الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 89179
تحميل: 4960


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89179 / تحميل: 4960
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال ثمّ قام عامر فحلف بالله لقد قال: ثمّ قال: اللّهمّ أنزل على نبيّك الصادق منّا الصدق، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون: آمين، فنزل جبرئيلعليه‌السلام قبل أن يتفرّقا بهذه الآية حتّى بلغ:( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ) .

فقام الجلاس فقال: يا رسول الله أسمع الله قد عرض علىّ التوبة صدق عامر ابن قيس فيما قال لك لقد قلته وأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك منه. عن الكلبىّ ومحمّـد بن إسحاق ومجاهد.

وقيل: نزلت في عبدالله بن اُبىّ بن سلول حين قال:( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ) . عن قتادة.

وقيل: نزلت في أهل العقبة فإنّهم ائتمروا في أن يغتالوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقبة عند مرجعهم من تبوك، وأرادوا أن يقطعوا أنساع راحلته ثمّ ينخسوا به فأطلعه الله على ذلك، وكان من جملة معجزاته لأنّه لا يمكن معرفد مثل ذلك إلّا بوحى من الله تعالى.

فسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة، وعمّار وحذيفة معه، أحدهما يقود ناقته والآخر يسوقها وأمر الناس كلّهم بسلوك بطن الوادي، وكان الّذين همّوا بقتله اثنى عشر رجلاً أو خمسة عشر رجلاً على الخلاف فيه عرفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمّاهم واحداً واحداً، عن الزجّاج والواقدىّ والكلبيّ، والقصّة مشروحة في كتاب الواقديّ.

وقال الباقرعليه‌السلام : كانت ثمانية منهم من قريش وأربعة من العرب.

أقول: والّذى ذكره رحمه الله ممّا جمعه واختاره من الروايات مرويّـة في كتب التفسير بالمأثور وجوامع الحديث من كتب الفريقين وهناك روايات اُخرى تركها وأحرى بها أن تترك فتركنا أكثرها كما ترك.

وأمّا الّذى أورده من الروايات فشئ منها لا ينطبق على الآيات غير حديث العقبة الّذى أورده تارة في تفسير الآية الاُولى:( يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة ) الآية، وتارة في تفسير الآية:( يحلفون بالله ما قالوا ) الآية.

وأمّا سائر الروايات الوارده فإنّما هي روايات تتضمّن من متفرّقات القصص والوقائع ما لو صحّت وثبتت كانت من قصص المنافقين من غير أن ترتبط بهذه الآيات وهى

٣٦١

كما عرفت في البيان السابق إحدى عشرة آية متّصل بعضها ببعض مسرودة لغرض واحد، وهو الإشارة إلى قصّة من قصص المنافقين همّوا فيها باغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتكلّموا عند ذلك بكلمة الكفر فحال الله سبحانه بينهم وبين أن ينالوا ما همّوا به فسألهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمرهم وما تفوّهوا به فأوّلوا فعلهم وأنكروا قولهم وحلفوا على ذلك فكذّبهم الله تعالى فيه.

فهذا إجمال ما يلوح من خلال الآيات، ولا ينطبق من بين الروايات إلّا على الروايات المشتملة على قصّة العقبد في الجملة دون سائرها.

ولا مسوغ للاستناد إليها في تفسير الآيات إلّا على مسلك القوم من تحكيم الروايات بحسب مضمونها على الآيات سواء ساعدت على ذلك ألفاظ الآيات أو لم تساعد على ما فيها - أعني الروايات - من الاختلاف الفاحش الّذى يوجب سوء الظنّ بها كما يظهر لمن راجعها.

على أنّ في الروايات مغمزاً آخر وهو ظهورها في تقطّع الآيات وتشتّت بعضها وانفصاله عن بعض بنزول كلّ لسبب آخر وتعقيبه غرضاً آخر، وقد عرفت أنّ الآيات ذات سياق واحد متّصل ليس من شأنه إلّا أن يعقّب غرضاً واحداً.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد الرزّاق وابن المنذر وأبوالشيخ عن الكلبىّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أقبل من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة رهط استهزؤوا بالله ورسوله وبالقرآن قال: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانباً لهم يقال له: يزيد بن وديعة فنزلت:( إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة ) فسمّى طائفة وهو واحد.

أقول: وهذا هو منشأ قول بعضهم: إنّ الطائفة تطلق على الواحد كما تطلق على الكثير مع أنّ الآية جارية مجرى الكناية دون التسمية ونظير ذلك كثير في الآيات القرآنيّـة كما تقدّمت الإشارة إليه.

وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عبّـاس قال: نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين من بنى عمرو بن عوف فيهم وديعة بن ثابت، ورجل من أشجع حليف لهم يقال له: مخشىّ بن حميّر(١) كانوا يسيرون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض:

____________________

(١) وقد مر في ص ٣٣٨ نقلا عن المصدر نفسه جحش بن حمير وهو مصحف (ب).

٣٦٢

أتحسبون قتال بنى الأصفر كقتال غيرهم والله لكأنّا بكم غداً تقادون في الحبال.

قال مخشىّ بن حميّر لوددت أنّى اُقاضي على أن يضرب كلّ رجل منكم مائة على أن ينجو من أن ينزّل فينا قرآن فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمّار بن ياسر: أدرك القوم فإنّهم قد احترقوا فسلهم عمّا قالوا فإن هم أنكروا وكتموا فقل: بلى قد قلتم كذا وكذا فأدركهم فقال لهم فجاؤوا يعتذرون فأنزل الله:( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم ) الآية فكان الّذى عفا الله عنه مخشىّ بن حميّر فتسمّى عبد الرحمان، سأل الله أن يقتل شهيداً لا يعلم بمقتله فقتل باليمامة لا يعلم مقتله ولا من قتله ولايرى له أثر ولا عين.

أقول: وقصّة مخشىّ بن حميّر وردت في عدّة روايات غير أنها على تقدير صحّتها لا تستلزم نزول الآيات فيها على ما بينها وبين مضامين الآيات من البون البعيد.

وليس من الواجب علينا إذا عثرنا على شئ من القصص الواقعة في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ قصّة كانت أن نلجم بها آية من آيات القرآن الكريم ثمّ نعود فنفسّر الآية بالقصّة ونحكّمها عليها.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ عن ابن عبّـاس قال: ما أشبه الليله بالبارحة:( كالّذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة - إلى قوله -وخضتم كالّذى خاضوا ) هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم والّذى نفسي بيده لتتّبعُنّهم حتّى لو دخل رجل جُحر ضّب لدخلتموه .

أقول: ورواه في المجمع أيضاً عنه.

وفي المجمع عن تفسير الثعلبيّ عن أبى هريرة عن أبى سعيد الخدرىّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لتأخذُنّ كما أخذت الاُمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع حتّى لو أنّ أحداً من اُولئك دخل جحر ضبّ لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب؟ قال: فهل الناس إلّا هم؟

وفيه أيضاً عن تفسير الثعلبيّ عن حذيفة قال: المنافقون الّذين فيكم اليوم شرّ من المنافقين الّذين كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قلنا: وكيف؟ قال: اُولئك كانوا يخفون

٣٦٣

نفاقهم وهؤلاء أعلنوه.

وفي العيون بإسناده عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( نسوا الله فنسيهم ) فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنّما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ألا تسمعه عزّوجلّ يقول:( وما كان ربّك نسيّاً ) ، وإنّما يجازى من نسيه ونسى لقاء يومه أن ينسيهم أنفسهم كما قال عزّوجلّ:( ولا تكونوا كالّذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم اُولئك هم الفاسقون ) [ و ] قوله عزّوجلّ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.

وفى تفسير العيّـاشيّ عن جابر عن أبى جعفرعليه‌السلام ( نسوا الله ) قال: تركوا طاعة الله( فنسيهم ) قال: فتركهم.

وفيه عن أبى معمر السعدانىّ قال: قال علىّعليه‌السلام في قوله:( نسوا الله فنسيهم ) فإنّما يعنى أنّهم نسوا الله في دار الدنيا فلم يعملوا له بالطاعة ولم يؤمنوا به وبرسوله فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيباً فصاروا منسيّين من الخير.

أقول: ورواه الصدوق في المعاني بإسناده عن أبى معمر عنهعليه‌السلام .

وفي الكافي بإسناده عن أبى بصير عن أبى عبداللهعليه‌السلام - في حديث - قلت:( والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات ) قال: اُولئك قوم لوط ائتفكت عليهم أي انقلبت وصارت عاليها سافلها.

وفي التهذيب بإسناده عن صفوان بن مهران قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعملي وأعرفها بإسلامها ليس لها محرم فأحملها؟ قال: فاحملها فإنّ المؤمن محرم للمؤمنة. ثمّ تلا هذه الآية:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) .

أقول: ورواه العيّـاشيّ في تفسيره عن صفوان الجمّال عنهعليه‌السلام .

وفي تفسير العيّـاشيّ عن ثوير عن علىّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: إذا صار أهل الجنّـة في الجنّـة ودخل ولىّ الله إلى جنّاته ومساكنه، واتّكئ، كلّ مؤمن على أريكته حفّته خدّامه،

٣٦٤

و تهدّلت عليه الأثمار، وتفجّرت حوله العيون، وجرت من تحته الأنهار، وبسطت له الزاربىّ، ووضعت له النمارق، وأتته الخدّام بما شاءت هواه من قبل أن يسألهم ذلك قال: وتخرج عليه الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله.

ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنّتي في جواري الأهل اُنبّؤكم بخير ممّا أنتم فيه؟ فيقولون: ربّنا وأىّ شئ خير ممّا نحن فيه: فيما اشتهت أنفسنا ولذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم؟

قال: فيعود عليهم القول فيقولون ربّنا نعم فأتنا بخير ممّا نحن فيه فيقول تبارك وتعالى لهم: رضاى عنكم ومحبّتى لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه قال: فيقولون: نعم يا ربّنا رضاك عنّاو محبّتك لنا خير وأطيب لأنفسنا.

ثمّ قرء علىّ بن الحسينعليه‌السلام هذه الآية:( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّـبة في جنّات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) .

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا دخل أهل الجنّـة الجنّـة قال الله: هل تشتهون شيئاً فأزيدكم؟ قالوا: يا ربّنا وهل بقى شئ؟ إلّا قد أنلتناه؟ فيقول: نعم رضائي فلا أسخط عليكم أبداً.

اقول: وهذا المعنى وارد في روايات كثيرة من طرق الفريقين.

وفي جامع الجوامع عن أبى الدرداء عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عدن دار الله الّتى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة: النبيّون والصّدّيقون والشهداء يقول الله: طوبى لمن دخلك.

أقول: ولا ينافى خصوص سكنة الجنّـة في الرواية عمومهم في الآية لدلالة قوله تعالى:( والّذين آمنوا بالله ورسله اُولئك هم الصّدّيقون والشهداء عند ربّهم ) الحديد: ١٩ على أنّ الله سبحانه سيلحق عامّة المؤمنين بالصّدّيقين والشهداء.

وفي تفسير القمّىّ في قوله تعالى:( يا أيّها النبيّ جاهد الكفّـار والمنافقين ) الآية

٣٦٥

قال حدّثنى أبى عن أبى عمير عن أبى بصير عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: جاهد الكفّـار والمنافقين بإلزام الفرائض.

وفي الدرّ المنثور أخرج البيهقىّ في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لمّا نزلت:( يا أيّها النبيّ جاهد الكفّـار والمنافقين ) أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجاهد بيده فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهرّ.

أقول: وفي الرواية تشويش من حيث ترتّب أجزائها فالجهاد بالقلب بعد الجميع وقد تخلّل بينها.

٣٦٦

( سورة التوبة آيه ٧٥ - ٨٠)  

وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الْصّالِحِينَ ( ٧٥ ) فَلَمّا آتَاهُم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ( ٧٦ ) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ( ٧٧ ) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ( ٧٨ ) الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْصّدَقَاتِ وَالّذِينَ لاَيَجِدُونَ إِلّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٧٩ ) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( ٨٠ )

( بيان)

تذكر الآيات طائفة اُخرى من المنافقين تخلّفوا عن حكم الصدقات فامتنعوا عن إيتاء الزكاة، وقد كانوا فقراء فعاهدوا الله إن أغناهم وآتاهم من فضله ليصّدّقنّ وليكوننّ من الصالحين فلمّا آتاهم مالاً بخلوا به وامتنعوا.

وتذكر آخرين من المنافقين يعيبون أهل السعة من المؤمنين بإيتاء الصدقات وكذلك يلمزون أهل العسرة منهم ويسخرون منهم والله سبحانه يسمّى هؤلاء جميعاً منافقين، ويقضى فيهم بعدم المغفرة البتّـة.

قوله تعالى: ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصالحين ) إلى آخر الآيتين. الايتاء الإعطاء، وقد كثر إطلاق الإيتاء من الفضل على إعطاء المال، ومن القرائن عليه في الآية قوله( لنصّدّقنّ ) أي لنتصدّقنّ ممّا آتانا من

٣٦٧

المال وكذلك ما في الآية التالية من ذكر البخل به.

والسياق يفيد أنّ الكلام متعرّضٌ لأمر واقع، والروايات تدلّ على أنّ الآيات نزلت في ثعلبة في قصّة سيأتي نقلها في البحث الروائيّ التالى إن شاء الله تعالى، ومعنى الآيتين ظاهر.

قوله تعالى: ( فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) الآية. الإعقاب الإيراث قال في المجمع: وأعقبه وأورثه وأداه نظائر وقد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى وهو مأخوذ من العقب، ومعناه الإتيان بشئ عقيب شئ.

والضمير في قوله:( فأعقبهم ) راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الّذى منه البخل، وعلى هذا فالمراد بقوله:( يوم يلقونه ) يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية.

ويمكن أن يرجع الضمير إليه تعالى والمراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله وهو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالى:( من كان يرجوا لقاء الله فإنّ أجل الله لآت ) العنكبوت: ٥.

وهذا الثاني هو الظاهر على الثاني لأنّ الأنسب عند الذهن أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغيّر لحالهم فيما بعد الموت على أيّ حال.

وقوله:( بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) الباء في الموضعين منه للسببيّـة أي إنّ هذا البخل أورثهم نفاقاً بما كان فيه من الخلف في الوعد والاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم وهو النفاق.

ومعنى الآية: فأورثهم البخل والامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقاً في قلوبهم يدوم لهم ذلك ولا يفارقهم إلى يوم موتهم وإنّما صار هذا البخل والامتناع سبباً لذلك لما فيه من خلف الوعد لله والملازمة والاستمرار على الكذب.

أو المعنى: جازاهم الله نفاقاً في قلوبهم إلى يوم لقائه وهو يوم الموت لأنّهم أخلفوه ما وعدوه وكانوا يكذبون.

٣٦٨

وفي الآية دلالة أوّلاً: على أنّ خلف الوعد وكذب الحديث من أسباب النفاق وأماراته.

وثانياً: أنّ من النفاق ما يعرض الإنسان بعد الإيمان كما أنّ من الكفر ما هو كذلك وهو الردّة، وقد قال الله سبحانه:( ثمّ كان عاقبة الّذين أساؤوا السوءى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) الروم: ١٠ فذكر أنّ الإساءة ربّما أدّى بالإنسان إلى تكذيب آيات الله، والتكذيب ربّما كان ظاهراً وباطناً معاً وهو الكفر، أو باطناً فحسب وهو النفاق.

قوله تعالى: ( ألم يعلموا أنّ الله يعلم سرّهم ونجواهم ) الآية النجوى الكلام الخفىّ والاستفهام للتوبيخ والتأنيب.

قوله تعالى: ( الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات والّذين لا يجدون إلّا جهدهم ) الآية التطوّع الإتيان بما لا تكرهه النفس ولا تحسبه شاقّاً ولذلك يستعمل غالباً في المندوبات لما في الواجبات من شائبة التحميل على النفس بعدم الرضى بالترك.

ومقابلة المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات بالّذين لا يجدون إلّا جهدهم قرينة على أنّ المراد بالمطّوّعين فيها الّذين يؤتون الزكاة على السعة والجدة كأنّهم لسعتهم وكثرة مالهم يؤتونها على طوع ورغبة من غير أن يشقّ ذلك عليهم بخلاف الّذين لا يجدون إلّا جهدهم أي مبلغ جهدهم وطاقتهم أو ما يشقّ عليهم القنوع بذلك.

وقوله:( الّذين يلمزون ) الآية كلام مستأنف أو هو وصف للذين ذكروا بقوله:( ومنهم من عاهد الله ) الآية كما قالوا. والمعنى: الّذين يعيبون الّذين يتطوّعون بالصدقات من المؤمنين الموسرين والّذين لا يجدون من المال إلّا جهد أنفسهم من الفقراء المعسرين فيعيبون المتصدّقين موسرهم ومعسرهم وغنيّهم وفقيرهم ويسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم، وفيه جواب لاستهزائهم وإيعاد بعذاب شديد.

قوله تعالى: ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) الترديد بين الأمر والنهى كناية عن تساوى الفعل والترك أي لغويّة الفعل كما

٣٦٩

مرّ نظيره في قوله:( أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم ) التوبة: ٥٣.

فالمعنى أنّ هؤلاء المنافقين لا تنالهم مغفرة من الله ويستوى فيهم طلب المغفرة وعدمها لأنّ طلبها لهم لغو لا أثر له.

وقوله:( إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) تأكيد لما ذكر قبله من لغويّة الاستغفار لهم، وبيان أنّ طبيعة المغفرة لا تنالهم البتّـة سواء سئلت المغفرة في حقّهم أو لم تسأل، وسواء كان الاستغفار مرّة أو مرّات قليلاً أو كثيراً.

فذكر السبعين كناية عن الكثرة من غير أن يكون هناك خصوصيّة للعدد حتّى يكون الواحد والاثنان من الاستغفار حتّى يبلغ السبعين غير مؤثّر في حقّهم فإذا جاوز السبعين أثّر أثره، ولذلك علّله بقوله:( ذلك بأنّهم كفروا بالله ورسوله ) أي أنّ المانع من شمول المغفرة هو كفرهم بالله ورسوله، ولا يختلف هذا المانع بعدم الاستغفار. ولا وجوده واحداً أو كثيراً فهم على كفرهم.

ومن هنا يظهر أنّ قوله:( والله لا يهدى القوم الفاسقين ) متمّم لسابقه والكلام مسوق سوق الاستدلال القياسيّ والتقدير: إنّهم كافرون بالله ورسوله فهم فاسقون خارجون عن عبوديّـة الله، والله لا يهدى القوم الفاسقين، لكن المغفرة هداية إلى سعادة القرب والجنّـة فلا تشملهم المغفرة ولا تنالهم البتّـة.

واستعمال السبعين في الكثرة المجرّدة عن الخصوصيّة كاستعمال المائة والألف فيها كثير في اللغة.

( بحث روائي)

في المجمع قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب، وكان من الأنصار فقال للنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادع الله أن يرزقنى مالاً فقال: يا ثعلبة قليل تؤدّى شكره خير من كثير لا تطيقه أمّا لك في رسول الله اُسوة حسنة؟ والّذى نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معى ذهباً وفضّة لسارت.

٣٧٠

ثمّ أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقنى مالاً والّذى بعثك بالحقّ، لئن رزقني الله مالاً لاُعطينّ كلّ ذى حقّ حقّه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهمّ ارزق ثعلبة مالاً فاتّخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحّى عنها فنزل وادياً من أوديتها ثمّ كثرت نموّاً حتّى تباعد من المدينة فاشتغل بذلك عن الجمعة والجماعة، وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه المصدّق ليأخذ الصدقة فأبى وبخل وقال: ما هذه إلّا اُخت الجزية فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة، وأنزل الله الآيات. عن أبى اُمامة الباهلىّ وروى ذلك مرفوعاً.

وقيل: إنّ ثعلبة أتى مجلساً من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتانى الله من فضله تصدّقت منه وآتيت كلّ ذى حقّ حقّه ووصلت منه القرابة فابتلاه الله فمات ابن عمّ له فورّثه مالاً فلم يف بما قال فنزلت. عن ابن عبّـاس وسعيد بن جبير وقتادة.

وقيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب ومعتّب بن قشير وهما من بنى عمرو بن عوف قالا: لئن رزقنا الله مالاً لنصّدّقنّ فلمّا رزقهما الله المال بخلا به. عن الحسن ومجاهد.

أقول: ما ذكروه من الروايات لا يدفع بعضها البعض فمن الجائز أن يكون ثعلبة عاهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ثمّ أشهد عليه جماعة من الأنصار، وأن يكون معه في ذلك غيره فتتأيّد الروايات بعضها ببعض.

وتتأيّد أيضاً بما روى عن الضحّاك أنّ الآيات نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث، وجدّ بن قيس، وثعلبة بن حاطب، ومعتّب بن قشير.

وأمّا ما رواه في المجمع عن الكلبىّ أنّها نزلت في حاطب بن أبى بلتعة كان له مال بالشام فأبطأ عنه وجهد لذلك جهداً شديداً فحلف لئن آتاه الله ذلك المال ليصّدّقنّ فآتاه الله تعالى ذلك فلم يفعل، فهو بعيد الانطباق على الآيات لأنّ إيصال المال إلى صاحبه لا يسمّى إيتاءً من الفضل، وإنّما هو الإعطاء والرزق.

وفي تفسير القمّىّ قال: وفي رواية أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام - في الآية - قال: هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف كان محتاجاً فعاهد الله فلمّا آتاه بخل به.

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ ومسلم والترمذيّ والنسائيّ عن أبى هريرة عن

٣٧١

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان.

أقول: وهو مروىّ بغير واحد من الطرق عن أئمّـة أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد تقدّم بعضها.

وفيه في قوله تعالى:( الّذين يلمزون المطّوّعين ) الآية أخرج البخاريّ ومسلم وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن مسعود قال لمّا نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدّق بشئ كثير فقالوا: مراء، وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون: إنّ الله لغنىّ عن صدقة هذا فنزلت:( الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات والّذين لا يجدون إلّا جهدهم ) الآية.

أقول: والروايات في سبب نزول الآية كثيرة وأمثلها ما أوردناه، وفي قريب من معناه روايات اُخرى، وظاهرها أنّ الآية مستقلّة عما قبلها مستأنفة في نفسها.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن عروة أنّ عبدالله بن اُبىّ قال لأصحابه: لو لا أنّكم تنفقون على محمّـد وأصحابه لانفضّوا من حوله، وهو القائل: ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فأنزل الله عزّوجلّ:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأزيدنّ على السبعين فأنزل الله: سواء عليهم أستغفرت لهم أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم.

وفيه أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: لمّا نزلت:( إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأزيد على سبعين فأنزل الله في السورة الّتى يذكر فيها المنافقون( لن يغفر الله لهم ) .

وفيه أخرج ابن جرير عن ابن عبّـاس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: - لما نزلت هذه الآية - أسمع ربّى قد رخّص لى فيهم فو الله لأستغفرنّ أكثر من سبعين مرّة لعلّ الله أن يغفر لهم فقال الله من شدّة غضبه عليهم:( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إنّ الله لا يهدى القوم الفاسقين ) .

أقول: ممّا لا ريب فيه أنّ هذه الآيات ممّا نزلت في أواخر عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد

٣٧٢

سبقتها في النزول السور المكّيّة عامّة وأكثر السور والآيات المدنيّـة قطعاً، وممّا لا ريب فيه لمن يتدبّر كتاب الله أنّه لا رجاء في نجاة الكفّـار والمنافقين وهم أشدّ منهم إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم، ولا مطمع في شمول المغفرة الإلهيّـة لهم فهناك آيات كثيرة مكّيّة ومدنيّـة صريحة قاطعة في ذلك.

والنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجلّ من أن يخفى عليه ما أنزله الله إليه أو أن لا يثق بما وعدهم الله من العذاب المخلّد وعداً حتميّاً فيطمع في نقض القضاء المحتوم بالإصرار عليه تعالى والإلحاح في طلب الغفران لهم.

أو أن يخفى عليه أنّ الترديد في الآية لبيان اللغويّة وأن لا خصوصيّة لعدد السبعين حتّى يطمع في مغفرتهم لو زاد على السبعين.

وليت شعرى ما ذا يزيد قوله تعالى في سورة المنافقون:( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إنّ الله لا يهدى القوم الفاسقين ) على قوله تعالى في هذه الآية( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنّهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين ) وقد علّل الله سبحانه نفى المغفرة نفياً مؤبّداً فيهما بأنّهم فاسقون والله لا يهدى القوم الفاسقين.

فقد تلخّص أنّ هذه الروايات وما في معناها موضوعة يجب طرحها.

وفي الدرّ المنثور أخرج أحمد والبخاريّ والترمذيّ والنسائيّ وابن أبى حاتم والنحّـاس وابن حبّان وابن مردويه وابو نعيم في الحلية عن ابن عبّـاس قال: سمعت عمر يقول: لما توفّى عبدالله بن اُبىّ دُعى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للصلاة عليه فقام عليه فلمّا وقف قلت: أعلى عدوّ الله عبدالله بن اُبىّ القائل كذا وكذا؟ اُعدّد أيّـامه ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتبسّم حتّى إذا أكثرتُ قال: يا عمر أخّر عنّى إنّى قد خيّرت قد قيل لى:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة ) فلو أعلم أنّى إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها.

ثمّ صلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشى معه حتّى قام على قبره حتّى فرغ منه فعجبت لى ولجرأتي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله ورسوله أعلم فو الله ما كان إلّا يسيراً حتّى

٣٧٣

نزلت هاتان الآيتان:( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ) فما صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منافق بعده حتّى قبضه الله عزّوجلّ.

أقول: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرواية: (فلو أعلم أنّى إن زدت على السبعين) الخ صريح في أنّه كان آئساً من شمول المغفرة له، وهو يشهد بأنّ المراد من قوله:( إنّى قد خيّرت قد قيل لى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) أنّ الله قد ردّد الأمر ولم ينهه عن الاستغفار لا أنّه خيّره بين الاستغفار وعدمه تخييراً حقيقيّاً حتّى ينتج تأثير الاستغفار في حصول المغفرة أو رجاء ذلك.

ومن ذلك يعلم أنّ استغفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبدالله وصلاته عليه وقيامه على قبره إن ثبت شئ من ذلك لم يكن شئ من ذلك لطلب المغفرة والدعاء له جدّاً كما سيأتي في رواية القمّىّ، وفي الروايات كلام سيأتي.

وفيه عن ابن أبى حاتم عن الشعبىّ أنّ عمر بن الخطّاب قال: لقد اُصبت في الإسلام هفوة ما اُصبت مثلها قطّ أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلّى على عبدالله بن اُبىّ فأخذت بثوبه فقلت: والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد خيّرنى ربّى فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فقعد رسول الله على شفير القبر فجعل الناس يقولون لابنه: يا حباب افعل كذا يا حباب افعل كذا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحباب اسم شيطان أنت عبدالله.

وفي تفسير القمّىّ في قوله تعالى:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) الآية أنّها نزلت لمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ومرض عبدالله بن اُبىّ وكان ابنه عبدالله بن عبدالله مؤمناً فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه يجود بنفسه فقال: يا رسول الله بأبى أنت واُمّى إنّك إن لم تأت أبى كان ذلك عاراً علينا فدخل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمنافقون عنده فقال ابنه عبدالله بن عبدالله استغفر له فاستغفر له.

فقال عمر: ألم ينهك الله يا رسول الله أن تصلّى على أحد أو تستغفر له؟ فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعاد عليه فقال له: ويلك إنّى قد خيّرت فاخترت إنّ الله يقول:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) .

٣٧٤

فلمّا مات عبدالله جاء ابنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: بأبى أنت واُمّى يا رسول الله إن رأيت أن تحضر جنازته فحضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام على قبره فقال له عمر: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تصلّى على أحد منهم مات أبداً و أن تقيم على قبره؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويلك وهل تدرى ما قلت؟ إنّما قلت: اللّهمّ احش قبره ناراً وجوفه ناراً وأصله النار فبدا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يكن يحبّ.

أقول: وفي الروايات تتمّة كلام سيوافيك في ذيل الآيات التالية.

٣٧٥

( سورة التوبة آيه ٨١ - ٩٦)  

فَرِحَ الْمُخَلّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُوا لاَتَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ( ٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( ٨٢) فَإِن رَجَعَكَ اللّهُ إِلَى‏ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنّكُم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوّلَ مَرّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ( ٨٣) وَلاَ تُصَلّ عَلَى‏ أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلاَتَقُمْ عَلَى‏ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ( ٨٤) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنّما يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذّبَهُم بِهَا فِي الْدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ( ٨٥) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَعَ الْقَاعِدِينَ( ٨٦) رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَيَفْقَهُونَ( ٨٧) لكِنِ الْرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ٨٨) أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( ٨٩) وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ٩٠) لَيْسَ عَلَى الضّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى‏ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَيَجِدُونَ مَايُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّهِ‏ِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ٩١) وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَأَجِدُ مَاأَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوا وَأَعْيُنُهُمْ

٣٧٦

تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ( ٩٢) إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَيَعْلَمُونَ( ٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَتَعْتَذِرُوا لَن نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى‏ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( ٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( ٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَيَرْضَى‏ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ( ٩٦)

( بيان)

الآيات تقبل الاتّصال بالآيات الّتى قبلها وهى تعقّب غرضاً يعقّبه ما تقدّمها.

قوله تعالى: ( فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول الله ) الآية الفرح والسرور خلاف الغمّ وهما حالتان نفسيّتان وجدانيّتان ملذّة ومؤلمة، والمخلّفون اسم مفعول من قولهم خلّفه إذا تركه بعده والمقعد كالقعود مصدر قعد يقعد وهو كناية عن عدم الخروج إلى الجهاد.

والخلاف كالمخالفة مصدر خالف يخالف، وربّما جاء بمعنى بعد كما قيل ولعلّ منه قوله:( وإذا لا يلبثون خلافك إلّا قليلاً ) وكان قياس الكلام أن يقال:( خلافك ) لأنّ الخطاب فيه للنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما قيل:( خلاف رسول الله ) للدلالة على أنّهم إنّما يفرحون على مخالفة الله العظيم فما على الرسول إلّا البلاغ.

والمعنى فرح المنافقون الّذين تركتهم بعدك بعدم خروجهم معك خلافاً لك - أو بعدك - وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.

٣٧٧

وقوله تعالى:( وقالوا لا تنفروا في الحرّ ) خاطبوا بذلك غيرهم ليخذلوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبطلوا مسعاه في تنفير الناس إلى الغزوة، ولذلك أمره الله تعالى أن يجيب عن قولهم ذلك بقوله:( قل نار جهنّم أشدّ حرّاً ) أي إنّ الفرار عن الحرّ بالقعود إن أنجاكم منه لم ينجكم ممّا هو أشدّ منه وهو نار جهنّم الّتى هي أشدّ حرّاً فإنّ الفرار عن هذا الهيّن يوقعكم في ذاك الشديد. ثمّ أفاد بقوله:( لو كانوا يفقهون ) المصدّر بلو التمنّى اليأس من فقههم وفهمهم.

قوله تعالى: ( فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون ) تفريع على تخلّفهم عن الجهاد بالأموال والأنفس وفرحهم با لقعود عن هذه الفريضة الإلهيّـة الفطريّة الّتى لا سعادة للإنسان في حياته دونها.

وقوله:( جزاء بما كانوا يكسبون ) والباء للمقابلة أو السببيّـة دليل على أنّ المراد بالضحك القليل هو الّذى في الدنيا فرحاً بالتخلّف والقعود ونحو ذلك، وبالبكاء الكثير ما كان في الآخرة في نار جهنّم الّتى هي أشدّ حرّاً فإنّ الّذى فرّع عليه الضحك والبكاء هو ما في الآية السابقة، وهو فرحهم بالتخلّف وخروجهم من حرّ الهواء إلى حرّ نار جهنّم.

فالمعنى: فمن الواجب بالنظر إلى ما عملوه واكتبسوه أن يضحكوا ويفرحوا قليلاً في الدنيا وأن يبكوا ويحزنوا كثيراً في الآخرة فالأمر بالضحك والبكاء للدلالة على إيجاب السبب وهو ما كسبوه من الأعمال لذلك.

وأمّا حمل الأمر في قوله:( فليضحكوا ) وقوله:( وليبكوا ) على الأمر المولويّ لينتج تكليفاً من التكاليف الشرعيّـة فلا يناسبه قوله:( جزاء بما كانوا يكسبون ) .

ويمكن أن يكون المراد الأمر بالضحك القليل والبكاء الكثير معاً ما هو في الدنيا جزاء لسابق أعمالهم فإنّها هدتهم إلى راحة وهميّة في أيّـام قلائل وهى أيّـام قعودهم خلاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ إلى هوان وذلّة عند الله ورسوله والمؤمنين ما داموا أحياء في الدنيا ثمّ إلى شديد حرّ النار في الآخرة بعد موتهم.

قوله تعالى: ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج ) إلى آخر

٣٧٨

الآية المراد بالقعود أوّل مرّة التخلّف عن الخروج في أوّل مرّة كان عليهم أن يخرجوا فيها فلم يخرجوا، ولعلّها غزوة تبوك كما يهدى إليه السياق.

والمراد بالخالفين المتخلّفون بحسب الطبع كالنساء والصبيان والمرضى والزمنى وقيل: المتخلّفون من غير عذر، وقيل: الخالفون هم أهل الفساد، والباقى واضح.

وفي قوله:( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) الآية دلالة على أنّ هذه الآية وما في سياقها المتّصل من الآيات السابقة اللاحقة نزلت ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفره ولمّا يرجع إلى المدينة، وهو سفره إلى تبوك.

قوله تعالى: ( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) نهى عن الصلاة لمن مات من المنافقين والقيام على قبره وقد علّل النهى بأنّهم كفروا وفسقوا وماتوا على فسقهم، وقد علّل لغويّة الاستغفار لهم في قوله تعالى: السابق:( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) آية ٨٠ من السورة، وكذا في قوله( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إنّ الله لا يهدى القوم الفاسقين ) المنافقون: ٦ بالكفر والفسق أيضاً.

ويتحصّل من الجميع أنّ من فقد الإيمان بالله باستيلاء الكفر على قلبه وإحاطته به فلا سبيل له إلى النجاة يهتدى به، وأنّ الآيات الثلاث جميعاً تكشف عن لغويّة الاستغفار للمنافقين والصلاة على موتاهم والقيام على قبورهم للدعاء لهم.

وفي الآية إشارة إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّى على موتى المسلمين ويقوم على قبورهم للدعاء.

قوله تعالى: ( ولا تعجّبك أموالهم وأولادهم ) الآية تقدّم بعض ما يتعلّق بالآية من الكلام في الآية ٥٥ من السورة.

قوله تعالى: ( وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ) إلى آخر الآيتين. الطول القدرة والنعمة، والخوالف هم الخالفون والكلام فيه كالكلام فيه، والباقى ظاهر.

٣٧٩

قوله تعالى: ( لكن الرسول والّذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) لمّا ذمّ المنافقين في الآيتين السابقتين بالرضا بالقعود مع الخوالف والطبع على قلوبهم استدرك بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والّذين آمنوا معه - والمراد بهم المؤمنون حقّاً الّذين خلصت قلوبهم من رين النفاق بدليل المقابلة مع المنافقين - ليمدحهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم أي أنّهم لم يرضوا بالقعود ولم يطبع على قلوبهم بل نالوا سعادة الحياة والنور الإلهىّ الّذى يهتدون به في مشيهم كما قال تعالى:( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به في الناس ) الانعام: ١٢٢.

ولذلك عقّب الكلام بقوله:( واُولئك لهم الخيرات اُولئك هم المفلحون ) فلهم جميع الخيرات - على ما يقتضيه الجمع المحلّى باللام - من الحياة الطيّـبة ونور الهدى والشهادة وسائر ما يتقرّب به إلى الله سبحانه، وهم المفلحون الفائزون بالسعادة.

قوله تعالى: ( أعد الله لهم جنّات تجرى ) الآية الإعداد هو التهيئة وقد عبّر بالإعداد دون الوعد لأنّ الاُمور بخواتيمها وعواقبها فلو كان وعداُ وهو وعد لجميع من آمن معه لكان قضاءً حتميّاً واجب الوفاء سواء بقى الموعودون على صفاء إيمانهم وصلاح أعمالهم أو غيّروا والله لا يخلف الميعاد.

والاُصول القرآنيّـة لا تساعد على ذلك، ولا الفطرة السليمة ترضى أن ينسب إلى الله سبحانه أن يطبع بطابع المغفرة والجنّـة الحتميّة على أحد لعمل عمله من الصالحات ثمّ يخلّى بينه وبين ما شاء وأراد.

ولذلك نجده سبحانه إذا وعد وعداً علّقه على عنوان من العناوين العامّة كالإيمان والعمل الصالح يدور معه الوعد الجميل من غير أن يخصّ به أشخاصاً بأعيانهم فيفيد التناقض بالجمع بين التكليف والتأمين كما قال تعالى:( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات ) الآية ٧٢ من السورة، وقال تعالى:( محمّـد رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّـار رحماء بينهم - إلى أن قال -وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ) الفتح: ٢٩.

قوله تعالى: ( وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم ) الآية. الظاهر أنّ

٣٨٠