حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)0%

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 181

  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28137 / تحميل: 6351
الحجم الحجم الحجم
حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

إليكُم أمُورُكُم إنّكم لسُعداءُ وإنّي لأخشى أنْ تكُونُوا في فترةٍ، وما علينا إلاّ الاجتهادُ...) (1) .

- حذَّرَهم، أوّلا، من إثارة القلاقل والاضطرابات.

- ثمّ أثار في عقولهم وقلوبهم عقيدة البعث واليوم الآخر.

- ثمّ بيّن لهم أنّ الانحراف عن منهج الكتاب والسُّنّة إلى اليمين أو إلى الشمال يؤدّي بصاحبه إلى الضّلال والتَّيه؛ ولذا فإنّ نبض الجاهليّة العائد ضلال.

- ثمّ كشف لهم عن أنّ المرحلة تقتضي الحكم أنْ يكون صارماً (السّوط والسّيف)، ولذا، فإنّ على النّاس أَلاّ يخوضوا في أيّ شأن يزيد الوضع سوءً بإثارة العصبيّات القبليّة والنّزعات العشائريّة، داعياً إيّاهم إلى أنْ يكفّوا ويتوبوا عمّا سلف منهم مِن إفساد.

- ثمّ أعطاهم حقّ الرّقابة، وطالبهم بحقّه في تأييدهم ومؤازرتهم.

- ثمّ أبدى تشاؤمه من المستقبل وشكّه في عودة النهج النّبوي إلى سابق قوّته (قلَّما أدبرَ شيء فأقبل)، ولكنّه - مع ذلك - لم يفقد الأمل في تحسن الأوضاع، (لئن رُجعتْ إليكُم أُمُورُكم إنَّكُم لسُعداء).

- ثمّ حذَّرهم من أنّ على الآمال المشرقة في التغيير نحو الأحسن... نحو النّهج النّبوي الصافي، أنْ تُضَامِن نفسها، وأنْ يعود أصحابها إلى شيء من الواقعّية في تطلّعاتهم: (... وإنّي لأخشى أنْ تكُونُوا في فترةٍ).

قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الفترة:

(الفترة هي الأزمنة الّتي بين الأنبياء إذا انقطعتْ الرّسل فيها، كالفترة بين (عيسى - عليه السّلام - ومحمّد - صلّى اللّه عليه وآله -) ؛ لأنّه لم يكن بينهما نبي، بخلاف المدّة الّتي كانت بين (موسى وعيسى عليهما السّلام) ؛ لأنّه بعث فيها أنبياء كثيرون. فيقول (عليه السّلام): إنّي لأخشى أَلاّ أتمكّن من الحكم بكتاب اللّه تعالى فيكم، فتكونوا

____________________

1 - (ابن أبي الحديد): شرح نهج البلاغة 1 / 275 - 276.

ورواها الشّريف الرّضي في نهج البلاغة بتغيير بعض العبارات، انظر الخطبة رقم 176: (ومن خطبة له عليه السّلام في الشّهادة والتّقوى).

وقيل: إنّه خطبها بعد مقتل (عثمان) في أوّل خلافته.

١٢١

كالأمم الّذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشّرائع والأحكام. وكأنّه (عليه السّلام) كان يعلم أنّ الأمر سيضطرب عليه.

(ثمّ قال: (وَما علينا إلاّ الاجتهادُ) يقول: أنا أعمل ما يجب عليّ من الاجتهاد في القيام بالشريعة وعزل وُلاة السوء وأُمراء الفساد عن المسلمين، فإنْ تمّ ما أُريده فذاك، وإلاّ كنتُ قد أعذرتُ) (1) .

***

إنّ الإمام (عليه السّلام) قبل الحكم - إذن - بمزيج من التّشاؤم والأمل، ولكن سرعان ما تسرّب الذّبول إلى شعلة الأمل، فإنّ القوى المتردِّدة سرعان ما أخذتْ تنحاز رويداً رويداً نحو المعسكر المناهض للنَّهج النّبوي، إنْ لم يكن في العَلَن ففي السّر... هذا من جهة، ومن جهة أخرى راحت الجماهير الغاضبة، المترعة قلوبها بآمال التّغيير تضغط في سبيل التّغيير دون أن تقدّر ظروف المرحلة. وكان اتِّباع سياسة متوازنة ضرورةً حيويّةً؛ لِئَلاّ ينفجر المجتمع من الدّاخل بانحياز قوى موالية للنّهج النّبوي، ولكنّها غير واعية وغير ناضجة، نحو معسكر الثّورة المضادّة.

***

وهكذا، فبعد الصّدمة الّتي شلّت قوى الثّورة المضادّة، وبعد فترة الانتظار الّتي مرّت بها الفئات الأُخرى مِن الأمّة، تفجّر الموقف من جديد، وعاد الغليان إلى المجتمع، وعادت حالة الاختلاط والاضطراب المحمومة.

وظهرتْ للإمام عليّ في هذه المرحلة - الّتي بلغتْ فيها أزمة الحكم وأزمة الفكر الذّروة - ظهرتْ له بوضوح تام موجع ومدمٍ للقلب، معالمُ تاريخ المستقبل للأمّة الإسلاميّة، حافلاً بالأهوال والمآسي، وبكلّ ما فيه من ظلام ودماء، وتمزّقات وانهيارات، تتخلّلها هنا وهناك - في بعض الأحيان - لمعات نور وحالات سلام عارضة، وآمال مضيئة مُلْهَمَة، وخيبات أمل قاسية.

لقد رأى - رأى بحدس يضيئه نور نبويّ، وعقل مستوعب لحركة التاريخ وآلِيَّتها

____________________

1 - المصدر السابق: 1 / 281.

١٢٢

الّتي تكاد أنْ تكون رياضيّة - رأى الفتنة آتية بكلّ ظلامها، وحِيَلِها، وتلبيسها الحقّ بالباطل.

ورأى بعدها انتصار حركة الردّة بقِيَمِها الجاهليّة، بلبسها للإسلام (لبس الفرو مقلوباً).

ورأى بعد ذلك معاناة الأمّة:

- فسمع بقلبه الكبير أنين المظلومين الّذين تسحقهم أنيابها الوحشيّة.

- ورأى بقلبه الكبير نزيف الدّماء من ضحاياها.

- وأحسّ بأعمق أعماق كرامته الإنسانيّة ذلّ الإنسان المسلم في مجتمع الردّة.

- وبكى بحرارة ومرارة لكلّ ما سيصيب الناس بعده.

- ورأى بعد ذلك نار الثّورة تحرق كلّ شيء، وتهدم كلّ شيء، تستلهم حقّ الناس ومرارتهم... ولكنّها ثورة تقع في أخطاء الفتنة في أحيان، وفي مهاوي الردّة في أحيان، وقلّما تهتدي الطّريق الوسطى...

ورأى أخيراً، في البعيد البعيد... بعد طول عذاب وعناء، نور الأمل الآتي في النّهاية... نور الخلاص.

١٢٣

1 - حركة التاريخ في مظهر التّفاعل الاجتماعي الثّوري:

البشر يتحرّكون دائماً في الزّمان والمكان: يبدعون، ويتواصلون بالتّجارة والصداقة تارةً، وبالعداوة والحرب تارةً، وبالفكر دائماً.

ويتعاملون مع الطّبيعة دائماً. يكيّفونها ويتكيّفون معها، ويحبّونها ويهربون منها في بعض الأحيان.

وهم يواجهون الإخفاق وخيبات الأمل في حالات، ويسعدون بنشوة النصر في حالات أخرى. ويشلّهم اليأس عن الحركة في بعض الحالات، ولكن سرعان ما يؤجّج الأمل في التّقدم والمستقبل الأفضل في قلوبهم جذوة الرغبة في التغيير، فيعودون إلى الحركة من جديد.

وهكذا يصنع البشر تاريخهم باستمرار، ينسجونه خيطاً فخيطاً، ويبنونه ذرّةً فذرَّةً من ملايين الآمال الصّغيرة، والمخاوف الصّغيرة، والأحقاد الصّغيرة، والشّهوات الصّغيرة، الّتي تنكر لهم كلّها وتتراكم فتتكوّن منها عجينة التاريخ.

ولكنّها لنْ تكون تاريخاً ما لم تأخذ قواماً معيّناً وما لم تتشكّل بهيئة معيّنة... ما لم تتضمّن فكرة تغيير، وروح تغيير، وعزيمة تغيير، تجعل من آحاد الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات التي تبلغ الملايين شيئاً واحداً كبيراً تنبض فيه روح واحدة تلفّ بوهجها كلّ المجتمع والجماعة، وتدفع بهم - لا في طريق الحركات الأحاديّة المبعثرة - في طريق حركة متدفّقة هادِرة، تحدوها رؤيا واحدة أو رؤى متقاربة تلتقي على التّغيير. حينئذٍ تنشط حركة التّاريخ الّتي كانت هادئة أو أمينة، وتتعاظم، وتلد الأحداث الكبيرة، وتدخل المجتمع والجماعة في منعطف من التاريخ جديد.

١٢٤

قد يتمّ هذا التّفاعل في حال السّلم والاستقرار الاجتماعي، فتكون الفترة الزّمنيّة الّتي يستغرقها التّغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار - طويلة نسبيّاً؛ لأنّ التّغيير التّاريخي يتمّ في هذه الحالة وفقاً لمعادلات السّلم والاستقرار الّتي تجعل الإنسان أكثر أناة وتؤدة في حركته، وأكثر قدرة على الاختيار.

وقد يتمّ هذا التّفاعل في حال الغليان الاجتماعي والقلق العام.

في هذا الحال تنشأ ظاهرتان:

الأولى: ظاهرة رفض وتمرّد في الجماهير، يغذّيها ويؤجّجها اليأس من العدالة الرّسميّة، وينعشها الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجماهير يتوصّل إليه دعاة التّغيير.

الثّانية: تقابل الأولى وتتولّد منها، وهي إجراءات القمْع التي تلجأ إليها السّلطة الرسميّة؛ من أجل أنْ تضمن سيادة وثبات نظامها وقِيَمها.

إنّ هذا القمْع: يعزّز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التّمرّد والرّفض، ويرصّ - بدرجة أعلى من الصّلابة والتّماسك - ملايين الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات، ويؤجج روح الغضب، ويدفع الجماهير - أكثر فأكثر - نحو العنف باتّجاه التغيير.

في هذه الحالة تقصر نسبيّاً، الفترة الحاسمة الّتي يستغرقها التّغيير بعد فترة الإعداد والاختمار. إنّ الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتّسع مساحة الفئات الاجتماعيّة الّتي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أنْ تبلغ الذّروة الّتي ينهار عندها العهد التّاريخي الّذي كان سائداً، ويدخل المجتمع في منعطف من تاريخه جديد.

***

إذن البشر لا يتوقّفون عن صنع التأريخ، لكنّهم قد يصنعون تاريخهم في حال السّلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتّوتّر الاجتماعي، كما قد يصنعونه بالحرب.

وقد لاحظ الإمام علي (عليه السّلام) حركة التّاريخ في مظهرها الثّاني؛ لأنّ الظّروف السّائدة في مجتمعه كانت تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدّامي في مواجهة مستقبله المُكْفَهِر، الحافل بالأنواء.

***

١٢٥

لقد تسببت أخطاء الحكم في عهد الخليفة (عثمان بن عفان) في خيبة آمال فئات واسعة من المسلمين وغضبها. كما تسبّبت - إلى جانب ذلك - في انبعاث كثير من القِيَم والأخلاق والمطامح الجاهليّة الّتي نَشطت للعمل من خلال ممثِّليها ورموزها في قمّة السّلطة في مجالات السّياسة والاقتصاد والاجتماع.

وقد أدّى انبعاث هذه القِيَم الجاهليّة إلى تعارض في المصالح بين ممثِّلي هذه القِيَم وبين أكثريّة المسلمين الّذين كانت تغتذي نفوسهم بالآمال الّتي تولّدها قِيَم الإسلام في العدالة الخالصة والمساواة... هذا التعارض المأساوي الّذي ما فتئت تُغَذِّيه أخطاء الحكم وسياسات الرّموز الجاهليّة العائدة، فتعمّقه، وتزيده حدّة، وتدفع به إلى مزيد من الأتّساع والانتشار.

وقد تراكم كلّ ذلك على مدى سنين، واتّسع إلى أنْ شمل حواضر الدّولة كلّها. وأدّى في النّهاية إلى عاقبته الوخيمة وثمرته المرّة: ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، السّاخطون بلا حقد والحاقدون من عِلْيَة القوم. وأدّت الثورة إلى مقتل الخليفة (عثمان) ، وإلى دخول المسلمين في منعطف من تاريخهم جديد، طلبوا من علي بن أبي طالب أنْ يقودهم فيه، ولكنّه رفض طلبهم؛ لأنّه أدرك - وهو الراعي للتاريخ وأفاعليه وآليّة حركته - أنّ حجم الحاجات الّتي يفتقر إليها النّاس والآمال الّتي تعمر قلوبهم أكبر بكثير من حجم الإمكانات الّتي توفّرها مؤسّسات الدّولة، وأنّ حجم المعوّقات الّتي يمثّلها رموز العهد الماضي وقواه الّتي شلّتْها الثورة فاضطرّت إلى الانكماش... حجم هذه المعوّقات كبير وخطير؛ لأنّها مُسْتَشْرِيَة في جميع مراكز السّلطة، وقد قال لهم مُعْلِنَاً رفضه:

(دعُوني والتمِسُوا غيري، فإنَّا مُستقبِلُون أمراً لهُ وجوه وألوان، لا تقُوم لهُ القُلُوبُ، ولا تثبُتُ عليهِ العُقُولُ (1) . وإنّ الآفاق قد أغامت (2) ، والمحجَّة قد تنكَّرت (3) . واعلموا أني إنْ أجبتُكُم

____________________

1 - لا تقوم له القلوب: لا تجرئ عليه. لا تثبت عليه العقول: لا تكاد تفهمه وتحققه، يومئ بذلك إلى المشكلات الإجتماعية والأزمات الّتي عصفت بالمجتمع كلّه.

2 - أغامت: حجبها الغيم، كناية عن صعوبة إيجاد الحلول المقبولة من الجميع.

3 - المحجّة: الطّريقة الواضحة - وتنكّرت: التبس أمرها على النّاس.

١٢٦

ركِبتُ بِكُم ما أعلمُ، ولم أُصغِ إلى قولِ القائلِ وعتبِ العاتبِ، وإنْ تركتُمُوني فأنا كأحدِكُم، ولعلِّي أسمعُكُم وأطوعُكُم لِمَنْ ولَّيتُمُوهُ أمركُم، وأنا لكُم وزيراً، خير لكُم منّي أمير) (1) .

وقد ذكّر الإمام - فيما بعد - بموقفه هذا في مناسبات كثيرة:

منها قوله في كلام له عند خروج طلحة والزّبير عليه:

(فأقبلتُم إليَّ إقبال العُوذ المطافيلِ على أولادِها (2) ، تقُولُون: البيعة البيعة!! قبضتُ كفِّي فبسطتُمُوها، ونازعتْكُم يدي فجاذبتُمُوها) (3) .

ومنها قوله لطلحة والزّبير أيضاً:

(واللّه ما كانت لي في الخِلافةِ رغبة، ولا في الولايةِ إربة (4) ، ولكِنَّكُم دعوتُمُوني إليها، وحملتُمُوني عليها...) (5) .

وقال في موقف آخر:

(... وبسطتُم يدي فَكَفَفْتُها، ومددتُمُوها فقبضْتُها. ثُمَّ تداككتُم عليَّ (6) تَداكَّ الإبلِ الهيم (7) على حِياضِها يوم وِرْدِها، حتَّى انقطعتِ النَّعلُ، وسقط الرِّداءُ، ووُطئ الضَّعِيفُ، وبلغَ مِن سُرُور النَّاسِ ببيعتهم إيَّاي أنْ ابتهج بها الصَّغيرُ، وهدج إليها الكبيرُ (8) ، وتحامل نحوها العليلُ، وحسرت ْ(9) إليها الكِعابُ) (10) .

____________________

1 - نهج البلاغة: رقم النّص: 92.

2 - العوذ المطافيل: الإبل والضّباء ذات الأولاد، وهي جمع عائذة، ومطفل: كناية عن اللّهفة الّتي توجّهوا بها إليه، طالبين منه قبول بيعتهم، كما اللّهفة الّتي تقبل بها أمّ الطّفل على ولدها.

3 - نهج البلاغة: رقم النّص: 137.

4 - الإربة: الغرض والرّغبة.

5 - نهج البلاغة: رقم النّص: 205.

6 - التّداك: الازدحام - تصوير لحالهم في الإقبال على البيعة.

7 - الهيم: العطاش: تصوير لرغبتهم العارمة في إنجاز البيعة.

8 - الهدج: مشي الضّعيف. بيان لإقبال الجميع على البيعة، حتّى أولئك الذين لهم مِن سِنِّهم العالية أو مرضهم عذر يعفيهم من مشقة التّزاحم على البيعة.

9 - الكعاب: جمع كاعبة: الفتاة ينهد ثدياها. وحسرت: كشفت عن وجهها كناية عن إقبال النّاس جميعاً وفرحتهم بالبيعة.

10 - نهج البلاغة: رقم النّص: 229.

١٢٧

* لماذا أبى عليّ بن أبي طالب أنْ يستجيب...؟

لعلّه كان يأمل أنْ يمرّ المجتمع - بعد ما أصاب علاقاته من اهتزاز وتشويه في العهد الماضي - في مرحلة انتقال يقوده فيها رجال لا تتألّب عليهم مراكز القوى الجديدة الّتي تمثّل قِيَم الجاهليّة...

ولكنّ تيّار الرّغبة كان عارماً، كما تعكسه لنا النّصوص الآنفة الذّكر، ولم يكن من الممكن تحويل ولاء الجماهير وثقتها إلى بديل. لقد كان الرّفض يعني الكارثة؛ لأنّ القوى الجاهليّة كانت قادرة - إذا استمر الفراغ في السّلطة - أنْ تعود من جديد، بعد أنْ تكتّل قواها المبعثرة، وحينئذٍ يحرم المجتمع الإسلامي حتّى مِن تجربة تكون في المستقبل نموذجاً ومَلْهَمَاً...

ولا نعدم في نهج البلاغة نصوصاً تضيء هذه المسألة، وتوحي بقوّة أنّ الإمام كان يفكّر على هذا النّحو، وذلك كقوله في كلام له عنونه الشّريف الرّضي بـ (... يبيّن سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق):

(... اللّهُمَّ إنَّك تعلمُ أنّهُ لم يكُنِ الذّي كان مِنّا مُنافسةً في سُلطانٍ، ولا التِماس شيءٍ مِن فُضُول الحُطامِ، ولكن لنردَ المعالمَ من دينك ونُظهِر الإصلاح في بلادك، فيأمَنَ المَظلُومُون مِن عبادِك، وتُقام المُعطَّلةُ من حُدُودك) (1) .

وقوله في كتاب منه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاه إمارتها:

(... ولكننَّي آسى (2) أنْ يلي (3) أمر هذهِ الأمّةِ سُفهاؤُها وفُجَّارُها، فيتّخِذُوا مال اللّه دُوَلاً (4) وعِبادَهُ خولاً (5) والصّالحينَ حرباً (6) ، والفاسقينَ حزباً...) (7) .

____________________

1 - نهج البلاغة: رقم النّص: 131.

2 - آسى: أَحْزَنَ - الماضي منه: أَسَيْتُ بمعنى حزنت.

3 - يلي: يكون والياً وحاكماً على الأُمّة.

4 - دولاً: جمع دولة، يعني: لِئَلاّ يكون المال العام بأيدي السّفهاء والفجّار يتداولونه بينهم لمصالحهم مهملين مصالح الأمّة فيه. والعبارة تومئ إلى قول اللّه عزّ وجلّ:

( كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ) سورة الحشر: الآية: 7.

5 - خولاً: عبيد، يعني لِئَلاّ يستعبدوا النّاس ويذلّوهم.

6 - حرباً: أعداء يحاربونهم.

7 - نهج البلاغة: باب الكتب / رقم النّصّ: 62.

١٢٨

وما هو أشد خطورة في دسّ المنافقين واستغلالهم للإمكانات الّتي يتيحها الإفك، هو أنّ الفتنة أدّت إلى تصدّع تلاحم المسلمين أنفسهم، حيث استغلّ زعماء قبيلة (الأوس) تورّط بعض أفراد قبيلة (الخزرج) في إشاعة الحديث عن الإفك، للتّعبير عن أحقاد قَبَلِيَّة جاهليّة، تحت ستار الغيرة على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، والتّمسّك بأهداب الدّين.

فقال رئيس الأوس (أسيد بن حضير) مخاطباً رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) حين وجّه عتاباً رقيقاً للّذين روّجوا الإشاعة الكاذبة، دون أنْ يُسمّي أحداً:

(يا رسول اللّه: إنْ يكونوا من الأوس نكفكهم، وإنْ يكونوا من إخواننا من الخزرج فَمُرْنَا بأمرك، فو اللّه إنّهم لأهل أنْ تضرب أعناقهم).

فقال (سعد بن عبادة) زعيم الخزرج رادّاً عليه:

(كذبتَ لعمر اللّه، لا تضرب أعناقهم. أَمَا واللّه ما قلتَ هذه المقالة إلاّ أنّك عرفتّ أنّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا...).

فقال (أسيد بن حضير) :

(كذبت لعمر اللّه، ولكنّك منافق تجادل عن المنافقين...).

وتساور النّاس (1) حتّى كاد يكون بين هذين الحَيَّين من الأوس والخزرج شرّ (2) .

وهكذا وَجَدَتْ القِيَم الجاهليّة القديمة متنفّساً تعبّر به عن نفسها من خلال هذه الفتنة، متستّرة بشعارات إسلاميّة.

ولكن حكمة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، ووعْي المجتمع، ورسوخ المبادئ والقِيَم الإسلاميّة في نفوس النّخبة، حصرتْ الفتنة في نطاق ضيّق، وحالتْ دون تأثير في إحداث تفاعلات سيّئة بالنّسبة إلى حركة التّقدم النّبويّة. وجاء الوحي بعد ذلك فقضى على الفتنة، حيث أنزل اللّه تعالى في هذا الشّأن سورة النّور (السّورة رقم 24 في المصحف) وجعل منها درساً تربويّاً، ومناسبة لسنّ تشريعات تتعلّق بالعلاقات بين الجنسين

____________________

1 - تساور النّاس: قام بعضهم إلى بعض ليتقاتلوا.

2 - تراجع سيرة (ابن هشام) بتحقيق (مصطفى السّقا) ورفيقَيه (الطّبعة الثّانية) 1375 هجري = 1955 م / القسم الثّاني / ص: 289 - 307.

١٢٩

داخل المجتمع الإسلامي، في نطاق الزّوجية - من حيث العلاقات الزّوجيّة وغيرها - وخارج الحياة الزّوجيّة.

***

هذان نموذجان للفتنة العارضة في المجتمع الإسلامي في عهد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، وقد واجه المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) فتنة عارضة ذات طابع سياسي محض، هي (فتنة السّقيفة) .

وقد بدأت هذه الفتنة حين تجاوز بعض كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وصيّة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بإسناد الخلافة بعده إلى الإمام (علي بن أبي طالب) ؛ لأنّه كان الشّخصيّة الإسلاميّة الوحيدة الّتي تجمّعت فيها المواهب والمؤهّلات الّتي جعلتها قادرة على قيادة الأمّة الإسلاميّة بعد وفاة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله).

وقد حسم النّزاع على منصب الخلافة بين المهاجرين والأنصار، في سقيفة بني ساعدة (1) ، بمعزل عن الإمام (علي بن أبي طالب) ، لمصلحة قبيلة قريش، بمبايعة الخليفة الأوّل (أبي بكر) على أثر مناورات سياسيّة استخدم فيها منطق قَبَلي، وكادت تؤدّي إلى انشقاق خطير داخل المجتمع الإسلامي الوليد (2) .

وقد كان العامل الأكبر والأبعد أثراً في التّغلّب على فتنة السّقيفة وآثارها الخطيرة هو موقف (علي بن أبي طالب) .

فقد كان الإمام عليّ بمؤهلاته المتفوّقة بشكل مطلق على نخبة الصحابة، وبمواهبه النادرة الفريدة، وبالنّصّ عليه من رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) خليفةً من بعده... كان لذلك كلّه رجل الشرعيّة الإسلاميّة الأصيل.

وكان هذا الوضع الحقوقي المؤاتي بالنّسبة إليه يخوّله حقّ المعارضة، ونقض القرار والإنجاز الّذي اتُّخذ خارج الشّرعيّة في اجتماع السّقيفة، سعياً وراء حقّه في تسلّم السّلطة.

____________________

1 - سقيفة بني ساعدة: مكان مسقوف بسعف النّخل في المدينة (يثرب) ، وكانت مجمع الأنصار بعد الإسلام، ودار ندوتهم لفصل القضايا وإجراء المناورات.

2 - يُراجع للمؤلِّف: نظام الحكم والإدارة في الإسلام.

كما يراجع للمؤلّف أيضاً: ثورة الحسين / ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة (الطبعة الخامسة) الفصل الأوّل.

١٣٠

ولكن هذا الوضع الحقوقي النّظري بالنّسبة إليه، كان يواجه وضعاً اجتماعيّاً وسياسيّاً واقعيّاً.

فمِنْ ناحيةٍ كان المجتمع الإسلامي الوليد لا يزال مجتمعاً هَشّاً من حيث التّلاحم الدّاخلي النّاشئ عن العقيدة الواحدة؛ لأنّ القِيَم الجاهليّة كانت لا تزال سائدة في الحياة العامّة للقبائل الّتي دخلت في الإسلام في (عام الوفود) قبل وفاة النّبي (صلّى الله عليه وآله) بسنة وأشهر - أو أقل من سنة بالنّسبة إلى إسلام بعض هذه القبائل - وكانت هذه القِيَم الجاهليّة في أحسن الحالات مستكنّة تحت قشرة رقيقة من الإسلام، وكان لا بدّ من مضيّ وقت طويل قبل أنْ تذبل هذه القِيَم الجاهليّة وتفقد حرارتها وفاعليّتها.

وفي حالة كهذه كان أيّ عمل سياسي يتّسم بطابع العنف سيؤدّي في الراجح إلى تصدّع خطير في بُنْيَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وقد يؤدّي إلى رِدّة واسعة النّطاق في أوساط حديثي العهد بالإسلام.

ومن ناحية أخرى كان فريق من القبائل قد ارتدّ فعلاً عن الإسلام، واتّبع بعض أدعياء النّبوة، وغدا يُشكّل تهديداً حقيقيّاً للإسلام حين انتشرتْ ظاهرة التّنبّؤ، واتّجه قادتها إلى تحالف يوحّد قواهم، فسيطروا على (اليَمَن) تقريباً في الجنوب، وعلى مساحات واسعة من (الحجاز ونجد) في الشّمال.

وقد اتّجه الإمام عليّ إلى المعارضة والاحتجاج أوّل الأمر، ورفض الاعتراف بالنّتيجة الّتي أسفر عنها اجتماع السّقيفة، واعتصم في منزله، وبدا بوضوح أنّ موقفه سيثير تفاعلات خطيرة في وجه اختيار السّقيفة داخل المدينة وخارجها... ولكنّ الإمام عليّاً سرعان ما واجه الواقع السّياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي الوليد، والأخطار الّتي ربّما تعرّض لها الإسلام نفسه نتيجةً لهذا الموقف.

ولو لم يكن (عليّ بن أبي طالب) رجل العقيدة الأوّل، ورجل الرّسالة الأوّل، الأكثر وعياً والأعظم شعوراً بالمسؤوليّة، لَمَا ألقى بالاً إلى الواقع السّياسي والاجتماعي للإسلام، وَلَمَضَى في معارضته إلى نهايتها، مستغِلاًّ الواقع السّياسي والاجتماعي في سبيل نجاح مسعاه للوصول إلى السّلطة.

ولكنّه كان بالفعل رجل العقيدة الأوّل، ورجل الرّسالة الأوّل، وأعظم المسلمين

١٣١

إطلاقاً، شعوراً بالمسؤوليّة تجاه الإسلام، وأعظمهم حرصاً على ازدهاره وانتشاره وتعمّقه في العقول والقلوب.

ومن المؤكّد أنّ الحكم عنده لم يكن مطلباً شخصيّاً، بل وسيلة إلى بلوغ غاية تتجاوز الأشخاص والأجيال والمصالح الخاصّة؛ لتعمّ وتشمل ما بقي من عمر الدّنيا، وما تضمره القرون المقبلة من أجيال في كلّ الأوطان وفي كلّ الأمم.

إنّ عليّاً، بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) - كان أب الإسلام، وقد تصرّف تصرّف الأب الحريص، فتحمّل بصبر جميل نبيل جراحه الشّخصيّة وحرمانه في سبيل قضيّة حياته الكبرى، قضيّة الإسلام.

ولا شكّ في أنّ جميع المسلمين كانوا يعرفون هذه الحقائق في شخصيّة وضمير الإمام عليّ، ويبدو أنّ منافسيه السّياسيّين قاموا بمغامرتهم النّاجحة (1) معتمدين على جملة معطيات من جملتها: ثقتهم بأنّ الإمام سيقدّم مصلحة الإسلام العليا على مصالحه الخاصّة.

لقد أشار الإمام في كتاب له بعث به إلى أهل مصر مع (مالك الأشتر) لمّا ولاّه إمارتها، إلى العامل السّياسي الّذي حال دون مضيّه في المعارضة، فقال:

(... فأمسكتُ يدِي (2) حتَّى رأيتُ راجِعةَ النّاسِ (3) قد رجعت عنِ الإسلامِ، يدعُونَ إلى محقِ دِينِ مُحمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، فخشِيتُ إنْ لم أنصُرِ الإسلام وأهلهُ أنْ أرى فِيه ثلْماً (4) أو هدْماً تكُونُ المُصِيبةُ بِهِ عليَّ أعظمَ مِن فوتِ ولايتِكُمُ التي إنَّما هيَ متاعُ أيَّامٍ قلائلَ يزُول مِنهَا ما كانَ كمَا يزُولُ السَّرابُ، أو كما يتقشَّعُ السَّحابُ فنهضتُ في تِلك الأحداثِ حتَّى زاح (5) الباطِلُ

____________________

1 - ممّا يوحي بشعور الجميع آنذاك بخطورة الإجراء الّذي اتّخذوه واشتماله على درجة كبيرة من المغامرة قول الخليفة (عمر بن الخطّاب) في خلافته في تحذير غير مباشر وجّهه إلى (طلحة والزّبير) وغيرهما لَمّا نمي إليه عنهم من آراء تتّصل بطريقة انتقال السّلطة على الأسلوب الّذي تمّ في السّقيفة (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها) .

2 - أمسكتُ يدي: توقّفتُ عن المشاركة في الموقف الرّاهن.

3 - راجعة الناس: الرّاجعون عن الإسلام، المرتدّون.

4 - ثلْماً: خرْقاً وانتهاكاً.

5 - زاح: ذهب وزال.

١٣٢

وزَهقَ (1) ، واطمأنَّ الدِّينُ وتنهنه (2) ). (3)

وقد خيّب موقفه المبدئي الرّسالي آمال كثيرين ممّن كان إسلامهم موضع شكّ، أو كانوا مسلمين مخلصين ولكنّهم ينظرون إلى مسألة الحكم من زاوية المصالح القبليّة والعائليّة؛ نتيجة لافتقارهم إلى النّضج والوعي.

وقد حاول بعض هؤلاء أنْ يحملوه على تغيير موقفه المبدئي الرّسالي، ولكنّه رفض محاولاتهم، مصرِّحاً بأنّ الموقف موقف فتنة، داعياً إلى النّظر في الموقف وفقاً لمقياس عقيدي إسلامي مبدئي، والابتعاد عن المنظور الجاهلي القَبَلي الّذي بَدَتْ سماته في تلك المحاولات.

وقد صرّح بذلك في مواقف كثيرة، منها قوله مخاطِباً الناس حين دعاه (أبو سفيان بن حرب، والعبّاس بن عبد المطلب) إلى أنْ يُبَايِعَا له بالخلافة:

(أيُّها النّاسُ، شُقُّوا أمواجَ الفِتنِ بِسُفُنِ النَّجاةِ، وعرِّجُوا عن طرِيقِ المُنافرِةِ (4) وضعُوا تِيجانَ المُفاخرةِ. أفلحَ مَن نهض بِجناحِ، أو استسلم فأراح. هذا ماء آجِن (5) ، ولُقمَة يغصُّ بِها آكِلُها. ومُجتنِي الثَّمرةِ لِغيرِ إيناعِها (6) كالزَّارِعِ بِغيرِ أرضِهِ) (7) .

***

والسّمات الّتي تميّز الفتنة العارضة، فيما نستفيده من جملة ما ورد عن الإمام عليّ في هذا الشّأن، ومن الدّراسة التّاريخيّة،... أربع:

1 - تتولّد أزمة سياسيّة، قد تكون بسبب أحداث صغيرة، تكون غالباً غير مخطّط لها، بل عَرَضِيَّة، ولكن سرعان ما تدخلها بعض القوى الاجتماعيّة ذات الأهداف السرِّيّة

____________________

1 - زهق: مات، يعني هنا: زال الباطل تماماً.

2 - تنهنه: انتعش.

3 - نهج البلاغة، باب الكتب، رقم النّصّ: 62.

4 - عرّج عن الطّريق: تنحّى عنها. يعني تنحّوا عن الأسلوب الجاهلي في الصّراع السّياسي وهو المنافرة والمفاخرة.

5 - الآجن: الماء الّذي تغيّر لونه وفسدت رائحته ولم يعد صالحاً للشرب، يعني بذلك الأسلوب السّياسي الجاهلي.

6 - الإيناع: النّضج والصّلاحيّة للأكل.

7 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 5.

١٣٣

المخالفة لنظام المجتمع في نطاق خططها، للاستفادة منها ومن تلك الأزمة السّياسيّة، في سبيل الوصول إلى أهدافها.

وقد تتولّد الأزمة السّياسيّة بسبب أحداث ذات شأن كبير ومخطّط لها - كما حدث في السّقيفة - ولكن الجماعات الّتي تصنع الحدث لا تستثمره لأهداف مخالفة لنظام المجتمع العام والسّائد، بل تكون عازمة على الانسجام مع نظام المجتمع، ساعيةً إلى تعزيزه وِفقاً لفهمها الخاص، عاملةً على أنْ يكون ذلك من خلال سلطتها هي.

2 - في الحالتين الآنفتَين تُحرّك الفتنة العارضة بعض القِيَم القديمة الّتي قضى عليها النّظام الجديد:

- إمّا بسبب ضعف رقابة النظام؛ لانشغال أجهزته بالمشكلات السّياسيّة الآنيّة.

- أو بسبب التسامح مع بعض القوى السّياسيّة غير الواعية؛ لأجل كسب ولائها في الصّراع السّياسي الدّائر.

ولكن هذه القِيَم القديمة، في جميع الحالات، لا تعود سافرة صريحة، إنّما تعود مُمَوَّهة بشعارات جديدة.

3 - (في الغالب) تتولّد الأحداث الّتي تكوّن مناخ الفتنة من مشكلات يُثيرها أشخاص عاديّون، أو ذَوُو قيمة ثانويّة في السُلَّم الاجتماعي، كما أنّها تقع على أشخاص من هذا القبيل، كما هو الحال في فتنة النّزاع على الماء بين (الغفاري والجهني) ، ولكن علاقات الدّم والصّداقة والمصالح والمطامح سرعان ما (تُسَيِّس) الأحداث وتستغلّها.

وقد يحدث أنْ تتولّد الأحداث من مشكلات يثيرها أشخاص ذَوُو شأن كبير في المجتمع، أو تصيب هذه الأحداث أشخاصاً من هذا النّوع، كما هو الحال في حادثة (الإفك) وفي أحداث (السّقيفة) .

4 - تواجه القيادة الحقيقيّة الشّرعيّة هذه الفتنة بسياسة تَتَّسِم بالهدوء، وروح المسؤوليّة العالية، وتتجنّب اتّخاذ أيّة إجراءات أو مواقف انفعاليّة وانتقاميّة، لِمَا يؤدّي إليه ذلك من عواقب خطيرة تزيد الموقف تعقيداً والفتنة استحكاماً، وتُتِيح للقوى الخفيّة المعادية للنّظام (المنافقون - مثلاً - في المجتمع الإسلامي) أنْ تستغل الوضع الطّارئ لتحقيق أهدافها / لاحظ السّمة رقم (1).

وبدلاً من مواجهة أحداث الفتنة العارضة بالعنف والانفعال، تحرص القيادة على

١٣٤

مواجهتها بأسلوب يعطي الأولويّة في الحلّ لمصلحة القضايا المبدئيّة والعامّة، لا للجانب الشّخصي والعائلي.

هذه هي - فيما نرى - أبرز سِمات الفتنة العارضة.

ج - الفتنة الغالبة:

هذا النوع الثّالث من أنواع الفتنة، هو - كما يدلّ عليه الوصف الّذي اخترناه له - دون الفتنة الشّاملة، وفوق الفتنة العارضة.

وقد تنشأ الفتنة الغالبة من تدهور سياسي (عقيدي / تشريعي) كبير يحلّ بالمجتمع أثناء حركته الانبعاثيّة، أو بعد بلوغه الذّروة.

كما قد تنشأ من فتنة عارضة تهمل القيادة جانب الحكمة في مواجهتها، أو تغفل عنه، فتتعاظم عثرة المجتمع، وتتغذّى الحالة الانحرافيّة بالتّناقضات المستكنّة في أعماق التّركيب الاجتماعي، كما أنّها تتغذّى بالقِيَم القديمة الّتي أجبرها النّظام الجديد على أنْ تنسحب من دائرة العمليّات الاجتماعيّة إلى الظّلام.

وتفشل النّخبة في علاج العثرة بسبب عجز هذه النّخبة، أو بسبب تناحر أجنحتها وانحياز بعض الأجنحة إلى خطّ الانحراف.

وعامل الزّمن في مصلحة الانحراف، فكلّما مضى على الانحراف يوم دون أنْ يوضع له حد ودون أنْ يقوّم، يزداد رسوخاً وتمكّناً، ويستوعب مساحة جديدة من المجتمع، ويكوّن لدى مزيد من النّاس قناعات في صالحه، بينما تزداد النّخبة عجزاً، وعزلةً، وتفقد مزيداً من مواقعها.

وقبل مضيّ زمن طويل على الانحراف - الّذي أنشب مخالبه في كيان المجتمع، وفشلتْ النّخبة في القضاء عليه - يشيع هذا الانحراف، ويطبع كثيراً من أوجه الحياة، ويغدو عرفاً أو قانوناً أو سنّة متّبعة، تحميه وتصونه قناعات تتأصّل في الثّقافة، وتغدو جزءاً من تكوين المجتمع الثّقافي.

قلنا:

إنّ هذا يحدث قبل مضيّ زمن طويل على حدوث الانحراف؛ لأنّ الانحراف عادةً يكون إلى جانب اليُسر والسهولة والحياة الهيّنة، وهذا ما يغري بالاتّباع؛

١٣٥

لأنّه أوفق بهوى النفوس، وأَبْعد عن التّبِعَة والتّضحية.

ولكنّ الانحراف (الفتنة) لا يبلغ درجة الشّمول واستيعاب كلّ مؤسّسات المجتمع، ولا يستطيع أنْ يغيّر بُنْيَتَه الثّقافيّة من جميع وجوهها، ولا يقدر على أنْ يستوعب في مفاهيمه وقِيَمِهِ الجديدة المبتدعة أو القديمة المحياة كلّ الفئات الاجتماعيّة، ومِن ثمّ فهو لا يستطيع أنْ يقضي نهائيّاً على حركة المجتمع التقدّميّة:

- إنّه يعوّقها ولكنّه لا يعطّلها.

- يشوّهها ولا يَمْسخها.

- إنّه لا يبلغ درجة الفتنة الشّاملة، وإنّما يكون فتنة غالبة.

تبقى مع الانحراف الغالِب روح الطّهارة والأصالة شائعة في المجتمع بوجهٍ عام، تغذّي حركته التّقدميّة في أكثر من وجه من وجوه حياته ونشاطاته، وإنْ كانت هذه الرّوح تتعرّض دائماً للنّكسات بالنّسبة إلى عامّة المجتمع، ولكنّها تبقى على وهجها الكامل وفاعليّتها الكاملة في جماعات قد تكون محدودة وصغيرة، منبثّة في ثنايا المجتمع سَلَِمْت من الانحراف فلم ينل منها شيئاً، وبقيتْ ثابتة على الصّراط المستقيم.

هذه الجماعات الأصيلة الطّاهرة هي طليعة الكفاح ضدّ الفتنة الغالبة في داخل المجتمع.. هي الّتي تحول بين الفتنة وبين أنْ تستوعِب كلّ المجتمع وتغدو شاملة، وهي الّتي بكفاحها الدّائب الصّبور تحول بين الفتنة وبين التمكّن والاستقرار، وتجعلها في حالة حرب مستمرّة.

ومِن هنا فإنّ المجتمع في حالة الفتنة الشّاملة يتمتّع باستقرار وثبات؛ نتيجةً لتناغم المؤسّسات مع القِيَم مع القناعات الشّعبيّة مع الثّقافة العامّة، فهذه كلّها تتكامل وتتساند، وتتوفّر نتيجةً لذلك حالة من التّوازن توفّر بدورها استقراراً وثباتاً.

أمّا في الفتنة الغالبة فإنّ الأمر على خلاف ذلك؛ لأنّه يوجد تنافر قليل أو كثير بين المؤسّسات والقِيَم والقناعات والثّقافة، وهذا يؤدّي إلى أنْ يعاني المجتمع باستمرار من القلق والفوران والتمزّق؛ نتيجةً لوجود القوى المناهضة للفتنة، هذه القوى الّتي تضطرّ حركتها الأصيلة المناهضة نظام الفتنة إلى أنْ يتحرّك ضدّها.

***

والفتنة الغالبة - في عالم الإسلام - هي الفتنة الّتي استفحلتْ في آخر عهد الخليفة (عثمان بن عفان) ، وقاد الإمام (علي بن أبي طالب) حركة التّصدّي لها طيلة السّنيّ

١٣٦

الأخيرة من حياته... واستمرّت بعد استشهاده، وزادتْ ضراوةً وعنفاً حين فترتْ الهِمَم، وتَقَاعَسَتْ العزائم عن التّصدّي الفعّال لها، فانتصرتْ وسادتْ - قبل عهد الثّورات - حركة الرّدّة.

* ومن هنا فقد كثر كلام الإمام عليّ عن هذه الفتنة من جميع وجوهها: نعرض أسباب وبدايات حدوثها، وآليّة حركتها، والموقف منها:

أ - كيف تبدأ الفتنة؟

كيف تبدأ الفتنة؟

قال عليه السلام:

(إنّما بدءُ وُقُوعِ الفِتَن أهواء تُتَّبَعُ، وأحكام تُبْتَدَعُ، يُخالَفُ فيهَا كِتابُ اللّه، ويتولَّى عليها رِجال رِجالاً على غير دينِ اللّه. فلو أنَّ الباطِلَ خلصَ مِن مِزَاجِ الحقِّ لَمْ يخفَ على المُرْتَادِين (1) ولو أنَّ الحقَّ خلصَ مِن لبسِ الباطِلِ انقطعتْ عنهُ ألسُنُ المُعاندينَ (2) ولكِن يُؤخذُ مِن هذا ضِغث (3) وَمِنْ هذا ضِغْث فيُمْزَجانِ فهُنالك يَستَولي الشَّيطانُ على أوليائهِ. وينجُو:

( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) (4) ) (5) .

هذا النّصّ يكشف عن عامِلَين يكوّنان الفتنة الغالبة:

أحدهما:

تغليب المقياس الذّاتي في القِيَم على المقياس الموضوعي: (أهواء تُتَّبَع).

فبدلاً منْ أن يكون المرجع في القِيَم النّظام العقيدي والتّشريعي للمجتمع، يتجاوز روّاد الفتنة هذا النّظام فيرجعون إلى النّوازع الذّاتيّة والعاطفيّة والمصلحيّة، فتكون هي المقياس بالمعتمد وهو المرجع الأخير في القِيَم والسّلوك، وعلى ضوء ما تُمْليه تُتَّخذ المواقف من الأحداث والأشخاص.

____________________

1 - المرتاد: الطّالب.

2 - اللّبس: الملابسة والمخاطبة.

3 - الضّغث: من الحشيش القبضة منه. يعني يخلط شيء من الحقّ بشيء من الباطل فيشتبه أمرهما وتحصل الفتنة.

4 - سورة الأنبياء: (مكِّيّة / 21) الآية 101.

5 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 50.

١٣٧

ثانيهما:

سقوط القانون وانتهاك حرمته على الصّعيد العملي: (... وأحكام تُبْتَدَعُ، يُخالَفُ فيهَا كِتابُ اللّه)، وتغلّب العامل الشخصي بالإحتيال على الشّرعية القانونيّة الّتي يحتفّظ لها المفتونون بالاحترام النّظري، ويتظاهرون بتطبيقها، بينما هي على الصّعيد العملي تنتهك كلّما تمكّن الأقوياء من انتهاكها.

هذان العاملان:

- سقوط المقياس الموضوعي في القِيَم على صعيد الأخلاق والعلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة.

- وسقوط الشّرعيّة القانونيّة على صعيد المؤسّسات العامّة والعلاقات والوضعيّة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

هذان العاملان هما جوهر الفتنة الغالبة.

ويحدث حينئذٍ أنْ تتكوّن القناعات الموالية للفتنة الغالبة لدى فئات اجتماعيّة جديدة: (... ويتولَّى عليها رِجال رِجالاً على غير دينِ اللّه) يتعزّز بها موقع الانحراف في المجتمع، ويعمّق رسوخه في القلوب والعقول، ويتّسع مداه فيشمل مساحات جديدة من الحياة.

ولكنّ الفتنة - كما ذكرنا آنفاً - لا تبلغ درجة الشّمول، بل يبقى للحقّ في المجتمع سلطان، ويبقى للشّرعيّة في المجتمع أعوان، هم: ( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) وهم الّذين يقودون حركة الكفاح ضدّ الباطل والفتنة من أجل الحقّ الخالص الّذي لا يلتبس بالباطل.

***

ب - كيف تتحرّك الفتنة وتنمو؟

ويصف الإمام في نصّ آخر كيف تبدأ الفتنة، ويُصوِّر آليّة حركتها وانتشارها في المجتمع، وذلك في سياق وصفه للفتنة الغالبة الّتي كانت نذرها تطلّ على المجتمع الإسلامي في عهده:

١٣٨

(... ثُمَّ إنَّكُم معشَرَ العربِ أغراضُ بلايا قدِ اقتربَت، فاتَّقُوا سكراتِ النِّعمَةِ واحذرُوا بوائقَ النقمةِ (1) ، وتثبَّتُوا في قتامِ العِشوةِ (2) واعوِجاجِ الفِتنةِ عندَ طُلُوع جنِينها، وظُهُورِ كمينها، وانتِصابِ قُطبِها ومدارِ رَحاها. تبدأُ في مدارجَ خفيَّةٍ، وتؤُولُ إلى فظاعةٍ جليَّةٍ. شِبابُها كشِبابِ الغُلام (3) ، وآثارُها كآثارِ السِّلامِ (4) يتوارثُها الظَّلمَةُ بِالعُهُودِ، أوَّلُهُم قائد لآخِرِهِم، وآخِرُهُم مُقتدٍ بِأوَّلهِم. يتنافَسُون في دُنيا دنِيَّةٍ، ويتكالبُون على جِيفةٍ مُريحَةً (5) . وعن قلِيلٍ يتبرَّأُ التَّابعُ مِن المتبُوع، والقائدُ من المَقُودِ، فيتزايلُونَ بِالبَغضاءِ (6) ويتلاعنُونَ عِندَ اللِّقاءِ) (7) .

في هذا النّصّ صورّ الإمام آليّة حركة الفتنة، ونموّها وانتشارها في المجتمع، فأبرز الملامح التّالية:

1 - إنّ شيوع روح التّرف في المجتمع، واستغراق النّخبة في التّرف يؤدّيان بالمجتمع إلى أنْ يَفقد روحَه النّضاليّة الرّساليّة، ويحرص على حياته الهيّنة النّاعمة، وعلى توفير الوسائل الملائمة لبلوغ مستوى من الحياة أكثر نعومةً وَلِيْنَاً.

كما أنّ النّخبة في هذه الحالة تُصاب بالتّرهّل والعجز والجبن.

وشيوع هذه الرّوح - روح التّرف - في مجتمع لا يزال في مرحلة تكوين نفسه، ومحاطٌ بالقوى المضادّة الخائفة، ويحتوي تركيبه الدّاخلي على نقاط ضعف ناشئة من كونه يضمّ جماعات لم تتمثّل بعدُ بدرجة مرضيّة وعميقة رسالته الّتي يعتنقها ويبشّر بها... شيوع هذه الرّوح في مجتمع كهذا - وهو ما كانه المجتمع الإسلامي في ذلك الحين - يجعله مهيّأً لنموّ روح الفتنة فيه وانتشارها.

لقد حذّر الإمام من هذا بقوله: (فاتَّقُوا سكراتِ النِّعمَةِ...).

____________________

1 - البوائق: جمع بائقة، وهي الواهية، والمصيبة الكبيرة.

2 - القتام: الغبار، العشوة: الظلام. يعني أنّ الموقف الآتي شديد الإلتباس؛ لأنّه مظلم في نفسه، ويثور مع ذلك حوله الغبار. ويعني بذلك الفتنة الآتية.

3 - شباب الغلام: فتوّته وعنفوانه، والفتنة تبدأ هكذا ذات عنفوان.

4 - السّلام: الحجارة الصّمّ، وأثرها في الأبدان الجرح والكسر.

5 - مريحة: منتنة.

6 - يتزايلون: يتفارقون وينفصل بعضهم عن بعض.

7 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 151.

١٣٩

2 - تقع في الحياة العامّة أحداث، أو يواجه المجتمع حالات معيّنة، تسبّب - هذه أو تلك - التباساً في طريقة التّعامل مع بعض المفاهيم الرّساليّة ومفاهيم المعتقد على ضوء الواقع الّذي حصل، مثلاً: التّغيّرات الّتي نشأت نتيجةً لتوسّع حركة الفتح في إيران والمستعمرات البيزنطيّة... والاحتكاك بالحضارتَين الإيرانيّة، والرّومانيّة - الشّرقيّة - أو الحيرة الّتي نشأت نتيجةً لمقتل الخليفة (عثمان بن عفان) ...

في هذه الحالات قد تَتّخذ النّخبة أو القيادة السّياسيّة للمجتمع قرارات مرتجلة، وتخضع لآليّة الفعل وردّ الفعل، بعيداً عن التروّي مثلاً: كالّذي حدث عند مطالبة الإمام عليّ بعد البيعة فوراً بأنْ يقبض على المتّهمين بقتل (عثمان) ويعاقبهم، فقد قال له قومٌ من الصّحابة: لو عاقبت قوماً مِمَّن أجلب (1) على عثمان؟ فقد أجابهم الإمام جواب رجل الدّولة المسؤول النّاظر إلى عواقب الأمور، البعيد عن الانفعال: (يَا إخوَتاهُ! إنِّي لستُ أجهلُ ما تعلمُونَ، ولكِن كيف لي بِقُوّةٍ والقومُ المُجلبُون على حدِّ شوكتِهِم (2) يملِكُوننا ولا نملِكُهُم! وها هُم هؤُلاء قد ثارت معهُم عبدانُكُم، والتفَّت إليهم أعرابُكُم (3) وهُم خِلالَكم (4) يسُومُونكُم ما شاؤوا (5) وهل ترون موضِعاً لِقُدرةٍ على شيءٍ تُريدُونهُ! إنّ هذا الأمر أمرُ جاهليَّةٍ، وإنَّ لهؤُلاء القومِ مادَّةً (6) . إنَّ النَّاس من هذا الأمرِ إذا حُرِّك على أُمُورٍ: فِرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترونَ، وفِرقة لا ترى هذا ولا ذاك. فاصبِرُوا حتَّى يهدأ النَّاسُ، وتقع القُلُوبُ مواقِعها (7) وتُؤخذَ الحُقُوقُ مسمحَةً (8) ).

(فاهدأُوا عنّي، وانظُرُوا ماذا يأتيكُم بِهِ أمري، ولا تفعلُوا فعلَةً تُضعضِعُ قُوةً، وتُسقِطُ مُنِّةً (9) ، وتُورِثُ وهناً وذِلّةً. وسأُمسِكُ الأمر ما استمسك، وإذا لم أجِد بُدَّا فآخِرُ الدَّواءِ الكيُّ) (10) .

____________________

1 - أجلب عنه: أعان عليه.

2 - على حدّ شوكتهم: الشّوكة الشّدّة، أي لم يضعف هَيَجَانهم.

3 - التفّت: انضمّت إليهم واختلطت بهم.

4 - وهم خلالكم: أي بينكم.

5 - يسومونكم. . يكلّفونكم بما يريدون من الأفعال والمواقف.

6 - مادّة: مدداً وأنصاراً.

7 - تقع القلوب مواقعها: تهدأ وتستقر بعد اضطرابها بسبب هَيَجَان الفتنة.

8 - مسمحة: أي سهلة ميسّرة وهذا حين تهدأ العواطف، ويثوب النّاس إلى المنطق والقانون.

9 - المنّة: القوّة والقدرة، ينهاهم عن الأعمال المرتجلة المتسرّعة الّتي تسبّب انشقاقاً وتمزّقاً في المجتمع يضعفه ويُوهن قوّته.

10 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 168.

١٤٠