الى المؤمن اموره كلها ولم يفوض اليه ان يذّل نفسه ألم ير قول الله عز وجل ههنا: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (المنافقون / ٨). ثم قال (عليه السلام): والمؤمن ينبغي ان يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً ».(٤)

ج - الضغوط الاقتصادية وتحطيم الغرائز:

احدى العوامل التي تنشىء ظاهرة التعقيد والشعور بالنقص لدى الانسان هي الضغوط الاقتصادية والهموم الكاذبة وتحطيم الغرائز

____________________

(١) غرر الحكم ج ٢ ص ٧٧٧.

(٢) بحار ج ٧٢ ص ٢٤٩.

(٣) اصول الكافي ج ٢ ص ٣١٢.

(٤) فروع الكافي ج ٥ ص ٦٤.

١٤٦

وعدم اشباعها على الوجه الصحيح والمحدد لها.

بلا شك يجب على الانسان ان يشبع غرائزه على الوجه المتعادل، لان الافراط والتفريط هنا يتسببان في طفح الكيل في الغرائز او خمولها فتكون عنده ارضية مناسبة لاقتراف الذنوب في كلتا الحالتين.

فمثلاً الضغط على شيء حلزوني الشكل - كالرفاس - يحدث رد فعل قوي. كالذي لم يأكل مدة من الزمن فعند رؤيته للأكل يأكل بشراهة.

قال الامام الخميني (قدس سره) ناصحاً لطلبته نقلاً عن آية الله المحمدي الگيلاني انه قال:

« ليكن عيشكم طبيعياً، ولا تحملوا انفسكم اكثر من طاقتها. لان التحمل للطلبة لايخلو من مخاطرٍ، ولربما تتوقعون من الناس اكثر من الممكن ».

وعلى اية حال، فلابد ان تسير الحياة بشكل طبيعي، وان لا تكبح جماح الغرائز الانسانية المشروعة.

فمثلاً: من وجهة نظر الاسلام أن القاضي بالشريعة يجب ان يعيش عيشة طبيعية يؤمنها من اموال بيت المال؛ لئلا يحس بالحاجة فيتبع الرشوة ويتلوث بأكل الحرام.

في الآية ٣٢ من سورة الاعراف نقرأ:

(قل من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من

١٤٧

الرزق).

« بعث امير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن العباس الى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلّة فلمّا نظروا اليه قالوا: يا ابن عباس أنت خيرنا في انفسنا وانت تلبس هذا اللباس؟ فقال: وهذا أول ما اخاصمكم فيه قال تعالى: (قل من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيبات من الّرزق)، وقال تعالى: (خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ) » (الاعراف / ٣١).(١)

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« إن الله جميل يحب الجمال ويحبّ أن يرى أثر النعمة على عبده ».(٢)

قراءة في روايات اخرى:

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« ليس منا من وسّع عليه ثم فتّر على عياله ».(٣)

٢ - وقال الامام الرضا (عليه السلام):

« ينبغي للرجل أن يوسع على عيالة لئلا يتمنّوا موته ».(٤)

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

____________________

(١) فروع الكافي ج ٦ ص ٤٤٢.

(٢) فروع الكافي ج ٦ ص ٤٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ج ٥ ص ١٣٥.

(٤) نفس المصدر السابق ص ١٣٥.

١٤٨

« ينبغي ان يكون للعاقل أربع ساعات.... ساعة مناجاته مع ربه، وساعة يحاسب بها نفسه، وساعة التفكر في مخلوقات الله سبحانه، وساعة يصرفها في تهيئة المأكل والملبس له ولعياله ».(١)

٤ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« إن هذه القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكم ».(٢)

اجمالا يمكن القول بضرورة اشباع متطلبات الروح الانسانية بشكل مشروع، واعادة النظر في الكثير من التعقيدات المهيمنة على جوانب الحياة كالمأكل والملبس وتعديلها، وعدم سلوك سبيل الجهلة (سبيل الافراط والتفريط)، لان تعطيل الغرائز يتسب في فتورها ويالتالي تظهر العقد والانحراف النفسية.

د - الآمال والامنيات الكاذبة والتافهة:

الأمنيات الكاذبة والتافهة أحد الاسباب الاخرى التي تهيىء الارضية النفسية للذنب. حيث ان الانسان يطلب السعادة والرقي بدون حركة او عمل ما. ويظل سارحاً في الخيال مرتكباً الآثام والذنوب، ويقول بان الله جل وعلا: (أرحمّ الراحمين).

ان هذا الأمل ليس نقصاً في طريق التكامل فحسب بل ارض

____________________

(١) اخلاق شبر ص ٢٨٥.

(٢) غرر الحكم ج ١ ص ٢٣٤.

١٤٩

مهيئة لانبات بذور الذنب في نفسية الانسان.

القرآن والأمل:

جاء في الآية ٢١٨ من سورة البقرة قوله تعالى:

(إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم).

في جانب الامل في هذه الآية الكريمة هنالك الايمان والهجرة والجهاد، وفي المثل القائل في الأسواق: ان المفلس لا يعطى ديناً ولا قرضاً فيجب ان يكون عنده مقدار من المكانة والمال ليطمئن المقابل اليه.

قصة مروّعة:

« قال طاووس اليماني: رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب وهو يدعو ويبكي في دعائه فجئته حيث فرغ من الصلاة، فاذا هو علي بن الحسين (عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة ارجو أن تؤمنك من الخوف، احدها انك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والثانية شفاعة جدك والثالث رحمة الله.

فقال: يا طاووس أما اني ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يؤمنني، وقد سمعت الله تعالى يقول:

(فلا أنساب بينهم يؤمئذٍ ولا يتساءلون)

١٥٠

(المؤمنون / ١٠١).

وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول:

(ولا يشفعون الاّ لمن ارتضى) (الانبياء / ٢٨).

وأما رحمة الله فان الله يقول:

(إنّ رحمت الله قريب من المحسنين) (الاعراف / ٥٦) ولا أعلم أني محسن.(١)

فالنتيجة لابد ان يكون مع الامل الايمان والعمل الصالح والا فقولنا الحلويات لفظاً لا يجعلنا نتذوقها طعماً.

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٦ ص ٨٩ عوالم ج ١٨ ص ١٢٠.

١٥١

٦ - الأرضية السياسية للذنب

إنّ أحدى العوامل التي تهيىء الارضية لمختلف الذنوب وحتى الكبيرة احياناً هي الارضية السياسية. وتتعلق هذه الارضية على الخصوص بالحكام والمسؤولين.

الانذارات القرآنية:

١ - في الآية ٢٠٥ و ٢٠٦ من سورة البقرة نقرأ:

(واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحب الفساد * واذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالأثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد).(١)

هذه الآية تبين ان غير المؤمن الذي يكون اسير رغباته، لو اخذ

____________________

(١) وردت لفظة « تولي » بمعنى الاعراض عن الشيء وكذلك بمعنى الرئاسة والحاكمية (مجمع البيان ج ١).

١٥٢

بزمام الامور ومقاليد الحكم لانتهى به الامر الى افساد المجتمع ودماوه واهلاك الحرث والنسل.

٢ - في الآية ٣٤ من سورة النحل نقرأ ايضاً:

(انّ الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون).

ان هذا الكلام وان نقل عن لسان (بلقيس) ملكة سبأ، فهو كلام معقول وثبت بالتجربة أن حكومة الحكام الظالمين عامل في ايجاد ارضية الفساد والذنب.

٣ - ان نبي الله يوسف (عليه السلام) أحد الانبياء المعروفين، عاش الجفاء من اخوته حتى القوة في (غيابت الجب) ثم نجاه الله جل وعلا ودخل قصر عزيز مصر وصار حاكماً لمصر.

ان هذا الملك في دنيا فانية لايساوي شيئاً عند يوسف (عليه السلام)، فكان دعائه دائماً حتى بعد ان اصبح اميناً على خزائن مصر: (.... توفّني مسلماً) (يوسف ١٠١).

نعم: ان الملك والرئاسة أمر خطير للغاية. ولربما تزل حتى قدم يوسف (عليه السلام)، فيه لذلك استعان بالله جل وعلا ان يثبت قدمه على الحق. بالرغم من انه لايراوده الشك في ان موته في مشيئة الامر الالهي، ولكن وسوسة الرئاسة وزخرفها وبريقها أمر خطير فلذا يجب أن نطلب النجاة من الله تعالى للصمود في مقابل خطر الرئاسة

١٥٣

وأهوائها(١) .

٤ - في الآية ٨٣ من سورة القصص نقرأ:

(تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقّين).

العلو في الدنيا احد فروع طلب الرئاسة، وهذه الآية تحكي عن اولئك الذين يطلبون الرئاسة في الدنيا وانها هدفهم الاسمى فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة ولا نصيب.

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله اجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها ».(٢)

الرئاسة في الروايات:

الرئاسة على نوعين:

١ - الممدوحة.

المذمومة.

ارئاسة الممدوحة هي تلك التي تتخذ كوسيلة لاحقاق الحق وابطال الباطل، أما الرئاسة المذمومة فهي تلك التي تتخذ كهدف وجسرٍ لهوى النفس والانحراف.

____________________

(١) وقد تقدمت مباحث حول هذا الموضوع تحت عنوان « قادة الضلال ».

(٢) تفسير جوامع الجامع، تفسير الاية.

١٥٤

والذي تعرض للذم في الروايات هو « حب الرئاسة » اي الشغف بحب الرئاسة وطلبها لاجل مكانتها، ولمزيد من البيان تأمل في الروايات ادناه:

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« لكل شيء آفة تفسده وآفة الدين ولاة السوء ».(١)

٢ - كتب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأحد ولاته على آذربايجان وهو (الاشعت بن قيس):

« وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة ».(٢)

٣ - وجاء في كلام المعصوم (عليه السلام) حول شخص يحب الرئاسة:

« ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر من دين المسلم من طلب الرئاسة ».(٣)

البهلول فقيه مجاهد وتابع للحق:

روي ان هارون الرشيد أراد ان يولّي احداً قضاء بغداد فشاور أصحابه فقالوا: لايصلح لذلك الا البهلول (وهب بن عمرو) فاستدعاه وقال: يا ايها الشيخ الفقيه اعنّا على عملنا هذا، قال: بأي شيء اعينك: بعمل القضاء، قال: أنا لا أصلح لذلك، قال: أطبق اهل

____________________

(١) نهج البلاغة الرسالة ٥.

(٢) نهج البلاغة الرسالة ٥.

(٣) سفينة البحار ج ١ ص ٤٩٢.

١٥٥

بغداد أنك صالح لهذا العمل، قال: يا سبحان الله إني اعرف بنفسي منهم، ثم اني في إخباري عن نفسي بأني لا أصلح للقضاء لا يخلو أمري من وجهين: إما ان اكون صادقاً فهو ما أقول، وان كنت كاذباً فالكاذب لايصلح لهذا العمل فألحّوا عليه وشددوا وقالوا: لاندعك أو تقبل هذا العمل، قال: إن كان ولابد فاملهوني الليلة حتى افكر في أمري، فامهلوه، فخرج من عندهم، فلمّا أصبح في اليوم الثاني تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طرّقوا خلّلوا الطريق لايطأكم فرسي، فقال الناس: جنّ البهلول، فقيل ذلك لهارون فقال: ما جنّ ولكن فرّ بدينه منّا، وبقى على ذلك الى أن مات وكان عن عقلاء المجانين.(١)

____________________

(١) بهجة الآمال ج ٢ ص ٤٣٥ و ٤٣٦، روضات الجنات ج ٢ ص ١٤٦.

١٥٦

القسم الثالث

الاعذار المختلفة للذنب، معرفة حدود الذنب

والاشارة الى الاستثناءات والقيم

الاعذار لتبرير الذنب:

تبرير الذنب اكبر من الذنب. ونستطيع القول بأن ايجاد العذر للذنب نوع من الحيل الدينية.

نقرأ في الآيتين الشريفتين ١٤ و ١٥ من سورة القيامة:

(بل الأنسان على نفسه بصيرة - ولو ألقى معاذيره).

ومعناه ان محكمة الوجدان تحكم على ذلك الشخص بذي الوجهين والمكر.

ان تبرير الذنب يجعل الذنب بسيطاً ويشجع المجتمع على ارتكاب الذنوب ويكون عندها القبيح حسناً.

لاذنب أثقل من العذر للذنب. لان المذنب عندما يعترف بالذنب يفكر بالتوبة دائماً. ولكن اذا برر ذنوبه جعله غطاءاً على ما يقترفه من الذنوب. ولم يبتعد عن طريق التوبة فحسب بل تكون عنده الجرأة والعادة في اقتراف الذنوب.

١٥٧

إنّ أحد الامراض التي ابتلي بها المجتمع بصورة عامة هو تبرير الذنوب في صور مختلفة. حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم. والأ خطر من ذلك هو غلق ابواب الصلاح امام المذنب واحياناً تغلق أبواب الحقيقة في نظره.

فمثلاً: يبرر خوفه (بالاحتياط) وضعف نفسه (بالحياء) وحرصه (بواجب توفير مستلزمات الحياة) وعجزه (بعدم وضوح الموضوع) وتقصيره بـ (القضاء والقدر).

فأي معصية والم اكبر مما يلاقيه الانسان نتيجة تحريفه لمفاهيم الاسلام السامية واغلاق باب النجاة امامه؟! إنّ تبرير الذنب هو اسدال الستار على الذنب حتى يشتغل بالذنوب بلا مانع ولا رادع، فمثلاً يكتم الحق ويعتبر (تقية)، او يعطي شخصاً ما رشوة ويسميها هدية من أجل الوصول الى هدفٍ سيء.

إنّ تبريره لذنبه يعتبر نوعاً من انواع الخداع لنفسه وللمسلمين كالذي ظاهره جميل وشرعي وباطنه قبيح وملوث. أو كبائع المواد الغذائية فلكي يجلب له الزبائن يجعل ظاهر المواد الغذائية جيداً للناظر في الوقت الذي يكون باطنها رديئاً.

قال الاما الباقر (عليه السلام):

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً في سوق المدينة فمر بطعام فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلاّ طيباً وسأله عن سعره، فاوحى الله عز وجل اليه أن يدس يده في الطعام فاخرج طعاماً رديّاً، فقال لصاحبه:

١٥٨

ما أراك إلاّ جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين.(١)

الاعذار المختلفة:

ان الناس يبررون الذنوب بتبريرات مختلفة منها:

١ - التبريرات العقائدية.

٢ - التبريرات السياسية.

٣ - التبريرات الاجتماعية.

٤ - التبريرات النفسية.

٥ - التبريرات الثقافية.

٦ - التبريرات الاقتصادية.

٧ - التبريرات العسكرية.

وهناك تبريرات متفرقة أخرى.

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ٢٠٩.

١٥٩

١ - التبريرات العقائدية

إنّ أحد التبريرات العقائدية هو مسألة (الجبر والقضاء والقدر) فعندما تقول للمذنب: لماذا أذنبت؟ ولماذا تلوثت بالمسكرات؟ يجبيب: هذا حظي من القضاء والقدر، وماذا افعل وان آبائي كانوا هكذا وانا أصبحت مثلهم.

لا يلد الذئب الاّ الذئب، ولم يقدّر لي ان اكون من المصلين، وكثير من هذا القبيل نسمعه على ألسنة الناس. وبهذا اللحن من الكلام يكون لهم باب الفرار من المسؤولية والواجب. في الآية ١٤٨ من سورة الانعام نرى المشركين ولاجل ان يبرئوا أنفسهم من مسؤولية انحرافهم يقولون:

(لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيءٍ).

وعلى هذا المنوال ينسبون ذنوبهم الى « الجبر ». وفي الآية ٣٥ من سورة النمل والآية ٢٠ من سورة الزخرف تأكيد على هذا المعنى:

١٦٠