الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٢

الميزان في تفسير القرآن 0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 409

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 409
المشاهدات: 79700
تحميل: 4389


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79700 / تحميل: 4389
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في ذلك قاهر غيره فيجبره على الفعل أو يمنعه من الفعل كما في سائر أفعاله تعالى فإنّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

فلا ينافي ذلك كون فعله ملازماً لحكم و مصالح و مختلفاً باختلاف الاستعدادات لا يقع إلّا عن استعداد في المحلّ و صلاحية للقبول فإنّ استعداد المستعدّ ليس إلّا كسؤال السائل، فكما أنّ سؤال السائل إنّما يقرّبه من جود المسؤل و عطائه من غير أن يجبره على الإعطاء و يقهره كذلك الاستعداد في تقريبه المستعدّ لإفاضته تعالى و حرمان غير المستعدّ من ذلك فهو تعالى يفعل ما يشاء من غير أن يوجبه عليه شي‏ء أو يمنعه عنه شي‏ء لكنّه لا يفعل شيئاً و لا يفيض رحمة إلّا عن استعداد فيما يفيض عليه و صلاحية منه.

و قد أفاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال:( وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ ) الأنعام: ١٢٤ فإنّ الآية ظاهرة في أنّ الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة و أنّ الله سبحانه أعلم بالمورد الّذي يصلح لها و يستأهل لتلك الكرامة و هو غير هؤلاء المجرمين الماكرين و أمّا هم فليس لهم عندالله إلّا الصغار و العذاب لإجرامهم و مكرهم. هذا.

و من هنا يظهر فساد استدلال بعضهم بالآية على نفي المرجّح في مورد الرسالة و محصّل ما ذكره أنّ الآية تعلّق الرسالة على مجرّد المشيّة الإلهيّة من غير أن تقيّدها بشي‏ء، فالرسول إنّما ينال الرسالة بمشيّة من الله لا لاختصاصه بصفات تؤهّله لذلك و يرجّحه على غيره و وجه الفساد ظاهر ممّا تقدّم.

و نظيره في الفساد الاستدلال بالآية على كون الرسالة عطائيّة غير كسبيّة، و ذلك أنّه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل لا يفعل إلّا ما يشاء، و الاُمور العطائيّة و الكسبيّة في ذلك سواء، و لا شي‏ء يقع في الوجود إلّا بإذنه.

و قوله:( أَنْ أَنْذِرُوا أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) بيان لقوله:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) لكونه في معنى الوحي أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحي، و الإنذار

٢٢١

هو إخبار فيه تخويف، كما أنّ التبشير هو إخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو إعلام بالمحذور كما ذكره غيره، و التقدير على الأوّل أخبروهم مخوّفين بوحدانيّتي في الاُلوهيّة و وجوب تقواي، و على الثاني أعلموهم ذلك، على أن يكون( أَنَّهُ ) مفعولاً ثانياً لا منصوباً بنزع الخافض.

و قد علم بذلك أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) متفرّع على قوله:( لا إِلهَ إلّا أَنَا ) و الجملتان جميعاً مفعول ثان أو في موضعه لقوله:( أَنْذِرُوا ) و يوضح ذلك أنّ لا إله و هو الّذي يبتدئ منه و ينتهي إليه كلّ شي‏ء أو المعبود بالحقّ من لوازم صفة اُلوهيّته أن يتّقيه الإنسان لتوقّف كلّ خير و سعادة إليه، فلو فرض أنّه واحد لا شريك له في اُلوهيّته كان لازمه أن يتّقى وحده لأنّ التقوى و هو إصلاح مقام العمل فرع لما في مقام الاعتقاد و النظر، فعبادة الآلهة الكثيرين و الخضوع لهم لا يجامع الاعتقاد بإله واحد لا شريك له الّذي هو القيّوم على كلّ شي‏ء و بيده زمام كلّ أمر و لذا لم يؤمر نبيّ أن يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد، قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلّا نُوحِي إِلَيْهِ أنّه لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: ٢٥.

فالّذي اُمر الرسل بالإنذار به في الآية هو مجموع قوله:( أَنَّهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) و هو تمام الدين لاندراج الاعتقادات الحقّة في التوحيد و الأحكام العمليّة جميعاً في التقوى، و لا يعبؤ بما ذكره بعضهم أنّ قوله:( فَاتَّقُونِ ) للمستعجلين من الكفّار المذكورين في الآية الاُولى أو لخصوص كفّار قريش من غير أن يكون داخلاً فيما اُمر به الرسل من الإنذار.

قوله تعالى: ( خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالحقّ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) تقدّم معنى خلق السماوات و الأرض بالحقّ، و لازم خلقها بالحقّ أن لا يكون للباطل فيها أثر، و لذلك عقّبه بتنزيهه عن الشركاء الّذين يدعونهم ليشفعوا لهم عندالله و يهدوهم إلى الخير و يقوهم الشرّ فإنّهم من الباطل الّذي لا أثر له.

و في الآية و الآيات التالية لها احتجاج على وحدانيّته تعالى في الاُلوهيّة و الربوبيّة من جهتي الخلق و التدبير جميعاً فإنّ الخلق و الإيجاد آية الاُلوهيّة و

٢٢٢

كون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبيّة لأنّ الشي‏ء لا يكون نعمة بالنسبة إلى آخر إلّا عن ارتباط بينهما و اتّصال من أحدهما بالآخر يؤدّي إلى نظام جامع بينهما و تدبير واحد يجمعهما، و وحدة التدبير آية وحدة المدبّر فكون ما في السماوات و الأرض من مخلوق نعما للإنسان يدلّ على أنّ الله سبحانه وحده ربّه و ربّ كلّ شي‏ء.

قوله تعالى: ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) المراد به الخلق الجاري في النوع الإنسانيّ و هو جعل نسله من النطفة فلا يشمل آدم و عيسىعليهما‌السلام .

و الخصيم صفة مشبهة من الخصومة و هي الجدال، و الآية و إن أمكن أن تحمل على الامتنان حيث إنّ من عظيم المنّ أن يبدّل الله سبحانه بقدرته التامّة قطرة من ماء مهين إنساناً كامل الخلقة منطيقا متكلّما ينبئ عن كلّ ما جلّ و دقّ ببيانه البليغ لكن كثرة الآيات الّتي توبّخ الإنسان و تقرّعه على وقاحته في خصامه في ربّه كقوله تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) يس: ٧٨ ترجّح أن يكون المراد بذيل الآية بيان وقاحة الإنسان.

و يؤيّد ذلك أيضاً بعض التأييد ما في ذيل الآية السابقة من تنزيهه تعالى من شركهم.

قوله تعالى: ( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) الأنعام جمع نعم و هي الإبل و البقر و الغنم سمّيت بذلك لنعمة مسّها بخلاف الحافر الّذي يصلب كذا في المجمع، و في المفردات: الدف‏ء خلاف البرد. انتهى. و كأنّ المراد بالدف‏ء ما يحصل من جلودها و أصوافها و أوبارها من الحرارة للاتّقاء من البرد، أو المراد بالدف‏ء ما يدفؤء به.

و المراد بالمنافع سائر ما يستفاد منها لغير الدف‏ء من أصوافها و أوبارها و جلودها و ألبانها و شحومها و غير ذلك، و قوله:( لَكُمْ ) يمكن أن يكون متعلّقا بقوله:( خَلَقَها ) و يكون قوله:( فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ ) حالا من ضمير( خَلَقَها ) و

٢٢٣

يمكن أن يكون( لَكُمْ ) ظرفا مستقرّاً متعلّقاً بالجملة الثانية أي في الأنعام دف‏ء كائنا لكم.

قوله تعالى: ( وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) الجمال الزينة و حسن المنظر، قال في المجمع: الإراحة ردّ الماشية بالعشيّ من مراعيها إلى منازلها و المكان الّذي تراح فيه مراح، و السروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة، يقال: سرحت الماشية سرحا و سروحا و سرحها أهلها. انتهى.

يقول تعالى: و لكم في الأنعام منظر حسن حين تردّونها بالعشي إلى منازلها و حين تخرجونها بالغداة إلى مراعيها.

قوله تعالى: ( وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‏ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) الأثقال جمع ثقل و هو المتاع الّذي يثقل حمله و المراد بقوله:( بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) مشقّة تتحمّلها الأنفس في قطع المسافات البعيدة و المسالك الصعبة.

و المراد أنّ الأنعام كالإبل و بعض البقر تحمل أمتعتكم الثقيلة إلى بلد ليس يتيسّر لكم بلوغها إلّا بمشقّة تتحمّلها أنفسكم فرفع عنكم المشاقّ بخلقها و تسخيرها لكم إنّ ربّكم رؤف رحيم.

قوله تعالى: ( وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) معطوف على الأنعام فيما مرّ أي و الخيل و البغال و الحمير خلقها لكم لتركبوها، و زينةً أي إنّ في خلقها ارتباطاً بمنافعكم و ذلك أنّكم تركبونها و تتّخذونها زينة و جمالاً، و قوله:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) أي يخلق ما لا علم لكم به من الحيوان و غيره، و سخّرها لكم لتنتفعوا بها، و الدليل على ما قدّرناه هو السياق.

قوله تعالى: ( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) القصد - على ما ذكره الراغب و غيره - استقامة الطريق و هو كونه قيّما على سالكيه أوصلهم إلى الغاية، و الظاهر أنّ المصدر بمعنى الفاعل و الإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها و المراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله:( و منها جائر) أي و من السبيل ما

٢٢٤

هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها و يضلّهم عنها.

و المراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة و الفلاح و إذ لا حاكم غيره يحكم عليه فهو الّذي أوجب على نفسه أن يجعل لهم طريقاً هذا نعته ثمّ يهديهم إليه أمّا الجعل فهو ما جهّز الله كلّ موجود و منها الإنسان من القوى و الأدوات بما لو استعملها كما نظمت أدّته إلى سعادته و كماله المطلوب قال تعالى:( الَّذِي أَعْطى‏ كلّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه: ٥٠ و قال في الإنسان خاصّة:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) الروم: ٣٠.

و أمّا الهداية فهي الّتي فعلها من ناحية الفطرة و ثنّاها بما من طريق بعث الرسل و إنزال الكتب و تشريع الشرائع قال تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الشمس: ٨ و قال:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الدهر: ٣.

و إنّما أدرج سبحانه هذه الآية بين هذه الآيات الّتي سياقها عدّ النعم العلويّة و السفليّة من السماء و الأرض و الأنعام و الخيل و البغال و الحمير و الماء النازل من السماء و الزرع و نظائرها لما أنّ الكلام انجرّ في آيتي الأنعام و الخيل إلى معنى قطع الطرق و ركوب المراكب فناسب أن يذكر ما أنعم به من الطريق المعنويّ الموصل للإنسان إلى غايته الحقيقيّة يبتغيها في مسير الحياة كما أنعم بمثله في عالم المادّة و نشأة الصورة.

فذكر سبحانه أنّ من نعمه الّتي منّ بها على عباده أن أوجب على نفسه لهم سبيلا قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم و هداهم إليه.

و قد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لأنّ سبيل الضلال ليس سبيلاً مجعولاً له و في عرض سبيل الهدى و إنّما هو الخروج عن السبيل و عدم التلبّس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة و إنّما هو عدم السبيل.

و كيف كان فالآية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى و ترك نسبة السبيل

٢٢٥

الجائر المؤدّي بسبب المقابلة إلى نفي نسبته إليه تعالى.

و إذ كان من الممكن أن يتوهّم أنّ لازم جعله قصد السبيل أن يكون مكفوراً في نعمته مغلوباً في تدبيره و ربوبيّته حيث جعل السبيل و لم يسلكه الأكثرون و هدى إليه و لم يهتد به المدعوّون دفعه بقوله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) أي إنّ عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلّفين و ظهورهم عليه بل لأنّه تعالى لم يشأ ذلك و لو شاء لم يسعهم إلّا أن يهتدوا جميعاً فهو القاهر الغالب على كلّ حال.

و بعبارة اُخرى السبيل القاصد الّذي جعله الله تعالى هو السبيل المبنيّ على اختيار الإنسان يقطعه بإتيان الأعمال الصالحة و اجتناب المعاصي عن اختيار منه، و ما هذا شأنه لم يكن ممّا يجبر عليه و لا عامّاً للجميع فإنّ الطبائع متنوّعة و التراكيب مختلفة و لا محالة تتنوّع آثارها، و يختلف الأفراد بالإيمان و الكفر و التقوى و الفجور و الطاعة و المعصية.

و الآية ممّا تشاجرت فيها الأشاعرة و المعتزلة من فرق المسلمين فاستدلّت المعتزلة بأنّ تغيير الاُسلوب بجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدلالة على ما يجوز إضافته إليه تعالى و ما لا يجوز كما ذكره في الكشّاف.

و تكلّفت الأشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بأنّ السبيلين جميعاً منه تعالى و إنّما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدّباً، و من مجيب بأنّ المراد بقوله:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أنّ عليه تعالى بيان السبيل الحقّ فضلاً و كرماً منه دون بيان السبيل الجائر و أمّا أصل الجعل فهما جميعاً مجعولان له تعالى، و من منكر أن يكون تغيير الاُسلوب في الآية لأمر مطلوب.

و الحقّ أنّ دلالة الآية على كون قصد السبيل مضافاً إليه تعالى دون السبيل الجائر ممّا لا ريب فيه لكنّ ذلك لا يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقاً لغيره تعالى لما تقدّم أنّ سبيل الضلال ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما أنّ الضلال عدم الهدى فليس بأمر موجود حتّى ينسب خلقه و إيجاده إليه تعالى

٢٢٦

و إنّما ينسب الضلال إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضالّ أي عدم إيجاده الهدى في نفسه.

و مع ذلك فالّذي ينسب إليه من الضلال كما في قوله:( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) فاطر: ٨ و قوله:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) البقرة: ٢٦ هو الضلال بطريق المجازاة دون الضلال الابتدائيّ، كما يفسره قوله:( وَ ما يُضِلُّ بِهِ إلّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦ فإذا فسق الإنسان و خرج بسوء اختياره عن زيّ العبوديّة بأن عصى و لم يرجع و هو ضلاله الابتدائيّ من قبل نفسه جازاه الله بالضلال بأن أثبته على حاله و لم يقض عليه الهدى.

و أمّا الضلال الابتدائي من الإنسان فإنّما هو انكفاف و قصور عن الطاعة و قد هداه الله من طريق الفطرة و دعوة النبوّة.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) شروع في نوع آخر من النعم و هي النعم النباتيّة الّتي يقتات بها الإنسان و غيره و ما سخّر له لتدبير أمرها كالليل و النهار و الشمس و القمر و ما يحذو حذوها، و لذلك غيّر السياق فقال:( هُوَ الَّذِي ) إلخ، و لم يقل: و أنزل من السماء.

و قوله:( تُسِيمُونَ ) من الإسامة و هي رعي المواشي و منه السائمة للماشية الراعية و( مِنَ ) الاُولى تبعيضيّة و الثانية نشؤيّة و الشجر من النبات ما له ساق و ورق و ربّما توسّع فاُطلق على ذي الساق و غيره جميعاً، و منه الشجر المذكور في الآية لمكان قوله:( فِيهِ تُسِيمُونَ ) و الباقي واضح.

قوله تعالى: ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) إلخ، الزيتون شجر معروف و يطلق على ثمره أيضاً يقال: إنّه اسم جنس جمعيّ واحده زيتونة، و كذا النخيل، و يطلق على الواحد و الجمع، و الأعناب جمع عنبة و هي ثمرة شجرة الكرم و يطلق على نفس الشجرة كما في الآية، و السياق يفيد أنّ قوله:( وَ مِنْ كلّ الثَّمَراتِ ) تقديره و من كلّ الثمرات أنبت أشجارها. و لعلّ التصريح بأسماء هذه الثمرات الثلاث بخصوصها و عطف الباقي عليها لكونها ممّا يقتات بها غالبا.

٢٢٧

و لما كان في هذا التدبير العامّ الوسيع الّذي يجمع شمل الإنسان و الحيوان في الارتزاق به حجّة على وحدانيّته تعالى في الربوبيّة ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ ) إلى آخر الآية قد تكرّر الكلام في معنى تسخير الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم، و لكون كلّ من المذكورات و كذا مجموع الليل و النهار و مجموع الشمس و القمر و النجوم ذا خواصّ و آثار في نفسه من شأنه أن يستقلّ بإثبات وحدانيّته في ربوبيّته تعالى ختم الآية بقوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فجمع الآيات في هذه الآية بخلاف الآيتين السابقة و اللاحقة.

قوله تعالى: ( وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) الذرء الخلق، و اختلاف ألوان ما ذرأه في الأرض غير ما مرّ كما يختلف ألوان المعادن و سائر المركّبات العنصريّة الّتي ينتفع بها الإنسان في معاشه و لا يبعد أن يكون اختلاف الألوان كناية عن الاختلاف النوعيّ بينها فتقرب الآية مضموناً من قوله تعالى:( وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى‏ بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‏ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ) الرعد: ٤ و قد تقدّم تقريب الاستدلال به.

و اختلاف الألوان فيما ذرأ في الأرض كإنبات الشجر و الثمر أمر واحد يستدلّ به على وحدانيّته في الربوبيّة و لذا قال:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ) و لم يقل: لآيات.

و هذه حجج ثلاث نسب الاُولى إلى الّذين يتفكّرون، و الثانية إلى الّذين يعقلون، و الثالثة إلى الّذين يتذكّرون، و ذلك أنّ الحجّة الاُولى مؤلّفة من مقدّمات ساذجة يكفي في إنتاجها مطلق التفكّر، و الثانية مؤلّفة من مقدّمات علميّة لا يتيسّر فهمها إلّا لمن غار في أوضاع الأجرام العلويّة و السفليّة و عقل آثار حركاتها و انتقالاتها، و الثالثة مؤلّفة من مقدّمات كلّيّة فلسفيّة إنّما ينالها الإنسان

٢٢٨

بتذكّر ما للوجود من الأحكام العامّة الكلّيّة كاحتياج هذه النشأة المتغيّرة إلى المادّة و كون المادّة العامّة واحدة متشابهة الأمر، و وجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقيّة إلى أمر آخر وراء المادّة الواحدة المتشابهة.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) إلخ و هذا فصل آخر من النعم الإلهيّة و هو نعم البحر و الجبال و الأنهار و السبل و العلامات و كان ما تقدّمه من الفصل مشتملاً على نعم البرّ و السهل من الأشجار و الأثمار و نحوها، و لذلك قال:( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ ) و لم يقل: و سخّر إلخ.

و الطريّ فعيل من الطراوة و هو الغضّ الجديد من الشي‏ء على ما ذكره في المفردات، و المخر شقّ الماء عن يمين و شمال، يقال: مخرت السفينة تمخر مخراً فهي ماخرة و مخر الأرض أيضاً شقّها للزراعة. على ما في المجمع و المراد بأكل اللحم الطريّ من البحر هو أكل لحوم الحيتان المصطادة منه، و باستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من أمثال اللؤلؤ و المرجان الّتي تتحلّى و تتزيّن بها النساء.

و قوله:( وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) أي تشاهد السفائن تشقّ ماءه عن اليمين و الشمال، و لعلّ قوله:( وَ تَرَى ) من الخطابات العامّة الّتي لا يقصد بها مخاطب خاصّ و كثيراً ما يستعمل كذلك و معناه يراه كلّ راء و يشاهده كلّ من له أن يشاهد فليس من قبيل الالتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد.

و قوله:( وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و لتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر و إرسال السفائن فيه و الجملة معطوفة على محذوف و التقدير و ترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا و كذا و لتبتغوا من فضله، و هو كثير النظير في كلامه تعالى.

و قوله:( وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي و من الغايات في تسخير البحر و إجراء الفلك فيه شكركم له المرجوّ منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد أغناكم بما أنعم

٢٢٩

عليكم في البرّ عن أن تتصرّفوا في البحر بالغوص و إجراء السفن و غير ذلك لكنّه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلّكم تشكرونه على هذا الزائد فإنّ الإنسان قليلاً ما يتنبّه في الضروريّات أنّها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه و لو شاء لقطعها و أمّا الزوائد النافعة فهي أقرب من هذا التنبّه و الانتقال.

قوله تعالى: ( وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) قال في المجمع: الميد الميل يميناً و شمالاً و هو الاضطراب ماد يميد ميدا. انتهى.

و قوله:( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) أي كراهة أن تميد بكم أو أن لا تميد بكم و المراد أنّه طرح على الأرض جبالاً ثوابت لئلّا تضطرب و تميل يميناً و شمالاً فيختلّ بذلك نظام معاشكم.

و قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل فيها أنهاراً تجري بمائها و تسوقه إلى مزارعكم و بساتينكم و تسقيكم و ما عندكم من الحيوان الأهليّ.

و قوله:( وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) معطوف على قوله:( وَ أَنْهاراً ) أي و جعل سبلا لغاية الاهتداء المرجوّ منكم، و السبل منها ما هي طبيعيّة و هي المسافات الواقعة بين بقعتين من الأرض الواصلة إحداهما بالاُخرى من غير أن يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين، و منها ما هي صناعيّة و هي الّتي تتكوّن بعبور المارّة و آثار الأقدام أو يعملها الإنسان.

و الظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين، و لا ضير في نسبة ما جعله الإنسان إلى جعله تعالى كما نسب الأنهار و العلامات إلى جعله تعالى و أكثرها من صنع الإنسان و كما نسب ما عمله الإنسان من الأصنام و غيرها إلى خلقه تعالى في قوله:( وَ اللهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ ) الصافّات: ٩٦.

و ذلك أنّها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى و جعل الشي‏ء ذي الأثر جعل لأثره بوجه و إن لم يكن جعلاً مستقيماً من غير واسطة.

قوله تعالى: ( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) العلامات جمع علامة و هي ما

٢٣٠

يعلم به الشي‏ء، و هو معطوف على قوله:( أَنْهاراً ) أي و جعل علامات تستدلّون بها على الأشياء الغائبة عن الحسّ و هي كلّ آية و أمارة طبيعيّة أو وضعيّة تدلّ على مدلولها و منها الشواخص و النصب و اللغات و الإشارات و الخطوط و غيرها.

ثمّ ذكر سبحانه الاهتداء بالنجوم فقال:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) و لعلّ الالتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرّز عن تكرار( تَهْتَدُونَ ) بصيغة الخطاب في آخر الآيتين.

و الآية السابقة:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) المتضمّنة لمسألة الهداية المعنويّة الّتي هي كالمعترضة بين الآيات العادّة للنعم الصوريّة و إن كان الأنسب ظاهراً أن يوضع بعد هذه الآية أعني قوله:( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) المتعرّضة هي و ما قبلها للهداية الصوريّة غير أنّ ذلك لم يكن خاليا من اللبس و إيهام التناقض بخلاف موقعها الّذي هي واقعة فيه و إن كانت كالمعترضة كما هو ظاهر.

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ - إلى قوله -إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) الآيات تقرير إجماليّ للحجّة المذكورة تفصيلاً في ضمن الآيات الستّ عشرة الماضية و استنتاج للتوحيد و هي حجّة واحدة اُقيمت لتوحيد الربوبيّة، و ملخّصها أنّ الله سبحانه خالق كلّ شي‏ء فهو الّذي أنعم بهذه النعم الّتي لا يحيط بها الإحصاء الّتي ينتظم بها نظام الكون، و هو تعالى عالم بسرّها و علنها فهو الّذي يملك الكلّ و يدبّر الأمر فهو ربّها، و ليس شي‏ء ممّا يدعونه على شي‏ء من هذه الصفات فليست أرباباً فالإله واحد لا غير و هو الله عزّ اسمه.

و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم أنّ الآيات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة و طريق النعمة، بيان الفساد أنّ طريق الخلقة وحدها إنّما تثبت الصانع و وحدانيّته في الخلق و الإيجاد، و الوثنيّون - و إليهم وجه الكلام في الآيات - لا ينكرون وجود الصانع و لا أنّ الله سبحانه خالق الكلّ حتّى أوثانهم و أن أوثانهم ليسوا بخالقين لشي‏ء و إنّما يدّعون لأوثانهم تدبير أمر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم و الشفاعة عند الله فلا يفيد إثبات الصانع تجاه هؤلاء شيئاً.

٢٣١

و إنّما سيقت آيات الخلقة لتثبيت أمر النعمة إذ من البيّن أنّه إذا كان الله سبحانه خالقاً لكلّ شي‏ء موجوداً له كانت آثار وجودات الأشياء و هي النعم الّتي يتنعّم بها له سبحانه كما أنّ وجوداتها له ملكاً طلقاً لا يقبل بطلاناً و لا نقلاً و لا تبديلاً فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شي‏ء حتّى الّذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنّه و ما له من أثر هو لله وحده.

و لذلك ضمّ إلى حديث الخلق و الإنعام قوله تعالى:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) لأنّ مجرّد استناد الخلق و الإنعام إلى شي‏ء لا يستلزم ربوبيّته و لا يستوجب عبادته لو لا انضمام العلم إليهما ليتمّ بذلك أنّه مدبّر يهدي كلّ شي‏ء إلى كماله المطلوب له و سعادته المكتوبة في صحيفة عمله، و من المعلوم أنّ العبادة إنّما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوماً بسمة العلم عالماً بعبادة من يعبده شاهداً لخضوعه.

فمجموع ما تتضمّنه الآيات من حديث الخلق و النعمة و العلم مقدّمات لحجّة واحدة اُقيمت على توحيد الربوبيّة الّذي ينكره الوثنيّة كما عرفت.

فقوله:( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ) قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه و نفي للمساواة، و الاستفهام للإنكار، و المراد بمن لا يخلق آلهتهم الّذين يدعونهم من دون الله.

و بيانه - كما ظهر ممّا تقدّم - أنّ الله سبحانه يخلق الأشياء و يستمرّ في خلقها فلا يستوي هو و من لا يخلق شيئاً فإنّه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها و آثار وجوداتها الّتي هي الأنظمة الخاصّة بها و النظام العامّ الجاري عليها.

و قوله:( وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) إلخ، إشارة إلى كثرة النعم الإلهيّة كثرة خارجة عن حيطة الإحصاء، و بالحقّيقة ما من شي‏ء إلّا و هو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلّيّ و إن كان ربّما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.

و قد علّل سبحانه ذلك بقوله:( إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) و هو من ألطف التعليل و أدقّه فأفاد سبحانه أنّ خروج النعمة عن حدّ الإحصاء إنّما هو من بركات اتّصافه تعالى بصفتي المغفرة و الرحمة فإنّه بمغفرته - و المغفرة هي الستر - يستر ما في الأشياء

٢٣٢

من وبال النقص و شوهة القصور، و برحمته - و الرحمة إتمام النقص و رفع الحاجة - يظهر فيها الخير و الكمال و يحلّيها بالجمال فببسط المغفرة و الرحمة على الأشياء يكون كلّ شي‏ء نافعاً في غيره خيراً مطلوباً عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالأشياء بعضها نعمة لبعض فللنعمة الإلهيّة من السعة و العرض ما لمغفرته و رحمته من ذلك: فإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، فافهم ذلك.

و الآية من الموارد الّتي استعملت فيها المغفرة في غير الذنب و المعصية للأمر المولويّ هو المعروف عند المتشرّعة.

و قوله:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) إشارة إلى الركن الثالث من أركان الربوبيّة و هو العلم فإنّ الإله لو كان غير متّصف بالعلم استوت العبادة و اللّاعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغواً لا أثر لها.

فمن الواجب في الربّ المعبود أن يكون له علم و لا كلّ علم، كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده و باطنه فإنّ العبادة متقوّمة بالنيّة فهي إنّما تقع عبادة حقيقة إذا اُتي بها عن نيّة صالحة و هو ممّا يرجع إلى الضمير فلا يتمّ العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها إلّا بعد إحاطة المعبود بظاهر من يعبده و باطنه لكنّ الله سبحانه عليم بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه كما أنّه خالق منعم و يستحقّ بذلك أن يعبد.

و من هنا يظهر وجه اختيار ما في الآية من التعبير لبيان علمه فلم يعبّر بمثل قوله:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) و قوله:( وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) بل قال:( وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ ) فذكر العلم بالإسرار و الإعلان، و أضافه إلى الإنسان لأنّ الكلام في عبادة الإنسان لربّه، و الواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح و القلب جميعاً أن يكون عالماً بما يسرّه الإنسان و ما يعلنه من النيّة القلبيّة و الأحوال و الحركات البدنيّة.

و قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شيئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الأوّل من أركان الربوبيّة في آلهتهم الّذين يدعون من دون الله

٢٣٣

و يتفرّع عليه الركن الثاني و هو إيتاء النعمة، فليس الّذين يدعونهم آلهة و أربابا و الله الربّ.

و قوله:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) إشارة إلى فقدان الركن الثالث من أركان الربوبيّة في أصنامهم و هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون و قد بالغ في نفي ذلك فنفى أصل الحياة المستلزم لنفي مطلق العلم فضلاً عن نوعه الكامل الّذي هو العلم بما يسرّون و ما يعلنون فقال:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) فأثبت الموت أوّلاً و هو لا يجامع الشعور ثمّ أكّده بنفي الحياة ثانياً.

و خصّ من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبّادهم من الناس فقال:( وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) أي ما يدري الأصنام أيّان يبعث عبادهم فإنّ العبادة هي الّتي يجزى بها الإنسان يوم البعث فمن الواجب في الإله المعبود أن يعلم متى يوم البعث حتّى يجزي عبّاده فيه عن عبادتهم، و هؤلاء لا يدرون شيئاً من ذلك.

و من هنا يظهر أنّ أوّل ضميري الجمع( يَشْعُرُونَ ) للأصنام و الثاني( يُبْعَثُونَ ) للمشركين، و أمّا إرجاعهما كليهما إلى الأصنام فغير مرضيّ لأنّ العلم بالبعث مختصّ به سبحانه محجوب عن غيره و لا يختصّ الجهل به بالأصنام، و أردأ منه قول بعضهم: إنّ ضميري الجمع معاً في الآية عائدان إلى المشركين. هذا.

و الآيات و إن كانت مسوقة بظاهرها لنفي ربوبيّة الأصنام لكنّ البيان بعينه بأدنى دقّة جار في أرباب الأصنام كالملائكة المقرّبين و الجنّ و الكمّلين من البشر و الكواكب من كلّ ما يعبده الوثنيّون فإنّ صفات الخلق و الإنعام و العلم لا تقوم بالأصالة و الاستقلال إلّا بالله سبحانه، و لا ربوبيّة حقيقة إلّا بالأصالة و الاستقلال، فافهم.

و في الآيتين أعني قوله:( وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ - إلى قوله -يُبْعَثُونَ ) التفات من الخطاب إلى الغيبة، و لعلّ النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما و المشركون لا يقولون به فحوّل الخطاب منهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتوسّل بذلك إليه من غير اعتراض.

٢٣٤

و قوله:( إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) بيان لنتيجة الحجّة الّتي اُقيمت في الآيات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقّف عليه الاُلوهيّة و هي المعبوديّة بالحقّ، و غيره تعالى ممّن يدعون من دونه غير واجد لشي‏ء ممّا تتوقّف عليه و هو الخلق و الإنعام و العلم فإلهكم الّذي يحقّ له أن يعبد واحد و لازم معناه أنّه الله عزّ اسمه.

( بحث روائي)

في المجمع، أربعون آية من أوّلها مكّيّة و الباقي من قوله:( وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ) إلى آخر السورة مدنيّة، عن الحسن و قتادة، و قيل: مكّيّة كلّها غير ثلاث آيات نزلت في انصراف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اُحد:( وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا ) إلى آخر السورة نزلت فيما بين مكّة و المدينة عن ابن عبّاس و عطاء و الشعبيّ، و في إحدى الروايات عن ابن عباس: بعضها مكّيّ و بعضها مدنيّ فالمكّيّ من أوّلها إلى قوله:( وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ، و المدنيّ قوله:( وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلًا - إلى قوله -بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

أقول: و قد قدّمنا أنّ الّذي يعطيه السياق خلاف ذلك كلّه فراجع.

و في تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: إذا أخبر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشي‏ء إلى وقت فهو قوله:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) حتّى يأتي ذلك الوقت و قال: إنّ الله إذا أخبر أنّ شيئاً كائن فكأنّه قد كان.

أقول: كأنّه إشارة إلى أنّ التعبير في الآية بلفظ الماضي لتحقّق الوقوع.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: لما نزلت:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ ) ذعر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نزل( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) فسكنوا.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إنّ هذا يزعم أنّ أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى تنظروا ما هو كائن فلمّا

٢٣٥

رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل.

فنزلت:( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ) الآية فقالوا: إنّ هذا يزعم مثلها أيضاً فلمّا رأوا أنّه لا ينزل شي‏ء قالوا: ما نراه نزل شي‏ء فنزل:( وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) الآية.

أقول: و الرواية تدلّ على أنّ المسلمين كان بينهم قبل الهجرة منافقون كما يشهد به بعض آخر من الروايات.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترتفع في السماء حتّى تملأ السماء ثمّ ينادي مناد: يا أيّها الناس! فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم و منهم من يشكّ ثمّ ينادي الثانية: يا أيّها الناس فيقول الناس: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم ثمّ ينادي: أيّها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فوالّذي نفسي بيده إنّ الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه و إنّ الرجل ليملؤ حوضه فما يسقي فيه شيئاً، و إنّ الرجل ليحلب ناقته فما يشربه و يشغل الناس.

أقول: و قد رام بعضهم أن يستفيد من هذه الروايات الثلاث - و في معناها بعض روايات اُخر - أنّ المراد بالأمر هو يوم القيامة و لا دلالة فيها على ذلك.

أمّا الرواية الاُولى فلا يدلّ ذعرهم أنّهم فهموا منها ذلك فإنّ أمر الله أيّا ما كان ممّا يهيب عباده على أنّه لا حجّة في فهمهم و ليس الشبهة مفهوميّة حتّى يرجع إليهم بما هم أهل اللسان.

على أنّ الرواية لا تخلو عن شي‏ء فإنّ الله سبحانه يعدّ الاستعجال بالقيامة من صفات الكفّار و يذمّهم عليه و يبرّئ المؤمنين منه قال:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ) الشورى: ١٨ و قد مرّت الإشارة إليه في البيان المتقدّم هذا إذا كان الخطاب في قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) للمؤمنين، و أمّا إذا كان المخاطب به المشركين و هم

٢٣٦

كانوا يستعجلونه، فمعنى النهي عن استعجالهم هو حلول الأجل و قرب الوقوع لا الإمهال و الإنظار، و لا معنى حينئذ لسكونهم لما سمعوا قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

و أمّا الرواية الثانية فظاهرها أنّهم فهموا منها العذاب الدنيويّ دون الساعة فهي تؤيّد ما قدّمناه في البيان لا ما ذكروه.

و أمّا الرواية الثالثة فأقصى ما تدلّ عليه أنّ قيام الساعة من مصاديق إتيان أمر الله و لا ريب في ذلك و هو غير كون المراد بالأمر في الآية هو الساعة.

و في كتاب الغيبة، للنعمانيّ بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: هو أمرنا أمر الله عزّوجلّ فلا يستعجل به يؤيّده بثلاثة أجناد: الملائكة و المؤمنون و الركب، و خروجه كخروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ذلك قوله:( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحقّ ) .

أقول: و رواه المفيد في كتاب الغيبة، عن عبد الرحمن عنهعليه‌السلام ‏، و مراده ظهور المهديّعليه‌السلام كما صرّح به في روايات اُخر و هو من جري القرآن أو بطنه.

و في الكافي، بإسناده عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أميرالمؤمنينعليه‌السلام يسأله عن الروح أ ليس هو جبرئيل؟ فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة و الروح غير جبرئيل، فكبر ذلك على الرجل فقال له: لقد قلت عظيما من القول ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل. فقال له أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول الله لنبيّه:( أَتى‏ أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) و الروح غير الملائكة.

أقول: و هو يؤيّد ما قدّمناه، و في روايات اُخر: أنّه خلق أعظم من جبرئيل.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) قالعليه‌السلام : خلقه من قطرة من ماء مهين فيكون خصيماً متكلّماً بليغاً.

و فيه، في قوله تعالى:( حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ ) قالعليه‌السلام : حين ترجع من المرعى و حين تخرج إلى المرعى.

و في تفسير العيّاشيّ، عن زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن أبوال الخيل

٢٣٧

و البغال و الحمير قال: نكرهها، قلت: أ ليس لحمها حلالا؟ قال: فقال: أ ليس قد بيّن الله لكم:( وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) و قال في الخيل و البغال و الحمير:( لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً ) فجعل الأكل من الأنعام الّتي قصّ الله في الكتاب، و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير و ليس لحومها بحرام و لكنّ الناس عافوها.

أقول: و الروايات في الخيل و البغال و الحمير مختلفة و مذهب أهل البيتعليهم‌السلام حلّيّة أكل لحومها على كراهية.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) قال: قالعليه‌السلام : العجائب الّتي خلقها الله في البرّ و البحر.

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ ) أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن الأنباري في المصاحف عن عليّ أنّه كان يقرأ هذه الآية:( فمنكم جائر) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: هو الجدي لأنّه نجم لا يدور عليه بناء القبلة، و به يهتدي أهل البرّ و البحر.

أقول: و هو مرويّ عن الصادقعليه‌السلام أيضا.

و في الكافي، بإسناده عن داود الجصّاص قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:( وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و العلامات الأئمّةعليهم‌السلام .

أقول: و رواه أيضاً بطريقين آخرين عنه و عن الرضاعليهما‌السلام و رواه العيّاشيّ و القمّيّ في تفسيريهما، و الشيخ في أماليه، عن الصادقعليه‌السلام .

و ليس بتفسير و إنّما هو من البطن و من الدليل عليه‏ ما رواه الطبرسيّ في المجمع، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : نحن العلامات و النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لقد قال: إنّ الله جعل النجوم أماناً لأهل السماء و جعل أهل بيتي أماناً لأهل الأرض.

٢٣٨

( سورة النحل الآيات ٢٢ - ٤٠)

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( ٢٢ ) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( ٢٣ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( ٢٤ ) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ( ٢٥ ) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ( ٢٦ ) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ  قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ( ٢٧ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ  فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ  بَلَىٰ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٨ ) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا  فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( ٢٩ ) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ  قَالُوا خَيْرًا  لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ  وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ( ٣٠ ) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ  كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ ( ٣١ ) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ  يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٣٢ ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ

٢٣٩

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( ٣٣) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ( ٣٤) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ  كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ( ٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ  فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ  فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ( ٣٦) إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ  وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ( ٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ  لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ  بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( ٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ( ٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٠)

( بيان)

هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة، و قد كان الشطر الأوّل يتضمّن توحيد الربوبيّة و إقامة الحجّة على المشركين في ذلك بعد ما أنذرهم بإتيان الأمر و نزّه الله سبحانه عن شركهم.

و هذا الشطر الثاني يتضمّن ما يناسب المقام ذكره من مساوي صفات المشركين المتفرّعة على إنكارهم التوحيد و أباطيل أقوالهم كاستكبارهم على الله و استهزائهم

٢٤٠