الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 431

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 431
المشاهدات: 72962
تحميل: 4536


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 431 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72962 / تحميل: 4536
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 11

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و الآية متفرّعة على ما تقدّمها أي إذا كان الله سبحانه يهدي من يشاء فيجازيه بأحسن الثواب و يضلّ من يشاء فيجازيه بأشدّ العقاب و له الأمر جميعا فهو قائم على كلّ نفس بما كسبت و مهيمن مدبّر لنظام الأعمال فهل يعدله غيره حتّى يشاركه في اُلوهيّته؟.

و من ذلك يظهر أنّ الخبر في قوله:( أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ ) إلخ، محذوف يدلّ عليه قوله:( وَ جَعَلُوا لله شُرَكءَ ) و من سخيف القول ما نسب إلى الضحّاك أنّ المراد بقوله:( أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) الملائكة لكونهم موكّلين على الأعمال و المعنى أ فيكون الملائكة الموكّلون على الأعمال بأمره شركاء له سبحانه؟ و هو معنى بعيد من السياق غايته.

قوله تعالى: ( قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ) لمّا ذكر سبحانه قوله:( وَ جَعَلُوا لله شُرَكاءَ ) عاد إليهم ببيان يبطل به قولهم ذلك مأخوذ من البيان السابق بوجه.

فأمر نبيّه بأن يحاجّهم بنوع من الحجاج عجيب في بابه فقال:( قُلْ سَمُّوهُمْ ) أي صفوهم فإنّ صفات الأشياء هي الّتي تتعيّن بها شؤونها و آثارها فلو كانت هذه الأصنام شركاء لله شفعاء عنده وجب أن يكون لها من الصفات ما يسوّي لها الطريق لهذا الشأن كما يقال فيه تعالى إنّه حيّ عليم قدير خالق مالك مدبّر فهو ربّ كلّ شي‏ء لكنّ الأصنام إذا ذكرت فقيل: هبل أو اللات أو العزّى لم يوجد لها من الصفات ما يظهر به أنّها شريكة لله شفيعة عنده.

ثمّ قال:( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ) و أم منقطعة أي بل أ تنبّؤنه بكذا و المعنى أنّ اتّخاذكم الأصنام شركاء له إنباء له في الحقيقة بما لا يعلم فلو كان له شريك في الأرض لعلم به لأنّ الشريك في التدبير يمتنع أن يخفى تأثيره في التدبير على شريكه و الله سبحانه يدبّر الأمر كلّه و لا يرى لغيره أثراً في ذلك لا موافقاً و لا مخالفاً، و الدليل على أنّه لا يرى لنفسه شريكاً في الأمر أنّه تعالى هو القائم على كلّ نفس بما كسبت، و بعبارة اُخرى أنّ له الخلق و الأمر و هو على

٤٠١

كلّ شي‏ء شهيد بالبرهان الّذي لا سبيل للشكّ إليه، و الآية بالجملة كقوله في موضع آخر:( قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) يونس: ١٨.

ثمّ قال:( أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ) أي بل أ تنبّؤنه بأنّ له شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة و هذا كقوله:( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) النجم: ٢٣.

و عن بعضهم أنّ المراد بظاهر من القول ظاهر كتاب نازل من الله تسمّى فيه الأصنام آلهة حقّة و حاصل الآية نفي الدليل العقليّ و السمعيّ معاً على اُلوهيّتها و كونها شركاء لله سبحانه و هو بعيد من اللفظ.

و وجه الارتباط بين هذه الحجج الثلاث أنّهم في عبادتهم الأصنام و جعلهم لله شركاء متردّدون بين محاذير ثلاثة إمّا أن يقولوا بشركتها من غير حجّة إذ ليس لها من الأوصاف ما يعلم به أنّها شركاء لله، و إمّا أن يدّعوا أنّ لها أوصافاً كذلك هم يعلمونها و لا يعلم بها الله سبحانه، و إمّا أن يكونوا متظاهرين بالقول بشركتها من غير حقيقة و هم يعرّون الله بذلك تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

قال الزمخشريّ في الكشّاف: و هذا الاحتجاج و أساليبه العجيبة الّتي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق أنّه ليس من كلام البشر لمن عرف و أنصف على نفسه انتهى كلامه.

قوله تعالى: ( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) إضراب عن الحجج المذكورة و لوازمها و المعنى دع هذه الحجج فإنّهم لا يجعلون له شركاء لشي‏ء من هذه الوجوه بل مكر زيّنه لهم الشيطان و صدّهم بذلك عن سبيل الله تعالى و ذلك أنّهم على علم بأنّه لا حجّة على شركتها و أنّ مجرّد الدعوى لا ينفعهم لكنّهم يريدون بترويج القول باُلوهيّتها و توجيه قلوب العامّة إليها عرض الدنيا و زينتها، و دعوتك إلى سبيل الله مانعة دون ذلك فهم في تصلّبهم في عبادتها و دعوة الناس إليها و الحثّ على الأخذ بها يمكرون بك من وجه و بالناس من وجه آخر و قد زيّن لهم هذا المكر و هو السبب في جعلهم

٤٠٢

إيّاها شركاء لا غير ذلك من حجّة أو غيرها و صدّوا بذلك عن السبيل.

فهم زيّن لهم المكر و صدّوا به عن السبيل و الّذي زيّن لهم و صدّهم هو الشيطان بإغوائهم، و اُضلّوا و الّذي أضلّهم هو الله سبحانه بإمساك نعمة الهدى منهم و من يضلل الله فما له من هاد.

قوله تعالى: ( لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَ ما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ واقٍ‏ ) أشقّ أفعل من المشقّة و واق اسم فاعل من الوقاية بمعنى الحفظ.

و في الآية إيجاز القول فيما وعد الله الّذين كفروا من العذاب في الآيات السابقة، و في قوله:( وَ ما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ واقٍ‏ ) نفي الشفاعة و تأثيرها في حقّهم أصلاً، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الّذينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ ) المثل هو الوصف يمثل الشي‏ء.

و في قوله:( مَثَلُ الْجَنَّةِ ) إلخ بيان ما خصّ الله به المتّقين من الوعد الجميل مقابلة لما أوعد به الّذين كفروا و ليكون تمهيدا لما يختم به القول من الإشارة إلى محصّل سعي الفريقين في مسيرهم إلى ربّهم و رجوعهم إليه و قد قابل الّذين كفروا بالمتّقين إشارة إلى أنّ الّذين ينالون هذه العاقبة الحسنى هم الّذين آمنوا و عملوا الصالحات دون المؤمنين من غير عمل صالح فإنّهم مؤمنون بالله كافرون بآياته.

و من لطيف الإشارة في الكلام المقابلة بين المؤمنين و المشركين أوّلاً بتعبير( المتّقون و الّذين كفروا) و أخيراً بقوله( الّذين اتّقوا و الكافرون) و لعلّ فيه تلويحاً إلى أنّ الفعل الماضي و الصفة هاهنا واحد مدلولا و مجموع أعمالهم في الدنيا مأخوذ عملاً واحداً، و لازم ذلك أن يكون تحقّق العمل و صدور الفعل مرّة واحدة عين اتّصافهم به مستمرّاً، و يفيد حينئذ قولنا:( الكافرون و المتقون) الدالّان على ثبوت الاتّصاف و قولنا:( الّذين كفروا و الّذين اتقوا) الدالّان على تحقّق مّا للفعل مفاداً واحداً، و هو قصر الموصوف على صفته، و أمّا من تبدّل عليه العمل كأن تحقّق منه كفر أو تقوى ثمّ تبدّل بغيره و لم يختتم له العمل

٤٠٣

بعد فهو خارج عن مساق الكلام فافهم ذلك.

و اعلم أنّ في الآيات السابقة وجوها مختلفة من الالتفات كقوله:( كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ ) ثمّ قوله:( بَلْ لله الْأَمْرُ ) ثمّ قوله:( فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) ثمّ قوله( وَ جَعَلُوا لله شُرَكاءَ ) و الوجه فيه غير خفيّ فالتعبير بمثل( أَرْسَلْناكَ ) للدلالة على أنّ هناك وسائط كملائكة الوحي مثلا. و التعبير بمثل( بَلْ لله الْأَمْرُ جَمِيعاً ) للدلالة على رجوع كلّ أمر ذي وسط أو غير ذي وسط إلى مقام الاُلوهيّة القيوم على كلّ شي‏ء، و التعبير بمثل( فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) للدلالة على أنّه لا واسطة في الحقيقة يكون شريكاً أو شفيعاً كما يدعيه المشركون.

ثمّ قوله تعالى:( تِلْكَ عُقْبَى الّذينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ ) إشارة إلى خاتمة أمر الفريقين و عقباهما - كما تقدّم - و به يختتم البحث في المؤمنين و المشركين من حيث آثار الحقّ و الباطل في عقيدتهما و أعمالهما، فقد عرفت أنّ هذه الآيات التسع الّتي نحن فيها من تمام الآيات العشر السابقة المبتدئة بقوله:( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ) الآية.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن خالد بن نجيح عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) في قوله:( أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) فقال بمحمّد (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) تطمئنّ القلوب و هو ذكر الله و حجابه.

أقول: و في كلامه تعالى:( قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج أبوالشيخ عن أنس قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) لأصحابه حين نزلت هذه الآية:( أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) أ تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: من أحبّ الله و رسوله و أحبّ أصحابي.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ابن عبّاس: أنّه قال لرسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم):( الّذينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ثمّ قال لي: أ تدري

٤٠٤

يا بن اُمّ سليم من هم؟ قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: نحن أهل البيت و شيعتنا.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ أنّ رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) لمّا نزلت هذه الآية( أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) قال: ذاك من أحبّ الله و رسوله و أحبّ أهل بيتي صادقاً غير كاذب و أحبّ المؤمنين شاهداً و غائباً ألا بذكر الله يتحابّون.

أقول: و الروايات جميعاً من باب الانطباق و الجري فإنّ النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و الطاهرون من أهل بيته و الخيار من الصحابة و المؤمنين من مصاديق ذكر الله لأنّ الله يذكر بهم، و الآية الكريمة أعمّ دلالة.

و في تفسير القمّيّ، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث الإسراء بالنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: فإذا شجرة لو اُرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة و ليس في الجنّة منزل إلّا و فيه غصن منها فقلت: ما هذه يا جبرئيل؟ فقال: هذه شجرة طوبى قال الله تعالى:( طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مرويّ في روايات كثيرة و في عدّة منها أنّ جبرئيل ناولني منها ثمرة- فأكلتها فحوّل الله ذلك إلى ظهري فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فما قبّلت فاطمة إلّا وجدت رائحة شجرة طوبى منها.

و في كتاب الخرائج، أنّ رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: يا فاطمة إنّ بشارة أتتني من ربّي في أخي و ابن عمّي أنّ الله عزّوجلّ زوّج عليّاً بفاطمة و أمر رضوان خازن الجنّة فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعا بعدد محبّي أهل بيتي فأنشأ ملائكة من نور و دفع إلى كلّ ملك خطّا فإذا استوت القيامة بأهلها فلا تلقى الملائكة محبّا لنا إلّا دفعت إليه صكّا فيه براءة من النار.

أقول: و في تفسير البرهان، عن الموفّق بن أحمد في كتاب المناقب بإسناده عن بلال بن حمامة عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): مثله ‏و روي هذا المعنى أيضاً عن اُمّ سلمة و سلمان الفارسيّ و عليّ بن أبي طالب: و فيها أنّ الله لمّا أن أشهد على تزوج فاطمة- من عليّ بن أبي طالب ملائكته أمر شجرة طوبى أن ينثر حملها و ما فيها من الحليّ و الحلل فنثرت الشجرة ما فيها و التقطته الملائكة و الحور العين لتهادينه و تفتخرن به إلى

٤٠٥

يوم القيامة و روي أيضاً ما يقرب منه عن الرضا (عليه السلام).

و في المجمع، روى الثعلبيّ بإسناده عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: طوبى شجرة أصلها في دار عليّ في الجنّة و في دار كلّ مؤمن منها غصن. قال: و رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام).

و في تفسير البرهان، عن تفسير الثعلبيّ يرفع الإسناد إلى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن طوبى فقال: شجرة في الجنّة أصلها في دار عليّ و فرعها على أهل الجنة فقالوا: يا رسول الله سألناك فقلت: أصلها في داري و فرعها على أهل الجنّة فقال: داري و دار عليّ واحدة في الجنّة بمكان واحد.

أقول: و رواه أيضاً في المجمع، بإسناده عن الحاكم أبي القاسم الحسكانيّ بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) مثله.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة مرويّة من طرق الشيعة و أهل السنّة، و الظاهر أنّ الروايات غير ناظرة إلى تفسير الآية، و إنّما هي ناظرة إلى بطنها دون ظهرها فإنّ حقيقة المعيشة الطوبى هي ولاية الله سبحانه و عليّ (عليه السلام) صاحبها و أوّل فاتح لبابها من هذه الاُمّة و المؤمنون من أهل الولاية أتباعه و أشياعه، و داره (عليه السلام) في جنّة النعيم و هي جنّة الولاية و دار النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) واحدة لا اختلاف بينهما و لا تزاحم فافهم ذلك.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن جريح في قوله:( وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ ) قال: هذا لمّا كاتب رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قريشاً في الحديبيّة كتب بسم الله الرحمن الرحيم قالوا: لا نكتب الرحمن و ما ندري ما الرحمن؟ و ما نكتب إلّا باسمك اللّهمّ فأنزل الله:( وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ ) .

أقول: و رواه أيضاً عن ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبي الشيخ عن قتادة و أنت تعلم أنّ الآيات على ما يعطيه سياقها مكّيّة و صلح الحديبيّة من حوادث ما بعد الهجرة. على أنّ سياق الآية وحدها أيضاً لا يساعد على نزول جزء من أجزائها

٤٠٦

في قصّة و تقطّعه عن الباقي.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و ابن مردويه عن عطيّة العوفيّ قال: قالوا لمحمّد (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): لو سيّرت لنا جبال مكّة حتّى تتّسع فنحرث فيها أو قطّعت لنا الأرض كما كان سليمان (عليه السلام) يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل الله تعالى:( وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ) الآية إلى قوله:( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُوا ) قال: أ فلم يتبيّن الّذين آمنوا.

قالوا: هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم)؟ قال: عن سعيد الخدريّ عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

أقول: و فيما يقرب من هذا المضمون روايات اُخرى.

و في تفسير القمّيّ قال: قال: لو كان شي‏ء من القرآن كذلك لكان هذا.

و في الكافي، عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره عن محمّد بن حمّاد عن أخيه أحمد بن حمّاد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) في حديث: و إنّ الله يقول في كتابه:( وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) و قد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسيّر به الجبال و تقطّع به البلدان و يحيى به الموتى. الحديث.

أقول: و الحديثان ضعيفان سندا.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن عليّ أنّه قرأ:( أ فلم يتبيّن الّذين آمنوا ) .

أقول: و روي هذه القراءة أيضاً عن ابن عبّاس.

و في المجمع: قرأ عليّ (عليه السلام) و ابن عبّاس و عليّ بن الحسين (عليه السلام) و زيد بن عليّ و جعفر بن محمّد (عليه السلام) و ابن أبي مليكة و الجحدريّ و أبو يزيد المدني: أ فلم يتبيّن و القراءة المشهورة:أ فلم ييأس.

٤٠٧

و في تفسير القمّيّ، قال و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله:( وَ لا يَزالُ الّذينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ ) و هي النقمة( أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ ) فتحلّ بقوم غيرهم فيرون ذلك و يسمعون به و الّذين حلّت بهم عصاة كفّار مثلهم و لا يتّعظ بعضهم ببعض و لا يزالون كذلك حتّى يأتي وعد الله الّذي وعد المؤمنين من النصر، و يخزي الله الكافرين.

٤٠٨

( سورة الرعد الآيات ٣٦ - ٤٢)

وَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ( ٣٦) وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ( ٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرّيّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ( ٣٨) يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ( ٣٩) وَإِن مّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفّيَنّكَ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ( ٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ( ٤١) وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ( ٤٢)

( بيان‏)

تتمّة الآيات السابقة و تعقّب قولهم:( لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

قوله تعالى: ( وَ الّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) إلى آخر الآية. الظاهر أنّ المراد بالّذين اُوتوا الكتاب اليهود و النصارى أو هم و المجوس

٤٠٩

فإنّ هذا هو المعهود من إطلاقات القرآن و السورة مكّيّة و قد أثبت التاريخ أنّ اليهود ما كانوا يعاندون النبوّة العربيّة في أوائل البعثة و قبلها ذاك العناد الّذي ساقتهم إليه حوادث ما بعد الهجرة و قد دخل جمع منهم في الإسلام أوائل الهجرة و شهدوا على نبوّة النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و كونه مبشّراً به في كتبهم كما قال تعالى:( وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى‏ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ ) الأحقاف: ١٠.

و أنّه كان من النصارى يومئذ قوم على الحقّ من غير أن يعاندوا دعوة الإسلام كقوم من نصارى الحبشة على ما نقل من قصّة هجرة الحبشة و جمع من غيرهم، و قد قال تعالى في أمثالهم:( الّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) القصص: ٥٢ و قال:( وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‏ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ ) الأعراف: ١٥٩ و كذا كانت المجوس ينتظرون الفرج بظهور منج ينشر الحقّ و العدل و كانوا لا يعاندون الحقّ كما يعانده المشركون.

فالظاهر أن يكونوا هم المعنيّون بالآية و خاصّة المحقّون من النصارى و هم القائلون بكون المسيح بشراً رسولاً كالنجاشي و أصحابه، و يؤيّده ما في ذيل الآية من قوله:( قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا ) فإنّه أنسب أن يخاطب به النصارى.

و قوله:( وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ) اللام للعهد أي و من أحزاب أهل الكتاب من ينكر بعض ما اُنزل إليك و هو ما دلّ منه على التوحيد و نفي التثليث و سائر ما يخالف ما عند أهل الكتاب من المعارف و الأحكام المحرّفة.

و قوله:( قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ ) دليل على أنّ المراد من البعض الّذي ينكرونه ما يرجع إلى التوحيد في العبادة أو الطاعة و قد أمره الله أن يخاطبهم بالموافقة عليه بقوله:( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ الله ) آل عمران: ٦٤.

ثمّ تمّم الكلام بقوله:( إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ ) أي مرجعي فكان أوّل الكلام

٤١٠

مفصحا عن بغيته في نفسه و لغيره، و آخره عن سيرته أي اُمرت لأعبدالله وحده في عملي و دعوتي، و على ذلك أسير بين الناس فلا أدعو إلّا إليه و لا أرجع في أمر من اُموري إلّا إليه فذيل الآية في معنى قوله:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ الله وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف: ١٠٨.

و يمكن أن يكون المراد بقوله:( وَ إِلَيْهِ مَآبِ ) المعاد و يفيد حينئذ فائدة التعليل أي إليه أدعوه وحده لأنّ مآبي إليه وحده.

و قد فسّر بعضهم الكتاب في الآية بالقرآن و الّذين اُوتوا الكتاب بأصحاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و الأحزاب بالأعراب الّذين تحزّبوا على النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أداروا عليه الدوائر من قريش و سائر القبائل.

و فيه أنّه خلاف المعهود من إطلاق القرآن لفظة:( الّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) على أنّ ذلك يؤدّي إلى كون الآية مشتملة على معنى مكرّر.

و ربّما ذكر بعضهم أنّ المراد بهم اليهود خاصّة و الكتاب هو التوراة و المراد بإنكار بعض أحزابهم بعض القرآن و هو ما لا يوافق أحكامهم المحرّفة مع أنّ الجميع ينكرون ما لا يوافق ما عندهم إنكاره من غير فرح و أمّا الباقون فكانوا فرحين و منكرين و قد أطالوا البحث عن ذلك.

و عن بعضهم: أنّ المراد بالموصول عامّة المسلمين، و بالأحزاب اليهود و النصارى و المجوس، و عن بعضهم أنّ تقدير قوله:( وَ إِلَيْهِ مَآبِ ) و إليه مآبي و مآبكم. و هذه أقوال لا دليل من اللفظ على شي‏ء منها و لا جدوى في إطالة البحث عنها.

قوله تعالى: ( وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَ لا واقٍ ) الإشارة بقوله:( كَذلِكَ ) إلى الكتاب المذكور في الآية السابقة و هو جنس الكتاب النازل على الأنبياء الماضين كالتوراة و الإنجيل.

و المراد بالحكم هو القضاء و العزيمة فإنّ ذلك هو شأن الكتاب النازل من السماء المشتمل على الشريعة كما قال:( وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ

٤١١

النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة: ٢١٢ فالكتاب حكم إلهيّ بوجه و حاكم بين الناس بوجه فهذا هو المراد بالحكم دون الحكمة كما قيل.

و قوله:( عَرَبِيًّا ) صفة لحكم و إشارة إلى كون الكتاب بلسان عربيّ و هو لسانه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) سنّة الله الّتي قد خلت في عباده، قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ) إبراهيم: ٤ و هذا - كما لا يخفى - من الشاهد على أنّ المراد بالمذكورين في الآية السابقة اليهود و النصارى، و أنّ هذه الآيات متعرّضة لشأنهم كما كانت الآيات السابقة عليها متعرّضة لشأن المشركين.

و على هذا فالمراد بقوله:( وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ) إلخ، النهي عن اتّباع أهواء أهل الكتاب، و قد ذكر في القرآن من ذلك شي‏ء كثير، و عمدة ذلك أنّهم كانوا يقترحون على النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) آية غير القرآن كما كان المشركون يقترحونها، و كانوا يطمعون أن يتّبعهم فيما عندهم من الأحكام لإحالتهم النسخ في الأحكام، و هذان الأمران و لا سيّما أوّلهما عمدة ما تتعرّض له هذه الآيات.

و المعنى: و كما أنزلنا على الّذين اُوتوا الكتاب كتابهم أنزلنا هذا القرآن عليك بلسانك مشتملاً على حكم أو حاكما بين الناس و لئن اتّبعت أهواء أهل الكتاب فتمنّيت أن ينزّل عليك آية غير القرآن كما يقترحون أو داهنتهم و ملت إلى اتّباع بعض ما عندهم من الأحكام المنسوخة أو المحرّفة أخذناك بالعقوبة و ليس لك وليّ يلي أمرك من دون الله و لا واق يقيك منه فالخطاب للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و هو المراد به دون الاُمّة كما ذكره بعضهم.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) لمّا نهى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن اتّباع أهوائهم فيما اقترحوا عليه من إنزال آية غير القرآن ذكّره بحقيقة الحال الّتي تؤيسه من الطمع في ذلك و يعزم عليه أن يتوكّل على الله و يرجع إليه الاُمور.

و هو أنّ سنّة الله الجارية في الرسل أن يكونوا بشرا جارين على السنّة المألوفة

٤١٢

بين الناس من غير أن يتعدّوها فيملكوا شيئاً ممّا يختصّ بالغيب كأن يكونوا ذا قوّة غيبيّة فعّالة لما تشاء قديرة على كلّ ما أرادت أو اُريد منها حتّى تأتي بكلّ آية شاءت إلّا أن يأذن الله له فليس للرسول و هو بشر كسائرهم من الأمر شي‏ء بل لله الأمر جميعاً.

فهو الّذي ينزّل الآية إن شاء غير أنّه سبحانه إنّما ينزّل ما ينزّل من الآيات إذا اقتضته الحكمة الإلهيّة و ليست الأوقات مشتركة متساوية في الحكم و المصالح و إلّا لبطلت الحكمة و اختلّ نظام الخليقة بل لكلّ وقت حكمة تناسبه و حكم يناسبه فلكلّ وقت آية تخصّه.

و هذا هو الّذي تشير إليه الآية فقوله:( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً ) إشارة إلى السنّة الجارية في الرسل من البشريّة العاديّة، و قوله:( وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله ) إشارة إلى حرمانهم من القدرة الغيبيّة المستقلّة بكلّ ما أرادت إلّا أن يمدّهم الإذن الإلهيّ.

و قوله:( لِكُلِّ أَجَلٍ ) أي وقت محدود( كِتابٌ ) أي حكم مقضيّ مكتوب يخصّه إشارة إلى ما يلوّح إليه استثناء الإذن و سنّة الله الجارية فيه، و التقدير فالله سبحانه هو الّذي ينزّل ما شاء و يأذن فيما شاء لكنّه لا ينزّل و لا يأذن في كلّ آية في كلّ وقت فإنّ لكلّ وقت كتاباً كتبه لا يجري فيه إلّا ما فيه.

و ممّا تقدّم يظهر أنّ ما ذكره بعضهم أنّ قوله:( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) من باب القلب و أصله: لكلّ كتاب أجل أي إنّ لكلّ كتاب منزّل من عندالله وقتاً مخصوصاً ينزّل فيه و يعمل عليه فللتوراة وقت و للإنجيل وقت و للقرآن وقت. وجه لا يعبأ به.

قوله تعالى: ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) محو الشي‏ء هو إذهاب رسمه و أثره يقال: محوت الكتاب إذا أذهبت ما فيه من الخطوط و الرسوم قال تعالى:( وَ يَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) الشورى: ٢٤ أي يذهب بآثار الباطل كما قال:( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ) و قال:( وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ

٤١٣

وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) أسرى: ١٢ أي أذهبنا أثر الإبصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال: نسخت الشمس الظلّ أي ذهبت بأثره و رسمه.

و قد قوبل المحو في الآية بالإثبات و هو إقرار الشي‏ء في مستقرّه بحيث لا يتحرّك و لا يضطرب يقال: أثبتّ الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرّك و لا يخرج من مرتكزه فالمحو هو إزالة الشي‏ء بعد ثبوته برسمه و يكثر استعماله في الكتاب.

و وقوع قوله:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ) بعد قوله:( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) و اتّصاله به من جانب و بقوله:( وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) من جانب ظاهر في أنّ المراد محو الكتب و إثباتها في الأوقات و الآجال فالكتاب الّذي أثبته الله في الأجل الأوّل إن شاء محاه في الأجل الثاني و أثبت كتاباً آخر فلا يزال يمحى كتاب و يثبت كتاب آخر.

و إذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية و كلّ شي‏ء آية صحّ أن يقال لا يزال يمحو آية و يثبت آية كما يشير إليه قوله:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) البقرة: ١٠٦، و قوله:( وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ) الآية: النحل: ١٠١.

فقوله:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ) على ما فيه من الإطلاق يفيد فائدة التعليل لقوله:( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) و المعنى أنّ لكلّ وقت كتاباً يخصّه فيختلف فاختلاف الكتب باختلاف الأوقات و الآجال إنّما ظهر من ناحية اختلاف التصرّف الإلهيّ بمشيّته لا من جهة اختلافها في أنفسها و من ذواتها بأن يتعيّن لكلّ أجل كتاب في نفسه لا يتغيّر عن وجهه بل الله سبحانه هو الّذي يعيّن ذلك بتبديل كتاب مكان كتاب و محو كتاب و إثبات آخر.

و قوله:( وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) أي أصله فإنّ الاُمّ هي الأصل الّذي ينشأ

٤١٤

منه الشي‏ء و يرجع إليه، و هو دفع للدخل و إبانة لحقيقة الأمر فإنّ اختلاف حال الكتاب المكتوب لأجل بالمحو و الإثبات أي تغيّر الحكم المكتوب و القول المقضي به حينا بعد حين ربّما أوهم أنّ الاُمور و القضايا ليس لها عندالله سبحانه صورة ثابتة و إنّما يتبع حكمه العلل و العوامل الموجبة له من خارج كأحكامنا و قضايانا معاشر ذوي الشعور من الخلق أو أنّ حكمه جزافيّ لا تعيّن له في نفسه و لا مؤثّر في تعيّنه من خارج كما ربّما يتوهّم أرباب العقول البسيطة أنّ الّذي له ملك - بكسر اللّام - مطلق و سلطنة مطلقة له أن يريد ما يشاء و يفعل ما يريد على حرّيّة مطلقة من رعاية أيّ قيد و شرط و سلوك أيّ نظام أو لا نظام في عمله فلا صورة ثابتة لشي‏ء من أفعاله و قضاياه عنده، و قد قال تعالى:( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ) ق: ٢٩، و قال:( وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) الرعد: ٨ إلى غير ذلك من الآيات.

فدفع هذا الدخل بقوله:( وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) أي أصل جنس الكتاب و الأمر الثابت الّذي يرجع إليه هذه الكتب الّتي تمحى و تثبت بحسب الأوقات و الآجال و لو كان هو نفسه تقبل المحو و الإثبات لكان مثلها لا أصلا لها و لو لم يكن من أصله كان المحو و الإثبات في أفعاله تعالى إمّا تابعا لاُمور خارجة تستوجب ذلك فكان تعالى مقهوراً مغلوباً للعوامل و الأسباب الخارجيّة مثلنا و الله يحكم لا معقّب لحكمه.

و إمّا غير تابع لشي‏ء أصلا و هو الجزاف الّذي يختلّ به نظام الخلقة و التدبير العامّ الواحد بربط الأشياء بعضها ببعض جلّت عنه ساحته، قال تعالى:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ) الدخان: ٣٩.

فالملخّص من مضمون الآية أنّ لله سبحانه في كلّ وقت و أجل كتاباً أي حكما و قضاء و أنّه يمحو ما يشاء من هذه الكتب و الأحكام و الأقضية و يثبت ما يشاء أي يغيّر القضاء الثابت في وقت فيضع في الوقت الثاني مكانه قضاء آخر لكن عنده بالنسبة إلى كلّ وقت قضاء لا يتغيّر و لا يقبل المحو و الإثبات و هو الأصل الّذي يرجع إليه الأقضية الآخر و تنشأ منه فيمحو و يثبت على حسب ما يقتضيه هو.

٤١٥

و يتبيّن بالآية أوّلاً: أنّ حكم المحو و الإثبات عامّ لجميع الحوادث الّتي تداخله الآجال و الأوقات و هو جميع ما في السماوات و الأرض و ما بينهما، قال تعالى:( ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى ) الأحقاف: ٣.

و ذلك لإطلاق قوله:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ) و اختصاص المورد بآيات النبوّة لا يوجب تخصيص الآية لأنّ المورد لا يخصّص.

و بذلك يظهر فساد قول بعضهم: إنّ ذلك في الأحكام و هو النسخ و قول ثان: إنّ ذلك في المباحات المثبتة في صحائف الأعمال يمحوها الله و يثبت مكانها طاعة أو معصية ممّا فيه الجزاء، و قول ثالث: إنّه محو ذنوب المؤمنين فضلاً و إثبات ذنوب للكفّار عقوبة، و قول رابع: إنّه في موارد يؤثّر فيها الدعاء و الصدقة في المحن و المصائب و ضيق المعيشة و نحوها، و قول خامس: إنّ المحو إزالة الذنوب بالتوبة و الإثبات تبديل السيّئات حسنات، و قول سادس: إنّه محو ما شاء الله من القرون و الإثبات إنشاء قرون آخرين بعدهم، و قول سابع: إنّه محو القمر و إثبات الشمس و هو محو آية الليل و جعل آية النهار مبصرة، و قول ثامن: إنّه محو الدنيا و إثبات الآخرة، و قول تاسع: إنّ ذلك في الأرواح حالة النوم يقبضها الله فيرسل من يشاء منهم و يمسك من يشاء، و قول عاشر: إنّ ذلك في الآجال المكتوبة في ليلة القدر يمحو الله ما يشاء منها و يثبت ما يشاء.

فهذه و أمثالها أقوال لا دليل على تخصيص الآية الكريمة بها من جهة اللفظ ألبتّة و للآية إطلاق لا ريب فيه ثمّ المشاهدة الضروريّة تطابقه فإنّ ناموس التغيّر جار في جميع أرجاء العالم المشهود، و ما من شي‏ء قيس إلى زمانين في وجوده إلّا لاح التغيّر في ذاته و صفاته و أعماله، و في عين الحال إذا اعتبرت في نفسها و بحسب وقوعها وجدت ثابتة غير متغيّرة فإنّ الشي‏ء لا يتغيّر عمّا وقع عليه.

فللأشياء المشهودة جهتان جهة تغيّر يستتبع الموت و الحياة و الزوال و البقاء و أنواع الحيلولة و التبدّل، و جهة ثبات لا تتغيّر عمّا هي عليها و هما إمّا نفس

٤١٦

كتاب المحو و الإثبات و اُمّ الكتاب، و إمّا أمران مترتّبان على الكتابين و على أيّ حال تقبل الآية الصدق على هاتين الجهتين.

و ثانياً: أنّ لله سبحانه في كلّ شي‏ء قضاء ثابتاً لا يتغيّر و به يظهر فساد ما ذكره بعضهم أنّ كلّ قضاء يقبل التغيير و استدلّ عليه بمتفرّقات الروايات و الأدعية الدالّة(١) على ذلك و الآيات و الأخبار الدالّة على أنّ الدعاء و الصدقة يدفعان سوء القضاء. و فيه أنّ ذلك في القضاء غير المحتوم.

و ثالثاً: أنّ القضاء ينقسم إلى قضاء متغيّر و غير متغيّر و سنستوفي تتمّة البحث في الآية عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الّذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ ) ( إِنْ ما ) هو إن الشرطيّة و ما الزائدة للتأكيد و الدليل عليه دخول نون التأكيد في الفعل بعده.

و في الآية إيضاح لما للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من الوظيفة و هو الاشتغال بأمر الإنذار و التبليغ فحسب فلا ينبغي له أن يتّبع أهواءهم في نزول آية عليه كما اقترحوا حتّى أنّه لا ينبغي له أن ينتظر نتيجة بلاغه أو حلول ما أوعدهم الله من العذاب بهم.

و في الآية دلالة على أنّ الحساب الإلهيّ يجري في الدنيا كما يجري في الآخرة.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) إلخ كلام مسوق للعبرة بعد ما قدّم إليهم الوعيد بالهلاك، و منه يعلم أنّ إتيان الأرض و نقصها من أطرافها كناية عن نقص أهلها بالإماتة و الإهلاك فالآية نظيرة قوله:( بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حتّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها

____________________

(١) و في الأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام و كذا عن بعض الصحابة( اللّهمّ إن كنت كتبت اسمي في الأشقياء فامحني من الأشقياء و اكتبني في السعداء) أو ما يقرب منه.

٤١٧

مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ ) الأنبياء: ٤٤.

و قول بعضهم إنّ المراد به أو لم ير أهل مكّة أنّا نأتي أرضهم فننقصها من أطرافها بفتح القرى واحدة بعد واحدة للمسلمين فليخافوا أن نفتح بلدتهم و ننتقم منهم يدفعه أنّ السورة مكّيّة و تلك الفتوحات إنّما كانت تقع بعد الهجرة. على أنّ الآيات بوعيدها ناظرة إلى هلاكهم بغزوة بدر و غيرها لا إلى فتح مكّة.

و قوله:( وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) يريد به أنّ الغلبة لله سبحانه فإنّه يحكم و ليس قبال حكمه أحد يعقّبه ليغلبه بالمنع و الردّ و هو سبحانه يحاسب كلّ عمل بمجرّد وقوعه بلا مهلة حتّى يتصرّف فيه غيره بالإخلال فقوله:( وَ اللَّهُ يَحْكُمُ ) إلخ في معنى قوله في ذيل آية سورة الأنبياء المتقدّمة:( أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَ قَدْ مَكَرَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلله الْمَكْرُ جَمِيعاً ) إلى آخر الآية. أي و قد مكر الّذين من قبلهم فلم ينفعهم مكرهم و لم يقدروا على صدّنا من أن نأتي الأرض فننقصها من أطرافها فالله سبحانه يملك المكر كلّه و يبطله و يردّه إلى أهله فليعتبروا.

و قوله:( يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ) في مقام التعليل لملكه تعالى كلّ مكر فإنّ المكر إنّما يتمّ مع جهل الممكور به و أمّا إذا علم به فعنده بطلانه.

و قوله:( وَ سَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) قطع للحجاج بدعوى أنّ مسألة انتهاء الاُمور إلى عواقبها من الاُمور الضروريّة العينيّة لا تتخلّف عن الوقوع و سيشهدونها شهود عيان فلا حاجة إلى الإطالة و الإطناب في إعلامهم ذلك فسيعلمون.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قالت قريش حين اُنزل:( وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله ) ما نراك يا محمّد تملك من شي‏ء و لقد فرغ من الأمر فاُنزلت هذه الآية تخويفا

٤١٨

لهم و وعيدا لهم( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ) أنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا.

أقول: و الآية كما تقدّم بيانه أجنبيّة عن هذا المعنى، و في ذيل هذا الحديث و يحدث الله في كلّ رمضان فيمحو الله ما يشاء و يثبت من أرزاق الناس و مصائبهم و ما يعطيهم و ما يقسّم لهم، و في رواية اُخرى عن جابر عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): في الآية: قال: يمحو من الرزق و يزيد فيه، و يمحو من الأجل و يزيد فيه. و هذا من قبيل التمثيل و الآية أعمّ.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) سئل عن قوله:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ‏ ) قال: ذلك كلّ ليلة القدر يرفع و يخفض و يرزق غير الحياة و الموت و الشقاوة و السعادة فإنّ ذلك لا يزول.

أقول: و الرواية على معارضتها الروايات الكثيرة جدّاً المأثورة عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) و الصحابة تخالف إطلاق الآية و حجّة العقل، و مثلها ما عن ابن عمر عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): يمحو الله ما يشاء و يثبت إلّا الشقوة و السعادة و الحياة و الموت‏

و فيه، أخرج ابن مردويه و ابن عساكر عن عليّ: أنّه سأل رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن هذه الآية فقال له: لاُقرّنّ عينيك بتفسيرها و لاُقرّنّ عين اُمّتي بعدي بتفسيرها. الصدقة على وجهها و برّ الوالدين و اصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة و يزيد في العمر و يقي مصارع السوء.

أقول: و الرواية لا تزيد على ذكر بعض مصاديق الآية.

و في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم و حفص بن البختريّ و غيرهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) في هذه الآية:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ) قال: فقال: و هل يمحى إلّا ما كان ثابتا؟ و هل يثبت إلّا ما لم يكن؟

أقول: و رواه العيّاشيّ في تفسيره عن جميل عنه (عليه السلام).

و في تفسير العيّاشيّ، عن الفضيل بن يسار قال. سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: من الاُمور اُمور محتومة كائنة لا محالة و من الاُمور اُمور موقوفة عندالله

٤١٩

يقدّم فيها ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت منها ما يشاء لم يطلع على ذلك أحدا يعني الموقوفة فأمّا ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه و لا نبيّه و لا ملائكته.

أقول: و روي بطريق آخر و كذا في الكافي بإسناده عن الفضيل عنه (عليه السلام) ما في معناه.

و فيه، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول: لو لا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة فقلت له. أيّة آية؟ فقال: قال الله:( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .

أقول: معناه أنّ اللائح من الآية أنّ الله سبحانه لا يريد من خلقه إلّا أن يعيشوا على جهل بالحوادث المستقبلة ليقوموا بواجب حياتهم بهداية من الأسباب العاديّة و سياقة من الخوف و الرجاء، و ظهور الحوادث المستقبلة تمام ظهورها يفسد هذه الغاية الإلهيّة فهو سبب الكفّ عن التحديث لا الخوف من أن يكذّبه الله بالبداء فإنّه مأمون منه فلا تعارض بين الرواية و ما قبلها.

و فيه، عن الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ الله تبارك و تعالى كتب كتابا فيه ما كان و ما هو كائن فوضعه بين يديه فما شاء منه قدّم و ما شاء منه أخّر و ما شاء منه محى و ما شاء منه كان و ما لم يشأ لم يكن.

و فيه، عن ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) يقول: إنّ الله يقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء و عنده اُمّ الكتاب، و قال: كلّ أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يضعه، و ليس شي‏ء يبدو له إلّا و قد كان في علمه إنّ الله لا يبدو له من جهل.

أقول: و الروايات في البداء عنهم (عليه السلام) متكاثرة مستفيضة فلا يعبأ بما نقل عن بعضهم أنّه خبر واحد.

و الرواية كما ترى تنفي البداء بمعنى علمه تعالى ثانياً بما كان جاهلاً به أوّلاً بمعنى تغيّر علمه في ذاته كما ربّما يتّفق فينا تعالى عن ذلك، و إنّما هو ظهور أمر منه تعالى ثانياً بعد ما كان الظاهر منه خلافه أوّلاً فهو محو الأوّل و إثبات الثاني

٤٢٠