الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 122403
تحميل: 4559


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122403 / تحميل: 4559
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلفاً وخلفاً، فقد بسط الخالدي فيها القول في كتابه « صلح الإخوان » ص ١٠٢ - ١٠٩ ومجمل ذلك التفصيل: انَّ المسئلة تدور مدار نيّات الناذرين وإنَّما الأعمال بالنيّات فإن كان قصد الناذر الميِّت نفسه والتقرُّب إليه بذلك لم يجز قولاً واحداً، وإن كان قصده وجه الله تعالى وانتفاع الأحياء بوجه من الوجوه وثوابه لذلك المنذور له الميت سواءٌ عيَّن وجهاً من وجوه الإنتفاع أو أطلق القول فيه، ويكون هناك ما يطّرد الصرف فيه في عرف الناس من مصالح القبر أو أهل بلده أو مجاوريه أو الفقراء عامَّة أو أقرباء الميِّت أو نحو ذلك، ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور، وحكى القول بذلك عن الأذرعي. والزركشي. وإبن حجر الهيثمي المكي. والرَّملي الشافعي. والقباني البصري. والرافعي. والنووي. وعلاء الدين الحنفي. وخير الدين الرَّملي الحنفي. والشيخ محمَّد الغزّي. والشيخ قاسم الحنفي.

وذكر الرّافعي نقلاً عن صاحب « التهذيب » وغيره: انَّه لو نذر أن يتصدَّق بكذا على أهل بلد عيَّنه يجب أن يتصدَّق به عليهم، قال: ومن هذا القبيل ما ينذر بعثه إلى القبر المعروف بجرجان، فإنّ ما يجتمع منه على ما يحكى يقسَّم على جماعة معلومين، وهذا محمولٌ على انَّ العرف اقتضى ذلك فنزل النذر عليه. ولا شكَّ انَّه إذا كان عرفٌ حمل عليه، وإن لم يكن عرفٌ فيظهر أن يجري فيه خلاف وجهين: أحدهما لا يصحُّ النّذر لأنَّه لم يشهد له الشَّرع بخلاف الكعبة والحجرة الشريفة. والثاني يصحُّ إذا كان مشهوراً بالخير، وعلى هذا ينبغي أن يصرف في مصالحه الخاصَّة به ولا يتعدّاها. واستقرب السبكي بطلان النذر في صورة عدم العرف هناك للصَّرف. راجع فتاوى السبكي ١ ص ٢٩٤.

وقال العزّامي في « فرقان القرآن » ص ١٣٣: وقال [ يعني إبن تيميَّة ]: من نذر شيئاً للنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو غيره من النبيِّين والأولياء من أهل القبور أو ذبح له ذبيحة كان كالمشركين الذين يذبحون لأوثانهم وينذرون لها فهو عابدٌ لغير الله فيكون بذلك كافراً.ويطيل في ذلك الكلام، واغترَّ بكلامه بعض من تأخَّر عنه من العلماء ممَّن ابتلى بصحبته أو صحبة تلاميذه، وهو منه تلبيسٌ في الدين وصرفٌ إلى معنى لا يريده مسلمٌ من المسلمين، ومن خبر حال من فعل ذلك من المسلمين وجدهم لا يقصدون

١٨١

بذبائحهم ونذورهم للميِّتين من الأنبياء والأولياء إلّا الصَّدقة عنهم، وجعل ثوابها إليهم، وقد عملوا أنَّ إجماع أهل السنَّة منعقدٌ على انَّ صدقة الأحياء نافعةٌ للأموات واصلةٌ إليهم، والأحاديث في ذلك صحيحةٌ مشهورةٌ فمنها ما صحَّ عن سعد: انَّه سأل النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا نبيَّ الله إنَّ اُمِّي قد أفتلتت وأعلم أنّها لو عاشت لتصدَّقت أفإن تصدَّقت عنها أينفعها ذلك؟ قال: نعم. فسأل النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ الصدقة أنفع يا رسول الله؟ قال: ألماء. فحفر بئراً وقال: هذه لاُمِّ سعد. فهذه اللّام هي الداخلة على الجهة التي وجَّهت إليها الصّدقة لا على المعبود المتقرَّب إليه، وهي كذلك في كلام المسلمين، فهم سعديّون لا وثنيّون. وهي كاللّام في قوله: إنّما الصّدقات للفقراء. لا كاللّام التي في قول القائل: صليت لِلَّه ونذرت لِلَّه، فإذا ذبح لِلنبيِّ أو نذر الشيء له فهو لا يقصد إلّا أن يتصدَّق بذلك عنه، ويجعل ثوابه إليه فيكون من هدايا الأحياء للأموات المشروعة المثاب على إهدائها، والمسئلة مبسوطةٌ في كتب الفقه وفي كتب الردِّ على هذا الرِّجل ومَن شايعه.اهـ.

فالنذر بالذبح وغيره للأنبياء والأولياء أمرٌ مشروعٌ سائغٌ من سيرة المسلمين عامَّة من دون أيَّ اختصاص بفرقةٍ دون اُخرى، وإنَّما يُثاب به الناذر إن كان لِلَّه و ذبح المنذور بالذبح باسم الله.قال الخالدي: بمعنى انَّ الثواب لهم والمذبوح منذورٌ لوجه الله كقول الناس: ذبحت لميّتي بمعنى تصدَّقت عنه. وكقول القائل: ذبحت لِلضَّيف بمعنى انَّه كان السبب في حصول الذبح.اهـ.وليس هناك أيّ وازع من جواز نذر الذبح ولزوم الوفاء به إن كان على الوجه المذكور ولا يتصّور من مسلم غيره.

وربما يُستدلّ في المقام بما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ٢ ص ٨٠ باسناده عن ثابت بن الضحّاك قال: نذر رجلٌ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينحر إبلاً ببُوانة(١) فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل كان فيها وثنٌ يُعبد من أوثان الجاهليَّة؟ قالوا: لا.قال: فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ قالوا: لا.قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اوف بنذرك فانَّه لا وفاء لنذر في معصية الله تعالى ولا فيهما لا يملك إبن آدم.

وبما أخرجه أبو داود في السنن ٢ ص ٨١ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه انَّ امرأة قالت: يا رسول الله إنّي نذرت أن أضرب على رأسك الدف. قال: أوفي بنذرك.

____________________

١ - بضم الموحدة وتخفيف الواو. هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر.

١٨٢

قالت: إنّي نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا مكان كان يذبح فيه أهل الجاهليَّة قال: لصنم؟ قالت لا قال: لوثن؟ قالت: لا. قال: أوفي بنذرك(١) .

وفي « معجم البلدان » ٢ ص ٣٠٠: وفي حديث ميمونة بنت كردم انَّ أباها قال للنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي نذرت أن أذبح خمسين شاة على بُوانة. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هناك شيءُ من هذه النصب؟ فقال: لا.قال: فاوف بنذرك فذبح تسعاً وأربعين وبقيت واحدة فجعل يعدو خلفها ويقول: أللهمَّ أوف بنذري حتّى أمسكها فذبحها « وهذا معنى الحديث لا لفظه »

قال الخالدي في « صلح الإخوان » ص ١٠٩ بعد ذكر حديثي أبي داود: وأمّا إستدلال الخوارج بهذا الحديث على عدم جواز النذر في أماكن الأنبياء والصّالحين زاعمين انَّ الأنبياء والصّالحين أوثانٌ والعياذ بالله وأعيادٌ من أعياد الجاهليَّة فهو من ضلالهم وخرافاتهم وتجاسرهم على أنبياء الله وأوليائه حتّى سمّوهم أوثاناً، وهذا غاية التحقير لهم خصوصاً الأنبياء فإنَّ مَن انتقصهم ولو بالكناية يكفر ولا تُقبل توبته في بعض الأقوال، وهؤلاء المخذولون بجهلهم يُسمّون التوسّل بهم عبادة، ويسمّونهم أوثاناً، فلا عبرة بجهالة هؤلاء وضلالاتهم، والله أعلم.اهـ.كما لا عبرة بجهالة إبن تيميَّة ومن لفَّ لفَّه وضلالاتهم.

أولئك الَّذينَ طَبَعَ اللّه على‏ قُلوبهم واتّبعوا أهواءهم

____________________

١ - على القارى أن يمعن النظر في صدر هذا الحديث ويعرف مكانة النبي الاقدس في السنن حاشا نبي القداسة عن هذه المخازى.

١٨٣

ألقبور المقصودة بالزيارة

ألتوسّل والتبرُّك بها ألدُّعاء والصَّلاة لديها ختم القرآن لمدفونيها

هناك قبورٌ تُقصد بالزِّيارة وقد قُصدت في القرون الإسلاميّة منذ يومها الأوَّل ولأعلام المذاهب الأربعة حولها كلمات يأخذ الباحث منها دروساً عالية من شتّى النواحي، ويقف بها على فوائد جمَّة منها: عرفان سيرة المسلمين وشعارهم في القرون الخالية حول زيارة القبور والتوسّل والتبرُّك بها، والدُّعاء والصَّلاة لديها، وختم القرآن لمدفونيها، وإليك نبذةٌ منها:

١ - بلال بن حمامة الحبشي مؤذِّن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتوفّى سنة ٢٠ قبره بدمشق وفي رأس القبر المبارك تاريخٌ باسمه رضي الله عنه، والدعاء في هذا الموضع المبارك مستجابٌ، قد جرَّب ذلك كثيرٌ من الأولياء وأهل الخير المتبرِّكين بزيارتهم [ رحلة إبن جبير ص ٢٢٩ ].

٢ - سلمان الفارسي الصحابيُّ العظيم المتوفّى ٣٦. قال الخطيب البغدادي في تاريخه ١ ص ١٦٣: قبره الآن ظاهرٌ معروفٌ بقرب إيوان كسرى عليه بناءٌ وهناك خادمٌ مقيمٌ لحفظ الموضع وعمارته والنظر في أمر مصالحه، وقد رأيتُ الموضع وزرته غير مرَّة.وقال إبن الجوزي في « المنتظم » ٥ ص ٧٥: قال القلانسي وسمنون: زرنا قبر سلمان وانصرفنا.

٣ - طلحة بن عبيد الله المقتول يوم الجمل سنة ٣٦، قال إبن بطوطة في رحلته ١ ص ١١٦: مشهد طلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضي الله عنهم وهو بداخل المدينة وعليه قبَّةٌ ومسجدٌ، وزاويةٌ فيها الطعام للوارد والصادر، وأهل البصرة يعظّمونه تعظيماً شديداً وحقّ له، ثمَّ عدَّ مشاهداً في البصرة لجملةٍ من الصحابة والتابعين فقال: وعلى كلِّ قبر منها قبَّةٌ مكتوبٌ فيها إسم صاحب القبر ووفاته.

م ٤ - ألزبير بن العوام المتوفّى ٣٦، قال إبن الجوزي في « المنتظم » ٧ ص ١٨٧: فمن الحوادث في سنة ٣٨٦ انَّ أهل البصرة في شهر المحرّم ادَّعوا انّهم كشفوا عن قبر

١٨٤

عتيق فوجدوا فيه ميِّتاً طريّاً بثيابه وسيفه وانَّه ألزبير بن العوام فأخرجوه وكفّنوه و دفنوه بالمربد بين الدربين، وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناءً وجعل الموضع مسجداً، ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر والسّمادات واُقيم فيه قوّام وحفظةٌ ووقف عليه وقوفاً ].

٥ - أبو أيّوب الأنصاري الصّحابي المتوفّى ٥٢ بالرّوم، قال الحاكم في « المستدرك » ٣ ص ٤٥٨: يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا.وذكره إبن الجوزي في « صفة الصفوة » ١ ص ١٨٧.

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه ١ ص ١٥٤: قال الوليد: حدَّثني شيخٌ من أهل فلسطين: أنّه رأى بنيّة بيضاء دون حائط القسطنطنيّة فقالوا: هذا قبر أبي أيّوب الأنصاري صاحب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتيت تلك البنيّة فرأيت قبره في تلك البنيّة وعليه قنديلٌ معلّق بسلسلة.

وفي تاريخ إبن كثير ٨ ص ٥٩: وعلى قبره مزارٌ ومسجدٌ وهم « اي الروم » يعظِّمونه.

وقال الذهبي في « الدّول الإسلاميَّة » ١ ص ٢٢: فالرّوم تعظّم قبره ويستشفعون إلى اليوم به.

٦ - رأس الحسين « الإمام السبط الشهيد » بمصر، قال إبن جبير المتوفّى ٦١٤ في رحلته ص ١٢: هو في تابوت فضَّة مدفونٌ تحت الأرض قد بُني عليه بنيانٌ حفيلٌ يقصر الوصف عنه ولا يحيط الإدراك به، مجلّلٌ بأنواع الديباج، محفوفٌ بأمثال العمد الكبار شمعاً أبيض ومنه ما هو دون ذلك، قد وضع أكثرها في أتوار فضّة خالصة ومنها مذهَّبة، وعلّقت عليه قناديل فضّة، وحفَّ أعلاه كلّه بأمثال التفافيح ذهباً في مصنع شبيه الرَّوضة، يقيد الأبصار حسناً وجمالاً، فيه من أنواع الرّخام المجزَّع الغريب الصنعة البديع الترصيع ما لا يتخيَّله المتخيِّلون، ولا يحقّ أدنى وصفه الواصفون، والمدخل إلى هذه الرَّوضة على مسجد على مثالها في التأنّق والغرابة، حيطانه كلّها رخامٌ على الصفة المذكورة، وعن يمين الرَّوضة المذكورة وشمالها بنيانٌ من كليهما المدخل إليها وهما ايضاً على تلك الصفة بعينها، والأستار البديعة الصنعة من الديباج معلّقة على الجميع، ومن أعجب ما شاهدناه في دخولنا إلى هذا المسجد المبارك حجرٌ موضوعٌ في الجدار الذي

١٨٥

يستقبله الداخل، شديد السَّواد والبصيص، يصف الأشخاص كلّها كأنّه المرآة الهنديّة الحديثة الصّقل، وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك، وإحداقهم به وانكبابهم عليه وتمسّحهم بالكسوة التي عليه وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسِّلين إلى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدَّسة، ومتضرِّعين بما يُذيب الأكباد، ويصدع الجماد، والأمر فيه أعظم ومرأى الحال أهول نفعنا الله ببركة ذلك المشهد الكريم، وإنّما وقع الإلماع بنبذةٍ من صفته مستدّلاً على ما وراء ذلك، إذ لا ينبغي لعاقل أن يتصدّى لوصفه لأنّه يقف موقف التقصير والعجز، وبالجملة فما أظنُّ في الوجود كلّه مصنعاً أحفل منه ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع، قدَّس الله العضو الكريم الذي فيه بمنِّه وكرمه.

وفي ليلة اليوم المذكور بتنا بالجبّانة المعروفة بالقرافة وهي ايضاً إحدى عجائب الدُّنيا لما تحتوي عليه من مشاهد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وأهل البيت و الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والعلماء والزهّاد والأولياء ذوي الكرامات الشهيرة والأنباء الغريبة، وإنَّما ذكرنا منها ما أمكنتنا مشاهدته. فمنها: قبر ابن النبيِّ صالح، وقبر روبيل بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرَّحمن صلوات الله عليهم أجمعين، وقبر آسية إمرأة فرعون رضي الله عنها، ومشاهد أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين مشاهد أربعة عشر من الرِّجال وخمس من النساء، وعلى كلِّ واحد منها بناءٌ حفيلٌ، فهي بأسرها روضاتٌ بديعة الإتقان عجيبة البنيان، قد وكّل بها قومٌ يسكنون فيها و يحفظونها، ومنظرها منظرٌ عجيبٌ، والجرايات متّصلةٌ لقوامها في كلِّ شهر. ثمَّ ذكر تفصيل المشاهد.

عقد الشبراوي ألشيخ عبد الله الشافعي المتوفّى ١١٧٢ في كتابه - الإتحاف بحبِّ الأشراف - ص ٢٥ - ٤٠ باباً في ذلك المشهد وذكر فيه زيارته وشطراً من الكرامات له وإحياء يوم الثلاثاء بزيارته وقال: والبركات في هذا المشهد مشاهدةٌ مرئيَّةٌ، و النفحات العائدة على زائريه غير خفيَّة، وهي بصحَّة الدعوى مليَّة، والأعمال بالنيَّة، ولأبي الخطاب بن دحية في ذلك جزءٌ لطيفٌ مؤلِّفٌ، واستفتي القاضي زكيّ الدين عبد العظيم في ذلك فقال: هذا مكانٌ شريفٌ وبركته ظاهرةٌ والإعتقاد فيه خيرٌ و السَّلام، وما أجدر هذا المشهد الشّريف والضريح الأنور المنيف بقول القائل:

١٨٦

نفسي الفداء لمشهد أسراره

من دونها ستر النبوَّة مسبلُ

ورواق عزٍّ فيه أشرف بقعة

ظلّت تحار لها العقول وتذهلُ

تغضى لبهجته النواظر هيبةً

ويردُّ عنه طرفه المتأمِّلُ

حسدت مكانته النجوم فودَّ لو

أمسى يجاوره السّماك الأعزلُ

وسما علوّاً أن تُقبِّل تربه

شفةٌ فأضحى بالجباه يُقبَّلُ

وقال في ذكر الكرامات: منها أنَّ رجلاً يقال له: شمس الدين القعويني كان ساكناً بالقرب من المشهد وكان معلّم الكسوة الشّريفة حصل له ضررٌ في عينيه فكفّ بصره وكان كلّ يوم إذا صلّى الصبح في مشهد الإمام الحسين يقف على باب الضريح الشريف ويقول: يا سيِّدي أنا جارك قد كفَّ بصري وأطلب من الله بواسطتك أن يردَّ عليَّ ولو عيناً واحدةً، فبينما هو نائمٌ ذات ليلة إذ رأى جماعة أتوا إلى المشهد الشريف فسأل عنهم فقيل له: هذا النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصّحابة معه جاؤا لزيارة السيِّد الحسين رضي الله عنه فدخل معهم ثمَّ قال ما كان يقوله في اليقظة، فالتفت الحسين إلى جدِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر له ذلك على سبيل الشّفاعة عنده في الرَّجل فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ رضي الله عنه: يا عليّ كحِّله. فقال: سمعاً وطاعةً وأبرز من يده مكحلةً ومروداً وقال له: تقدَّم حتّى اكحلك فتقدَّم فلوَّث المرود ووضعه في عينه اليمنى فأحسَّ بحرقانٍ عظيمٍ فصرخ صرخةً عظيمة فاستيقظ منها وهو يجد حرارة الكحل في عينه ففتحت عينه اليمنى فصار ينظر بها إلى أن مات، وهذا الذي كان يطلبه فاصطنع هذه البسط التي تُفرش في مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه وكتب عليها وقفاً ولم تزل تُفرش حتّى تولَّى مصر الوزير المعظم محمّد باشا الشريف من طرف حضرة مولانا السلطان محمَّد خان نصره الله فجدَّد بسطاً اُخرى وهي التي تُفرش إلى الآن. ثمَّ ذكر كرامة اُخرى وقعت للشيخ أبي الفضل نقيب السّادة الخلوتيَّة، وقال بعد بيان اختصاص يوم الثلاثاء بزيارة ذلك المشهد: ولنذكر في هذا الباب نبذةً من القصائد التي مدحتُ بها آل البيت الشّريف وتوسَّلت فيها بساكن هذا المشهد المنيف، فممّا قلت فيه:

آل طه! ومن يقل آل طه

مستجيراً بجاهكم لا يُردُّ

حبّكم مذهبي وعقد يقيني

ليس لي مذهبٌ سواه وعقدُ

١٨٧

منكمُ أستمدُّ بل كلّ من في الكـ

ـون من فيض فضلكم يستمدُّ

بيتكم مهبط الرِّسالة والـ

ـوحي ومنكم نور النبوَّة يبدو

ولكم في العلا مقامٌ رفيعُ

ما لكم فيه آل يس~ ندُّ

يا بن بنت الرَّسول مَن ذا يضاهيـ

ـك افتخاراً وأنت للفخر عقدُ؟

يا حسيناً هل مثل اُمِّك اُمُّ

لشريف؟ أو مثل جدِّك جدُّ؟

رام قومٌ أن يلحقوك ولكن

بينهم في العلا وبينك بُعدُ

خصّك الله بالسَّعادة في دنيـ

ـاك ثمَّ بالشَّهادة بَعدُ

لك في القبر يا حسيناً مقامٌ

ولأعداك فيه خزيٌ وطردُ

يا كريم الدارين يا من له الدهـ

ـر على رغم مَن يعاند عبد

أنت سيفٌ على عداك ولكن

فيك حلمٌ وما لفضلك حدُّ

كلّ من رام حصر فضلك غرُّ

فضل آل النبيِّ ليس يُعدُّ

طيبةٌ فاقت البقاع جميعاً

حين أضحى فيها لجدِّك لحدُ

ولمصر فخرٌ على كلِّ مصر

ولها طالعٌ بقبرك سعدُ

مشهدٌ أنت فيه مشهد مجد

كم سعى نحوه جوادٌ مجدُّ؟

وضريحٌ حوى علاك ضريحٌ

كلّه مندلٌ يفوح وندُّ(١)

مددٌ ما له انتهاءٌ وسرُّ

لا يُضاهى ورونقٌ لا يُحدُّ

رحماتٌ للزائرين توالت

وجزيلُ من العطاء ورفدُ

رضي الله عنكمُ آل طه

ودعاء المقلِّ مثليَ جهدُ

وسلامٌ عليكمُ كلّ وقت

ما تغنَّت بكم تهامٌ ونجدُ

أنا في عرض تربة أنت فيها

يا حسيناً وبعدُ حاشا اُردُّ

أنا في عرض جدِّك الطاهر الـ

ـطهر إذا ما الزَّمان بالخطب يعدو

أنا في عرض مَن يعول كلّ الـ

ـرّسل عليه وما لهم عنه بدُّ

أنا في عرض مَن أتته غزالٌ

فحماها والخصيم خصمٌ ألدُّ

أنا في عرض جدِّك المصطفى من

كلِّ عام له الرِّحال تُشدُّ

____________________

١ - المندل: العود الطيب الرائحة ج منادل. الند بالفتح والكسر: عود يتبخر به.

١٨٨

وقلت فيهم ايضاً رضي الله تعالى عنهم:

آل بيت النبيِّ! مالي سواكم

ملجأ أرتجيه للكرب في غدْ

لست أخشى ريب الزَّمان وأنتم

عمدتي في الخطوب يا آل أحمدْ!

مَن يضاهي فخاركم آل طه؟

وعليكم سرادق العزِّ ممتدْ

كلّ فضل لغيركم فإليكم

يا بني الطهّر بالإصالة يُسندْ

لا عدمنا لكم موائد جودٍ

كلّ يومٍ لزائريكم تُجدَّدْ

يا ملوكاً لهم لواء المعالي

وعليهم تاج السّعادة يُعقدْ

أيّ بيت كبيتكم آل طه!

طهَّر الله ساكنيه ومجَّدْ

روضة المجد والمفاخر أنتم

وعليكم طير المكارم غرَّدْ

ولكم في الكتاب ذكرٌ جميلٌ

يهتدي منه كلّ قارٍ ويسعدْ

وعليكم أثنى الكتاب وهل بعـ

ـد ثناء الكتاب مجدٌ وسوددْ؟!

ولكم في الفخار يا آل طه!

منزلٌ شامخٌ رفيعٌ مشيَّدْ

قد قصدناك يا بن بنت رسو

ل الله والخير من جنابك يُقصدْ

يا حسيناً ما مثل مجدك مجدٌ

لشريف ولا كجدِّك من جدْ

يا حسيناً بحقِّ جدِّك عطفاً

لمحبٍّ بالخير منك تعوَّدْ

كلّ وقت يودُّ يلثم قبراً

أنت فيه بمقلتيه ويشهدْ

سادتي أنجدوا محّباً أتاكم

مطلق الدمع في هواكم مقيّدْ

وأغيثوا مقصَراً ما له غيـ

ـ ر حماكم إن أعضل الأمر واشتدْ

فعليكم قصرت حبّي وحاشا

بعد حبّي لكم اُقابل بالردّْ

يا إلهي مالي سوى حبِّ آل البيـ

ـ ت آل النبيِّ طه الممجّدْ

أنا عبدٌ مقصِّرٌ لست أرجو

عملاً غير حبِّ آل محمّدْ إلخ

وقال في المشهد الحسيني ايضاً:

يا نديمي قم بي إلى الصهباءِ

واسقنيها في الرَّوضة الغنّاءِ

حيث مجرى الخليج والماء فيه

يتثنّى كالحيّة الرقشاءِ

هاتها يا نديم صرفاً ودعني

من صريع الهوى قتيل الماءِ

١٨٩

وأدرها ممزوجةً بالتهاني

غير ممزوجةٍ بماء السّماءِ

هاتها يا نديم من غير خلطٍ

إنَّ خلط الدواءِ عين الدّاءِ

والقني يا نديم تحت الأثيلا

ت سحيراً إذا أردت لقائي

في كثيب من الجزيرة يختا

ل دلالاً في حلّة خضراءِ

روضةٌ راضها النسيم سحيراً

باعتلالٍ صحّت به واعتلأِ

ولطيف النسيم يعبث بالغصـ

ـن فيهتزُّ هزَّة استهزاءِ

يا خرير الخليج تفديك نفسي

فلكم نلت في حماك منائي؟

يا نديمي جدِّد بذكراه وجدي

وأحي ذاك الغرام بالأغراءِ

هات حدِّث عن نيل مصر ودعني

من فراتٍ ودجلةٍ فيحاءِ

وأعِد لي حديث لذّات مصر

فحديث اللَّذّات عنّي نائي

إنَّ مصراً لأحسن الأرض عندي

وعلى نيلها قصرت رجائي

وغرامي فيها وغاية قصدي

أن أرى سادتي بني الزَّهراءِ

وإلى المشهد الحسينيِّ أسعى

داعياً راجياً قبول دعائي

يا بن بنت الرَّسول إنّي محبٌّ

فتعطّف واجعل قبولي جزائي

يا كرام الأنام يا آل طه!

حبّكم مذهبي وعقد ولائي

ليس لي ملجأ سواكم وذخرٌ

أرتجيه في شدَّتي ورخائي إلخ

وقال فيه ايضاً:

يا آل طه! من أتى حبْكم

مؤمِّلاً إحسانكم لا يُضامْ

لذنا بكم يا آل طه! وهل

يُضام من لاذ بقوم كرامْ؟

تزدحم النّاس بأعتابكم

والمنهل العذب كثير الزّحامْ

مَن جاءكم مستمطراً فضلكم

فاز من الجود بأقصى مرامْ

يا سادتي يا بضعة المصطفى

يا من لهم في الفضل أعلى مقامْ

أنتم ملاذي وعياذي ولي

قلبٌ بكم يا سادتي مستهامْ

وحقّكم إنّي محبٌّ لكم

محبَّة لا يعتريها انصرامْ

وقفت في أعتابكم هائماً

وما على مَن هام فيكم ملامْ

١٩٠

يا سبط طه يا حسيناً على

ضريحك المأنوس منّي السلامْ

مشهدك السّامي غدا كعبةً

لنا طوافٌ حوله واستلامْ

بيتٌ جديدٌ حلَّ فيه الهدى

فصار كالبيت العتيق الحرامْ

تفديك نفسي يا ضريحاً حوى

حسيناً نِ السبط الإمام الهمامْ

إنّي توسَّلت بما فيك من

عزٍّ ومجدٍ شامخٍ واحتشامْ

يا زائراً هذا المقام اغتنم

فكم لمن يسعى إليه اغتنامْ؟

ينشرح الصَّدر إذا زرته

وتنجلي عنه الهموم العظامْ

كم فيه من نورٍ ومن رونقٍ

كأنَّه روضة خير الأنامْ إلخ

وقال الحمزاوي العدوي المتوفّى ١٣٠٣ في « مشارق الأنوار » ص ٩٢ بعد كلام طويل حول مشهد الإمام الحسين الشريف: واعلم أنَّه ينبغي كثرة الزِّيارة لهذا المشهد العظيم متوسِّلاً به إلى الله، ويطلب من هذا الإمام ما كان يطلب منه في حياته فإنَّه باب تفريج الكروب، فبزيارته يزول عن الخطب الخطوب، ويصل إلى الله بأنواره والتوسّل به كلّ قلب محجوب، ومن ذلك ما وقع لسيِّدي العارف بالله تعالى سيِّدي محمّد شلبي شارح « العزيَّة » الشهير بابن الستّ وهو انَّه قدُ سرقت كتبه جميعها من بيته قال: فتحيّر عقله واشتدّ كربه فأتى إلى مقام وليِّ نعمتنا الحسين منشداً لأبيات إستغاث بها فتوجَّه إلى بيته بعد الزِّيارة ومكثه في المقام مدَّة فوجد كتبه في محلّها قد حضرت من غير نقص لكتاب منها وها هي الأبيات:

أيحوم حول من التجالكمُ أذى؟

أو يشتكي ضيماً وأنتم سادته؟!

حاشا يُردُّ من انتمى لجنابكم

يا آل أحمد! أو تسرُّ شوامته

لكم السَّيادة من ألست بربِّكم

ولكم نطاق العزِّ دارت هالته

هل ثَمَّ بابٌ لِلنبيِّ سواكمُ

من غيركم من ذي الورى ريحانته؟!

تبّاً لطرف لا يشاهد مشهداً

يحوي الحسين وتستلمه سلامته

فالزم رحاباً ضمَّ سبط محمّدٍ

ما أمَّه راجٍ وعيقت حاجته

ها خادماً للحبِّ يرفع حاجة

ممّا يلاقي من بلايا هالته

أمدَّنا الله من فيض أمداده، ومتَّعنا من فيض قربه، وتقبيل أعتابه، وذكر

١٩١

لبعضهم في ذلك المشهد قوله:

منزلٌ كمَّل الإ~له سناهُ

تتوارى البدور عند لقاهُ

خصَّه ربّنا بما شاء في الأر

ض تعالى من في السَّماء إلهُ

صانه زانه حماه وقاه

وكساه بمنِّه ورضاهُ

إن غدا مسكناً لعزَّة آل البيت

من ثمَّ قدره وعلاهُ

ألإمام الحسين أشرف مولى

أيَّد الدين سرَّه ووقاهُ

مدحته آي الكتاب وجاءت

سنَّة الهاشميِّ طرز حلاهُ

وهناك كلماتٌ ضافيةٌ ليم ما ذُكر حول المشهد الرأس الشريف لو جمعتها يد التأليف لأتت كتاباً حافلاً، وممَّن أفرده بالتأليف الشيخ عبد الفتّاح بن أبي بكر الشهير بالرسّام الشافعيّ له رسالة: نور العين في مدفن رأس الحسين.

٧ - عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المتوفّى ١٠١، قبره بدير سمعان يُزار. بق ١ ص ١١٤.

٨ - أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام الحنفيَّة المتوفّى ١٥٠. قبره في الأعظميَّة ببغداد مزارٌ معروفٌ، روى الخطيب في تاريخه ١ ص ١٢٣ عن عليِّ بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إنّي لأتبرَّك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - زائراً - فإذا عرضت لي حاجةٌ صلّيت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عند - فما تبعد حتّى تُقضى. وذكره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة ج ٢ ص ١٩٩، والكردري في مناقبه ٢ ص ١١٢، وطاش كبرى زادة في مفتاح السّعادة ٢ ص ٨٢، والخالدي في صلح الأخوان ص ٨٣ نقلاً عن السفيري و إبن جماعة.

وقال إبن الجوزي في « المنتظم » ٨ ص ٢٤٥: في هذه الأيّام « يعني سنة ٤٥٩ » بنى أبو سعد المستوفي الملقَّب شرف الملك مشهد أبي حنيفة وعمل لقبره ملبناً وعقد القبَّة وعمل المدرسة بازائه وأنزلها الفقهاء ورتَّب لهم مدرِّساً فدخل أبو جعفر إبن البياضي إلى الزِّيارة فقال ارتجالاً.

ألم ترَ انَّ العلم كان مضيَّعاً

فجمَّعه هذا المغيَّب في اللّحدِ؟!

كذلك كانت هذه الأرض ميتةً

فأنشرها جود العميد أبي سعدِ

_١٢_

١٩٢

ثمَّ قال: قال المصنِّف قرأت بخطِّ أبي الوفاء ابن أبي عقيل قال: وضع أساس مسجد بين ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره فجمع سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر، وكان المنفق عليه تركيُّ قدم حاجّاً، ثمَّ قدم أبو سعد المستوفي وكان حنفيّاً متعصِّباً وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض أمراء التركمان، وكان قبل ذلك وأنا صبيٌّ عليه خربشت خاصّاً له وذلك في سني سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغزّ بغداد سنة سبع وأربعين، فلمّا جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبَّة وهي هذه فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد فجاء بالقطّاعين والمهندسين وقدرَّ لها ما بين ألوف آجر وابتاع دوراً من جوار المشهد وحفر أساس القبَّة وكانوا يطلبون الأرض الصّلبة فلم يبلغوا إليها إلّا بعد حفر سبعة عشر ذراعاً في ستَّة عشر ذراعاً فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صنّ ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكاً لقوم فحفر لها ودُفنت: إلى أن قال:

أخبرنا محمَّد بن ناصر الحافظ أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبّار الصَّيرفي قال: سمعت أبا الحسين بن المهتدي يقول: لا يصحُّ انَّ قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعيِّنون موضعاً.

وقال ابن خلكان في تاريخه ٢ ص ٢٩٧، قبره مشهورٌ يزار بُني عليه المشهد والقبَّة سنة ٤٥٩ وقال ابن جُبير في رحلته ص ١٨٠: وبالرَّصافة مشهدٌ حفيل البنيان له قبَّةٌ بيضاء ساميةٌ في الهواء فيه قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.

وقال إبن بطوطة في رحلته ١ ص ١٤٢: قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه عليه قبَّةٌ عظيمةٌ وزاويةٌ فيها الطعام للوارد والصّادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاويةٌ يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزاوية. ثمَّ عدَّ جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال: وأهل بغداد لهم في كلِّ جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ ويوم لشيخ آخر يليه هكذا إلى آخر الاُسبوع.

وقال الذهبي في « الدُّول » ١ ص ٧٩: وقبره عليه مشهدٌ كبيرٌ وقبَّةٌ عاليةٌ ببغداد

١٩٣

وقال إبن حجر في [ الخيرات الحسان ](١) في مناقب الإمام ابي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إنَّ الإمام الشافعيّ أيّام كان هو ببغداد كان يتوسَّل بالإمام أبي حنيفة ويجييء إلى ضريحه يزور فيسلّم عليه ثمَّ يتوسَّل إلى الله تعالى به في قضاء حاجاته وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسَّل بالإمام الشافعيِّ حتّى تعجَّب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد فقال له أبوه: إنَّ الشافعيَّ كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعي: أنَّ أهل المغرب يتوسَّلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم.

٩ - مصعب بن الزبير المتوفّى ١٥٧. قال إبن الجوزي: زارت العامَّة قبره بمسكن كما يُزار قبر الحسينعليه‌السلام [ ظم ٧ ص ٢٠٦].

١٠ - ليث بن سعد الحنفي إمام مصر توفّي ١٧٥، ودفن بالقرافة الصغرى وقبره يُزار رأيته غير مرَّة [ جم ١ ص ٤١٧ ].

١١ - مالك بن أنس إمام المالكيَّة المتوفّى ١٧٩، قبره ببقيع الغرقد في المدينة المنوَّرة. قال إبن جبير في رحلته ١٥٣: عليه قبَّةٌ صغيرةٌ مختصرة البناء. وقد مرَّ ص ١٤٠: انّ الفقهاء عدّوا زيارته من آداب من زار قبر النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢ - ألإمام الطاهر موسى بن جعفر عليهما السَّلام المدفون بالكاظميَّة الشهيد سنة ١٨٣، أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه ١ ص ١٢٠ باسناده عن أحمد بن جعفر ابن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلّال [ شيخ الحنابلة في عصره ] يقول: ما همَّني أمرٌ فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسَّلت به إلّا سهَّل الله تعالى لي ما اُحبّ.

م - وفي « شذرات الذهب » ٢ ص ٤٨: توفّي ببغداد ألشريف أبو جعفر محمّد الجواد ابن علي بن موسى الرِّضا الحسيني أحد الاثنى عشر إماماً الذين تدّعي فيهم الرافضة العصمة، ودُفن عند جدِّه موسى ومشهدهما ينتابه العامَّة بالزيارة ].

١٣ - ألإمام الطاهر أبو الحسن عليُّ بن موسى الرِّضاعليه‌السلام ، قال أبو بكر محمَّد ابن المؤمّل: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر ابن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى عليِّ بن موسى الرِّضا بطوس قال:

____________________

١ - حكاه عنه السيد أحمد زينى دحلان في خلاصة الكلام ص ٢٥٢ والدرر السنية.

١٩٤

فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرُّعه عندها ما تحيَّرنا [ يب ٧ ص ٣٨٨ ].

١٤ - عبد الله بن غالب الحداني البصري المقتول سنة ١٨٣، قتل يوم التروية، كان النّاس يأخذون من تراب قبره كأنَّه مسك يصيرونه في ثيابهم [ حل ٢ ص ٢٥٨، يب ٥ ص ٣٥٤ ].

١٥ - عبد الله بن عون أبو عون الخزَّار البصري. قال محمَّد بن فضالة: رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال: زوروا إبن عون فإن الله يحبّه [ حل ٣ ص ٣٩، يب ٥ ص ٣٤٨ ].

١٦ - عليّ بن نصر بن عليّ الأزدي أبو الحسن البصري المتوفّى ١٨٩، مشهده بالبصرة معروفٌ يُزار. هامش الخلاصة ٢٣٥.

١٧ - معروف الكرخي المتوفّى ٢٠٠ / ١ / ٤، قال إبراهيم الحربي: قبر معروف ألترياق المجرَّب.

وعن الزهري انَّه قال: قبر معروف الكرخي مجرَّب لقضاء الحوائج ويقال: إنَّه من قرا عنده مائة مرَّة قل هو الله أحد وسأل الله ما يريد قضى الله حاجته. ورُوي عن أبي عبد الله المحاملي إنَّه قال: أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة ما قصده مهمومٌ إلّا فرَّج الله همَّه [ طب ١ ص ١٢٢].

وقال إبن الجوزي في « صفة الصفوة » ٢ ص ١٨٣: عن أحمد بن الفتح قال: سألت بشراً « التابعيّ الجليل » عن معروف الكرخي فقال: هيهات حالت بيننا وبينه الحجب.

إلى أن قال: فمن كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره وليدع فإنَّه يُستجاب له إن شاء الله تعالى.

وقال: قبره ظاهرٌ يُتبرَّك به في بغداد، وكان إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف ألترياق المجرَّب.

وقال في « المنتظم » ٨ ص ٢٤٨: بُنيت تربة قبر معروف في ربيع الأوَّل سنة ٤٦٠ وعقد مشهداً راجاً بالجصِّ والآجر.

وقال إبن خلكان في تاريخه ٢ ص ٢٢٤: وأهل بغداد يستسقون بقبره ويقولون قبر معروف ترياقٌ مجرَّب. وقبره مشهورٌ يُزار. وذكر في ص ٣٩٦ عن مرآة الزمان لأبي المظفر سبط إبن الجوزي: انَّه سمع مشايخه ببغداد يحكون انَّ عون الدين قال: كان سبب ولايتي المخزن إنَّني ضاق ما بيدي حتّى فقدت القوت أيّاماً فأشار عليّ

١٩٥

بعض أهلي أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضي الله عنه عنه فأسأل الله تعالى عنده فإنَّ الدعاء عنده مستجابٌ. قال: فأتيت قبر معروف فصلّيت عنده ودعوت ثمَّ خرجت لأقصد البلد يعني بغداد. إلى آخر ما ذكر من قصَّته.

وفي طبقات الشعراني ١ ص ٦١: يستسقي بقبره، وقبره ظاهر يُزار ليلاً ونهاراً.

١٨ - عبيد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب. قال الخطيب البغدادي في تاريخه ١ ص ١٢٣: باب البردان فيها ايضاً جماعة من أهل الفضل وعند المصلّى المرسوم بصلاة العيد قبرٌ كان يُعرف بقبر النذور ويقال: إنَّ المدفون فيه رجلٌ من ولد عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه يتبرَّك الناس بزيارته، ويقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته، حدَّثني القاضي أبو القاسم عليُّ بن المحسن التنوخي، قال: حدَّثني أبي قال: كنت جالساً بحضرة عضد الدَّولة ونحن مخيِّمون بالقرب من مصلّى الأعياد في الجانب الشرقي من مدينة السَّلام نريد الخروج معه إلى همذان في أوَّل يوم نزل المعسكر فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور، فقال لي: ما هذا البناء؟ فقلت: هذا مشهد النذور، ولم أقل: قبره لعلمي بطيرته من دون هذا واستحسن اللفظة، و قال: قد علمت أنَّه قبر النذور وإنَّما أردت شرح أمره فقلت: هذا يُقال إنَّه قبر عبيد الله بن محمّد بن عمر بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب.

ويقال: إنَّه قبر عبيد الله بن محمّد بن عمر بن عليِّ بن أبي طالب، وإنَّ بعض الخلفاء أراد قتله خفيّاً فجعلت له هناك زُبية وسير عليها وهو لا يعلم فوقع فيها وهيل عليه التراب حيّاً، وإنّما شهر بقبر النذور لأنّه ما يكاد يُنذر له نذرٌ إلّا صحَّ وبلغ الناذر ما يريد، ولزمه الوفاء بالنذور، وأنا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرةً نذورا على أمور متعذِّرة فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به، فلم يتقبَّل هذا القول وتكلّم بما دلّ على انَّ هذا إنّما يقع منه اليسير اتّفاقاً فيتسوّق العوام بأضعافه ويسيِّرون الأحاديث فيه. فأمسكت فلمّا كان بعد أيّام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني في غدوة يوم وقال: اركب معي إلى مشهد النذور.

فركبت وركب في نفر من حاشيته إلى أن جئت به إلى الموضع فدخله وزار القبر وصلّى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجات بما لم يسمعه أحدٌ، ثمَّ ركبنا معه إلى خيمته وأقمنا أيّاماً ثمَّ رحل ورحلنا معه يريد همذان فبلغناها وأقمنا

١٩٦

فيها معه شهوراً فلمّا كان بعد ذلك استدعاني وقال لي: ألست تذكر ما حدَّثتني به في أمر مشهد النذور ببغداد؟ فقلت: بلى. فقال: إنّي خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتماداً لإحسان عشرتك، والذي كان في نفسي في الحقيقة انَّ جميع ما يُقال فيه كذبٌ، فلمّا كان بعد ذلك بمديدة طرقني أمرٌ خشيت أن يقع ويتمَّ وأعملت فكري في الإحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت أموالي وسائر عساكري، فلم أجد لذلك فيه مذهباً فذكرت ما أخبرتني به في النذر لمقبرة النذور فقلت: لِمَ لا اجرِّب ذلك؟ فنذرت: إن كفاني الله تعالى ذلك الأمر أن أحمل لصندوق هذا المشهد عشرة آلاف درهم صحاحاً، فلمّا كان اليوم جاءتني الأخبار بكفايتي ذلك الأمر، فتقدَّمت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف - يعني كاتبه - أن يكتب إلى أبي الريّان - وكان خليفته في بغداد - يحملها إلى المشهد.

ثمَّ التفت إلى عبد العزيز - وكان حاضراً - فقال له عبد العزيز: قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب.

١٩ - أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعيّ إمام الشافعيّة المتوفّى ٢٠٤، دُفن بالقرافة الصغرى وقبره يُزار بها بالقرب من المقطم « خل ٢ ص ٣٠ » وقال الجزري في « طبقات القراء » ٢ ص ٩٧: والدّعاء عند قبره مستجابٌ ولما زرته قلتُ:

زرتُ الإمامَ الشّافعي

لأنَّ ذلك نافعي

لأنال منه شفاعةً

أكرمْ به مِن شافعِ

وقال الذهبي في « دول الإسلام » ٢ ص ١٠٥: إنَّ الملك الكامل عمَّر قبَّةً على ضريح الشافعي رحمة الله عليه.

٢٠ - أبو سليمان الداراني المتوفّى ٢٠٥ « أحد الأئمَّة » دُفن في قرية داريا، في قبلتها وقبره بها مشهورٌ وعليه بناءٌ وقد جدَّد مزاره في زماننا هذا « يه ١٠ ص ٢٥٩ »

٢١ - ألسيِّدة نفيسة إبنة أبي محمّد الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب، توفِّيت سنة ٢٠٨ ودُفنت بدرب السّباع وقبرها معروفٌ بإجابة الدّعاء عنده وهو مجرَّب رضي الله عنها « خل ٢ ص ٣٠٢ »

٢٢ - أحمد بن حنبل إمام الحنابلة المتوفّى ٢٤١، قبره ظاهرٌ مشهورٌ يُزار ويتبرّك به. كذا في مختصر طبقات الحنابلة ص ١١، وقال الذهبي في « ل ١ ص ١١٤ » : ضريحه يُزار

١٩٧

ببغداد. وحكى إبن الجوزي في « مناقب أحمد » ص ٢٩٧ عن عبد الله إبن موسى قال: خرجتُ أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد فاشتدَّت الظلمة فقال أبي: يا بُنيَّ تعالى حتّى نتوسّل إلى الله تعالى بهذا العبد الصّالح حتّى يُضيء لنا الطريق فإنِّي منذ ثلاثين سنة ما توسّلت به إلّا قُضيت حاجتي فدعا أبي وأمّنتُ على دعائه فأضاءت السّماء كأنَّها ليلةٌ مقمرةٌ حتّى وصلنا إليه.

وقال في ص ٤١٨: عن أبي الحسن التميمي عن أبيه عن جدِّه انَّه حضر جنازة أحمد بن حنبل قال: فمكثتُ طول اُسبوع رجاء أن أصل من ازدحام الناس عليه فلمّا كان بعد اُسبوع وصلتُ إلى قبره.

م - قال في « المنتظم » ١٠ ص ٢٨٣: وفي أوائل جمادى الآخرة - سنة ٥٧٤ - تقدَّم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيتْ بآجر مقطوع جديدة وبنى له جانبان ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوبٌ: هذا ما أمر بعمله سيِّدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين. وفي وسطه: هذا قبر تاج السنّة وحيد الاُمّة العالي الهمّة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد ابن محمّد بن حنبل الشيباني رحمه الله. وقد كُتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك، ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلّمتُ يوم الإثنين سادس عشر جمادى الاولى، فبات في الجامع خلقٌ كثير وخُتمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف وتاب خلقٌ كثير وقطعت شعور ثمَّ نزلتُ فمضيتُ إلى زيارة قبر أحمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف ].

وقال ابن بطوطة في الرِّحلة ١ ص ١٤٢: قبره لا قبّة عليه، ويذكر انّها بنيت على قبره مراراً فتهدَّمت بقدرة الله تعالى وقبره عند أهل بغداد معظَّم. وفي مختصر طبقات الحنابلة ص ٣٧: تقدم أمير المؤمنين في سنة ٥٢٧(١) بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد وحصل للشيخ أبي الفرج وللحنابلة التعظيم الزائد وجعل الناس يقولون للشيخ: هذا كلّه بسببك.

____________________

١ - في هذا التاريخ تصحيف ولم يكن يولد فيه المستضئ بأمر الله القائم بعمل اللوح وكان أوائل بلوغ ابن الجوزى الحلم فالصحيح ما مر في كلمة ابن الجوزي.

١٩٨

ألله يزور احمد بن حنبل

كلَّ عام لنصرته كلامه

روى إبن الجوزي في « مناقب أحمد » ص ٤٥٤ قال: حدَّثني أبو بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي - وكان شيخاً صالحاً - قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثيرٌ جدّاً قبل دخول رمضان بأيّام فنمتُ ليلة في رمضان فأريتُ في منامي كأنِّي قد جئتُ على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيتُ قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف(١) أو سافين فقلتُ: إنّما تمَّم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول: لا بل هذا من هيبة الحقِّ عزَّ وجلَّ لأنه عزَّ وجلَّ قد زارني فسألته عن سرِّ زيارته إيّاي في كلِّ عام فقال عزَّ وجلَّ: يا أحمد لأنَّك نصرت كلامي فهو يُنشر ويُتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده اُقبِّله ثمّ قلت: يا سيِّدي ما السرّ في انَّه لا يقبَّل قبرٌ إلّا قبرك؟ فقال لي: يا بُنيَّ ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنَّ معي شعراتٌ من شعرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألا ومَن يحبّني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرَّتين.

من يزور أحمد غفر الله له

أخرج الحافظ إبن عساكر في تاريخه ج ٢ ص ٤٦ عن أبي بكر بن أنزويه قال: رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام ومعه أحمد بن حنبل فقلتُ: يا رسول الله مَن هذا؟ فقال: هذا أحمد وليُّ الله ووليُّ رسول الله على الحقيقة وانفق على الحديث ألف دينار. ثمَّ قال: مَن يزوره غفر الله له، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني، ومَن أبغضني فقد أبغض الله.

وأخرج الخطيب البغدادي عن عبد العزيز قال: سمعتُ أبا الفرج الهندبائي يقول: كنتُ أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدَّة فرأيتُ في المنام قائلاً يقول لي: تركت زيارة قبر إمام السنَّة؟ « طب ٤ ص ٤٢٣، مناقب أحمد لابن الجوزي ص ٤٨١ »

قال إبن الجوزي: وفي صفر سنة ٥٤٢ رأى رجلٌ في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غُفر له.

قال: فلم يبق خاصٌّ ولا عامٌّ إلّا زاره وعقدت يومئذ ثمَّ مجلساً فاجتمع فيه الوفٌ من النّاس [ يه ١٢ ص ٣٢٣ ].

فضل زوار قبر احمد

أخرج إبن الجوزي في مناقب أحمد ص ٤٨١ عن أحمد بن الحسين عن أبيه قال

____________________

١ - ألساف والسافة: الصف من الطين أو اللبن ج آسف وسافات.

١٩٩

قال الشيخ أبو طاهر ميمون: يا بُنيَّ رأيت رجلاً بجامع الرَّصافة في شهر ربيع الأوَّل من سنة ستين وأربعمائة فسألته فقال: قد جئت من ستمائة فرسخ. فقلت: في أيِّ حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة كأنّي في صحراء أو في فضاء عظيم والخلق قيامٌ وأبواب السَّماء قد فُتحت وملائكةٌ تنزل من السَّماء تلبس أقواماً ثياباً خضراً ويطير بهم في الهواء فقلت: مَن هؤلاء الذين قد اختصّوا بهذا؟ فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات وأنا عائدٌ إلى بلدي إن شاء الله.

بركة قبر أحمد وجواره

أخرج إبن الجوزي في مناقب احمد ص ٤٨٢ عن أبي يوسف بن بختان - وكان من خيار المسلمين - قال: لما مات أحمد بن حنبل رأى رجلٌ في منامه كأنَّ على كلِّ قبر قنديلاً فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنَّه نورٌ لأهل القبور ينوِّرهم بنزول هذا الرَّجل بين أظهرهم وقد كان فيهم من يعذَّب فرحم.

وباسناده عن عبيد بن شريك قال: مات رجلٌ مخنَّث فرُئي في النوم فقال: قد غُفر لي: دفن عندنا أحمد بن حنبل فغفر لأهل القبور.

وباسناده في ص ٤٨٣ عن أبي علي الحسن بن أحمد الفقيه قال: لما ماتت اُمُّ القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل فرآها بعد ليال فقالت: يا بُنيَّ رضي الله عنك فلقد دفنتني في جوار رجل ينزل على قبره في كلِّ ليلة - أو قالت في كلِّ ليلة جمعة - رحمة تعمُّ بجميع أهل المقبرة وأنا منهم.

قال: قال أبو علي وحكى أبو ظاهر الجمّال - شيخٌ صالحٌ - قال قرأت ليلة و أنا في مقبرة أحمد بن حنبل قوله تعالى: فمنهم شقيُّ وسعيد. ثمَّ حملتني عيني فسمعت قائلاً يقول: ما فينا شقيٌّ والحمد لله ببركة أحمد.

وقال: بلغني عن بعض السَّلف القدماء قال: كانت عندنا عجوزٌ من المتعبِّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة فأصبحت ذات يوم مذعورة فقالت: جاءني بعض الجنِّ في منامي فقال: إنّي قرينك من الجنِّ وإنَّ الجنَّ استرقت السّمع بتعزية الملائكة بعضها بعضاً بموت رجل صالح يقال له: أحمد بن حنبل. وتربته في موضع كذا وإنَّ

٢٠٠