الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 89546
تحميل: 4992


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89546 / تحميل: 4992
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

*(الشاعر) *

أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد الله(١) الكاتب النحويّ المصريّ الملقَّب بالمفجَّع. أوحديٌّ من رجالات العلم والحديث، وواسطة العقد بين أئمَّة اللغة والأدب، وبيت القصيد في صاغة القريض، ومن المعدودين من أصحابنا الإماميَّة، مدحوه بحسن العقيدة، وسلامة المذهب، وسداد الرأي، وكان كلُّ جنوحه إلى أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام، وقد أكثر في شعره من الثناء عليهم؛ والتفجّع لما انتابهم من المصائب والفوادح، فلم يزل على ذلك حتّى لقّبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بـ[المفجع] وإليه يوعز بقوله:

إن يكن قيل لي: المفجَّع نبزاً

فلعمري أنا المفجَّع همّا

ثمَّ صار لقباً له حتّى عند أوليائه لذلك السبب المذكور كما قاله النجاشي والعلّامة؛ ولبيت قاله كما في «معجم الشعراء» للمرزباني ص ٤٦٤، وكأنَّه يريد البيت المذكور.

ثمَّ أنَّ المصرَّح به في معجمي الشعراء والأُدباء للمرزباني والحموي، والوافي بالوفيات للصفدي: إنَّ المترجَم من المكثرين من الشعر، وذكر إبن النديم أنَّ شعره في مائة ورقة، ويؤكِّده ما قاله النجاشي والعلّامة من أنَّ له شعراً كثيراً في أهل البيت عليهم السَّلام، وهو الذي يُعطيه وصفهم له من أنَّه كان كاتباً شاعراً بصيراً بالغريب كما في «مروج الذهب»، ومن أنَّه من وجوه أهل اللغة والأدب، وقال أبو محمّد إبن بشران(٢) : كان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنَّفات وشعره مشهورٌ، وكان أبو عبد الله الأكفاني راويته، وكتب لي بخطِّه من مليح شعره شيئاً كثيراً، وشعره كثيرٌ حسنٌ، وله في جماعة من كبار أهل الأهواز مدائح كثيرة وأهاجٍ، وله قصيدةٌ في أبي عبد الله إبن درستويه يرثيه فيها وهو حيٌّ يقول فيها ويلقِّبه بدهن الآجر.

مات دهن الآحر فاخضرَّت الأر

ض وكادت جبالها لا تزولُ

_____________________

١ - عبيد الله في معجم الأدباء.

٢ - حكاه الحموي في معجم الأدباء عن تاريخه ونحن نذكره ملخصاً.

٣٦١

ويصف أشياء كثيرة فيها، وكان يُكثر عند والدي ويُطيل المقام عنده وكنت أراه عنده وأنا صبيٌّ بالأهواز؛ وله إليه مراسلات وله فيه مدحٌ كثيرٌ كنت جمعتها فضاعت أيّام دخول إبن أبي ليلى الأهواز ونهب [روزناماتها](١) وكان منها قصيدةٌ بخطِّه عندي يقول فيها:

لو قيل للجود: مَن مولاك قال: نعم

عبد المجيد المغيرة بن بشران

وأذكر له من قصيدة أُخرى:

يا مَن أطال يدي إذ هاضني زمني

وصرت في المصر مجفوّاً ومطَّرحا

أنقذتني من أُناس عند دينهمُ

قتل الأديب إذا ما علمه اتَّضحا

لقي المفجّع ثعلباً وأخذ عنه وعن غيره، وكان بينه وبين إبن دُريد مهاجاة كما في «فهرست» إبن النديم، و«الوافي بالوفيات» للصفدي، ويقوى القول ما في «مروج الذهب» من أنّه صاحب الباهليّ المصريّ الذي كان يناقض إبن دريد. غير أنَّ الثعالبي ذكر في «اليتيمة» أنّه صاحب إبن دريد، وقام مقامه في التأليف والإملاء.ولعلّهما كانتا في وقتين من أمد تعاصرهما.

يروي عنه أبو عبد الله الحسين بن خالويه. وأبو القاسم الحسن بن بشير بن يحيى. وأبو بكر الدوري. وكان يُنادم ويُعاشر من أبي القاسم نصر بن أحمد البصري الخبزأرزي الشاعر المجيد المتوفّى ٣٢٧، وأبي الحسين محمّد بن محمّد المعروف بابن لنكك البصريِّ النحويِّ، وأبي عبد الله الأكفائي الشاعر البصريِّ.

آثاره القيمة

١ - كتاب المنقذ من الإيمان. قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» ١٣٠: يشبه كتاب «الملاحن» لابن دريد وهو أجود منه. ينقل عنه السيوطي في شرح المعنى فوائد أدبيَّة.

٢ - كتاب قصيدته في أهل البيت عليهم السَّلام.

٣ - كتاب الترجمان في معاني الشعر. يحتوي على ثلاثة عشر حدّاً وهي: حدّ

_____________________

١ - جمع «روزنامة» فارسية، يعني: الجريدة اليوميّة.

٣٦٢

الإعراب. حدّ المديح. حدّ البخل. حدّ الحلم والرأي. حدّ الهجاء. حدّ اللغز. حدّ المال. حدّ الاغتراب. حدّ المطايا. حدّ الخطوب: حدّ النبات. حدّ الحيوان. حدّ الغزل. قال النجاشي: لم يعمل مثله في معناه.

٤ - كتاب الإعراب.

٥ - كتاب أشعار الجواري. لم يتمّ.

٦ - كتاب عرائس المجالس.

٧ - كتاب غريب شعر زيد الخليل الطائي.

٨ - كتاب أشعار أبي بكر الخوارزمي.

٩ - كتاب سعادة العرب.

ذكر المرزباني للمفجَّع في مدح أبي الحسن محمّد بن عبد الوهاب الزينبيِّ الهاشمي من قصيدة قوله:

للزينبيِّ على جلالة قدره

خلقٌ كطعم الماء غيرُ مزنَّدِ(١)

وشهامةٌ تقصي الليوث إذا سطا

وندى يغرِّق كلَّ بحر مزبدِ

يحتلُّ بيتاً في ذؤابة هاشم

طالت دعائمه محلَّ الفرقدِ

حرٌّ يروح المستميح ويغتدي

بمواهب منه تروح وتغتدي

فإذا تحيَّف ما له إعطاؤه

في يومه نهك البقيَّة في غدِ(٢)

بضياء سنَّته المكارم تهتدي

وبجود راحته السحائب تقتدي

مقدار ما بيني وما بين الغنى

مقدار ما بيني وبين المربدِ(٣)

وفي «معجم الأدباء» نقلاً عن تاريخ أبي محمّد عبد الله بن بشران أنّه قال: دخل المفجَّع يوماً إلى القاضي أبي القاسم عليِّ بن محمّد التنوخي فوجده يقرأ معاني على العبيسي فأنشد:

_____________________

١ - أي غير بخيل ولا ضيق الحال.

٢ - تحيف: تنقص. ونهك. أفنى

٣ - المربد: فضاء وراء البيوت يرتفق به.

٣٦٣

قد قدم العُجب على الرّويسِ

وشارفَ الوهدُ أبا قبيسِ(١)

وطاول البقل فروع الميسِ

وهبَّت العنز لقرع التيسِ(٢)

وادَّعت الروم أباً في قيسِ

واختلط الناس اختلاط الحيسِ(٣)

إذ قرأ القاضي حليف الكيسِ

معاني الشعر على العبيسي

وألقى ذلك إلى التنوخي وانصرف. قال: ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاءً فكتب إليه:

لو أعرض الناس كلّهم وأبوا

لم ينقصوا رزقيَ الذي قُسما

كان ودادٌ فزال وانصر ما

وكان عهدٌ فبان وانهدما

وقد صحبنا في عصرنا أُمماً

وقد فقدنا من قبلهم أُمما

فما ملكنا هزلاً ولا ساخت الـ

أرض ولم تقطر السماء دما

في الله من كلِّ هالك خلفٌ

لا يرهب الدَّهر مَن به اعتصما

حرٌّ ظننّا به الجميل فما

حقَّق ظنّاً ولا رعى الذَّمما

فكان ماذا ما كلّ معتمد

عليه يرعى الوفاء والكرما

غلطت والنّاس يغلطون وهل

تعرف خلقاً من غلطةٍ سلما؟

من ذا إذا اُعطي السَّداد فلم

يُعرف بذنبٍ ولم يزل قدما؟

شلّت يدي لِمْ جلست عن تفهٍ

أكتب شجوي وامتطي القلما

يا ليتني قبلها خرست فلم

أعمل لساناً ولا فتحت فما

يا زلَّة ما أقلت عثرتها

أبقت على القلب والحشا ألما

من راعه بالهوان صاحبه

فعاد فيه فنفسه ظلما

وله قوله:

لنا صديقٌ مليح الوجد مقتبلٌ

وليس في ودِّه نفعٌ ولا بركه

_____________________

١ - الرويس: تصغير روس. وهو السيئ يقال. رجل روس. أي: رجل سوء. والتصغير للتحقير. الوهد: المنخفض من الأرض.

٢ - الميس: نوع من الكرم. وهبت: نشطت وأسرعت.

٣ - الحيس: تمر يخلط بسمن. وأقط فيعجن وربما جعل فيه سويق فيمتزج.

٣٦٤

شبَّهته بنار الصيف يوسعنا

طولاً ويمنع منّا النوم والحركه

وللمفجَّع كما في شرح إبن أبي الحديد قوله:

إن كنتُ خنتكم المودَّة غادراً

أو حلتُ عن سنن المحبِّ الوامقِ

فمسحت في قبح ابن طلحة إنَّه

ما دل قطُّ على كمال الخالقِ

وله في «معجم الأدباء» ما قاله حين دامت الأمطار وقطعت عن الحركة:

يا خالق الخلق أجمعينا

وواهب المال والبنينا

ورافع السَّبع فوق سبع

لم يستعن فيهما معينا

ومَن إذا قال كن لشيءٍ

لم تقع النون أو يكونا

لا تسقنا العام صوب غيث

أكثر من ذا فقد روينا

وله وقد سأل بعض أصدقائه أيضاً رقعةً وشعراً له يهنَّئه في مهرجان إلى بعض فقصَّر حتّى مضى المهرجان قوله:

إنَّ الكتاب وإن تضمَّن طيّه

كنه البلاغة كالفصيح الأخرسِ

فإذا أعانته عناية حامل

فجوابه يأتي بنجح منفَّسِ

وإذا الرَّسول ونى وقصَّر عامداً

كان الكتاب صحيفة المتلمّسِ

قد فات يوم المهرجان فذكره

في الشعر أبرد من سخاء المفلسِ

فسئل عن سخاء المفلس؟ فقال: يَعد في إفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه، ومن ملحه قوله لإنسان أهدى إليه طبقاً فيه قصب السكر والاُترنج والنارنج:

إنَّ شيطانك في الظر

ف لشيطانٌ مريدُ

فلهذا أنت فيه

تبتدي ثمَّ تعيدُ

قد أتتنا تحفةٌ منـ

ـك على الحسن تزيدُ

طبقٌ فيه قدودٌ

ونهودٌ وخدودُ(١)

وذكر له الوطواط في «غرر الخصايص» ص ٢٧٠ قوله يستنجز به:

أيّها السيِّد عش في غبطة

ما تغنّي طائرُ الأيك الغردْ

_____________________

١ - النهود جمع النهد: الثدي، وأراد بها الاترنج لاستدارته. وخدود: جمع خد. أراد بها النارنج.

٣٦٥

ليَ وعدٌ منك لا تُنكره

فاقضه أنجز حرٍّ ما وعدْ

أنت أحييت بمبذول الندى

سنن الجود وقد كان همدْ

فإذا صال زمانٌ أوسطا

فعلى مثلك مثلي يعتمدْ

م - ذكر له النويري في «نهاية الإرب» ص ٧٧:

ظبيٌ إذا عقرب أصداغه

رأيت ما لا يحسن العقربُ

تفّاح خدَّيه له نضرةٌ

كأنَّه من دمعتي يشربُ

ولد المفجّع بالبصرة وتوفّي بها سنة ٣٢٧ كما في «معجم الأدباء» نقلاً عن تاريخ معاصره أبي محمّد عبد الله بن بشران قال: كانت وفاته قبل وفاة والدي بأيّام يسيرة ومات والدي في يوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة سبع وعشرين وثلثماءة.

وقال المرزباني: إنّه مات في سنة قبل الثلاثين وثلثمائة. وأرَّخه الصفدي في «الوافي بالوفيات» بسنة عشرين وثلثمائة، وكذلك القاضي في «المجالس» والسيوطي في «البغية» وتبعهم آخرون. والمختار ما حكاه الحموي عن تأريخ أبي محمّد إبن بشران.

تجد ترجمة المفجّع في فهرست إبن النديم ١٢٣. فهرست الشيخ ١٥٠. معجم الشعراء للمرزباني ٤٦٤. يتيمة الدهر ٢ ص ٣٣٤. فهرست النجاشي ٢٦٤، مروج الذهب ٢ ص ٥١٩، معجم الأدباء ١٧ ص ١٩٠ - ٢٠٥، الوافي بالوفيات للصفدي ١ ص ١٢٩، خلاصة الأقوال للعلّامة، بغية الوعاة ١٣، مجالس المؤمنين ٢٣٤، جامع الرواة للأردبيلي، منهج المقال ٢٨٠، روضات الجنات ٥٥٤، الكنى والألقاب ٣ ص ١٦٣، الأعلام للزركلي ٣ ص ٨٤٥، آثار العجم ٣٧٧.

٣٦٦

القرن الرابع

١٨

أبو القاسم الصنوبري

المتوفّى ٣٣٤

ما في المنازل حاجةٌ نقضيها

إلّا السَّلام وأدمعٌ نذريها

وتفجّعٌ للعين فيها حيث لا

عيشٌ أُوازيه بعيشي فيها

أبكي المنازل وهي لو تدري الذي

بحث البكاء لكنت أستبكيها

بالله يا دمع السحائب سقنها

ولئن بخلت فأدمعي تسقيها

يا مغرياً نفسي بوصف عزيزةٍ

أغريت عاصيةً على مغريها

لا خير في وصف النساء فأعفني

عمّا تكلّفنيه من وصفيها

يا رُبَّ قافيةٍ حلى إمضاؤها

لم يحل ممضاها إلى ممضيها

لا تطمعنَّ النفس في إعطائها

شيئاً فتطلب فوق ما تُعطيها

حبّ النبيِّ محمَّد ووصيِّه

مع حبِّ فاطمة وحبِّ بنيها

أهل الكساء الخمسة الغرر التي

يبني العلا بعلاهمُ بانيها

كم نعمةٍ أوليت يا مولاهمُ

في حبِّهم فالحمد للموليها

إنَّ السفاه بشغل مدحي عنهمُ

فيحقُّ لي أن لا أكون سفيها

هم صفوة الكرم الذي أصفاهمُ

ودِّي وأصفيت الذي يصفيها

أرجو شفاعتهم فتلك شفاعة

يلتذُّ برد رجائها راجيها

صلّوا على بنت النبيِّ محمَّد

بعد الصَّلاة على النبيِّ أبيها

وابكوا دماء لو تشاهد سفكها

في كربلاء لما ونت تبكيها

تلك الدِّماء لو أنَّها توقى إذن

كانت دماء العالمين تقيها

لو أنَّ منها قطرة تُفدى إذن

كنا بها وبغيرنا نفديها

إنَّ الذين بغوا إراقتها بغوا

مشؤمة العقبى على باغيها

٣٦٧

قُتل ابن من أوصى إليه خير مَن

أوصى الوصايا قطُّ أو يوصيها

رفع النبيُّ يمينه بيمينه

ليرى ارتفاع يمينه رائيها

في موضع أضحى عليه منبِّهاً

فيه وفيه يُبدئ التنبيها

آخاه في «خمٍّ» ونوَّه باسمه

لم يأل في خير به تنويها

هو قال: أفضلكم عليٌّ إنَّه

أمضى قضيَّته التي يمضيها

هو لي كهارون لموسى حبَّذا

تشبيه هارون به تشبيها

يوماه يومٌ للعدى يرويهمُ

جوراً ويومٌ للقنى يرويها

يسع الأنام مثوبة وعقوبة

كلتاهما تمضي لما يمضيها

[إلى آخر القصيدة ٤٢ بيتاً]

وله من قصيدة ذكرها صاحب «الدرِّ النظيم في الأئمَّة اللهاميم»:

هل أُضاخ كما عهدنا أُضاخا؟(١)

حبَّذا ذلك المناخ مناخا

يقول فيها:

ذكر يوم الحسين بالطفِّ أودى

بصماخي فلم يدع لي صماخا

متبعات نساؤه النوح نوحاً

رافعات إثر الصراخ صراخا

منعوهُ ماء الفرات وظلّوا

يتعاطونهُ زلالاً نُقاخا(٢)

بأبي عترة النبيِّ وأُمِّي

سدَّ عنهم معاندٌ أصماخا

خير ذا الخلق صبيةً وشباباً

وكهولاً وخيرهم أشياخا

أخذوا صدر مفخر العزِّ مذ كا

نوا وخلّوا للعالمين المخاخا

النقيّون حيث كانوا جيوباً

حيث لا تأمن الجيوب اتِّساخا

يألفون الطوى إذا ألف النّا

س اشتواءً من فيئهم واطِّباخا

خُلقوا أسخياء لا مُتساخيـ

ـن وليس السخىُّ من يتساخى

أهل فضل تناسخوا الفضل شيئاً

وشباباً أكرم بذاك انتساخا

بهواهم يزهو ويشمخ من قد

كان في النّاس زاهياً شمّاخا

_____________________

م (١) اضاخ: جبل يذكر ويؤنث).

م (٢) النقاخ: الماء البارد الصافى).

٣٦٨

يا بن بنت النبيِّ أكرم به ابناً

وبأسناخ جدِّه أسناخا

وابن مَن وازر النبيَّ ووالا

ه وصافاه في «الغدير» وواخى

وابن مَن كان للكريهةَ ركّا

باً وفي وجه هولها رسّاخا

للطلى تحت قسطل الحرب ضرّا

باً ولِلهام في الوغى شدّاخا

ذو الدِّماء التي يُطيل مواليـ

ـيه اختضاباً بطيبها والتطاخا

ما عليكم أناخ كلكله الدهـ

ـر ولكن على الأنام أناخا

( الشاعر )

أبو القاسم وأبو بكر وأبو الفضل(١) أحمد بن محمّد بن الحسن بن مرّار الجزري الرقّي(٢) الضبيّ(٣) الحلبي الشهير بالصنوبري.

شاعرٌ شيعيٌّ مجيدٌ. جمع شعره بين طرفي الرقَّة والقوَّة، ونال من المتانة وجودة الأُسلوب حظَّه الأوفر، ومن البراعة والظرف نصيبه الأوفى؛ وتواتر في المعاجم وصفه بالإحسان تارةً(٤) وبه وبالإجادة أُخرى(٥) وإنَّ شعره في الذروة العليا ثالثة(٦) وكان يُسمّى حبيباً الأصغر لجودة شعره(٧) وقال الثعالبي: تشبيهات إبن المعتز. وأوصاف كشاجم، وروضيّات الصنوبري، متى اجتمعت إجتمع الظرف والطرف، وسمع السامع من الإحسان العجب.

وله في وصف الرياض والأنوار تقدُّمٌ باهرٌ، وذكر إبن عساكر: أنَّ أكثر شعره فيه. وقال إبن النديم في فهرسته: إنَّ الصولي عمل شعر الصنوبري على الحروف في مأتي ورقة. فيكون المدوَّن على ما التزم به إبن النديم من تحديد كلِّ صفحة من الورقة بعشرين بيتاً ثمانية آلاف بيت، وسمع الحسن بن محمَّد الغسّاني من شعره مجلّداً(٨) .

_____________________

١ - كناه به كشاجم زميله في شعره.

٢ - نسبة إلى الرقة: مدينة مشهورة بشط الفرات عمرها هارون الرشيد.

٣ - نسبة إلى ضبة أبي قبيلة.

٤ - تاريخ إبن عساكر ١ ص ٤٥٦.

٥ - أنساب السمعاني.

٦ - شذرات الذهب ٢ ص ٣٣٥.

٧ - عمدة ابن رشيق ١ ص ٨٣.

٨ - أنساب السمعاني

٣٦٩

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدةٌ تنتهي إلى مائة وأربعة أبيات توجد في «معجم البلدان» للحموي ٣ ص ٣١٧ - ٣٢١، وقال البستاني في «دائرة المعارف» ٧ ص ١٣٧: هي أجود ما وصف به حلب، مُستهلّها:

إحبسا العيس احبساها

وسلا الدار سلاها

وأمّا نسبته إلى الصنوبر فقد ذكر إبن عساكر عن عبد الله الحلبي الصفري إنَّه قال: سألت الصنوبري عن السبب الذي من أجله نسب جدّه إلى الصنوبر حتّى صار معروفاً به. فقال لي: كان جدّي صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدَّة مزاجه وقال له: إنَّك لصنوبريُّ الشكل. يريد بذلك الذكاء وحدَّة المزاج. ا هـ. وذكر له النويري في «نهاية الإرب» ج ١١ ص ٩٨ في نسبته هذه قوله:

وإذا عُزينا إلى الصنوبر لم

نعز إلى خامل من الخشبِ

لا بل إلى باسق الفروع علا

مناسباً في أُرومة الحسبِ

مثل خيام الحرير تحملها

أعمدةٌ تحتها من الذهبِ

كأنَّ ما في ذراه من ثمر

طيرٌ وقوعٌ على ذرى القضبِ

باقٍ على الصيف والشتاء إذا

شابت رؤوس النبات لم يشبِ

محصَّن الحبّ في جواشن قد

أمَّن في لبسها من الحربِ

حبٌّ حكى الحب صين في قرب الـ

ـأصداف حتّى بدا من القُربِ

ذو نَثَّة ما يُنال من عنب

ما نيل من طيبها ولا رُطبِ

يا شجراً حبّه حداني أن

أفدي بأُمّي محبَّة وأبي

فالحمد لله إنَّ ذا لقبٌ

يزيد في حسنه على النسبِ

وأمّا تشيّعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق كما وقفت على شطرٍ منه وستقف فيما يلي على شطرٍ آخر، ونصَّ بذلك اليماني في نسمة السحر، وعدُّ إبن شهر آشوب له من مادحي أهل البيت عليهم السَّلام يوذن بذلك. وأمّا دعوى صاحب النسمة أنَّه كان زيديّاً واستظهاره ذلك من شعره فأحسب أنّها فتوى مجرَّدة فإنّه لم يدعمها. بدليل، وشعره الذي ذكره هو وغيره خالٍ من أيِّ ظهورٍ ادَّعاه، وإليك نبذاً ممّا وقفنا عليه في

٣٧٠

المذهب. قال في قصيدة يمدح بها عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام:

وأخي حبيبي حبيب الله لا كذب

وابناه للمصطفى المستخلص ابنانِ

صلّى إلى القبلتين المقتدى بهما

والنّاس عن ذاك في صمّ وعميانِ

ما مثل زوجته أُخرى يُقاس بها

ولا يَقاس على سبطيه سبطانِ

فمضمر الحبِّ في نور يخصُّ به

ومضمر البغض مخصوصٌ بنيرانِ

هذا غداً مالكٌ في النّار يملكه

وذاك رضوان يلقاهُ برضوانِ

رُدَّت له الشمس في أفلاكها فقضى

صلاته غير ما ساهٍ ولا وانِ

أليس مَن حلَّ منه في اُخوَّته

محلَّ هارون من موسى بن عمرانِ؟!

وشافع الملك الرّاجي شفاعته

إذ جاءه ملَكٌ في خلق ثعبانِ

قال النبيُّ له: أشقى البريّة يا

عليُّ إذ ذكر الأشقى شقيّانِ

هذا عصى صالحاً في عقر ناقته

وذاك فيك سيلقاني بعصيانِ

ليخضبن هذه مِن ذا أبا حسن

في حين يخضبها من أحمر قانِ

ويرثي فيها أمير المؤمنين وولده السبط الشهيد بقوله:

نعم الشهيدان ربّ العرش يشهد لي

والخلق أنَّهما نعم الشهيدانِ

مَن ذا يُعزّي النبيَّ المصطفى بهما

من ذا يُعزّيه من قاصٍ ومن دانِ؟

مَن ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها

عن بعلها وابنها إنباء لهفانِ؟

من قابض النفس في المحراب منتصباً

وقابض النفس في الهيجاء عطشانِ؟

نجمان في الأرض بل بدران قد أفلا

نِعَم وشمسان إمّا قلت شمسانِ

سيفان يغمد سيف الحرب إن برزا

وفي يمينيهما لِلحرب سيفانِ

وله يرثي الإمام السبط الشهيد عليه السلام(١) :

يا خير مَن لبس النبـ

ـوَّة من جميع الأنبياءِ

وجدي على سبطيك وجـ

ـدٌ ليس يؤذن بانقضاءِ

هذا قتيل الأشقيا

ءِ وذا قتيل الأدعياءِ

يوم الحسين هرقت دمـ

ـع الأرض بل دمع السماءِ

_____________________

١ - ج ٢ ص ٢٣٢ من مناقب إبن شهر آشوب.

٣٧١

يوم الحسين تركت با

ب العزّ مهجور الفناءِ

يا كربلاء خُلقتِ من

كربٍ عليَّ ومن بلاءِ

كم فيكِ من وجه تشرّ

ب ماؤه ماء البهاءِ

نفسي فداء المصطلي نار

الوغى أيَّ اصطلاءِ

حيث الأسنَّة في الجوا

شن كالكواكب في السّماءِ

فاختار درع الصبر حيـ

ـث الصبر من لبس السناءِ

وأبى إباء الأُسد إنَّ

الأُسد صادقةُ الإباءِ

وقضى كريماً إذ قضى

ظمآن في نَفَر ظماءِ

منعوه طعم الماء لا

وجدوا لماء طعم ماءِ

مَن ذا لمعفور الجوا

د ممال أعواد الخباءِ؟

مَن لِلطريح الشلو عر

ياناً مُخلّى بالعراءِ؟

مَن للمحنَّط بالترا

ـب ولِلمغسَّل بالدماءِ؟

مَن لابن فاطمة المغيَّـ

ـب عن عيون الأولياءِ؟

ويؤكِّد ما ذكرنا للمترجم من المذهب شدَّة الصلة بينه وبين كشاجم المسلّم تشيّعه، وتؤكّد المواخاة بينهما كما ستقف عليه في ترجمة كشاجم، ويُعرب عن الولاء الخالص بينهما قول كشاجم في الثناء عليه:

لي من أبي بكر أخي ثقة

لم استرب بإخائه قطْ

ما حال في قرب ولا بعدٍ

سيّان فيه الثوب والشطْ

جسمان والروحان واحدةٌ

كالنقطتين حواهما خطْ

فإذا افتقرتُ فلي به جدةٌ

وإذا اغتربتُ فلي به رهطْ

ذاكره أو حاوله مختبراً

تر منه بحراً ما له شطْ

في نعمةٍ منه جلبت بها

لا الشيب يبلغها ولا القرطْ

وبدلة بيضاء ضافية

مثل الملاءة حاكها القبطْ

متذلّل سهل خلايقه

وعلى عدوِّ صديقه سلطْ

ونتاج مغناه متمِّمةٌ

ونتاج مغنى غيره سقطْ

٣٧٢

وجنان آداب مثمرة

ما شأنها أثلٌ ولا خمطْ

وتواضع يزداد فيه علاً

والحرُّ يعلو حين ينحطْ

وإذا أمرؤٌ شيبت خلائقه

غدراً فما في ودِّه خلطْ

وقصيدته الأُخرى وقد كتبها إليه:

ألا أبلغ أبا بكر

مقالاً من أخٍ برِّ

يُناديك بإخلاصٍ

وإن ناداك من عقرِ

أظنُّ الدَّهر أعداك

فأخلدت إلى الغدر

فما ترغب في وصلٍ

ولا تعرض من هجرِ

ولا تخطرني منك

على بال من الذِّكرِ

أتنسى زمناً كنّا

به كالماء في الخمرِ؟!

أليفين حليفين

على الايسار والعسرِ

مكبَّين على اللذّا

ت في الصحو وفي السّكرِ

ترى في فَلَك الآدا

ب كالشمس وكالبدرِ

كما ألّفت الحكمـ

ـة بين العود والزمرِ

فألهتك بساتينك

ذات النَوْر والزهرِ

وما شيَّدت للخلو

ة من دارٍ ومن قصرِ

[القصيدة]

كان المترجم يسكن حلب دمشق وبها أنشد شعره ورواه عنه أبو الحسن محمَّد ابن أحمد بن جميع الغسّاني كما في أنساب السمعاني، وتوفّي في سنة ٣٣٤ كما أرَّخه صاحب «شذرات الذهب» وغيره.

وعدَّه إبن كثير في تاريخه ١١ ص ١١٩ ممَّن توفّي في حدود الثلمائة، وهذا بعيدٌ عن الصحَّة جدّاً من وجوه، منها: أنَّه اجتمع(١) مع أبي الطيِّب المتنبِّي بعد ما نظم القريض وقد ولد بالكوفة سنة ٣٠٣. ومنها: مدحه سيف الدولة الحمداني وقد ولد سنة ٣٠٣.

أعقب المترجَم ولده أبا علي الحسين، حكى إبن الجنّي(٢) قال حدَّثني أبو علي

_____________________

١ - عمدة ابن رشيق ١ ص ٨٣.

٢ - كما في يتيمة الدهر ج ١ ص ٩٧.

٣٧٣

الحسين بن أحمد الصنوبري قال: خرجت من حلب أُريد سيف الدولة فلمّا برزت من الصور إذا أنا بفارس متلثَّم قد أهوى نحوي برمح طويل، وسدَّده إلى صدري، فكدت أطرح نفسي عن الدابَّة فرِقاً، فلمّا قرب منّي ثنى السنان وحسر لثامه فإذا المتنبّي (الشاعر المعروف) وأنشدني:

نثرنا رؤوساً بالأُحيدب منهمُ

كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ

ثمَّ قال: كيف ترى هذا القول؟ أحسن هو؟ فقلت له: ويحك قد قتلتني يا رجل؟ قال إبن جني: فحكيت أنا هذه الحكاية بمدينة السّلام لأبي الطيِّب فعرفها وضحك لها.

وتوفِّيت للصنوبري بنت في حياته رثاها زميله [كشاجم] وعزّاه بقوله:

أتأسى يا أبا بكر

لموت الحرَّة البكرِ

وقد زوَّجتها قبراً

وما كالقبر من صهرِ

وعوَّضت بها الأجر

وما للأجر من مهرِ

زفافٌ أُهديت فيه

من الخدر إلى القبرِ

فتاةٌ أسبل الله

عليها أسبغ السترِ

ورده أشبه النعم

ـة في الموقع والقدرِ

وقد يختار في المكرو

ه للعبد وما يدري

فقابل نعمة الله الَّـ

ـتي أولاك بالشكرِ

وعزِّ النفس ممّا فا

ت بالتسليم والصبرِ

وكتب المترجَم على كلِّ جانب من جوانب قبَّة قبرها الستَّة بيتين توجد الأبيات في تاريخ إبن عساكر ١ ص ٤٥٦، ٤٥٧.

حكاية

حدَّث المترجَم له أبو بكر أحمد بن محمَّد الصنوبري قال: كان بالرُّها(١) ورّاقٌ يُقال له: سعد. وكان في دكّانه مجلس كلِّ أديب، وكان حسن الأدب والفهم،

_____________________

م (١) الرهاء بضم أوله والمد والقصر: مدينة بين الموصل والشام، استحدثها الرهاء بن البلندي فسميت باسمه.

٣٧٤

يعمل شعراً رقيقاً، وما كنّا نفارق دكّانه أنا وأبو بكر المعوج الشامي الشاعر وغيرنا من شعراء الشام وديار مصر، وكان لتاجر بالرُّها نصرانيّ من كبار تجّارها إبنٌ إسمه عيسى من أحسن الناس وجهاً، وأحلاهم قدّاً، وأظرفهم طبعاً ومنطقاً، وكان يجلس إلينا ويكتب عنّا أشعارنا وجميعنا يحبّه، ويميل إليه، وهو حينئذ صبيٌّ في الكتّاب فعشقه سعد الورّاق عشقاً مبرحاً ويعمل فيه الأشعار، فمن ذلك وقد جلس عنده في دكّانه قوله:

إجعل فؤادي دواةً والمداد دمي

وهاك فابر عظامي موضع القلمِ

وصيِّر اللوح وجهي وامحه بيد

فإنَّ ذلك برءٌ لي من السَّقمِ

ترى المعلّم لا يدري بمن كلفي

وأنت أشهر في الصِّبيان من علَمِ

ثمَّ شاع بعشق الغلام في الرُّها خبره، فلمّا كبر وشارف الائتلاف أحبَّ الرهبنة وخاطب أباه وأُمَّه في ذلك، وألحَّ عليهما حتّى أجاباه وخرجا به إلى «دير زكّي» بنواحي الرقَّة(١) وهو في نهاية حسنه فابتاعا له قلاية ودفعا إلى رأس الدير جملة من المال عنها فأقام الغلام فيها وضاقت على سعد الورّاق الدنيا بما رحبت، وأغلق دكّانه، وهجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام، وسعد في خلال ذلك يعمل فيه الأشعار، فممّا عمل فيه وهو في الدير والغلام قد عمل شمّاساً(٢) .

يا حِمَّةً قد علت غصناً من البانِ

كأنَّ أطرافها أطراف ريحانِ

قد قايسوا الشمس بالشماس فاعترفوا

بأنَّما الشمس والشمّاس سيّانِ

فقل لعيسى: بعيسى كم هراق دماً

إنسان عينك من عين لانسانِ؟!

ثمَّ إنَّ الرهبان أنكروا على الغلام كثرة إلمام سعد به ونهوه عنه وحرموه أن أدخله وتوعَّدوه بإخراجه من الدير إن لم يفعل، فأجابهم إلى ما سألوه من ذلك، فلمّا رأى سعد امتناعه منه شقَّ عليه، وخضع للرّهبان ورفق بهم ولم يجيبوه وقالوا: في هذا علينا إثمٌ وعارٌ ونخاف السلطان، فكان إذا وافى الدير أغلقوا الباب في، وجهه، ولم يدعوا الغلام يُكلّمه، فاشتدَّ وجده، وازداد عشقه، حتّى صار إلى الجنون

_____________________

١ - الرقة كل أرض منبسط جانب الوادي يعلوها الماء وقت المد. ولا يظن أن الرقة البلد الذي على شاطئ الفرات فإن الرها بين الموصل والشام.

٢ - الكلمة سريانية معناها: الخادم.

٣٧٥

فخرق ثيابه وانصرف إلى داره فضرب جميع ما فيها بالنار، ولزم صحراء الدير وهو عريانٌ يهيم، ويعمل الأشعار ويبكي.

قال أبو بكر الصنوبري: ثمَّ عبرت يوماً أنا والمعوج من بستان بتنا فيه فرأيناه جالساً في ظلِّ الدير وهو عريانٌ وقد طال شعره، وتغيَّرت خلقته، فسلّمنا عليه وعذلناه وعتبناه، فقال: دعاني من هذا الوسواس أتريان ذلك الطائر على هيكل؟ وأومأ بيده إلى طائر هناك فقلنا: نعم. فقال: أنا وحقِّكما يا أخويَّ أُناشده منذ الغداة أن يسقط فأُحمِّله رسالةً إلى عيسى. ثمَّ التفت إليَّ وقال: يا صنوبريُّ معك ألواحك؟ قلت: نعم. قال: اكتب:

بدينك يا حمامة دير زكّى

وبالأنجيل عندك والصليبِ

قفي وتحمَّلي عنِّي سلاماً

إلى قمر على غصنٍ رطيب

حماه جماعة الرُّهبان عنّي

فقلبي ما يقرُّ من الوجيبِ

عليه مسوحه(١) وأضاء فيها

وكان البدر في حُلل المغيبِ

وقالوا: رابنا إلمام سعد

ولا والله ما أنا بالمريبِ

وقولي: سعدك المسكين يشكو

لهيب جوّى أحرُّ من اللهيبِ

فصله بنظرةٍ لك من بعيدٍ

إذا ما كنت تمنع من قريبِ

وإن أنامتُّ فاكتب حول قبري

محبٌّ مات من هجر الحبيبِ

رقيبٌ واحدٌ تنغيص عيشٍ

فكيف بمن له ألفا رقيبِ

ثمَّ تركنا وقام يعدو إلى باب الدير وهو مغلقٌ دونه، وانصرفنا عنه وما زال كذلك زماناً، ثمَّ وُجد في بعض الأيّام ميتاً إلى جانب الدير، وكان أمير البلد يومئذ العبّاس بن كيغلغ فلمّا اتَّصل ذلك به وبأهل الرُّها خرجوا إلى الدير، وقالوا ما قتله غير الرهبان. وقال لهم إبن كيغلغ: لا بدَّ من ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنّار، ولا بدَّ من تعزير جميع الرُّهبان بالسياط، وتعصَّب في ذلك فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم(٢) .

_____________________

١ - المسوح: ما يلبس من نسيج الشعر تقشعاً وقهراً للبدن جمع مسح بكسر الميم.

٢ - توجد ملخصة في تزيين الأسواق ص ١٧٠.

٣٧٦

القرن الرابع

١٩

القاضي التنوخي

المولود ٢٧٨

المتوفّى ٣٤٢

مِن إبن رسول الله وابن وصيِّة

إلى مدغل في عقبة الدين ناصبِ

نشأ بين طُنبور وزقٍّ ومزهر

وفي حجر شادٍ أو على صدر ضاربِ

ومن ظهر سكران إلى بطن قينةٍ

على شُبه في ملكها وشوائبِ

يَعيب عليّاً خير من وطأ الحصى

وأكرم سارٍ في الأنام وساربِ

ويُزري على السبطين سبطي محمَّد

فقل في حضيض رام نيل الكواكبِ

وينسب أفعال القراميط كاذباً

إلى عترة الهادي الكرام الأطائبِ

إلى معشرٍ لا يبرح الذمُّ بينهم

ولا تزدري أعراضهم بالمعائبِ

إذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم

وإن ركبوا كانوا شموس المواكبِ

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الرَّدى

وإن ضحكوا أبكوا عيون النَّوادبِ

نشوا بين جبريل وبين «محمَّد»

وبين «عليّ» خير ماشٍ وراكبِ

وزير النبيِّ المصطفى ووصيّه

ومُشبهه في شيمةٍ وضرائبِ

ومَن قال في يوم «الغدير» محمَّد

وقد خاف من غدر العداة النواصبِ

: أما إنَّني أولى بكم من نفوسكم

فقالوا: بلى قول المريب المواربِ

فقال لهم: مَن كنت مولاه منكمُ

فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي

أطيعوه طرّاً فهو منّي بمنزلٍ

كهارون من موسى الكليم المخاطبِ

[القصيدة ٨٣ بيتاً]

٣٧٧

*(ما يتبع الشعر) *

كان عبد الله بن المعتزّ العبّاسي المتوفّى سنة ٢٩٦ ممَّن ينصب العدا للطالبيِّين، ويتحرّى الوقيعة فيهم بما ينمُّ عن سوء سريرته، ويشفُّ عن خبث طينته، وكثيراً ما كان يفرغ ما ينفجر به بُركان ضغاينه في قوالب شعريَّة، فجائت من ذلك قصايد خلّدت له السوءة والعار، ولقد تصدّى غير واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة منهم: الأمير أبو فراس الآتي ذكره وترجمته، غير أنَّه أربى بنفسه الأبيَّة عن أن تقابل ذلك الرِّجس بالموافقة في البحر والقافية، فصاغ قصيدته الذهبيَّة الخالدة الميميَّة، ينصر فيها العلويِّين، وينال من مناوئيهم العبّاسيّين، ويوعز إلى فضائحهم وطامّاتهم التي لا تُحصى.

ومنهم: تميم بن معد الفاطمي المولود ٢٣٧ والمتوفّى ٣٧٤، ردَّ على قصيدة إبن المعتزّ الرائيَّة أوّلها.

أيَّ ربع لآل هند مدارِ؟

....................................

وأوَّل قصيدة إبن معد:

يا بني هاشمٍ ولسنا سواء

في صغار من العلى وكبارِ

ومنهم: إبن المنجِّم. وأبو محمَّد المنصور بالله المتوفّى ٦١٤ - الآتي ذكره في شعراء القرن السابع - ومنهم: صفيُّ الدين الحلي المتوفّى ٧٥٢ فقد ردَّ عليه ببائيَّته الرنّانة المنشورة في ديوانه المذكورة في ترجمته الآتية في شعراء القرن الثامن.

ومنهم: القاضي التنوخي المترجَم له فقد نظم هذه القصيدة التي ذكرنا منها شطراً ردّاً عليه، وهي مذكورةٌ في كتاب «الحدائق الورديَّة» ٨٣ بيتاً، وأحسبها كما في غير واحد من المجاميع المخطوطة أنَّها تمام القصيدة، وذُكرت في «مطلع البدور» ٧٤ بيتاً، وذكر منها اليماني في «نسمة السحر» ٤٨ بيتاً، والحموي ١٤ بيتاً في «معجم الأُدباء» ج ١٤ ص ١٨١ وقال: كان عبد الله بن المعتز قد قال قصيدةً يفتخر فيها ببني العبّاس على بني أبي طالب أوَّلها:

أبى الله إلّا ما ترون فما لكم

غضاباً على الأقدار يا آل طالب؟!

فأجابه أبو القاسم التنوخي بقصيدة نحلها بعض العلويِّين وهي مثبتةٌ في ديوانه أوَّلها:

٣٧٨

مِن ابن رسول الله وابن وصيِّه

إلى مدغلٍ في عقدة الدين ناصبِ

نشأ بين طنبور ودفٍّ ومزهرٍ

وفي هجر شادٍ أو على صدر ضاربِ

ومن ظهر سَكرانٍ إلى بطن قينةٍ

على شُبه في ملكها وشوائبِ

يقول فيها:

وقلت: بنو حرب كسوكم عمائماً

من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ

صدقتَ منايانا السيوف وإنَّما

تموتون فوق الفرش موت الكواعبِ

ونحن الأولى لا يسرح الذمُّ بيننا

ولا تدَّري أعراضنا بالمعايبِ

إذا ما انتدوا كانوا شموس نديِّهم

وإن ركبوا كانوا بدور الركائبِ

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الرَّدى

وإن ضحكوا بكّوا عيون النوائبِ

وما للغواني والوغى فتعوَّدوا

بقرع المثاني من قراع الكتائبِ

ويوم حنين قلت: حزنا فخاره

ولو كان يدري عدَّها في المثالبِ

أبوه منادٍ والوصيُّ مضاربٌ(١)

فقل في منادٍ صيِّتٍ ومضاربِ

وجأتم مع الأولاد تبغون إرثه

فابعد بمحجوب بحاجب حاجبِ

وقلتم: نهضنا ثائرين شعارنا

بثارات زيد الخير عند التحاربِ

فهلّا بإبراهيم كان شعاركم

فترجع دعواكم تعلّة(٢) خائبِ

ورواها عماد الدين الطبري في الجزء العاشر من كتابه [بشارة المصطفى لشيعة المرتضى] وقال: حدَّثنا الحسين بن أبي القاسم التميمي، قال: أخبرنا أبو سعيد السجستاني، قال أنبأنا القاضي إبن القاضي أبو القاسم عليُّ بن المحسن بن عليِّ التنوخي ببغداد، قال: أنشدني أبي أبو عليّ المحسن، قال: أنشدني أبي أبو القاسم عليُّ بن محمَّد إبن أبي الفهم التنوخي لنفسه من قصيدةٍ:

ومن قال في يوم «الغدير» محمَّدٌ

وقد خاف من غدر العداة النواصبِ

: أما أنا أولى منكمُ بنفوسكم

فقالوا: بلى قول المريب المواربِ

فقال لهم: مَن كنت مولاه منكمُ

فهذا أخي مولاه فيكم وصاحبي

_____________________

١ - يريد العبّاس وعلياً أمير المؤمنين عليه السلام.

٢ - أي تعلل.

٣٧٩

أطيعوه طرّاً فهو منّي كمنزلٍ

لَهارون من موسى الكليم المخاطبِ

فقولا له: إن كنت من آل هاشم

فما كلُّ نجم في السَّماء بثاقبِ

وروى القصيدة وأنَّها في ردِّ عبد الله بن المعتز صاحب تاريخ طبرستان ص ١٠٠ بهاء الدين محمَّد بن حسن وذكر منها خمسة عشر بيتاً ومنها:

فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم

بلا سببٍ غير الظنون الكواذبِ

أما حمل المنصور من أرض يثربِ

بدور هدًى تجلو ظلام الغياهبِ؟

وقطَّعتمُ بالبغي يوم محمَّد

قرائن أرحام له وقرائبِ

وفي أرض باخمرا مصابيح قد ثوت

مترَّبة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخّ طوائفاً

يُغاديهمُ بالقاع بقع النواعبِ

وهارونكم أودى بغير جريرةٍ

نجوم تُقىً مثل النجوم الثواقبِ

ومأمونكم سمَّ الرِّضا بعد بيعةٍ

تودّ ذرى شمِّ الجبال الرَّواسبِ

فهذا جوابٌ للذي قال: مالكم

غضاباً على الأقدار يا آل طالبِ؟

*( الشاعر ) *

أبو القاسم التنوخي عليُّ بن محمّد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر ابن هاني بن زيد بن عبيد بن مالك بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحرث ابن صبح بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن الحارث بن عمرو [ملك تنوخ] بن فهم بن تيم الله [وهو تنوخ] ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ملك بن حمير بن سبا بن سحت بن يعرب بن قحطان بن غابن بن شالح بن الشحد ابن سام بن نوح النبيّ عليه السلام(١)

من أغزر عيالم العلم، ومُلتقى الفضايل، ومُجتمع الفنون المتنوِّعة، مشاركاً في علوم كثيرةٍ، مقدَّما في الكلام، متضلّعاً في الفقه والفرايض، حافظاً في الحديث، قدوةً في الشعر والأدب، بصيراً بعلم النجوم والهيئة، خبيراً بالشروط والحاضر والسجلّات،

_____________________

١ - النسب ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه نقلاً عن حفيد المترجم أبي القاسم ابن المحسن إلى قضاعة، وذكر بعده السمعاني في «الأنساب» وإلى قضاعة بين الكتابين اختلاف في بعض الأسماء.

٣٨٠