الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 89117
تحميل: 4951


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89117 / تحميل: 4951
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يرون ظاهرها، وقد نبّهنا على هذا المعنى كراراً في أبحاثنا السابقة، وإذ قصر علمهم بحقائق أعمالهم على إنبائه تعالى إيّاهم بها يوم القيامة وذكر رؤية الله ورسوله والمؤمنين أعمالهم قبل يوم البعث في الدنيا وقد ذكر الله مع رسوله وغيره وهو عالم بحقائقها وله أن يوحى إلى نبيّه بها كان المراد بها مشاهدة الله سبحانه ورسوله والمؤمنون حقيقة أعمالهم، وكان المراد بالمؤمنين شهداء الأعمال منهم لا عامّة المؤمنين كما يدلّ عليه أمثال قوله تعالى( وكذلك جعلناكم اُمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) البقرة: ١٤٣ وقد مرّ الكلام فيه في الجزء الأوّل من الكتاب.

وعلى هذا فمعنى الآية: وقل يا محمّـد اعملوا ما شئتم من عمل خيراً أو شرّاً فسيشاهد الله سبحانه حقيقة عملكم ويشاهدها رسوله والمؤمنون - وهم شهداء الأعمال - ثمّ تردّون إلى الله عالم الغيب والشهادة يوم القيامة فيريكم حقيقة عملكم.

وبعبارة اُخرى: ما عملتم من عمل خير أو شرّ فإنّ حقيقته مرئيّة مشهودة لله عالم الغيب والشهادة ثمّ لرسوله والمؤمنين في الدنيا ثمّ لكم أنفسكم معاشر العاملين يوم القيامة.

فالآية مسوقة لندب الناس إلى مراقبة أعمالهم بتذكيرهم أنّ لأعمالهم من خير أو شرّ حقائق غير مستورة بستر، وأنّ لها رقباء شهداء سيطّلعون عليها ويرون حقائقها وهم رسول الله وشهداء الأعمال من المؤمنين والله من ورائهم محيط فهو تعالى يراها وهم يرونها، ثمّ إنّ الله سبحانه سيكشف عنها الغطاء يوم القيامة للعاملين أنفسهم كما قال:( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ق: ٢٢ ففرق عظيم بين أن يأتي الإنسان بعمل في الخلوة لا يطّلع عليه أحد، وبين أن يعمل ذلك العمل بعينه بين ملإ من الناظرين جلوه وهو يرى أنّه كذلك.

هذا في الآية الّتى نحن فيها، وأمّا الآية السابقة:( يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا قد نبّأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّؤكم بما كنتم تعملون ) فإنّ وجه الكلام فيها إلى أشخاص من المنافقين بأعيانهم يأمر الله فيها نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يردّ إليهم اعتذارهم، ويذكر لهم أوّلاً أنّ

٤٠١

الله قد نبّأهم أي النبيّ والّذين معه من المؤمنين في جيش الإسلام أخبارهم بنزول هذه الآيات الّتى تقصّ أخبار المنافقين وتكشف عن مساوى أعمالهم.

ثمّ يذكر لهم أنّ حقيقة أعمالهم غير مستورة عن الله سبحانه ولا خفيّة عليه وكذلك رسوله وحده ولم يكن معه أحد من شهداء الأعمال ثمّ الله يكشف لهم أنفسهم عن حقيقة أعمالهم يوم القيامة.

فهذا هو الفرق بين الآيتين مع اتّحادهما في ظاهر السياق حيث ذكر في الآية الّتى نحن فيها: الله ورسوله والمؤمنون، وفي الآية السابقة: الله ورسوله، واقتصر على ذلك. فهذا ما يعطيه التدبّر في معنى الآية ومن لم يقنع بذلك ولم يرض دون أن يصوّر للآية معنى ظاهريّاً فليقل إنّ ذكره تعالى( الله ورسوله ) في خطاب المنافقين إنّما هو لأجل أنّهم إنّما يريدون أن يكيدوا الله ورسوله ولا همّ لهم في المؤمنون، وأمّا ذكره تعالى:( الله ورسوله والمؤمنين ) في الخطاب العامّ فإنّما الغرض فيه تحريضهم على العمل الصالح في مشهد من الملإ الصالح ولم يعبأ بحال غيرهم من الكفّـار والمنافقين. فتدبّر.

قوله تعالى: ( وآخرون مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم والله عليم حكيم ) الإرجاء التأخير والآية معطوفة على قوله:( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) ومعنى إرجائهم إلى أمر الله أنّهم لا سبب عندهم يرجّح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يؤول إلى أمر الله ما شاء وأراد فيهم فهو النافذ في حقّهم.

و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الّذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، وإن ورد في أسباب النزول أنّ الآية نازلة في الثلاثة الّذين خلّفوا ثمّ تابوا فأنزل الله توبتهم على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيجئ إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فالآية تخفى ما يؤول إليه عاقبه أمرهم وتبقيها على إبهامها حتّى فيما ذيّلت به من الاسمين الكريمين: العليم والحكيم الدالّين على أنّ الله سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه وحكمته، وهذا بخلاف ما ذيّل قوله:( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) حيث قال:( عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم ) .

٤٠٢

( بحث روائي)

في تفسير العيّـاشيّ عن داود بن الحصين عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخرو يتّخذ ما ينفق قربات عند الله ) أيثيبهم عليه؟ قال: نعم.

وفيه عن أبى عمرو الزبيريّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الله سبّق بين المؤمنين كما سبّق بين الخيل يوم الرهان.

قلت: أخبرني عمّا ندب الله المؤمن من الإسباق إلى الإيمان. قال: قول الله تعالى( سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّـة عرضها كعرض السماء والأرض اُعدّت للّذين آمنوا بالله ورسله ) وقال:( السابقون السابقون اُولئك المقرّبون ) .

وقال:( والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصارو الّذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم ثمّ ثنّى بالأنصار ثمّ ثلّث بالتابعين وأمر [هم] بإحسان فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده.

وفي تفسير البرهان عن مالك بن أنس عن أبى صالح عن ابن عبّـاس قال:( والسابقون الأوّلون ) نزلت في أميرالمؤمنينعليه‌السلام وهو أسبق الناس كلّهم بالإيمان وصلّى على القبلتين، وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان، وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكّة إلى الحبشة ومن الحبشة إلى المدينة.

أقول: وفي معناها روايات اُخر.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعيّ حدّثنى يحيى بن كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبى لبابة وحسّان بن عطيّـة أنّهم سمعوا جماعة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقولون: لمّا اُنزلت هذه الآية:( والسابقون الأوّلون - إلى قوله -ورضوا عنه ) قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم): هذا لاُمّتي كلّهم، وليس بعد الرضا سخط.

أقول: معناه أنّ من رضي الله عنهم ورضوا عنه هم الّذين جمعتهم الآية لا أنّ الآية

٤٠٣

تدلّ على رضاه تعالى عن الاُمّة كلّهم فهذا ممّا يدفعه الكتاب بالمخالفة القطعيّـة، وكذا قوله:( وليس بعد الرضا سخط ) مراده ليس بعد الرضا المذكور في الآية سخط، وقد قرّرناه فيما تقدّم لا أنّه ليس بعد مطلق رضى الله سخط فهو ممّا لا يستقيم البتّـة.

وفيه أخرج أبوالشيخ وابن عساكر عن أبى صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمّـد بن كعب القرظىّ: أخبرني عن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما اُريد الفتن. فقال: إنّ الله قد غفر لجميع أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوجب لهم الجنّـة في كتابه محسنهم ومسيئهم. قلت: وفي أيّ موضع أوجب الله لهم الجنّـة في كتابه؟ قال: ألا تقرأ:( والسابقون الأوّلون ) الآية أوجب لجميع أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجنّـة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم.

قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتّبعوهم بإحسان يقول: يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر: فوالله لكأنّى لم أقرأها قبل ذلك، وما عرفت تفسيرها حتّى قرأها على محمّـد بن كعب.

أقول: هو - كما ترى - يسلّم أنّ في أعمالهم حسنة وسيّـئة وطاعة وفسقاً غير أنّ الله رضى عنهم في جميع ذلك وغفرها لهم فلا يجازيهم بالسيّـئة سيّـئة، وهو الّذى ذكرنا في البيان المتقدّم أنّ مقتضاه تكذيب آيات كثيرة قرآنيّـة تدلّ على أنّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنّه لا يحبّهم ولا يهديهم، وتقيد آيات أكثر من ذلك وهى أكثر الآيات القرآنيّـة الدالّة على عموم جزاء الحسنة بالحسنة والسيّـئة بالسيّـئة من غير مقيّد وعليها تعتمد آيات الأمر والنهى وهى آيات الأحكام بجملتها.

ولو كان مدلول الآية هذا الّذى ذكره لكانت الصحابة على عربيّتهم المحضة واتّصالهم بزمان النبوّة ونزول الوحى أحقّ أن يفهموا من الآية ذلك، ولو كانوا فهموا منها ذلك لما عامل بعضهم بعضاً بما ضبطه النقل الصحيح.

وكيف يمكن أن يتحقّق كلّهم بمضمون قوله:( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ويفهموا ذلك منه ثمّ لا يرضى بعضهم عن بعض وقد رضي الله عنه، والراضي عن الله راض عمّا رضي الله عنه، ولا يندفع هذا الاشكال بحديث اجتهادهم فإنّ ذلك لو سلّم يكون عذراً

٤٠٤

في مقام العمل لا مصحّحاً للجمع بين صفتين متضادّتين وجداناً وهما الرضا عن الله وعدم الرضا عمّا رضي الله عنه والكلام طويل.

وفيه أخرج أبوعبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاريّ أنّ عمر بن الخطّاب قرء( والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوهم بإحسان ) فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الّذين فقال له زيد بن ثابت: والّذين فقال عمر: الّذين فقال زيد: أميرالمؤمنين أعلم فقال عمر: ائتونى باُبىّ بن كعب فأتاه فسأله عن ذلك فقال اُبىّ: والّذين فقال عمر: فنعم إذن نتابع اُبيّاً.

أقول: ومقتضى قراءة عمر اختصاص المهاجرين بما يتضمّنه قوله:( والسابقون الأوّلون ) من المنقبة ومنقبة اُخرى وهى كونهم متبوعين للأنصار كما يشير إليه الحديث الآتى.

وفيه أخرج ابن جرير وأبوالشيخ عن محمّـد بن كعب القرظىّ قال: مرّ عمر برجل يقرء( والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ) فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: اُبىّ بن كعب. قال: لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه فلمّا جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم قال: وسمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم. قال: كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا.

فقال اُبىّ: تصديق ذلك في أوّل سورة الجمعة:( وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم ) وفي سورة الحشر:( والّذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ) وفي الأنفال:( والّذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاُولئك منكم ) .

وفي الكافي بإسناده عن موسى بن بكر عن رجل قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام :( الّذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ) فاُولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب الّتى يعيبها المؤمنون ويكرهونها فاُولئك عسى الله أن يتوب عليهم.

أقول: ورواه العيّـاشيّ عن زرارة عنهعليه‌السلام إلّا أنّ فيه( مذنبون ) مكان( مؤمنون ) .

٤٠٥

وفي المجمع في قوله تعالى:( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) الآية قال: أبوحمزة الثمالىّ: بلغنا أنّهم ثلاثة نفر من الأنصار: أبو كنانة بن عبد المنذر وثعلبة بن وديعة وأوس بن حذام تخلّفوا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخرجه إلى تبوك فلمّا بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلّف عن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقنوا بالهلاك وأوثقوا أنفسهم بسوارى المسجد فلم يزالوا كذلك حتّى قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأل عنهم فذكر له أنّهم أقسموا أن لا يحلّون أنفسهم حتّى يكون رسول الله يحلّهم، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا اُقسم لا أكون أوّل من حلّهم إلّا أن اُومر فيهم بأمر.

فلمّا نزل:( عسى الله أن يتوب عليهم ) عمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم فحلّهم فأنطلقوا فجاؤوا بأموالهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: هذه أموالنا الّتى خلّفتنا عنك فخذها وتصدّق بها عنّا. قال: ما اُمرت فيها، فنزل:( خذ من أموالهم صدقة ) الآيات.

أقول: وفي هذا المعنى روايات اُخرى رواها في الدرّ المنثور بينها اختلاف في أسامي الرجال، وفيها نزول آية الصدقة في خصوص أموالهم، ويضعّفها تظافر الروايات في نزول الآية في الزكاة الواجبة.

وفيه: وروى عن أبى جعفر الباقرعليه‌السلام أنّها نزلت في أبى لبابة ولم يذكر غيره معه وسبب نزولها فيه ما جرى منه في بنى قريظة حين قال: إن نزلتم على حكمه فهو الذبح.

وفي الكافي بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : لمّا نزلت هذه الآية:( خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها ) واُنزلت في شهر رمضان فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه فنادى في الناس: إنّ الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض الله عزّوجلّ عليهم من الذهب والفضّة وفرض الصدقة من الإبل والبقر والغنم، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب فنادى بهم بذلك في شهر رمضان، وعفى لهم عمّا سوى ذلك.

قال: ثمّ لم يفرض لشئ من أموالهم حتّى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال: ثمّ

٤٠٦

وجّه عمّال الصدقة وعمّال الطسوق.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى شيبة والبخاريّ ومسلم وأبو داود والنسائيّ وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن عبدالله بن اُبىّ أوفى قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اُتى بصدقة قال: اللّهمّ صلّ على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال: اللّهمّ صلّ على آل أبى أوفى.

وفي تفسير البرهان عن الصدوق بإسناده عن سليمان بن مهران عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قوله تعالى:( ويأخذ الصدقات ) قال: يقبلها من اهلها ويثيب عليها.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن مالك بن عطيّـة عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: قال علىّ بن الحسينعليه‌السلام : ضمنت على ربّى أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتّى تقع في يد الربّ، وهو قوله:( هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) .

اقول: وفي معناه روايات اُخرى مرويّـة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلىّ وأبى جعفر وأبى عبداللهعليهم‌السلام .

وفي بصائر الدرجات بإسناده عن محمّـد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: سألت عن الأعمال هل تعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: ما فيه شكّ. قال: أرأيت قول الله( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) فقال: لله شهداء في خلقه.

أقول: وفي معناه روايات متظافرة متكاثرة مرويّـة في جوامع الشيعة عن أئمّـة أهل البيتعليهم‌السلام ، وفي أكثرها: أنّ( المؤمنون ) في الآية هم الأئمّة، وانطباقها على ما قدّمناه من التفسير ظاهر.

وفي الكافي بإسناده عن زرارة عن أبى جعفرعليه‌السلام في قول الله( وآخرون مرجون لأمر الله ) قال: قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفراً و أشباههما من المسلمين ثمّ إنّهم دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشرك، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فيجب لهم الجنّـة، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النار فهم على تلك الحال مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم.

٤٠٧

أقول: ورواه العيّـاشيّ في تفسيره عن زرارة عنهعليه‌السلام وفي معناه روايات اُخر.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن حمران قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن المستضعفين قال: هم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّـار فهم المرجون لأمر الله.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله:( وآخرون مرجون لأمر الله ) قال: هم الثلاثة الّذين خلّفوا.

أقول: وروى مثله عن مجاهد وقتادة وأنّ أسماءهم هلال بن اُميّة، ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج، ولا تنطبق قصّتهم على هذه الآية وسيجى، إن شاء الله تعالى.

( كلام في الزكاة وسائر الصدقة)

الابحاث الاجتماعيّـة والاقتصاديّة وسائر الأبحاث المرتبطة بها جعلت اليوم حاجة المجتمع من حيث أنّه مجتمع إلى مال يختصّ به ويصرف لرفع حوائجه العامّة في صفّ البديهيّات الّتى لا يشكّ فيها شاكّ ولا يداخلها ريب فكثير من المسائل الاجتماعيّـة والاقتصاديّة - ومنها هذه المسألة - كانت في الأعصار السالفة ممّا يغفل عنها عامّة الناس ولا يشعرون بها إلّا شعوراً فطريّاً إجماليّاً وهى اليوم من الأبجديّات الّتى يعرفها العامّة والخاصّـة.

غير أنّ الإسلام بحسب ما بيّن من نفسيّـة الإجتماع وهويّته وشرع من الأحكام الماليّـة الراجعة إليها، والأنظمة والقوانين الّتى رتّبها في أطرافها ومتونها له اليد العليا في ذلك.

فقد بيّن القرآن الكريم أنّ الاجتماع يصيغ من عناصر الأفراد المجتمعين صيغة جديدة فيكوّن منهم هويّة جديدة حيّة هي المجتمع، وله من الوجود والعمر والحياة والموت والشعور والإرادة والضعف و القوّة والتكليف والإحسان والإساءة والسعادة والشقاوة أمثال أو نظائر ما للإنسان الفرد وقد نزلت في بيان ذلك كلّه آيات كثيرة قرآنيّـة كرّرنا الإشارة إليها في خلال الأبحاث السابقة.

٤٠٨

وقد عزلت الشريعة الإسلاميّـة سهماً من منافع الأموال وفوائدها للمجتمع كالصدقة الواجبة الّتى هي الزكاة وكالخمس من الغنيمة ونحوها، ولم يأت في ذلك ببدع فإنّ القوانين والشرائع السابقة عليها كشريعة حمورابي وقوانين الروم القديم يوجد فيها أشياء من ذلك بل سائر السنن القوميّـة في أيّ عصر، وبين أيّة طائفة دارت لا يخلو عن اعتبار جهة ماليّـة لمجتمعها فالمجتمع كيفما كان يحسّ بالحاجة الماليّـة في سبيل قيامه ورشده.

غير أنّ الشريعة الإسلاميّـة تمتاز في ذلك من سائر السنن والشرائع باُمور يجب إمعان النظر فيها للحصول على غرضها الحقيقيّ ونظرها المصيب في تشريعها وهى:

أولا: أنّها اقتصرت في وضع هذا النوع من الجهات الماليّـة على كينونة الملك وحدوثه موجوداً ولم يتعدّ ذلك، وبعبارة اُخرى إذا حدثت ماليّـة في ظرف من الظروف كغلّة حاصلة عن زراعة أو ربح عائد من تجارة أو نحو ذلك بادرت فوضعت سهماً منها ملكاً للمجتمع وبقيّة السهام ملكاً لمن له رأس المال أو العمل مثلاً، وليس عليه إلّا أن يردّ مال المجتمع وهو السهم إليه.

بل ربّما كان المستفاد من أمثال قوله تعالى:( خلق لكم ما في الأرض جميعاً ) البقرة: ٢٩ وقوله:( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الّتى جعل الله لكم قياماً ) النساء: ٥ أنّ الثروة الحادثة عند حدوثها للمجتمع بأجمعها ثمّ اختصّ سهم منها للفرد الّذى نسمّيه المالك أو العامل، وبقى سهم أعني سهم الزكاة أو سهم الخمس في ملك المجتمع كما كان فلمالك الفرد مالك في طول مالك وهو المجتمع، وقد تقدّم بعض البحث عن ذلك في تفسير الآيتين.

و بالجملة فالّذي وضعته الشريعة من الحقوق الماليّـة كالزكاة والخمس مثلاً إنّما وضعته في الثروة الحادثة عند حدوثها فشرّكت المجتمع مع الفرد من رأس ثمّ الفرد في حريّة من ماله المختصّ به يضعه حيث يشاء من أغراضه المشروعة من غير أن يعترضه في ذلك معترض إلّا أن يدهم المجتمع من المخاطر العامّة ما يجب معه صرف شئ من رؤوس الأموال في سبيل حفظ حياته كعدوّ هاجم يريد أن يهلك الحرث والنسل، والمخمصة

٤٠٩

العامّة الّتى لا تبقى ولا تذر.

وأمّا الوجوه الماليّـة المتعلّقة بالنفوس أو الضياع والعقار أو الأموال التجاريّة عند حصول شرائط أو في أحوال خاصّـة كالعشر المأخوذ في الثغور ونحو ذلك فإنّ الإسلام لا يرى ذلك بل يعدّه نوعاً من الغصب وظلماً يوجب تحديداً في حريّة المالك في ملكه.

ففى الحقيقة لا يأخذ المجتمع من الفرد إلّا مال نفسه الّذى يتعلّق بالغنيمة والفائدة عند أوّل حدوثه ويشارك الفرد في ملكه على نحو يبيّنه الفقه الإسلاميّ مشروحاً، وأمّا إذا انعقد الملك واستقرّ لمالكه فلا اعتراض لمعترض على مالك في حال أو عند شرط، يوجب قصور يده وزوال حرّيتّه.

وثانياً: أنّ الإسلام يعتبر حال الأفراد في الأموال الخاصّـة بالمجتمع كما يعتبر حال المجتمع بل الغلبة في ما يظهر من نظره لحالهم على حاله فإنّه يجعل السهام في الزكاة ثمانية لا يختصّ بسبيل الله منها إلّا سهم واحد وباقى السهام للأفراد كالفقراء والمساكين والعاملين والمؤلّفة قلوبهم وغيرهم، وفي الخمس ستّة لم يجعل لله سبحانه إلّا سهم واحد والباقى للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.

وذلك أنّ الفرد هو العنصر الوحيد لتكوّن المجتمع، ورفع اختلاف الطبقات الّذى هو من اُصول برنامج الإسلام، وإلقاء التعادل والتوازن بين قوى المجتمع المختلفة وتثبيت الاعتدال في مسيره بأركانه وأجزائه لا يتمّ إلّا بإصلاح حال الأجزاء أعني الأفراد وتقريب أحوالهم بعضهم من بعض.

وأمّا قصر مال المجتمع في صرفه في إيجاد الشوكة العامّة والتزيينات المشتركة ورفع القصور المشيدة العالية والأبنية الرفيعة الفآخرة وتخلية القوىّ والضعيف أو الغنىّ والفقير على حالهما لا يزيدان كلّ يوم إلّا ابتعاداً فلتدلّ التجربة الطويلة القطعيّـة أنّه لا يدفع غائلاً ولا يغنى طائلاً.

وثالثاً: أنّ للفرد من المسلمين أن يصرف ما عليه من الحقّ المالىّ الواجب كالزكاة مثلاً في بعض أرباب السهام كالفقير والمسكين من دون أن يؤدّيه إلى ولىّ الأمر أو

٤١٠

عامله في الجملة فيردّه هو إلى مستحقّيه.

وهذا نوع من الاحترام الاستقلاليّ الّذى اعتبره الإسلام لأفراد مجتمعه نظير إعطاء الذمّة الّذى لكلّ فرد من المسلمين أن يقوم به لمن شاء من الكفّـار المحاربين وليس للمسلمين ولا لولىّ أمرهم أن ينقض ذلك.

نعم لولىّ الأمر إذا رأى في مورد أنّ مصلحة الإسلام والمسلمين في خلاف ذلك أن ينهى عن ذلك فيجب الكفّ عنه لوجوب طاعته.

٤١١

( سورة التوبة آيه ١٠٧ - ١١٠)  

وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى‏ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( ١٠٧ ) لاَتَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَى‏ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ ( ١٠٨ ) أَفَمَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى‏ تَقْوَى‏ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى‏ شَفا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ( ١٠٩ ) لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَن تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ١١٠ )

( بيان)

تذكر الآيات طائفة اُخرى من المنافقين بنوا مسجد الضرار وتقيس حالهم إلى حال جماعة من المؤمنين بنوا مسجداً لتقوى الله.

قوله تعالى: ( والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً ) إلى آخر الآية، الضرار والمضارّة إيصال الضرر، والإرصاد اتّخاذ الرصد والانتظار والترقّب.

وقوله:( والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً ) إن كانت الآيات نازلة مع ما تقدّمها من الآيات النازلة في المنافقين فالعطف على من تقدّم ذكرهم من طوائف المنافقين المذكورين بقوله: ومنهم، ومنهم أي ومنهم الّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً.

وإن كانت مستقلّة بالنزول فالوجه كون الواو استئنافيّة وقوله:( الّذين اتّخذوا ) مبتدءً خبره قوله:( لا تقم فيه أبداً ) ويمكن إجراء هذا الوجه على التقدير السابق أيضاً،

٤١٢

وقد ذكر المفسّرون في إعراب الآية وجوهاً اُخرى لا تخلو عن تكلّف تركناها.

وقد بيّن الله غرض هذه الطائفة من المنافقين في اتّخاذ هذا المسجد وهو الضرار بغيرهم والكفر والتفريق بين المؤمنين والإرصاد لمن حارب الله ورسوله، والأغراض المذكورة خاصّـة ترتبط إلى قصّة خاصّـة بعينها، وهى على ما اتّفق عليه أهل النقل أنّ جماعة من بنى عمرو بن عوف بنوا مسجد قُبا وسألوا النبيّ أن يصلّى فيه فصلّى فيه فحسدهم جماعة من بنى غنم بن عوف وهم منافقون فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قبا ليضرّوا به ويفرّقوا المؤمنين منه وينتظروا لأبي عامر الراهب الّذى وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة، وأمرهم أن يستعدّوا للقتال معهم.

ولمّا بنوا المسجد أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك وسألوه أن يأتيه ويصلّى فيه ويدعو لهم بالبركة فوعدهم إلى الفراغ من أمر تبوك والرجوع إلى المدينة فنزلت الآيات.

فكان مسجدهم لمضارّة مسجد قبا، وللكفر بالله ورسوله، ولتفريق المؤمنين المجتمعين في قبا، ولإرصاد أبى عامر الراهب المحارب لله ورسوله من قبل، وقد أخبر الله سبحانه عنهم أنّهم ليحلفنّ إن أردنا من بناء هذا المسجد إلّا الفعلة الحسنى وهو التسهيل للمؤمنين بتكثير معابد يعبد فيها الله، وشهد تعالى بكذبهم بقوله:( وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنّهم لكاذبون ) .

قوله تعالى: ( لا تقم فيه أبداً ) إلى آخر الآية، بدء بنهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يقوم فيه ثمّ ذكر مسجد قبا ورجّح القيام فيه بعد ما مدحه بقوله:( لمسجد اُسّس على التقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه ) فمدحه بحسن نيّة مؤسّسيه من أوّل يوم وبنى عليه رجحان القيام فيه على القيام في مسجد الضرار.

والجملة وإن لم تفد تعيّـن القيام في مسجد قبا حيث عبّر بقوله: أحقّ، غير أنّ سبق النهى عن القيام في مسجد الضرار يوجب ذلك، وقوله تعالى:( فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا ) تعليل للرجحان السابق، وقوله:( والله يحبّ المطّهّرين ) متمّم للتعليل المذكور، وهذا هو الدليل على أنّ المراد بقوله:( لمسجد اُسّس ) الخ هو مسجد قبا لا

٤١٣

مسجد النبيّ أو غيره.

ومعنى الآية: لا تقم أي للصلاة في مسجد الضرار أبداً، اُقسم، لمسجد قُبا الّذى هو مسجد اُسّس على تقوى الله من أوّل يوم أحقّ وأحرى أن تقوم فيه للصلاة وذلك أنّ فيه رجالاً يحبّون التطهّر من الذنوب أو من الأرجاس والأحداث والله يحب المطّهّرين وعليك أن تقوم فيهم.

وقد ظهر بذلك أنّ قوله:( لمسجدٌ اُسّس ) الخ، بمنزلة التعليل لرجحان المسجد على المسجد وقوله:( فيه رجال ) الخ، لإفادة رجحان أهله على أهله، وقوله الآتى:( أفمن اُسّس بنيانه ) الخ، لبيان الرجحان الثاني.

قوله تعالى: ( أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير ) إلى آخر الآية شفا البئر طرفه، وجرف الوادي جانبه الّذى انحفر بالماء أصله وهار الشئ يهار فهو هائر وربّما يقال: هارٍ بالقلب وانهار ينهار انهياراً أي سقط عن لين فقوله:( على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم ) استعارة تخييليّة شبّه فيها حالهم بحال من بنى بنياناً على نهاية شفير واد لا ثقة بثباتها وقوامها فتساقطت بما بنى عليه من البنيان وكان في أصله جهنّم فوقع في ناره، وهذا بخلاف من بنى بنيانه على تقوى من الله ورضوان منه أي جرى في حياته على اتّقاء عذاب الله وابتغاء رضاه.

وظاهر السياق أنّ قوله:( أفمن أسّس بنيانه على تقوى ) الخ، وقوله:( أم من أسّس بنيانه على شفا جرف ) الخ، مثلاًن يمثّل بهما بنيان حياة المؤمنين والمنافقين وهو الدين والطريق الّذى يجريان عليه فيها فدين المؤمن هو تقوى الله وابتغاء رضوانه عن يقين به، ودين المنافق مبنىّ على التزلزل والشكّ.

ولذلك أعقبه الله تعالى وزاد في بيانه بقوله:( لا يزال بنيانهم ) يعنى المنافقين( الّذى بنوا ريبة ) وشكّاً( في قلوبهم ) لا يتعدّى إلى مرحلة اليقين( إلّا أن تقطّع قلوبهم ) فتتلاشى الريبة بتلاشيها( والله عليم حكيم ) ولذلك يضع هؤلاء ويرفع اُولئك.

٤١٤

( بحث روائي)

في المجمع قال المفسّرون: إنّ بنى عمرو بن عوف اتّخذوا مسجد قبا، وبعثوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم فأتاهم وصلّى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بنى غنم بن عوف فقالوا: نبنى مسجداً فنصلّى فيه ولا نحضر جماعة محمّـد، وكانوا اثنى عشر رجلاً، وقيل: خمسة عشر رجلاً، منهم: ثعلبة بن حاطب ومعتّب بن قشيرو نبتل ابن الحارث فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قبا.

فلمّا بنوه أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذى العلّة والحاجة واللّيلة الممطرة واللّيلة الشاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّى فيه لناو تدعو بالبركة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّى على جناح سفرو لو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه، فلمّا انصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك نزلت عليه الآية في شأن لمسجد.

قال: فوجّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلانيّ ومالك بن الدخشم وكان مالك من بنى عمرو بن عوف فقال لهما: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه، وروى أنّه بعث عمّار بن ياسر ووحشيّاً فحرّقاه، وأمر بأن يتّخذ كناسة يلقى فيها الجيف.

أقول: وفي رواية القمّىّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث لذلك مالك بن دخشم الخزاعىّ وعامر بن عدىّ أخا بنى عمرو بن عوف فجاء مالك وقال لعامر: انتظرني حتّى اُخرج ناراً من منزلي، فدخل وجاء بنار وأشعل في سعف النخل ثمّ أشعله في المسجد فتفرّقوا، وقعد زيد بن حارثة حتّى احترقت البنيّة ثمّ أمر بهدم حائطه.

والقصّة مرويّة بطرق كثيرة من طرق أهل السنّة، والروايات متقاربة إلّا أنّ في أسامي من بعثه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلافاً.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن إسحاق قال: كان الّذين بنوا

٤١٥

مسجد الضرار اثنى عشر رجلاً: خذمّ بن خالد بن عبيد بن زيد، وثعلبة بن حاطب وهلال بن أميّة، ومعتّب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبّاد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمّع وزيد، ونبتل بن الحارث، وبخدج بن عثمان(١) ووديعة بن ثابت.

وفي المجمع في قوله:( وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله ) قال: هو أبو عامر الراهب، قال وكان من قصّته أنّه كان قد ترهّب في الجاهليّـة ولبس المسوح فلمّا قدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة حسده، وحزّب عليه الأحزاب ثمّ هرب بعد فتح مكّة إلى الطائف فلمّا أسلم أهل الطائف لحق بالشام، وخرج إلى الروم وتنصّر وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة الّذى قتل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد و كان جنباً فغسلته الملائكة.

وسمّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا عامر الفاسق، وكان قد أرسل إلى المنافق أن استعدّوا وابنوا مسجداً فإنّى أذهب إلى قيصر وآتى من عنده بجنود، وأخرج محمّـداً من المدينة فكان هؤلاء المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الروم.

أقول: وفي معناه عدّة من الروايات.

وفي الكافي بإسناده عن الحلبيّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن المسجد الّذى اُسّس على التقوى فقال: مسجد قبا.

أقول: ورواه العيّـاشيّ في تفسيره، وروى هذا المعنى أيضاً في الكافي بإسناده عن معاوية بن عمّار عنهعليه‌السلام .

وقد روى في الدرّ المنثور بغير واحد من الطرق عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: هو مسجدي هذا، وهو مخالف لظاهر الآية وخاصّـة قوله:( فيه رجال ) الخ، فإنّ الكلام موضوع في القياس بين المسجدين: مسجد قبا ومسجد الضرار والقياس بين أهليهما ولا غرض يتعلّق بمسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي تفسير العيّـاشيّ عن الحلبيّ عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله: فيه( رجال يحبّون أن يتطهّروا ) قال: الّذين يحبّون أن يتطهّروا نظف الوضوء وهو الاستنجاء بالماء وقال: قال: نزلت هذه في أهل قبا.

____________________

(١) وفي السيرة: يجاد بن عثمان وهو الصحيح (ب).

٤١٦

وفي المجمع في الآية قال: يحبّون أن يتطهّروا بالماء عن الغائط والبول وهو المروىّ عن السيّدين: الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وروى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأهل قبا: ما ذا تفعلون في طهركم فإنّ الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء؟ قالوا: نغسل أثر الغائط. فقال: أنزل الله فيكم:( والله يحبّ المطهّرين ) .

وفيه في قراءة قوله:( إلّا أن تقطّع قلوبهم ) وقرء يعقوب وسهل:( إلى أن ) على أنّه حرف الجرّ، وهو قراءة الحسن وقتادة والجحدريّ وجماعة، ورواه البرقىّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام .

٤١٧

( سورة التوبة آيه ١١١ - ١٢٣)  

إِنّ اللّهَ اشْتَرَى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ١١١ ) التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( ١١٢ ) مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى‏ مِن بَعْدِ مَاتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( ١١٣ ) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلّا عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ‏ِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ ( ١١٤ ) وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّى‏ يُبَيّنَ لَهُم مَايَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ( ١١٥ ) إِنّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَنَصِيرٍ ( ١١٦ ) لَقَد تَابَ اللّهُ عَلَى النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ( ١١٧ ) وَعَلَى الثّلاَثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا حَتّى‏ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنّوا أَن لاَمَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلّا إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ( ١١٨ ) يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ( ١١٩ ) مَاكَانَ لْأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلّفُوا عَن رَسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنّهُمْ لاَيُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ

٤١٨

نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَيَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلاَيَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَيْلاً إِلّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لاَيُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( ١٢٠ ) وَلاَيُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَيَقْطَعُونَ وَادِياً إِلّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٢١ ) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقّهُوا فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ ( ١٢٢ ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ ( ١٢٣ )

( بيان)

آيات في أغراض متفرّقة يجمعها غرض واحد مرتبط بغرض الآيات السابقة فإنّها تتكلّم حول القتال فمنها ما يمدح المؤمنين ويعدهم وعداً جميلاً على جهادهم في سبيل الله ومنها ما ينهى عن التودّد إلى المشركين و الاستغفار لهم، ومنها ما يدلّ على توبته تعالى للثلاثة المخلّفين عن غزوة تبوك، ومنها ما يفرض على أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يخرجوا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد الخروج إلى قتال ولا يتخلّفوا عنه، ومنها ما يفرض على الناس أن يلازم بعضهم البيضة للتفقّه في الدين ثمّ تبليغه إلى قومهم إذا رجعوا إليهم ومنها ما يقضى بقتال الكفّـار ممّن يلى بلاد الإسلام.

قوله تعالى: ( إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّـة ) إلى آخر الآية، الاشتراء هو قبول العين المبيعة بنقل الثمن في المبايعة.

والله سبحانه يذكر في الآية وعده القطعيّ للّذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم بالجنّـة، ويذكر أنّه ذكر ذلك في التوراة والإنجيل كما يذكره في القرآن.

٤١٩

وقد قلبه سبحانه في قالب التمثيل فصوّر ذلك بيعاً، وجعل نفسه مشترياً والمؤمنين بايعين، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعاً، والجنّـة ثمناً، والتوراة والإنجيل والقرآن سنداً للمبايعة، وهو من لطيف التمثيل ثمّ يبشّر المؤمنين ببيعهم ذلك، ويهنّئهم بالفوز العظيم.

قوله تعالى: ( التائبون العابدون الحامدون السائحون ) إلى آخر الآية، يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم، والصفات مرفوعة بالقطع أي المؤمنون هم التائبون العابدون الخ، فهم التائبون لرجوعهم من غير الله إلى الله سبحانه العابدون له ويعبدونه بألسنتهم فيحمدونه بجميل الثناء، وبأقدامهم فيسيحون ويجولون من معهد من المعاهد الدينيّـة ومسجد من مساجد الله إلى غيره، و بأبدانهم فيركعون له ويسجدون له.

هذا شأنهم بالنسبة إلى حال الانفراد وأمّا بالنسبة إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السنّة الدينيّـة وناهون عن المنكر فيها ثمّ هم حافظون لحدود الله لا يتعدّونه في حالتى انفرادهم واجتماعهم خلوتهم وجلوتهم، ثمّ يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يبشّرهم وقد بشّرهم تعالى نفسه في الآية السابقة، وفيه من كمال التأكيد ما لا يقدّر قدره.

وقد ظهر بما قرّرنا أوّلاً: وجه الترتيب بين الأوصاف الّتى عدّها لهم فقد بدء بأوصافهم منفردين وهى التوبة والعبادة والسياحة والركوع والسجود ثمّ ذكر ما لهم من الوصف الخاصّ بهم المنبعث عن إيمانهم مجتمعين وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وختم بما لهم من جميل الوصف في حالتى انفرادهم واجتماعهم وهو حفظهم لحدود الله، وفي التعبير بالحفظ مضافاً إلى الدلالة على عدم التعدّي دلالة على الرقوب والاهتمام.

وثانياً: أنّ المراد بالسياحة - ومعناه السير في الأرض - على ما هو الأنسب بسياق الترتيب هو السير إلى مساكن ذكر الله وعبادته كالمساجد، وأمّا القول بأنّ المراد بالسياحة الصيام أو السياحة في الأرض للاعتبار بعجائب قدرة الله وما جرى على الاُمم الماضية ممّا تحكيه ديارهم وآثارهم أو المسافرة لطلب العلم أو المسافرة لطلب الحديث خاصّـة فهى وجوه غير سديدة.

أمّا الأوّل: فلا دليل عليه من جهة اللّفظ البتّـة، وأمّا الوجوه الاُخر فإنّها وإن

٤٢٠