الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 122219
تحميل: 4508


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122219 / تحميل: 4508
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هل جمع القوم الذي قد جمعه

من علمه؟ بخٍ له ما أوسعه؟

وهل علمت مثله خطيبا؟

أو ناثراً أو ناظماً غريبا؟

أو بادياً في العلم أو مجيبا؟

أو واعظاً عن خشيةٍ منيبا؟

وهو يقول: علّم التنزيلا

منّي وفيما نزلت نزولا

آياته إذ فصّلت تفصيلا

يا حبَّذا سبيله سبيلا؟

وعلّم المجمل والمفصِّلا

ومحكم الآيات حيث نزلا

وما تشابه وكيف اُوِّلا

وناسخاً منها ومنسوخاً خلى

وهو الذي نأمن منه الباطنا

فما يُعدُّ في الاُمور خائنا

وغيره لا نأمن البواطنا

منه بحال فانظر التباينا

ويقول فيها:

وفيه أوحى ذو الجلال هل أتى

وزوجه إذ نذرا فأخبتا

فأطعما وأوفيا ما أثبتا

يا حبّذا هما وعوداً أثبتا؟

وفيه جاءت آية الإنفاقِ

في الليل والنهار عن إطلاقِ

سرّاً وإعلاناً من الخلّاق

حيث ابتغى تجارةً في الباقي

وآية القنوت في السّجودِ

في اللّيل والقيام للمعبودِ

في حذر العقاب والوقودِ

وفي رجاء رب ِّ ه الحميدِ

وهو المناجي بعد دفع الصّدقه

ثمَّ غدت أبوابها مغلّقه

فكانت التَّوبة عنهم ملحقه

فأيّهم كان على الحقِّ ثقه؟

وحسبنا الله فتلك فيهِ

وآية الإيمان والتَّنزيهِ

والفسق للوليد ذي التَّمويهِ

فأيّ ذمً بعد ذا يأتيهِ؟

وآية الوقوف للسؤال

في المرتضى حقّاً أبي الأشبالِ

وهو لسان الصِّدق شيخ الآلِ

كم فيه من آيات ذي الجلالِ؟

وقيل: جاءت آية الإيذاءِ

فيه بلا شكٍّ ولا امتراءِ

ولم يُعاتب أبداً في الآي

لا بل له التشريف في البداءِ

وقيل: جاءت آية السِّقايه

وآية الإيمان والهدايه

٤٢١

فيه فأكرم ببداه آيه

ليس له في الفضل من نهايه

وآيةُ واردةٌ في الاُذنِ

فإنَّها في السيّد المؤتمنِ

قولاً أتى من صادقٍ لم يمنِ

حكماً من الله الحميد المحسنِ

وكم وكم من آية منزَّله

فيه من الله أتت مفصّله؟

شاهدة على الورى بالفضل له

فليعل مَن قدّمه وفضّله

كآية الودِّ من الرّحمنِ

وهكذا كرايم القرآنِ

فيه كما قد جاء في البيانِ

عن أحمد عن ربِّه المنّانِ

وآية التّطهير في الجماعه

أهل الكساء المرتدين الطاعه

ألآمنين من خطوب السّاعه

يا حبّذا حبّهم بضاعه؟

والأمر بالصّلاة فيهم نزلا

خير البريّات الأولى حاز والعلا

سفن النجاة الشّهداء في الملا

بورك علماً علمهم مفصّلا

وقيل: هم في الذكر أهل الذكرِ

نزّل فيهم: فاسألوا، هل تدري؟

نعم اُناساً أهل بيت الطّهرِ

أهل المقامات وأهل الفخرِ

وفيهم الدُّعاء للمباهله

حيث أتى الكفّار للمجادله

أكرم بهم من دعوةٍ مقابله

بالنّصر لكن هربوا معاجله

هذا عليُّ ها هنا نفس النبيِّ

وولداه ابنا الرَّسول اليثربي

يا حبّذا من شرفٍ مستعجب

يضئ في المجد ضياء الكوكبِ؟

ويقول فيها:

وقال فيه المصطفى: أنت الولي

ومثله: أنت الوزير والوصي

وكم وكم قال له: أنت أخي؟

فأيّهم قال له مثل علي؟

وهل سمعت بحديث مولى

يوم « الغدير » والصّحيح أولى؟

ألم يقل فيه الرَّسول قولا

لم يبق للمخالفين حولا؟

وهل سمعت بحديث المنزله

يجعل هارون النبيّ مثَله؟

وثبّت الطّهر له ما كان له

من صنوه موسى فصار مدخله؟

من حيث لو لم يذكر النبوَّه

كانت له من بعده مرجوَّه

٤٢٢

فاستثنيت ونال ذو الفتوّه

عموم ما للمصطفى من قوَّه

إلى أن قال:

إنّ الكتاب للوصيِّ قد حكم

بأنَّه الإمام في خير الاُمم

فمن يكن مخالفاً فقد ظلم

وقد أساء الفعل حقّاً واجترم

قال: فلي دلائل في الآثارْ

تواترت وانتشرت في الأقطارْ

على إمامة الرِّجال الأخيارْ

فأيّ قول بعد تلك الأخبارْ؟

فقلت: إن كان حديث المنزله

فيها وأخبار « الغدير » مدخله؟

فإنَّها معلومةٌ مفصّله

أو لا فدعها لعلّي فهي له

لا تجعلنّ خبراً عن واحدِ

أو قول كلِّ كاذبٍ معاندِ

مثل أحاديث الإمام الماجدِ

يوم « الغدير » في ذوي المشاهدِ

تلك التي تواترت في الخلقِ

وانتشرت أخبارها عن صدقِ

ونطقت في النّاس أيّ نطقِ

إنّ عليّاً لإمام الحقِّ

أخذناها من أرجوزة لشاعرنا المنصور في الإمامة وهي قيِّمة جدّاً تشتمل على ٧٠٨ بيتا.

(ألشاعر)

أبو محمّد المنصور بالله ألإمام الحسن بن محمّد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن يحيى الهادي إلى الحقِّ اليمني. أحد أئمَّة الزيديَّة في الديار اليمنيَّة، وأوحديُّ من أعلامها الفطاحل، له في علم الحديث وفنونه أشواطٌ بعيدةٌ، وفي الأدب وقرض الشعر خطواتٌ واسعة، وفي قوَّة العارضة جانبٌ هام، وفي الحجاج والمناظرة يدٌ غير قصيرة، يُعرب عن هذه كلّها كتابه الضخم الفخم - أنوار اليقين - في شرح اُرجوزته الغرّاء المذكورة في الإمامة، وهي آيةٌ محكمةٌ تدلُّ على فضله الكثار وعلمه المتدفّق، كما أنّها برهنةٌ واضحةٌ عن تضلّعه في الأدب وتقدُّمه في صناعة القريض.

كان في أيّام الإمام المهدي أحمد بن الحسين يُعدُّ من جلّة العلماء وله فيه مدايح ومن شعره فيه مهنّئاً له السّلامة - حينما دسَّ عليه الملك يوسف بن عمر ملك اليمن

٤٢٣

على ما يُقال أو المستعصم العبّاسي أبو أحمد عبد الله المتوفّى ٦٥٦ رجلين ووثبا عليه فطعنه أحدهما فجرحه وسلم فاُخذا الرّجلان وقتلا - قوله:

راموك والله رامٍ دون ما طلبوا

وكيف يفرق شملٌ أنت جامعهُ؟

كم قبل ذلك من فتق منيت به؟

والله من حيث يخفى عنك دافعهُ

عوايدٌ لك تجري في كفالته

لا يجبر الله عظماً أنت صارعهُ

ضاقت جوانبه وانسدَّ مخرجه

وأنت فيه رحيب الصّدر واسعهُ

ردّاً إليه وتسليماً لقدرته

فيما تحاوله أو ما تدافعهُ

ومن شعره قوله:

لم ينج بالكهف سوى عصبة

فرَّت عن الدّار وأربابها

ولا نجا في يوم نوح سوى

سفينة الله وأصحابها

ألم يكن في المغرقين ابنه؟

فغاب عن زمرة ركّابها

وهل نجا بالسِّلم إلّا الاولى

رقوا إلى السِّلم بأسبابها؟

أو أدرك الغفران من لم يلج

لداخل الحطَّة من بابها؟

اُعيذكم بالله أن تجمحوا

عن عترة الحقِّ وأحزابها

ولد الإمام المترجم سنة ٥٩٦ وبويع له بالإمامة بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين وكانت دعوته سنة ٦٥٧، وتوفّي في مدينة - رغافة - من مدن صعده في شهر محرّم سنة ٦٧٠، توجد ترجمته في نسمة السحر فيمن تشيَّع وشعر.

٤٢٤

ألقرن السّابع

٦١

أبو الحسين الجزار

وُلد: ٦٠١

توفّي: ٦٧٢

حُكم العيون على القلوب يجوزُ

ودوائها من دائهنَّ عزيزُ

كم نظرة نالت بطرفٍ فاتر

ما لم يَنله الذّابل المحزوزُ؟

فحذار من تلك اللواحظ غرّة

فالسّحر بين جفونها مركوزُ

يا ليت شعري والأماني ضلّة

والدَّهر يُدرك طرفه ويحوزُ

هل لي إلى روض تصرَّم عمره

سببُ فيرجع ما مضى فأفوزُ؟

وأزور مَن ألف البعاد وحبّه

بين الجوانح والحشا مرزوزُ؟

ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه

فالوصف حين يطول فيه وجيزُ

والبدر والشّمس المنيرة دونه

في الوصف حين يحرّر التمييزُ

لولا تثنِّى خصره في ردفه

ما خلت إلّا أنَّه مغروزُ

تجفو غلالته عليه لظافةً

فبحسنها من جسمه تطريزُ(١)

مَن لي بدهرٍ كان لي بوصاله

سمحاً ووعدي عنده منجوزُ؟

والعيش مخضرُّ الجناب أنيقه

ولأوجه اللّذات فيه بروزُ

والرَّوض في حلل النبات كأنّه

فُرشت عليه دبابجٌ وخزوزُ

والماء يبدو في الخليج كأنَّه

ظِلُّ لسرعة سيره مخفوزُ

والزّهر يوهم ناظريه إنَّما

ظهرت به فوق الرِّياض كنوزُ

فأقاحه ورقٌ ومنثور النَّدى

درُّ ونور بهاره ابريزُ

والغصن فيه تغازلٌ وتمايلٌ

وتَشاغلٌ وتراسلٌ ورموزُ

____________________

١ - فبجسمه من جفوها تطريز. كذا فى بعض النسخ.

٤٢٥

وكأنَّما القمريُّ ينشد مصرعاً

من كلِّ بيت والحمام يجيزُ

وكأنَّما الدولاب زمرٌ كلّما

غنَّت وأصوات الدوالب شيزُ

وكأنَّما الماء المصفِّق ضاحكٌ

مستبشرٌ ممّا أتى فيروزُ

يهنيك يا صهر النبيِّ محمّد

يومٌ به لِلطيِّبين هزيزُ

أنت المقدَّم في الخلافة ما لها

عن نحو ما بك في الورى تبريزُ

صبَّ الغدير على الاُلى جحد والظىّ

يوعى لها قبل القيام أزيزُ

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو

لي لِلورى؟ فالهامز المهموزُ

لم يخش مولاك الجحيم فإنَّها

عنه إلى غير الوليِّ تجوزُ

أترى تمرُّ به وحبّك دونه

عوذٌ ممانعةٌ له وحروزُ؟

أنت القسيم غداً فهذا يلتظي

فيها وهذا في الجنان يفوزُ

توجد هذه القصيدة في غير واحد من المجاميع الشعريَّة المخطوطة العتيقة وهي طويلة، وترى أبياتها مبثوثةً منثورة في كتب الأدب.

(ألشاعر)

يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمّد بن علي جمال الدين أبو الحسين الجزّار المصري. أحد شعراء الشيعة المنسيِّين، ولقد شذَّت عن ذكره معاجم السَّلف بالرغم من إطّراد شعره في كتب الأدب وفي المعاجم أيضاً استطرادا متحلياً بالجزالة والبراعة، فإن غفل عن تاريخه المترجمون فقد عقد هو لنفسه ترجمة ضافية الذيول خالدة مع الدهر فلم يترك لمن يقف على شعره ملتحداً عن الإعتراف له بالعبقريَّة والنبوغ، والإخبات إليه بالتقدُّم في التورية والاستخدام، قال إبن حجَّة في الخزانة: تعاهد هو والسِّراج الورَّاق والحمّامي وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية، حتّى انَّه قيل للسرَّاج الورّاق: لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك. ودون مقامه ما يوجد من جميل ذكره في الخزانة لابن حجّة، وفوات الوفيات للكتبي ٢: ٣١٩، والبداية والنهاية لابن كثير ١٣: ٢٩٣، وشذرات الذهب ٥: ٣٦٤، ونسمة السحر لليمني، والطليعة في شعراء الشيعة للعلّامة السّماوي، وقد جمع له شيخنا السَّماوي من شعره

٤٢٦

ديواناً يربو على ألف ومائتين وخمسين بيتاً. وكان له ديوان وصف بالشهرة في معاجم السَّلف، وله اُرجوزةٌ في ذكر من تولّى مصر من الملوك والخلفاء وعمّالها ذكرها له صاحب نسمة؟ السحر فقال: مفيدةٌ. فكأنَّها توجد في مكتبات اليمن، وقد وقف عليها صاحب النسمة. ومن شعره قوله في رثاء الإمام السِّبطعليه‌السلام في تمام المتون للصفدي ص ١٥٦ وغيره:

ويعود عاشورا يُذكّرني

رزءَ الحسين فليت لم يَعدِ

يومٌ سيبلى حين أذكره

أن لا يدور الصَّبر في خلدي

يا ليت عيناً فيه قد كحلت

في مرود لم تنج من رمدِ

ويداً به لشماتة خضبت

مقطوعة من زندها بيدي

أما وقد قُتل الحسين به

فأبو الحسين أحقّ بالكمدِ

وله في حريق الحرم النبويِّ قوله:

لا تعبأوا أن يحترق في طيبة

حرم النبيِّ بقول كلِّ سفيهِ

لِلّه في النّار التي وقعت به

سرُّ عن العقلاء لا يخفيهِ

إذ ليس تبقي في فناه بقيَّةً

ممّا بنته بنو اُميَّة فيهِ

إحترق المسجد الشَّريف النبويّ ليلة الجمعة أوَّل ليلة من شهر رمضان سنة ٦٥٤ بعد صلاة التراويح على يد الفرّاش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النّار على جميع سقوفه ووقعت بعض السَّواري وذاب الرّصاص وذلك قبل أن ينام النّاس واحترق سقف الحجرة الشريفة ووقع بعضه فيها، وقال فيه الشعراء شعراً، ولعلّ ابن تولو المغربي أجاب عن أبيات المترجم المذكورة بقوله:

قل للروافض بالمدينة: مالكم

يقتادكم للذمِّ كلُّ سفيه

ما أصبح الحرم الشريف محرَّقاً

إلّا لذمِّكم الصَّحابة فيهِ

كانت بين شاعرنا - الجزّار - وبين السرَّاج الورَّاق مداعبة فحصل للسرّاج رمدٌ فأهدى الجزّار له تفّاحاً وكمثرى وكتب مع ذلك:

اُكافيك عن بعض الذي قد فعلته

لأنَّ لمولانا عليَّ حقوقا

بعثت خدوداً مع نهود وأعيناً

ولا غرو أن يجزي الصِّديق صديقا

٤٢٧

وإن حال منك البعض عمّا عهدته

فما حال يوماً عن ولاك وثوقا

بنفسج تلك العين صار شقائقاً

ولؤلؤ ذاك الدّمع عاد عقيقا

وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما

قطعت على اللّذات منه طريقا

فلا عدمتك العاشقون فطالما

أقمت لأوقات المسرَّة سوقا

وذكر له إبن حجّة قوله مورياً في صناعته:

ألا قل للذي يسأ

ل عن قومي وعن أهلي

لقد تسأل عن قومٍ

كرام الفرع والأصلِ

تُرجِّيهم بنو كلب

وتخشاهم بنو عجلِ

ومثله قوله:

إنِّي لمن معشر سفك الدماء لهم

دأبٌ وسل عنهمُ إن رُمت تَصديقي

تضيئُ بالدمِّ إشراقاً عراصهمُ

فكلُّ أيّامهم أيّام تشريقِ

ومثله قوله:

أصبحت لحَّاماً وفي البيت لا

أعرف ما رائحة اللّحمِ

واعتضت من فقري ومن فاقتي

عن التذاد الطعم بالشمِّ

جهلته فقراً فكنت الذي

أضلّه الله على علم

وظريف قوله:

كيف لا اشكر الجزارة ما عشـ

ـ ت حفاظاً وأرفض الآدابا

وبها صارت الكلاب ترجِّيـ

ـني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله:

معشرٌ ما جاءهم مسترفدٌ

راح إلّا وهو منهم معسرُ

أنا جزّار وهم من بقرٍ

ما رأوني قطُّ إلّا نفروا

كتب اليه الشيخ نصير الدين الحمّامي مورياً عن صنعته:

ومذ لزمت الحمام صرت بها

خلّاً يُداري من لا يُداريه

أعرف حرَّ الأشياء وباردها

وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزّار بقوله:

٤٢٨

حسن التأنّي ممّا يعين على

رزق الفتى والحظوظ تختلفُ

والعبد مذ صار في جزارته

يعرف من أين تُؤكل الكتفُ

وله في التورية قوله:

أنت طوَّقتني صنيعاً واسمعـ

ـتك شكراً كلاهما ما يضيعُ

فإذا ما شجاك سجعي فإنِّي

أنا ذاك المطوّق المسموعُ

ومن لطائفة ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته:

أمولاي ما طباعي الخروجُ

ولكن تعلّمته من خمولِ

أتيت لبابك أرجو الغنى

فأخرجني الضَّرب عند الدخولِ

ومن مجونه في التورية قوله في زواج والده:

تزوَّج الشَّيخ أبي شيخةً

ليس لها عقلٌ ولا ذهنُ

لو برزت صورتها في الدجا

ما جسرت تبصرها الجنُّ

كأنَّها في فرشها رمَّة(١)

وشَعرها من حولها قطنُ

وقائلٌ لي قال: ما سنّها؟

فقلت: ما في فمها سنُّ

وله قوله في داره:

ودار خراب بها قد نزلـ

ـ ت ولك-ن نزلت إلى السّابعه

طريقٌ من الطرق مسلوكة

محجَّتها لِلورى شاسعه

فلا فرق ما بين أنّي أكون

بها أو أكون على القارعه

تساررُها هفوات النسيم

فتصغي بلا اُذن سامعه

وأخشى بها أن اُقيم الصَّلاة

فتسجد حيطانها الراكعه

إذا ما قرأت إذا زلزلت

خشيت بأن تقرأ الواقعه

وله في بعض ادباء مصر وكان شيخاً كبيراً ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت قوله ذكره له إبن خلكان في تاريخه ١ ص ٦٧:

أيّها السيِّد الأديب دعاءاً

من محبٍّ خال من التنكيتِ

أنت شيخٌ وقد قربت من النار

فكيف أدهنت بالكبريتِ

____________________

١ - الرمة بالكسر والفتح: ما بلى من العظام.

٤٢٩

وله قوله:

مَن منصفي من معشر

كثروا عليَّ وأكثروا

صادقتهم وأرى الخرو

ج من الصَّداقة يعسرُ

كالخطِّ يسهل في الطرو

س ومحوه يتعذَّرُ

وإذا أردت كشطته

لكنّ ذاك يؤثِّرُ

ومن قوله في الغزل:

بذاك الفتور وهذا الهيفْ

يهون على عاشقيك التلفْ

أطرت القلوب بهذا الجمال

وأوقعتها في الأسى والأسفْ

تكلّف بدر الدُّجى إذ حكى

محيّاك لو لم يشنه الكلفْ

وقام بعذري فيك العذار

وأجرى دموعيَ لَمّا وقفْ

وكم عاذل أنكر الوجد فيك

عليَّ فلمّا رآك اعترفْ

وقالوا: به صلفٌ زائدٌ

فقلت: رضيت بذاك الصَّلفْ

لئن ضاع عمريَ في من سواك

غراماً؟ فإنّ عليك الخلفْ

فهاك يدي إنَّني تائبٌ

فقل لي: عفى الله عمّا سلفْ

بجوهر ثغرك ماء الحياة

فماذا يضرّك لو يرتشفْ

ولم أر من قبله جوهراً

من البهرمان(١) عليه صدفْ

اُكاتم وجديَ حتى أراك

فيعرف بالحال لا من عرفْ

وهيهات يخفى غرامي عليك

بطرف همى وبقلب رجفْ

ومنه قوله:

حمت خدَّها والثغر عن حائم شج

له أملٌ في مورد ومورّدِ

وكم هام قلبي لارتشاف رضابها

فأعرف عن تفصيل نحو المبرَّدِ

ومن بديع غزله قوله:

وما بي سوى عين نظرت لحسنها

وذاك لجهلي بالعيون وغرَّتي

وقالوا: به في الحبِّ عينٌ ونظرةٌ

لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

____________________

١ - البهرمان: الياقوت الاحمر.

٤٣٠

وله قوله يرثي حماره:

ما كلُّ حين تنجح الأسفارُ

نفق(١) الحمار وبادت الأشعارُ

خرجي على كتفي وها أنا دائرٌ

بين البيوت كأنَّني عطّارُ

ماذا عليَّ جرى لأجل فراقه

وجرت دموع العين وهي غزارُ؟

لم أنس حدَّةَ نفسه وكأنَّه

من أن تسابقه الرِّياح يغارُ

وتخاله في القفرِ جنّاً طائراً

ما كلُّ جنٍّ مثله طيّارُ

وإذا أتى للحوض لم يخلع له

في الماء من قبل الورود عذارُ

وتراه يحرس رجله من زلَّة

برشاشها يتنجَّس الحضّارُ

ويلين في وقت المضيق فيلتوي

فكأنَّما بيديك منه سوارُ

ويشير في وقت الزّحام برأسه

حتى يحيد أمامه النظَّارُ

لم أدر عيباً فيه إلّا أنَّه

مع ذا الذكاء يُقال عنه حمار

ولقد تحامته الكلاب وأحجمت

عنه وفيه كلُّ ما تختارُ

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت

لما علمن بأنَّه جزّارُ

وقال في موت حمار صديق له:

مات حمار الأديب قلت لهم

: مضى وقد فات منه ما فاتا

من مات في عزِّه استراح ومَن

خلّف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله:

لا تعبني بصنعة القصّابِ

فهي أذكى من عنبر الآدابِ

كان فضلي على الكلاب فمذ صر

ت أديباً رجوت فضل الكلابِ

كان كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم(٢) إذا قدم مصر يلازمه أبو الحسين الجزّار فقال بعض أهل عصره حسداً عليه:

يا بن العديم عدمت كلِّ فضيلة

وغدوت تحمل راية الإدبارِ

____________________

١ - نفقت الدابة: خرجت روحها.

٢ - ابو القاسم الوزير الرئيس الكبير الحلبى الحنفى سمع الحديث وحدث وتفقه وافتى ودرس وصنف، ولد سنة ٥٨٦ وتوفى ٦٦٠.

٤٣١

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها

نفسٌ تلذُّ بصحبة الجّزارِ

قال الصَّفدي في تمام المتون ص ١٨١ بعد ذكره قول هارون الرَّشيد [ إنَّ الكريم إذا خادعته انخدعا ]: ذكرت هنا قضيَّة جرت لأبي الحسين الجزّار وهي: انّه توجَّه الجزّار إلى ابن يعمور بالمحلة وأقام عنده مدَّة ثمَّ انَّه أعطاه وردَّه وجاء ليودِّعه فاتَّفق أن حضر في ذلك الوقت وكيل إبن يعمور على أقطاعه فقال له: ما أحضرت؟ قال كذا وكذا دراهم. فقال: اعطه الخزندار. فقال: كذا وكذا غلّة. فقال: احملها إلى الشونة. قال: كذا وكذا خروف. فقال: اعطها الجزّار. فقام الجزّار وقبَّل الأرض وقال: يا مولانا: كم وكم تتفضَّل. فتبسَّم إبن يعمور وانخدع وقال: خذها.

وذكر له الصفدي في تمام المتون شرح رسالة ابن زيدون ص ٣٥ من أبيات له:

وحقّك ماليَ من قدرةٍ

على كشف ضرِّيَ إذ مسَّني

فكم أخذتني عيون الظبا

ءِ بعد الإنابة من مأمني

وفي ص ٤٦ من تمام المتون قوله:

اُطيل شكا يأتي إلى غير راحم

وأهل الغنى لا يرحمون فقيرا

وأشكر عيشي للورى خوف شامت

كذا كلّ نحس لا يزال شكورا

وله في تمام المتون ص ٢١٢ قوله:

لست أنسى وقد وقفت فأنشدت

قصيداً تفوق نظم الجمانِ

كلُّ بيت يُزري على خلف الأحمر

بالحسن وهو شيخ بن هاني

ببديع يحار في نظمه الطائي

بل مسلمٌ صريع الغواني

ومديح ما نال جودته قدماً

زياد في خدمة النعمانِ

قمت وسط الأيوان بين يدي

ملك تسامى على أنوشروانِ

وله في تمام المتون ص ٢٢٠ قوله:

ولقد كسوتك من قريضي حلّة

جلت عن التلفيق والترقيعِ

حسنت برقم من جلالك فاغتدت

كالروض في التسهيم والترصيعِ

وذكر في تمام المتون ص ٢٢٦ قوله:

اُحمَل قلبي كلَّ يوم وليلة

هموماً على من لا أفوز بخيره

_٢٧_

٤٣٢

كما سوَّد القصّار في الشمس وجهه

حريصاً على تبييض ثوب لغيرهِ

قال ابن حجَّة في « الخزانة » ص ٣٣٨: ولد سنة ٦٠١ وتوفّي ٦٧٢ بمصر. وزاد فيه إبن كثير في « البداية والنهاية » يوم وفاته وشهره: ثاني عشر شوّال، وهكذا أرَّخ ولادته ووفاته من أرَّخهما من المؤلِّفين غير أنَّ صاحب « شذرات الذهب » شذَّ عنهم وعدَّه ممّن توفّي سنة ٦٧٩ وقال: توفّي في شوّال وله ستُّ وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة. والله العالم.

٤٣٣

ألقرن السابع

٦٢

ألقاضي نظام الدين

ألمتوفَّى: ٦٧٨

لِلّه درءُكم يا آل ياسينا

يا أنجم الحقِّ أعلام الهدى فينا

لا يقبل الله إلّا في محبّتكم

أعمال عبدٍ ولا يرضى له دينا

أرجو النجاة بكم يوم المعاد وإن

جنت يداي من الذنب الأفانينا

بلى اُخفِّف أعباء الذُّنوب بكم

بلى اُثقِّل في الحشر الموازينا

من لا يواليكمُ في الله لم ير من

قيح اللظى وعذاب القبر تسكينا

لأجل جدِّكم الأفلاك قد خلقت

لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا

مَن ذا كمثل عليٍّ في ولايته؟

ما المبغضين له إلّا مجانينا

إسم على العرش مكتوب كما نقلوا

من يستطيع له محواً وترقينا؟

مَن حجَّة الله والحبل المتين ومن

خير الورى وولاه الحشر يغنينا؟

من المبارز في وصف الجلال ومن

أقام حقّاً على القطع البراهينا؟

مَن مثله كان ذا جعفر وجامعة

له يُدوّن سرّ الغيب تدوينا؟

ومن كهارون من موسى اُخوّته

للخلق بيَّن خير الرُّسل تبيينا؟

مهما تمسّك بالأخبار طائفةٌ

فقوله: وال من والاه يكفينا

يوم الغدير جرى الوادي فطمّ على

قويّ قوم همُ كانوا المعادينا

شبلاه ريحانتا روض الجنان فقل:

في طيب أرض نمت تلك الرياحينا

( ما يتبع الشعر )

تناهز القصيدة ٤٢ بيتاً ذكره القاضي المرعشي في « مجالس المؤمنين » ص ٢٢٦ وبقوله:

لأجل جدّكم الأفلاك قد خلقت

لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا

٤٣٤

أشار إلى ما أخرجه الحاكم وصحَّحه في « المستدرك » ٢ ص ٦١٥ عن إبن عبّاس رضي الله عنهما قال: أوحى الله إلى عيسىعليه‌السلام : يا عيسى! آمِن بمحمَّد وأمر مَن أدركه من اُمَّتك أن يؤمنوا به، فلولا محمَّد ما خلقت آدم، ولولا محمَّد ما خلقت الجنَّة والنّار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إ~له إلّا الله، محمَّد رسول الله، فسكن.

وذكره السبكي في « شفاء السقام » ص ١٢١ وأقرّ صحته. وكذلك الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٤٤ قال: أخرجه أبو الشيخ في طبقات الإصفهانيِّين وصحَّحه الحاكم وأقرَّه السبكي والبلقيني في فتاواه.

وأخرج الحاكم بعده حديثاً وصحَّحه وفيه نحو دلالة على ما نرتأيه ولفظه: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب؟ أسألك بحقِّ محمَّد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم! وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب! لأنَّك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إ~له إلّا الله. محمّد رسول الله. فعلمت انَّك لم تضف إلى إسمك إلّا أحبّ الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنّه لأحبُّ الخلق إليّ اُدعني بحقّه فقد غفرت لك ولولا محمّد ما خلقتك.

وأخرجه البيهقي في « دلائل النبوَّة » وهو الكتاب الذي قال فيه الذهبي: عليك به فكلّه هدى ونور، والطبراني في المعجم الصغير. وأقرَّ صحّته السبكي في شفاء السقام ص ١٢٠، والسّمهودي في وفاء الوفاء ص ٤١٩، والقسطلاني في المواهب اللدنيَّة، والزرقاني في شرحه ١ ص ٤٤، والعزَّامي في فرقان القرآن ص ١١٧.

كتبنا هذا المختصر لإيقاف القارئ على بطلان ما لابن تيميّة ومَن غزل غزله أمثال « القصيمي » من جلبةٍ ولغطٍ حتّى يكون على بصيرة من فضل النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( ألشاعر )

نظام الدين محمّد بن قاضي القضاة إسحاق بن المظهر الاصبهاني، أحد أعيان اُدباء الطائفة، وأوحديّها في الفنون والفضايل، قاضي القضاة في الأقطار العراقيّة مخالطاً مع خواجه شمس الدين محمّد الجويني الملقَّب بصاحب الديوان المتوفّى ٦٨٣، وله فيه مدائح منها قوله:

٤٣٥

ما النّاس إلّا كالقريض وإنَّما

بيت القصيدة صاحب الديوانِ

شمس الممالك تزدهي بعلاءها

وبهاء دست الملك والأيوانِ

وله في رثاء ولد خواجة بهاء الدين محمّد قصيدة تناهز ٥٨ بيتاً ذكرها القاضي في مجالسه ص ٤٣٨ مطلعها:

ما للظّلام يغطِّي وجهة الاُفق؟

ما للرَّواسي اضطربن اليوم من قلقِ؟

ما للحظوظ تولّى القوم أظهرها؟

ما للنوائب تُبدي صفحة العنقِ؟

بكى السماء وضجَّ الأرض وانكدرت

زهر النجوم وطاشت أنفس الفرقِ

أليوم يومٌ لعمري كاسمه فقدت

به العلى والنهى إنسانة الحدقِ

مولى الأنام بهاء الدين صاحبنا

مضى فبدَّل صفو العيش بالرنقِ

وتخلّص في غديريَّته المذكورة إلى مدح خواجة بهاء الدين، وكتب باسم أخي صاحب الديوان: علاء الدين خواجه عطاء الملك الجويني المتوفّى ٦٨١ ديوان رباعيّاته وله شعرٌ يمدح به سلطان المحقِّقين خواجه نصير الدين الطوسي المتوفّى ٦٧٢.

توجد ترجمته في مجالس المؤمنين ص ٢٢٦، وتاريخ آداب اللغة ٣: ١٣ وقال: توفّي سنة ٦٧٨ له ديوان اسمه. ديوان المنشئات. في المتحف البريطاني، وذكره صاحب - رياض الجنَّة - في الرَّوضة الرابعة في عدِّ العلماء وقال: له رسالته - القوسيّة - كتب بعض أعلام نيسابور شرحاً عليها وأثنى عليه في شرحه بقوله: أقضى قضاة العالم، مفتي طوائف الاُمم، منشيء البدايع والعجائب. إلخ.

ومن دوبيتاته في كشكول شيخنا البهائي ١ ص ١٠٩:

أنتم لظلام قلبي الأضواءُ

فيكم لفؤادي جمعت أهواءُ

يروي الظمأ ادِّكاركم لا الماءُ

داويت بغيركم فزاد الداءُ

* * *

اوصيتك بالجدِّ فدع مَن ساخر

فاخر بفضيلة التّقى مَن فاخر

لا ترج سوى الربّ لكشف البلوى

لا تدعُ مع الله إلهاً آخر

* * *

مالي وحديث وصل مَن أهواهُ؟

حسبي بشفاءِ علّتي ذكراهُ

٤٣٦

هذا وإذا قضيت نحبي أسفاً

يكفينيَ أن اُعدَّ من قتلاهُ

* * *

وافى فجذبت عطفه الميَّادا

شوقاً فطلبت قُبلةً فانقادا

حاولت وراء ذاك منه نادا

لا تطلب بعدُ بدعةً إلحادا

* * *

قالوا: انته عنه إنّه ما صدقا

ما أجهل مَن بوعده قد وثقا

لالا فنتيجة الهوى صادقةٌ

مع كذب مقدِّمات وعدٍ سبقا

وذكر له القاضي في المجالس قوله:

لم أرض سوى هدي نبيٍّ ووليٍ

لا أتّبع الباطل والحقُّ جلي

في الشرِّ تراني إبن حرب بطلاً

لكن أنا من شيعة مولاي علي

وذكر له العلّامة النراقي في « الخزائن » ص ١١٥:

مذ غبت ألمّ في سقام وألمْ

كم أصبر في هواك؟ كم أصبر؟ كمْ؟

يا بدر! إلى وصالي ارجع وارحمْ

يا بدر! ألم يأن؟ ألم يأن؟ ألمْ؟

٤٣٧

ألقرن السّابع

٦٣

شمس الدين محفوظ

ألمتوفّى ح ٦٩٠

راق الصَّبوح ورقَّت الصَّهباءُ

وسرى النَّسيم وغنَّت الورقاءُ

وكسا الرَّبيع الأرض كلّ مدبّج

ليست تجيد مثاله صنعاءُ

فالأرض بعد العري إمّا روضةٌ

غنّاء أو ديباجةٌ خضراءُ

والطير مختلف اللحان فنايحٌ

ومطرَّبٌ مالت به الأهواءُ

والماء بين مدرَّجٍ ومجدولٍ

ومسلسلٍ جادت به الأنواءُ

وسرى النسيم على الرِّياض فضمَّخت

أثوابه عطريّة نكباءُ

كمديح آل محمّد سفن النجا

فبنظمه تتعطَّر الشّعراءُ

ألطيِّبون الطاهرون الراكعون

السّاجدون السّادة النّجباءُ

منهم عليُّ الأبطحيُّ الهاشميّ

اللّوذعيُّ إذا بدت ضوضاءُ

ذاك الأمير لدى « الغدير » أخو

البشير المستنير ومن له الأنباءُ

طهرت له الأصلاب من آبائه

وكذاك قد طهرت له الأبناءُ

أفهل يحيط الواصفون بمدحه

والذِّكر فيه مدائحٌ وثناءُ؟

ذو زوجة قد أزهرت أنوارها

فلأجل ذلكم اسمها الزَّهراءُ

وأئمّةٌ من ولدها سادت بها

المتأخِّرون وشرّف القدماءُ

مبداهمُ الحسن الزكيُّ ومَن إلى

أنسابه تتفاخر الكرماءُ

والطاهر المولى الحسين ومن له

رفعت إلى درجاتها الشّهداءُ

والنّدب زين العابدين الماجد

الندب الأمين الساجد البكّاءُ

والباقر العلم الشريف محمّد

مولىَ جميع فعاله آلاءُ

والصّادق المولى المعظّم جعفرٌ

حبرٌ مواليه هم السَّعداء

٤٣٨

وإمامنا موسى بن جعفر سيّدُ

بضريحه تتشرَّف الزَّوراءُ

ثمَّ الرِّضاعلم الهدى كنز التّقى

باب الرَّجا محيي الدُّجى الجلّاءُ

ثمَّ الجواد مع ابنه الهادي الذي

تهدي الورى آياته الغرّاءُ

والعسكريُّ إمامنا الحسن الذي

يغشاه من نور الجلال ضياءُ

والطاهر ابن الطاهرين ومَن له

في الخافقين من البهاء لواءُ

من يُصلح الأرضين بعد فسادها

حتّى يُصاحب ذيبهنَّ الشاءُ

أنا يا بن عمِّ محمّد أهواكمُ

وتطيب منّي فيكم الأهواءُ

واُكفّر النالين فيك وألعن

القالين إنّهمُ لديَّ سواءُ(١)

( ألشاعر )

ألشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمّد أبو محمّد الحلّي الأسدي. قطبٌ من أقطاب الفقاهة، وطودٌ راسٍ للعلم والأدب، كان متكئاً على أريكة الزَّعامة الدينيّة، ومرجعاً في الفتوى، ومنتجعاً لحلِّ المشكلات، وكهفاً تأوي إليه العفاة، والحكم الفاصل للدَّعاوي، ومن مشايخ الإجازة الرّاوين عن الشيخ نجم الدين المحقّق الحلّي المتوفّى ٦٦٧، ويروي عنه الحافظ المحقّق كمال الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حمّاد الليثي الواسطي. ويروي عن شارح القصائد السّبع العلويّات لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل قال في أوَّل الشرح: كنت قرأت هذه القصائد على شيخي الإمام العالم الفقيه المحقّق شمس الدين أبي محمّد محفوط بن وشاح قدس الله روحه وذلك بداره بالحلّة في صفر من سنة ثمانين وستمائة، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها. قال الأميني: أحسب أنَّ شارح القصائد هو صفيُّ الدين محمّد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي صاحب البائيّة في رثاء المترجم. والله العالم.

جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقّق الحلّي مكاتبات منها ما ذكره شيخنا صاحب المعالم في إجازة الكبيرة(٢) قال نقلاً عن الشهيد الأوَّل(٣) انّه كتب إلى الشيخ

____________________

١ - ذكرها العلامة السماوي في الطليعة ج ٢.

٢ - توجد في اجازات البحار للعلامة المجلسي ص ١٠٠.

٣ - شمس الدين محمد بن جمال مكى بن محمد العاملي النبطي الجزيني المستشهد سنة ٧٨٦ توجد ترجمته وترجمة أولاده وأحفاده في كتابنا شهداء الفضيلة ص ٨٠ - ٩٨.

٤٣٩

المحقّق نجم الدين السَّعيد أبياتاً من جملتها:

أغيب عنك وأشواقي تجاذبني

إلى لقائك جذب المغرم العاني

إلى لقاء حبيب شبه بدر دجى

وقد رماه بإعراضٍ وهجرانِ

ومنها:

قلبي وشخصك مقرونان في قرَن

عند انتباهي وعند النوم يغشاني

حللت عنّي حلَّ الروح في جسدي

فأنت ذكريَ في سرّي وإعلاني

لولا المخافة من كره ومن ملل

لطال نحوك تردادي وإتياني

يا جعفر بن سعيد يا إمام هدى

يا أوحد الدَّهر يا مَن ماله ثاني

إنِّي محبّك مغرىً غير مكترثٍ

لم يختلف أبداً في فضلك اثنانِ

ومنها:

في قلبك العلم مخزونٌ بأجمعه

تهدي به من ضلال كلّ حيرانِ

وفوك فيه لسانٌ حشوه حكمٌ

تروي به بزلال كلَّ ظمآنِ

وفخرك الرَّاسخ الرّاسي وزنت به

رضوىً فزاد على رضوى وثهلانِ

وحسن أخلاقك اللّاتي فضلت بها

كلَّ البريّة من قاصٍ ومن دان

تغني عن المأثرات الباقيات ومن

يحصي جواهر أجبال وكثبانِ

يا من علا درج العلياء مرتقياً

أنت الكبير العظيم القدر والشأنِ

فأجابه المحقّق بقوله:

لقد وافت قصائدك الغوالي

تهزُّ معاطف اللفظ الرَّشيقِ

فضضتُ ختامهنَّ فخلت أنّي

فضضت بهنَّ عن مسك فتيقِ

وجال الطرف منها في رياضٍ

كُسين بناظر الزَّهر الأنيقِ

فكم أبصرت من لفظٍ بديعٍ

يدلُّ به على المعنى الدَّقيقِ؟

وكم شاهدت من علم خفيٍّ

يقرِّب مطلب الفضل السحيقِ؟

شربت بها كؤساً من معاني

غنيت بشربهنَّ عن الرَّحيقِ

ولكنِّي حُملت بها حقوقاً

أخاف لنقلهنّ من العقوقِ

فسيِّر يا أبا الفضائل بي رويداً

فلست أطيق كفران الحقوقِ

٤٤٠