الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 121896
تحميل: 4373


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 121896 / تحميل: 4373
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألقرن السّابع

٥٧

مجد الدين ابن جميل

ألمتوفّى: ٦١٦

ألمت وهي حاسرةٌ لثاما

وقد ملأت ذوائبها الظلاما

وأجرت أدمعاً كالطلِّ هبَّت

له ريح الصَّبا فجرى تواما

وقالت: أقصدتك يد الليالي

وكنت لخائف منها عصاما

وأعوزك اليسير وكنت فينا

ثمالاً للأرامل واليتاما

فقلت لها: كذاك الدَّهر يجني

فقرِّي وارقبي الشَّهر الحراما

فأنِّي سوف أدعو الله فيه

وأجعل مدح ( حيدرة ) إماما

وأبعثها إليه منِّقحات

يفوح المسك منها والخزامى

تزور فتى كأنَّ أبا قبيس

تسنّم منكبيه أو شماما

أغرّ له إذا ذكرت أياد

عطاءٌ وابلٌ يشفي الأواما

وأبلج لو ألمَّ به ابن هند

لأوسعه حباءاً وابتساما

ولو رمق السَّماء وليس فيها

حياً لاستمطرت غيثاً ركاما

وتلثم من تراب أبي تراب

تراباً يُبرئ الدّاء العقاما

فتحظى عنده وتؤُب عنه

وقد فازت وأدركت المراما

بقصد أخي النبيِّ ومن حباه

بأوصاف يفوق بها الأناما

ومَن أعطاه يوم ( غدير خمِّ )

صريح المجد والشرف القدامى

ومن رُدَّت ذكاءُ له فصلّى

أداءاً بعد ما ثنت اللثاما(١)

وآثر بالطَّعام وقد توالت

ثلاثٌ لم يذق فيها طعاما

بقرص من شعير ليس يرضى

سوى الملح الجريش له إداما

____________________

١ - أداء بعد ما كست الظلاما. كذا في بعض النسخ.

٤٠١

فردَّ عليه ذاك القرص قرصاً

وزاد عليه ذاك القرص جاما

أبا حسن وأنت فتى إذا ما

دعاه المستجير حمى وحاما

أزرتك يقظةً غرر القوافي

فزرني يا بن فاطمة مناما

وبشِّرني بأنَّك لي مجيرٌ

وإنَّك مانعي من أن اُضاما

فكيف يخاف حادثة الليالي

فتىً يعطيه ( حيدرةٌ ) ذماما؟

سقتك سحائب الرضوان سحّا

كفيض يديك ينسجم انسجاما

وزار ضريحك الأملاك صفّا

على معناك تزدحم ازدحاما

ولا زالت روايا المزن تهدي

إلى النجف التحيّة والسّلاما

(ما يتبع الشعر)

وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أنَّ مجد الدين إبن جميل كان صاحب المخزن في زمن الناصر فنقم عليه وأودعه السِّجن فسأله رجال الدَّولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد وتركه في الحجرة مدَّة عشرين سنة فخطر على قلبه أن يمدح الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فمدحه بهذه الأبيات ونام فرآه في ما يراه النائم وهو يقول: ألسّاعة تخرج. فانتبه فرحاً وجعل يجمع رحله فقال له الحاضرون: ما الخبر؟ فقال لهم: ألسّاعة أخرج. فجعل أهل السِّجن يتغامزون ويقولون: تغيّر عقله، وأمّا الناصر فإنّه أيضاً رأى أمير المؤمنين في الطيف فقال لهعليه‌السلام : أخرج إبن جميل في هذه السّاعة. فانتبه مذعوراً وتعوَّذ من الشيطان ونام فأتاهعليه‌السلام ثانياً وقال له مثل الأوَّل فقال: ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه، فانتبه وأنفذ في الحال مَن يطلقه فلمّا طرق الباب قال: والله وذا أنا متهيِّئٌ فلمّا مثل بين يدي الناصر عرَّفوه انّهم وجدوه متهيِّئاً للخروج فقال له: بلغني أنّك كنت متهيِّئاً للخروج، فممّاذا؟ قال: إنّه جاء إليَّ مَن جاءك قبل أن يجيئ إليك. قال: فبماذا؟ قال: عملت فيه قصيدة، فقال الناصر: أنشدنيها فأنشد القصيدة.

(الشاعر)

مجد الدين أبو عبد الله محمّد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال: الجبي. المعروف بابن جميل الفزاري، كاتبٌ شاعرٌ، وأديبٌ متضلّع، له في النحو واللغة والأدب وقرض

٤٠٢

الشعر خطوات واسعة، وفي ( معجم الاُدباء ) صحيفة بيضاء، وفي ( طبقات النحاة ) ذكرى خالدة، وقد جمع شوارد تاريخ ذلك الشاعر الفحل المنسيِّ الدكتور مصطفى جواد البغدادي في ترجمة نشرتها [ مجلّة الغري ] النجفيّة الغرّاء في عددها ال‍ ١٦ من السنة السّابعة ص ٢ ونحن نذكرها برمّتها متناً وتعليقاً قال:

وُلد بقرية من نواحي هيت تُعرف بجبا، وقدم بغداد في أوّل عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدّق بن شبيب الواسطي النحوي حتّى برع في النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الكريم، وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ منهم: أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن كليب، والقاضي أبو الفتح محمّد بن أحمد المندائي الواسطي سمعه حين قدومه بغداد، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عاليةً، قال القفطي: « وقد كان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأيتها في جملة أجزاء أحضرت من بغداد إلى حلب للبيع بخطِّه وكان خطّاً متوسّطاً صحيح الوضع فيه تلتبس نقط ثابتة لا تكاد تتغيَّر ( كذا ) وشعره جيِّدٌ مشهورٌ مصنوعٌ لا مطبوع »(١) ، ووصفه ياقوت الحموي بأنَّه نحويُّ لغويُّ أديبٌ من أفاضل العصر، قال: وكان بليغاً مليح الخطِّ غزير الفضل متواضعاً مليح الصّورة طيِّب الأخلاق(٢) . وكان من شعراء الديوان العبّاسي، ومدح الخليفة الناصر لدين الله بقصائد كثيرة كان يوردها في المواسم والهناءات(٣) فعرف واشتهر ورتّب كاتباً في ديوان الترَّكات الحشريَّة وناظراً فيه، وهي تركات مَن يتوفَّى وتحشر إلى بيت المال لعدم الوارث المستحقّ بحسب مذهب الشافعي، وكان ببغداد رجلٌ تاجرٌ يُعرف بابن العنيبري، وكان صديقاً له فلمّا حضرته الوفاة سأله الحضور إليه فلمّا حضر قال له: أنا طيِّب النفس بموتي في زمان ولايتك ليكون جاهك ( على ) أطفالي وعيالي. فوعده بهم جميلاً، فلمّا مات حضر إلى تركته وباشرها فرأى فيها ألف دينار عيناً فأخذها وحملها إلى الإمام الناصر وأصحبها مطالعة منه يقول فيها: مات ابن العنيبري - ورث الله الشَّريعة أعمار الخلايق - وقد حمل المملوك من المال الحلال الصّالح للمخزن ألف دينار

____________________

١ - أصول التاريخ والأدب ١٩ ص ١٦٦، ج ٩ ص ٦٧ - ٨، من مجموعاتنا الخطية وعدتها ثلاثة وثلاثون مجلدا وهي في ازدياد.

٢ - معجم الأدباء ٧ ص ١١٠.

٣ - أصول التاريخ والأدب ج ١٩ ص ١٦٦.

٤٠٣

وهو في عهدة تبقيها دنياً وآخرةً. قال القفطي: كان ظالم النفس عسوفاً فيما يتوّلاه قال لبعض العاقلين: خف عذابي فإنَّه أليمٌ شديدٌ. فقال له الرَّجل: فإذا أنت الله لا إ~له إلّا هو. فخجل ولم يمنعه ذلك ولم يردعه عمّا أراده من ظلمه. قال: وكان يظنُّ بنفسه الكثير حتّى لا يرى أحداً مثله(١) .

ثمَّ توصَّل مجد الدِّين إلى أن يكون كاتباً في المخزن، وهو كوزارة الماليَّة في عصرنا، وكانت توقيعات التعيينات مسندةً كتابتها إليه، ثمَّ ترقَّى حتَّى صار صدراً في المخزن، أي صاحب المخزن كوزير الماليَّة في عصرنا، وكان ذلك في ليلة عاشر ذي القعدة سنة ٦٠٥ مضافاً إلى ولاية دُجيل وطريق خراسان أي لواء ديالى والخالص والخزانة والعقار وغير ذلك من أعمال الحضرة ببغداد(٢) .

ولما كان كاتباً عدلاً في المخزن كان له من الجراية أي الجامكيَّة خمسة دنانير في الشهر، فلمّا ولي الصدريَّة قرّر له عشرة دنانير، وقد ذكر القفطي حكاية وقعت للمترجم أيّام توليّه صدريَّة المخزن إلّا أنَّ سقم الخطّ الذي كتبت به أحالها، قال: سأله بعض التجّار والغرباء العناية بشخص في إيصال حقّه إليه من المخزن فوعده ومطّله، فقال التاجر الشافع - وكان يدلُّ عليه -: فدفعت إليه في كلِّ يوم بدانق. قال له: وكيف؟ قال: لأنَّك كنت عدلاً أقرب منه حالاً اليوم. وأشار إلى أنَّه لما زيد رزقه ورفعت مرتبته تجبر دصر - كذا - زيادة وهي سدس درهم في كلِّ يوم وهو الدانق حتّى أخجله الله وصرف عن ذلك وسجن مدَّة(٣) ، وكان عزله عن تلك الولايات كلّها يوم السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة ٦١١ هج‍، ثمَّ اُطلق من السِّجن وجُعل وكيلاً كاتباً بباب دار الأمير عدَّة الدين أبي نصر محمّد بن الناصر لدين الله ومات وهو على ذلك في منتصف شعبان من سنة ٦١٦ هج‍، وكان كهلاً ودُفن في مقابر قريش أي أرض المشهد الكاظمي(٤) .

____________________

١ - أصول التاريخ والادب ٩ ص ٦٧، ٦٨.

٢ - أصول التاريخ والادب ١٩ ص ١٦٦، والجامع المختصر ٩ ص ٢٦٥ - ٦.

٣ - أصول التاريخ والادب ٩ ص ٦٨.

٤ - الاصول المذكورة ١٩ ص ١٦٦، ومعجم الادباء ٧ ص ١١٠، ومن معجم الادباء نقل السيوطى كما في البغية ص ١٠٧، وترجمه الذهبى نقلا عن مجد الدين ابن النجار، أصول التاريخ ٢٤ ص ٢٤٧.

٤٠٤

وكان له من الأولاد إبنٌ اسمه صفيُّ الدين عبد الله كان مقدَّم شعراء الديوان في أيّام المستعصم بالله وتوفِّي سنة ٦٦٩ هج(١) .

وكان له أخٌ يلقَّب بقطب الدّين فقد ذكر إبن واصل الحموي المؤرِّخ المشهور: انَّ جدّه تاج الدين نصر الله بن سالم بن واصل صاحب القاضي ضياء الدين القاسم بن الشهرزوري إنحدر من الموصل إلى بغداد مع القاضي المذكور في ثامن عشر شعبان سنة ٥٩٥ ولما وصلا إلى بغداد أمر الخليفة الناصر لدين الله بإنزالهم في درب الخبّازين(٢) من سوق الثلاثاء ثمّ أنزل تاج الدين في دار صاحب المخزن، قال والد المؤرِّخ المذكور: وكان بين والدي - يعني تاج الدين - والصّاحب شمس الدولة محمّد بن جميل الفزاري مودّة نسجتها الصَّداقة بين والدي وأخيه قطب الدين في سفرات عديدة إلى دمشق المحروسة فلمّا طال المزار وأقمنا بدار الخلافة، على وجه الإيثار، صار الخبر عياناً وأصبح المعارف خلاناً فبقي شمس الدَّولة ووالدي - رح - يتزاوران ليلاً طرحاً للكلفة(٣) .

أدب مجد الدين ابن جميل

لا ريب في أنَّ ضياع أدب الأديب من إمارات ضياع ترجمته أو استبهامها، وقد غبرنا دهراً نبحث عن ترجمة هذا الأديب الكبير فلم نعثر إلّا على ما ذكرنا من الأخبار والسيرة المختصرة، فأين مجموع نثره وديوان شعره والمقامات التي أنشأها؟ إنَّها في ضمير الغيب، ولم يصل إليَّ منها إلّا ما أنا ناشره بعد هذا، كتب مجد الدين محمّد بن جميل إلى جدِّه إبن واصل المذكور:

إن أخذ الخادم في شكر الإنعام الزيني(٤) قصر عن غايته وقصر دون نهايته، وإن تعرَّض لوصف تلك الخلال الشريفة، والأخلاق اللطيفة، والألفاظ المستعذبة المألوفة مكنوناً من عيِّه، ولكنَّه نشر ما لعلّه كان مطويّاً من حصره وفيها هنة لكنَّه يقول على ثقة من مسامحته:

____________________

١ - الحوادث الجامعة ص ١٨٤، ٣٦٨.

٢ - هو محلة العاقولية الحالية وفيها مدرسة التفيض الاهلية

٣ - أصول التاريخ والادب ٢٣ ص ٥٧.

٤ - كذا ورد وقد قدمنا ان لقبه تاج الدين فلعله بدل لقبه بعد ذلك كما كان جارياً في الدولة العباسية.

٤٠٥

قصدت ربعي فتعالى به

قدري فدتك النفس من قاصدِ

فما رأى العالم من قبلها

بحراً مشى قطُّ إلى واردِ

فللّه هو من بحر خضم عذب ماؤه وسرى نسيماً هواؤه فأمن سالكوه من خطره ورأوا عجائبه وفازوا بدرره، وإن كنت في هذا المقام كالمنافس على قول ابن قلاقس(١) :

قبِّل بنانَ يمينه

وقل: ألسَّلام عليك بحراً

وغلطتُ في تشبيهه

بالبحر أللهمَّ غفرا

والله تعالى يسبغ الظلّ الظليل، ويبقي ذلك المجد الأثيل، ويستخدم الدَّهر لخدمه ومحبّيه، ويمتِّعهم ببلوغ الآمال منه وفيه بمنّه وكرمه(٢) .

هذه هي الرِّسالة الأخوانيَّة الوحيدة التي عثرت عليها لمجد الدين ابن جميل، وله توقيعٌ كتبه في سنة ٦٠٤ أيّام كان كاتباً في المخزن في تولية ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي التدريس بمدرسة الإمام أبي حنيفة المجاورة لقبره يومذاك قال فيه:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، ألحمد لله المعروف بفنون المعروف والكرم، ألموصوف بصنوف الإحسان والنعم، ألمتفرِّد بالعظمة والكبرياء والبقاء والقدم، الذي اختصَّ الدار العزيزة - شيّد الله بناها، وأشاد مجدها وعلاها - بالمحلِّ الأعظم والشَّرف الأقدم، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم، جاعل هذه الأيّام الزاهرة الناظرة، والدولة القاهرة الناصرة، عقداً في جيد مناقبها وحليّاً يجول على ترائبها - أدامها الله تعالى ما انحدر لثام الصَّباح، وبرح خفاء براح - أحمده حمد معترفٍ بتقصيره عن واجب حمده، مغترفٍ من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وهو الغنيُّ عن شهادة عبده، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله الذي صدع بأمره، وجاء بالحقِّ من عنده، صلّى الله عليه صلاةً تتعدَّى

____________________

١ - هو أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن على بن عبد القوى بن قلاقس الاديب الشاعر المجيد، ولد سنة ٥٣٢، وتوفى بعيذاب سنة ٥٦٣. وقصر عمره يدل على نبوغه، وله الديوان المطبوع.

٢ - أصول التاريخ والادب ٢٣ ص ٥٧.

٤٠٦

إلى أدنى ولده وأبعد جدِّه، حتّى يصل عقبها إلى أقصى قصيّه ونزاره ومعده. وبعد: فلمّا كان الأجلُّ السيّد الأوحد العالم ضياء الدين شمس الاسلام رضيّ الدولة عزّ الشريعة علم الهدى رئيس الفريقين تاج الملك فخر العلماء أحمد بن مسعود التركستاني - أدام الله علوّه - ممّن أعرق في الدّين منسبه، وتحلّى بعلوم الشريعة أدبه، واستوى في الصحّة مغيبه ومشهده وشهد له بالأمانة لسانه ويده، وكشف الاختبار منه عفّةً وسداداً، وأبت مقاصده إلّا أناة واقتصاداً، رأى الإحسان إليه والتعويل عليه في التدريس ب‍ [مشهد أبي حنيفة] - رحمة الله عليه - ومدرسته وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلاليَّة وما بعدها وبعدها. وأمر بتقوى الله - جلّت آلاؤه وتقدَّست أسماءه - الّتي هي أزكى قربات الأولياء، وأنمى خدمات النّصحاء، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات، وأدلّ الأدلّة على سُبُل الصّالحات، وفاعلها بثبوت القدم خليقٌ، وبالتقديم جديرٌ قال الله تعالى: إِنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنَّ اللّه عليمٌ خبير.

وأن يذكر الدرس على أكمل شرائط وأجمل ضوابط، مواظباً على ذلك سالكاً فيه أوضح المسالك مقدِّماً عليه تلاوة القرآن المجيد على عادة الختمات في البكر و الغدوات، متِّبعاً ذلك بتمجيد آلاء الله وتعظيمها والصَّلاة على نبيِّه - صلّى الله عليه صلاة يضوع أرج نسيمها - شافعاً ذلك بالثناء على الخلفاء الراشدين والأئمَّة المهديِّين - صلوات الله عليهم أجمعين - والإعلان بالدعاء للمواقف الشَّريفة المقدَّسة النبويّة الإماميّة الطاهرة الزكيّة المعظمّة المكرمّة الممجّدة الناصرة لدين الله تعالى - لا زالت منصورة الكتب والكتائب، منشورة المناقب، مسعودة الكواكب والمواكب، مسودَّة الأهب، مبيضَّة المواهب، ما خطب إلى جموع الأكابر وعلى فروع المنابر خطيب وخاطب - وأن يذكر من الاُصول فصلاً يكون من سهام الشّبه جُنَّة. ولنصر اليقين مظنَّة، متبعاً من المذهب ومفرداته ونكته ومشكلاته ما ينتفع به المتوسِّط والمبتدي، ويتبيّنه ويستضئ به المنتهي، وليذكر من المسائل الخلافيّة ما يكون داعياّ إلى وفاق المعاني والعبارات، هادياً لشوارد الأفكار إلى موارد المنافسات ناظماً عقود التحقيق في سلوك المحاققات(١) مصوباً أسنَّة البديهة إلى ثغر الأناة، معتصماً في جميع أمره بخشية الله

____________________

١ - كذا ورد بفك الادغام والصواب الادغام وشذ قولهم ( تجانن فلان ) أي اظهر الجنون وليس به.

٤٠٧

وطاعته، مستشعراً ذلك في علنه وسريرته.

والمفروض له عن هذه الخدمة في كلِّ شهر للإستقبال المقدَّم ذكره من حاصل الوقف المذكور لسنة تسع وتسعين الخراجيّة وما يجري مجراها من هلاليّة وما بعدها اُسوةً بما كان لعبد اللطيف ابن الكيال من الحنطة كيل البيع - ثلاثون قفيزاً - ومن العين الإماميّة - عشرة دنانير - يتناول ذلك شهراً فشهراً مع الوجوب والإستحقاق للاستقبال المقدَّم ذكره من حاصل الوقف المعيَّن للسنة المبَّينة الخراجيَّة وما بعدها بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور - أجلّه الله تعالى - وإذن: فليجر على عادته المذكورة وقاعدته، ولتكن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف(١) في الضفَّة التي لأصحاب أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وليصرف حاصل الوقوف المذكورة في سبلها بمقتضى شرط الواقف المذكور في كتاب الوقفيَّة من غير زيادة فيها ولا عدول عنها ولا حذف شيء منها، عالماً انّه مسؤول في غده عن يومه وأمسه، وإنَّ أفعال المرء صحيفةٌ له في رمسه وليبذل جهده في عمارة الوقوف المذكورة واستنمائها واستثمار حاصلها وارتفاعها مستخيراً من يستخدمه فيها من الأجلاد الاُمناء ذوي العفّة والغناء متطلّعاً إلى حركاتهم و سكناتهم، مؤاخذاً لهم على ما لعلّه يتّصل به من فرطاتهم، لتكون الأحوال متّسقة النظام، والمال محروساً من الانثلام، وليبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذكورين وإصلاح فرشها ومصابيحها، وأخذ القوام على الخدمة بها، وإلزام المتفقَهة بملازمة الدروس و تكرارها، وإتقان المحفوظات وإحكامها، وليثبت بخزانة الكتب من المجلّدات وغيرها معارضاً ذلك بفرسته متطلّبا ما عساه قد شذَّ منها، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها و نفضها في كلِّ وقت ومرمّة شعثها، وأن لا يخرج منها إلّا إلى ذي أمانة مستظهر بالرَّهن عن ذلك، وليتلقَّ هذه الموهبة بشكر يرتبطها ويدبِّر اخلافها واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها وليعمل بالمحدود له في هذا المثال من غير توقّف فيه بحال - إن شاء الله تعالى - وكتب لسبع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على نبيِّنا محمّد وآله الطاهرين الأكرمين وسلّم(٢) .

____________________

١ - هو جامع سوق الغزل الحالى ولكنه كان أوسع اقطاراً وأوعب للناس.

٢ - الجامع المختصر ٩ ص ٢٣٣ - ٦.

٤٠٨

ألقرن السابع

٥٨

اُلشواء الكوفي الحلي

ولد: ٥٦٢ تقريباً

توفّي: ٦٣٥

ضمنت لمن يخاف من العقابِ

إذا والى الوصيَّ أبا ترابِ

يرى في حشره ربّاً غفوراً

ومولىً شافعاً يوم الحسابِ

فتىً فاق الورى كرماً وبأساً

عزيز الجار مخضرَّ الجنابِ

يُرى في السِّلم منه غيث جود

وفي يوم الكريهة ليث غابِ

إذا ما سلَّ صارمه لحربٍ

أراك البرق في متن السِّحابِ

وصيُّ المصطفى وأبو بنيه

وزوج الطّهر من بين الصّحابِ

أخو النصِّ الجليِّ بيوم خمّ

وذو الفضل المرتَّل في الكتابِ(١)

( ألشاعر )

أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن عليّ بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقَّب بشهاب الدين الكوفي الحلبي مولداً ومنشئاً ووفاتاً.

هو من بواقع الشعر والأدب، ولقد أتته الفضيلة من هنا وهناك، فرأيٌ مسدَّد، وهوًى محبوب، ونزعةٌ شريفة، وقريضٌ رائق، وأدبٌ فائق، وقوافٍ ذهبيّة، وعروضٌ متقن، فأيُّ أخي فضل يتسنَّم ذروة مجده؟ وتلك نزعته وهذه صنعته، ترجمه زميله إبن خلكان في تاريخه ٢ ص ٥٩٧، وله ذكره الجميل في شذرات الذهب ٥ ص ١٧٨، و تاريخ حلب ٤: ٣٩٧، وتتميم أمل الآمل للسيِّد إبن شبانة، ونسمة السحر فيمن تشيّع

____________________

١ - الطليعة فى شعراء الشيعة ج ٢ مخطوط للعلامة السماوى: وتوجد منها ثلاثة ابيات فى تاريخ ابن خلكان.

٤٠٩

وشعر، والكنى والألقاب ١: ١٤٦، والطليعة في شعراء الشيعة، ونحن نذكر ما في تاريخ إبن خلكان ملخّصاً قال:

كان أديباً فاضلاً متقناً لعلم العروض والقوافي، شاعراً يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلّدات، وكان زيّه زيّ الحلبيِّين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعيد بن المقلّد المعروف بابن الجبراني النحوي اللغوي، وأكثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع. كان بيني وبين الشهاب الشواء مودَّة أكيدة وموانسة كثيرة ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها الأدب، و أنشدني كثيراً من شعره، وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة إلى حين وفاته، وقبل ذلك كنت أراه قاعداً عند إبن الجبراني المذكور في موضع تصدّره في جامع حلب، وكان يكثر التمشِّي في الجامع ايضاً على جري عادتهم في ذلك كما يعملون في جامع دمشق، وكان حسن المحاورة مليح الإيراد مع السكون والتأنّي، وأوَّل شيءٍ أنشدني من شعره قوله:

هاتيك يا صاح ربا لعلع

ناشدتك الله فعرِّج معي

وانزل بنا بين بيوت النقا

فقد غدت آهلة المربعِ

حتّى نطيل اليوم وقفاً على الـ

ـ ساكن أو عطفاً على الموضعِ

وكان كثيراً ما يستعمل العربيّة في شعره فمن ذلك قوله:

وكنّا خمس عشرة في التئام

على رغم الحسود بغير آفه

فقد أصبحت تنويناً وأضحى

حبيبي لا تفارقه الإضافه

وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:

أرسل صدغاً ولوى قاتلي

صدغاً فأعيا بهما واصفه

فخلت ذا في خدِّه حيّةً

تسعى وهذا عقرباً واقفه

ذا ألفٌ ليست لوصل وذا

واوٌ ولكن ليست العاطفه

وله في شخص لا يكتم السرَّ:

لي صديقٌ غدا وإن كان لا

ينطق إلّا بغيبةٍ أو محالِ

٤١٠

أشبه الناس بالصّدى إن تحدِّ

ثه حديثاً أعاده في الحالِ(١)

وله قوله:

قالوا حبيبك قد تضوًع نشره

حتّى غدا منه الفضاء معطَّرا

فاجبتهم والخال يعلو خدّه

أوَ ما ترون النار تحرق عنبرا؟

وله قوله:

هواك يا من له اختيالُ

مالي على مثله احتيالُ

قسمة أفعاله لحيني

ثلاثةٌ مالها انتقالُ

وعدك مستقبلٌ وصبري

ماضٍ وشوقي إليك حالُ

وله ايضاً:

إن كان قد حجبوه عنّي غيرة

منهم عليه فقد قنعت بذكرهِ

كالمسك ضاع لنا وضاع مكانه

عنّا فأغنى نشره عن نشرهِ

وله ايضاً في غلام قد ختن:

هنّأت مَن أهواه عند ختانه

فرحاً وقلبي قد عراه وجومُ

يفديك من ألم ألمَّ بك امرؤٌ

يخشى عليك إذا ثناك نسيمُ

أمعذبي كيف استطعت على الأذى

جلداً وأجزع ما يكون الريمُ؟

لو لم تكن هذي الطّهارة سنَّةُ

قد سنّها من قبلُ إبراهيمُ

لفتكت جهدي بالمزيِّن إذ غدا

في كفِّه موسى وأنت كليمُ

ومعظم شعره على هذا الاُسلوب. وكان من المغالين في التشيّع وأكثر أهل حلب ما كانوا يعرفونه إلّا بمحاسن الشواء والصّواب فيه هو الذي ذكرته هاهنا وأنَّ اسمه يوسف وكنيته أبو المحاسن. ورأيت ترجمته في كتاب ( عقود الجمان ) الذي وضعه صاحبنا الكمال إبن الشعار الموصلي، وكان صاحبه وأخذ عنه كثيراً من شعره وهو من أخبر الناس بحاله، كان مولده تقريباً في سنة اثنين وستِّين وخمسمائة فانّه كان لا يتحقّق مولده، وتوفّي يوم الجمعة تاسع عشر المحرَّم سنة خمس وثلاثين وستمائة بحلب، ودفن ظاهرها بمقبرة باب أنطاكّية غربي البلد، ولم أحضر الصّلاة عليه لعذر

____________________

١ - الصدى: طير معروف. ما يرده الجبل أو غيره الى المصوت مثل صوته.

٤١١

عرض لي في ذلك الوقت - رحمه الله تعالى - فلقد كان نعم الصاحب.

وأمّا شيخه إبن الجبراني المذكور فهو طاءيٌّ بحتريٌّ من قرية جبرين من أعمال عزاز، وكان متضلّعاً من علم الأدب خصوصاً اللغة فإنّها كانت غالبة عليه وكان متبحِّراً فيها، وكان له تصدّر في جامع حلب في المقصورة الشرقيّة المشرفة على صحن الجامع، وكان مولده يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شوّال سنة إحدى وستِّين وخمسمائة، وتوفّي يوم الأثنين سابع رجب من سنة ثمان وعشرين وستمائة بحلب، ودفن في سفح جبل جوشن رحمه الله تعالى. ه‍.

قال الأميني: في معجم البلدان ٣: ١٧٢ نقلاً عن عبد الله بن محمّد بن سعيد بن سنان الخفاجي في ديوانه عند أبيات في جوشن قال: جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال: إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصناّع في ذلك الجبل خبزاً أو ماءً فشتموها ومنعوها، فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهدٌ يُعرف بمشهد السِّقط، ويسمىّ مشهد الدكّة، والسِّقط يسمَّى محسن بن الحسين رضي الله عنه. ه‍.

٤١٢

ألقرن السّابع

٥٩

كمال الدين الشافعي

ألمتوفّى: ٦٥٢

أضح واستمع آيات وحي تنزَّلت

بمدح إمام بالهدى خصّه اللهُ

ففي آل عمران المباهلة التي

بانزالها أولاه بعض مزاياهُ

وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى

شهودٌ بها أثنى عليه فزكّاهُ

وإحسانه لما تصدَّق راكعاً

بخاتمه يكفيه في نيل حسناهُ

وفي آية النجوى التي لم يفز بها

سواه سنا رشد به تمَّ معناهُ

وأزلفه حتى تبوَّأ منزلاً

من الشّرف الأعلى وآتاه تقواهُ

وأكنفه لطفاً به من رسوله

بوارق أشفاق عليه فربّاهُ

وأرضعه أخلاف أخلاقه التي

هداه بها نهج الهدى فتوخّاهُ

وأنكحه الطّهر البتول وزاده

بأنّك منّي يا عليُّ وآخاهُ

وشرَّفه يوم « الغدير » فخصّه

بأنّك مولى كلِّ من كنت مولاهُ

ولو لم يكن إلاّ قضيّة خيبر

كفت شرفاً في مأثرات سجاياهُ(١)

( ألشاعر )

أبو سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال، أحد الصّدور والرؤساء المعظّمين، كان إماماً في الفقه الشافعي، بارعاً في الحديث والاُصول والخلاف، مقدَّماً في القضاء والخطابة، متضلّعاً في الأدب والكتابة، موصوفاً بالزهد.

سمع الحديث بنيسابور عن أبي الحسن المؤيّد بن عليِّ الطوسي، وزينب الشعريّة(٢)

____________________

١ - مطالب السؤول لناظمها - الصراط المستقيم للبياضى. التهاب مثير الأحزان.

٢ - بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجانى ام المؤيد توفيت سنة ٦١٥ فقيهة اشتغلت بالحديث واخذت عن جماعة من كبار العلماء رواية واجازة، مولدها ووفاتها بنيسابور.

٤١٣

وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة. وروى عنه الحافظ الدمياطي(١) ومجد الدين ابن العديم(٢) وفقيه الحرمين الكنجي(٣) في « كفاية الطالب » قال في الكتاب ص ١٠٨: فمن ذلك ما أخبرنا شيخنا حجّة الإسلام شافعيُّ الزمان أبو سالم محمّد بن طلحة القاضي بمدينة حلب.

أقام بدمشق في المدرسة الأمينيّة وترسّل عن الملوك وساد وتقدَّم، وفي سنة ٦٤٨ كتب الملك الناصر - المتوفّى ٦٥٥ - صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصّل فلم يقبل منه، فتولّاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ٥: ٢٦، وتركها وانسلَّ خفية وترك الأموال والموجود وخرج عمّا يملك من ملبوس ومملوك وغيره، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلمُ يعرف موضعه، وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وانّه يستخرج أشياء من المغيّبات. وقيل: إنّه رجع ويؤيِّد ذلك قوله في المنجِّم:

إذا حكم المنجِّم في القضايا

بحكم حازمٍ فاردد عليهِ

فليس بعالم ما الله قاض

فقلِّدني ولا تركن إليهِ

وقال فيه:

ولا تركننَّ إلى مقال منجِّم

وكل الاُمور إلى الإ~له سلِّمِ

واعلم بانّك إن جعلت لكوكب

تدبير حادثة، فلست بمسلمِ

وتولىّ في ابتداء أمره القضاء بنصيبين، ثمَّ قضاء مدينة حلب، ثمَّ ولي خطابة دمشق، ثمَّ لَمّا زهد حجَّ فلمّا رجع أقام بدمشق قليلاً، ثمَّ سار إلى حلب فتوفّي بها.

تآليفه

١ - ألعقد الفريد للملك السعيد. ألَّفه لنجم الدين غازي بن أرتق من ملوك ماردين طبع بمصر.

٢ - ألدّر المنظّم في اسم الله الأعظم. توجد منه نسخةٌ في مكتبة حسين باشا

____________________

١ - أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن ابى الحسن الدمياطى شيخ المحدثين المولود فى آخر سنة ٦١٣ والمتوفى ٧٠٥ كان كثير المشايخ يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ، ألف كتابا فى تراجمهم فى مجلدين.

٢ - قاضى القضاة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن العديم الحلى ثم الدمشقى الحنفى توفى سنة ٦٧٧.

٣ - أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشى الشافعى المتوفى ٦٥٨.

٤١٤

بآستانة رقمها: ٣٤٦. وذكر شطراً منه الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص ٤٠٣، ٤٧١.

٣ - مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصّلاح.

٤ - كتاب دائرة الحروف.

٥ - مطالب السؤول في مناقب آل الرّسول. طبع غير مرَّة. قال معاصره الأربلي في « كشف الغمَّة » ص ١٧: مطالب السؤول في مناقب آل الرَّسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمّد بن طلحة، وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً أظنّه مات سنة أربع وخمسين وستمائة، وحاله في ترفّعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حالٌ معلومةٌ قرب العهد بها، وفي إنقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة، وكان شافعيَّ المذهب من أعيانهم ورؤسائهم. ا ه.

وينقل عنه السيِّد هبة الدين أبي محمَّد الحسن الموسوي مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه في كتابه [ ألمجموع الرائق ] الذي ألَّفه سنة ٧٠٣.

ونسبه إليه إبن الصبّاغ المالكي المتوفَّى ٨٥٥ وينقل عنه كثيراً في « الفصول المهمّة » وتوجد منه نسخةٌ مخطوطةٌ مورَّخة بسنة ٨٩٦ منقولة عن نسخة بخطِّ المؤلِّف سنة ٦٥٠ في نحو ٢٥ كرَّاسة في مكتبة المدرسة الأحمديَّة بحلب.

وينقل عنه السيِّد الشبلنجي في « نور الأبصار » في مناقب آل النبيِّ المختار.

وُلدَ المترجَم سنة ٥٨٢ كما في طبقات السبكي، وشذرات الذهب، وتوفِّي بحلب في ١٧ رجب سنة ٦٥٢ كما في الكتابين: ألطبقات والشذرات، وفي الوافي بالوفيات للصفدي والتاريخ له، والبداية والنهاية لابن كثير، ومرآة الجنان لليافعي، والأعلام للزركلي، وغيرها وقد سمعت ظنَّ الاربلي بأنَّه توفِّي سنة ٦٥٤.

توجد جملةٌ من شعره في أهل البيت عليهم السّلام في كتابه « مطلب السؤول » منها قوله ختم به الكتاب:

رويدك إن أحببت نيل المطالب؟

فلا تعدُ عن ترتيل آي المناقبِ

مناقب آل المصطفى المهتدى بهم

إلى نعم التقوى ورغبى الرَّغائبِ

مناقب آل المصطفى قدوة الورى

بهم يبتغي مطلوبه كلّ طالبِ

٤١٥

مناقب تجلى سافرات وجوهها

ويجلو سناها مدلهمّ الغياهبِ

عليك بها سرّاً وجهراً فإنّها

يحلّك عند الله أعلى المراتبِ

وخذ عند ما يتلو لسانك آيها

بدعوة قلبٍ حاضرٍ غير غائبِ

لمن قام في تأليفها واعتنى به

ليقضي من مفروضها كلَّ واجبِ

عسى دعوةً يزكو بها حسناته

فيحظى من الحسنى بأسنى المواهبِ

فمن سأل الله الكريم أجابه

وجاوره الإقبال من كلِّ جانبِ

ومنها قوله في ص ٨:

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزالِ

مناقب في الشورى وسورة هل أتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفى فودادهم

على النّاس مفروضٌ بحكم وإسجالِ

فضايلهم تعلو طريقة متنها

رواة علوا فيها بشدٍّ وترحالِ

أشار بهذه الأبيات إلى عدَّة من فضايل العترة الطاهرة ممّا نزل به القرآن الكريم في سورة الشورى وهل أتى والأحزاب. أمّا الشورى ففيها قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودَّة في القربى. ومَن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا - ٢٣ - وقد أسلفنا في الجزء الثاني ص ٣٠٦ - ٣١٠، والجزء الثالث ص ١٧١ ما ورد في الآية الكريمة من أنَّها نزلت في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأمّا هل أتى ففيها قوله النازل فيهم: يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً - ٧ - ويُطعمون الطعام على‏ حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا - ٨ -، وقد بسطنا القول في أنَّها نزلت فيهم صلوات الله عليهم في الجزء الثالث ص ١٠٧ - ١١١.

وأمّا الأحزاب ففيها قوله تعالى: من المؤمنين رجالٌ صدقوا. ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى‏ نحبه ومنهم مَن ينتظر وما بدَّلوا تبديلا -٢٣ -، وقوله تعالى: إِنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا - ٣٣ - وقد مرَّ في الجزء الثاني ص ٥١ نزول الآية الأولى في عليّ أمير المؤمنين وعمِّه حمزة وابن عمِّه عُبيدة. وقد تسالمت الاُمّة الإسلاميّة على نزول آية التطهير في صاحب الرِّسالة الخاتمة ووصيّه الطاهر وابنيهما الإمامين واُمِّهما الصدِّيقة الكبرى، وأخرج الحفّاظ وأئمَّة

_٢٦_

٤١٦

الحديث فيها أحاديث صحيحة متواترة في الصِّحاح والمسانيد لعلّنا نوقف القارئ عليها في بقيَّة أجزاء كتابنا. وما توفيقي إلّا بالله.

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله:

يا ربّ بالخمسة أهل العبا

ذوي الهدى والعمل الصّالحِ

ومَن همُ سفن نجاةٍ ومَن

وإليهمُ ذو متجرٍ رابحِ

ومَن لهم مقعد صدقٍ إذا

قام الورى في الموقف الفاضحِ

لا تُخزني واغفر ذنوبي عسى

أسلم من حرِّ لظى اللّافحِ

فإنَّني أرجو بحبِّي لهم

تجاوزاً عن ذنبي الفادحِ

فهم لمن والاهمُ جُنّةٌ

تنجيه من طائرة البارحِ

وقد توسّلت بهم راجياً

نجح سؤال المذنب الطالحِ

لعلّه يحظى بتوفيقه

فيهتدي بالمنهج الواضحِ

ومن شعره في قتلة الإمام السبطعليه‌السلام قوله:

ألا أيّها العادون إنَّ أمامكم

مقام سؤال والرَّسول سؤولُ

وموقف حكم والخصوم محمّد

وفاطمة الزَّهراء وهي ثكولُ

وإنَّ عليّاً في الخصام مؤيِّدٌ

له الحقُّ فيما يدَّعي ويقولُ

فماذا تردّون الجواب عليهمُ؟

وليس إلى ترك الجواب سبيلُ

وقد سُؤتموهم في بنيهم بقتلهم

ووزر الذي أحدثتموه ثقيلُ

ولا يرتجى في ذلك اليوم شافعٌ

سوى خصمكم والشرح فيه يطولُ

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه

فإنَّ له نار الجحيم مقيلُ

وكان عليكم واجباً في اعتمادكم

رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

فإنَّهم آل النبيّ وأهله

ونهج هداهم بالنجاة كفيلُ

مناقبهم بين الورى مستنيرةٌ

لها غررٌ مجلوّةٌ وحُجولُ

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها

فمنها فروعٌ قد زكت واُصولُ

مناقب من خلق النبيّ وخُلقه

ظهرن فما يغتالهنَّ اُفولُ

٤١٧

ألقرن السّابع

٦٠

أبو محمد المنصور بالله

وُلد: ٥٩٦

توفِّي: ٦٧٠

ألحمدُ للمهيمن الجبّارِ

مكوّر الليل على النّهار

ومنشئ الغمام والأمطارِ

على جميع النِّعم الغزارِ

ثمَّ صلاة الله خُصّت أحمدا

أبا البتول وأخاه السيِّدا

وفاطماً وابنيهما سمَّ العدى

وآلهم سفن النجاة والهدى

يا سائلي عمَّن له الإمامه

بعد رسول الله والزَّعامه

ومَن أقام بعده مقامه

ومَن له الأمر إلى القيامه

خذ نفثاتي عن فؤادٍ منصدعْ

يكاد من بثٍّ وحزنٍ ينقطعْ

لحادثٍ بعد النبيِّ متَّسعْ

شتَّت شمل المسلمين المجتمعْ

ألأمر من بعد النبيِّ المرسلِ

من غير فصلٍ لابن عمِّه علي

كان بنصِّ الواحد الفرد العلي

وحكمه على العدوِّ والولي

والأمر فيه ظاهرٌ مشهورُ

في النَّاس لا مُلغى ولا مستورُ

وكيف يخفى من صباح نورُ؟

لكن يزلّ الخطل المحسورُ

ويقول فيها:

وكان في البيت العتيق مولدهْ

واُمّه إذ دخلت لا تقصدهْ

وإنَّما إل~هه مؤيّدهْ

فمن تلاه فالجحيم موعدهْ

ثمَّ أبوه كافل الرَّسولِ

ومؤمنٌ بالله والتنزيلِ

في قول أهل العلم والتحصيلِ

فهات في آبائهم كقيليِ

وأمّه ربَّت أخاه أحمدا

واتَّبعته إذ دعا إلى الهدى

٤١٨

فكم دعاها اُمّه عند الندا

وقام في جهازها ممجّدا

ألبسها قميصه إكراماً

ونام في حفيرها إعظاما

ومدّ للملائك القياما

حتّى قضوا صلاتها تماما

وهو الذي كان أخاً للمصطفى

بحكم ربِّ العالمين وكفى

واقتسما نورهما المشرِّفا

فاعدد لهم كمثل هذا شرفا

وزوجة سيِّدة النساء

خامسة الخمسة في الكساءِ

أنكحها الصدِّيق في السَّماء

فهل لهم كهذه العلياءِ؟

الله في إنكاحها هو الولي

وجبرئيل مستنابٌ عن علي

والشهداء حاملوا العرش العلي

فهل لهم كمثل ذا فاقصصه لي؟

حوريَّةٌ إنسيَّةٌ سيَّاحه

خلقها الله من التفّاحه

وأكرم الأصل بها لقاحه

فهل ترى إنكاحهم إنكاحه؟

وابناه منها سيِّدا الشَّبابِ

وابنا رسول الله عن صوابِ

مرتضعا السَّنة والكتابِ

فهل لهم كهذه الأسبابِ؟

هما إمامان بنصِّ أحمدا

إذ قال: قاما هكذا أو قعدا

وخصّ في نسلهما أهل الهدى

أئمَّة الحقِّ إلى يوم الندا

ثمَّ أخوه جعفر الطّيارُ

إخوانه الملائك الأبرارُ

وعمّه المرابط الصبّارُ

حمزة سيف الملّة البتّارُ

وربّنا شقَّ اسمه من اسمهِ

فمن له سهمٌ كمثل سهمهِ؟

وهو اختيار الله دون خصمهِ

وهو أذانُ ربِّنا في حكمهِ

بلّغ عن ربِّ السَّما براءه

واختير للتبليغ والقراءه

وكان للإسلام كالمراءه

فاجعل هديت خصمه وراءه

إختار ذو العرش عليّاً نفسه

جهراً وخلّى جنَّه وإنسه

فرفضوا اختياره لا لبسه

وبدَّلوه باختيار خمسه

وهو الوليُّ أيّهذا السّامعُ

مؤتي الزَّكاةِ المرء وهو راكعُ

والشّاهد التالي فأين الجامعُ

للقوم؟ هل ثمَّ دليلٌ قاطعُ؟

٤١٩

وهو وليُّ الحلِّ والابرامِ

والأمر والنهي على الأنامِ

بحكم ذي الجلال والإكرامِ

وما قضاه في اولي الأرحامِ

وآيةٌ قاضيةٌ بالطَّاعة

لِلّه والرَّسول ذي الشّفاعة

ثمَّ أولي الأمر من الجماعه

فهي له قد فاز من أطاعه

والمصطفى المنذر وهو الهادي

وهو له الفادي ونعم الفادي

في ليلة الغار من الأعادي

تحت ظلال القضب الحدادِ

يرمونه في الليل بالحجاره

لعلّها تبدو لهم إماره

فاتَّخذ الصَّبر لها دثاره

والموت إذ ذاك يشبُّ ناره

حتّى بدا وجه الصَّباح طالعا

وقام فيهم ضيغماً مسارعا

فانهزموا يمعر(١) كلُّ راجعا

فاستقبل الأزواج والودايعا

فأنزل الرَّحمن يشري نفسه

لما ابتغى رضاءه وقدسه

أما يزيل مثل هذا لبسه؟

وقد أراه جنَّه وإنسه

ويقول فيها:

ألم يقل فيه النبيُّ المنتجبْ

قولاً صريحاً: أنت فارس العربْ

وكم وكم جلا به الله الكربْ؟

فاعجب ومهما عشت عاينت العجبْ

واسمع أحاديث بلفظ البابِ

في العلم والحكمة والصَّوابِ

ولا تلمني بعدُ في الإطنابِ

في حبِّ مولاي أبي ترابِ

وقال ايضاً فيه: أقضاكم علي

ومثله: أعلمكم عن النبي

ومثله: عيبة علمي والملي

أنّى يكون هكذا غير الوصي؟

ألم يكن فوق الرِّجال حجَّه

نيِّرة واضحة المحجَّه؟

وعلمهم في علمه كالمجَّه

فما تكون مجَّة في لجَّه؟

أحاط بالتوراة والإنجيلِ

وبالزَّبور يا ذوي التفضيل

علماً وبالقرآن ذي التنزيلِ

في قوله المصدِّق المقبولِ

بل أيّهم قال له: الحقّ معه

وهو مع الحقِّ الذي قد شرعه؟

____________________

١ - تمعر وجه: تغير وعلته صفرة. الممغور: المقطب غضبا.

٤٢٠