الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه0%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف: حيدر محلاتي
تصنيف:

الصفحات: 345
المشاهدات: 68717
تحميل: 5219

توضيحات:

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68717 / تحميل: 5219
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

١١ - حياة الإمام محمّد الجواد عليه‌السلام :

في هذا الحقل تحدث الشيخ الفرطوسي عن : مولد الإمامعليه‌السلام ، نص الإمام الرضاعليه‌السلام على الإمام الجوادعليه‌السلام ، علمهعليه‌السلام ، تزويجه من إبنة المأمون ، معجزاته ، احتجاجاته ، احتجاجاته على يحيى بن أكثم ، شهادتهعليه‌السلام (١) .

١٢ - حياة الإمام علي الهادي عليه‌السلام :

تناول الشاعر في هذا الفصل : مولد الإمامعليه‌السلام ، علمه ، أجوبته على مسائل ابن السكيت ويحيى بن أكثم ، كلامه في الجبر والتفويض ، جوابه عن متشابهات من القرآن ، معاجزه ، وشهادتهعليه‌السلام (٢) .

١٣ - حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام :

استعرض الشيخ الفرطوسي في هذا الحقل المواضيع التالية : مولد الإمامعليه‌السلام ، علمه ، نماذج من تفسيره ، وقد أورد تفسير قوله تعالى : « بسم الله الرحمن الرحيم » وتفسير سبع آيات أُخر(٣) ، معاجزه ، وشهادتهعليه‌السلام (٤) .

١٤ - حياة الإمام المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه الشريف :

تطرق الشيخ الناظم في هذا الفصل إلى مواضيع عدّة ، منها : مولد الإمامعليه‌السلام ، اسمه ونسبه وألقابه ، إمامته ، الآيات المؤولة في الإمام

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٨ ، ص ١٣٧ - ١٥٨.

٢ - المصدر السابق ، ج ٨ ، ص ١٦١ - ١٧٩.

٣ - والآيات هي : البقرة : ٧ ، ٢٢ ، ٩٨. النساء : ١١. التوبة : ١٦. الرعد : ٣٩. فاطر : ٣٢.

٤ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٨ ، ص ١٨٣ - ١٩٧.

٢٦١

المهديعليهم‌السلام (١) ، الأحاديث النبوية في الإمام المنتظرعليه‌السلام ، ما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام في الإمام المهديعليه‌السلام ، دلائل إمامته ، قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأئمة اثنا عشر » من طرق أهل السنّة وبرواية ابن مسعود وابن عبّاس وعائشة والعباس بن عبدالمطلب عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي سعيد الخدري ، مصادر مئتين وثلاثة وسبعين حديثاً في أحوال الحجة المنتظرعليه‌السلام ، معاجزهعليه‌السلام ، خروجه في آخر الزمان ، وأربعون من ثقاة علماء السنّة يعترفون بالإمام المهديعليه‌السلام وينقلون في ذلك أحاديث نبوية شريفة(٢) .

ج - علوم القرآن

في ثلاثة مواضع خصص الشيخ الفرطوسي مساحات كبيرة من ملحمته لموضوع القرآن وما يتعلق بتفسيره وعلومه. وقد تطرق الشيخ في تلك المواضع إلى معارف قرآنية جليلة وبحوث قيمة ومضامين هامة وخطيرة تستحق العناية والبحث المعمق. والمواضع هي :

أولاً : الموضع الذي تحدّث فيه الشيخ الناظم عن رسالة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في علوم القرآن والتي شملت مواضيع قرآنية عدّة من قبيل : الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعموم والخصوص ، والعزائم والرخص ، والجدال والاحتجاج ، والترغيب والترهيب ، والقصص

__________________

١ - أورد الناظم مئة وأربعة وثلاثين آية شريفة في هذا الخصوص استقاها من كتابي : « إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات » للحر العاملي ، و « المحجة فيما نزل بالقائم الحجة » للسيد هاشم البحراني.

٢ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٨ ، ص ٢٠١ - ٢٩٥.

٢٦٢

والأمثال ، والتأويل والتفسير ، والاستدلال والقياس ، ومفاهيم قرآنية اُخرى(١) .

ثانياً : الموضع الذي خصه الناظم لتفسير الإمام الباقرعليه‌السلام للقرآن الكريم. وقد بدأه بمقدمات ، منها : الترجيع بقراءة القرآن ، وتنزيه القرآن من الباطل ، وذمّ المحرِّفين للقرآن ، والاستعمالات المجازية في القرآن ، ومواضيع اُخرى. وقد تطرق الناظم في جانب آخر من هذا الموضع إلى نماذج من تفسير الإمامعليه‌السلام معتمداً على كتاب « البرهان في تفسير القرآن » للسيد هاشم البحراني. وقد بلغ عدد الآيات المفسرة في هذا الموضع مئة وخمساً وتسعين آية شريفة(٢) .

ثالثاً : وهو فصل قائم بذاته ومستقل عن باقي موضوعات الملحمة وضعه الشيخ الفرطوسي خصيصاً لتفسير القرآن الكريم حيث بلغت الآيات المفسرة في هذا الفصل مئة وثلاثاً وستين آية شريفة(٣) .

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٣٥ - ٣٦٣.

٢ - المصدر السابق ، ج ٥ ، ص ٦٣ - ٢٣٠ ، ج ٧ ، ص ٣٥١ ، ٣٦٨.

٣ - المصدر السابق ، ج ٧ ، ص ١٦٧ - ٣٤٣.

٢٦٣

٣ - الخصائص :

للملحمة خصائص وقيم فنية كثيرة ، أشار إلى جملة منها السيد محمد باقر الصدر حين قدّم الملحمة قائلاً : « وجدت الملحمة فريدة في بابها ملأت فراغاً لم يكن قد ملئ حتى الآن في تراثنا الفكري والأدبي وقد استطاع الاستاذ المبدع الذي وضع هذه الملحمة أن يمزج فيها بين جلال العقيدة وقوة البرهان ونصاعة الاستدلال ونزاهة العرض ودقة التصوير من ناحية وبين قوّة الابداع وزخم الشعور وروعة الشعر وجمال التصوير من ناحية اُخرى ولئن كانت الملحمة تعبيراً عن أمجاد خير أمة اخرجت للناس ومفاهيمها العامة وتاريخها العظيم بكل ما يحمل من سمات الابداع والبطولة والايمان والتضحية والفداء فهي في نفس الوقت تعبير عن مدى القدرات الهائلة في لغة القرآن التي مكّنتها من أن تصور كل تلك الأمجاد وكل ذلك التاريخ الحافل بشعر ملتزم بكل ما يفرضه الشعر من التزامات الوزن والقافية ولم يفقد بسبب ذلك روعة الشعر وجماله وهي بالتالي تجسيد لألمعية هذا الشاعر الجليل الذي فجّر تلك القدرات بما أوتي من نبوغ في الشعر وتضلع في اللغة وعمق في الولاء وتفقه في الدين والتاريخ »(١) .

وللتوسع في الموضوع وتفصيل الكلام في خصوصيات وقيم الملحمة لابدّ من الحديث عن الميّزات التي انفردت بها الملحمة ، والجوانب المتعددة التي يمكن من خلالها تقييم الملحمة ونقدها. ومن الخصائص البارزة التي نقف عندها في هذا الفصل :

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٧ ، ٨.

٢٦٤

أولاً : وحدة الوزن والقافية

على الرغم من طول الملحمة التي جاوزت الأربعين ألف بيت ، وتعدد مواضيعها وتنوع مضامينها ، فإننا نرى أنّ الشاعر يلتزم فيها بحراً واحداً وهو الخفيف ، وقافية واحدة وهي الهمزة المكسورة. وقد أجاد الشاعر في اختياره هذا. فكما هو معروف فانّ بحر الخفيف - كما يتضح من تسميته - خفيف يتصف بالهدوء والرزانة ، الرزانة الباعثة على الحركة والتواصل لا على السكون والانقطاع. « وأكثر ما استعمل الخفيف عند القدامى في أغراض قريبة من مواطن الأداء النفسي كالتأمل والحكمة والرثاء ، كما استعمل لإبراز الحوار الداخلي ما بين الشاعر وأعماقه »(١) .

وأمّا القافية وهي الهمزة المكسورة فانّها من أفضل القوافي التي يمكن استخدامها في القصائد المطولة ذات النفس الملحمي المديد ، لكثرة مفرداتها وتنوع اشتقاقاتها اللغوية. فلذا كان التنوع اللغوي مشهوداً وملحوظاً في تمام أبيات الملحمة. وكما مرّ سابقاً فانّ الشاعر قد استخدم قافية واحدة فقط لم يحد عنها طوال أجزاء الملحمة الثمانية. ولعل ذلك يعود إلى الإحكام الذي توخاه الشاعر في نسيج قصيدته ، والتناسب الحاصل عادة بين الموسيقى الداخلية والخارجية في مثل هذا النوع من القصائد الموحدة القافية.

وهذا دأب شعراء النجف فانّهم ينظرون « إلى وحدة القافية نظرة اعتزاز ، ويعدونها أصلاً من أُصول الإبداع في القصيدة ، ومظهراً من مظاهر اكتمالها الفني ، ولا يحيدون عن وحدة القافية رغبة في التخلص منها ، بل اتباعاً لنماذج من الشعر العربي وفنونه ، كالموشح والمزدوجات »(٢) .

__________________

١ - علي عباس علوان : تطور الشعر العربي الحديث في العراق ، ص ٢٣٧.

٢ - عبدالصاحب الموسوي : حركة الشعر في النجف ، ص ٣٤١.

٢٦٥

ثانياً : الإسناد والتوثيق

حرص الشاعر منذ بداية ملحمته وحتى نهايتها على أن يدعم كلامه بالمصادر والمراجع المختلفة سواء مصادر أهل السنة أو المصادر الشيعية. وقلّما نجد موضوعاً أو بحثاً في الملحمة دون إسناد أو توثيق. فلذا امتازت الملحمة بقيمة علمية بالاضافة إلى قيمها الدينية والتاريخية والأدبية.

وتتنوع المصادر بتنوع الموضوعات التي طرقها الشيخ الفرطوسي في موسوعته الشعرية. فقد شملت مصادر في القرآن وتفسيره ، والحديث وروايته ، وكذلك مصادر في الفقه والاُصول ، والفلسفة والكلام ، والتاريخ والسيرة ، والعلوم والفنون ، والشعر والأدب ، وموضوعات كثيرة اُخرى.

ومن أبرز كتب أهل السنّة التي اعتمد عليها الشاعر في ملحمته يمكن الاشارة إلى المصادر التالية : في التفسير : تفسير الكشّاف للزمخشري ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير الطبري ، وتفسير البيضاوي. وفي التاريخ : تاريخ الطبري ، وتاريخ ابن كثير ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي. وفي الحديث : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وصحيح الترمذي ، ومسند ابن حنبل ، والمستدرك للحاكم ، والمعجم الصغير للطبراني ، وكنز العمال للمتقي الهندي. وفي الرجال : تذكرة الحفاظ للذهبي ، وأُسد الغابة لابن الأثير ، والطبقات الكبرى للشعراني. وفي الكلام : رسالة الاعتقاد لأبي بكر الشيرازي ، وشرح تجريد الاعتقاد للسيوطي.

أما المصادر الشيعية فهي كثيرة ، ففي التفسير : مجمع البيان للطبرسي ، والبرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني ، والبيان للسيد الخوئي. وفي الحديث : الكافي للشيخ الكليني ، والتهذيب للشيخ الطوسي ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي. وفي الكلام والاعتقاد :

٢٦٦

الاحتجاج للطبرسي ، وإحقاق الحق للسيد نور الله المرعشي التستري ، وحق اليقين للسيد عبدالله شبّر ، وعقائد الإمامية للسيد إبراهيم الزنجاني ، والمراجعات للسيد شرف الدين.

ثالثاً : الوضوح والشفافية

من جملة ما يلاحظ على معاني الشاعر في ملحمته أنّها معان واضحة ليس فيها تكلّف ولا تصنّع ، ولا إغراق في الخيال ولا مبالغة في التعبير ، ولعلّ ذلك يعود إلى الهدف الذي ارتسمه الشاعر في ملحمته وهو تأريخ حياة وفكر أهل البيتعليهم‌السلام ، والأحداث التي عاصروها لتكون وثيقة تاريخية قبل أن تكون وثيقة شعرية خالصة أو أثراً أدبياً بحتاً.

ومن هذا المنطلق حرص الشاعر على نقل الأحداث والوقائع نقلاً أميناً دون أن يفرض إرادته الفنية وقبل أن يستجيب لأحاسيسه وعواطفه. ومن أجل ذلك كان شعره - عدا النزر القليل - وثيقة دقيقة لمن أراد أن يعرف التأريخ الإسلامي ويطلّع على حياة أهل البيتعليهم‌السلام وعلى أفكارهم ومعارفهم القيمة.

ويواصل الشاعر تأدية معانيه بهذه الصورة الواضحة ومن غير تمويه وطلاء. فهو يهدف إلى سرد الحقائق سرداً واقعياً وحسيّاً دون إعمال الخيال والعاطفة. وإن شاب بعض أشعاره خيال فإمعاناً في الوضوح وزيادة في الجلاء. ومن هنا نرى الشاعر في كثير من المواضع يظهر ببزّة مؤرخ يروي الأحداث والوقائع كما جاءت في المصادر المعنية لا كما يراها هو. فمثلاً عندما يتناول غزوة من غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كغزوة بدر مثلاً نراه يتابع أحداثها ، ويلقي الضوء على وقائعها بموضوعية وأمانة تامة :

٢٦٧

إنّما المسلمون في يوم بدر

أقوياء في عدّة الضعفاء

أقوياء الإيمان والدين أقوى

شوكةٍ تستهين بالأقوياء

وقريش وقد تمادت لطه

في عداها أطغى من الكبرياء

حين جاءت بعدّة وعديد

تتبارى بالخيل والخيلاء

وأرادت عند البررجالاً

من قريش همُ من الأكفاء

فتصدى عبيدة وعلي

لهم بعد سيد الشهداء

والوليد الباغي وعتبة يتلو

شيبة في الصمود عند اللقاء

فتلاقى الأقران من كلّ صفٍ

والمنايا تضرى من الغلواء

وإذا بالطغاة بين صريع

وقتيل مقطع الأعضاء

وعليّ هو المجلّي جهاداً

وهو في الحرب فارس الهيجاء

قتل الله نوفلاً بيديه

بعد دعوىً من خاتم الأنبياء(١)

         

وهكذا دواليك في سائر أحداث الملحمة وباقي موضوعاتها المختلفة. فالسمة البارزة في أشعار الملحمة وخاصة الأشعار التاريخية تكمن في وضوح المعاني وشفافية المضامين والموضوعات.

رابعاً : سهولة البيان والألفاظ

اتجه الشاعر في لغته التعبيرية واُسلوبه البياني إلى اختيار ألفاظ سهلة ومفردات متداولة يسهل فهمها وتتبادر إلى الذهن بيسر وسرعة. وقد سار الشاعر في هذا الاتجاه في جميع الموضوعات التي تطرق إليها سواء الموضوعات

__________________

١ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ٢٦٦.

٢٦٨

المعقدة والصعبة أو المسائل المبسطة واليسيرة. فنلحظ مثلاً عندما يتطرق الشاعر إلى موضوعات كلامية عويصة كالجبر والتفويض مثلاً نجده ينهج المنهج السابق ويتناول الموضوع بكل بساطة وسهولة. يقول في هذا الشأن :

هو أمرٌ ما بين أمرين حقٌ

عن ضلال التفويض والجبر نائي

قرّرته أئمة الحق منّا

وهو يعزى لخيرة الأوصياء

وهو عند التحقيق والحق يبدو

لك بالعين عند كشف الغطاء

انّ ربّ العباد أولى امتناناً

كلّ عبد بمنّة وعطاء

وحباه إرادةً واختياراً

في جميع الأفعال عند الحباء

وله قدرة بترك المعاصي

وبفعل الطاعات وقت الأداء

طبق أصل يصدّه بالنواهي

عن إباحات سائر الأشياء

ولربّ العباد أمرٌ ونهيٌ

وحدودٌ موضوعةٌ للقضاء

وأمور طبق المصالح تجري

في القضايا من عالم بالخفاء

بعد تبيين منهج الغي منها

للبرايا ومنهج الإهتداء

قد هداه النجدين إمّا شكوراً

أو كفوراً بهذه النعماء

ويجازى المطيع من كل عبد

عند فعل الطاعات خير جزاء

ويعاني العاصي بسوء اختيار

عند عصيانه أشدّ البلاء

وهو حكم يقرّه العقل جزماً

وقضاء عدل بغير اعتداء

وقضاء الإله وهو مطاعٌ

نافذٌ حكمه بكلّ مُشاء

في جميع الطاعات أمرٌ وأجرٌ

ورضاه والعون للأولياء

والتخلّي والنهي والسخط منه

في المعاصي والذم للأشقياء(١)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٩٩ ، ١٠٠.

٢٦٩

وعلى هذه الشاكلة يسير الشاعر في لغته الشعرية نحو الألفاظ القريبة إلى الذهن والتي يكثر استعمالها في لغة العرب. فهو حريص أشدّ الحرص على أن يكون بيانه أسرع تناولاً وأيسر فهماً للقارىَ والمستمع. وبالرغم من ذلك فإننا نجد بعض الألفاظ الغريبة والمفردات النادرة التي تحتاج إلى الايضاح والتبيين من مثل « شراسيف »(١) في قوله يصف النملة :

وشراسيف بطنها كيف صفت

ومجاري طعامها والهواء(٢)

و « تُطامن »(٣) و « الطِّماح »(٤) في هذا البيت :

لتُطامن منك الطِّماح ويدنُ

لك عقل عن الهدى مُتنائي(٥)

و « الطبين »(٦) في البيت التالي :

ورواسي الايمان والعدل منّا

والطبين الخبير في كل داء(٧)

و « الصالقات »(٨) في قوله :

ومن الصَّالقات للخلق نهشاً

وهي حيّاتها بدون وقاء(٩)

واستعمال مثل هذه المفردات في الملحمة نزر قليل ، لا يعمد الناظم إلى ذكرها وإنّما تأتي عرضاً في سياق الكلام. ومع ذلك فان الشاعر لا يتركها من غير توضيح بل يبيّن معانيها ويشرحها في الهامش.

__________________

١ - الشراسيف : أطرافُ أضلاع الصدر التي تُشرفُ على البطن. ( لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٨٢ ).

٢ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٢ ، ص ٤٥.

٣ - تطامن : من طأمن الشيء أي سَكَّنه. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٢٠٤ ).

٤ - الطِّماح : الكبر والفخر. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٩٨ ).

٥ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٢ ، ص ١٤٧.

٦ - الطبين : من الطَّبَن بمعنى الفِطْنَة. ورجل طَبِنٌ أي فَطِنٌ حاذقٌ عالم بكل شيء. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٢٥ ).

٧ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٣ ، ص ٦٢.

٨ - الصَّلَق : صوت أنياب البعير إذا صَلَقَها وضرب بعضها ببعض. ( لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٣٩١ ).

٩ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٤ ، ص ٢٠٨.

٢٧٠

خامساً : دقة التصوير وتعميق الفكرة

ثمة ميزة هامة تجلّت في شعر الملحمة بوضوح وساعدت على إطالتها وازدياد أبياتها ، وهي تصوير الشاعر الدقيق الحاصل من تعميق الفكرة وتوسيع المحتوى والمضمون للأحداث والوقائع التاريخية. وقد وفّق الشاعر في هذا الشأن أيّما توفيق ، فقد استطاع أن يتغلّب على الإطالة المملة الحاصلة من التلاعب اللفظي الذي يكثر غالباً في مثل هذه المواضع ، باختياره الألفاظ الرشيقة والعبارات الرقيقة التي تنم عن ذوق رفيع وحس مرهف ودقيق امتاز به الشاعر وأجاد استخدامه.

ولتبيين هذه الفكرة نضرب مثلاً قول الشاعر في « دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مدينة يثرب ». فقد استرسل في نقل هذا الحدث مصوراً الفرح الذي غمر الناس ، والبهجة التي عمّت الطيور والمروج والروابي احتفاءً بمقدم النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذه يثرب وهذا ثراها

وهو مهد الشريعة الغرّاء

والمروج الخضراء تزهو ابتهاجاً

والروابي تضوع بالأشذاء

وعذارى النخيل تهتزّ بشراً

من رفيف الجدائل الزرقاء

والصبايا وهي الأقاحي ثغوراً

تتهادى بفرحة وازدهاء

والأغاريد بالمسّرات تشدو

فتعجّ الأجواء بالأصداء

وبطاح الثرى تسيل احتشاداً

وجموع الأنصار كالأنواء

كلّ هذا بشراً بمقدم طه

وابتهاجاً بخاتم الأنبياء

والنبيّ الأُميّ خير سراج

مستنير للأُمة العمياء

منبع العلم ، والحضارة علماً

ورشاداً من منبع العلماء

مشرق النور والهداية أُفقٌ

شقّ بالنور ظلمة الصحراء

٢٧١

مهبط الوحي والأمين عليه

معدنٌ للرسالة البيضاء

هو فجر من الجهاد منير

وانطلاق من ربقة الأدعياء

ورسول بالحق يحكم عدلاً

وحكيم يسمو على الحكماء

أبصر الأُفق بالمدينة رحباً

فتجلى من الهدى بضياء(١)

سادساً : استخدام المحسنات البديعية

لم يعمد الشاعر إلى وجوه التحسين اللفظي والمعنوي التي تأتي غالباً لتزيين الكلام وتنميقه. فكما تبيّن سابقاً ومن خلال القراءة الاُولى للملحمة أنَّ الشاعر أخذ على عاتقه رواية التأريخ الإسلامي وتسجيل أحداثه ووقائعه. وفي مثل هذا الموضع لا مجال للمحسنات البديعية ما لم تأت بصورة عفوية وتلقائية.

ومن هنا نجد في الملحمة بعض تلك المحسنات التي لم يتكلّف الشاعر فرضها على نظمه ، بل جاءت مواكبة لنظام القصيدة دون أن تحدث خرقاً في منهجيتها العامة. ومن هذه المحسنات يمكن الاشارة إلى ( الجناس )(٢) وأنواعه المختلفة كالجناس بين « ناظرات » بمعنى مبصرات و « ناضرات » بمعنى ناعمات في البيت التالي :

ووجوه لربّها ناظرات

ناضراتٍ من نعمة وهناء(٣)

والجناس بين « غدير » و « غزير » في هذا البيت :

وغدير من العلوم غزير

فيه ريّ الظما من العلماء(٤)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٥٩ ، ٢٦٠.

٢ - الجناس : هو تشابه لفظين في النطق ، واختلافهما في المعنى. ( جواهر البلاغة ، ص ٣٤٣ ).

٣ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ٣٢.

٤ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥٣.

٢٧٢

ومن المحسنات أيضاً ( الطباق )(١) . وقد استعمل كثيراً في الملحمة ، كالطباق ما بين « الليل » و « النهار » و « الموت » و « الحياة » و « النار » و « الجنان » و « عقاباً » و « ثواباً » في الأبيات التالية :

خلق الليل والنهار احتفاظاً

بنظام الأشياء دون ازدراء

خلق الموت والحياة لتُبلى

كل نفس بما لها من بلاء

خلق النار والجنان عقاباً

وثواباً أعظم به من جزاء(٢)

ومن المحسنات البديعية ( العكس )(٣) كما يظهر من هذا البيت :

وخروج الأحياء من كلّ ميتٍ

وخروج الموتى من الأحياء(٤)

وإلى هذه المحسنات البديعية يمكن ضمّ بعض الأساليب الأدبية التي طرقها الشاعر في مواضع عدّة من ملحمته ، كاقتباسه شيئاً من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف أو الكلام المأثور عن أهل البيتعليهم‌السلام . ومثال ذلك ما اقتبسه الشاعر من القرآن الكريم في هذين البيتين :

هو يحيي الموتى ويكتب منهم

في كتاب ما قدّموا للجزاء

وهو يحيي العظام وهي رميم

بعد خلق العظام في الابتداء(٥)

وقد أراد في البيت الأول الآية الشريفة :( إنّا نَحنُ نحيي الموتى ونكتُبُ ما قدّموا وآثارَهُم ) (٦) . وفي البيت الثاني الآية الشريفة :( وضَرَبَ لنا مَثلاً ونسيَ

__________________

١ - الطباق : هو الجمع بين لفظين مُقَابلين في المعنى. ( جواهر البلاغة ، ص ٣١٣ ).

٢ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ١٤.

٣ - العكس : هو أن تقدم في الكلام جزءاً ثم تعكس ، بأن تقدم ما أخرت ، وتؤخر ما قدمت. ( جواهر البلاغة ، ص ٣٣٨ ).

٤ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ١٣.

٥ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٨٤.

٦ - يس : ١٢.

٢٧٣

خلقَه قال من يُحيي العظامَ وهي رميم ) (١) .

ومن الأساليب الأدبية أيضاً تكرار كلمة أو جملة في صدر أو عجز عدّة أبيات متتالية. وهو اُسلوب يتبعه الشعراء غالباً لجلب الانتباه حول موضوع معيّن يريد الشاعر التأكيد عليه والسبر فيه. كتكرار كلمة « مَن » في الأبيات التالية :

من له قال أحمد أنت مني

مثل هارون خيرة الوزراء

من بهم بأهل النبي النصارى

في بنين وأنفس ونساء

من بنص التطهير من كل رجس

قد تزكّى وفي حديث الكساء

من بهم « هل أتى » من الله جاءت

عند وقت الإطعام للفقراء

من له مِن مغيبها الشمس ردت

بدعاء من خاتم الأنبياء

من به جبرئيل في أُحد نادى

« لا فتى » غير سيّد الأوصياء

من حباه في يوم خيبر طه

منكم خير راية ولواء

من بيوم الأحزاب جندل عمراً

فسقاه بالسيف مرّ الفناء

من بحق للجن أرسل طه

حين أضحى له من الأمناء(٢)

__________________

١ - يس : ٧٨.

٢ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٢ ، ص ٩٢.

٢٧٤

٤ - مقارنة وتطبيق :

من جملة الملاحم الشعرية التي حظت بشهرة واسعة في الأوساط الأدبية - إضافة إلى ملحمة الشيخ الفرطوسي - ملحمة الشاعر اللبناني بولس سلامة الموسومة ب« عيد الغدير »(١) وتتناول هذه الملحمة أهم نواحي التاريخ الإسلامي من الجاهلية إلى آخر دولة بني أمية. ولهذه الملحمة نقاط اشتراك واختلاف مع ملحمة الشيخ الفرطوسي نذكرها للمناسبة.

من أهم المشتركات التي يمكن الاشارة إليها هنا هو موضوع الملحمتين. فقد تناول كلّ من الشاعرين بولس وعبدالمنعم التاريخ الاسلامي وما يدور في فلكه من شؤون وأحداث ، كلّ بطريقته الشعرية الخاصة واُسلوبه الأدبي المتميز. ويبقى الفارق في أمرين :

الأوّل : التوسع الموضوعي الذي اتبعه الشيخ الفرطوسي في ملحمته حيث تناول موضوعات كثيرة مثل العقائد والسيرة والتاريخ وتفسير القرآن لم يتطرق إليها الشاعر بولس سلامة وذلك لمقتضيات وضرورات منهاجه في ملحمته.

والثاني : هو تعميق الفكرة وتوسيعها من حيث المحتوى والمضمون وهو النهج الذي سار عليه الشيخ الفرطوسي في نظم ملحمته ، بينما ذهب الشاعر بولس إلى نبذ الاسهاب والتطويل متخذاً من الإيجاز والاختصار المفيد منهاجاً لملحمته.

ولتبيين هذه الفكرة نأخذ مثلاً حديث الشاعرين عن أبي طالبعليه‌السلام عمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فالفرطوسي كدأبه في ملحمته يتجه نحو التوسيع فيبدأ كلامه بالحديث عن نصرة أبي طالب للإسلام :

__________________

١ - نظمها الشاعر باقتراح وإيعاز من السيد عبدالحسين شرف الدين. وقد صدرت في بيروت للمرة الاُولى سنة ١٩٤٧ م ، ثم تكرر طبعها سنة ١٩٦١ م وسنة ١٩٧٣ م.

٢٧٥

يانصير الدين الحنيف بصدق

والمحامي عن خاتم الأصفياء

قد نصرت الإسلام في خير سيفٍ

ولسانٍ من أبلغ الفصحاء

وتحملت صابراً من قريش

ودعاة الإلحاد كل عناء

ولقد كنت جُنّةً من عداها

وأذاها له وخير وقاء(١)

ثم يتناول إيمان أبي طالب الذي كثر فيه الجدل والنقاش ، فيرد على المشككين بالحج والبراهين :

كيف ترمى بالكفر بعد جهادٍ

مستميت عن ملّة الحنفاء

ومقال أبديته بعد علمٍ

واعتقاد أظهرته بجلاء

إنّ دين النبي من خير دينٍ

للبرايا أوحاهُ ربّ السماء

وأبو بكر قد تجلّى علينا

في أبي طالب بأبهى سناء

قال أدّى الشهادتين بصدقٍ

قبل يوم الممات خير أداء

وأخوه العبّاس أوحى بهذا

في صريح الكلام دون خفاء

وابن عبّاس وهو حبرٌ جليل

من عيون الأعلام والعلماء

وأبو ذر من تزكّى عن الكذب

بنصّ من خاتم الأنبياء(٢)

ومن ثم ينتقل إلى ذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقوال الأئمةعليهم‌السلام في أبي طالب. وقد تجاوزت أبيات الفرطوسي في هذا الموضوع المئة. بينما اكتفى الشاعر بولس بنظم سبعة وعشرين بيتاً تناول فيها نشأة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظل أبي طالب وسفره مع عمّه إلى الشام :

مَن لهذا اليتيم من للصغير

من لفرخ النسور غير النسور

__________________

١ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ١٤٤.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٤٦.

٢٧٦

(شيبة الحمد) بالحنان تولّى

بُرعمَ الورد في النبات الطرير(١)

فنما أحمد بظلّ كريم

كانبلاج الضحى وسري العبير

وقضى شيبة العظيم فمالت

دولة الظل عن يتيم العطور

ومضت بعد (شيبة) بنتُ وهبٍ

فغدا الطفل زهرة في الهجير

يا أبا طالب فدتك السجايا

من مجير سمح الجنان نصور(٢)

وثمة نقطة اشتراك اُخرى بين الملحمتين من حيث الشكل والوزن. فكلا الشاعرين التزما بحر الخفيف ولم يخرجا عنه ، إلاّ انّهما افترقا من جهة القافية. فالفرطوسي التزم قافية واحدة في تمام ملحمته وهي قافية الهمزة المكسورة ، بينما آثر الشاعر بولس تنوع القافية فبدأ ملحمته بقافية الياء المفتوحة :

يامليك الحياة أنزل عَلَيَّا

عزمة منك تبعث الصخر حيّا(٣)

ثم انتقل إلى قافية الميم الساكنة :

كان في ذلك الزمان القاتمْ

في رمال الحجاز شعب عارم(٤)

ومن ثم إلى الهمزة المكسورة :

قلت : يا رب يا اله السماء

استجبني يامنقذ الضعفاء(٥)

وهكذا دواليك حتى آخر الملحمة. ويعد هذا الفارق - وحدة القافية عند الفرطوسي وتنوعها عند بولس سلامة - من مميزات الشعر النجفي عن الشعر اللبناني. فقد سبقت الاشارة إلى أنّ شعراء النجف يؤثرون وحدة القافية بغية

__________________

١ - شيبة الحمد : هو عبدالمطلّب جدّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - عيد الغدير ، ص ٣١.

٣ - عيد الغدير ، ص ١٣.

٤ - عيد الغدير ، ص ١٥.

٥ - عيد الغدير ، ص ٢٤.

٢٧٧

استحكام القصيدة وانسجامها. بينما يتجه الشعراء اللبنانيون في الغالب إلى تنوع القافية وتعددها.

وما بين الملحمتين نقطة اشتراك اُخرى تستوقفنا وهي جمالية التعبير عند الفرطوسي وسلامة. وقبل الدخول في خصائص الجماليتين نضرب مثلاً على ذلك لتتبين معالم الجماليتين أكثر فأكثر. نأخذ على سبيل المثال قول الفرطوسي في مولد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

قبسات من الهداية شقّت

ظلمات العمى بصبح مُضاء

ولواء التوحيد رفّ فلفّت

عذبات الإلحاد والكبرياء

ويقين أهاب بالشك حتّى

أذهب الريب من ضمير الرياء

نفحات من الامامة أوحت

بشذاها شمائل الأنبياء

حملتها أمانة ورعتها

حين أدّت ما عندها بوفاء

خير أُمّ عذراء قُدْساً وطهراً

هي أسمى قدراً من العذراء

وضعتها يمناً بأزكى مكان

فتجلّت كالدرّة البيضاء

حين شُقّ البيت الحرام جلالاً

يوم ميلاد سيّد الأوصياء

فأقامت به ثلاثاً بأمنٍ

وثمار الجنان خير غذاء

وقريش في حيرة تتقرّى

غامض السر في ضمير الخفاء

وإذا بالفضاء يزهو بهاء

بهاء من مُحيّاً مباركٍ وضّاء

وعلي كالبدر يشرق نوراً

وهي بشراً تضيء كالجوزاء

حملته كالذكر بين يديها

حين وافت لسيّد البطحاء

فتجلّى والحق فجرٌ مبينٌ

دامغاً كل باطل وافتراء

٢٧٨

ويقيناً يمحو الظنون وتمحو

آية النور آية الظلماء(١)

ففي هذه الأبيات الجميلة تتجلّى بوضوح جمالية التعبير من خلال نصاعة البيان ، وصدق العاطفة ، وعفوية الشعور والاحساس إلى جانب تناسق النغم الشعري وتناسب موسيقاه. وهذه الخصائص تضفي على الشعر هالة من الحسن والبهاء يجد المتلقي فيها متعة ولذة كبيرة.

امّا عن جمالية التعبير عند الشاعر بولس سلامة فلنسمعه يقول في مولد الإمامعليه‌السلام :

سمع الليل في الظلام المديد

همسة مثل أنة المفؤود

من خفي الآلام والكبت فيها

ومن البشر والرجاء السعيد

حُرَّةٌ ضامها المخاض فلاذت

بستار البيت العتيق الوطيد

كعبة الله في الشدائد ترجى

فهي جسر العبيد للمعبود

لا نساء ولا قوابلُ حفَّت

بابنة المجد والعلى والجود

صبرت فاطم على الضيم حتى

لهث الليل لهثة المكدود

وإذا نجمة من الاُفق خفّت

تطعن الليل بالشعاع الجديد

وتدانت من الحطيم وقرّت

وتدلت تدلّيَ العنقود

سَكب الضوء في الأثير دفيقاً

فعلى الأرض وابل من سعود

واستفاق الحمام يسجع سجعاً

فتهش الأركان للتغريد

بسم المسجد الحرام حبوراً

وتنادت حجاره للنشيد

ذرّ فجر ان ذلك اليوم فجرٌ

لنهار وآخر للوليد(٢)

_________________

١ - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٢ ، ص ٧ ، ٨.

٢ - عيد الغدير ، ص ٣٦ ، ٣٧.

٢٧٩

فالجمالية هنا تبرز من خلال موضوعية الشاعر وبراعة تصويره ، ووصفه الدقيق المزّين بالتشبيهات الرقيقة والاستعارات الجميلة بالاضافة إلى الايقاع الموسيقي المنسجم للأبيات.

ومهما يكن من أمر الخصائص فانّ جمالية التعبير تضفي على الملحمتين قيمة فنية اضافة إلى قيمها الاُخرى بحيث تجعلهما في عداد الآثار الأدبية الراقية التي تستحق الدراسة والعناية الفائقة من قبل الباحثين والمعنيين بشؤون الأدب العربي.

٢٨٠