في الزندقة والشعوبية

 في الزندقة والشعوبية0%

 في الزندقة والشعوبية مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 111

 في الزندقة والشعوبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد فرج الله
تصنيف: الصفحات: 111
المشاهدات: 35154
تحميل: 7290

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 111 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35154 / تحميل: 7290
الحجم الحجم الحجم
 في الزندقة والشعوبية

في الزندقة والشعوبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهذه القضية - وأنا لا أريد أن أناقش صحّتها الآن - وإن كانت قضية شخصية وتبقى شخصية لو تعلّقت بواحد غير الرشيد. لكنّها بالنسبة للرشيد وفي الظروف التي وقعت فيها قد تحولت إلى قضية سياسية جاءت لتضاف إلى العوامل السياسية التي رأيناها والتي ساهمت مجتمعة في نكبة البرامكة.

على أنّي أسأل بشأن هذه القضية عن الملوم فيها؟ أكان الرشيد يريد أن يزوّج أُخته ثم يمنعها أو يمنع زوجها من الاقتراب منها والخلو بها، ومنعهما ممّا لا يكون الزواج زواجاً إلاّ به؟!

أكان زواج جعفر من العباسة زواجاً مع وقف التنفيذ؟! وهو ما لم يعرفه المسلمون من قبل ومن بعد. وفيما هو دون ذلك أتهم مَن أتهم منهم بالبدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فهل سيرضون لخليفة المسلمين وأمير المؤمنين أن يكون مأواه النار؟! ولعلّ من المناسب أن أكمل الحديث عن هذه القضية بما يرويه المسعودي، وكيف أنّ العباسة التي كانت تحب جعفراً قد احتالت حتى حملت منه. ثم ينهي كلامه وكأنّه يجعل من قضية الزواج هذه، سبب نكبة البرامكة.

واستغربت مذهب المسعودي هذا، لأسباب منها ما يتعلّق بالعباسة. فالحمل لا بد أن يظهر على المرأة الحامل بعد شهرين أو ثلاثة حتى تضع ما في بطنها. وهذا قد يأخذ من الوقت أشهراً تبلغ أو تتجاوز الستة، كان على العباسة أن تنقطع وتغيب خلالها عن مجلس الرشيد. أفلم يسأل الرشيد عن سر غيابها الطويل هذا، وهو الذي لا يصبر عنها ولا يكتمل سروره إلاّ باجتماع الاثنين هي وجعفر كما يقول المسعودي؟!

ومنها قول المسعودي، بعد سرد حكاية الزواج وقتل جعفر (ثم قال - يعني الرشيد - يا ياسر، وهو الذي تولّى قتل جعفر بأمر الرشيد، ائتني بفلان وفلان فلمّا أتى بهم قال لهم: اضربوا عنق ياسر فإنّي لا أقدر أن أنظر إلى قاتل جعفر).

٤١

ورغم أنّ قتل الناس هو أسهل ما يمارسه الخلفاء المسلمون من هواية. لكنّي أرفض رأي المسعودي هنا. فإذا كان حقّاً ما يقول من أنّ الرشيد لا يقدر أن ينظر إلى قاتل جعفر. فلِمَ يطلب بعد ذاك - وقد قتل جعفر الذي لا يستطيع أن ينظر إلى قاتله - أن تقسم جثة جعفر إلى نصفين، يعلق كل نصف على جسر ويعلّق الرأس على جسر ثالث؟

إنّ فعل الرشيد بجعفر، حتى بعد قتله، يؤكّد حقداً قوياً طويلاً لا يتفق مع ما يذكره المسعودي، من قتل ياسر بعد ما جاء برأس جعفر، وكأن الرشيد قد ندم على فعله، أو كأن فعله كان نزوة من نزوات الملوك حين يأتون في ساعة غضب ما يندمون عليه بعد زواله.

وأخيراً فإنّ رواية المسعودي هذه لا تقدّم لنا تفسيراً لما حلّ بالبرامكة - غير جعفر - من سجن وتعذيب ومصادرة أموال، حتى كانت أم جعفر بعد ذاك لا تجد ما تنام عليه، وحتى كادت تموت فرحاً حين أعطاها محمد بن عبد الرحمان الهاشمي خمسمائة درهم.

إلى هنا أنتهي من حديث البرامكة وجعفر ومن حديث نكبتهم وأسبابها، وبعد ما بينها وبين الزندقة.

ومع جعفر، قتل واحد من الذين ترد أسماؤهم بين المتهمين بالزندقة، ذلك هو أنس بن أبي شيخ، كاتب جعفر بن يحيى.

وما دمنا قد عرفنا الأسباب التي كانت وراء اتهام جعفر بالزندقة وقتله، فأظن من السهل بعد ذاك أن نعرف الأسباب التي كانت وراء اتهام وقتل كاتبه أنس، الذي لم يتهم ولم يقتل إلاّ بسبب جعفر واتصاله الوثيق به. وربّما اطلاعه على ما كان بينه وبين الرشيد من أسرار، لم يكن الرشيد يريد أن يعلم أحد بها أو يبقى أحد ممّن يعلم بها.

وهكذا ختمت حياة هذا الرجل بالقتل مع تهمة الزندقة، التي سارع المؤلّفون إلى إلصاقها به، تبرئةً للقاتل واعتذاراً عنه.

٤٢

الفصل ال ثامن:

آل سهل

وهذه أُسرة أُخرى من الأُسر التي لمعت في فترة من فترات الحكم العباسي هي فترة المأمون.

كان الأب مجوسياً فأسلم ثم أسلم الابنان.

فهم لم يكونوا زنادقة في ماضيهم، ولم يكونوا زنادقة بعد أن تخلّوا عن ماضيهم.

فمن أين أتاهم الاتهام بالزندقة.

وقبل أن نسترسل في الحديث عنهم لا بد أن نعرف أوّلاً: مَن هي هذه الأُسرة التي نريد الحديث عنها.

هم آل سهل بن زاذانفروخ كما يذكر الجهشياري، أو عبد الله السرخسي كما يرد عند ابن خلكان في ترجمة الحسن بن سهل أو عبد الله وحده، كما في تأريخ بغداد للخطيب البغدادي.

وكانت بدايتهم مع البرامكة، الذين قدّموهم وأوصلوهم إلى الرشيد والمأمون، في قصة يرويها صاحب الوزراء والكتّاب.

ثم نبه الفضل والحسن ابنا سهل وعلا شأنهما، حتى إذا كانت الفتنة بين الأمين والمأمون بسبب عزل المأمون من ولاية العهد، كما هو معروف، والحروب التي دارت بين الطرفين، كان الفضل بن سهل الذي لُقّب بذي الرياستين: السيف والقلم، وأخوه الحسن، من أكبر أعوان المأمون وأشدّهم بلاء في تثبيت أمره، وأبعدهم أثراً في الانتصار الذي انتهى بإعلان المأمون خليفة بعد مقتل الأمين.

ولم ينس المأمون للفضل مواقفه فقد فوّض إليه الأُمور كلها يقضي فيها برأيه.

ثم زاد على ذلك بأن كتب كتاباً على نفسه جاء فيه (.. وقد جعلت لك بعد ذلك مرتبة من يقول في كل شيء فيسمع منه، ولا تتقدمك مرتبة أحد …)

وكان الفضل كما يقول عنه الجهشياري (سخيّاً سرياً نبيل النفس كثير الأفضال، يذهب مذاهب البرامكة في ذلك). (قد حرم النبيذ وحظر شربه وأمر بعقوبة شاربه).

ويقول عنه الخطيب: إنّه كان: (أكرم الناس عهداً وأحسنهم وفاء ووداً، وأجزلهم عطاء وبذلاً، وأبلغهم لساناً وأكتبهم يداً).

٤٣

وكل هذا أثار حسد الآخرين وحفيظتهم وسعيهم للإيقاع بالفضل. ولقد ساعد الفضل على نفسه بمواقفه من بعض كبار القادة وأصحاب النفوذ، ومَن لا يرى له من دور يفوق دوره في نصرة المأمون وتثبيت حكمه. ومن بين هؤلاء: طاهر بن الحسين، وعبد الله بن مالك الخزاعي، وهرثمة بن أعين الذي قتل بعد سجنه بأيام وقيل إنّه مات فيه.

وكان بنو هاشم من جانبهم قد غاظهم غلبة الفضل على المأمون واستبداده بالأُمور دونه ودونهم.

وكانت القضية الأهم التي أُثيرت فأثارت مخاوفهم وقلقهم، والمأمون ما يزال بعد في مرو، هي قضية ولاية العهد التي عقدها المأمون للرضا علي بن موسى بن جعفر هناك. وهي تعني إخراج الخلافة من آل العباس ونقلها إلى آل علي.

ولم يكن العباسيون طبعاً ومعهم أنصارهم الذين قاتلوا معهم، وكان من بين ضحاياهم عدد من آل علي، مستعدين لأن يتنازلوا عن الخلافة إلى غيرهم حتى لو قبل الخليفة وتنازل عن حقّه فيها. فبادروا إلى مبايعة إبراهيم بن المهدي عم المأمون، واجتمعوا عليه ودارت معارك طويلة بين إبراهيم وبين الحسن بن سهل والي العراق من قِبل المأمون.

ولم يكن الفضل بعيداً عن الاتهام بتدبير أمر البيعة، وهو ما زاد من كره العباسيين وحقدهم عليه.

وبالإضافة إلى ما سبق وربّما الأهم ممّا سبق، هو ما اكتشفه المأمون من أنّ الفضل كان يكتم عليه الكثير من الأُمور ولا يطلعه إلاّ على ما يريد أن يطلعه عليه. من ذلك مثلاً ما كان يجري في بغداد من تنصيب خليفة ونشوب حرب واضطراب أمن. وهو ما لم يعلمه المأمون على حقيقته إلاّ فيما بعد وعن غير طريق الفضل.

وكان لا بد لذلك أن يترك أثره في نفس المأمون، الذي لم يعد يجد في الفضل إلاّ عنصر ضعف في موقفه، من آل بيته العباسيين ومن عدد من قادة جيشه وأعوانه.

٤٤

وقد اضطرّ المأمون بعد الأنباء الخطيرة التي بلغته عن الوضع في العراق، واضطراب الأمر فيه، أن يترك مرو عائداً إلى بغداد. وفي سرخس في طريق العودة اغتيل الفضل بن سهل. اغتاله أربعة وهو في الحمام في دار المأمون كما يقول المسعودي (1) وكانوا من حشم المأمون كما يقول الطبري (2) .

وحين واجههم المأمون اتهموه بأنّه هو الذي أمرهم بقتله، كما في الطبري وابن الأثير (3) ، فأمر بهم المأمون فضُربت رقابهم.

وهكذا تتكرّر قصة البرامكة بعد خمسة عشر عاماً فقط: سورة السلطان واتساع النفوذ، وكثرة الحاسدين والطامعين والساعين، ثم الخليفة الذي قد يغفر أي شيء، ويتسامح في أي شيء إلاّ مشاركته في ملكه أو إضعافه أو تهديده.

وإذا كان هناك من فرق بين القصّتين فهو أنّ المأمون أراد التخلّص من الفضل، مع بقائه في الظاهر بعيداً عن قتله، بريئاً من تبعته غير راضٍ ولا مشارك ولا عالم به.

وليس كثيراً أن يقتل أربعة من هؤلاء الذين لا يستطيعون إلاّ تنفيذ ما يؤمرون به، وليسوا من أصحاب الجاه ولا من ذوي العصبيات، وهم شهادة البراءة للمأمون.

وذلك خلافاً للبرامكة والرشيد، إذ كان الآمر بالقتل والحبس هو الخليفة نفسه معلناً ذاك مظهراً له سعيداً به.

بقي ما يقوله المسعودي في بداية حديثه عن المأمون، من أنّ قتل الفضل كان بسبب جارية أراد المأمون شراءها فضايقه الفضل عليها.

وما أظن المسعودي مع علمه وفضله ممّن يجوز عليه ذلك، وهو لا يجوز على مَن هو دونه. فلو كان للفضل ألف جارية وأرادهن المأمون أو بدا منه ما يشير إلى أنّه أرادهن لجهزهن وحملهن كلهن إليه. فليس الفضل من الغباء بحيث يخاطر بكل ما وصل إليه وبلغه، وربّما بحياته، لحساب جارية في عصر لا بضاعة فيه أروج وأكثر شيوعاً وانتشاراً من الجواري وأسهل امتلاكاً لها.

وبعد فأين هي الزندقة في كل ما مرّ بنا؟ وفي أي وجه من وجوهها على - كثرتها - يبدو لنا الفضل زنديقاً أو قريباً من الزنادقة أو صاحباً أو جليساً أو مقرّباً إليهم، وقد حرم على نفسه حتى الشرب وعاقب عليه. هل هناك غير السياسة والصراع السياسي ومَن يحسن ومَن لا يحسن الخوض فيه.

وأقل من الفضل وأهون شأناً وأبعد عن الاتهام بالزندقة أخوه الحسن، الذي يكفي في نفيها عنه أن يكون المأمون نفسه قد تزوّج ابنته بوران، في حفلة تشبه الأسطورة أو تتجاوزها على أنّ الحديث عن الحسن هنا لا محلّ له، وهو لم يقتل ولم يسجن ولم يعذب، وقد خصصت حديثي كما قلت منذ البداية للذين قتلوا وسجنوا، أو عُذّبوا بتهمة الزندقة.

____________________

(1) مروج الذهب طبعة دار الأندلس - بيروت 1981 ج3 ص441

(2) تأريخ الطبري ج8 أحداث سنة 202 ص565.

(3) تأريخ الطبري ج8 أحداث سنة 202 ص565 وابن الأثير ج5 أحداث سنة 202 ص445.

٤٥

الفصل ال تاسـع:

عبد الله بن أبي عبيد الله

وهذا شخص قتلته السياسة ولم تقتله الزندقة، حتى لو صحّ ما اتهمه بعض المؤرّخين أنّه كان زنديقاً.

قتلته السياسة ولم يكن هو سياسياً ولا طرفاً في الصراع السياسي، الذي كان دائراً آنذاك في عاصمة الخلافة، وفي كل صقع من أصقاعها.

ولكن لسوء حظّه أنّه كان ابن واحد من أطراف ذلك الصراع.

هو عبد الله بن أبي عبيد الله الأشعري بالولاء، وزير المهدي وصاحب أمره والمقدّم عنده.

اختلف أبو عبيد الله هذا مع طرف قوي آخر هو الربيع بن يونس والد الفضل بن الربيع في قصة يرويها المؤرّخون.

وبلغ من حقد الربيع على أبي عبيد الله أنّ الربيع أقسم بـ (الله الذي لا إله إلاّ هو لأخلقن جاهي، ولأنفقن مالي حتى أبلغ مكروه أبي عبيد الله، ثمّ جعل يضرب ظهراً لبطن ويضطرب يميناً وشمالاً فلا يجد مساغاً، ثم ذكر القشيري وكان أبو عبيد الله أساء به وحجبه فاستحضره وقال قد علمت ما ركبك به أبو عبيد الله فهل عندك في أمره حيلة؟ قال له: ليس بجاهل في صناعته وأنّه لأحذق الناس، وما هو بظنين فيما يتقلده؛ لأنّه أعف الناس حتى لو كان بنات المهدي في حجره لكان لهنّ موضعاً، وليس بمتهم بانحراف عن هذه الدولة، لأنّه ليس يؤتى من ذلك، وليس يتهم في دينه؛ لأنّ عقده وثيق، ولكن هذا كله يجتمع لك في ابنه، فقام الربيع فقبّل عينه، وما زال يدسّ إلى المهدي مَن يخبره خبر عبد الله بن أبي عبيد الله.

وكان المهدي قد جدّ في طلب الزنادقة وغلظ في أمرهم، فقدم عليه بجماعة منهم في سنة ست وستين ومائة، وأحضر معهم وضاح الشروي، وعبد الله بن أبي عبيد الله، وكان أخذه في مكّة، وأدخل على المهدي، فقال: أزنديق أنت؟ قال: نعم …… فقال له المهدي اقرأ فقرأ: (تباركت وعالموك بعظم الخلق) فأشار الربيع على المهدي بمطالبة أبيه بقتله، فقال المهدي لأبي عبيد الله اضرب عنقه … فارتعد فقال له العباس بن محمد: يا أمير المؤمنين: شيخ كبير، وله حرمة، ويكفيك غيره ما أردته منه …… فأمر المهدي عبد الله بن أبي العباس الطوسي…. بقتله، فلما تنحى ليقتل صاح: يا أمير المؤمنين، التوبة، فتغافل عنه المهدي، فقال عافية بن يزيد القاضي: إنّه يعرض بالتوبة، يا أمير المؤمنين، فأقبل عليه المهدي، وقال: والله ما الله أردت بذلك، انزعوا عمامته وجئوا في عنقه … وأمضى عبد الله بن أبي العباس ما أمر به من قتله فقتل …)

٤٦

وأحضر في جملة مَن أحضر من الزنادقة ابن لأبي أيوب، سليمان بن أيوب المكّي، فأقر بالزندقة وتاب، فقبل المهدي توبته وأمر بإطلاقه …) (1) .

وقد رأيت نقل النص كما ورد في الوزراء والكتاب على طوله - رغم حذف بعض ما لا فائدة من ذكره - لأنّه يكشف لنا عن أُمور لو أردت الحديث عنها والاستشهاد بها - مع غيابه - لرجعت إليه وأثبت ما يخصّها منه أو لاتهمتني بالمبالغة والتحامل على هؤلاء (المؤرّخين).

فهذا النص يكشف عن عمق الصراع بين أطراف السلطة وحاشية الخليفة. وأنّ هذا الصراع الذي ربّما غذاه الخليفة نفسه، يمضي في غير حدود، بل ليس له حدود قبل سحق الخصم والقضاء عليه والانتهاء منه. لا يهم الوسيلة المستعملة. فهو ليس صراع فرسان وإنّما صراع يعتمد المؤامرات والدسائس، واللجوء إلى ما لا يجوز قبل اللجوء إلى ما يجوز.

أرأيت كيف يتحوّل الإنسان إلى لا إنسان عندما يسمح للشر أن يغلبه ويسد المذاهب عليه إلاّ ما يظنّه يشفي غيظه ويطفئ حقده. فهو دائم التفكير ليله ونهاره في هذا الخصم الذي يريد أن يثأر منه ويقهره ويدفنه بيديه حتى لا رجعة فيه.

نظر الربيع وأطال النظر فلم يجد في خصمه منفذاً يؤتى منه، فهو كفء غير متهم في كفاءته، وهو نزيه لم تعلق به شبهة وعفيف لم يذكر بما يثلم عفّته وموالٍ لم يعرف عنه خلاف.

ما الذي سيفعل إذن ومَن أين سينفذ لأبي عبيد الله وقد حصن نفسه فلا مطعن فيه.

لكن الربيع صمّم على الانتقام ولا بد منه، وها هو قد وجد الوسيلة إليه ووجد معها إذناً صاغية من المهدي.

هناك ابن لأبي عبيد الله وهو متّهم بالزندقة، أو من يستطيع الربيع أن يخيفه أو يطمعه فيتهم ابن أبي عبيد الله.

____________________

(1) الوزراء والكتّاب ص153 فما بعدها.

٤٧

ولم يتردّد الربيع. فماذا عليه أن يقتل الابن البريء بالأب الذي أساء إليه يوماً، ما دام ذلك سيطفئ حقده. وما أكثر الأبرياء الذين قُتلوا قبله وبعده.

لكن الربيع ومعه الخليفة (المهدي) قد تجاوزا الحدود حين أرادا قتل الابن بمحضر من أبيه، ثم تجاوزا كل الحدود حين طلبا من الأب أن يتولّى بنفسه قتل ابنه، حتى ارتعد الأب، وحتى رقّ له أحد الحاضرين للاحتفال بالقتل!! فسأل (أمير المؤمنين) أن يعفيه ممّا لا يطيقه ولا يطيقه أب، ويقوم غيره بقتل الابن المتهم الذي لم ينفعه طلب التوبة وتنبيه القاضي للخليفة بأنّ المتهم أعلن توبته ولا مكان لقتله بعدها.

فأنت تحس بوضوح أنّك لست أمام متهم مطلوب تنفيذ حكم الدين فيه، وإنّما المطلوب من هذا القتل تعذيب شخص آخر به وإذلاله والانتقام منه وملاحقته بالإذلال والانتقام، بعد قتل ابنه أمامه.

وهذا ما ستراه بوضوح أكثر فيما أعقب قتل الابن. فيبدو أنّ الربيع لم يكتف بما فعله حتى الآن مع أبي عبيد الله فيضيف الجهشياري (ولمّا قتل المهدي عبد الله بن أبي عبيد الله قال الربيع لبعض خدم المهدي: لك عليّ ثلاثة آلاف دينار، إن فعلت شيئاً لا يضرّك، قال له وما هو؟ قال: إذا دخل أبو عبيد الله إلى المهدي فصار بحضرته، قبضت على سيفه، ومشيت إلى جانبه، فسينكر ذلك عليك أمير المؤمنين، فتقول: يا أمير المؤمنين، قتلت ابنه بالأمس، فكيف أمنه عليك أن يخلو بك ومعه سيفه اليوم! ففعل ذلك الخادم، فكان ذلك ممّا أوحش المهدي من أبي عبيد الله).

فهل رأيت مثل هذا الحقد لا يشفيه حتى القتل. ولا يكفيه ما حلّ بأبي عبيد الله ممّا دبّره الربيع، فهو يتابعه ويرشو خادم الخليفة بأن يثير لديه الشك من أبي عبيد الله والخوف منه على حياته إذا دخل عليه وسيفه معه ممّا أوحش المهدي من أبي عبيد الله.

ونهاية القصّة لا حاجة إلى ذكرها.

فابن أبي عبيد الله لم تقتله الزندقة؛ لأنّه كان زنديقاً، وإلاّ لقتلت ابن سليمان بن أيوب الذي جيء به معه بنفس التهمة. فلماذا أطلق هذا فلم يصبه سوء وقتل ذاك رغم إعلانه عن توبته وإعلام المهدي بها. ولقتلت أيضاً داود بن روح بن حاتم وإسماعيل بن مجالد ومحمد بن أبي أيوب المكي ومحمد بن طيفور حين جيء بهم بتهمة الزندقة فلم يقتلهم المهدي وإنّما استتابهم وخلى سبيلهم (1) .

هذه السياسة، وما تخلقه من عداء وما تثيره من صراع، هي التي قتلت عبد الله أو محمداً كما يسمّيه ابن النديم، وهي التي ستقتل أبرياء آخرين كما سنرى، بتهمة الزندقة سلاحاً يجرّده صاحب السلطان حين يغضب ويغمده حين يرضى. وما من أحد يستطيع تجنّبه؛ لأنّه ما من أحد يعرف ما هو.

____________________

(1) الطبري أحداث 166 ج8 ص163 ابن الأثير ج5 ص253.

٤٨

الفصل ال عاشـر:

عبد الله بن المقفّع

وابن المقفّع، هذا المفكّر الأديب الكبير، هل كانت دار عاتكة حقاً وراء اتهامه بالزندقة، كما تذهب إلى ذلك الرواية المشهورة وهي تتحدث عن نهايته.

ولكن ما لعاتكة هذه ولابن المقفّع، وهي قد سبقته بسنين، وعاشت في الشام وعاش في العراق، ولم ير أحدهما الآخر ولم تربطهما علاقة حب؛ فيمنع نفسه المرور على دارها ويتحاشى الوقوف عندها، تجنبّاً لما يمكن أن يتعرّض له من سعي الوشاة والأعداء، وهي أميرة بنت أمير أو خليفة، لا تؤمن المخاطرة معها.

كيف كانت إذن عاتكة هذه سبب زندقة ابن المقفّع، ولم تكن هي زنديقة ولم تره ولم يرها، ولم يذكرها بشر ولا بخير؟!

تقول الرواية إنّ ابن المقفّع بعد أن أسلم مرّ في أحد الأيام ببيت النار، وهو معبد للمجوس فتمثّل ببيتين للأحوص بن محمد الأنصاري الشاعر الأموي المعروف، يذكر فيهما دار عاتكة التي يتعزّلها ويخشى المرور بها والوقوف عندها، بعد أن هُدّد في ذلك ومُنع منه. لكن صدوده عنها لم يكن عن قلّة وفاء أو سلوّاً كما قد يتصوّر، فما يزال فؤاده كما كان، موكّلا بها مقيماً على حبّها لا يتعزّ لها ولا يصد عنها إلاّ خوفاً على نفسه أو ربّما خوفاً عليها.

والبيتان من قصيدة طويلة في مدح عمر بن عبد العزيز وهما:

يا دار عاتكة التي أتعـزّل

حذر العدى وبها الفؤاد موكّلُ

إنّي لأمنحك الصدود وإنّني

قسماً إليك مع الصدود لأميلُ

ففسر تمثل ابن المقفّع بالبيتين على أنه حنين إلى دينه القديم ورجوع عن الإسلام.

بمثل هذه البساطة تعلّل وقائع التاريخ! وبمثل هذا الغباء يكتب، ثم يراد منّا أن نقنع بما يعلّل ويكتب.

وابتداءً ألاحظ أنّ المجوسية لم تكن من بين الوجوه المعروفة للزندقة إلاّ إذا خلطنا بين ما هو مجوسي وبين ما هو مانوي او مزدكي.

وكان ابن المقفّع مانوياً لا مجوسياً ليحنّ إلى بيت النار الذي يقدّسه المجوس.

ثم إنّ ابن المقفّع لم يُكره على الإسلام وإنّما أسلم طوعاً واقتناعاً. وكان يستطيع أن يبقى على دينه القديم - ولنفترضه المجوسية - فلا يحتاج إلى اعتزال بيت عاتكة، مع إمكان المرور به كغيره من أبناء ملّته، دون خوف من عدو أو رقيب.

٤٩

ولأفترض أنّ ابن المقفّع لم يسلم إلاّ مجبراً، أكان مجبراً أيضا أن يتمثّل بالبيتين على ملأ من الناس وبصوت يسمعه هؤلاء وينقلونه؟ ألم يستطع أن يقولهما همساً أو دون الهمس يجريهما في خاطره وهو يمر ببيت النار، من غير صوت أو من غير صوت مسموع على الأقل، وليس أمامه شخص يريد أن يسمعه قوله فيه. إنّما كان يعبّر عن ماضٍ يحسّه ويتذكّره لا يقدر على إعادته أو العودة إليه. وكل ذلك في داخله لا يحتاج إلى الإعلان عنه، بل لا يريد الإعلان عنه أو إسماعه مَن لا يأتمنه، وقد كان من الفطنة والذكاء والاحتياط بحيث لا يغفل عما ينتظره لو نقل عنه تمثّله بالبيتين، مع كثرة أعدائه والحاسدين والساعين للإيقاع به، ومع كثرة الدماء التي سالت بسبب أو بدون سبب على قرب منه.

ولكن لماذا الاتهام والقتل بالزندقة هنا؟ لِمَ لم يتهم ابن المقفّع بالردةّ، وتطبّق عليه أحكام الارتداد كما تطبّق على أي مسلم ترك الإسلام إلى غيره؟! وهذا ما فعله ابن المقفّع، حين رجع الى مجوسيّته - كما يقولون - بعد أن أسلم. وهو ما يستدعي تنفيذ الحكم الخاص بالمرتدين، فذلك أحرى أن يمنح السلطة غطاءً شرعياً لا نزاع فيه. لكن السلطة، كما تثبت كل الوقائع، لا تهتم بهذا الغطاء ولا تفكر فيه، حين يقودها الحقد أو حين ترى أنّ مصلحتها يمكن أن تتعرّض لخطرٍ ما.

فهل سمعنا أنّ مجلساً انعقد لمناظرة ابن المقفّع، فأقيمت عليه البيّنة بالرجوع إلى دينه القديم والردّة عن الإسلام، خصوصاً وأنّ تمثّله بالبيتين لم يكن أمام مَن له الحكم خليفة أو قاضياً أو والياً، وإنّما نقلاً عن شخص أو أشخاص لم تورد الرواية أسم واحد منهم.

هذا إلى أنّ الرواية لا تقول أنّ ابن المقفّع قد ارتدّ عن الإسلام، أو عاد إلى دينه القديم. كل ما تقوله أنّه تمثّل ببيتي الأحوص المذكورين عند مروره ببيت النار.

أكان اتهام المسلمين وقتلهم هيّناً إلى هذا الحد، فيُتهم المسلم و يُقتل لتمثّله ببيتي شعر يحفظهما ويتناقلهما صغار المتأدّبين من رواته، ولم يكن في ذلك الوقت مَن لا يروي الشعر أو شيئاً منه؟!

رحم الله عاتكة وغفر لها، فلولاها لما تعرّض عبد الله بن المقفّع للاتهام بالزندقة وللقتل، في رواية نسجها بعض المتخلّفين، ولما أضعنا في تفنيدها ودحضها وقت القارئ ووقتنا.

٥٠

تلك واحدة من التهم الموجّهة إلى ابن المقفّع لإثبات زندقته واستحلال دمه.

وتهمة أُخرى تتداولها الألسن منذ عهدٍ بعيد، وهي هذه التي تتعلّق بمعارضته للقرآن. ولقد أثارها وناقشها وفنّدها الكثيرون.

فقد زعم بعضهم أنّ ابن المقفّع عارض القرآن، حتى إذا وصل إلى قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ... ) قال هذا ما لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، فترك المعارضة وخرق ما كان اختلقه.

وزعم بعضهم أنّ الآية التي مزّق ابن المقفّع بسببها ما كتبه في معارضة القرآن هي: ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

بل زاد بعضهم فزعم أنّ ابن المقفّع سمع صبيّاً يقرأ هذه الآية فترك المعارضة!

وكلا الآيتين من سورة هود.

ولقد ساءني وأحزنني هذا القلم الذي تمسك به أصابع لا يحرّكها فكر ولا عقل؛ لأنّ صاحبها لا يملك الفكر والعقل، أو لا يحرص على الاستعانة بهما فيما يريد الكتابة فيه.

هل تصوّر هؤلاء أنّ عبد الله بن المقفّع كان يحاول معارضة القرآن أو أنّه عارضه فعلاً، ومضى في ذلك، حتى إذا وصل إلى واحدة من هاتين الآيتين، شعر بالعجز وتوقّف ومزّق ما كتب، معلناً عجزه واعترافه به.

ولا أدري ما الصعوبة في هاتين الآيتين، لمَن عارض ما سبقهما من آيات في هود، ومن سور قبل هود!!

ولقد تساءلت مراراً، وأنا أقرأ هذا الهذيان، وما أكثره، كيف استطاع هؤلاء الحمقى أن يكونوا مؤلّفين وأعلام، يُؤخذ عنهم ويُروى هذيانهم.

وتذكّرت حديثهم عن معارضة النبيين طليحة ومسيلمة للقرآن.

فقبل ابن المقفّع كانت تهمة معارضة القرآن قد لحقتهما: الأوّل بالفرسين الأدهمين وفارسيهما من بني نصر بن قعين. والثاني بكلامه عن الضفدعة ذات النقيق.

وضحكت؛ إذ كان الأمر في نظري لا يستحق أكثر من الضحك، وأنا أسمع نقيق الضفدعة، يرويه المؤرّخون، ويصدّقه القرّاء، في معارضة القرآن.

٥١

وعدت إلى ابن المقفّع - وإن كان هناك مَن يسمّيه ابن المقفّع بكسر الفاء - والتهمة الجديدة التي وجّهها إليه حرّاس الدين!! وهم طبعاً غير حرّاس الثورات في أيامنا هذه. وإن كانوا يلتقون معهم في تشديد الحراسة على الفكر.

ورأيتني أتوقّف طويلاً عند ما سمّي بـ (معارضة) القرآن. فمعارضة القرآن ليست ترجمة له ولا محاكاة لما جاء به. وإنّما الإتيان بمثله أو بما يقاربه، في المعنى وفي البيان، وفي علم ما كان والكشف عما سيكون، وهو المعجز في هذا كله.

وتساءلت: كيف كانت معارضة ابن المقفّع للقرآن، وأيّ سبيل سلك فيها؟

هل جرى حسب تسلسل سوره وآياته، فبدأ بسورة البقرة فآل عمران فالنساء... الخ؟

وهل اختار لها نفس الأسماء أم أسماء معاكسة - ليثبت معارضته - فسورة البقرة عنده، سيكون اسمها سورة الثور، وسورة النساء، سورة الرجال وهكذا؟!

وهل تحدث في كل سورة عمّا تحدث القرآن، أم خالف ما جاء به في تلك السور، أم ذهب مذهباً خاصاً لا شأن له بما ورد في القرآن؟!

ثم لماذا لم يستطع ابن المقفّع معارضة (فوران التنّور) أو (بلع الماء) في سورة هود، وقد عارض عشراً من سور القرآن قبله، وعدداً أكبر من آيات هود، قبل التنّور وبلع الماء، وليس في القرآن ما هو أبلغ من بعض أو ما هو دون بعض. ولا في هاتين الآيتين من سورة هود ما لا يمكن معارضته، لمَن عارض كل السور والآيات قبلهما؟!

وماذا بشأن ما تمّت معارضته من القرآن، وهو جزء غير يسير (عشر من طوال السور، وثلث من سورة هود)؟

ألم يحفظه أحد أو يحتفظ به أحد من هؤلاء الزنادقة من أصحاب ابن المقفّع، يؤيّدون به مذهبهم. أو من أعدائه يؤيّدون به اتهامهم ويتسلّحون به في مهاجمتهم له ومطالبتهم برأسه أو تبرير قطع رأسه، وإن كان قطع الرأس أو الرؤوس في ذلك العهد، لا يحتاج إلى تبرير.

٥٢

ولأفترض أنه لم يستطع معارضة آيتي (التنور) و (بلع الماء). فماذا عليه لو أغفلهما فلم يأت بمثلهما ولا بعكسهما؟!

أكانت معارضته ستكون ناقصة وستفقد قيمتها، لو جاء بقرآن ذي مائة واثنتي عشرة سورة، بنقصان سورتين عن سور القرآن، التي تبلغ مائة وأربع عشرة. أم كان أصحابه سيغضبون ويشكّون في قرآنه الذي نقص آيتين عن قرآن محمد؟!

ما أظن ذاك، وما أظن أصحابه من قلّة الأدب وقلّة الوفاء بحيث يجفون صاحبهم ويغضبون عليه بسبب آيتين فقط من قرآن كامل!!

ثم متى كانت معارضة ابن المقفّع للقرآن؟ إنّ الذين يتحدثون عن معارضته، يتحدثون عنها بعد إسلامه طبعاً.

فكيف لمَن أسلم حديثاً، أن يبدأ دينه الجديد بمعارضته وتحدّيه، فيثبت عليه تهمة ما كان أغناه عنها لو بقي على دينه القديم، كواحد من هؤلاء المجوس وغير المجوس الذين لم يسلموا، ولم يعرّضوا أنفسهم للقتل بتهمة الزندقة.

فهل أسلم ابن المقفّع ليحفظ حياته وينتفع بإسلامه ويرضي فكره ووجدانه، أم أسلم ابتغاء القتل واستعجالاً له؟!

وقد أضيف إلى كل ما سبق، أنّ الذين عارضوا القرآن قبل ابن المقفّع، كانوا - كما يقول المؤرّخون - يدّعون النبوّة، لكنّنا لم نجد أحداً منهم اتهم ابن المقفّع بدعوى النبوّة. فهل قصد ابن المقفّع من معارضة القرآن تحمّل مخاطره، وبينها وربّما أوله، المخاطرة بحياته، إظهار بلاغته، وهو لم يكن في حاجة لذاك، إذ لم تكن بلاغته موضوع نزاع أو شك. وكان - وهو حي - من أشهر بلغاء عصره.

بعد هذا، فإنّ قتل ابن المقفّع كان في النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري عام 142، ولم تُثر تهمة معارضته للقرآن، ولم تُعرف وتنتشر إلاّ بعد مدة طويلة على قتله.

٥٣

فكيف خفيت مثل هذه التهمة، لو صحّت، مع كثرة أعدائه والساعين به. وكان قتله بها أسهل وأقوى في تبرير القتل بحجّة لا يمكن دفعها والطعن فيها.

أظنّني لن أحتاج إلى أكثر من هذا في تفنيد تهمة لا تقوم أصلاً للحجاج والنقاش. وحرام على وقت وجهد يضيعان فيها وفي أمثالها.

وأظن من الخير للقارئ الكريم، أن أنتقل به إلى الجِد في موضوع ابن المقفّع وأسباب قتله، بعد حديث لا جِدّ فيه، بل عبث وغباء.

كان عبد الله بن علي، عمّ المنصور، قد دعا إلى نفسه بالخلافة بعد وفاة أبي العباس السفّاح رافضاً خلافة المنصور، الذي بعث إليه بجيش يقوده أبو مسلم الخراساني.

ونشب بين الطرفين قتال أسفر عن هزيمة عبد الله ولجوئه إلى أخويه عيسى وسليمان في البصرة، وسليمان عامل عليها يومئذ.

وسعى الأخوان عيسى وسليمان بكل الوسائل للعفو عن أخيهما، وتم الاتفاق أخيراً على إعطائه الأمان، الذي يبدو أنّ المنصور لم يكن راغباً فيه؛ فأرسل سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب ليضغط عليهما ويدفعهما إلى الشخوص بعبد الله إليه.

وذهب عيسى وسليمان استجابة لطلب المنصور أو لضغطه، ومعهما عبد الله.

وحين خرجا كان عبد الله قد اقتيد إلى محبس في قصر المنصور بقي فيه حتى وفاته عام 147 في قصته التي يرويها المؤرّخون.

ولكن ما شأن ابن المقفّع بكل ذاك.

لقد كان ابن المقفّع كاتباً لعيسى بن علي، وهو الذي تولّى كتابة الأمان لعبد الله حين تمّ الاتفاق عليه مع المنصور.

وقد اجتهد ابن المقفّع في صياغة هذا الأمان محترساً من أيّ تأويل يمكن أن ينفذ منه المنصور للإيقاع بعبد الله.

وزيادة في الحيطة والحذر، فقد ضمن كتاب الأمان عبارات أحفظت المنصور، وبلغت به من الغيظ كل مبلغ حتى طلب من يكفيه ابن المقفّع.

وكان سفيان بن معاوية يحقد على ابن المقفّع ويكرهه أشدّ الكره لأسباب يردّدها المؤرّخون وليس هنا محل ذكرها.

وعرف ما يضمره المنصور لابن المقفّع وأنّ قتله سيسره ويقع منه أحسن موقع، إن لم يكن المنصور نفسه قد أغراه بقتله وأمنه من عواقبه.

وواتته الفرصة للثأر منه حين أرسل عيسى بن علي عبد الله بن المقفّع في بعض أُموره إلى سفيان هذا.

٥٤

ولم ينفع بن المقفّع احتياطه وطلبه من عيسى عدم إرساله وحده وأن يكون بصحبة شخص آخر حدّده بالاسم. فحين دخل ابن المقفّع أخذه اثنان من رجال سفيان وأوثقاه، ثم بدأا بتقطيعه عضواً عضواً وإلقاء كل عضو يُقطع في تنّور مسجور حتى انتهيا منه.

وهكذا انتهت حياة هذا الأديب الكبير.

لم تقتله الزندقة - على افتراض صحّة اتهامه بها - بل قتلته السياسة. قتله كتاب الأمان الذي كتبه لعبد الله بن علي المطالب بالخلافة بعد السفّاح. ذلك أنّ المنصور لم يغفر لعبد الله خلعه له ودعوته الناس إلى بيعته بالخلافة والحرب التي قامت بينهما، وما كان يمكن أن تنتهي إليه لو لم ينتصر جيش المنصور فيه. ثم خوف المنصور - لو عفا عنه وتركه - أن يعاود الثورة عليه، وهي ليست مأمونة النتائج دائماً.

وهذا ما يفسّر حبس المنصور له بعد الأمان مباشرة، ثم تسليمه إلى عيسى بن موسى وطلبه منه أن يقتله عند حج المنصور سنة 147، وحين عاد من حجّه ووجد عيسى لم ينفّذ أمره بقتله؛ أعاده إلى الحبس في بيت أساسه ملح كما يقول المؤرّخون، وأجرى في أساسه الماء فسقط البيت على عبد الله وقتله.

ولم يكتف المنصور بمقتل عبد الله، بل تجاوز ذلك إلى سليمان نفسه عم المنصور وأخي عبد الله، إذ عزله عن البصرة وولّى مكانه سفيان بن معاوية عدو ابن المقفّع وأكره الناس له.

فأنت ترى حنق المنصور وشدّة غيظه من عبد الله بن علي ومحاولاته قتله حتى تمّ له ذلك، رغم كتاب الأمان الذي أعطاه له. وعبد الله عمّه من حيث النسب ومن سادات آل العباس. واللذان سعيا في أمره وتوسّطا له عمّاه عيسى وسليمان. وعبد الله بعد، هو الذي حارب مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين وغلبه حتى ألجأه إلى مصر حيث تولى صالح بن علي أخو عبد الله قتله في بوصير.

فكيف سيسكت عمّن كتب له كتاب الأمان هذا وحاول أن يحصره فيه ويضيّق عليه ويسد الطريق أمامه للتخلّص من عبد الله.

لقد رأى المنصور فيما عمله ابن المقفّع تحدّياً له ولسلطانه. وإذا كان قد قتل عمّه وأحد مؤسّسي الدولة التي أصبح هو خليفتها، أكان سيتحرّج عن قتل واحد ممّن لا ينتسب إلى بيت رفيع من بيوت العرب، ولا تحميه قبيلة معروفة من قبائل العرب، ولا يخشى بسببه تمرّداً أو انتفاضاً في جزء من أقطار الخلافة. ولا يعدو أن يكون واحداً من هؤلاء الموالي الذين لا يملكون غير القلم، اسمه عبد الله بن المقفّع.

ويمكن أن أضيف إلى ما أثار المنصور ضد ابن المقفّع ودفعه للقضاء عليه: نقد ابن المقفّع الذي ضمّنه رسالة الصحابة في سياسة الحكم، والتي تعرّض فيها بالنقد الخفي حيناً والواضح حيناً واللاذع دائماً لرأس السلطة الخليفة المنصور: (سلطان الله في أرضه) كما يقول عن نفسه.

٥٥

الفصـل ال حادي عشـر:

صالح بن عبد القدوس

يقول عنه ياقوت: (كان حكيماً أديباً فاضلاً شاعراً مجيداً كان يجلس للوعظ في مسجد البصرة ويقص عليهم) (1) .

ويقول ابن عساكر: (كان حكيم الشعر زنديقاً متكلّماً … وكان يعظ الناس بالبصرة ويقص عليهم …) (2) .

ويقول الذهبي: (صاحب الفلسفة والزندقة … كان يعظ الناس بالبصرة ويقص) (3) .

ويقول ابن شاكر الكتبي: (… كان حكيم الشعر زنديقاً متكلّماً …) (4) .

ويقول ابن حجر: (صاحب الفلسفة والزندقة …) (5) .

ويقول أبو الفرج: (كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام... وصالح بن عبد القدوس) (6) .

ويقول ابن النديم: (ومن رؤسائهم - يقصد المانوية - المتكلّمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: صالح بن عبد القدوس) (7) .

يتفق الذين ترجموا له أو ذكروه أنّه كان حكيماً متكلّماً فيلسوفاً، لكنّهم يضيفون أنّه قتل على الزندقة.

____________________

(1) معجم الأدباء، ترجمة صالح بن عبد القدوس ج12 ص6.

(2) تاريخ دمشق لابن عساكر ج6 ص371.

(3) ميزان الاعتدال، ترجمة صالح بن عبد القدوس ج2 ص297.

(4) فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ج2ص116.

(5) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج3ص172.

(6) الأغاني ط دار الكتب ج3 ص146.

(7) الفهرست، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ص473.

٥٦

هو إذن حكيم متكلّم، لكنّ ذلك وحده لا يكفي فلا بد من تهمة - والزندقة جاهزة - تبرّر قتل هذا الذي تجرّأ فجلس للوعظ في مسجد البصرة ويقص على الناس ويحدّثهم. وإذا تعرّض للشعر فإنّ شعره لا يخلو هو أيضاً من موعظة وحكمة، وليس كهؤلاء الشعراء المجّان الزنادقة الذي يكاد شعرهم يقتصر على الخمر ومجالس اللهو والجواري والغلمان. تحميهم السلطة وتغض النظر عنهم وتجزل عطاياهم ما داموا هناك، بعيدين عن السياسة والحكم، بعيدين عن الناس وواقعهم المثقل بالهم والأسى، بعيدين عن كل ما يمكن أن يزعج السلطة ويثير المشاكل أمامها. لا يهم بعد أن يكونوا زنادقة أو مؤمنين عرباً أو موالي، مستهترين أو متزمتين.

لم يكن صالح من هؤلاء، أو لنقل لم يكن نشاطه كنشاط هؤلاء، محبوساً على الخمر ومجالس اللهو والجواري والغلمان، بل كان صاحب فكر وحكمة، وحين يقص على الناس في مسجد البصرة فلا بد أن يصدر في قصصه ووعظه عن فكر وحكمة، ولا بد أنّه كان يتناول في قصصه ووعظه بعض مشاكل الناس ومواقف السلطة، ولو من بعيد.

ولم تكن السلطة لتحتمل موقفاً كهذا مهما رقّ ولان، فلا شيء يقلقها ويغيظها أكثر من أنّك تعض الآخرين وتنبّههم إلى ما هم فيه، وإلى ما يمكن أن يكونوا فيه، وتدعوهم عن أي طريق - لا عن طريق الوعظ والقصص وهو أسهل الطرق وأسرعها نفاذاً إلى القلب - لمحاولة إصلاح أو تغيير.

ولا بد أن تكون أخبار صالح قد بلغت المهدي وأثارته. وربّما كثر فيه، وربّما بولغ فيما نقل إليه منه. وكان قليلها كافيا لأن ينتهي بصاحبها إلى ما انتهى إليه.

وهذا ما دعا المهدي إلى إحضاره، وهو في ذلك الوقت شيخ كبير.

وسأله المهدي عمّا اتهم به من الزندقة فنفى التهمة عنه وأعلن براءته منها.

وكان ذلك كافياً لإطلاقه، كما أطلق عدد من المتهمين بالزندقة بعد نفيهم التهمة عنهم وإعلان براءتهم منها.

لكنّ الزندقة لم تكن هي التي أثارت المهدي وغاظته، ليطلقه كما فعل مع الآخرين بل السياسة والوعظ والقصص في مسجد البصرة.

٥٧

ولهذا فحين لم يجد المهدي حجّة يقتل بها ابن عبد القدوس الذي تهيّأ للخروج من مجلسه وخطا أُولى خطواته، تذكّر المهدي أو ذكر أنّ له بيتاً من الشعر يقول فيه:

والشيخ لا يترك أخلاقه

حتى يوارى في ثرى رمسه

فتعلّق المهدي بهذا البيت وقال له كما يذكر المؤرّخون: (فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك، ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر).

وليس في هذا البيت كفر أو زندقة ولا ما هو قريب من الكفر والزندقة، وليس فيه سب ولا قذف ولا ازدراء بالدين ولا بفرض من فروضه. مع أنّ المهدي لم يقتل مَن سبّ وقذف من الشعراء ومَن ازدرى بالدين وبفروضه.

إنّ كل ما يتضمّنه البيت لا يعدو حكمة وتجربة إنسانية ومعنىً يتداوله الشعراء وغير الشعراء منذ القديم.

ولم يكن المهدي في حاجة إلى هذا البيت لتنفيذ ما عزم عليه من قتل صالح، فلو كان صالح قد ثبتت عليه الزندقة فإنّ قتله سيكون بها لا بالبيت، قاله أم لم يقله، أما وقد نفاها عنه وأعلن براءته منها، ولم تثبت عليه حتى بشهادات الزور التي كانت سوقها رائجة في ذلك الوقت. فلم يكن أمام المهدي من وسيلة يتخلّص بها من صالح، غير اللجوء إلى هذا البيت الذي ليس فيه - على كل حال - ما يحل دم امرئ مسلم كما قلت.

ولقد عجب ابن المعتز وهو يعرض لصالح بن عبد القدوس في طبقاته، كيف يكون صالح زنديق، و ليس لأحد ما لصالح هذا في الزهد في الدنيا والترغيب في الجنّة، والحث على طاعة الله، وذكر الموت والقبر كما يقول، واستشهد بأبيات صالح في هذا.

لكنّ الذي فات ابن المعتز أن لو جعل صالح كل شعره: زهداً في الدنيا، وترغيباً في الجنّة، وحثّاً على طاعة الله، لما نفعه ذلك ولما عدل في نظر المهدي بيت (الشيخ).

وهكذا يذهب صالح بن عبد القدوس ضحيّة بيت من الشعر حوّلته السياسة إلى سيف قطعت به رأسه.

٥٨

الفصـل ال ثاني عشـر:

عبد الكريم بن أبي العوجاء

لا تمدّنا المصادر التي بين أيدينا بشيء ذي بال عن عبد الكريم بن أبي العوجاء، فهي لا تحدثنا مثلاً عن نشأته وبيئته وعائلته ومصادر ثقافته ونشاطه قبل أن تُضرب عنقه، مع أنّها تقرنه دائماً بالزنادقة المعروفين في عهده حين تتحدث عنهم: كبشّار، وصالح بن عبد القدوس، ومطيع بن إياس،÷ وحماد عجرد، ووالبة بن الحباب، وسواهم.

فلا أبو الفرج ولا الخطيب البغدادي ولا ابن خلكان ولا ياقوت ولا غيرهم، من أصحاب التراجم، ذكروه فيمَن ترجموا لهم.

ولا المؤرّخون: كالطبري، والمسعودي، وابن الأثير.

ولا تجد له إلاّ اسماً مجرّداً أحياناً أو مضافاً إلى خبر لا يمكن أن يعطيك صورة عن الرجل وعن حياته العقلية.

وعليك أن تجهد في ضمّ هذه الأخبار القليلة المتفرّقة إلى بعضها لعلّك تصل من خلالها إلى بعض ما تريد، مع أنّ الرجل كان كما يبدو، متكلّماً ذا شأن ولم يُقتل لولا ما كان له من شأن (1) .

ولنعد إلى هذه الأخبار القليلة عنه، وأوّل ما يطالعنا منها: أنّه عربي صليبة من بكر بن وائل، وأنّه خال معن بن زائدة واسمه عبد الكريم بن نويرة.

فإذا تجاوزت الاسم والقبيلة فإنّك ستعبر مسافة زمنية طويلة لن تتوقّف فيها إلاّ عندما أيقن بالقتل فاعترف بأنّه وضع أربعة آلاف حديث لم يعترف بوضعها إلاّ حينذاك!!

____________________

(1) يقول أبو الفرج في ج3 ص146 من الأغاني ط دار الكتب عند ترجمته لبشّار: (كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى، وصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، ورجل من الأزد - قال أبو أحمد: يعني جرير بن حازم - فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي ويختصمون عنده...) ومن هذا يظهر أنّ ابن أبي العوجاء كان من أصحاب الكلام المعروفين بالبصرة ومن مستوى الذين كان يختصّم معهم في مسائله.

٥٩

يقول الشريف المرتضى في القسم الأوّل من أماليه ص137: (فأمّا ابن أبي العوجاء فقد ذكرنا ما روي من اعترافه بدسّه في أحاديث النبي (ص) أحاديث مكذوبة.

ويتناول نشوان بن سعيد نفس الموضوع في الحور العين ص193 فيقول: (ومنهم - يعني الزنادقة - عبد الكريم بن نويرة الذهلي وهو الذي سير عن رسول الله (ص) أربعة آلاف حديث كذباً فقتله محمد بن سليمان بن علي بالكوفة، وصلبه فقال للمسلمين حين أحسّ بالقتل اعملوا ما شئتم فقد لبست عليكم دينكم وجعلت حلالكم حراماً وحرامكم حلالاً، ودسست عليكم في كتبكم أربعة آلاف حديث كذباً …).

ويذكر الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص644 في ترجمة ابن أبي العوجاء أنّه (خال معن بن زائدة زنديق معتر؟ قال أبو أحمد بن عدي: لما أُخذ لتُضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّل الحرام. قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة).

ولا يتجاوز ابن حجر في لسان الميزان مَن سبقه إلاّ بإضافة أخطأ فيها إذ يقول: (لما أُخذ - يعني عبد الكريم بن أبي العوجاء طبعاً - لتُضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّل الحرام. قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة).

(وكان عبد الكريم يفسد الأحداث فتهدّده عمرو بن عبيد فلحق بالكوفة فدل عليه محمد بن سليمان فقتله وصلبه، وذلك في زمن المهدي …).

وإذا كان ابن حجر ينقل ما سبق إليه الآخرون من خبر عبد الكريم فإنّه يخطئ فيما يضيفه عن تهديد عمرو بن عبيد له؛ ذلك أنّ عمراً توفّى عام 144 قبل خلافة المهدي بأربع عشرة سنة، وقبل مقتل ابن أبي العوجاء بعشرين سنة أو تزيد، فمن غير المعقول أن يبقى ابن أبي العوجاء مختفياً في الكوفة كل هذه المدّة لم يدل عليه لو كانت السلطة تريده، مع أنّ الكوفة لا تبعد شيئاً عن مركز الخلافة: بغداد، بل هي أقرب إليها من البصرة التي هرب منها.

وأظن ابن حجر نقل الخبر عن أبي الفرج الذي ما نراه إلاّ قد أخطأ هو الآخر فيه (1) .

وأعود إلى حديث ابن أبي العوجاء، بعدما رأيت المترجمين له يكادون ينسخون عن بعضهم فيما يتناولون من شأنه، فما هي تهمته وفيم كان مقتله؟

____________________

(1) الأغاني، طبعة دار الكتب ج3 ص147.

٦٠