الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 89355
تحميل: 4948


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89355 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استاذاً في المنطق، مُتبحِّراً في النحو، واقفاً على اللغة، معلّماً في القوافي، عبقرياً في العروض، وكما أنَّه من أعيان العلم فهو مفردٌ في الكرم وحسن الشيم، فذٌّ في الظرف والفكاهة، دمث الخلايق، لين الجانب.

ولادته ونشأته

وُلد بأنطاكيَّة يوم الأحد لأربع ليال بقين من ذي الحجَّة سنة ٢٧٨ ونشأ بها حتى غادرها في حداثته سنة ستٍّ وثلثمائة إلى بغداد، وتفقَّه بها على مذهب أبي حنيفة، وسمع الحديث من الحسن بن أحمد بن حبيب الكرماني صاحب «مسدَّد». وأحمد ابن خليل الحلبي صاحب أبي اليمان الحمصي. وأحمد بن محمّد بن أبي موسى الأنطاكي. و أنس بن سالم الخولاني. والحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل. والفضل بن محمّد العطار الأنطاكيِّين. والحسين بن عبد الله القطّان الرقّي. وأحمد بن عبد الله بن زياد الجبلي. ومحمّد بن حصن بن خالد الآلوسي الطرسوسي. والحسن بن الطيِّب الشجاعي. وعمر بن أبي غيلان الثقفي. وأبي بكر بن محمّد بن محمّد الباغندي. وحامد بن محمّد ابن صعيب البلخي. وأبي القاسم البغوي. وأبي بكر بن أبي داود. وقرأ في النجوم على البنّائي المنجِّم صاحب الزيج.

يروي عنه أبو حفص بن الآجري البغداديّ، وأبو القاسم بن الثلّاج(١) البغدادي، وعمر بن أحمد بن محمّد المقري، وابنه أبو عليّ المحسن التنوخي.

وأوَّل مَن قلّده القضاء بعسكر مكرم وتُستر وجندي سابور في أيّام المقتدر بالله الخليفة الذي ولي الخلافة من سنة ٢٩٥ حتّى قتل سنة ٣٢٠. من قبل القاضي أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي، وكتبه له أبو علي إبن مقلة وكان ذلك سنة ٣١٠ في السنة الثانية والثلاثين من عمره، ثمَّ تقلّد القضاء بالأهواز وكورة واسط وأعمالها والكوفة وسقي الفرات، وعدَّة نواح من الثغور الشاميَّة، وأرَّجان وكورة سابور مجتمعاً ومفترقاً، وتولّى قضاء أيذج وجند حمص من قِبل المطيع لله الذي ولي الخلافة سنة ٣٣٤، وكان المطيع لله قد عوَّل علي أبي السائب عن قضاء القضاة وتقليده إيّاه فأفسد ذلك بعض أعدائه، وكان إبن مقلة قلّده المظالم بالأهواز، واستخلفه

_____________________

١ - الفلاح. في أنساب السمعاني.

٣٨١

أبو عبد الله البريدي بواسط على بعض أمور النظر، وقال الثعالبي: كان يتقلّد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة زائراً ومادحاً فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتّى أُعيد إلى عمله، وزيد في رزقه ورتبته؛ وكان المهلّبي الوزير وغيره من رؤساء العراق يميلون إليه جدّاً، ويتعصَّبون له ويعدّونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء، ويُعاشرون منه من تطيّب عشرته، وتكرُّم أخلاقه، وتحسّن أخباره.

حديث حفظه وذكائه

كان المترجم آيةً في الحفظ والذكاء، قال ولده القاضي أبو علي المحسن في «نشوار المحاضرة» ص ١٧٦: حدَّثني أبي قال: سمعت أبي ينشد يوماً وسنّي إذ ذاك خمس عشرة سنة بعض قصيدة دعبل الطويلة التي يفتخر فيها باليمن ويعدِّد مناقبهم ويردُّ على الكميت مناقبه بنزار أوَّلها:

أفيقي من ملامك يا ظعينا

كفاني اللوم مرُّ الأربعينا

وهي نحو ستمائة بيت فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر اليمن وأهلي فقلت: يا سيِّدي تُخرجها إليَّ حتّى أحفظها، فدافعني فألحت عليه فقال: كأنّي بك تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتاً أو مائة بيت ثمَّ ترمي بالكتاب وتخلقه عليَّ. فقلت: إدفعها إليِّ. فأخرجها وسلّمها إليَّ وقد كان كلامه أثَّر فيَّ فدخلت حجرةً كانت برسمي من داره فخلوت فيها ولم أتشاغل يومي وليلتي بشيءٍ غير حفظها فلمّا كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها وأتقنتها فخرجت إليه غدوةً على رسمي فجلست بين يديه فقال: هي، كم حفظت من القصيدة؟ فقلت: قد حفظتها بأسرها. فغضب وقد رآني قد كذبته وقال لي: هاتها، فأخرجت الدفتر من كمِّي فأخذه وفتحه ونظر فيه وأنا أنشد إلى أن مضيت في أكثر من مائة بيت فصفح منها عدة أوراق وقال: أنشد من هيهنا. فأنشدت مقدار مائة بيت إلى آخرها، فهاله ما رآه من حسن حفظي فضمَّني إليه وقبَّل رأسي وعيني وقال: بالله يا بُنيَّ لا تخبر بها أحداً فإنّي أخاف عليك من العين. وذكر إبن كثير هذه القصَّة ملخَّصاً في تاريخه ١١ ص ٢٢٧.

٣٨٢

وقال أبو علي أيضاً: حفَّظني أبي وحفظت بعده من شعره أبي تمام والبحتري سوى ما كنت أحفظ لغيرهما من المحدثين والقدماء مائتي قصيدة قال: وكان أبي وشيوخنا بالشام يقولون: مَن حفظ للطائيِّين أربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان، فقلت الشعر وسنّي دون العشرين، وبدأت بعمل مقصورتي التي أوَّلها:

لولا التناهي لم أطع نهي النُهى

أيّ مدى يطلب مَن حاز المدى

وقال أبو علي: كان أبي يحفظ للطائيِّين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما يحفظ لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهليِّين؛ ولقد رأيت له دفتراً بخطِّه هو عندي يحتوي على رؤس ما يحفظه من القصايد مأتين وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف، وكان يحفظ من النحو واللغة شيئاً عظيماً من ذلك [إلى أن قال]: وكان مع ذلك يحفظ ويجيب فيما يفوق عشرين ألف حديث، وما رأيت أحداً أحفظ منه، ولولا أنَّ حفظه افترق في جميع هذه العلوم لكان أمراً هائلاً.

تآليفه

إنَّ تضلّع المترجم في العلوم الجمَّة، وشهرته الطايلة في جلِّ الفنون النقليَّة والعقليَّة والرياضية، وتجوُّله في الأقطار والأمصار، تستدعي وجود تآليف له قيِّمة، كما قال ولده أبو علي: إنَّ له في علم العروض والفقه وغيرهما عدَّة كتب مصنَّفة، وقال الحموي: إنَّ له تصانيف في الأدب منها: كتابٌ في العروض، قال الخالع: ما عمل في العروض أجود منه. وكتاب علم القوافي. وذكر السَّمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر، واختار منه الثعالبي ما ذكر من شعره، وسمعت فيما يتبع شعره في «الغدير» نقل الحموي عن ديوانه بائيَّته كغيرها، وذكر المسعودي له قصيدته [المقصورة] التي عارض بها إبن دريد يمدح فيها تنوخ وقومه من قضاعة أوَّلها:

لولا انتهائي لم أطع نهي النُهى

مدى الصبا نطلب مَن حاز المدى

إن كنت أقصرتُ فما أقصر قلـ

ـبٌ دامياً ترميه ألحاظ الدمى

ومقلةٌ إن مقلت أهل الفضا

أغضت وفي أجفانها جمر الغضا

وفيها يقول:

٣٨٣

وكم ظباء رعيها ألحاظها

أسرع في الأنفس من حدِّ الظبى

أسرع من حرف إلى جرٍّ ومن

حبٍّ إلى حبَّة قلبٍ وحشى

قضاعةٌ من ملك بن حمير

ما بعده للمرتقين مرتقا

وقال أبو علي في «نشوار المحاضرة»: إنَّ ما ضاع من شعره أكثر ممّا حُفظ. ا ه. غير أنَّ هذه الكتب قد عصفت عليها عواصف الضياع كما أنَّ التصدِّي لمنصب القضاء عاقه الإكثار عن التآليف على قدر غزارة علمه.

مذهبه

من العويص جدّاً البحث والتنقيب عن مذهب مَن نشأ في مثل القرن الثالث والرابع عصر التحزُّب للآراء والنزعات، عصر تشتّت الإعتقادات، عصر تكثّر النحل، وتوفّر الدواعي على انتحال الرَّجل لِما يُخالف عقده القلبي، وتظاهره بما لا يظهره سرُّ جنانه، وقد قضت الأيّام، ومرَّت الأعوام على آثارهم، ونتايج أفكارهم ممّا كان يُمكننا منه استظهار المعتقدات، وحكم الدهر على منشور فلتات ألسن كانت تُعرب عن مكنون الضماير، وتقرأ علينا دروس الحقيقة من جانب مذهب الغابرين.

وإضطراب كلمات أرباب المعاجم حول مذهب شاعرنا التنوخي وولده أبي علي منذ عهدهم إلى اليوم ينمُّ عن أنَّهم كانوا يخفون مختارهم من المذهب، وكانوا يظهرون في كلِّ صقع وناحية نزلوا ما يلايم مذهب أهليها، فقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه، وإبن كثير في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب، والسيِّد العبّاسي في المعاهد، وشيخنا أبو الحسن الشريف في ضياء العالمين: إنَّ المترجم تفقَّه على مذهب أبي حنيفة. ونصَّ اليافعي في مرآة الجنان، والذهبي في ميزان الإعتدال، والسيوطي في البغية، وأبو الحسنات في الفوائد البهيَّة، بأنَّه حنفيُّ المذهب. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه: إنّه كان يعرف الكلام في الأُصول على مذهب المعتزلة، وفي كامل إبن الأثير: كان عالماً بأُصول المعتزلة. وفي لسان الميزان: إنَّه يُرمى بالإعتزال، وعدَّه سيِّدنا القاضي في مجالس المؤمنين من قضاة الشيعة، وبذلك نصَّ صاحب مطلع البدور، ونقل صاحب نسمة السحر عن المسوري اليمني: إنَّه كان معتزليَّ

٣٨٤

الأُصول متشيِّعاً جدّاً حنفيَّ المذهب.

والذي يجمع بين هذه الشتات أنَّ الرجل كان معتزليَّ الأُصول، وحنفيَّ الفروع، زيديَّ المذهب، ويؤكِّد مذهبه هذا ما ذكره معاصره المسعودي في «مروج الذهب» ج ٢ ص ٥١٩ من قوله: إنَّه في وقتنا هذا وهو سنة إثنتين وثلاثين وثلثمائة بالبصرة في جملة الزيديِّين(١) وقصيدته البائيَّة الّتي ذكرنا شطراً منها ترجِّح كفَّة التشيّع في ميزانه، كما أنَّ غير واحد من قضايا ذكرها ولده أبو علي في كتابه [الفرج بعد الشدَّة] نقلاً عن المترجم يوذن بذلك.

وفاته

توفّي في عصر يوم الثلاثا لسبع خلون من شهر ربيع الأوَّل سنة ٣٤٢ بالبصرة ودفن من الغد في تربة اشتريت له بشارع المربد، قال ولده أبو علي في «نشوار المحاضرة»: وفيما شاهدناه من صحَّة أحكام النجوم كفاية، هذا أبي حوَّل مولد نفسه في السَّنة التي مات فيها وقال لنا: هذه سنةٌ قطع عليَّ مذهب المنجِّمين. وكتب بذلك إلى بغداد إلى أبي الحسن البهلول القاضي صهره ينعي نفسه ويوصيه، فلمّا اعتلَّ أدنى علّة وقبل أن تستحكم علّته أخرج التحويل ونظر فيه طويلاً وأنا حاضرٌ فبكى ثمَّ أطبقه واستدعى كاتبه وأملى عليه وصيَّته التي مات عنها وأشهد فيها من يومه، فجاء أبو القاسم غلام زُحل المنجِّم، فأخذ يطيب نفسه، ويورد عليه شكوكاً، فقال له: يا أبا القاسم؟ لستُ ممَّن تخفى عليه فأنسبك إلى غلط، ولا أنا ممَّن يجوز عليه هذا فتستغفلني، وجلس فوافقه على الموضع الذي خافه وأنا حاضرٌ فقال له: دعني من هذا. بيننا شكَّ في أنَّه إذا كان يوم الثلاثا العصر لسبع بقين من الشهر فهو ساعة قطع عندهم فأمسك أبو القاسم غلام زُحل لأنَّه كان خادماً لأبي وبكى طويلاً وقال: يا غلام طست. فجاؤه به فغسل التحويل وقطَّعه وودَّع أبا القاسم توديع مُفارق فلمّا كان في ذلك اليوم العصر مات كما قال.

أخذنا ترجمته من يتيمة الدهر ٢ ص ٣٠٩. نشوار المحاضرة. تاريخ الخطيب البغدادي ١٢ ص ٧٧. تاريخ إبن خلكان ١ ص ٢٨٨. معجم الأُدباء ١٤ ص ١٦٢.

_____________________

١ - في النسخة: اليزيديين. وهو تصحيف واضح.

٣٨٥

أنساب السمعاني. فوات الوفيات ٢ ص ٦٨. كامل إبن الأثير ٨ ص ١٦٨. تاريخ إبن كثير ١١ ص ٢٢٧. مرآة الجنان ٢ ص ٣٣٤. لسان الميزان ٤ ص ٢٥٦. معاهد التنصيص ١ ص ١٣٦. شذرات الذهب ٢ ص ٣٤٢. مجالس المؤمنين ص ٢٥٥. الفوائد البهيَّة في تراجم الحنفيَّة ص ١٣٧. مطلع البدور. الحدائق الورديَّة. نسمة السحر ٢. روضات الجنّات ٤٤٧، ٤٧٧. تنقيح المقال ٢ ص ٣٠٢.

قد يوجد الإشتباه في غير واحد من هذه المعاجم كمجالس المؤمنين، ونسمة السحر، وتنقيح المقال بين ترجمة المترجم وبين ترجمة حفيده أبي القاسم عليِّ بن المحسن للإتحاد في الإسم والكنية والشهرة بالتنوخي فوقع الخلط بين الترجمتين. يطلّع عليه الباحث بمعونة ما ذكرناه.

خلف المترجَم على علمه الجمِّ وفضايله الكثيرة ولده أبو علي المحسن بن علي وهو كما قال الثعالبي: هلال ذلك القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله، والفرع المشيد لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته، وفيه يقول أبو عبد الله إبن الحجّاج [الآتي ذكره]:

إذا ذُكر القُضاة وهم شيوخٌ

تخيَّرت الشباب على الشّيوخ

ومَن لم يرض لم أصفعه إلّا

بحضرة سيِّدي القاضي التنوخي

له كتاب الفرج بعد الشدَّة. ونشوان المحاضرة. والمستجار من فعلات الأجواد. ديوان شعره، وهو أكبر من ديوان أبيه، سمع بالبصرة من مشايخها، ونزل بغداد وحدَّث بها وأوَّل سماعه بالحديث سنة ٣٣٣، وأوَّل ما تقلّد القضاء بالقصر وبابل و وأرباضهما في سنة ٣٤٩، ثمَّ ولّاه المطيع لله بعسكر مكرم وايذج ورامهرمز وتقلّد غيرها أعمالاً كثيرة في شتّى الجهات، وُلد ليلة الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الأوَّل سنة ٣٢٧ بالبصرة. وتوفّي ليلة الإثنين لخمس بقين من المحرَّم سنة ٣٨٤ ببغداد و هو في المذهب شبيه أبيه لكن شواهد التشيّع فيه أكثر وأوضح من أبيه.

وأعقب أبو علي المحسن أبا القاسم عليّ خلف أبيه وجدِّه على علمهما الكثار، وأدبهما الغزير، كان يصحب الشريف المرتضى علم الهدى ويلازمه، وكان من خاصَّته، وصحب أبا العلاء المعرّي وأخذ عنه، وكانت بينه وبين الخطيب أبي زكريّا التبريزي

٣٨٦

صلة ومؤانسة، وتقلّد قضاء المداين وأعمالها، ودرزنجان؛ والبردان، وقرميسين وغيرها.

يروي عنه الخطيب البغدادي في تاريخه وترجمه وذكر مشايخه، ويروي عنه أبو الغنائم محمَّد بن عليِّ بن الميمون البرسي المعروف بابي، وهو يروي عن أبي الحسن عليِّ بن عيسى الرّماني كما في إجازة العلّامة الحلّي الكبيرة لبني زهرة وعن أبي عبد الله المرزباني المتوفّى ٣٨٤، وأمره في المذهب أوضح من والده وجدِّه، وتشيّعه من المتسالم عليه عند أرباب المعاجم، وُلد في منتصف شعبان سنة ٣٧٠ بالبصرة، وتوفّي ليلة الإثنين ثاني المحرّم سنة ٤٤٧ ودفن بداره بدرب التلِّ.

حدَّث الحموي في «معجم الأُدباء» عن القاضي أبي عبد الله إبن الدامغاني قال: دخلت على القاضي أبي القاسم التنوخي (الصغير) قبل موته بقليل وقد علت سنّه فأخرج إليَّ ولده من جاريته فلمّا رآه بكى فقلت: تعيش إن شاء الله وتربِّية ويقرُّ الله عينك به. فقال: هيهات والله ما يُتربّى إلّا يتيماً وأنشد:

أرى ولد الفتى كلّاً عليه

لقد سعد الذي أمسى عقيما

فإمّا أن يُخلّفه عدوّاً

وإمّا أن يُربِّيه يتيما

ثمَّ قال: أُريد أن تُزوِّجني من أُمِّه - فإنَّني قد اعتقتها - على صداق عشرة دنانير. ففعلت، وكان كما قال تربّى يتيماً، وهو أبو الحسن محمَّد بن عليِّ بن المحسن. قبل القاضي أبو عبد الله شهادته ثمَّ مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة وانقرض بيته، بسط القول في ترجمته الحموي في «معجم الأُدباء» ١٤ ص ١١٠ - ١٢٤.

٣٨٧

القرن الرابع

٢٠

أبو القاسم الزاهي

المولود ٣١٨

المتوفى ٣٥٢

لا يهتدي إلى الرشاد مًن فَحص

إلّا إذا والى عليّاً وخلصْ

ولا يذوق شربةً من حوضه

من غمس الولا عليه وغمصْ

ولا يشمُّ الرَّوح من جنانه

مَن قال فيه مَن عداه وانتقصْ

نفس النبيِّ المصطفى والصنو والـ

ـخليفة الوارث للعلم بنصّْ

مَن قد أجاب سابقاً دعوته

وهو غلامٌ وإلى الله شخصْ

ما عرف اللّات ولا العزّى ولا

انثنى إليهما ولا حبَّ ونصّْ

مَن ارتقى متن النبيِّ صاعداً

وكسّر الأوثان في أولى الفرصْ

وطهَّر الكعبة مِن رجس بها

ثمَّ هوى للأرض عنها وقمصْ

مَن قد فدا بنفسه محمَّداً

ولم يكن بنفسه عنه حرصْ

وبات من فوق الفراش دونه

وجاد فيما قد غلا وما رخصْ

مَن كان في بدرٍ ويوم أُحد

قطُّ من الأعناق ما شاء وقصّْ

فقال جبريل ونادى: لا فتى

إلّا عليٌّ عمَّ في القول وخصّْ

مَن قدَّ عمرو العامريَّ سيفه

فخرّ كالفيل هوى وما قحصْ

ورآء ما صاح: ألا مبارزٌ

فالتوت الأعناق تشكو من وقصْ(١)

من اُعطي الراية يوم خيبر

من بعدما بها أخو الدعوى نكصْ

وراح فيها مبصراً مستبصراً

وكان أرمداً بعينيه الرمصْ

فاقتلع الباب ونال فتحه

ودكَّ طود مرحبٍ لَمّا قعصْ(٢)

_____________________

١ - وقص العنق: كسرها ودقها.

٢ - قعصه واقعصه: قتله مكانه. أجهز عليه.

٣٨٨

مَن كسح البصرة مَن ناكثها

وقصَّ رجل عسكر بما رقصْ

وفرَّق المال وقال: خمسةٌ

لواحد. فساوت الجند الحصصْ

وقال في ذي اليوم يأتي مددٌ

وعدَّه فلم يزد وما نقصْ

ومَن بصفِّين نضا حسامه

ففلق الهام وفرَّق القصصْ(١)

وصدَّ عن عمرو وبُسر كرماً

إذ لقيا بالسوأتين من شخصْ(٢)

ومَن أسال النهروان بالدما

وقطَّع العرق الذي بها رهصْ

وكذَّب القائل أن قد عبروا

وعدَّ من يحصد منهم ويحصْ(٣)

ذاك الذي قد جمع القرآن في

أحكامه للواجبات والرُّخصْ

ذاك الذي آثر في طعامه

على صيامه وجاد بالقُرَصْ

فأنزل الله تعالى هل أتى

وذَكر الجزاء في ذاك وقصّْ(٤)

ذاك الذي استوحش منه أنسٌ

أن يشهد الحقَّ فشاهد البرصْ(٥)

إذ قال: مَن يشهد بالغدير لي

فبادَرَ السامعُ وهو قد نكصْ

فقال: أنسيت. فقال: كاذب

سوف ترى ما لا تُواريه القمصْ

يا بن أبي طالب يا مَن هو مِن

خاتم الأنبياء في الحكمة فُصْ

فضلك لا يُنكر لكن الولا

قد ساغه بعضٌ وبعضٌ فيه غصْ

فذكره عند مواليك شفا

وذكره عند معاديك غُصصْ

كالطير بعضٌ في رياض أزهرت

وابتسم الورَد وبعضٌ في قفسْ

وله في ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وإنَّها له بنصّ حديث الغدير قوله:

قدَّمتُ حيدر لي مولى بتأمير

لَمّا علمت بتنقيبي وتنقيري

إنَّ الخلافة مِن بعد النبيِّ له

كانت بأمر من الرَّحمن مقدورِ

مَن قال أحمد في يوم «الغدير» له

بالنقل في خبرٍ بالصِّدق مأثورِ

_____________________

١ - القص: الصدر أو عظمه.

٢ - مرت قصته عليه السلام مع عمرو وبسر في الجزء الثاني ١٥٨، ١٦٥.

٣ - حص الشيء: قطع عنه.

٤ - أسلفنا نزول هل أتى في العترة الطاهرة وسيدهم في هذا الجزء ص ١٠٧ - ١١١، ٦٩

٥ - مرّ تفصيل قصة أنس في الجزء الأول ص ١٩١.

٣٨٩

: قم يا عليُّ فكن بعدي لهم علماً

واسعد بمنقلبٍ في البعث محبورِ

مولاهمُ أنت والموفي بأمرهمُ

نصٌّ بوحي على الأفهام مسطورِ

وذاك إنَّ إله العرش قال له:

بلّغ وكن عند أمري خير مأمورِ

فإن عصيت ولم تفعل فإنَّك ما

بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري

وله قوله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام ويذكر فرض ولاءه بحديث الغدير:

دع الشناعات أيّها الخدعه

واركن إلى الحقِّ واغدُ متَّبعه

مَن وحَّد الله أوَّلاً وأبى

إلّا النبيَّ الأُميَّ واتَّبعه

مَن قال فيه النبيُّ: كان مع ا

لحقِّ عليٌّ والحقُّ كان معه

مَن سلَّ سيف الإله بينهمُ

سيفاً من النور ذو العُلى طبعه

مَن هزَّم الجيش يوم خيبرهم

وهزَّ باب القموص فاقتلعه

من فرَّض المصطفى ولاه على

الخلق بيوم «الغدير» إذ رفعه

أشهد أنَّ الذي تقول به

يعلم بطلانه الذي سمعه

وقال يمدحه صلوات الله عليه:

اُقيم بخمٍّ للخلافة حيدرٌ

ومِن قبلُ قال الطّهر ما ليس يُنكرُ

غداة دعاه المصطفى وهو مُزمعٌ

لقصد تبوك وهو للسير مضمرُ

فقال: أقم عنّي بطيبةَ واعلمن

بأنَّك لِلفُجّار بالحقِّ تقهرُ

ولَمّا مضى الطهر النبيُّ تظاهرت

عليه رجالٌ بالمقال وأجهروا

فقالوا: عليٌّ قد قلاه محمَّدٌ

وذاك مِن الأعداء إفكٌ ومنكرُ

فأتبعه دون المعرَّس فانثنى

وقالوا: عليٌّ قد أتى فتأخَّروا

ولَمّا أبان القول عمَّن يقوله

وأبدى له ما كان يبدي ويضمرُ

فقال: أما ترضى تكون خليفتي

كهارون من موسى؟ وشأنك أكبر

وعلّاه خير الخلق قدراً وقدرةً

وذاك من الله العليِّ مقدَّرُ

وقال رسول الله: هذا إمامكم

له الله ناجى أيّها المتحيَّرُ

٣٩٠

*(الشاعر) *

أبو القاسم عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغدادي النازل بالكرخ في قطيعة الرَّبيع(١) الشهير بالزاهي(٢) شاعرٌ عبقريٌّ تحيَّز من شعره إلى أهل بيت الوحي، ودان بمذهبهم، وأدَّى يمودَّتهم أجر الرسالة، فكان أكثر شعره الواقع في أربعة أجزاء فيهم مدحاً ورثاءاً بحيثُ عدَّ في «معالم العلماء» في طبقة المجاهدين من شعرائهم وصّافاً، فلم يزل فيه يُكافح عنهم ويُناطح، ويُنازل ويُناضل، ولذلك لم يلف نُشوراً بين مَن كان يُناوئهم أو لا يقول بأمرهم، فحسبوه مقلّاً من الشعر كما في «تاريخ بغداد» وغيره، غير أنَّ جزالة شعره، وجودة تشبيهه، وحسن تصويره، لم يدع لأرباب المعاجم منتدحاً من إطراءه.

وفي فهم المعنى الذي لا يُبارح الخلافة والإمامة من لفظ المولى من مثل الزاهي العارف بمعاريض الكلام، والمتسالم على تضلّعه في اللغة والأدب العربيِّ، وبثِّه في نظمه لَحجَّةٌ قويَّةٌ على الصَّواب الذي ترتأيه الشيعة في الإستدلال بحديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

وُلد [الزاهي] يوم الإثنين لعشر ليال بقين من صفر سنة ٣١٨ كما نصَّ به إبن خلّكان نقلاً عن «طبقات الشعراء» لعميد الدولة. وتُوفّي ببغداد يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادى الأولى سنة ٣٥٢ في رواية عميد الدولة ودفن في مقابر قريش. أو بعد سنة ٣٦٠ فيما قاله الخطيب نقلاً عن التنوخي. وأرَّخه السمعاني كذلك نقلاً عن الخطيب.

ولَمّا لم يكن في المعاجم عنايةٌ بشعره المذهبيِّ الراقي فنحن نذكر منه شطراً فمن ذلك قوله يمتدح به أمير المؤمنين عليه السلام:

يا سادتي يا آل ياسين فقطْ

عليكم الوحي من الله هبطْ

لو لاكمُ لم يقبل الفرض ولا

رحنا لبحر العفو من أكرم شطْ

_____________________

١ - تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه ووالد وزير الفضل بن الربيع

٢ - نسبة إلى (زاه) قرية من قرى نيسابور يقال في النسبة إليها: زاهي. وازاهى.

٣٩١

أنتم وُلاة العهد في الذرِّ ومَن

هواهمُ الله علينا قد شرطْ

ما أحدٌ قايسكم بغيركم

ومازج السلسل بالشرب اللمطْ

إلّا كمن ضاهى الجبال بالحصا

أو قايس الأبحر جهلاً بالُنقطْ

* * *

صنو النبيِّ المصطفى والكاشف الـ

ـغمّاء عنه والحسام المخترطْ

أوّل مَن صام وصلّى سابقاً

إلى المعالي وعلى السبق غُبطْ

* * *

مكلّم الشمس ومَن رُدَّت له

ببابل والغرب منها قد قبطْ

وراكض الأرض ومن أنبع للـ

ـعسكر ماء العين في الوادي القحطْ

بحرٌ لديه كلُّ بحر جدولٌ

يغرف من تيّاره إذا اغتمطْ

وليث غابٍ كلُّ ليثٍ عنده

بنظره العقل صغيراً إذ قلطْ

باسط علم الله في الأرض ومَن

بحبِّه الرَّحمن لِلرِّزق بسطْ

سيفٌ لو أنَّ الطفل يلقى سيفه

بكفّه في يوم حرب لشمطْ

يخطو إلى الحرب به مدرَّعاً

فكم به قد قدَّ مِن رجسٍ وقطْ

(قوله: مكلّم الشمس)

أشار به إلى ما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنَّه قال لعليٍّ: يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنَّها تُكلّمك. قال عليٌّ عليه السلام: السَّلام عليكَ أيّها العبد المطيع لله ورسوله. فقالت الشمس: وعليكَ السَّلام يا أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين يا عليُّ أنت وشيعتك في الجنَّة، يا عليُّ أوَّل من تنشق عنه الأرض محمَّد ثمَّ أنت، وأوَّل من يُحيى محمَّد ثمَّ أنت، وأوَّل مَن يُكسى محمَّد ثمَّ أنت. فسجد عليٌّ عليه السلام لله تعالى وعيناه تذرفان بالدُّموع، فانكبَّ عليه النبيُّ فقال: يا أخي وحبيبي إرفع رأسك فقد باهى الله بك أهل سبع سماوات.

أخرجه شيخ الإسلام الحمّوئي في «فرائد السمطين» ب ٣٨. والخوارزمي في «المناقب» ص ٦٨. والقندوزي في «الينابيع» ص ١٤٠.

(قوله: ومَن رُدّت له ببابل)

٣٩٢

حديث ردِّ الشمس لعليٍّ عليه السلام ببابل أخرجه نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين ص ١٥٢ ط مصر بإسناده عن عبد خير(١) قال كنت مع عليٍّ. أسير في أرض بابل و حضرت الصَّلاة صلاة العصر قال: فجعلنا لا نأتي مكاناً إلا رأيناه أفيح من الآخر. قال: حتّى أتينا على مكانٍ أحسن ما رأينا وقد كادت الشمس أن تغيب. قال: فنزل عليٌّ ونزلت معه قال: فدعا الله فرجعت الشَّمس كمقدارها من صلاة العصر قال: فصلّينا العصر ثمَّ غابت الشمس.

قوله: «ومَن أنبع للعسكر ماء العين»

أشار به إلى ما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين ص ١٦٢ بإسناده عن أبي سعيد التيمي التابعيّ المعروف بعقيصا أنَّه قال: كنّا مع عليّ في مسيره إلى الشّام حتّى إذا كنّا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا إلى الماء، فانطلق بنا عليٌّ حتّى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنَّها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماءٌ، فشرب الناس منه وارتووا، قال: ثمَّ أمرنا فأكفأناها عليه. قال وسار الناس حتّى إذا مضينا قليلاً قال عليٌّ: منكم أحدٌ يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فانطلقوا إليه. قال فانطلق منّا رجالٌ ركباناً و مشاةً فاقتصصنا الطريق حتّى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنَّه فيه. قال: فطلبناها(٢) فلم نقدر على شيءٍ حتّى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منّا فسألناهم: أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا: ما قربنا ماءٌ. قالوا: بلى، إنّا شربنا منه. قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا: نعم. قال [صاحب الدير]: ما بُني هذا الدير إلّا بذلك الماء، وما استخرجه إلّا نبيٌّ أو وصيُّ نبيٍّ. وأخرجه الخطيب في تاريخه ١٢ ص ٣٠٥.

ومن قصيدته الطائيَّة قوله:

وهو لكلِّ الأوصياء آخرٌ

بضبطه التوحيد في الخلق انضبطْ

باطن علم الغيب والظاهر في

كشف الإشارات وقطب المغتبطْ

أحيى بحدِّ سيفه الدين كما

أمات ما أبدع أرباب اللغطْ

_____________________

١ - مرّت ترجمته وثقته في ج ١ ص ٦٣.

٢ - أي الصخرة.

٣٩٣

مفقِّه الأُمَّة والقاضي الَّذي

أحاط من علم الهدى ما لم يُحطْ

والنَّبأ الأعظم والحجَّة والـ

ـمحنة والمصباح في الخطب الورطْ

حبلٌ إلى الله وباب الحطَّة الـ

ـفاتح بالرُّشد مغاليق الخططْ

والقدم الصَدق الذي سيط به

قلب امرأٍ بالخطوات لم يسطْ

ونهر طالوت وجنب الله والـ

ـعين التي بنورها العقل خبطْ

والأُذن الواعية الصمّاء عن

كلِّ خنا يغلط فيه من غلطْ

حسن مآب عند ذي العرش ومَن

لولا أياديه لكنّا نختبطْ

(قوله: الأُذن الواعية)

إشارةٌ إلى ما أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» ١ ص ٦٢ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله إنَّه قال: يا عليُّ إنَّ الله عزَّ وجلَّ أمرني أن أُدنيك وأُعلّمك لتعي وأنزلت هذه الآية:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) . فأنت أُذُنٌ واعيةٌ لعلمي. وأخرجه جمعٌ من الحفّاظ وقال القاضي عضد الأيجي في «المواقف» ٣ ص ٢٧٦: أكثر المفسِّرون (في قوله تعالى): وتعيها أُذُنٌ واعيةٌ إنَّه عليٌّ.

وله في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

وال عليّاً واستضئ مقباسهُ

تدخل جناناً ولتسقي كأسهُ

فمن توّلاه نجا ومن عَدا

ما عرف الدِّين ولا أساسهُ

أوَّل مَن قد وحّد الله وما

ثنى إلى الأوثان يوماً رأسهُ

فدى النبيَّ المصطفى بنفسه

إذ ضيَّقت أعداؤه أنفاسهُ

بات على فرش النبيِّ آمناً

والليل قد طافت به أحراسهُ

حتّى إذا ما هجم القوم على

مُستيقظٍ بنصله أشماسهُ

ثار إليهم فتولّوا مزقاً

يمنعهم عن قربه حماسهُ

مُكسِّر الأصنام في البيت الذي

أُزيح عن وجه الهدى غماسهُ

رقى على الكاهل من خير الورى

والدين مقرونٌ به أنباسهُ

ونكَّس اللّات وألقى هَبَلاً

مُهشّماً يقلبه انتكاسهُ

وقام مولايَ على البيت وقد

طهَّره إذ قد رمى أرجاسهُ

٣٩٤

واقتلع الباب اقتلاعاً معجزاً

يسمع في دويِّه ارتجاسهُ

كأنّه شرارةٌ لموقد

أخرجها من ناره مقباسهُ

مَن قد ثنى عمرو بن ودٍّ ساجياً

إذ جزع الخندق ثمَّ جاسهُ

مَن هبط الجبّ ولم يخش الرَّدى

والماء منحلّ السقا فجاسهُ

مَن أحرق الجنَّ برجم شهبه

أشواظه يقدمها نَحاسهُ

حتّى انثنت لأمره مذعنةً

ومنهمُ بالعوذ إحتراسهُ

«بيان»: أشار بقوله: مَن هَبَط الجبَّ. إلى ما أخرجه الإمام أحمد في المناقب عن عليّ عليه السلام قال: لَمّا كان ليلة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس عنه فقام عليُّ فاعتصم بالقربة ثمَّ أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل: تأهِّبوا لنصر محمَّد وحزبه. فهبطوا من السَّماء لهم لفظٌ يزعر من سمعه فلمّا مرّوا بالبئر سلّموا عليه من أوَّلهم إلى آخرهم إكراماً له وتبجيلاً. شرح إبن أبي الحديد ١ ص ٤٥٠.

وله في مدحه صلوات الله عليه قوله:

هذا الَّذي أردى الوليد وعتبة

والعامريَّ وذا الخمار ومرحبا

هذا الَّذي هشمت يداه فوارساً

قسراً ولم يك خائفاً مترقِّبا

في كلِّ منبت شعره من جسمه

أسدٌ يمدُّ إلى الفريسة مخلبا

وله فيه سلام الله عليه قوله:

أبا حسن جعلتك لي ملاذاً

ألوذ به ويشملني الزِّماما

فكن لي شافعاً في يوم حشري

وتجعل دار قدسك لي مقاما

لأنّي لم أكن مِن نعثليٍّ

ولا أهوى عتيق ولا دماما

وله مادحاً أهل البيت الطاهر قوله:

يا لائمي في الولا هل أنت تعتبرُ

بمن يُوالي رسول الله أو يذرُ؟

قومٌ لو أنَّ البحار تنزف بالأ

قلام مشقاً وأقلام الدُّنا شجرُ(١)

_____________________

١ - أشار إلى ما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من قوله: لو أن الأشجار أقلام، والبحر مداد، والجن حساب، والإنس كتاب ما أحصوا فضايل علي بن أبي طالب. مناقب الخوارزمي ص ١: ٢٥٩ كفاية الطالب ١٢٣، تذكرة السبط س ٨.

٣٩٥

والإنس والجنُّ كُتّابٌ لفضلهمُ

والصحف ما احتوت الآصال والبكرُ

لم يكتبوا العُشر بل لم يعد جهدهمُ

في ذلك الفضل إلّا وهو محتقرُ

أهل الفخار وأقطاب المدار ومَن

أضحت لأمرهمُ الأيّام تأتمرُ

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة الز

هر الغطارفة العلويَّة الغررُ

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا

الفضل الجليل ومن سادت بهم مضرُ

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهمُ؟

قومٌ يكاد إليهم يرجع القدرُ

اعطوا الصفا نهلاً اُعطوا النبوَّة مِن

قبل المزاج فلم يحلق بهم كدرُ

وتوَّجوا شرفاً ما مثله شرفٌ

وقلّدوا خطراً ما مثله خطرُ

حسبي بهم حججاً لله واضحةً

يجري الصَّلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم

والمصطفى الأصل والذريَّة الثمر(١)

وله في رثاء أهل البيت قوله:

يا آل أحمد ماذا كان جرمكمُ؟

فكلُّ أرواحكم بالسيف تُنتزعُ

تلفى جموعكمُ شتّى مُفرَّقة

بين العباد وشمل الناس مجتمعُ

وتُستباحون أقماراً مُنكسَّةً

تهوى وأرؤسها بالسّمر تقترعُ

ألستمُ خير من قام الرَّشاد بكم

وقوَّضت سنن التضليل والبدعُ؟!

ووُحِّد الصمد الأعلى بهديكمُ

إذ كنتمُ علماً للرُّشد يتَّبعُ؟

ما للحوادث لا تجري بظالمكم؟

ما للمصائب عنكم ليس ترتدعُ

منكم طريدٌ ومقتولٌ على ظمأٍ

ومنكمُ دنفٌ بالسمر مُنصرعُ

وهاربٌ في أقاصي الغرب مغتربٌ

ودارعٌ بدم اللبّات مندرعُ

ومقصد من جدارٍ ظلّ مُنكدراً

وآخر تحت ردم فوقه يقعُ

ومن محرَّق جسم لا يُزار له

قبرٌ ولا مشهدٌ يأتيه مرتدعُ

وإن نسيت فلا أنسى الحسين وقد

مالت إليه جنود الشرك تقترعُ

فجسمه لحوامي الخيل مطَّرد

ورأسه لسنان السّمر مرتفعُ

وله في رثائهم سلام الله عليهم قوله:

_____________________

١ - فيه إيعاز إلى ما مرّ في هذا الجزء ص ٨، ٩.

٣٩٦

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوةً

ويسلمني طيف الهجوع فأهجعُ؟

ظلمتم وذُبّحتم وقسِّم فيئكم

وجار عليكم مَن لكم كان يخضعُ

فما بقعةٌ في الأرض شرقاً ومغرباً

وإلّا لكم فيه قتيلٌ ومصرعُ

وله في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام قوله:

أُعاتب عيني إذا أقصرت

وأفني دموعي إذا ما جرتْ

لذكراكمُ يا بني المصطفى

دموعي على الخطِّ قد سطَّرتْ

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرتْ

أُمثِّل أجسادكم بالعراق

وفيها الأسنَّة قد كسِّرتْ

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخطِّ الصحيفة إذ أقفرتْ

أُمثلّكم في عِراص الطفوف

بدوراً تكسَّف إذ أقمرتْ

وأضحى بكم كربلا مغرباً

كزهر النجوم إذا غوَّرتْ

كأنّي بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نُشِّرتْ

تمرِّغ في نحره وجهها

وتُبدي مِن الوجدِ ما أضمرتْ

وفاطمةٌ عقلها طايرٌ

إذ السوطَ في جنبها أبصرتْ

ولِلسبط فوق الذي جُثَّةٌ

بفيض دم النحر قد عُقِّرتْ

وفتيته فوق وجه الثرى

كمثل الأضاحي إذ اجزرتْ

وأرؤسهم فوق سُمر القنا

كمثل الغصون إذا أثمرتْ

ورأس الحسين أمام الرّفاق

كغرَّة صُبح إذا أسفرتْ

وله في رثائه صلوات الله عليه قوله:

ابكي يا عين ابكي آل رسول ا

لله حتّى تُخدَّ منكِ الخدودُ

وتقلَّب يا قلبُ في ضَرم الحزن

فما في الشجا لهم تفنيدُ

فهمُ النخل باسقاتٌ كما قال

سوامٌ لهنَّ طلعٌ نضيدُ

وهمُ في الكتاب زيتونة النور

وفيها لكلِّ نارٍ وقودُ

وبأسمائهم إذا ذكر الله

بأسمائه اقترانٌ أكيدُ

غادرتهم حوادث الدَّهر صرعى

كلُّ شهم بالنفس منه يجودُ

٣٩٧

لست أنسى الحسين في كربلاء

وهو ظامٍ بين الأعادي وحيدُ

ساجدٌ يلثم الثرا وعليه

قضب الهند رُكَّعٌ وسجودُ

يطلب الماء والفرات قريبٌ

ويرى الماء وهو عنه بعيدُ

يا بني الغدر مَن قتلتم؟ لعمري

قد قتلتم مَن قام فيه الوجودُ

وله في أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم:

قومٌ سماؤهمُ السيوف وأرضهم

أعداؤهم ودم النّحور بُحورها

يستمطرون من العجاج سحائباً

صوب الحتوف على الزحوف مطيرها

وحَنادس الفتن التي إن أظلمت

فشموسها آرائهم وبُدورها

ملكوا الجنان بفضلهم فرياضها

طرّاً لهم وخيامها وقُصورها

وإذا الذُّنوب تضاعفت فبحبَّهم

يُعطي الأمان أخا الذنوب غفورها

تلك النجوم الزُّهر في أبراجها

ومن السنين بهم تتمُّ شهورها

أخذنا ترجمة (الزاهي) من تاريخ بغداد ١١ ص ٣٥٠. يتيمة الدهر ١ ص ١٩٨. أنساب السمعاني. مناقب إبن شهر آشوب ومعالمه. تاريخ إبن خلكان ١ ص ٣٩٠. مرآة الجنان ٢ ص ٣٤٩. مجالس المؤمنين ٤٥٩. بحار الأنوار ١٠ ص ٢٥٥ الكنى والألقاب ٢ ص ٢٥٧. دائرة المعارف للبستاني ٩ ص ١٦١. الأعلام للزركلي ٢ ص ٦٥٩.

٣٩٨

القرن الرابع

٢١

الأمير أبو فراس الحمداني

المولود ٣٢٠ / ٣٢١

المتوفّى ٣٥٧

الحقُّ مُهتضمٌ والدين مُخترمُ

وفئ آل رسول الله مُقتسمُ

والناس عندك لا ناسٌ فيحفظهم

سوم الرُّعاة ولا شاءٌ ولا نعمُ

إنّي أبيت قليل النَّوم أرَّقني

قلبٌ تَصارع فيه الهمُّ والهممُ

وعزمةٌ لا ينام الليل صاحبها

إلّا على ظفر في طيِّه كرمُ

يُصان مُهري لأمرٍ لا أبوح به

والدرع والرمح والصمصامة الحذمُ(١)

وكلّ مائرة الضبعين مسرحها

رمث الجزيرة والخذراف والعنمُ(٢)

وفتيةٌ قلبهم قلبٌ إذا ركبوا

وليس رأيهمُ رأياً إذا عزموا

يا للرِّجال أما لله مُنتصر

من الطغاة؟ أما لله مُنتقمُ؟

بنو عليٍّ رعايا في ديارهمُ

والأمر تملكه النسوان والخدمُ

محلّئون فأصفى شربهم وَشَلٌ

عند الورود وأوفى ودِّهم لممُ(٣)

فالأرض إلّا على ملّاكها سعةٌ

والمال إلّا على أربابهِ ديمُ

فما السعيد بها إلّا الذي ظُلموا

وما الشقيُّ بها إلّا الذي ظلموا

للمتَّقين من الدنيا عواقبها

وإن تعجَّل منها الظالم الأثمُ

أتفخرون عليهم لا أباً لكمُ

حتّى كأنَّ رسول الله جدُّكمُ؟!

_____________________

١ - الحذم من السيوف بالحاء المهملة: القاطع.

٢ - مار: تحرك. الضبع: العضد. كناية عن السمن. الرمث بكسر المهملة: خشب يضم بعضه إلى بعض ويسمى: الطوف. الخذراف بكسر الخاء ثمَّ الدال المعجمتين: نبات إذا أحس بالصيف يبس. العنم بفتح المهملة. نبات له ثمرة حمراء يشبه به البنان المخضوب.

٣ - حلاء عن الماء: طرده. الوشل الماء القليل. لم: أي غب.

٣٩٩

ولا توازن فيما بينكم شرفٌ

ولا تساوت لكم في موطن قدمُ

ولا لكم مثلهم في المجد متصلٌ

ولا لجدِّكمُ معاشر جدِّهمُ

ولا لعرقكمُ من عرقهم شبهٌ

ولا نثيلتكم من أُمِّهم أممُ(١)

قام النبيُّ بها «يوم الغدير» لهم

والله يشهد والأملاك والأُممُ

حتَّى إذا أصبحت في غير صاحبها

باتت تُنازعها الذُّؤبان والرخمُ

وصيَّروا أمرهم شورى كأنَّهمُ

لا يعرفون وُلاة الحقِّ أيّهمُ

تالله ما جهل الأقوام موضعها

لكنَّهم ستروا وجه الّذي علموا

ثمَّ ادَّعاها بنو العبّاس ملكهم

ولا لهم قَدَمٌ فيها ولا قِدمُ

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا

ولا يُحكّم في أمر لهم حكمُ

ولا رآهم أبو بكر وصاحبه

أهلاً لما طلبوا منها وما زعموا

فهل همُ مدَّعوها غير واجبةٍ؟

أم هل أئمَّتهم في أخذها ظلموا؟

أمّا عليٌّ فأدنى من قرابتكم

عند الولاية إن لم تُكفر النعمُ

أينكر الحبر عبد الله نعمته؟

أبوكمُ أم عُبيد الله أم قثمُ؟!

بئس الجزاءُ جزيتم في بني حسن

أباهم العَلَم الهادي وأُمَّهمُ

لا بيعة ردَّعتكم عن دمائهمُ

ولا يمين ولا قُربى ولا ذَممُ

هلّا صفحتم عن الأسرى بلا سبب

لِلصّافحين ببدر عن أسيركمُ؟!

هلّا كففتم عن الديباج سوطكمُ(٢)

وعن بنات رسول الله شتمكمُ؟(٣)

ما نزّهت لرسول الله مهجته

عن السياط فهلّا نزّه الحرمُ؟

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تلك الجرائر إلّا دون نيلكمُ

كم غدرةٍ لكم في الدين واضحةٍ

وكم دمٍ لرسول الله عندكمُ

أنتم له شيعةٌ فيما ترون وفي

أظفاركم من بنيه الطاهرين دمُ

_____________________

١ - نثيله هي أم العبّاس بن عبد المطلب. الأمم: القرب.

٢ - الديباج هو محمد بن عبد الله العثماني أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت الحسين السبط ضربه المنصور مأتين وخمسين سوطا.

٣ - لعله أشار إلى قول منصور لمحمد الديباج: يا بن اللخناء. فقال محمد. أي أمهاتي تعيرني؟ أبفاطمة بنت الحسين؟ أم بفاطمة الزهراء؟ أم برقية؟.

٤٠٠