الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 89141
تحميل: 4957


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89141 / تحميل: 4957
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا وسقوطهم فيها فقوله:( ألا في الفتنة سقطوا ) وقوله:( وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ) كأنّهما معاً يفيدان معنى واحداً وهو أنّ هؤلاء واقعون في الفتنة والتهلكة أبداً في الدنيا والآخرة.

ويمكن أن يفهم من قوله:( وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين) الإحاطة بالفعل دون الإحاطة اللإستقباليّة كما تهدى إليه الآيات الدالّة على تجسّم الأعمال.

قوله تعالى: ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ) المراد بالحسنة والسيّـئة بقرينة السياق ما تتعقّبه الحروب والمغازى لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي، ومن مصيبة القتل والجرح والهزيمة.

وقوله:( يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ) كناية عن الاحتراز عن الشرّ قبل وقوعه كأنّ أمرهم كان خارجاً من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلّطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع.

فمعنى الآية أنّ هؤلاء المنافقين هواهم عليك: إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت أو اُصبت بأىّ مصيبة اُخرى قالوا قد احترزنا عن الشرّ من قبل وتولّوا وهم فرحون.

وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين: قوله:( قل لن يصيبنا ) الخ وقوله:( قل هل تربّصون ) الخ.

قوله تعالى: ( قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) محصّله أنّ ولاية أمرنا إنّما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدلّ عليه قوله:( هو مولانا ) من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شئ من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الأمر لله وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شرّ أو حسنة أو مصيبة، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره والسعى لإحياء أمره والجهاد في سبيله ولله المشيّـة فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو مصيبة فما على العبيد إلّا ترك التدبير وامتثال الأمر وهو التوكّل.

وبذلك يظهر: أنّ المراد بقوله:( وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) ليس كلاماً مستأنفاً

٣٢١

بل معطوف على ما قبله متمّم له، والمعنى أنّ ولاية أمرنا لله ونحن مؤمنون به، ولازمه أن نتوكّل عليه ونرجع الأمر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئاً من الحسنة ومصيبة فلو أصابتنا حسنة كان المنّ له وإن أصابتنا مصيبة كانت المشيّـة والخيرة له، ولا لوم علينا ولا شماتة تتعلّق بنا، ولا حزن ولا مساءة يطرء على قلوبنا.

وقد قال تعالى:( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير* لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) الحديد: ٢٣، وقال:( ما أصاب من مصيبة إلّا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) التغابن: ١١ وقال:( ذلك بأنّ الله مولى الّذين آمنوا ) سورة محمّـد: ١١، وقال:( والله ولىّ المؤمنين ) آل عمران: ٦٨، وقال:( فالله هو الولىّ ) الشورى: ٩.

والآيات - كما ترى - تتضمّن اُصول هذه الحقيقة الّتى تنبئ عنه الآية الّتى نتكلّم فيها جواباً عن وهم المنافقين، وهى أنّ حقيقة الولاية لله سبحانه ليس إلى أحد من دونه من الأمر شئ فإذا آمن الإنسان به وعرف مقام ربّه علم ذلك وكان عليه أن يتوكّل على ربّه ويرجع إليه حقيقة المشيّـة والخيرة فلا يفرح بحسنة أصابته، ولا يحزن لمصيبة أصابته.

ومن الجهل أن يسوء الإنسان ما أصابت عدوّه من حسنة أو يسرّه ما أصابته من مصيبة فليس له من الأمر شئ، وهذا هو الجواب الأوّل عن مساءتهم بما أصاب المؤمنين من الحسنة وفرحهم بما أصابتهم من المصيبة.

وظاهر كلام بعض المفسّرين أنّ المولى في الآية بمعنى الناصر، وكذا ظاهر كلام بعضهم: أنّ قوله:( وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) جملة مستأنفة أمر الله فيها المؤمنين بالتوكّل عليه، والسياق المشهود من الآيتين لا يساعد عليه.

قوله تعالى:( قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم ) الآية الحسنيان هما الحسنة والمصيبة على ما يدلّ عليه الآية الاُولى الحاكية أنّهم يسوؤهم ما أصاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حسنة، وتسرّهم ما أصابه من مصيبة فيقولون قد أخذنا أمرنا من قبل فهم على حال تربّص ينتظرون ما يقع به وبالمؤمنين من الحسنة أو المصيبة.

٣٢٢

والحسنة والمصيبة كلتاهما حسنيان كبحسب النظر الدينىّ فإنّ في الحسنة حسنة الدنيا وعظيم الأجر عند الله، وفي المصيبة الّتى هي الشهادة أو أيّ تعب وعناء أصابهم مرضاة الله وثواب خالد دائم.

ومعنى الآية أنّا نحن وأنتم كلّ يتربّص بصاحبه غير أنّكم تتربّصون بنا إحدى خصلتين كلّ واحدة منهما خصلة حسنى وهما: الغلبة على العدوّ مع الغنيمة، والشهادة في سبيل الله، ونحن نتربّص بكم أن يعذّبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماويّ أو بعذاب يجرى بأيدينا كأن يأمرنا بقتالكم وتطهير الأرض من قذارة وجودكم فنحن فائزون على أيّ حال، إن وقع شئ ممّا تربّصتم سعدنا، وإن وقع ما تربّصنا سعدنا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون، وهذا جواب ثان عن المنافقين.

وقد ذكر في الآية الاُولى إصابة الحسنة والمصيبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي مقام الجواب في الآيتين الثانية والثالثة إصابتهما النبيّ والمؤمنين جميعاً لملازمتهم إيّاه ومشاركتهم إيّاه فيما أصابه من حسنة أو مصيبة.

قوله تعالى: ( قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوماً فاسقين ) لفظ أمر في معنى الشرط. والترديد للتعميم ولفظ الأمر في هذه الموارد كناية عن عدم النهى وسدّ السبيل إيماء إلى أنّ الفعل لغو لا يترتّب عليه أثر، وقوله:( لن يتقبّل منكم ) تعليل للأمر كما أنّ قوله تعالى:( إنّكم كنتم قوماً فاسقين ) تعليل لعدم القبول.

ومعنى الآية: لا نمنعكم عن الإنفاق في حال من طوع أو كره فإنّه لغو غير مقبول لأنّكم فاسقون، ولا يقبل عمل الفاسقين، قال تعالى:( إنّما يتقبّل الله من المتّقين ) المائدة: ٢٧ والتقبّل أبلغ من القبول.

قوله تعالى: ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا بالله وبرسوله ) الخ الآية تعليل تفصيليّ لعدم تقبّل نفقاتهم، وبعبارة اُخرى بمنزلة الشرح لفسقهم، وقد عدّت الكفر بالله تعالى ورسوله والكسل في إقامة الصلاة والكره في الإنفاق أركاناً لنفاقهم.

٣٢٣

قوله تعالى: ( فلا تعجّبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد الله ليعذّبهم بها ) إلى آخر الآية، الإعجاب بالشئ السرور بما يشاهد فيه من جمال أو كمال أو نحوهما، والزهوق خروج الشئ بصعوبة وأصله الهلاك على ما قيل.

وقد نهى الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإعجاب بأموال المنافقين وأولادهم أي بكثرتها على ما يعطيه السياق، وعلّل ذلك بأنّ هذه الأموال والأولاد - وهى شاغلة للإنسان لا محالة - ليست من النعمة الّتى تهتف لهم بالسعادة بل من النقمة الّتى تجرّهم إلى الشقاء فإنّ الله وهو الّذى خوّلهم إيّـاها إنّما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا، وتوفيهم وهم كافرون.

فإنّ الحياة الّتى يعدّها الموجود الحىّ سعادة لنفسه وراحة لذاته إنّما تكون سعادة فيها الراحة والبهجة إذا جرت على حقيقة مجراها وهو أن يتلبّس الإنسان بواقع آثارها من العلم النافع والعمل الصالح من غير أن يشتغل بغير ما فيه خيره ونفعه، فهذه هي الحياة الّتى لا موت فيها، والراحة الّتى لا تعب معها، واللّذة الّتى لا ألم دونها، وهى الحياة في ولاية الله، قال تعالى:( ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) يونس: ٦٢.

وأمّا من اشتغل بالدنيا وجذبته زيناتها من مال وبنين إلى نفسها وغرّته الآمال والأمانيّ الكاذبة الّتى تتراءى له منها واستهوته الشياطين فقد وقع في تناقضات القوى البدنيّـة وتزاحمات اللّذائذ المادّيّة، وعذب أشدّ العذاب بنفس ما يرى فيه سعادته ولذّته فمن المشاهد المعاين أنّ الدنيا كلّما زادت إقبالاً على الإنسان، ومتّعته بكثرة الأموال والأولاد أبعدته عن موقف العبوديّـة وقرّبته إلى الهلاكة وعذاب الروح فلا يزال يتقلّب بين هذه الأسباب الموافقة والمخالفة، والأوضاع والأحوال الملائمة والمزاحمة، فالّذي يسمّيه هؤلاء المغفّلون سعة العيش هو بالحقيقة ضنك كما قال تعالى:( ومن أعرض عن ذكرى فإنّ له معيشه ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى* قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه: ١٢٦.

فغايه إعراض الإنسان عن ذكر ربّه، وانكبابه على الدنيا يبتغى به سعادة الحياة

٣٢٤

وراحة النفس ولذّة الروح أن يعذّب بين أطباق هذه الفتن الّتى يراها نعماً، ويكفر بربّه بالخروج عن زىّ العبوديّـة كما قال:( إنّما يريد الله ليعذّبهم بها وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) وهو الإملاء والاستدراج الّذين يذكرهما في قوله:( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واُملى لهم إنّ كيدى متين ) الأعراف: ١٨٣.

قوله تعالى: ( ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منكم ) إلى آخر الآيتين، الفرق انزعاج النفس من ضرر متوقّع، والملجأ الموضع الّذى يلتجأ إليه ويتحصّن فيه، والمغار المحلّ الّذى يغور فيه الإنسان فيستره عن الأنظار، ويطلق على الغار وهو الثقب الّذى يكون في الجبال، والمدّخل من الافتعال الطريق الّذى يتدسّس بالدخول فيه، والجماح مضىّ المارّ مسرعاً على وجهه لا يصرفه عنه شئ، والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) اللمز العيب، وإنّما كانوا يعيبونه فيها إذا لم يعطهم منها لعدم استحقاقهم ذلك أو لأسباب اُخر كما يدلّ عليه ذيل الآية.

قوله تعالى: ( ولو أنّهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ) إلى آخر الآية،( لو ) للتمنّي وقوله:( رضوا ما آتاهم الله ) كأنّ الرضى ضمّن معنى الأخذ ولذا عدّي بنفسه أي أخذوا ذلك راضين به أو رضوا آخذين ذلك، والإيتاء الإعطاء وحسبنا الله أي كفانا فيما نرغب إليه ونأمله.

وقوله:( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) بيان لما يرغب إليه ويطمع فيه وليس إخباراً عمّا سيكون، وقوله:( إنّا إلى الله راغبون ) كالتعليل لقوله:( سيؤتينا الله ) إلى آخر الآية.

والمعنى وكان ممّا يتمنّى لهم أن يكونوا أخذوا ما أعطاهم الله ورسوله بأمر منه من مال الصدقات أو غيره، وقالوا كفانا الله سبحانه من سائر الأسباب ونحن راغبون في فضله ونطمع أن يؤتينا من فضله ويؤتينا رسوله.

وفي الآية ما لا يخفى من لطيف البيان حيث نسب الإيتاء إلى الله وإلى رسوله وخصّ الكفاية والفضل والرغبة بالله على ما هو لازم دين التوحيد.

٣٢٥

قوله تعالى: ( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) الآية، بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة وهى الزكوات بدليل قوله في آخر الآية:( فريضة من الله ) وهى ثمانية. وارد على ظاهر ما يعطيه سياق الآية ولازمه أن يكون الفقير والمسكين موردين أحدهما غير الآخر.

وقد اختلفوا في الفقير والمسكين أنّهما صنف واحد أو صنفان، ثمّ على الثاني في معناهما على أقوال كثيرة لا ينتهى أكثرها إلى حجّة بيّنة، والّذى يعطيه ظاهر لفظهما أنّ الفقير هو الّذى اتّصف بالعدم وفقدان ما يرفع حوائجه الحيويّـة من المال قبال الغنىّ الّذى اتّصف بالغنى وهو الجدة واليسار.

وأمّا المسكين فهو الّذى حلّت به المسكنة والذلّة مضافة إلى فقدان المال وذلك إنّما يكون بأن يصل فقره إلى حدّ يستذلّه بذلك كمن لا يجد بدّاً من أن يبذل ماء وجهه ويسأل كلّ كريم ولئيم من شدّة الفقر وكالأعمى والأعرج فالمسكين أسوء حالاً من الفقير.

والفقير والمسكين وإن كانا بحسب النسبة أعمّ وأخصّ فكلّ مسكين من جهة الحاجة الماليّـة فقير ولا عكس غير أنّ العرف يراهما صنفين متقابلين لمكان مغايرة الوصفين في نفسهما فلا يرد أنّ ذكر الفقير على هذا المعنى مغن عن ذكر المسكين لمكان أعمّـيّته وذلك أنّ المسكنة هي وصف الذلّة كالزمانة والعرج والعمى وإن كان بعض مصاديقه نهاية الذلّة من جهة فقد المال.

وأمّا العاملون عليها أي على الصدقات فهم الساعون لجمع الزكوات وجباتها.

وأمّا المؤلّفة قلوبهم فهم الّذين يؤلّف قلوبهم بإعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدوّ أو يستعان بهم على حوائج الدين.

وأمّا قوله:( وفي الرقاب ) فهو متعلّق بمقدّر والتقدير: والمصرف في الرقاب أى في فكّها كما في المكاتب الّذى لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرقّ الّذى كان في شدّة.

٣٢٦

وقوله:( والغارمين ) أي وللصرف في الغارمين الّذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة.

وقوله:( وفي سبيل الله ) أي وللصرف في سبيل الله، وهو كلّ عمل عامّ يعود عائدته إلى الإسلام والمسلمين وتحفظ به مصلحة الدين ومن أظهر مصاديقه الجهاد في سبيل الله، ويلحق به سائر الأعمال الّتى تعمّ نفعه وتشمل فائدته كإصلاح الطرق وبناء القناطر ونظائر ذلك.

وقوله:( وابن السبيل ) أي وللصرف في ابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به وإن كان غنيّاً ذا يسار في بلده فيرفع حاجته بسهم من الزكاة.

وقد اختلف سياق العدّ فيما ذكر في الآية من الأصناف الثمانية فذكرت الأربعة الاُول باللام:( للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم ) ثمّ غيّر السياق في الأربعة الباقية فقيل:( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) فإنّ ظاهر السياق الخاصّ بهذه الأربعة أنّ التقدير: وفي الرقاب وفي الغارمين وفي سبيل الله وفي ابن السبيل.

أمّا الأربعة الاُول:( للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم ) فاللام فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرّف فإنّ الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصدقات وهم غير مستحقّين لها وكانوا يلمزون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرمانهم منها فاُجيبوا بالآية أنّ للصدقات مواضع خاصّـة تصرف فيها ولا تتعدّاها، والآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.

وأمّا كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقهاً؟ وكذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافاً بعناوينهم الصنفيّة لا ذوات شخصيّة؟ ونسبة سهم كلّ صنف إلى بقيّة السهام؟ فإنّما هي مسائل فقهيّـة خارجة عن غرضنا، وقد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافاً شديداً فليرجع إلى الفقه.

وأمّا الأربعة الباقية:( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) فقد قيل في تغيير السياق فيها وفي تأخيرها عن الأربعة الاُول وجوه:

٣٢٧

منها: أنّ الترتيب لبيان الأحقّ فالأحقّ من الأصناف، فأحقّ الأصناف بها الفقراء ثمّ المساكين وهكذا على الترتيب، ولكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقّـيّـة واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كلّ في موضعه الخاصّ، ولو لا هذا الترتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثمّ تذكر موارد المصالح فيقال: للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل ثمّ يقال: وفي الرقاب وسبيل الله.

والحقّ أنّ دلالة الترتيب بما فيه من التقديم والتأخير على أهمّيّة الملاك وقوّة المصلحة في أجزاء الترتيب لا ريب فيه فإن كان مراده بالأحقّ فالأحقّ الأهمّ ملاكاً فالأهمّ فهو، ولو كان المراد التقدّم والتأخّر من حيث الإعطاء والصرف وما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتّـة كما لا يخفى والّذى أيّده به من الوجه لا جدوى فيه.

ومنها: أنّ العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى( في ) للإيذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ذكره لأنّ( في ) للوعاء فنبّه على أنّهم أحقّاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنّة لها ومصبّاً، وذلك لما في فكّ الرقاب من الكتابة أو الرقّ والأسر، وفي فكّ الغارمين من الغرم والتخليص والانقاذ، ولجمع الغازى الفقير أو المنقطع في الحجّ بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال.

وتكرير( في ) في قوله:( وفي سبيل الله وابن السبيل ) فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. كذا ذكره في الكشّاف.

وفيه: أنّه معأرض بكون الأربعة الاُول مدخولة للام الملك فإنّ المملوك أشدّ لزوماً واتّصالاً بالنسبة إلى مالكه من المظروف بالنسبة إلى ظرفه، وهو ظاهر.

ومنها: أنّ الأصناف الأربعة الأوائل ملّاك لما عساه يدفع إليهم، وإنّما يأخذونه ملكاً فكان دخول اللّام لائقاً بهم، وأمّا الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلّق بهم.

فالمال الّذى يصرف في الرقاب إنّما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتّى يعبّر عن ذلك باللّام المشعرة بتملّكهم لما يصرف نحوهم، وإنّما

٣٢٨

هم محالّ لهذا الصرف والمصلحة المتعلّقة به، وكذلك الغارمون إنّما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم، وأمّا سبيل الله فواضح ذلك فيه، وأمّا ابن السبيل فكأنّه كان مندرجاً في سبيل(١) الله، وإنّما اُفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيّته مع أنّه مجرّد من الحرفين جميعاً وعطفه على المجرور باللّام ممكن ولكنّه على القريب منه أقرب.

وهذا الوجه لا يخلو عن وجه غير أنّ إجراءه في ابن السبيل لا يخلو عن تكلّف، وما ذكر من دخوله في سبيل الله هو وجه مشترك بينه وبين غيره.

ولو قال قائل بكون الغارمين وابن السبيل معطوفين على المجرور باللام ثمّ ذكر الوجه الأوّل بالمعنى الّذى ذكرناه وجهاً للترتيب والوجه الأخير وجهاً لاختصاص الرقاب وسبيل الله بدخول( في ) لم يكن بعيداً عن الصواب.

وقوله في ذيل الآية:( فريضة من الله والله عليم حكيم ) إشارة إلى كون الزكاة فريضة واجبة مشرّعة على العلم والحكمة لا تقبل تغيير المغيّر، ولا يبعد أن يتعلّق الفرض بتقسّمها إلى الأصناف الثمانية كما ربّما يؤيّده السياق فإنّ الغرض في الآية إنّما تعلّق ببيان مصارف الصدقات لا بفرض أصلها فالأنسب أن يكون قوله:( فريضة من الله ) إشارة إلى أنّ تقسّمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض من الله لا يتعدّى عنه على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا يظهر أنّ الآية لا تخلو عن إشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافاً لما ذكره بعضهم: أنّ المؤلّفة قلوبهم كانوا جماعة من الأشراف في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألّف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إيّاهم، وأمّا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ظهر الإسلام على غيره، وارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات، وهو وجه فاسد وارتفاع الحاجة ممنوع.

قوله تعالى: ( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للّذين آمنوا منكم ) الاُذن جارحة السمع المعروفة، وقد أطلقوا

____________________

(١) بل أيضاً كالغارمين والرقاب لا يدفع إليه نصيبه وإنّما يصرف في المصلحة المتعلّقة به من الزاد واكتراء الراحلة حتّى يصل إلى وطنه (ب).

٣٢٩

عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُذن وسمّوه بها إشارة إلى أنّه يصغى لكلّ ما قيل له ويستمع إلى كلّ ما يذكر له فهو اُذن.

وقوله:( قل اُذن خير لكم ) من الإضافة الحقيقيّـة أي سمّاع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحى وفيه خير لكم، ويسمع من المؤمنين النصيحة وفيها خير لكم ويمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي اُذن هي خير لكم لأنّه لا يسمع إلّا ما ينفعكم ولا يضرّكم.

والفرق بين الوجهين أنّ اللازم على الأوّل أن يكون مسموعه خيراً لهم كالوحي من الله والنصيحة من المؤمنين، واللازم على الثاني أن يكون استماعه استماع خير وإن لم يكن مسموعه خيراً كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيراً لهم لكنّه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثمّ يحمل ذلك القول منه على الصحّة فلا يهتك حرمته ولا يسئ الظنّ به ثمّ لا يرتّب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الّذى جاءه بالخبر.

ومن هنا يظهر أنّ الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقّبه بقوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) الآية.

وذلك أنّ الإيمان هو التصديق، وقد ذكر متعلّق الإيمان في قوله:( يؤمن بالله ) وأمّا قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) فلم يذكر متعلّقه وإنّما ذكر أنّ هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللّام، والتصديق الّذى يكون فيه نفع المؤمنين حتّى في الخبر الّذى يتضمّن ما يضرّهم إنّما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبرىّ دون الخبرىّ أي فرض أنّ المخبر صادق بمعنى أنّه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذباً لا يطابق الواقع.

وهذا كما في قوله تعالى:( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله والله يعلم إنّك لرسوله والله يشهد إنّ لمنافقين لكاذبون ) المنافقون: ١ فالله سبحانه يكذّب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه وهذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه:( ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) الأحزاب: ٢٢ فهم يصدّقون الله ورسوله في

٣٣٠

الخبر لا في الاعتقاد.

وبالجملة ظاهر قوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أنّه يصدّق الله فيما أخبره به من الوحى، ويصدّق لنفع المؤمنين كلّ من ألقى إليه منهم خبراً بحمل فعله على الصحّة وعدم رميه بالكذب وسوء النيّة من غير أن يرتّب أثراً على كلّ ما يسمعه ويستمع إليه وإلّا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين واختلّ الأمر، وهذا المعنى كما ترى يؤيّد الوجه الثاني المذكور.

وكأنّ المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين وعلى هذا كان المراد بالّذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقّاً فمعنى الكلام أنّه يصدّق ربّه ويصدّق كلّ فرد من أفراد مجتمعكم احتراماً لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقّاً لأنّه يهديهم إلى مستقيم الصراط.

وإن كان لمراد من الّذين آمنوا هم الّذين آمنوا في أوّل البعثة قبل الفتح - كما تقدّم سابقاً أنّ( الّذين آمنوا ) اسم تشريفيّ في القرآن للمؤمنين الأوّلين في الإسلام - كانّ المراد بالمؤمنين في قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) المؤمنون منهم حقّاً كما اُطلق بهذا المعنى في قوله:( ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ) الأحزاب: ٢٢.

وربّما قيل: إنّ اللام في قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) للتعدية كما في قوله:( يؤمن بالله ) فالإيمان يتعدّى بالحرفين جميعاً كما في قوله:( فآمن له لوط ) العنكبوت: ٢٦ وقوله:( فما آمن لموسى إلّا ذرّيّة من قومه ) يونس: ٨٣ وقوله:( أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون ) الشعراء: ١١١.

وربّما قيل: إنّ اللّفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الإيمان معنى الجنوح المتعدّى باللّام والمعنى يجنح للمؤمنين مؤمناً بهم أو يؤمن جانحاً لهم.

والوجهان وإن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعّد ذلك لزوم التفكيك في قوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) بين( يؤمن ) الأوّل والثانى من غير نكتة ظاهرة إلّا أن يحمل على التفنّن في التعبير ومع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإنّ إيمانه بالمؤمنين

٣٣١

لا يختصّ بالمخبرين خاصّـة حتّى يصدّق خبرهم ويؤاخذ آخرين إذا اُخبر بما يضرّهم بل إيمان يعمّ جميع المؤمنين فيصدّق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبرىّ ويصدّق المخبر عنه بحمل فعله على الصحّة فافهم ذلك.

وعدّه تعالى نبيّه في قوله:( ورحمة للذين آمنوا منكم ) رحمة لقوم خاصّ في هذه الآية مع عدّه رحمة للناس كلّهم في قوله عزّوجلّ:( وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين ) الأنبياء: ١٠٧ إنّما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها ههنا الرحمة الفعليّـة وهناك الرحمة الشأنيّة.

وبعبارة اُخرى هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمةٌ لمن آمن به حقّاً بمعنى أنّ الله سبحانه أنقذه به من الضلالة وختم له بالسعادة والكرامة، ورحمةٌ للناس كلّهم مؤمنهم وكافرهم، من معاصريه وممّن يأتي بعده بمعنى أنّ الله بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملّة بيضاء وسنّة طيّـبة فحوّل المجتمع البشرىّ وصرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة والهلاك، وأنار بمشعلته صراط الفطرة الإلهيّـة فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة، ومن خارج عن مسير الردى والهلكة ولمّا يركب متن الصراط الفطريّ، ومن قاصد للخروج والورود ولمّا يخرج وهذا حال المجتمع العامّ البشرىّ بعد طلوع الإسلام وبسطه معارفه بين الناس وإيصاله إلى سمع كلّ سامع وتأثيره في كلّ من السنن الاجتماعيّـة بما في وسعه أن يتأثّر به، وهذا ممّا لا يرتاب فيه باحث عن طبيعه المجتمع الإنسانيّ، وهذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة.

قوله تعالى: ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) قال في المجمع: (الفرق بين الأحقّ والأصلح أنّ الأحقّ قد يكون من غير صفات الفعل كقولك: زيد أحقّ بالمال، والأصلح لا يقع هذا الموقع لأنّه من صفات الفعل وتقول: الله أحقّ بأن يطاع ولا تقول أصلح).انتهى.

والسبب الأصلىّ فيه أنّ الصلاحية والصلوح يحمل معنى الاستعداد والتهيّؤ، والحقّ يحمل معنى الثبوت واللّزوم، والله سبحانه لا يتّصف بشئ من معنى الاستعداد والقبول المستلزم لتأثير الغير فيه وتأثّره عنه.

٣٣٢

وقد حوّل الله الخطاب في الآية عن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المؤمنين التفاتاً وكأنّ الوجه فيه التلويح لهم بما يشتمل عليه قوله:( والله ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) من الحكم وهو أنّ من الواجب على كلّ مؤمن أن يرضى الله ورسوله، ولا يحادّ الله ورسوله فإنّ فيه خزياً عظيماً نار جهنّم خالداً فيها.

ومن أدب التوحيد في الآية ما في قوله:( أحقّ أن يرضوه ) من إفراد الضمير ولم يقل: أحقّ أن يرضوهما صوناً لمقامه تعالى من أن يعدل به أحد فإنّ أمثال هذه الحقوق وكذا الأوصاف الّتى يشاركه تعالى غيره من حيث الإطلاق والإجراء، له تعالى بالذات ولنفسه ولغيره بالتبع أو بالعرض ومن جهته كوجوب الإرضاء والتعظيم والطاعة وغيرها، وكالاتّصاف بالعلم والحياة والإحياء والإماتة وغيرها.

وقد روعى نظير هذا الأدب في القرآن في موارد كثيرة فيما يشارك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره من الاُمّة من الشؤون فأخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بينهم وأفرد بالذكر كما في قوله:( يوم لا يخزى الله النبيّ والّذين آمنوا ) التحريم: ٨ وقوله:( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) الفتح: ٢٦ وقوله:( آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه والمؤمنون ) البقرة: ٢٨٥ وغير ذلك.

قوله تعالى: ( ألم يعلموا أنّه من يحادد الله ورسوله فأنّ له نار جهنّم ) إلى آخر الآية قال في المجمع: المحادّة مجاوزة الحدّ بالمشاقّة، وهى والمخالفة والمجانبة والمعاداة نظائر، وأصله المنع والمحادّة ما يلحق الإنسان من النزق لأنّه يمنعه من الواجب وقال: والخزى الهوان وما يستحيى منه. انتهى.

والاستفهام في الآية للتعجيب، والكلام مسوق لبيان كونه تعالى وكون رسوله أحقّ بالإرضاء ومحصّله أنّهم يعلمون أن محادّة الله ورسوله والمشاقّة والمعاداة مع الله ورسوله والإسخاط يوجب خلود النار، وإذا حرم إسخاط الله ورسوله وجب إرضاؤه وإرضاء رسوله على من كان مؤمناً بالله ورسوله.

٣٣٣

( بحث روائي)

في تفسير القمّىّ عن أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ) الآية أمّا الحسنة فهى الغنيمة والعافية، وأمّا المصيبة فالبلاء والشدّة.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى حاتم عن جابر بن عبدالله قال: جعل المنافقون الّذين تخلّفوا بالمدينة يخبرون عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبار السوء، ويقولون: إنّ محمّـداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى:( إن تصبك حسنة تسؤهم ) الآية.

وفي الكافي بإسناده عن أبى حمزة عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: قول الله عزّوجلّ( هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ) قال: إمّا موت في طاعة الإمام أو إدراك ظهور إمام( ونحن نتربّص بكم ) مع ما نحن فيه من المشقّة( أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) قال: هو المسخ( أو بأيدينا ) وهو القتل، قال الله عزّوجلّ لنبيّه:( فتربّصوا إنّا معكم متربّصون ) .

أقول: وهو من الجرى دون التفسير.

في المحاسن بإسناده عن يوسف بن ثابت عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: لا يضرّ مع الإيمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل.

ثمّ قال: ألا ترى أنّ الله تبارك وتعالى قال:( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا بالله وبرسوله ) .

أقول: ورواه العيّـاشيّ والقمّىّ عنه وكذا الكلينيّ في الكافي عنه في حديث مفصّل والرواية تبيّنها آيات وروايات اُخرى فالإيمان مادام باقياً لا يضرّه معصية بإيجاب خلود النار، والكفر ما دام كفراً لا ينفع معه حسنة.

وفي المجمع في قوله تعالى:( مدّخلاً ) الآية قال: سرباً عن أبى جعفرعليه‌السلام .

وفي الكافي بإسناده عن إسحاق بن غالب قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية:( فإن اُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) قال:

٣٣٤

هم أكثر من ثلثى الناس.

أقول: ورواه العيّـاشيّ في تفسيره و الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن إسحاق عنهعليه‌السلام .

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ والنسائيّ وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرىّ قال: بينما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ذو الخويصرة التميميّ فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل.

فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله ائذن لى فأضرب عنقه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعه فإنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شئ، ثمّ ينظر في نضيه فلا يرى فيه شئ ثمّ ينظر في رصافه فلا يرى فيه شئ، ثمّ ينظر في نصله فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى ثديه - أو قال: ثدييه - مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدر در يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم:( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) الآية.

قال أبو سعيد: أشهد أنّى سمعت هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشهد أن عليّـاً حين قتلهم وأنا معه جئ بالرّجل على النعت الّذى نعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي تفسير القمّىّ في الآية: أنّها نزلت لمّا جاءت الصدقات وجاء الأغنياء وظنّوا أنّ الرسول يقسمها بينهم فلمّا وضعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقراء تغامزوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمزوه، وقالوا: نحن الّذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوّى أمره ثمّ يدفع الصدقات إلى هؤلاء الّذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئاً فأنزل الله:( ولو أنّهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنّا إلى الله راغبون ) .

ثمّ فسّر الله عزّوجلّ الصدقات لمن هي وعلى من يجب؟ فقال:( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) فأخرج الله من الصدقات جميع الناس إلّا هذه الثمانية الأصناف الّذين سمّاهم.

٣٣٥

وبيّن الصادقعليه‌السلام من هم؟ فقال: الفقراء هم الّذين لا يسألون وعليهم مؤونات من عيالهم، والدليل على أنّهم لا يسألون قول الله تعالى في سورة البقرة:( للفقراء الّذين اُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً ) .

والمساكين هم أهل الزمانة من العميان والعرجان والمجذومين وجميع أصناف الزمنى من الرجال والنساء والصبيان.

والعاملين عليها هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتّى يؤدّيها إلى من يقسمها.

والمؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّـداً رسول الله فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيباً في الصدقات كى يعرفوا ويرغبوا.

أقول: وقد وردت في تأييد هذا الّذى أرسله من الرواية روايات كثيرة مسندة من طرق أهل البيتعليهم‌السلام . وفي بعض الروايات تعارض مّا، وليرجع في تفصيل الروايات على كثرتها وتنقيح المطلب إلى جوامع الحديث وكتب الفقه.

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرىّ قال: بعث علىّ بن أبى طالب من اليمن إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذهبية فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلّفة: الأقرع بن حابس الحنظليّ وعلقمة بن علاثة العامريّ وعيينة بن بدر الفزارىّ وزيد الخيل الطائىّ، فقالت قريش والأنصار: أتقسم بين صناديد أهل نجد وتدعنا؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما تألّفهم.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد الرزّاق وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن يحيى بن أبى كثير قال: المؤلّفة قلوبهم من بنى هاشم أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب، ومن بنى اُميّة أبوسفيان بن حرب، ومن بنى مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بنى أسد حكيم بن حزام، ومن بنى عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى، ومن بنى جمح صفوان بن اُميّة، ومن بنى سهم عدىّ بن قيس، ومن ثقيف العلاء بن

٣٣٦

جارية أو حارثة، ومن بنى فزارة عيينة بن حصن، ومن بنى تميم الأقرع بن حابس، ومن بنى نصر مالك بن عوف، ومن بنى سليم العبّـاس بن مرداس.

أعطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ رجل منهم مائة ناقة إلّا عبد الرحمان بن يربوع وحويطب بن عبد العزّى فإنّه أعطى كلّ واحد منهما خمسين.

وفي تفسير القمّىّ في رواية أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: المؤلّفة قلوبهم: أبوسفيان بن حرب بن اُميّة، وسهيل بن عمرو وهو من بنى عامر بن لؤىّ، وهشام ابن عمرو أخوه: - أخو بنى عامر بن لؤىّ - وصفوان بن اُميّة بن خلف القرشىّ ثمّ الجمحىّ، والأقرع بن حابس التميميّ أحد بنى حازم وعيينة بن حصن الفزارىّ ومالك بن عوف وعلقمة بن علاثة.

بلغني أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعطى الرجل منهم مائة من الإبل ورعاتها وأكثر من ذلك وأقلّ.

أقول: وهؤلاء هم المؤلّفة قلوبهم الّذين أعطاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأليفاً لقلوبهم، وليس المراد حصر المؤلّفة قلوبهم وهم صنف من الأصناف الثمانية المذكور في الآية في هؤلاء الأشخاص بأعيانهم.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن ابن إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام قال: سأل عن مكاتب عجز عن مكاتبتة وقد أدّى بعضها، قال: يؤدّى من مال الصدقة إنّ الله يقول في كتابه:( وفي الرقاب ) .

وفيه عن زرارة قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : عبد زنى؟ قال: يجلّد نصف الحدّ، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: يضرب مثل ذلك، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: لا يزاد على نصف الحد. قال: قلت: فهل يجب عليه الرجم في شئ من فعله؟ قال: نعم يقتل في الثامنة إن فعل ذلك ثمان مرّات.

قال: قلت: فما الفرق بينه وبين الحرّ وإنّما فعلهما واحد؟ فقال له: إنّ الله رحمه أن يجمع عليه ربق الرقّ وحدّ الحرّ. قال: ثمّ قال: وعلى إمام المسلمين أن يدفع ثمنه إلى مولاه من سهم الرقاب.

وفيه عن الصباح بن سيابة قال: أيّما مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد وعلى

٣٣٧

إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقض فعليه إثم ذلك إنّ الله يقول:( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم والغارمين ) فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.

وفيه عن محمّـد بن القسرىّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الصدقة فقال: اقسمها فيمن قال الله، ولا يعطى من سهم الغارمين الّذين يغرمون في مهور النساء ولا الّذين ينادون نداء الجاهليّـة قال: قلت: وما نداء الجاهليّـة؟ قال: الرجل يقول: يا آل بنى فلان فيقع بينهم القتل ولا يؤدّى ذلك من سهم الغارمين، ولا الّذين لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس.

وفيه عن الحسن بن محمّـد قال: قلت: لأبي عبداللهعليه‌السلام إنّ رجلاً أوصى لى في السبيل قال: فقال لى: اصرف في الحجّ قال: قلت: إنّه أوصى في السبيل ! قال: اصرفه في الحجّ فإنّى لا أعلم سبيلاً من سبله أفضل من الحجّ.

أقول: والروايات في الباب أكثر من أن تحصى، وإنّما أوردنا منها ما يجرى مجرى الاُنموذج.

وفي الدرّ المنثور في قوله تعالى:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ) الآية، أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عبّـاس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلس إليه فيسمع ثمّ ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الّذى قال لهم: إنّما محمّـد اُذن من حدّثه شيئاً صدّقه، فأنزل الله فيه:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن ) الآية.

وفي تفسير القمّىّ في الآية قال: سبب نزولها أنّ عبدالله بن نبتل كان منافقاً وكان يقعد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين فينمّ عليه فنزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمّـد إنّ رجلاً من المنافقين ينمّ وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هو؟ قال: الرجل الأسود الوجه الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنّهما قدران، وينطق بلسان شيطان.

فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فحلف أنّه لم يفعل فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قد قبلت

٣٣٨

منك فلا تفعل فرجع إلى أصحابه فقال: إنّ محمّـداً اُذن. أخبره الله أنّى أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبله، وأخبرته أنّى لم أقل ولم أفعل فقبله !

فأنزل الله على نبيّه:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أي يصدّق الله فيما يقول له، ويصدّقكم فيما تعتذرون إليه ولا يصدّقكم في الباطن، ويؤمن للمؤمنين يعنى المقرّين بالإيمان من غير اعتقاد.

أقول: وروى ما يقرب منه في نهج البيان عن الصادقعليه‌السلام .

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى حاتم عن السدّىّ قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جُلاس بن سويد بن صامت وجحش بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهى بعضهم بعضاً، وقالوا: إنّا نخاف أن يبلغ محمّـداً فيقع بكم، وقال بعضهم: إنّ محمّـداً اُذن نحلف له فيصدّقنا فنزل:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن ) الآية.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن حمّاد بن سنان عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: إنّى أردت أن أستبضع فلاناً بضاعة إلى اليمن فأتيت إلى أبى جعفرعليه‌السلام فقلت: إنّى اُريد اأن أستبضع فلاناً فقال لى: أمّا علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك، فقال: صدّقهم إنّ الله عزّوجلّ يقول:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) فقال: يعنى يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين لأنّه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين.

٣٣٩

( سورة التوبة آيه ٦٤ - ٧٤)  

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَاتَحْذَرُونَ ( ٦٤ ) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ( ٦٥ ) لاَتَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٦٦ ) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضَهُم مِن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( ٦٧ ) وَعَدَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ( ٦٨ ) كَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدّ مِنكُمْ قُوّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا أُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ٦٩ ) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ٧٠ ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٧١ ) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ

٣٤٠