الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 122424
تحميل: 4561


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122424 / تحميل: 4561
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المرويِّ عنه في مرضه: ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبداً فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله.

قال الأميني: لا تخلو هذه الإستعاذة(١) إمّا أن تكون في حيِّز الإخبار عن عدم الإختلاف أو في مقام النهي عنه. وعلى الأوّل يلزم منه الكذب لوقوع الإختلاف - و أيّ اختلاف - بالضرورة من أمير المؤمنين وبني هاشم ومن التفَّ بهم من صدور الصَّحابة ومن سيِّد الخزرج سعد بن عبادة وبقيَّة الأنصار، وإن أخضعت الظروف والأحوال أُولئك المتخلّفين عن البيعة للخلافة المنتخبة بعد بُرهة، فقد كان في القلوب ما فيها إلى آخر أعمارهم، وفي قلوب شيعتهم وأتباعهم إلى يوم لقاء الله، وكان لأمير المؤمنينعليه‌السلام وآله و شيعته في كلّ فجوة من الوقت وفرصة من الزَّمن نبرات وتنهّدات ينبأ فيها عن الحقِّ المغتصب والخليفة المهتضم.

وعلى الثاني يلزم تفسيق اُمَّة كبيرة من أعيان الصَّحابة لمخالفتهم نهي النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما شجر بينهم وبين القوم من الخلاف المستعاذ منه بالله في أمر الخلافة، وهذا لا يلتأم مع حكمهم بعدالة الصَّحابة أجمعين إلّا أن يخصّوها بغير أمير المؤمنين ومن انضوى إليه، و كلّ هذه يُأدِّي إلى بطلان الرِّواية.

وهلمّ معي إلى اُمِّ المؤمنين الرَّاوية لها نساؤلها عن أنّها لِمَ لم تنبس يوم التنازع عمّا روته ببنت شفة، فتجابه من يُنازع أباها بنصِّ الرَّسول الأمين وأخَّرت البيان عن وقت الحاجة؟ ولعلّها تجيب بأنّها لم تسمع قطُّ من بعلها الكريم شيئاً ممّا اُلصق بها، لكن رواة السوء بعد وفاتها لم ترع لها كرامة فصعّدت وصوَّبت، وشاهد هذا الجواب ما سيوافيك عنها بطريق صحيح ما ينافي الاستخلاف.

١٥ - عن عايشة قالت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أئمّة الخلافة من بعدي أبو بكر وعمر. الحديث.

ذكره الذهبي في ميزانه ٢ ص ٢٢٧ وقال: خبرٌ باطلٌ، ألمتَّهم بوضعه عليّ - بن صلح الأنماطي - فإنَّ الرُّواة ثقاةٌ سواه.

قال الأميني: من المأسوف عليه انَّ الدهشة بالقلاقل بعد وفاة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنست

____________________

١ - في قوله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌: معاذ الله ان يختلف المؤمنون

٣٤١

عايشة هذه الرِّواية يوم كان يستفيد بها أبوها ويسلم من مغبَّة الإختيار في أمر الخلافة بالإسناد إلى النصِّ الصَّريح. أو خشيت حين ذلك إن فاهت أن يقال: حلبت حلباً لها شطرها، فارجئتها إلى أن سبق السَّيف العذل، والصَّحيح: أنّها أرجئت روايتها إلى أن لفظت نفسها الأخير، وسيوافيك عنها خلاف هذه الرِّواية من طريق صحيح.

١٦ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: يكون بعدي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصِّديق لا يلبث بعدي إلّا قليلاً. وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميداً ويقتل شهيداً عمر. و أنت يا عثمان سيسألك الناس أن تخلع قميصاً كساك الله عزَّ وجلَّ إيّاه، والذي نفسي بيده لئن خلعته لا تدخل الجنّة حتّى يلج الجمل في سمِّ الخياط.

أخرجه البيهقي كما في تاريخ إبن كثير ٦ ص ٢٠٦ باسناده وفيه عبد الله بن صالح الكذّاب، وربيعة بن سيف قال البخاري: عنده مناكير. وذكره الذهبي في « ميزان الإعتدال » ٢ ص ٤٨ من طريق يحيى بن معين وقال: أنا أتعجّب من يحيى مع جلالته ونقده كيف يروي مثل هذا الباطل ويسكت عنه؟ وربيعة صاحب مناكير وعجائب.

١٧ - عن إبن عبّاس في قوله تعالى: وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً. قال: أسرَّ إلى حفصة: أنَّ أبا بكر وليُّ ألأمر من بعده، وانَّ عمر واليه من بعد أبي بكر، فأخبرت بذلك عائشة. رواه البلاذري في تاريخه.

وفي « نزهة المجالس » ٢ ص ١٩٢: قال إبن عبّاس رضي الله عنهما، والله إنَّ إمارة أبي بكر وعمر لفي كتاب الله وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً قال لحفصة: أبوك وأبو عائشة أولياء الناس بعدي فإيّاك أن تخبري به أحداً.

وأخرج الذهبي عن عايشة: وإذا أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً. قالت: أسرَّ إليها: أنَّ أبا بكر خليفتي من بعدي. عدَّه الذهبي في « ميزان الإعتدال » ١ ص ٢٩٤ من أباطيل خالد بن إسماعيل المخزومي الكذّاب.

١٨ - عن إبن عبّاس قال: لَمّا نزلت إذا جاء نصر الله والفتح جاء العبّاس إلى عليّ فقال: قم بنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصارا إلى رسول الله فسألاه عن ذلك فقال: يا عبّاس! يا عمّ رسول الله! إنَّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا وأطيعوا ترشدوا، قال العبّاس: فأطاعوه والله فرشدوا.

٣٤٢

وفي لفظ آخر: يا عمّ! انَّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فأطيعوه بعدي تهتدوا واقتدوا به ترشدوا. قال إبن عبّاس: ففعلوا فرشدوا.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ١١ ص ٢٩٤ - من دون أيِّ غمز في سنده و متنه - من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد الكذّاب، غير انَّ السيوطي حكى عنه « في « اللئالي » ١ ص ١٥٢ إردافه بقوله: عمر كذّابٌ. وهذا لا يوجد في المطبوع من تاريخ بغداد فكأنَّ يد الطبع الأمينة حرَّفته خدمةً للمبده، وعمر هو ابن إبراهيم القرشي الكردي الكذّاب الوضّاع. وقال الذهبي في ميزانه ٢ ص ٢٤٩: هذا الحديث ليس بصحيح.

قال الأميني: أسفي إن كان العبّاس قد سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا النصَّ الصّريح، وكان إبنه يجد خلافة الشيخين في الكتاب العزيز، ويخبر به النّاس مشفّعاً بالحلف بالله، و اُمر بالطاعة والإقتداء بهما فلماذا خالف ذلك كلّه؟ ولِماذا تخلّف عن بيعة أبي بكر؟(١) وما الذي حداه إلى أن يأتي أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم توفّي النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ضحاة فيقول له: إذهب إلى رسول الله فسله فيمن يكون هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا اُمر به فأوصى بنا. ويقول عليُّعليه‌السلام : والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبداً، والله لا أسألها رسول الله أبداً. فتوفّي رسول الله حين اشتدَّ الضّحى من ذلك اليوم(٢) .

وفي لفظ آخر: فانطلق بنا إليه فنسأله مَن يستخلف؟ فانْ استخلفَ منّا فذاك وإلّا فأوصى بنا فحفظنا من بعده. ألحديث.

وما دعاه إلى أن يقول لعليٍّ لما قُبِضَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبسِط يدك اُبايعك فيُقال عمُّ رسول الله بايع إبن عمِّ رسول الله ويبايعك أهل بيتك، فإنَّ هذا الأمر إذا كان لم يُقل(٣) فيقول عليُّ كرَّم الله وجهه: ومَن يطلب هذا الأمر غيرنا؟(٤) .

____________________

١ - العقد الفريد ٢ ص ٢٥٠. الرياض النضرة ١ ص ١٦٧، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٥.

٢ - الطبقات الكبرى لابن سعد ص ٧٦٦، تاريخ الطبري ٣ ص ١٩٤، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٣٣، الامامة والسياسة ١ ص ٥، سنن البيهقي ٨ ص ١٤٩ نقلا عن صحيح البخاري، تاريخ ابن كثير ٥ ص ٢٥١.

٣ - من الاقالة لا من القول.

٤ - الامامة والسياسة ١ ص ٥.

٣٤٣

وفي لفظ إبن سعد في طبقاته: قال عليٌّ: يا عمّ! وهل هذا الأمر إلّا إليك؟ وهل مِن أحد ينازعكم في هذا الأمر؟

وما باله يُلاقي أبا بكر فيسأله هل أوصاك رسول الله بشئ؟ فيقول: لا. أو يُلاقي عمر ويسأل مثل ذلك فيسمع: لا. ثمَّ بعد أخذ الإعتراف من الرَّجلين على عدم الإستخلاف يقول لعليٍّ: أبسط يدك اُبايعك ويبايعك أهلُ بيتك(١) .

أو يقول: يا عليُّ! قُمْ حتّى اُبايعك ومَن حضر فانَّ هذا الأمر إذا كان لم يُردّ مثله والأمر في أيدينا، فقال علي: وأحدٌ يطمع فيه غيرنا؟ قال العبّاس: أظنُّ والله سيكون(٢)

وما حداه إلى كلامه لعليٍّ يوم استخلف عثمان؟: إنِّي ما قدَّمتك قطّ إلّا تأخّرت، قلتُ لك: هذا الموت بيِّنٌ في وجه رسول الله فتعال نسأله عن هذا الأمر فقلتَ: أتخوَّف أن لا يكون فينا فلا نُستخلف أبداً. ثمَّ مات وأنت المنظور إليه فقلتُ: تعال اُبايعك فلا يختلف عليك فأبيتَ. ثمَّ مات عمر فقلتُ لك: قد أطلق الله يديك فليس لأحد عليك تبعةٌ فلا تدخل في الشورى عسى ذلك أن يكون خيراً(٣) .

صورة أخرى

قال العبّاس: لم أدفعك في شيء إلّا رجعت إليّ متأخِّراً بما أكره، أشرتُ عليك عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الأمر فأبيت، وأشرتُ عليك بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تعاجل الأمر فأبيت، وأشرتُ عليك حين سمّاك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، فاحفظ عنّي واحدة كلّما عرض عليك القوم فأمسك إلى أن يولّوك واحذر هذا الرَّهط فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتّى يقوم لنا فيه غيرنا. ألعقد الفريد ٢ ص ٢٥٧.

١٩ - عن أبي هريرة قال: بينما جبريل مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ مرَّ أبو بكر فقال: هذا أبو بكر. قال: أتعرفه يا جبريل؟ قال: نعم إنَّه لفي السَّماء أشهر منه في الأرض، فإنَّ الملائكة لتسمِّيه حليم قريش، وانَّه وزيرك في حياتك وخليفتك بعد موتك.

أخرجه إبن حبّان من طريق إسماعيل بن محمّد بن يوسف وقال: إسماعيل يسرق الحديث لا يجوز الاحتجاج به. وقال إبن طاهر: كذّابٌ. ورواه أبو العبّاس اليشكري

____________________

١ - الامامة والسياسة ١ ص ٦.

٢ - الطبقات الكبرى لابن سعد ص ٦٦٧.

٣ - انساب الاشراف للبلاذرى ج ٥ ص ٢٣.

٣٤٤

في فوائده اليشكريّات كما في « اللئالي » ١ ص ١٥٢ من طريق أحمد بن الحسن بن أبان المصري وهو ذلك الكذاب الدجّال الوضّاع.

٢٠ - أخرج إبن عساكر عن أبي بكرة قال: أتيت عمر رضي الله عنه وبين يديه قومٌ يأكلون فرمى ببصره في مؤخَّر القوم إلى رجلٍ فقال: ما تجد فيما تقرأ قِبلك من الكتب قال: خليفة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدِّيقه. ذكره السيوطي في « الخصايص الكبرى » ١ ص ٣٠ عند إثبات ذكر أبي بكر في كتب الاُمم السّالفة.

هذه الرِّواية لم نقف لها على اسناد وحسبها من الوهن إرسالها فيما نجد، ولم نعرف الكتابيَّ الذي كان في مؤخَّر القوم حتّى ينظر في مبلغه من الدين والثقة، وبعد فرض ثبوتها فهي إنّما تدلُّ على ما يحاوله عمر بعد أن يخصم المجادل في ثبوت هذا الاستخلاف وهذا اللقب من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر، وعدم مشاركة غيره له فيهما، والأوَّل محلً نظر عند من لا يرى أبا بكر أوّل الخلفاء، وتلقيب النّاس له بهما لا ينهض لإثبات تطبيق ما في الكتب السّالفة عليه فإنَّه يدور مدار الواقع لا تلقيب النّاس. وأمّا الثاني: فقد ثبت م - في الصَّحيح المتواتر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي مخلّفٌ فيكم خليفتين. وليس أبو بكر أحدهما، وصحّ قوله لعليعليه‌السلام : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي(١) فعليّعليه‌السلام خليفة أخيه النبيِّ الأقدس من يومه الأوَّل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى ]

كما مرَّ أنَّ مولانا أمير المؤمنين لقَّبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصدِّيق. وهو صدِّيق هذه الاُمَّة. وهو أحد الصدِّيقين الثلاثة. وهو الصدَّيق الأكبر. راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب ٣١٢ - ٣١٤ وتجد هنالك بسند صحيح رجاله ثقاتٌ عند الحفّاظ تكذيب أمير المؤمنين كلّ من يدَّعي هذا اللقب غيره، إذن فلا شاهد في الرِّواية على أنَّ المراد بالصدِّيق والخليفة مَن حاولوه.

٢١ - قال محمَّد بن الزبير أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له: اشفني فيما اختلف فيه النَّاس هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعداً فقال: أوَ في شكّ هو؟ لا أباً لك، أي والله الّذي لا إ~له إلّا هو لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله وأتقى له وأشدّ له مخافةً من أن يموت عليها

____________________

١ - راجع الجزء الثانى من كتابنا هذا ٢٧٨ - ٢٨٦.

٣٤٥

لو لم يؤمِّره.

أخرجه إبن قتيبة في « الإمامة والسّياسة » ص ٤ وفي آخره: وهو كان أعلم بالله تعالى وأتقىِ لله تعالى من أن يتوثّب عليهم لو لم يأمره. وذكره ابن حجر في الصّواعق ص ١٥.

اُنظر إلى هذا المتقشِّف المتزهِّد الجامد كيف يحلف كذباً بالله تعالى على ما لا تعترف به الاُمّة جمعاء حتّى نفس أبي بكر وعمر وسيوافيك الصِّحاح الناصّة من طريق القوم على عدم الإستخلاف من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمير المؤمنين عليّ وأبي بكر وعمر وعايشة، م - وسيوافيك في هذا الجزء والجزء السابع ما جاء في الصَّحيح الثابت من قول أبي بكر في مرضه الذي توفّي فيه: وددت انّي كنت سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحدٌ، ووددت انّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيبٌ؟ ] فقول الرَّجل داءٌ فيما اختلف فيه النّاس لا شفاء كما حسبه السائل.

٢٢ - أخرج إبن حبّان عن سفينة لَمّا بنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد(١) وضع في البناء حجراً وقال لأبي بكر: ضع حجرك إلى جنب حجري. ثمَّ قال لعمر: ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر. ثمَّ قال لعثمان: ضع حجرك إلى جنب حجر عمر. ثمَّ قال: هؤلاء الخلفاء بعدي.

ذكره إبن حجر في « الصَّواعق » ص ١٤ وقال: قال أبو زرعة: إسناده لا بأس به، و قد أخرجه الحاكم في المستدرك "(٢) وصحّحه البيهقي في الدلائل، وذكره إبن كثير في « البداية والنهاية » ٦: ٢٠٤.

ليت إبن حجر ذكر سند الرِّواية ولم يرسله حتّى تأتّى للقارئ وقوفه على بطلانه وبطلان الحكم بصحِّته، وقد أخرجوه من طريق نعيم من حمَّاد المذكور في سلسلة الكذّابين وحسبه منقصة ومغمزة. ثمَّ ليت مصحّح هذه الرِّواية كان يعرف انَّ صحّة هذا النصِّ على الخلافة تُضعضع حجر مبدءه الأساسيَّ، وتبطل ما ذهب إليه هو وقومه من الخلافة الإنتخابيّة، وتضادُّ ما صحّحوه عن أبي بكر وعمر وعليّ وعائشة و و و - كما يأتي - من أنّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات ولم يستخلف. وقد أبطله الذهبي بما ذكر عند ما أخرجه الحاكم من

____________________

١ - في تاريخ ابن كثير ٦: ٢٠٤: مسجد المدينة.

٢ - اخرجه في الجزء الثالث ص ١٣ ولفظ ذيله: هؤلاء ولاة الامر بعدى.

٣٤٦

طريق عائشة كما مرَّ في ص ٣٣٥.

٢٣ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: إقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر.

أخرجه العقيلي من طريق مالك وقال: هذا حديثٌ منكرٌ لا أصل له. وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضميري بسنده ثمَّ قال: لا يثبت والعمري - يعني محمّد بن عبد الله حفيد عمر بن الخطاب راوي الحديث - ضعيفٌ. وقال إبن حبّان: لا يجوز الإحتجاج به، وقال الدارقطني: ألعمري يحدِّث عن مالك بأباطيل. لم ٥ ص ٢٣٧.

٢٤ - روى الحسن بن صالح القيسراني عن إسحاق بن محمّد الأنصاري أنه قال: سألت يموت بن المزرع بن يموت فقلت: يا اُستاذ! كيف لم يستخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً واستخلف أبا بكر؟ فقال: سألت الجاحظ عن هذا فقال: سألت إبراهيم النظام عن هذا فقال: قال الله عزَّ وجلَّ وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. الآية. وكان جبريل ينزل على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدِّثه بعد الوحي كما يحدِّث الرَّجل الرَّجل فقال: يا جبريل من هؤلاء الذين يستخلفهم الله في الأرض؟ فقال جبريل: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، ولم يكن بقي من عمر أبي بكر إلّا سنتين فلو استخلف عليّاً لم يلحق أبو بكر وعمر وعثمان من الخلاف شيئاً ولكنَّ الله رتَّبهم لعلمه بما بقي من أعمارهم حتّى تمَّ ما وعدوهم الله تبارك وتعالى به.

أخرجه إبن عساكر في تاريخه ٤ ص ١٨٦. وليت شعر شاعر انّه إن كان جبرئيل فسّر الآية الكريمة بما فسّر، ووعاه النبيُّ الأعظم، وبلّغ الاُمّة به لتوفّر الدواعي للبيان ليعرف كلّ أحد رشده وهداه، وكانت الحاجة ماسّةً بالمبادرة إلى ذلك، فكيف خفي ذلك على الاُمّة جمعاء؟ لا سيَّما على أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وإبن عبّاس حَبر الاُمّة وعايشة، فلا احتجَّ به أحدٌ ولا أسند إليه عند الحوار في أمر الخلافة، وما مقيل هذه الجلبة والضوضاء في تعيين الخليفة؟ هل المعيِّن له النصُّ أو إجماع الاُمّة؟ ولم يقل بالأوَّل إلّا الشيعة، وأمّا الذين خُلقت هذه الرِّواية لهم فلا يقيمون للنصِّ وزناً ولا يدَّعون وجوده في كتاب أو سنّة ويقول عمر: إن لم استخلف فلم يستخلف من هو خيرٌ مني.

وإن كان الأمر كما يرتأيه - النظام - فما حال المتخلّفين عن البيعة عندئذ؟ هل هم

٣٤٧

محكومون بالعدالة كما يعتقدها أهل السنّة في الصَّحابة أجمع؟ أو انّه يُستثني منهم قتلة عثمان كما عند إبن حزم؟ فهل يستصحب فيهم هذا الحكم؟ أو.......... وفيهم من نزل بعصمتهم الكتاب الكريم؟ وفيهم وجوه الصَّحابة وأعيانها. أو انّهم متأوِّلون مجتهدون قبال هذا النصِّ الصّريح؟ وكم له من نظير في الصَّحابة.

هذا مع غضِّ الطرف عمّا جاء في بعض رجال هذا السند من القذائف والطامّات وفي مقدَّمهم النظام قال إبن قتيبة: كان شاطرا من الشطّار مشهوراً بالفسق. وقال الذهبي: متَّهمٌ بالزندقة - لم ١ ص ٦٧ - وبعده تلميذه الجاحظ مرّ في سلسلة الكذّابين ص ٢٤٨، وبعده هلم جرًّا.

٢٥ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه - حفيد عمرو بن العاص - قال: لما اشتبكت الحرب يوم خيبر قيل للنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه الحرب قد اشتبكت فأخبرنا بأكرم أصحابك عليك؟ فإن يكن أمرٌ عرفناه وإن تكن الأخرى أتيناه فقال: أبو بكر وزيري يقوم في النّاس مُقامي من بعدي. وعمر ينطق بالحقِّ على لساني، وأنا من عثمان وعثمان منِّي. وعليُّ أخي وصاحبي يوم القيامة.

ذكره الذهبي من طريق العقيلي وقال: ألمتَّهم بوضع هذا ألشيخ الجاهل - يعني سليمان بن شعيب بن الليث المصري -.

وأخرجه الخطيب في تاريخه ١٣ ص ١٦١ بلفظ: لما اشتبكت الحرب يوم حنين دخل جندب بن عبد الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ هذه الحرب قد اشتبكت ولسنا ندري ما يكون، أفلا تخبرنا بأخير أصحابك وأحبِّهم إليك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي ياهيه لِلَّه أبوك أنت القائد لها بأزمّتها، هذا أبو بكر الصدِّيق يقوم في الناس من بعدي. وهذا عمر بن الخطاب حبيبي ينطق بالحقِّ على لساني. وهذا عثمان بن عفّان هو منّي وأنا منه. وهذا عليُّ بن أبي طالب أخي وصاحبي حتّى تقوم القيامة. رجال سنده:

١ - عليُّ بن حمّاد بن السكن. قال الدار قطني: متروك الحديث.

٢ - مجاعة بن ثابت. كذّابٌ. راجع سلسلة الكذّابين.

٣ - إبن لهيعة. قال يحيى: ليس بالقويِّ. وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطَّان وإبن مهدي.

٣٤٨

٤ - عمرو بن شعيب. قال أبو داود: عمرو عن أبيه عن جدِّه ليس بحجَّة.

ولعلَّ الخطيب سكت عن إبطال مثل هذه الرِّواية ثقةً بأنَّ بطلانها سنداً ومتناً لا يخفى على أيِّ أحد.

٢٦ - عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عثمان إنَّك ستلي الخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصُمْ ذلك اليوم تفطر عندي.

ذكره الذهبي في ميزانه ١ ص ٣٠٠ من طريق خالد بن محمّد أبي الرحّال البصري الأنصاري وقال: عنده عجائب، وقال إبن حبّان: لا يجوز الإحتجاج به. وفي لم ٦: ٧٩٤ قال أبو حاتم: ليس بالقويِّ.

٢٧ - عن أبي هريرة في حديث: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا حفصة ألا اُبشِّرك؟ قالت: بلى. قال: يلي الأمر من بعدي أبو بكر ثمَّ أبوك اكتمي عليَّ. فخرجت حتّى دخلت على عائشة فقالت لها: ألا اُبشِّرك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: بماذا؟ فذكرت لها وقالت: قد استكتمني فاكتميه فأنزل الله تعالى: يا أيّها النبيُّ لِمَ تُحرِّم ما أحلَّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك. ألآيات. أخرجه الماوردي في « أعلام النبوَّة » ص ٨١ مرسلاً.

وأخرجه العقيلي من طريق موسى بن جعفر الأنصاري فقال: مجهولٌ بالنقل لا يُتابع على حديثه ولا يصحّ. وذكره الذهبي في ميزان الإعتدال في ترجمة موسى وقال: لا يُعرف وخبره ساقطٌ. ثمَّ قال بعد ذكر الحديث: قلت هذا باطلٌ. « لم ٦ ص ١١٣ »

ومتن الحديث أفسد من سنده لأنَّ الولاية المذكورة إن كانت شرعيَّة فإن من واجبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفشاءها ليُعرِّف الناس طريق الحقّ وصاحب الولاية المفترض طاعته فيسعدوا بذلك لاكتمانها فيبقوا حيارى لا يدرون عمَّن يأخذون معالم دينهم فيتشبَّثون في تشخيصه بالطحلب من خيرة مبتورة، وإجماع مخدج.

وإن كانت غير مشروعة فكان من واجبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهيهما عن ارتكابها، أو أمر حفصة بأن تنهي إليهما أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهما بالتجنّب عن ورطة الهلكة - لا الستر والأمر بالكتمان - حتّى لا يقعا فيها من حيث لا يشعران، بل كان من حقِّ المقام أن يُعرِّف الملأ الدينيَّ بذلك ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بيِّنة.

٣٤٩

وعليه فإن صحَّ الحديث فليس هو إلّا إخباراً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقضيَّة خارجيَّة، و إن كان وقوعها قهراً، ولا ينافيه لفظ البشرى لكونه إخباراً بما تهشُّ إليه نفس حفصة من تقلّد أبيها زعامة الاُمَّة، فجرى الكلام مجرى رغباتها ولذلك لم تُبد به حفصة عند مسيس حاجة الاُمّة إلى نصٍّ مثله - إن كان الحديث نصّاً - عند محتدم الحوار بينها، وإنّما أمرها بالكتمان كان لمصالح لا تخفى على الباحث.

٢٨ - عن جعفر بن محمّد [ الإمام الصّادق ] عن أبيه عن جدَّه قال: توفّيت فاطمة ليلاً فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة فقال أبو بكر لعليّ: تقدَّم فصلِّ. قال: لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقدَّم أبو بكر فصلّى أربعاً.

عدَّه الذهبي من مصائب أتى بها عبد الله بن محمّد القدامي المصيصي عن مالك. و قال إبن عدي: عامّة حديثه غير محفوظة. وقال إبن حبّان: يُقلّب الأخبار لعلّه قلّب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثاً. وقال الحاكم والنقّاش: روي عن مالك أحاديث موضوعة. وقال السمعاني في « الأنساب » : كان يقلّب الأخبار لا يُحتجُّ به « م ٢ ص ٧٠، لم ٣ ص ٣٣٤ »

هذه الاُكذوبة على الإمام الطاهر الصّادق تُخالف ما في التاريخ الصَّحيح عن عائشة قالت: دُفنت فاطمة بنت رسول الله ليلاً دفنها عليٌّ ولم يشعر بها أبو بكر رضي الله عنه حتّى دُفنت وصلّى عليها عليُّ بن ابي طالب رضي الله عنه. ك ٣ ص ١٦٣، صحّحه الحاكم وأقرَّه الذهبي. وقال الحلبي في السيرة النبويَّة ٣ ص ٣٦٠: قال الواقدي: ثبت عندنا أنَّ عليّاً كرَّم الله وجهه دفنها ليلاً وصلّى عليها ومعه العّباس والفضل ولم يُعلموا بها أحداً.

٢٩ - عن أنس بن مالك: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قدَّمت أبا بكر وعمر ولكن الله قدَّمهما ومنَّ بهما عليَّ فأطيعوهما واقتدوا بذكرهما، ومن أرادهما بسوءٍ فإنَّما يريدني والإسلام. أخرجه إبن النجّار كما في « كنز العمّال » ٦ ص ١٤٤.

كيف خفي على معظم الأصحاب ورجالات بيت الوحي وفي مقدَّمهم سيِّدهم أمير المؤمنين انَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدَّم الشيخين على عليّعليه‌السلام وغيره في الخلافة مهما قدَّمهما الله تعالى؟ فتخلّفوا عن بيعة من قدَّمه الله ورسوله وما أطاعوه وما قدَّموه.

ولِماذا حيل بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين ما رام أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيّام

٣٥٠

في متوليّ الخلافة بعد ما كان نصَّ عليه قبل ذلك اليوم؟ وما كان يكتب إلّا من قدَّمه الله تعالى ونصَّ عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلُ.

ولِماذا لم يكن يوم السقيفة ذكرٌ عند أيَّ أحد من ذلك التقديم المفتعل على الله و على رسوله؟ وما بال أبي بكر كان يقدِّم أبا عبيدة الجرّاح يوم ذلك وكان يحثُّ الناس على بيعته وبيعة عمر كما ورد في الصّحيح؟! فكأنَّ في اُذن الاُمَّة وقرًا من سماع ذلك التقديم حتى أنَّ اُذن أنس لم تسمع به قطُّ.

٣٠ - عن إبن عمر وأبي هريرة قالا: إبتاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أعرابيّ قلائص إلى أجل فقال: أرأيت إن أتى عليك أمر الله؟ قال: أبو بكر يقضي ديني وينجز موعدي. قال: فإن قُبض؟ قال عمر يحذوه ويقوم مقامه لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: فإن أتى على عمر أجله؟ قال: فإن استطعت أن تموت فمت.

من موضوعات خالد بن عمرو القرشي على الليث ذكره الذهبي في ميزانه ١ ص ٢٩٨ وحكى عن ابن عدي انَّه قال بعد ذكر هذا الحديث وأحاديث اُخرى: عندي انَّه - خالد بن عمرو - وضع هذه الأحاديث، فإنَّ نسخة الليث عن يزيد بن أبي حبيب عندي ما فيها من هذا شيءٌ.

وذكره ابن درويش الحوت البيروتي في « أسنى المطالب » ص ٢٤٩ بلفظ: قدم رجلٌ من أهل البادية بإبل فاشتراها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ لقي الرَّجل عليّاً فقال: ما أقدمك؟ فأخبره انَّه قدم بإبل وباعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليُّ: هل نقدك؟ فقال: لا، لكن بعتها بتأخير. قال: ارجع إليه فقل له: إن حدث بك حادثٌ فمن يقضي عنك؟(١) فقال: أبو بكر. قال: فإن حدث بأبي بكر؟ فقال: عمر. فقال: فإن مات عمر فمن يقضي؟ فقال: ويحك إن مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت.

قال ابن درويش: فيه الفضل بن المختار ضعيفٌ جدّاً وانَّه واهٍ لا يعوَّل عليه، وفي م ج ٤ ص ٤٤٩ قال أبو حاتم: أحاديثه منكرةٌ يحدِّث بالأباطيل. وقال الأزدي: منكر الحديث جدّاً. وقال ابن عدي: عامِّة أحاديثه منكرةٌ، عامَّتها لا يُتابع عليها.

٣١ - عن أنس مرفوعاً: أبو بكر وزيري وخليفتي.

____________________

١ - هنا سقط معلوم لا يخفى.

٣٥١

أخرجه الذهبي في « الميزان » ١ ص ٤١ من طريق أحمد بن جعفر بن الفضل وقال: مشهورٌ بالوضع ليس بشيء.

٣٢ - عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: قال لرجل: إنطلق فقل لأبي بكر: أنت خليفتي فصلِّ بالنّاس. أخرجه العقيلي من طريق الفضل بن جبير عن خلف عن علقمة بن مرثد عن أبيه فقال: ألفضل لا يُتابع على حديثه. ولا يُعرف لمرثد - والد علقمة - رواية. لم ٤ ص ٤٣٨.

٣٣ - عن ابن عبّاس: قال جاءت امرأةٌ إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسأله شيئاً فقال لها: تعودين فقالت: يا رسول الله! إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت؟ فقال: إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنَّه الخليفة من بعدي.

أخرجه إبن عساكر وعدَّه ابن حجر في « الصَّواعق » ص ١١ من النصوص الدالّة على خلافة أبي بكر. ما عساني أن أقول في مؤلّف يحذف إسناد مثل هذه الأفيكة ويذكرها إرسال المسلّم ويسند إليها وبين يديه أحاديث أبن عبّاس الجمّة الهاتفة بالخلافة المنصوصة عليها لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ؟ أليس من حديثه ما صحَّحه الحفّاظ وأخرجوه بأسانيد رجالها ثقات وقد أسلفناه في الجزء الأوَّل ص ٥١ وفيه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلّيعليه‌السلام : لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي؟.

أليس من حديثه حديث العشيرة المنصوص على صحّته وقد مرّ في الجزء الثاني. ص ٢٧٨ - ٢٨٧ وفيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ هذا - يعني عليّاً - أخي ووصيِّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا؟ وقوله لعليّ: فأنت أخي ووزيري ووصيِّي ووارثي وخليفتي من بعدي؟

ألم يكن ابن عبّاس في مقدَّم المتخلّفين عن بيعة أبي بكر؟ ألم يكن هو مناظر عمر الوحيد حول الخلافة؟ كما مرَّ حديثه في ج ١ ص ٣٨٩ ألم؟ ألم؟ ألم؟

٣٤ - عن عبد الله بن عمر: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تكون على هذه الاُمَّة اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصدِّيق أصبتم اسمه. عمر الفاروق قرنٌ من حديد أصبتم اسمه. عثمان بن عفّان ذو النورين قُتل مظلوماً اوتي كفلين من الرَّحمة ملك الأرض المقدَّسة(١) .

____________________

١ - في المقام سقط كما لا يخفى.

_٢٢_

٣٥٢

معاوية. وابنه. ثمَّ يكون السفّاح. ومنصور. وجابر. والأمين. وسلام. وأمير العصب، لا يُرى مثله، ولا يُدرى مثله. ألحديث.

أخرجه نعيم بن حمّاد في « الفتن » كما في « كنز العمّال » ٦ ص ٦٧، أرسلوا الحديث ورفعوه خوفاً من أن يقف الباحث على ما في إسناده غير أنَّ نعيم بن حمّاد بمفرده يكفي في المصيبة ويستغنى به عن عرفان بقيَّة رجاله، وقد مرَّ في سلسلة الكذّابين انّه كان يضع الحديث في تقوية السنَّة.

على انَّ متن الحديث غير قاصر بالشهادة على وضعه، فإنَّ خليفةً يأتي التبشير به كأبني آكلة الأكباد حقيقٌ أن يكون الإبناء به مختلقاً مكذوباً لم تسرّ به الاُمّة قطُّ إلّا أن يكون المبشِّر بهما وبمن بعدهما من أمثالهما غير عالم بمعنى الخليفة ولا عارف بالمغزى من تقييضه.

ثمّ أيّ خلافة هذه ينقطع أمدها منذ عهد يزيد بن معاوية إلى السفّاح من سنة ٦٤ إلى ١٣٢ فتترك الاُمَّة طيلة تلك المدَّة سُدى؟!.

وأيّ خطر للمنصور الظالم الغاشم حتّى ينصَّ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافته على المسلمين؟ ومن هم: جابر وسالم وأمير العصب؟ وما محلّهم من الخلافة الدينيَّة؟ ثمّ ما بال عمر بن عبد العزيز ألين بني أميَّة أريكة، وأطيبهم عنصراً، وأصلحهم عملاً، لم يُعوَّض به عن يزيد الخنا؟ وما الذي كسى صاحب القرود والفهود والعود و الخمور ثوب الخلافة الإسلاميّة ولم يكسه عمر بن عبد العزيز؟ ولا معاوية بن يزيد الذي تقمّصها أربعين يوماً ثمَّ انسلَّ عنه انسلالاً؟ وقد نصَّ على خلافة الأوّل منهما وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمّة كما في تاريخ ابن كثير ٦ ص ١٩٨، هذه كلّها شواهد على أنَّ واضع الحديث مفترٍ مائنٌ جاهلٌ بشؤون الخلافة، غير عارف بالخلفاء، وأجهل منه مؤلِّف يذكره ويجعله بين يدي القارئ ويعدُّه منقبةً للخلفاء.

٣٥ - قال أبو بكر في الغار: يا رسول الله! قد عرفت منزلتك من الله تعالى بالنبوَّة و الرِّسالة فأنا بأيّ شئ؟ فقال: أنا رسول الله، وأنت صدِّيقي وجناحي ومؤنسي وأنيسي، وأنت خليفتي من بعدي، تقوم في الناس مقامي، وأنت ضجيعي، وإنَّ الله قد غفر لك ولمحبِّيك إلى يوم القيامة.

٣٥٣

ذكره الصفوري في « نزهة المجالس » ٢ ص ١٨٤ نقلاً عن « عيون المجالس » بهذه الصّورة المرسلة، وصحّة إنكار أبي بكر وعمر استخلاف النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يأتي بُعيد هذا تُكذِّب هذه الأفيكة.

٣٦ - عن أنس قال: دخلت على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره فوضع يمينه على كتفي أبي بكر ويساره على كتفي عمر وقال: أنتما وزيراي في الدنيا و أنتما وزيراي في الآخرة، وهكذا تنشقُّ الأرض عنيّ وعنكما، وهكذا أزور أنا و أنتما ربَّ العالمين. نزهة المجالس ٢ ص ١٩١.

أسفي على نسيان أبي بكر وعمر ذلك النصّ - المفتعل - وإنكارهما الوزارة المنصوصة يوم التحاور دونها.

٣٧ - مرفوعاً قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر وعمر: لا يتأمرنَّ عليكما بعدي أحدٌ.

ذكره الصفوري في « نزهة المجالس » ٢ ص ١٩٢ مرسلاً فقال: فهذا صريحٌ في الخلافة لهما بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكره الشبلنجي في « نور الأبصار » ٥٥ عن بسطام بن مسلم عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن عند أبي بكر وعمر علمٌ من هذه الأفيكة ولو كان لبان، أو: لَما بان منهما إنكار إستخلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٨ - عن أنس عن عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله أمرني أن اتَّخذ أبا بكر والداً. وعمر مشيراً. وعثمان سيّداً. وأنت يا عليّ صهراً. أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في اُمّ الكتاب لا يحبّكم إلّا مؤمنٌ تقيُّ، ولا يبغضكم إلّا منافقٌ شقيُّ، أنتم خلفاء نبوّتي، وعقد ذمّتي، وحجَّتي على اُمَّتي.

أخرجه إبن عساكر في تاريخه ٤ ص ٢٨٦، و ج ٧: ٢٨٦ والخطيب البغدادي في تاريخه ٩ ص ٣٤٥ وقال: هذا الحديث منكرٌ جدّاً لا أعلم مَن رواه بهذا الإسناد إلّا ضرار بن سهل وعنه الغباغبي وهما جميعاً مجهولان. وذكره الذهبي في « ميزان الإعتدال » ١ ص ٤٧٢ فقال: خبرٌ باطلٌ ولا يُدرى من ذا الحيوان - ضرار بن سهل - وقال إبن بدران في تاريخ إبن عساكر ٧: ٢٨٦: لفظه يدلُّ على عدم تمكّنه.

م ٣٩ - عن زيد بن الجلاس الكندي انَّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخليفة بعده؟ فقال: أبو بكر.

٣٥٤

أخرجه أبو عمر في « الإستيعاب » في ترجمة زيد فقال: إسناده ليس بالقويِّ ].

٤٠ - عن عليٍّ - أمير المؤمنين - رضي الله عنه قال: لم يمتْ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أسرَّ إليَّ أنَّ أبا بكر سيتولَّى بعده ثمَّ عمر ثمَّ عثمان ثمَّ أنا.

٤١ - عن عليٍّ - أمير المؤمنين - قال: إنَّ الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثنّاه عمر وثلّثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٢ - عن عليٍّ - أمير المؤمنين - قال: ما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدُّنيا حتّى عهد إليَّ أن أبا بكر يلي الأمر بعده ثمَّ عمر ثمَّ عثمان ثمَّ إليَّ فلا يجتمع عليَّ.

هذه الرِّوايات الثلث أخرجها محبُّ الدين الطبري في « الرِّياض النضرة » ١ ص ٣٣ مرسلة غير مسندة فقال: قلت: وهذا الحديث تبعد صحّته لتخلّف عليّ عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدَّة بعيدٌ، ثمَّ توقّفه في أمر عثمان على التحكيم ممّا يؤيِّد ذلك، ولو كان عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك لبادر ولم يتوقَّف.

٤٣ - أخرج الديلمي عن أمير المؤمنين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أتاني جبرئيل فقلت: مَن يهاجر معي؟ قال: أبو بكر وهو يلي أمر اُمّتك مِن بعدك، وهو أفضل اُمَّتك من بعدك، كنز العمّال ٦ ص ١٣٩.

٤٤ - قال عليُّ رضي الله عنه: قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعزُّ النَّاس عليَّ، وأكرمهم عندي، وأحبّهم إليَّ، وآكدهم عندي حالاً: أصحابي الذين آمنوا بي وصدَّقوني، وأعزُّ أصحابي إليَّ وخيرهم عندي، وأكرمهم على الله، وأفضلهم في الدُّنيا والآخرة: أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، فإنَّ الناس كذّبوني وصدَّقني، وكفروا بي وآمَنَ بي، وأوحشوني وآنسني، وتركوني وصحبني، وأنفوا منّي وزوَّجني، وزهدوا فيَّ ورغب فيَّ، وآثرني على نفسه وأهله وماله، فالله تعالى يجازيه عنّي يوم القيامة، فمن أحبّني فليحبَّه، ومن أراد كرامتي فليكرمه، ومَن أراد القرب إلى الله تعالى فليسمع وليطع فهو الخليفة بعدي على اُمّتي. ذكره الصفوري في « نزهة المجالس » ٢ ص ١٧٣ نقلاً عن « روض الأفكار » وحكاه الجرداني في « مصباح الظلام » ٢ ص ٢٤.

من موضوعات المتأخّرين مرسلاً لم يوجد في أصل، ولم يُر في مسندٍ، وكلُّ

٣٥٥

شطر من جمله تُكذِّبه صحاحٌ مسندةٌ في الكتب والمسانيد.

٤٥ - عن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف قال: إنَّ عبد الرَّحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطّاب، وانَّ محمَّد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثمَّ قام أبو بكر فخطب النّاس. إلى أن قال: قال عليُّ رضي الله عنه والزُّبير: ما غضبنا إلّا لأنّا قد أخِّرنا عن المشاورة، وإنّا نرى أبا بكر أحقَّ النَّاس بها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه لصاحب الغار وثاني إثنين، وإنّا لنعلم بشرفه وكبره ولقد أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصَّلاة بالنّاس وهو حيُّ. أخرجه الحاكم في « المستدرك » ٣ ص ٦٦.

هذه الرِّوايات كلّها باطلةٌ لِما ستقف عليه من صحاح وحسان - عند القوم - عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام من النصِّ على عدم استخلاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم وجود عهد منه عنده، وفي تضاعيف الحديث والسيرة شواهد على بطلانها لا تُحصى، وما شجر بينهعليه‌السلام وبين القوم في بدء أمر الخلافة وتأخّره المجمع عليه من البيعة برهةً طويلة يُبطل كلَّ هذه الهلجات، وقد سمع العالَم هتافَ خطبته الشقشقيَّة وسارت بها الرُّكبان، وتداولتها الكتب وكم لها من نظير، م - وما أكثر الوضّاعون من الكذب على سيِّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحقّاً كان يرى إبن سيرين: إنّ عامّة ما يُروى عن عليّ الكذب(١) .

وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أهواءَهُم بَعدَ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ

مَالكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واق

[ ألرَّعد ٣٧ ]

____________________

١ - صحيح البخارى ٥: ٢٧٢.

٣٥٦

غثيثة التزوير

هذه مأثورات القوم في حجرهم الأساسيِّ الذي عليه ابتنوا ما علّوه من هيكل الإفك وما شادوه وأشادوا بذكره من بنيّة الزور، وقد عرفت شهادة الأعلام بأنّها أساطير موضوعة لا مقيل لها من الصّحة، ويساعد ذلك الإعتبار لأنَّ البرهنة الوحيدة عند القوم في باب الخلافة هو الإجماع والإنتخاب فحسب، ولم تجد منهم أيَّ شاذّ يعتمد على النصِّ فيها، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النصِّ وتصحيح الإختيار وأحكامه، وقد يُعزى لديهم إنكار النصَّ إلى اُمّة من الشيعة فضلاً عن جمهورهم، قال الباقلاني في « التمهيد » ص ١٦٥: وعلمنا بأنَّ جمهور الاُمّة والسواد الأعظم منها ينكر ذلك - النصّ - ويجحده و يبرأ من الدائن به، ورأينا أكثر القائلين بفضل عليّعليه‌السلام من الزيديّة ومعتزلة البغداديِّين وغيرهم ينكر النصَّ عليه ويجحده مع تفضيله عليّاً على غيره.

وقال الخضري في « المحاضرات » ص ٤٦: ألأصل في إنتخاب الخليفة رضا الاُمّة فمن ذلك يستمد قوَّته، هكذا رأى المسلمون عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد انتخبوا أبا بكر الصدِّيق إختياراً منهم لا استناداً إلى نصّ أو أمر من صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد أن انتخبوه بايعوه ومعنى ذلك عاهدوه على السّمع والطاعة فيما فيه رضا الله سبحانه، كما انّه عاهدهم على العمل فيهم بأحكام الدين من كتاب الله وسُنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والاُمّة هو معنى البيعة تشبيهاً له بفعل البائع والمشتري فإنّهما كانا يتصافحان بالأيدي عند إجراء عقد البيع.

فمن هذه البيعة تكون قوَّة الخليفة الحقيقيَّة وكانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتِّمه الشَّريعة.

وقد سنَّ أبو بكر رضي الله عنه طريقةً اُخرى في إنتخاب الخليفة وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور على السَّمع والطاعة، وقد وافق الجمهور الإسلاميُّ على هذه الطريقة، ورأى أنَّ هذا ممّا تجب الطاعة فيه وذلك العمل هو ولاية العهد. ا ه.

فمن هنا يتجلّى انَّ تاريخ ولادة هذه المرويّات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة

٣٥٧

لمن تقمَّصها، ولذلك لم ينبس أحدٌ منهم يوم السقيفة ولا بعده بشئ من ذلك على ما احتدم هنالك من الحوار والتنازع والحجاج، وليس ببدع أن لا يعرفها أحدٌ قبل ولادتها، وإنّما العجب من أنَّ البحّاثة وعلماء الكلام من بعد ذلك التاريخ - إلّا الشذّاذ منهم - لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهداً في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم، وما ذلك إلّا لأنّهم لم يعرفوا تلكم المواليد المزوَّرة، نعم يوجد من المؤلّفين من يذكرها في مقام سرد الفضايل تمويهاً على الحقِّ.

وهناك أحاديث جمَّة صحيحة - عند القوم - تضادّها وتكذِّبها مثل ما صحَّ عن أبي بكر انّه قال في مرضه الذي توفّي فيه: وددت إنّي سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحدٌ، ووددت إنّي كنت سألت هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟(١) :

فلو كان أبو بكر سمع النصَّ على خلافته من رسول الله كما هو صريح بعض تلكم المنقولات لما كان مجال لتمنِّيه هذا إلّا أن يكون قد غلبه الوجع أو انَّه كان هجراً من القول كما احتملوه في حديث الكتف والدواة.

٢ - وما أخرجه مالك عن عائشة قالت: لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه دعا عمر فقال: إنّي مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر! وكتب إلى اُمراء الأجناد: وليَّتُ عليكم عمر ولم آل نفسي ولا المسلمين إلّا خيراً(٢) .

فإن كان هناك نصُّ على خلافة عمر فما معنى نسبة أبي بكر الاستخلاف والتولية إلى نفسه؟

٣ - وما رواه عبد الرَّحمن بن عوف قال: دخلتُ يوماً على أبي بكر الصدِّيق رضي الله تعالى عنه في علّته التي مات فيها، فقلت له: أراك بارئاً يا خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أما انّي على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين! أشدّ عليَّ من وجعي، إنّي ولّيتُ اُموركم خيركم في نفسي، فكلّكم وَرِمَ أنفه أن يكون له الأمر من

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٤ ص ٥٣. العقد الفريد ٢ ص ٢٥٤. يأتى الكلام حول هذا الحديث وصحته فى الجزء السابع.

٢ - تيسير الوصول للحافظ ابن الدبيع ٢ ص ٤٨.

٣٥٨

دونه. إلى أن قال: فقلتُ خفّض عليك يا خليفة رسول الله!صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ هذا يهيضك(١) إلى ما بك فوالله ما زلتَ صالحاً مصلحاً، لا تأسى على شيئ فاتك مِن أمر الدنيا، ولقد تخلّيتَ بالأمر وحدك فما رأيتَ إلّا خيراً(٢) .

تورَّم أنف الصّحابة إمّا لاعترافهم بعدم النصِّ وإنَّ الخيرة قد عدتهم من غير ما أولويَّة في المختار - بالفتح - أو: لاعتقادهم وجود النصِّ لكنَّه لم يُعمل به بل اُعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنّها قد عدتهم. وإمّا لاعتقادهم إنَّ الأمر لا يكون إلّا باختيار الاُمّة فغاضهم التخلّف عنه. وإمّا لاعتقادهم وجود النصِّ على علّي أمير المؤمنينعليه‌السلام خاصَّة فغضبوا له و أسخطهم أن يتقدَّم عليه غيره. وإمّا لأنّهم رأوا انَّ الناس لا يعتمدون على النصِّ، ولا يجزي الإنتخاب على اُصوله، وانَّ الإنتخاب الأوّل كان فلتةً بنصّ من عمر، والإختيار الشخصيّ ما كان معهوداً، فإذا كان السائد وقتئذ الفوضويّة فلكلِّ أحد يرى لنفسه حنكة التقدُّم أن يطمع في الأمر كما قال عبد الرَّحمن بن عوف في حديث أخرجه البلاذري في « الأنساب » ٥: ٢٠: يا قوم! أراكم تتشاحّون عليها وتؤخّرون إبرام هذا الأمر، أفكلّكم رحمكم الله يرجو أن يكون خليفة؟.

٤ - وما أخرجه ابن قتيبة في حديث يأتي كملاً من قول أبي بكر: إنَّ الله بعث محمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً وللمؤمنين وليّاً فمنَّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتّى اختار له الله ما عنده فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متّفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم والياً ولاُمورهم راعياً. الإمامة والسياسة ١: ١٥.

٥ - وما صحَّ عن عمر انَّه قال: ثلاثٌ لإن يكون رسول الله بيّنهنّ أحبُّ إليّ من حمر النعم: ألخلافة. ألكلالة. ألربَّا. وفي لفظ: أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها »

٦ - وما جاء عن عمر صحيحاً من قوله: لإن أكون سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ثلاث أحبّ إليَّ من حمر النعم: ومن الخليفة بعده. ألحديث(٣) .

٧ - وما صحَّ عن عمر انَّه قال: إنَّ الله تعالى يحفظ دينه وانّي ان لا أستخلف؟ فإن

____________________

١ - هاض العظم: كسره بعد الحبور.

٢ - تاريخ الطبري ٤ ص ٥٢، العقد الفريد ٢ ص ٢٥٤، تهذيب الكامل ١ ص ٦، اعجاز القرآن ص ١١٦.

٣ - تأتي مصادر هذا الحديث وما قبله في الجزء السادس في نوادر الأثر.

٣٥٩

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف؟ فإنَّ أبا بكر رضي الله عنه قد استخلف.

قال - عبد الله بن عمر -: فوالله ما هو إلّا أن ذكر رسول الله وأبا بكر فعلمت أنَّه لا يعدل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً وأنَّه غير مستخلف(١) .

٨ - وما صحَّ من أنَّ عمر لما طُعن قيل له: لو استخلفت؟ فقال: أتحمَّل أمركم حيّاً وميتاً؟ إن أستخلف؟ فقد استخلف من هو خيرٌ منيّ أبو بكر. وإن أترك؟ فقد ترك من هو خيرٌ منيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال عبد الله فعلمت أنَّه غير مستخلف(٢) .

٩ - وما أخرجه مالك من خطبة عمر: أيّها النّاس! إنِّي لا اعلمكم من نفسي شيئاً تجهلونه أنا عمر ولم أحرص على أمركم ولكن المتوفّى أوحى إليَّ بذلك والله ألهمه ذلك، وليس أجعل أمانتي إلى أحد ليس لها بأهل ولكن اجعلها من تكون رغبته في التوقير للمسلمين، أُولئك هم أحقُّ بهم ممَّن سواهم، تيسير الوصول ٢ ص ٤٨.

فشتّان بين هذه الخطبة وبين تلك المفتعلات فإنَّ عمر يرى خلافته وحياً من أبي بكر لا وحياً من الله جاء به جبريل إلى النبيِّ الأعظم، وصدع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الملأ الدينيِّ، وأذَّن به بلال كما كان نصُّ بعضها.

١٠ - وما أخرجه الطبري في تاريخه ج ٥ ص ٣٣: إنَّ عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين! لو استخلفت؟ قال من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجرّاح حيّاً إستخلفته. فإن سألني ربّي قلت: سمعت نبيَّك يقول: إنَّه أمين هذه الاُمَّة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً إستخلفته فإن سألني ربّي قلت: سمعت نبيَّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبِّ لله. فقال له رجلٌ: أدلّك عليه عبد الله بن عمر فقال: قاتلك إلله والله ما أردت الله بهذا ويحك كيف أستخلف رجلاً عجز عن طلاق إمرأته؟ لا إرب لنا في اُموركم ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شّراً

____________________

١ - أخرجه الخمسة من مؤلفي الصحاح الست غير النسائي، تيسير الوصول ٢: ٥٠، و أخرجه أحمد في مسنده ١ ص ٤٧، والخطيب في تاريخه ١ ص ٢٥٨، ورواه جمع كثير من الحفاظ و أئمة الحديث.

٢ - أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وهذا لفظهما، وأبو داود والترمذي مختصراً، وأحمد في مسنده ج ١ ص ٤٣، ٤٦، والبيهقي في سننه ٨ ص ١٤٨، وتجده في تيسير الوصول ٢: ٤٩، تاريخ ابن كثير ٥ ص ٥٠.

٣٦٠