الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 481
المشاهدات: 118167
تحميل: 6040


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118167 / تحميل: 6040
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والشهادة: هو نيل نفس الشئ وعينه إمّا بحسّ ظاهر كما في المحسوسات أو باطن كما في الوجدانيّات نحو العلم والإرادة والحبّ والبغض وما يضاهي ذلك.

والألفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادّة والحركة والتغيّر، ولذلك لا تستعمل في مورده تعالى غير الخمسة الأخيرة منها أعني العلم والحفظ والحكمة والخبرة والشهادة، فلا يقال فيه تعالى: إنّه يظنّ أو يحسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غير ذلك.

وأمّا الألفاظ الخمسة الأخيرة فلعدم استلزامها للنقص والفقدان تستعمل في مورده تعالى، قال سبحانه:( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النساء - ١٧٦، وقال تعالى:( وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) سبأ - ٢١، وقال تعالى:( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) البقرة - ٢٣٤، وقال تعالى:( هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) يوسف - ٨٣، وقال تعالى:( أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فصّلت - ٥٣.

ولنرجع إلى ما كنّا فيه فنقول: لفظ العقل على ما عرفت يطلق على الإدراك من حيث أنّ فيه عقد القلب بالتصديق، على ما جبّل الله سبحانه الإنسان عليه من إدراك الحقّ والباطل في النظريّات، والخير والشرّ والمنافع والمضارّ في العمليّات حيث خلقه الله سبحانه خلقة يدرك نفسه في أوّل وجوده، ثمّ جهّزه بحواسّ ظاهرة يدرك بها ظواهر الأشياء، وباُخرى باطنة يدرك معاني روحيّة بها ترتبط نفسه مع الأشياء الخارجة عنها كالإرادة، والحبّ والبغض، والرجاء، والخوف، ونحو ذلك، ثمّ يتصرّف فيها بالترتيب والتفصيل والتخصيص والتعميم، فيقضي فيها في النظريّات والاُمور الخارجة عن مرحلة العمل قضاءً نظريّاً، وفي العمليّات والاُمور المربوطة بالعمل قضاءً عمليّاً، كلّ ذلك جرياً على المجرى الّذي تشخّصه له فطرته الأصليّة، وهذا هو العقل.

لكن ربّما تسلّط بعض القوى على الإنسان بغلبته على سائر القوى كالشهوة والغضب فأبطل حكم الباقي أو ضعّفه، فخرج الإنسان بها عن صراط الاعتدال إلى أودية الإفراط والتفريط، فلم يعمل هذا العامل العقليّ فيه على سلامته، كالقاضي الّذي يقضي

٢٦١

بمدارك أو شهادات كاذبة منحرفة محرّفة، فإنّه يحيد في قضائه عن الحقّ وإن قضى غير قاصد للباطل، فهو قاض وليس بقاض، كذلك الإنسان يقضي في مواطن المعلومات الباطلة بما يقضي، وإنّه وإن سمّي عمله ذلك عقلاً بنحو من المسامحة، لكنّه ليس بعقل حقيقة لخروج الإنسان عند ذلك عن سلامة الفطرة وسنن الصواب.

وعلى هذا جرى كلامه تعالى، فإنّه يعرّف العقل بما ينتفع به الإنسان في دينه ويركب به هداه إلى حقائق المعارف وصالح العمل، وإذا لم يجر على هذا المجرى فلا يسمّى عقلاً، وإن عمل في الخير والشرّ الدنيويّ فقط، قال تعالى( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك - ١٠.

وقال تعالى:( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجّ - ٤٦، فالآيات كما ترى تستعمل العقل في العلم الّذي يستقلّ الإنسان بالقيام عليه بنفسه، والسمع في الإدراك الّذي يستعين فيه بغيره مع سلامة الفطرة في جميع ذلك، وقال تعالى:( مَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) البقرة - ١٣٠، وقد مرّ أن الآية بمنزلة عكس النقيض لقولهعليه‌السلام : العقل ما عبد به الرحمن الحديث.

فقد تبيّن من جميع ما ذكرنا: أنّ المراد بالعقل في كلامه تعالى هو الإدراك الّذي يتمّ للإنسان مع سلامه فطرته، وبه يظهر معنى قوله سبحانه: كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تعقلون، فبالبيان يتمّ العلم، والعلم مقدّمة للعقل ووسيلة إليه كما قال تعالى:( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنكبوت - ٤٣.

( بحث روائي)

في سنن أبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاريّة، قالت: طلّقت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن للمطلّقة عدّة فاُنزل حين طلّقت العدّة للطلاق:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) فكانت أوّل من أنزلت فيها العدّة للطلاق.

وفي تفسير العيّاشيّ في قوله تعالى: والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء، عن زرارة، قال: سمعت ربيعة الرأي وهو يقول: إنّ من رأيي أنّ الأقراء الّتي سمّى الله

٢٦٢

في القرآن إنّما هي الطهر فيما بين الحيضتين وليس بالحيض، قال: فدخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فحدّثته بما قال ربيعة فقال: ولم يقل برأيه إنّما بلغه عن عليّعليه‌السلام فقلت: أصلحك الله أكان عليّعليه‌السلام يقول ذلك؟ قال: نعم، كان يقول: إنّما القرء الطهر، تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاءت دفعته، قلت: أصلحك الله رجل طلّق امرأته طاهراً غير جماع بشهادة عدلين؟ قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها وحلّت للازواج، الحديث.

اقول: هذا المعنى مرويّ بعدّة طرق عنهعليه‌السلام ، وقوله: قلت: أصلحك الله أكان عليّعليه‌السلام يقول ذلك إنّما استفهم ذلك بعد قولهعليه‌السلام : إنّما بلغه عن عليّ، لما اشتهر بين العامّة عن عليّ أنّه كان يقول: إنّ القروء في الآية هي الحيض دون الأطهار كما في الدرّ المنثور عن الشافعيّ وعبد الرزّاق وعبد بن حميد والبيهقيّ عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: تحلّ لزوجها الرجعة عليها حتّى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحلّ للأزواج، لكن أئمّة أهل البيت ينكرون ذلك وينسبون إليهعليه‌السلام : أنّ الأقراء الأطهار دون الحيض كما مرّت في الرواية، وقد نسبوا هذا القول إلى عدّة اُخرى من الصحابة غيرهعليه‌السلام كزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وعائشة ورووه عنهم.

وفي المجمع عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ الآية: الحبل والحيض.

وفي تفسير القمّيّ: وقد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الطهر والحيض والحبل.

وفي تفسير القمّيّ أيضاً في قوله تعالى: وللرجال عليهنّ درجة، قال: قالعليه‌السلام حقّ الرجال على النساء أفضل من حقّ النساء على الرجال.

اقول: وهذا لا ينافي التساوي من حيث وضع الحقوق كما مرّ.

وفي تفسير العيّاشيّ في قوله تعالى: الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: إنّ الله يقول الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والتسريح بالإحسان هو التطليقة الثالثة.

٢٦٣

وفي التهذيب عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: طلاق السنّة يطلّقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثمّ يدعها حتّى تمضي أقراؤها فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب: إن شاءت نكحته، وإن شاءت فلا، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية، الحديث.

وفي الفقيه عن الحسن بن فضّال، قال: سألت الرضا عن العلّة الّتي من أجلها لا تحلّ المطلّقة لعدّة لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّوجلّ إنّما أذن في الطلاق مرّتين فقال عزّوجلّ: الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، يعني في التطليقة الثالثة، ولدخوله فيما كره الله عزّوجلّ من الطلاق الّذي حرّمها عليه فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره لئلّا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق ولا تضارّ النساء، الحديث.

اقول: مذهب أئمّة أهل البيت: أنّ الطلاق بلفظ واحد أو في مجلس واحد لا يقع إلّا تطليقة واحدة، وإن قال طلّقتك ثلاثاً على ماروته الشيعة، وأمّا أهل السنّة والجماعة فرواياتهم فيه مختلفة: بعضها يدلّ على وقوعه طلاقاً واحداً، وبعضها يدلّ على وقوع الثلاث، وربّما رووا ذلك عن عليّ وجعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، لكن يظهر من بعض رواياتهم الّتي رواها أرباب الصحاح كمسلم والنسائيّ وأبي داود وغيرهم: أنّ وقوع الثلاث بلفظ واحد ممّا أجازه عمر بعد مضيّ سنتين أو ثلاثة من خلافته، ففي الدرّ المنثور: أخرج عبد الرزّاق ومسلم وأبو داود والنسائيّ والحاكم والبيهقيّ عن ابن عبّاس قال: كان الطلاق على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحداً فقال عمر بن الخطّاب: إنّ النّاس قد استعجّلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم.

وفي سنن أبي داود عن ابن عبّاس قال: طلّق عبد يزيد أبو ركانة أمّ ركانة ونكح امرأة من مزينة فجائت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: ما يغني عنّي إلّا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها، ففرّق بيني وبينه فأخذت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حميّة فدعا بركانة وإخوته

٢٦٤

ثمّ قال لجلسائه: أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا وفلان منه كذا وكذا قالوا نعم، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد يزيد: طلّقها ففعل، قال: راجع امرأتك أمّ ركانة فقال: إنّي طلّقتها ثلاثاً يا رسول الله، قال: قد علمت ارجعها وتلا: يا أيّها النبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ.

وفي الدرّ المنثورعن البيهقيّ عن ابن عبّاس، قال: طلّق ركانة امراة ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف طلّقتها؟ قال طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد، قال: نعم فإنّما تلك واحدة فارجعها إن شئت فراجعها فكان ابن عبّاس يرى أنّما الطلاق عند كلّ طهر فتلك السنّة الّتي أمر الله بها: فطلّقوهنّ لعدّتهنّ.

اقول: وهذا المعنى مرويّ في روايات اُخرى أيضاً والكلام على هذه الإجازة نظير الكلام المتقدّم في متعة الحجّ.

وقد استدلّ على عدم وقوع الثلاث بلفظ واحد بقوله تعالى: الطلاق مرّتان فإنّ المرّتين والثلاث لا يصدق على ما أنشئ بلفظ واحد كما في مورد اللّعان بإجماع الكلّ.

وفي المجمع في قوله تعالى: أو تسريحٌ بإحسان، قال: فيه قولان، أحدهما: أنّه الطلقة الثالثة، والثاني: أنّه يترك المعتدّة حتّى تبيّن بانقضاء العدّة، عن السدّي والضحّاك، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام .

اقول: والأخبار كما ترى تختلف في معنى قوله: أو تسريح بإحسان.

وفي تفسير القمّيّ في قوله تعالى: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلّا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله الآية، عن الصادقعليه‌السلام قال: الخلع لا يكون إلّا أن تقول المرأة لزوجها: لاأبرّلك قسماً، ولأخرجنّ بغير إذنك، ولأوطئنّ فراشك غيرك ولا أغتسل لك من جنابة، أو تقول: لا اُطيع لك أمراً أو تطلّقني، فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها وكلّ ما قدر عليه ممّا تعطيه من مالها، فإذا تراضيا على ذلك طلّقها على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة، وهو خاطبٌ من الخطّاب، فإن شائت زوّجته نفسها، وإن شائت لم تفعّل، فإن زوّجها فهي عنده على اثنتين باقيتين

٢٦٥

وينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة فإذا ارتجعت في شئ ممّا أعطيتني فأنا أملك ببضعك، وقالعليه‌السلام : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة إذا تزوّجت زوجاً آخر ثمّ طلّقها يحلّ للأوّل أن يتزوّج بها، وقال: لا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلّا أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها.

وفي الفقيه عن الباقرعليه‌السلام قال: إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمراً مفسّرة أو غير مفسّرة حلّ له أن يأخذ منها، وليس له عليها رجعة.

وفي الدرّ المنثور: أخرج أحمد عن سهل بن أبي حثمة، قال: كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس فكرهته، وكان رجلاً دميماً فجائت وقالت يا رسول الله إنّي لا أراه، فلولا مخافة الله لبزقت في وجهه فقال لها: أتردّين عليه حديقته الّتي أصدقك؟ قالت: نعم فردّت عليه حديقته وفرّق بينهما، فكان ذلك أوّل خلع كان في الإسلام.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الباقرعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى: وتلك حدود الله فلا تعتدوها الآية، فقال إنّ الله غضب على الزاني فجعل له مأة جلدة فمن غضب عليه فزاد فأنا إلى الله منه برئ فذلك قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها.

وفي الكافي عن أبي بصير قال: المرأة الّتي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره، قال: هي الّتي تطلّق ثمّ تراجع ثمّ تطلّق الثالثة، وهي الّتي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها.

اقول: العسيلة الجماع، قال في الصحاح: وفي الجماع العسيلة شبّهت تلك اللذّة بالعسل، وصغّرت بالهاء لأنّ الغالب في العسل التأنيث ويقال: إنّما اُنّث لأنّه اُريد به العسلة وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب: ذهبة، انتهى.

وقولهعليه‌السلام : ويذوق عسيلتها، كالاقتباس من كلمة رسول الله لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، في قصّة رفاعة.

ففي الدرّ المنثور: عن البزّاز والطبرانيّ والبيهقيّ: أنّ رفاعة بن سموأل طلّق

٢٦٦

امرأته فأتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله قد تزوّجني عبد الرحمن وما معه إلّا مثل هذه - وأومأت إلى هدبة من ثوبها - فجعل رسول الله يعرض عن كلامها ثمّ قال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة: لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.

أقول: والرواية من المشهورات، رواها جمع كثيرٌ من الرواة من أرباب الصحاح وغيرهم من طرق أهل السنّة، والجماعة وبعض الخاصّة، وألفاظ الروايات وإن كانت مختلفة لكنّ أكثرها تشتمل على هذه اللفظة.

وفي التهذيب عن الصادقعليه‌السلام عن تزويج المتعة أيحلّل؟ قال: لا لأنّ الله يقول فإنّ طلّقها فلا تحلّ له أن تنكح زوجاً غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، والمتعة ليس فيه طلاق.

وفيه أيضاً عن محمّد بن مضارب قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن الخصيّ يحلّل؟ قال: لا يحلّل.

وفي تفسير القمّيّ: في قوله تعالى: وإذا طلّقتم النساء فبلغن أجلهنّ إلى قوله ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا الآية، قال: قالعليه‌السلام : إذا طلّقها لم يجز له أن يراجعها إن لم يردها.

وفي الفقيه عن الصادقعليه‌السلام قال: لا ينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ثمّ يراجعها، وليس له فيها حاجة ثمّ يطلّقها، فهذا الضرار الّذي نهى الله عنه، إلّا أن يطلّق ثمّ يراجع وهو ينوي الإمساك.

وفي تفسير العيّاشيّ في قوله تعالى: ولا تتّخذوا آيات الله هزواً الآية، عن عمر ابن الجميع رفعه إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث، قال: ومن قرأ القرآن من هذه الاُمّة ثمّ دخل النار فهو ممّن كان يتّخذ آيات الله هزواً، الحديث.

في صحيح البخاريّ في قوله تعالى: وإذا طلّقتم النساء فبلغن أجلهنّ، الآية أنّ اُخت معقل بن يسار طلّقها زوجها فتركها حتّى انقضت عدّتها فخطبها فأبى معقل فنزلت: فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ.

أقول: وروى هذا المعنى في الدرّ المنثور عنه وعن عدّة من أرباب الصحاح

٢٦٧

كالنسائيّ وابن ماجة والترمذيّ وأبي داود وغيرهم.

وفي الدرّ المنثور أيضاً عن السدّي، قال: نزلت هذه الآية في جابر بن عبدالله الأنصاريّ كانت له ابنة عمّ فطلّقها زوجها تطليقة وأنقضت عدّتها فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال: طلّقت ابنة عمّنا ثمّ تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله وإذا طلّقتم النساء، الآية.

أقول: لاولاية للأخ ولا لابن العمّ على مذهب أئمّة أهل البيت فلو سلمت إحدى الروايتين كان النهي في الآية غير مسوق لتحديد ولاية، ولا لجعل حكم وضعيّ بل للإرشاد إلى قبح الحيلولة بين الزوجين أو لكراهة أو حرمة تكليفيّة متعلّقة بكلّ من يعضلهنّ عن النكاح لاغير.

وفي تفسير العيّاشيّ في قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهنّ، الآية عن الصادقعليه‌السلام ، قال: والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين، قال: ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة فإذا فطم فالوالد أحقّ به من العصبة وإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم، وقالت الاُمّ: لا اُرضعه إلّا بخمسة دراهم فإنّ له أن ينزعه منها، إلّا أنّ ذلك أجبر له وأقدم وأرفق به أن يترك مع اُمّه.

وفيه أيضاً عنه في قوله تعالى: لاتضارّ والدة الآية، قالعليه‌السلام : كانت المرأة ممّن ترفع يدها إلى الرجل إذا أراد مجامعتها فتقول: لا أدعك، إنّى أخاف أن أحمل على ولدي، ويقول الرجل للمرأة: لا أجامعك إنّى أخاف أن تعلّقي فأقتل ولدي، فنهى الله أن يضارّ الرجل المرأة والمرأة الرجل.

وفيه أيضاً عن أحدهماعليهما‌السلام في قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك قال: هو في النفقة: على الوارث مثل ما على الوالد.

وفيه أيضاً عن الصادقعليه‌السلام في الآية: قال لا ينبغي للوارث أيضاً أن يضارّ المرأة فيقول: لاأدع ولدها يأتيها، ويضارّ ولدها إن كان لهم عنده شئ، ولا ينبغي له أن يقتر عليه.

وفيه أيضاً عن حمّاد عن الصادقعليه‌السلام قال: لإرضاع بعد فطام، قال: قلت له: جعلت

٢٦٨

فداك وما الفطام؟ قال: الحولين الّذي قال الله عزّوجلّ.

اقول: قوله: الحولين، حكاية لما في لفظ الآية ولذا وصفهعليه‌السلام بقوله: الّذي قال الله.

وفي الدرّ المنثور: أخرج عبد الرزّاق في المصنّف وابن عديّ عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لايتم بعد حلم، ولا رضاع بعد فصال، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية، ولا نفقة في المعصية، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا تعرّب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا يمين لزوجة مع زوج، ولا يمين لولد مع والد، ولا يمين لمملوك مع سيّده، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي بكر الحضرميّ عن الصادقعليه‌السلام قال: لمّا نزلت هذه الآية: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً جئن النساء يخاصمن رسول الله وقلن: لا نصبر، فقال لهنّ رسول الله: كانت إحديكنّ إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دبرها في خدرها ثمّ قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتقتها، ثمّ اكتحلت بها، ثمّ تزوّجت فوضع الله عنكنّ ثمانية أشهر.

وفي التهذيب عن الباقرعليه‌السلام كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو اُمّة، وعلى أي وجه كان النكاح منه متعةً أو تزويجاً أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً.

وفي تفسير العيّاشيّ عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك كيف صارت عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر وصارت عدّة المتوفّي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً؟ فقال: أمّا عدّة المطلّقة ثلاث قروء فلأجل استبراء الرحم من الولد، وأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها فإنّ الله شرط للنساء شرطاً وشرط عليهنّ: وأمّا ما شرط لهنّ ففي الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول: للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر، فلن يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر لعلمه تبارك وتعالى أنّها غاية صبر المرأة من الرجل، وأمّا ما شرط عليهنّ فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات زوجها أربعه

٢٦٩

أشهر وعشراً فأخذ له منها عند موته ما أخذ لها منه في حياته.

أقول: وهذا المعنى مرويّ أيضاً عن الرضا والهاديعليهما‌السلام بطرق اُخرى وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء، الآية: المرأة في عدّتها تقول لها قولاً جميلاً ترغّبها في نفسك، ولا تقول: إنّي أصنع كذا أو كذا أو أصنع كذا القبيح من الأمر في البضع وكلّ أمر قبيح، وفي رواية اُخرى تقول لها وهي في عدّتها: يا هذه لا أحبّ إلّا ما أسرّك ولو قد مضى عدّتك لا تفوتيني إنشاء الله، ولا تستبقي بنفسك، وهذا كلّه من غير أن يعزموا عقدة النكاح.

اقول: وفي هذا المعنى روايات اُخر عنهمعليهم‌السلام .

وفي تفسير العيّاشيّ: في قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء، الآية، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها وإن لم يكن سمّى لها مهراً فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وليس لها عدّة وتزوّج من شاءت من ساعتها.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها قال: عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً وإن لم يكن فرض لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع مثلها من النساء.

اقول: وفيه تفسير المتاع بالمعروف.

وفي الكافي والتهذيب وتفسير العيّاشيّ وغيرها عن الباقر والصادقعليهما‌السلام في قوله تعالى: الّذي بيده عقدة النكاح، قالا: هو الوليّ.

اقول: والروايات فيه كثيرة، وقد ورد في بعض الروايات من طرق أهل السنّة والجماعة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام : إنّ الّذي بيده عقدة النكاح الزوج.

في الكافي والفقيه وتفسير العيّاشيّ والقمّيّ في قوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى الآية بطرق كثيرة عن الباقر والصادقعليهما‌السلام : أنّ الصلاة

٢٧٠

الوسطى هي الظهر.

اقول: هذا هو المأثور عن أئمّة أهل البيت في الروايات المرويّة عنهم لساناً واحداً.

نعم في بعضها أنّها الجمعة إلّا أنّ المستفاد منها أنّهم أخذوا الظهر والجمعة نوعاً واحداً لا نوعين اثنين كما رواه في الكافي وتفسير العيّاشيّ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام واللفظ لما في الكافي، قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وهي صلاة الظهر أوّل صلاة صلّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر، قال: ونزلت هذه الآية ورسول الله في سفره فقنت فيها رسول الله وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين، وإنّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام فمن صلّى يوم الجمعه في غير جماعة فليصلّها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيّام، الحديث، والرواية كما ترى تعدّ الظهر والجمعة صلاة واحدة وتحكم بأنّها هي الصلاة الوسطى ولكنّ معظم الروايات مقطوعة، وما كان منها مسنداً فمتنه لا يخلو عن تشويش كرواية الكافي وهي مع ذلك غير واضحة الإنطباق على الآية، والله العالم.

وفي الدرّ المنثور: أخرج أحمد وابن المنيع والنسائيّ وابن جرير والشاشيّ والضياء من طريق الزبرقان: أنّ رهطاً من قريش مرّ بهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال: هي الظهر، ثمّ انصرفا إلى اُسامة بن اُسامة بن زيد فسألاه فقال: هي الظهر، إنّ رسول الله كان يصلّي الظهر بالهجير فلا يكون ورائه إلّا الصفّ والصفّان، والناس في قائلتهم وتجارتهم فأنزل الله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لينتهينّ رجال أو لأحرقنّ بيوتهم.

اقول: وروي هذا السبب عن زيد بن ثابت وغيره بطرق اُخرى.

واعلم: أنّ الأقوال في تفسير الصلاة الوسطى مختلفة معظمها ناش من اختلاف روايات القوم: فقيل إنّها صلاة الصبح ورووه عن عليّعليه‌السلام وبعض الصحابة، وقيل: إنّها صلاة الظهر ورووه عن النبيّ وعدّة من الصحابة، وقيل: إنّها صلاة العصر ورووه

٢٧١

عن النبيّ وعدّة من الصحابة، وقد روى السيوطيّ في الدرّ المنثور فيه بضعاً وخمسين رواية، وقيل: إنّها صلاة المغرب، وقيل إنّها مخفيّة بين الصلوات كليلة القدر بين الليالي، وروى فيهما روايات عن الصحابة، وقيل: إنّها صلاة العشاء وقيل: إنّها الجمعة.

وفي المجمع في قوله تعالى: وقوموا لله قانتين، قال: هو الدعاء في الصلاة حال القيام، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: وروي ذلك عن بعض الصحابة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام في الآية: إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتّى لا يلهيه عنها ولا يشغله شئ.

اقول: ولا منافاة بين الروايتين وهو ظاهر.

في الكافي عن الصادق في قوله تعالى: فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً الآية: إذا خاف من سبع أو لصّ يكبّر ويومي إيمائاً.

وفي الفقيه عنهعليه‌السلام في صلاة الزحف، قال: تكبير وتهليل ثمّ تلا الآية.

وفيه عنهعليه‌السلام : إن كنت في أرض مخوفة فخشيت لصّاً أو سبعاً فصلّ الفريضة وأنت على دابّتك.

وفيه عن الباقرعليه‌السلام : الّذي يخاف اللصوص يصلّي إيمائاً على دابّته.

اقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي بصير قال: سألته عن قول الله: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّة لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج، قالعليه‌السلام : هي منسوخة، قلت: وكيف كانت؟ قال: كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولاً ثمّ أخرجت بلا ميراث ثمّ نسختها آية الربع والثمن، فالمرأة ينفق عليها من نصيبها.

وفيه عن معاوية بن عمّار قال: سألته عن قول الله: والّذين يتوفّون الخ، قال: منسوخة نسختها آية يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً، ونسختها آية الميراث.

وفي الكافي وتفسير العيّاشيّ: سئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يطلّق امرأته يمتّعها؟ قال: نعم، أمّا يحبّ أن يكون من المحسنين أمّا يحبّ أن يكون من المتّقين؟

٢٧٢

( بحث علمي)

من المعلوم أنّ الإسلام - والّذي شرّعه هو الله عزّ اسمه - لم يبن شرائعه على أصل التجارب كما بنيت عليه سائر القوانين لكنّا في قضاء العقل في شرائعه ربّما احتجنا إلى التأمّل في الأحكام والقوانين والرسوم الدائرة بين الاُمم الحاضرة والقرون الخالية، ثمّ البحث عن السعادة الإنسانيّة، وتطبيق النتيجة على المحصّل من مذاهبهم ومسالكهم حتّى نزن به مكانته ومكانتها، ونميّز به روحه الحيّة الشاعرة من أرواحها، وهذا هو الموجب للرجوع إلى تواريخ الملل وسيرها، واستحضار ما عند الموجودين منهم من الخصائل والمذاهب في الحياة.

ولذلك فإنّا نحتاج في البحث عمّا يراه الإسلام ويعتقده في:

١ - هويّة المرأة والمقايسة بينها وبين هويّة الرجل.

٢ - وزنها في الاجتماع حتّى يعلم مقدار تأثيرها في حياة العالم الإنسانيّ.

٣ - حقوقها والأحكام الّتي شرّعت لأجلها.

٤ - الأساس الّذي بنيت عليه الأحكام المربوطة بها.

إلى استحضار ما جرى عليه التاريخ في حياتها قبل طلوع الإسلام وما كانت الاُمم غير المسلمة يعاملها عليه حتّى اليوم من المتمدّنة وغيرها، والاستقصاء في ذلك وإن كان خارجاً عن طوق الكتاب، لكنّا نذكر طرفاً منه:

( حياة المرأة في الامم غير المتمدنة)

كانت حياة النساء في الاُمم والقبائل الوحشيّة كالاُمم القاطنين بإفريقيّة وأستراليا والجزائر المسكونة بالاُوقيانوسيّة وإمريكا القديمة وغيرها بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الأهليّة من الانعام وغيرها بالنّسبة إلى حياة الإنسان.

فكما أنّ الإنسان لوجود قريحة الاستخدام فيه يرى لنفسه حقّاً أن يمتلك الأنعام وسائر الحيوانات الأهليّة ويتصرّف فيها كيفما شاء وفي أيّ حاجة من حوائجه شاء، يستفيد من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحفظها وحراستها و

٢٧٣

سفادها ونتاجها ونمائها، وفي حمل الأثقال، وفي الحرث، وفي الصيد، إلى غير ذلك من الأغراض الّتي لا تحصى كثرة.

وليس لهؤلاء العجم من الحيوانات من مبتغيات الحياة وآمال القلوب في المأكل والمشرب والمسكن والسفاد والراحة إلّا ما رضي به الإنسان الّذي امتلكها ولم يرضى إلّا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها وله فيه نفع في الحياة، وربّما أدّى ذلك إلى تهكّمات عجيبة ومجازفات غريبة في نظر الحيوان المستخدم لو كان هو الناظر في أمر نفسه: فمن مظلوم من غير أيّ جرم كان أجرمه، ومستغيث وليس له أيّ مغيث يغيثه، ومن ظالم من غير مانع يمنعه، ومن سعيد من غير استحقاق كفحل الضراب يعيش في أنعم عيش وألّذه عنده، ومن شقّي من غير استحقاق كحمار الحمل وفرس الطاحونة.

وليس لها من حقوق الحياة إلّا ما رآه الإنسإن لمالك لها حقّاً لنفسه فمن تعدّى إليها لا يؤاخذ إلّا لأنّه تعدّى إلى مالكها في ملكه، لا إلى الحيوان في نفسه، كلّ ذلك لأنّ الإنسان يرى وجودها تبعاً لوجود نفسه وحياتها فرعاً لحياته ومكانتها مكانة الطفيليّ.

كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الاُمم والقبائل حياة تبعيّة، وكانت النساء مخلوقة عندهم (لأجل الرجال) بقول مطلق: كانت النساء تابعة الوجود والحياة لهم من غير استقلال في حياة، ولافي حقّ فكان آبائهنّ ما لم ينكحن، وبعولتهنّ بعد النكاح أولياء لهنّ على الإطلاق.

كان للرجل أن يبيع المرأة ممّن شاء وكان له أن يهبها لغيره، وكان له أن يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك، وكان له أن يسوسها حتّى بالقتل، وكان له أن يخلّي عنها، ماتت أو عاشت، وكان له أن يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة وخاصّة في المجاعة وفي المآدب، وكان له ما للمرأة من المال والحقّ وخاصّة من حيث إيقاع المعاملات من بيع وشرى وأخذ وردّ.

وكان على المرأة أن تطيع الرجل - أباها أو زوجها - في ما يأمر به طوعاً أو كرهاً، وكان عليها أن لا تستقلّ عنه في أمر يرجع إليه أو إليها، وكان عليها أن تلي أمور البيت

٢٧٤

والأولاد وجميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه، وكان عليها أن تتحمّل من الأشغال أشقّها كحمل الأثقال وعمل الطين وما يجري مجراهما ومن الحرف والصناعات أرداها وسفسافها، وقد بلغ عجيب الأمر إلى حيث أنّ المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت، ونام الرجل على فراشها أيّاماً يتمرّض ويداوي نفسه، هذه كلّيّات ماله وعليها، ولكلّ جيل من هذه الأجيال الوحشيّة خصائل وخصائص من السنن والآداب القوميّة باختلاف عاداتها الموروثة في مناطق حياتها والأجواء المحيطة بها يطلّع عليه من راجع الكتب المؤلّفة في هذه الشؤون.

( حياة المرئة في الاُمم المتمدنة)

قبل الإسلام

نعني بهم الاُمم الّتي كانت تعيش تحت الرسوم الملّيّة المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديم وإيران ونحوها.

تشترك جميع هؤلاء الاُمم: في أنّ المرأة عندهم ما كانت ذات استقلال وحريّة، لافي إرادتها ولافي أعمالها، بل كانت تحت الولاية والقيمومة، لا تنجز شيئاً من قبل نفسها ولا كان لها حقّ المداخلة في الشؤون الإجتماعيّة من حكومة أو قضاء أو غيرهما.

وكان عليها: أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك.

وكان عليها: أن تختصّ بأمور البيت والأولاد، وكان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها.

وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالاً بالنسبة إليها في الاُمم غير المتمدّنة، فلم تكن تقتل وتؤكل لحمها، ولم تحرم من تملّك المال بالكلّيّة بل كانت تتملّك في الجملة من إرث أو ازدواج أو غير ذلك وإن لم تكن لها أن تتصرّف فيها بالاستقلال، وكان للرجل أن يتّخذ زوجات متعدّدة من غير تحديد وكان لها تطليق من شاء منهنّ، وكان للزوج أن يتزوّج بعد موت الزوجة ولاعكس غالباً، وكانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالباً.

ولكلّ اُمّة من هذه الاُمم مختصّات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع: كما أنّ

٢٧٥

تمايز الطبقات في إيران ربّما أوجب تميّزاً لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة أو نيل السلطنة ونحو ذلك أو الازدواج بالمحارم من اُمّ أو بنت أو اُخت أو غيرها.

وكما أنّه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعاً من اشتراء نفسها ومملوكيّتها، وكانت هي ممنوعة من الإرث ومن أن تشارك الرجال حتّى أبنائها في التغذّي، وكان للرجال أن يتشارك أكثر من واحد منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتّع بها، والانتفاع من أعمالها، ويلحق الأولاد بأقوى الازواج غالباً.

وكما أنّ النساء كانت بالهند من تبعات أزواجهنّ لا يحلّ لهنّ الازدواج بعد توفّي أزواجهنّ أبداً، بل إمّا أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهنّ أو يعشن مذلّلات، وهن في أيّام الحيض أنجاس خبيثات لازمة الاجتناب وكذا ثيابها وكلّ ما لامستها بالبشرة.

ويمكن أن يلخّصّ شأنها في هذه الاُمم: أنّها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسّط الضعيف الّذي لا يحقّ له إلّا أن يمدّ الإنسان المتوسّط في أمور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليّه غير أنّها تحت الولاية والقيمومة دائماً.

( وهيهنا اُمم اُخرى)

كانت الاُمم المذكورة آنفاُ أمماً تجري معظم آدابهم ورسومهم الخاصّة على أساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهراً لكن هناك أمم اُخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب، مثل الكلدة والروم واليونان.

أمّا الكلدة والآشور فقد حكم فيهم شرع (حامورابيّ) بتبعيّة المرأة لزوجها وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل، حتّى أنّ الزوجة لو لم تطع زوجها في شئ من أمور المعاشرة أو استقلّ بشئ فيها كان له أن يخرجها من بيته، أو يتزوّج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضاً، ولو خطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان

٢٧٦

له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثمّ يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم.

وأمّا الروم فهي أيضاً من أقدم الاُمم وضعاُ للقوانين المدنيّة، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمأة قبل الميلاد ثمّ اُخذوا في تكميله تدريجاً، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصّة به، ولربّ البيت وهو زوج المرأة وأبو أولادها نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت، وكان له الاختيار التامّ والمشيّة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتّى القتل لو رآى أنّ الصلاح فيه، ولا يعارضه في ذلك معارض، وكانت النساء نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت أردء حالاً من الرجال حتّى الأبناء التابعين محضاً لربّ البيت، فإنّهنّ لم يكن أجزاء للاجتماع المدنيّ فلا تسمع لهنّ شكاية، ولا ينفذ منهنّ معاملة، ولا تصحّ منهن في الاُمور الإجتماعيّة مداخلة لكنّ الرجال أعني الإخوة والذكور من الأولاد حتّى الأدعياء (فإنّ التبنّي وإلحاق الولد بغير أبيه كان معمولاً شائعاً عندهم وكذا في يونان وايران والعرب) كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الاستقلال باُمور الحياة مطلقاً لأنفسهم.

ولم يكن أجزاء أصيلة في البيت بل كان أهل البيت هم الرجال، وأمّا النساء فتبع، فكانت القرابة الإجتماعيّة الرسميّة المؤثّرة في التوارث ونحوها مختصّه بما بين الرجال، وأمّا النساء فلا قرابة بينهنّ أنفسهنّ كالاُمّ مع البنت أو الاُخت مع الاُخت، ولا بينهنّ وبين الرجال كالزوجين أو الاُمّ مع الإبن أو الاُخت مع الأخ أو البنت مع الأب ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة، نعم القرابة الطبيعيّة (وهي الّتي يوجبها الاتّصال في الولادة) كانت موجودة بينهم، وربّما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم، وولاية رئيس البيت وربّه لها.

وبالجملة كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود تابعة الحياة في المجتمع (المجتمع المدنيّ والبيتيّ) زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما، يفعل بها ربّها ما يشاء ويحكم فيها ما يريد، فربّما باعها، وربّما وهبها، وربّما أقرضها للتمتّع، وربّما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه

٢٧٧

منه كدين وخراج ونحوهما، وربّما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج أو الكسب مع إذن وليّها لابالإرث لأنّها كانت محرومة منه، وبيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزويجها، وبيد زوجها تطليقها.

وأمّا اليونان فالأمر عندهم في تكوّن البيوت وربوبيّة أربابها فيها كان قريب الوضع من وضع الروم.

فقد كان الاجتماع المدنيّ وكذا الاجتماع البيتيّ عندهم متقوّماً بالرجال، والنساء تبع لهم، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولافعل إلّا تحت ولاية الرجال، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهنّ بالاستقلال ولاتحكم لهنّ إلّا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، ولاتثاب لحسناتها ولاتراعى جانبها إلّا بالتبع وتحت ولاية الرجل.

وهذا بعينه من الشواهد الدالّة على أنّ جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزءً ضعيفاً من المجتمع الإنسانيّ ذات شخصيّة تبعيّة، بل كانت تقدّر أنّها كالجراثيم المضرّة مفسدة لمزاج الاجتماع مضرّة بصحّتها غير أن للمجتمع حاجة ضروريّة إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتني بشأنها، وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، ويحتلب الرجال درّها إذا أحسنت أو نفعت، ولا تترك على حيال إرادتها صوناً من شرّها كالعدوّ القويّ الّذي يغلب فيؤخذ أسيراً مسترقّاً يعيش طول حياته تحت القهر، إن جاء بالسيّئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر لها.

وهذا الّذي سمعته: أنّ الاجتماع كان متقوّماً عندهم بالرجال هو الّذي ألزمهم أن يعتقدوا أنّ الأولاد بالحقيقة هم الذكور، وأنّ بقاء النسل ببقائهم، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبنيّ والإلحاق بينهم، فإنّ البيت الّذي ليس لربّه ولد ذكر كان محكوماً بالخراب، والنسل مكتوباً عليه الفناء والانقراض، فاضطرّ هؤلاء إلى اتّخاذ ابناء صوناً عن الانقراض وموت الذكر، فدعوا غير أبناءهم لأصلابهم أبنائاً لأنفسهم فكانوا أبنائاً رسماً يرثون ويورثون ويرتّب عليهم آثار الأبناء الصلبيّين، وكان الرجل منهم إذا زعم أنّه

٢٧٨

عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه وابن أخيه فأورده فراش أهله لتعلّق منه فتلد ولداً يدعوه لنفسه، ويقوم بقاء بيته.

وكان الامر في التزويج والتطليق في اليونان قريباً منهما في الروم، وكان من الجائز عندهم تعدّد الزوجات غير أنّ الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهنّ زوجة رسميّة والباقية غير رسميّة.

( حال المرأة عند العرب ومحيط حياتهم)

محيط نزول القرآن

وقد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيرة وهي منطقة حارّة جدبة الأرض والمعظم من اُمّتهم قبائل بدويّة بعيدة عن الحضارة والمدنيّة، يعيشون بشنّ الغارات، وهم متّصلون بإيران من جانب وبالروم من جانب وببلاد الحبشه والسودان من آخر.

ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحّش، وربّما وجد خلالها شئ من عادات الروم وإيران، ومن عادات الهند ومصر القديم أحياناً.

كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة إلّا حرمة البيت وشرافته، وكانت لا تورّث النساء، وكانت تجوّز تعدّد الزوجات من غير تحديد بعدد معيّن كاليهود، وكذا في الطلاق، وكانت تئد البنات، ابتدء بذلك بنو تميم لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر، أسرت فيه عدّة من بناتهم، والقصّة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به، ثمّ سرت السجيّة في غيرهم، وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدّها عاراً لنفسه، يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به، لكن يسرّه الابن مهما كثر ولو بالدعاء والإلحاق حتّى أنّهم كانوا يتبنّون الولد لزنا محصنة ارتكبوه، وربّما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادّعاه كلّ لنفسه.

وربّما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصّة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بإيران الجاري على تمايز الطبقات.

وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركّبة من معاملة أهل المدنيّة

٢٧٩

من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق، والشركة في الاُمور العامّة الإجتماعيّة كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلّا استثنائاً، ومن معاملة أهل التوحّش والبربريّة، فلم يكن حرمانهنّ مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم، بل من باب غلبة القويّ واستخدامه للضعيف.

وأمّا العبادة فكانوا يعبدون جميعاً (رجالاً ونسائاً) أصناماً يشبه أمرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع، وتتميّز أصنامهم بحسب تميّز القبائل وأهوائها المختلفة، فيعبدون الكواكب والملائكة (وهم بنات الله سبحانه بزعمهم) ويتّخذونها على صور صوّرتها لهم أوهامهم، ومن أشياء مختلفة كالحجارة والخشب، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة أنّهم اتّخذوا لهم صنماً من الحيس فعبدوه دهراً طويلاً ثمّ أصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم:

أكلت حنيفة ربّها

زمن التقحّم والمجاعة

لم يحذروا من ربّهم

سوء العواقب والتباعة

وربّما عبدوا حجراً حتّى إذا وجدوا حجراً أحسن منه طرحوا الأوّل وأخذوا بالثاني وإذا لم يجدوا شيئاً جمعوا حفنة من تراب ثمّ جاؤا بغنم فحلبوه عليها ثمّ طافوا بها يعبدونها.

وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفاً في الفكرة يصوّر لها أوهاماً وخرافاه عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها كتب السير والتاريخ.

فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الإنسانيّ من أدواره المختلفة قبل الإسلام وزمن ظهوره، آثرنا فيها الاختصار التامّ، ويستنتج من جميع ذلك:أولا: أنّهم كانوا يرونها إنساناً في اُفق الحيوان العجم، أو إنساناً ضعيف الإنسانيّة منحطّاً لا يؤمن شرّه وفساده لو اُطلق من قيد التبعيّة واكتسب الحرّيّة في حياته، والنظر الأوّل أنسب لسيرة الاُمم الوحشيّة والثاني لغيرهم،وثانياً: أنّهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعيّ أنّها خارجة من هيكل المجتمع المركّب غير داخلة فيه، وإنّما هي من شرائطه الّتي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه، أو أنّها كالأسير المسترقّ

٢٨٠