بالمسلمين، منذ النّصف الثاني من خلافة
(عثمان)
.
ولولا توجيه
(عليٍّ)
الفكري، ومواقفه السّياسيّة، ومواجهته العسكريّة للفتنة في شتّى مظاهرها الفكريّة والسّياسيّة والعسكريّة لَتشوّه الإسلام، وانْمسخ، وتقلّص. ولكنّ الإمام عليّاً، بموقفه الواضح الصّريح الرّافض لأيّة مساومة، كان المنقذ الّذي كشف الفتنة ودعاتها، ووضع المسلمين جميعاً أمام الخيار الكبير:
مع الفتنة أو ضدّها؟
ولا يهمّ بعد ذلك أنّ الفتنة حازتْ إلى جانبها جمهوراً كبيراً من النّاس، المهم أنّها افتضحتْ، وبافتضاحها سلم الإسلام من التّشوّه ومن خطر التّزوير، وكان على الّذين انحرفوا أنْ يجدوا لأنفسهم مبرّرات.
وقد كان توقّع نشوء الفتنة، والخوف منها ومن أفاعليها وعواقبها، هاجساً عامّاً عند المسلمين. يكشف عن ذلك السّؤال عنها، وعن الموقف الصّواب منها، وكثرة حديث الإمام عن أخطارها وملابساتها.
وقد كان الإمام عليّ بـ:
- روحانيّته العالية السّامية.
- وإسلاميّته الصّلبة الصّافية.
- وروحه الرّساليّة الّتي تفوّق بها على جميع معاصريه.
- وحكمته وشجاعته.
- وسيرة حياته الناصعة الّتي ابتدأت بالإسلام...
كان هو الرّجل الوحيد المرصود لمواجهة الفتنة، وإنقاذ الإسلام منها.
لقد أعلمه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بذلك، وأدرك هو دوره من خلال رَصْده لحركة المجتمع التّاريخيّة.
وهذا نصّ عظيم الأهمّيّة يكشف لنا عن الدّور المرصود للإمام عليّ في مواجهة الفتنة، يتضمّن الرّؤية النّبويّة لمستقبل الحركة التّاريخيّة من جهة، والرّؤية النّبويّة لدور الإمام عليّ في هذه الحركة.
وقد أورد
(الشّريف الرّضي)
هذا النّصّ، كما أورده
(ابن أبي الحديد)
في شرحه (٩ / ١٠٥ - ١٠٧) برواية الشّريف وبرواية أخرى أكثر بسطاً. ويبدو أنّ الرّواية الأخرى تقريريّة حدّث بها الإمام، ورواية الشّريف خطابيّة، جاءت جواباً منه على سؤال، فقد قام إليه رجل - وهو يخطب - فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرنا عن الفتنة، وهل