الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 89120
تحميل: 4952


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89120 / تحميل: 4952
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( بحث روائي)

في المجمع قال ابن عبّـاس: لمّا كان يوم بدر واصطفّ القوم للقتال قال أبوجهل: اللّهمّ أولانا بالنصر فانصره، واستغاث المسلمون فنزلت الملائكة ونزل قوله:( إذ تستغيثون ربّكم ) إلى آخره.

وقيل: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف ربّه مادّاً يديه حتّى سقط رداؤه من منكبيه فأنزل الله:( إذ تستغيثون ربّكم ) الآية: عن عمر بن الخطّاب والسدّيّ وأبي صالح وهو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام .

قال: ولمّا أمسى رسول الله وجنّه اللّيل ألقى الله على أصحابه النعاس وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا تثبت فيه قدم فأنزل الله عليهم المطر رذاذاً حتّى لبّد الأرض وثبت أقدامهم وكان المطر على قريش مثل العزالى، وألقى الله في قلوبهم الرّعب كما قال الله تعالى:( ساُلقي في قلوب الّذين كفروا الرعب ) .

أقول: لفظ الآية :( إذ تستغيثون ربّكم ) الخ لا يلائم نزولها يوم بدر عقيب استغاثتهم بل السياق يدلّ على نزولها مع قوله تعالى:( يسألونك عن الأنفال ) والآيات التالية له وهي تدلّ على حكاية حال ماضية وامتنانه تعالى على المسلمين. بما أنزل عليهم من آيات النصر وتفاريق النعم ليشكروا له ويطيعوه فيما يأمرهم وينهاهم.

ولعلّ المراد من ذكر نزول الآية بعد ذكر استغاثتهم انطباق مضمون الآية على الواقعة، وهو كثير النظير في الروايات المشتملة على أسباب النزول.

وفي تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العريش: اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد هذا اليوم فنزل:( إذ تستغيثون ربّكم ) فخرج يقول: سيهزم الجمع ويولّون الدبر فأيّده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وكثّرهم في أعين المشركين، وقلّل المشركين في أعينهم فنزل:( وهم بالعدوة القصوى ) من الوادي

٢١

خلف العقنقل والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعدوة الدنيا عند القليب.

أقول: والكلام فيه كالكلام في سابقه.

وفي المجمع: ذكر البلخيّ عن الحسن أنّ قوله:( وإذ يعدكم الله ) الآية نزلت قبل قوله:( كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ ) وهي في القراءة بعدها.

أقول: وتقدّم مدلول إحدى الآيتين على مدلول الاُخرى بحسب الوقوع لا يلازم سبقها نزولاً، ولا دليل من جهة السياق يدلّ على ما ذكره.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن محمّـد بن يحيى الخثعميّ عن ابى عبداللهعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) ، فقال: الشوكة الّتي فيها القتال.

أقول: وروى مثله القمّىّ في تفسيره.

وفي المجمع قال أصحاب السير وذكر أبوحمزة وعليّ بن ابراهيم في تفسيرهما - دخل حديث بعضهم في بعض - أقبل أبوسفيان بعير قريش من الشام وفيها أموالهم وهي اللطيمة، وفيها أربعون راكباً من قريش فندب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه للخروج إليها ليأخذوها، وقال: لعلّ الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، ولم يظنّوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلقى كيداً ولا حرباً فخرجوا لا يريدون إلّا أباسفيان والركب لا يرونها إلّا غنيمة لهم.

فلمّا سمع أبوسفيان بمسير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ فبعثه إلى مكّة، وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم ويخبرهم أنّ محمّـداً قد تعرّض لعيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعاً إلى مكّة.

وكانت عاتكة بنت عبدالمطّلب رأت فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أنّ رجلاً أقبل على بعير له ينادى يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ثمّ وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجراً فدهدهه من الجبل فما ترك داراً من دور قريش إلّا أصابته منه فلذة فانتبهت فزعة من ذلك وأخبرت العبّـاس بذلك فأخبر العبّـاس عتبة بن ربيعة فقال عتبة: هذه مصيبة تحدث في قريش، وفشت الرؤيا فيهم وبلغ ذلك أباجهل فقال: هذه

٢٢

نبيّـة ثانية في بني عبدالمطّلب، واللّات والعزّى لننظرنّ ثلاثة أيّـام فإن كان ما رأت حقّاً وإلّا لنكتبنّ كتاباً بيننا: أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً ونساءً من بني هاشم.

فلمّا كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت: يا آل غالب يا آل غالب. اللطيمة اللطيمة.العير العير. أدركوا وما أراكم تدركون إنّ محمّـداً والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم فتهيّـأوا للخروج، وما بقي أحد من عظماء قريش إلّا أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا من لم يخرج نهدم داره، وخرج معهم العبّـاس بن عبدالمطّلب، ونوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب، وعقيل بن ابي طالب، وأخرجوا معهم القيان يضربن الدفوف.

وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثمأة وثلاثة عشر رجلاً فلمّا كان بقرب بدر أخذ عيناً للقوم فأخبره بهم، وفي حديث أبى حمزة : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً عيناً له على العير اسمه عدىّ فلمّا قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره أين فارق العير نزل جبرائيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بنفير المشركين من مكّة فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبوبكر فقال: يا رسول الله إنّها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئه الحرب، وفي حديث أبي حمزة: أنا عالم بهذا الطريق فارق عديّ العير بكذا وكذا، وساروا وسرنا فنحن والقوم على ماء بدر يوم كذا وكذا كأنّا فرسا رهان فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس فجلس. ثمّ قام عمر بن الخطّاب فقال : مثل ذلك فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس فجلس.

ثمّ قام المقداد فقال: يا رسول الله إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنّا بك وصدّقنا وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه، معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون ولكنّا نقول: إمض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون، فجزاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً على قوله ذاك.

ثمّ قال: أشيروا عليّ أيّها الناس وإنّما يريد الأنصار لأنّ أكثر الناس منهم،

٢٣

ولأنّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: إنّا برآء من ذمّتك حتّى تصل إلى دارنا ثمّ أنت في ذمّتنا نمنعك ممّا نمنع أبناءنا ونساءنا، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتخوّف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلّا على من دهمه بالمدينة من عدوّ، وأن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة.

فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله كأنك أردتنا. فقال: نعم. قال: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ولعلّ الله عزّوجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله.

ففرح بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: سيروا على بركة الله فإنّ الله عزّوجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله وعده، والله لكأنّى أنظر إلى مصرع أبى جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان(١) .

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرحيل، وخرج إلى بدر وهو بئر، وفي حديث أبي حمزة الثمالى: بدرٌ رجل من جهينة والماء ماؤه فإنّما سمّى الماء باسمه، وأقبلت قريش وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن عبيد قريش. قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّى فانفتل من صلاته وقال: إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذّبوكم تركتموهم، فأتوه بهم فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: يا محمّـد نحن عبيد قريش، قال: كم القوم؟ قالوا: لا علم لنا بعددهم، قال: كم ينحرون في كلّ يوم من جزور؟ قالوا: تسعة إلى عشرة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القوم تسعمأة إلى ألف رجل، وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم فحبسوا وبلغ ذلك قريشاً ففزعوا وندموا على مسيرهم.

ولقى عتبة بن ربيعة أبا البخترىّ بن هشام فقال: أما ترى هذا البغى والله ما اُبصر موضع قدمى خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغياً وعدواناً، والله ما أفلح قوم بغوا قطّ، ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهبت ولم نسر هذا المسير، فقال له أبوالبخترىّ: إنّك

____________________

(١) وقد كان صلى الله عليه وآله يشير بذلك إلى لقاء النفير وهم يرجون لقاء العير.

٢٤

سيّد من سادات قريش فسر في الناس وتحمّل العير الّتى أصابها محمّـد وأصحابه بنخلة(١) ودم ابن الحضرميّ فإنّه حليفك. فقال له: علىّ ذلك، وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظليّـة يعنى أباجهل فصر إليه وأعلمه أنّى حملت العيرودم ابن الحضرميّ وهو حليفي وعلىّ عقله.

قال: فقصدت خباءه وأبلغته ذلك، فقال : إنّ عتبة يتعصّب لمحمّـد فإنّه من بنى عبد مناف وابنه معه يريد أن يخذل بين الناس لا واللّات والعزّى حتّى نقحم عليهم يثرب أو نأخذهم اُسارى فندخلهم مكّة وتتسامع العرب بذلك، وكان أبوحذيفة بن عتبة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان أبوسفيان لمّا جاز بالعير بعث إلى قريش: قد نجّى الله عيركم فارجعوا ودعوا محمّـداً والعرب، وادفعوه بالراح ما اندفع، وإن لم ترجعوا فردّوا القيان فلحقهم الرسول في الجحفة، فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبوجهل وبنو مخزوم وردّوا القيان من الجحفة.

قال: وفزع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا بلغهم كثرة قريش، واستغاثوا وتضرّعوا، فأنزل الله عزّوجلّ:( إذ تستغيثون ربّكم ) وما بعده.

قال الطبرسيّ: ولمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر عبّأ أصحابه، فكان في عسكره فرسان: فرس للزبير بن عوّام، وفرس للمقداد بن الأسود، وكان في عسكره سبعون جملاً كانوا يتعاقبون عليها، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ بن أبى طالبعليه‌السلام ومرثد بن أبى مرثد الغنوىّ يتعاقبون على جمل لمرثد بن أبى مرثد، وكان في عسكر قريش أربعمأة فرس، وقيل: مأتا فرس.

فلمّا نظرت قريش إلى قلّة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أبوجهل: ما هم إلّا اُكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد، فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كميناً أو مدداً؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحىّ وكان فارساً شجاعاً فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رجع فقال: ليس لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت

____________________

(١) وقد تقدّمت الرويات في قصته في الجزء الثاني من الكتاب في ذيل قوله تعالى:( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) الآية، البقرة - ٢١٧.

٢٥

الموت الناقع أما ترونهم خرساً لا يتكلّمون ويتلمّظون تلمّظ الأفاعى ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم، وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم فارتأوا رأيكم فقال له أبوجهل: كذبت وجبنت.

فأنزل الله تعالى:( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) فبعث إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا معشر قريش إنّى أكره أن أبدأ بكم فخلّونى والعرب وارجعوا فقال عتبة: ما ردّ هذا قوم قطّ فأفلحوا، ثمّ ركب جملاً له أحمر فنظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا.

وخطب عتبة فقال في خطبته: يا معشر قريش أطيعونى اليوم واعصوني الدهر إنّ محمّـداً له إلّ وذمّة وهو ابن عمّكم فخلّوه والعرب فإن يك صادقاً فأنتم أعلى عيناً به وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره فغاظ أباجهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرك فقال: يا مصفّر إسته مثلى يجبن؟ وستعلم قريش أيّنا ألأم وأجبن؟ وأيّنا المفسد لقومه.

ولبس درعه وتقدّم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد، وقال: يا محمّـد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم فقالوا: ارجعوا إنّما نريد الاكفاء من قريش فنظر رسول الله (صلّى الله عيله وآله وسلّم ) إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب - وكان له يومئذ سبعون سنة - فقال: قم يا عبيدة، ونظر إلى حمزة فقال: قم يا عمّ ثمّ نظر إلى علىّ بن أبى طالب فقال: قم يا علىّ - وكان أصغر القوم - فاطلبوا بحقّكم الّذى جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره. ثمّ قال: يا عبيدة عليك بعتبة ابن ربيعة، وقال لحمزة عليك بشيبة، وقال لعليّ: عليك بالوليد.

فمرّوا حتّى انتهوا إلى القوم فقالوا: أكفاء كرام فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنّها فسقطا جميعاً، وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتّى انثلما، وحمل أميرالمؤمنين علىّعليه‌السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه قال علىّ لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أنّ السماء وقعت على الأرض.

٢٦

ثمّ اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون: يا عليّ أما ترى أنّ الكلب قد نهز عمّك فحمل عليه علىّعليه‌السلام ثمّ قال: يا عمّ طأطئ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علىّ فطرح نصفه، ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه.

وفي رواية اُخرى أنّه برز حمزة لعتبة، وبرز عبيدة لشيبة وبرز علىّ للوليد فقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة، وقتل عليّعليه‌السلام الوليد، فضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلىّ، وحمل عبيدة حمزة وعلىّ حتّى أتيا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستعبر فقال: يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى أنت أوّل شهيد من أهل بيتى.

وقال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا كما بطر أبناء ربيعة عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزراً، وعليكم بقريش فخذوهم أخذاً حتّى ندخلهم مكّة فنعرّفهم ضلالتهم الّتى هم عليها.

وجاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم فقال لهم: أنا جار لكم ادفعوا إلىّ رايتكم فدفعوا إليه رأية الميسرة، وكانت الراية مع بنى عبد الدار فنظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لأصحابه: غضّوا أبصاركم، وعضّوا على النواجذ، ورفع يده فقال: اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ثمّ أصابه الغشي فُسري عنه وهو يسلك العرق عن وجهه فقال: هذا جبرائيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين.

وفي الأمالى بإسناده عن الرّضا عن آبائهعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سافر إلى بدر في شهر رمضان وافتتح مكّة في شهر رمضان.

أقول: وعلى ذلك أطبق أهل السير والتواريخ، قال اليعقوبيّ في تاريخه: وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان بعد مقدمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعنى إلى المدينة - بثمانية عشر شهراً.

وقال الواقديّ: ونزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان فبعث عليّـاً والزبير وسعد بن أبى وقّـاص وبسبس بن عمرو يتجسّسون على الماء فوجدوا روايا قريش فيها سقاؤهم فأسروهم وأفلت بعضهم وأتوا بهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قائم يصلّى فسألهم المسلمون فقالوا: نحن سقاء قريش بعثونا نسقيهم

٢٧

من الماء فضربوهم فلمّا أن لقوهم بالضرب قالوا: نحن لأبي سفيان ونحن في العير، وهذا العير بهذا القوز فكانوا إذا قالوا ذلك يمسكون عن ضربهم. فسلّم رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم ) من صلاته ثمّ قال: إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم.

فلمّا أصبحوا عدّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصفوف وخطب المسلمين فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:

أمّا بعد فإنّى أحثّكم على ما حثّكم الله عليه، وأنهاكم عمّا نهاكم الله عنه فإنّ الله عظيم شأنه، يأمر بالحقّ، ويحبّ الصدق، ويعطى على الخير أهله على منازلهم عنده به يذكرون، وبه يتفاضلون، وإنّكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحقّ لا يقبل الله فيه من أحد إلّا ما ابتغى به وجهه، وإنّ الصبر في مواطن البأس ممّا يفرج الله به الهمّ وينجّى به من الغمّ تدركون به النجاة في الآخرة فيكم نبىّ الله يحذركم ويأمركم فاستحيوا اليوم أن يطلع الله على شئ، من أمركم يمقتكم عليه فإنّه تعالى يقول: لمقت الله أكبر من أنفسكم انظروا في الّذى أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته وما أعزّكم به بعد الذلّة فاستكينوا له يرض ربّكم عنكم، وأبلوا ربّكم في هذه المواطن أمراً تستوجبوا به الّذى وعدكم من رحمته ومغفرته فإنّ وعده حقّ، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنّما أنا وأنتم بالله الحىّ القيّـوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكّلنا، وإليه المصير، ويغفر الله لى للمسلمين.

وفي المجمع: ذكر جماعة من المفسّرين كابن عبّـاس وغيره: أنّ جبرائيل قال للنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا التقى الجمعان لعليّ: أعطني قبضة من حصا الوادي فناوله كفّاً من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلّا دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شئ ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم.

وفي الأمالى بإسناده عن ابن عبّـاس قال: وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قتلى بدر فقال: جزاكم الله من عصابة شرّاً لقد كذّبتموني صادقاً وخوّنتم أميناً، ثمّ التفت إلى أبى جهل بن هشام فقال: إنّ هذا أعتى على الله من فرعون إنّ فرعون لمّا أيقن بالهلاك وحّد الله،

٢٨

وإنّ هذا لمّا أيقن بالهلاك دعا باللّات والعزّى.

وفي المغازى للواقديّ: وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر بالقليب أن تغوّر ثمّ أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلّهم إلّا اُميّة بن خلف فإنّه كان مسمناً انتفخ من يومه فلمّا أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُتركوه، فأقرّوه وألقوا عليه من التراب والحجارة ما غيّـبه.

ثمّ وقف على أهل القليب فناداهم رجلاً رجلاً: هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً فإنّى قد وجدت ما وعدني ربًى حقّاً بئس القوم كنتم لنبيّكم كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس. فقالوا يا رسول الله أتنادى قوماً قد ماتوا؟ فقال: لقد علموا أنّ ما وعدهم ربّهم حقّ، وفي رواية اُخرى: فقال رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم ): ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني.

قال: وكان انهزام قريش حين زالت الشمس فأقام رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم ) ببدر وأمر عبدالله بن كعب بقبض الغنائم وحملها، وأمر نفراً من أصحابه أن يعينوه فصلّى العصر ببدر ثمّ راح فمرّ بالأثيل قبل غروب الشمس فنزل به وبات، وبأصحابه جراح وليست بالكثيرة، وأمر ذكوان بن عبد قيس أن يحرس المسلمين حتّى كان آخر اللّيل فارتحل.

وفي تفسير القمّىّ في خبر طويل: وخرج أبوجهل من بين الصفّين وقال: اللّهمّ إن محمّـداً أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة فأنزل الله على رسوله:( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم و إن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئاُ ولو كثرت و إنّ الله مع المؤمنين ) .

ثمّ أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّاً من حصى ورمى به في وجوه قريش وقال: شاهت الوجوه فبعث الله رياحاً تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهمّ لا يفلتنّ فرعون هذه الاُمّة أبوجهل بن هشام فقتل منهم سبعين، وأسر منهم سبعين.

وألتقى عمرو بن الجموح مع أبى جهل فضرب عمرو أباجهل على فخذه وضرب أبوجهل عمراً على يده فأبانها من العضد فتعلّقت بجلده فاتّكى عمرو على يده برجله ثمّ تراخى إلى

٢٩

السماء حتّى انقطعت الجلدة ورمى بيده.

وقال عبدالله بن مسعود: انتهيت إلى أبى جهل وهو يتشحّط بدمه فقلت: الحمد لله الّذى أخزاك فرفع رأسه فقال: إنّما أخزى الله عبداً، ابن امّ عبد لمن الدبرة ويلك؟ قلت: لله ولرسوله وإنّى قاتلك، ووضعت رجلى على عنقه فقال: ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعى الغنم أما إنّه ليس شئ أشدّ من قتلك إيّـاى في هذا اليوم ألا تولّى قتلى رجل من المطّلبيّـين أو رجل من الأحلاف؟ فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلت: يا رسول الله البشرى هذا رأس أبى جهل بن هشام فسجد لله شكراً.

وفي الإرشاد للمفيد ثمّ بارز اميرالمؤمنينعليه‌السلام العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبث أن قتله، وبرز إليه حنظلة بن أبى سفيان فقتله، وبرز إليه بعده طعيمة بن عدىّ فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش، ولم يزل يقتل واحداً منهم بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين رجلاً، تولّى كافّةُ من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتل الشطر منهم، وتولّى أميرالمؤمنينعليه‌السلام قتل الشطر الآخر وحده.

وفي الإرشاد أيضاً: قد أثبتت رواة العامة والخاصّـة معاً أسماء الّذين تولّى اميرالمؤمنينعليه‌السلام قتلهم ببدرمن المشركين على اتّفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح فكان ممّن سمّوه: الوليد بن عتبة كما قدّمنا وكان شجاعاً جريّاً وقاحاً فتّاكاً تهابه الرجال، والعاص بن سعيد وكان هولاً عظيماً تهابه الأبطال، وهو الّذى حاد عنه عمر بن الخطّاب وقصّته فيما ذكرناه مشهورة نحن نبيّنها فيما نورده، وطعيمة بن عدّى بن نوفل وكان من رؤوس أهل الضلال، ونوفل بن خويلد وكان من أشدّ المشركين عداوة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه وتطيعه، وهو الّذى قرن أبابكر وطلحة قبل الهجرة بمكّة وأوثقهما بحبل وعذّبهما يوماً إلى الليل حتّى سئل في أمرهما، ولمّا عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضوره بدراً سأل الله أن يكفيه أمره فقال: اللّهمّ اكفني نوفل بن خويلد فقتله اميرالمؤمنينعليه‌السلام .

٣٠

وزمعة بن الأسود(١) ، والحارث بن زمعة، والنضر بن الحارث بن عبد الدار، وعمير بن عثمان بن كعب بن تيم عمّ طلحة بن عبيد الله، وعثمان ومالك ابنا عبيد الله أخوا طلحة بن عبيد الله، ومسعود بن أبى اُميّـة بن المغيرة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة وحذيفة بن أبى حذيفة بن المغيرة، و [أبو] قيس(٢) بن الوليد بن المغيرة، وحنظلة بن أبى سفيان، وعمرو بن مخزوم، وأبو منذر بن أبى رفاعة، ومنبّه بن الحجّاج السهمىّ، والعاص بن منبّه، وعلقمة بن كلدة، وأبو العاص بن قيس بن عدىّ ومعاوية بن المغيرة بن أبى العاص، ولوذان بن ربيعة، وعبدالله بن المنذر بن أبى رفاعة، ومسعود بن اُميّة بن المغيرة، وحاجب بن السائب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن أبى عوف، وسعيد بن وهب حليف بنى عامر، ومعاوية بن [عامر بن] عبد القيس، وعبدالله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد، والسائب بن مالك، وأبوالحكم بن الأخنس، وهشام بن أبى اُميّة بن المغيرة.

فذلك خمسة وثلاثون رجلاً سوى من اختلف فيه أو شرك اميرالمؤمنينعليه‌السلام فيه غيره وهم اكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدّمناه.

أقول: وذكر غيره كما في المجمع أنّه قتل يوم بدر سبعة وعشرين رجلاً، وذكر الواقديّ: أنّ الّذى اتّفق عليه قول النقلة والرّواة من قتلاه تسعة رجال والباقى مختلف فيه.

لكنّ البحث العميق عن القصّة وما يحتفّ بها من أشعارهم والحوادث المختلفة الّتى حدثت بعدها تسئ الظنّ بهذا الاختلاف، وقد نقل عن محمّـد بن اسحاق أنّ أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعليّعليه‌السلام .

وقد عدّ الواقديّ فيما ذكره ابن أبى الحديد من قتلى المشركين في وقعة بدر اثنين وخمسين رجلاً ونسب قتل أربعة وعشرين منهم إليهعليه‌السلام ممّن انفرد بقتله أو شارك غيره.

ومن شعر اسيد بن أبى أياس يحرّض مشركي قريش على عليّعليه‌السلام على ما في الإرشاد والمناقب قوله:

في كلّ مجمع غاية أخزاكم

جزعٌ أبرّ على المذاكى القرّح

____________________

(١) في بعض النسخ: وعقيل بن الاسود وفيه فذلك ستة وثلاثون.

(٢) هو أخو خالد بن الوليد، والثلاثة الّذين قتلوا أبناء اعمامه.

٣١

لله درّ كم أ لمّـا تـنـكـروا

قـد ينكر الحرّ الكريم ويستـحى

هذا ابـن فاطـمة الّذى أفناكم

ذبحـاً وقتـلة قعصـة لم تذبـح

اعطـوه خرجاً واتّقوا تضريبه

فعـل الذليـل وبيعــة لم تربح

أين الكهـول و أين كلّ دعامة

في المعظلات وأين زين الأبطح

أفناهم قعصاً و ضربـاً يفترى

بالسيـف يعـمل حـدّه لم يصفح

وفي الإرشاد روى شعبة عن أبى إسحاق عن حارث بن مضرّب قال: سمعت علىّ بن أبى طالبعليه‌السلام يقول: لقد حضرنا بدراً وما فينا فارس غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلّا من نام غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه كان منتصباً في أصل شجرة يصلّى فيها ويدعو حتّى الصباح.

أقول: والروايات في قصّة بدر كثيرة جدّاً وقد اقتصرنا منها على ما يتّضح به فهم مضامين الآيات، ومن الأخبار ما سيأتي إن شاء الله في تضاعيف البحث عن الآيات التالية المشيرة الى بعض أطراف القصّة.

( فهرس أسماء شهداء بدر. رض)

في البحار عن الواقديّ قال: حدّثنى عبدالله بن جعفر قال: سألت الزّهريّ كم استشهد من المسلمين ببدر؟ قال: أربعة عشر: ستّة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.

قال: فمن بنى المطّلب بن عبد مناف، عبيدة بن الحارث قتله عتبه وفى غير رواية الواقديّ قتله شيبة فدفنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصفراء، ومن بنى زهرة عمير بن ابى وقّـاص قتله عمرو بن عبدودّ فارس الأحزاب، وعمير بن عبدودّ ذو الشمالين حليف لبنى زهرة قتله أبو اُسامة الجشمى، ومن بنى عدىّ عاقل بن أبى البكير حليف لهم من بنى سعد قتله مالك بن زهير، ومهجع مولى عمر بن الخطّاب قتله عامر بن الحضرميّ ويقال: إنّ مهجعاً أوّل من قتل من المهاجرين، ومن بنى الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء قتله طعيمة بن عدىّ.

ومن الأنصار ثمّ من بنى عمرو بن عوف، مبشّر بن عبد المنذر قتله أبو ثور، وسعد بن

٣٢

خيثمة قتله عمرو بن عبدودّ، ويقال: طعيمة بن عدىّ، ومن بنى عدىّ بن النجّار حارثة بن سراقة رماه حنان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله، ومن بنى مالك بن النجّار عوف ومعوذ ابنا عفراء قتلهما أبو جهل، ومن بنى سلمة عمير بن الحمام بن الجموح قتله خالد بن الأعلم، ويقال: إنّه أوّل قتيل قتل من الأنصار وقد روى: أنّ أوّل قتيل منهم حارثة بن سراقة، ومن بنى زريق رافع بن المعلّى قتله عكرمة بن أبى جهل، ومن بنى الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث قتله نوفل بن معاوية فهؤلاء الثمانية من الأنصار.

وروى عن ابن عبّـاس: أنّ أنسة مولى النبيّ (صلّى الله عليه و آله و سلّم ) قتل ببدر، وروى: أنّ معاذ بن ماعص جرح ببدر فمات من جراحته بالمدينة، وابن [ أنّ ظ ] عبيد بن السكن جرح فاشتكى جرحه فمات منه.

٣٣

( سورة الانفال آيه ١٥ - ٢٩)

يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ ( ١٥ ) وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ١٦ ) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنّ اللّهَ رَمَى‏ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ١٧ ) ذلِكُمْ وَأَنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ( ١٨ ) إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ( ١٩ ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ( ٢٠ ) وَلاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَيَسْمَعُونَ ( ٢١ ) إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لاَيَعْقِلُونَ ( ٢٢ ) وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ( ٢٣ ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّهِ‏ِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ٢٤ ) وَاتّقُوا فِتْنَةً لاَتُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصّةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( ٢٥ ) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ٢٦ ) يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَتَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( ٢٧ ) وَاعْلَمُوا أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ( ٢٨ ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( ٢٩ )

٣٤

( بيان)

أوامرٌ ونواه متعلّقة بالجهاد الإسلاميّ ممّا يناسب سوق القصّة، وحثّ على تقوى الله وإنذار وتخويف من مخالفة الله ورسوله والتعرّض لسخطه سبحانه، وفيها إشارة إلى بعض ما جرى في وقعة بدر من منن الله وأياديه على المؤمنين.

قوله تعالى: ( يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار ) اللّقاء مصدر لقى يلقى من المجرّد ولاقى. يلاقى من المزيد فيه، قال الراغب في مفردات القرآن: اللقاء مقابلة الشئ ومصادفته معاً، وقد يعبّر به عن كلّ واحد منهما يقال: لقيه يلقاه لقاءً ولُـقيّـاً ولُـقية، ويقال ذلك في الإدراك بالحسّ وبالبصر وبالبصيرة قال: لقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، وملاقاة الله عبارة عن القيامة وعن المصير إليه قال: واعلموا أنّكم ملاقوه، وقال: الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا الله، واللّقاء الملاقاة قال: وقال الّذين لا يرجون لقاءنا، وقال: إلى ربّك كدحاً فملاقيه. انتهى.

وقال في المجمع: اللقاء الاجتماع على وجه المقاربة لأنّ الاجتماع قد يكون على غير وجه المقاربة فلا يكون لقاء كاجتماع الأعراض في المحلّ الواحد. انتهى.

وقال فيه: الزحف الدنوّ قليلاً قليلاً، والتزاحف التدانى يقال: زحف يزحف زحفاً وأزحفت للقوم إذا دنوت لقتالهم وثبتّ لهم. قال اللّيث: الزحف جماعة يزحفون إلى عدوّ لهم بمرّة وجمعه زحوف. انتهى.

وتولية الأعداء الأدبار جعلهم يلونها وهو استدبار العدوّ واستقبال جهة الهزيمة.

وخطاب الآية عامّ غير خاصّ بوقت دون وقت ولا غزوة دون غزوة فلا وجه لتخصيصها بغزوة بدر وقصر حرمة الفرار من الزحف بها كما يحكى عن بعض المفسّرين. على أنّك عرفت أنّ ظاهر سياق الآيات أنّها نزلت بعد غزوة بدر لا يومها، وأنّ الآيات ذيل ما في صدر السورة من قوله:( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) الآية، وللكلام تتمّة ستوافيك في البحث الروائيّ إن شاء الله تعالى.

٣٥

قوله تعالى: ( ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرّفاً لقتال أو متحيّـزاً إلى فئة ) إلى آخر الآية. التحرّف: الزوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف وهو طرف الشئ وهو أن ينحرف وينعطف المقاتل من جهة إلى جهة اُخرى ليتمكّن من عدوّه ويبادر إلى إلقاء الكيد عليه، والتحيّـز هو أخذ الحيّـز وهو المكان، والفئة القطعة من جماعة الناس، والتحيّـز إلى فئة أن ينعطف المقاتل عن الانفراد بالعدوّ إلى فئة من قومه فيلحق بهم ويقاتل معهم.

والبواء الرجوع إلى مكان واستقرار فيه، ولذا قال الراغب: أصل البواء مساواة الاجزاء في المكان خلاف النبوّة الّذى هو منافاة الأجزاء. انتهى فمعنى قوله: باء بغضب من الله أي رجع ومعه غضب من الله.

فمعنى الآيتين: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا لقاء زحف أو زاحفين للقتال فلا تفرّوا منهم ومن يفرّ منهم يومئذ أي وقتئذ فقد رجع ومعه غضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير إلّا أن يكون فراره للتحرّف لقتال أو التحيّـز إلى فئة فلا بأس به.

قوله تعالى: ( فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) إلى آخر الآية، التدبّر في السياق لا يدع شكّاً في أنّ الآية تشير إلى وقعة بدر وما صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رميهم بكفّ من الحصا، والمؤمنون بوضع السيف فيهم وقتلهم القتل الذريع، وذيل الآية أعنى قوله:( وليبلى المؤمنين منه بلاءً حسناً ) يدلّ على أنّ الكلام جار مجرى الامتنان منه تعالى، وقد أثبت تعالى عين ما نفاه في جملة واحدة أعنى قوله:( وما رميت إذ رميت ) .

فمن جميع هذه الشواهد يتحصّل أنّ المراد بقوله:( فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) نفى أن تكون وقعة بدر وما ظهر فيها من استئصال المشركين والظهور عليهم والظفر بهم جارية على مجرى العادة والمعروف من نواميس الطبيعة، وكيف يسع لقوم هم شرذمة قليلون ما فيهم على ما روى إلّا فرس أو فرسان وبضعة أدرع وبضعة سيوف، أن يستأصلوا جيشاً مجهّزاً بالأفراس والأسلحة والرجال والزاد والراحلة، هم أضعافهم عدّة ولا يقاسون بهم قوّة وشدّة، وأسباب الغلبة عندهم، وعوامل

٣٦

البأس معهم، والموقف المناسب للتقدّم لهم.

إلّا أنّ الله سبحانه بما أنزل من الملائكة ثبّت أقدام المؤمنين وأرعب قلوب المشركين، وألقى الهزيمة بما رماه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحصاة عليهم فشملهم المؤمنين قتلاً وأسراً فبطل بذلك كيدهم وخمدت أنفاسهم وسكنت أجراسهم.

فبالحريّ أن ينسب ما وقع عليهم من القتل بأيدى المؤمنين والرمى الّذى شتّت شملهم وألقى الهزيمة فيهم إليه سبحانه دون المؤمنين.

فما في الآية من النفى جار مجرى الدعوى بنوع من العناية، بالنظر إلى استناد القتل بأطرافها إلى سبب إلهىّ غير عادىّ، ولا ينافى ذلك استنادها بما وقع فيها من الوقائع إلى أسبابها القريبة المعهودة في الطبيعة بأن يعدّ المؤمنون قاتلين لمن قتلوا منهم، والنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رامياً لما رماه من الحصاة.

وقوله:( وليبلى المؤمنين منه بلاءً حسناً ) الظاهر أنّ ضمير( منه ) راجع إلى الله تعالى، والجملة لبيان الغاية وهى معطوفة على مقدّر محذوف، والتقدير: إنّما فعل الله ما فعل من قتلهم ورميهم لمصالح عظيمة عنده، وليبلى المؤمنين ويمتحنهم بلاءً وامتحاناً حسناً أو لينعم عليهم بنعمة حسنة، وهو إفناء خصمهم وإعلاء كلمة التوحيد بهم وإغناؤهم بما غنموا من الغنائم.

وقوله:( إنّ الله سميع عليم ) تعليل لقوله:( وليبلى المؤمنين ) أي إنّه تعالى يبليهم لأنّه سميع باستغاثتهم عليم بحالهم فيبليهم منه بلاءً حسناً.

والتفريع الّذى في صدر الآية:( فلم تقتلوهم ) الخ متعلّق بما يتضمّنه الآيات السابقة:( إذ تستغيثون ربّكم ) إلى آخرالآيات من المعنى، فإنّها تعدّ منن الله عليهم من إنزال الملائكة وإمدادهم بهم وتغشيه النعاس إيّـاهم وإمطار السماء عليهم وما اُوحى إلى الملائكة من تأييدهم وتثبيت أقدامهم وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، فلمّا بلغ الكلام هذا المبلغ فرّع عليه قوله:( فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) .

وعلى هذا فقوله:( يا أيّها الّذين آمنوا إذ القيتم - إلى قوله -و بئس المصير ) معترضة

٣٧

متعلّقة بقوله:( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان ) أو بمعناه المفهوم من الجمل المسرودة، وقوله:( فلم تقتلوهم ) الخ متّصل بما قبله بحسب النظم.

وربّما يذكر في نظم الآية وجهان آخران:

أحدهما: أنّ الله سبحانه لمّا أمرهم بالقتل في الآية المتقدّمة ذكر عقيبها أنّ ما كان من الفتح يوم بدر وقهر المشركين إنّما كان بنصرته ومعونته تذكيراً للنعمة. ذكره أبو مسلم.

والثانى: أنّهم لمّا اُمروا بالقتال ثمّ كان بعضهم يقول: أنا قتلت فلاناً وأنا فعلت كذا نزلت الآية على وجه التنبيه لهم لئلّا يعجبوا بأعمالهم. وربّما قيل: إنّ الفاء في قوله( فلم تقتلوهم ) لمجرّد ربط الجمل بعضها ببعض. والوجه ما قدّمناه.

قوله تعالى: ( ذلكم وأنّ الله موهن كيد الكافرين ) قال في المجمع:( ذلكم ) موضعه رفع، وكذلك( أنّ الله ) في موضع رفع، والتقدير: الأمر ذلكم والأمر أنّ الله موهن، وكذلك الوجه فيما تقدّم من قوله:( ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النار ) ، ومن قال: إنّ( ذلكم ) مبتدء و( فذوقوه ) خبره فقد أخطأ لأنّ ما بعد الفاء لا يكون خبراً لمبتدء، ولا يجوز: زيد فمنطلق، ولا: زيد فاضربه إلّا أن تضمر( هذا ) تريد: هذا زيد فاضربه. انتهى. فمعنى الآية: الأمر ذلكم الّذي ذكرناه والأمر أنّ الله موهن كيد الكافرين.

قوله تعالى: ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) إلى آخر الآية. ظاهر الآية بما تشتمل عليه من الجمل المسرودة كقوله:( وإن تنتهوا فهو خير لكم ) وقوله:( وإن تعودوا نعد ) الخ ان تكون الخطاب فيه للمشركين دون المؤمنين باشتمال الكلام على الالتفات للتهكّم، وهو المناسب لقوله في الآية السابقة:( وأنّ الله موهن كيد الكافرين ) .

فالمعنى: إن طلبتم الفتح وسألتم الله أيّها المشركون أن يفتح بينكم وبين المؤمنين فقد جاءكم الفتح بما أظهر الله من الحقّ يوم بدر فكانت الدائرة للمؤمنين عليكم، وإن تنتهوا عن المكيدة على الله ورسوله فهو خير لكم وإن تعودوا إلى مثل ما كدتم نعد إلى مثل ما أوهنّا به كيدكم، ولن تغنى عنكم جماعتكم شيئاً ولو كثرت كما لم تغن في هذه المرّة وإنّ الله مع المؤمنين ولن يغلب من هو معه.

٣٨

وبهذا يتأيّد ما ورد أنّ أباجهل قال يوم بدر حين اصطفّ الفريقان أو حين التقى الفئتان: اللّهمّ إنّ محمّـداً أقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فانصر عليه، وفى بعض الروايات - وهو الأنسب - كما في المجمع عن أبى حمزة : قال أبوجهل: اللّهمّ ربّنا ديننا القديم ودين محمّـد الحديث فأىّ الدينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم.

وذكر بعضهم: أنّ الخطاب في الآية للمؤمنين، ووجّهوا مضامين جملها بما لا يرتضيه الذوق السليم، ولا جدوى للإطالة بذكرها والمناقشة فيها فمن أراد ذلك فعليه بالمطوّلات.

قوله تعالى: ( يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون ) الضمير على ما يفيده السياق راجع الى الرسول (صلى الله عليه وآله و سلّم )، والمعنى: ولا تولّوا عن الرسول وأنتم تسمعون ما يلقيه اليكم من الدعوة الحقّة وما يأمركم به وينهاكم عنه ممّا فيه صلاح دينكم ودنياكم. ومصبّ الكلام أوامره الحربيّـة وإن كان لفظه أعمّ.

قوله تعالى: ( ولا تكونوا كالّذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) المعنى ظاهر وفيه نوع تعريض للمشركين إذ قالوا: سمعنا، وهو لا يسمعون، وقد حكى الله عنهم ذلك إذ قال بعد عدّة آيات:( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) الأنفال: ٣١، لكنّهم كذّبوا ولم يسمعوا ولو سمعوا لاستجابوا كما قال الله تعالى:( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الأعراف: ١٧٩، وقال تعالى حكاية عن أصحاب السعير :( وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير ) الملك: ١٠ فالمراد بالسمع في الآية الاُولى تلقّى الكلام الحقّ الّذى هو صوت من طريق الاُذن، وفى الآية الثانية الانقياد لما يتضمّنه الكلام الحقّ المسموع.

والآيتان - كما ترى - خطاب متعلّق بالمؤمنين متّصل نوع اتّصال بالآية السابقة عليهما وتعريض للمشركين، فهو تعالى لمّا التفت إلى المشركين فذمّهم وتهكّم عليهم بسؤالهم الفتح، وذكر لهم أنّ الغلبة دائماً لكلمة الإيمان على كلمة الكفر ولدعوة الحقّ على دعوة الباطل، التفت إلى حزبه وهم المؤمنون فأمرهم بالطاعة له ولرسوله، و

٣٩

حذّرهم عن التولّي عنه بعد استماع كلمة الحقّ، وأن يكونوا كاُولئك إذ قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون.

ومن الممكن أن يكون في الآية إشارة الى عدّة من أهل مكّة آمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمّا تخلّص قلوبهم من الشكّ خرجوا مع المشركين إلى بدر لحرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فابتلوا بما ابتلى به مشركوا قريش، فقد ورد في الخبر: أنّ فئة من قريش اسلموا بمكّة واحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش، يوم بدر، وهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلىّ بن اُميّة بن خلف، والعاص بن منبّه بن الحجّاج، والحارث بن زمعة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة ولمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا: مساكين هؤلاء غرّهم دينهم، وسيذكرهم الله بعد عدّة آيات بقوله:( وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم ) الآية.

وربّما قيل: إنّ المراد بالّذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون هم أهل الكتاب من يهود قريظة والنضير. وهو بعيد.

قوله تعالى: ( أنّ شرّ الدوابّ عند الله الصمّ البكم الّذين لا يعقلون ) إلى آخر الآيتين. تعريض وذمّ للّذين سبق ذكرهم من الكفّـار على ما يعطيه سياق الكلام وما اشتملت عليه الآية من الموصول والضمائر المستعملة في اُولى العقل، وعلى هذا فالظاهر أنّ اللّام في قوله:( الصمّ البكم ) للعهد الذكرىّ، ويؤول المعنى إلى أنّ شرّ جميع ما يدبّ على الأرض من أجناس الحيوان وأنواعها هؤلاء الصمّ البكم الّذين لا يعقلون، وإنّما لم يعقلوا لأنّه لا طريق لهم إلى تلقّى الحقّ لفقدهم السمع والنطق فلا يسمعون ولا ينطقون.

ثمّ ذكر تعالى أنّ الله إنّما ابتلاهم بالصمم والبكمة فلا يسمعون كلمة الحقّ ولا ينطقون بكلمة الحقّ، وبالجملة حرمهم نعمة السمع والقبول، لأنّه تعالى لم يجد عندهم خيراً ولم يعلم به ولو كان لعلم، لكن لم يعلم فلم يوفّقهم للسمع والقبول، ولو أنّه تعالى رزقهم السّمع والحال هذه لم يثبت السّمع والقبول فيهم بل تولّوا عن الحقّ وهم معرضون.

٤٠