• البداية
  • السابق
  • 57 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16005 / تحميل: 4751
الحجم الحجم الحجم
تذييل سلافة العصر

تذييل سلافة العصر

مؤلف:
العربية

الرؤيا ليست بحاجّة ولا لي إلى مالك حاجة.

تُوفّي طاب ثراه في عشر المائة بعد الألف الهجرية بالحويزة، وقبره هناك معروف يُتبرّك به ويُزار، ويخفّف عن زائريه الأوزار، ولا يحضرني من شعره النفيس إلاّ قطعتان من التخميس وهما قوله:

وِصالُ سكّان نجدٍ مُنتهى غرضي

وحبُّهم والهوى نفلي ومُفتَرضي

إِن كان قربُهُمُ وقفاً على حرضي

يا ممرضي بربى نجدٍ أعد مَرضي

عسى يعودون عُوّداي وزوّاري

وقوله:

خلا الرّبعُ من أهل المودّة والوفا

وقد كان قِدماً للكواعبِ مألفا

أيا جارتي ما بالُهُ ربعُهُ عفا

كأنّ لم يَكُنْ بين الحُجُون إِلى الصَّفا

أنيسٌ ولم يسمرْ بمكّةَ سامرُ(١)

***

____________

(١) البيت لمضّاض بن عمرو الجرهمي يقال أنّه كان أبا زوجة النبي اسماعيل الذبيح بن ابراهيم الخليلعليهما‌السلام وانّ جميع أولاد النبي اسماعيلعليه‌السلام من بنت مضّاض بن عمرو وكان مقيماً في الحجاز تابعاً لليمن.

٢١

٢ - السيد شهاب الدين بن أحمد بن زيد بن عبد المحسن بن علي بن محمّد بن فلاح(١) الموسوي الحويزي:

شهاب الشَّرف الثاقب، ودرّي فلك المناقب، نسب أسنى من شمس الرابعة، وحسب أحيا مراتع الأدب ومرابعه، والمدوّن من شعره يناهز عشرة آلاف بيت، يكاد يحيا به الميت، ويعنو لها الفرزدق والكميْت، فمن محاسنها قوله في مطلع قصيدة يمدح بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أنشدها حياله:

هذا العقيقُ وتلكَ شُمُّ رعانهِ

فامزجْ لُجينَ الدَّمع من عقيانهِ

____________

(١) أخطأ المؤلّف في سلسلة نسب المترجم، والصحيح في نسبه انّه: السيد شهاب الدين (المتوفى سنة ١٠٨٧ هـ ) بن السيد احمد بن السيد ناصر بن السيد معتوق (المعروف بحوزي أيضاً) بن السيد لاوي بن السيد حيدر بن السلطان المحسن (المتوفى سنة ٩٠٥ هـ ) بن السيد محمد مهدي الملقّب بالمشعشع (المتوفى سنة ٨٦٦ هـ ) بن السيد فلاح بن السيد هبة الله بن السيد حسن بن السيد علم الدين علي المرتضى النسّابة (المتوفى سنة ٧١٩ هـ ) بن النقيب السيد عبد الحميد (المتوفى حدود سنة ٦٨٤ هـ ) بن العلاّمة الشهير السيد فخار (المتوفى سنة ٦٣٠ هـ ) صاحب كتاب «الحجّة على الذاهب الى تكفير أبي طالب» بن الشريف أبي جعفر مَعَدّ بن السيد فخار بن السيد احمد بن السيد محمد بن السيد أبي الغنائم محمد بن السيد أبي عبد الله الحسين الشيتي بن السيد محمد الحائري بن السيد ابراهيم المجاب بن السيد محمد العابد دفين شيراز بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

ذَكرتُ نسبه بهذه الصورة في كتابِي «الياقوت الأزرق في اعلام الحويزة والدورق» نقلاً عن عدّة مصادر في التراجم والأنساب.

٢٢

وانزل فثمَّ مـعرّسٌ أبداً ترى

فيـه قلوبَ العشقِ مـن رُكبانه

واشمُمْ عبيـرَ ترابهِ والثمْ حصىً

فـي سفحهِ انتثرتْ عُقودُ جُمانه

واعدِلْ بنا نحَو الُمحصَّبِ من مِنى

واحذر رُماة الغَـنج مـ غزلانه

وتوقَّ فيه الطّعنَ إمّا من قنـا

فرسانـهِ أو من قُدودِ حسانه

أكرِمْ به منْ مربعٍ مِنْ وردهِ الـ

ـوجناتُ والقاماتُ من أَغصانه

مغنى إذا غنّـى حَمامُ أراكـهِ

رقصتْ به طـرباً معاطفُ بانه

فلكٌ تنزّلَ فهوَ يُحسب بقعة

أوَما تَرى الأقمـارَ مـن سُكّانه

خضَب النجيـعُ غزالَهُ وهِزَبْره

هـذا بوجنتـه وذا ببنانه

فلَئِنْ جهلتَ الـحتفَ أينَ مـَقرُّهُ

سلني فأنّي عارفٌ بمكانه

هو في الجفون السّـود من فتياتـِه

أو في الجفونِ الـبيض من فتيانه

٢٣

مَن لي برؤية أَوجُهٍ في أوجُهٍ

حجبَ البعادُ شُموسَها بعنانه

بيضٌ إذا لعبت صباً بذيولِها

حَملَ النسيمُ المسكَ في أَردانه

وقوله في مطلع قصيدة اُخرى يمدح بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً:

لا بَرّ في الحُبّ يا أهل الوَفا قسمـي

ولا وَفتْ للعُلى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَمي

وإن صبـوتُ إلـى الأغـيارِبَعدَكمُ

فلا ترقَّتْ إلى هاماتها هِممي

وإن خبتْ نارُ وجدي بـالسُّلُوفلا

وَرتْ زنادي ولا أَجرى النُّهى حِكَمي

ولا تعصفر لونـي بالهوى كمداً

إنْ لم يُوَرّده دمعي بعَـدكمْ بدَمي

ولا جنت وردَ جنّات الدُّمى حدقِي

إن لم تزرْكُمْ على شـوكِ القَنا قدَمي

ولا رشفـتُ الحُميّا من مراشفِها

إنْ كان يصفـو فؤادي بعد بُعدِكُمِ

ولا تلذّذتُ في مرّ العذاب بكم

إن كان يعذب إلاّ ذكركمْ بفمي

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:

٢٤

حَفَرتْ بسـيفِ الغَنجِ ذمِّةَ مِغـفري

وفَرَتْ برُمـحِ القدِّ درعَ تصبُّري

وجلَتْ لنا من تـحت مسكةِ خالـها

كافورَ فـجرٍ شقَّ ليلَ العنبرِ

وغدت تذُبّ عن الرّضـاب لحاظها

فحمتْ علـينا الحورُ وردَ الكوثر

ودنت إلى فـمها أراقِـمُ فرعِها

فتكفّلت بحفاظ كنزِ الجوهـر

يا حاملَ السيف الصّحيح إذا رنَـتْ

إيّاك ضربـة جَفْنِها المتكسِّر

وتوقّ يا ربَّ القناة الطعـنَ إنْ

حَملت عليك من القوام بأَسمر

برزت فشِمْنا البـرقَ لاحَ ملثّماً

والبـدرَ بين تَقَرْطُقٍ وتخمُّر

وسَعت فمـرّ بنا الغزال مطوَّقاً

والغصـنُ بيـنَ مُوشَّحٍ ومؤزَّر

بأبي مراشفُها التـي قـد لُثِّمتْ

فوقَ الأقاحي بالشقـيق الأحمر

وبمهجتي الرَّوضُ المـقيمُ بِمُقْلةٍ

النُّعاس بها ذهابَ تحيُّر

٢٥

تالله ما ذُكِرَ العقيق وأهلُه

إلاّ وأجراهُ الغـرامُ بمحْجَري

لولاه مـا ذابت فرائدُ عبرتي

بعد الجمود بحرّ نار تذكُّري

روحي الفداءُ لظبية الخـدر ِ التي

بُنـيَ الكَناسُ لها بغـابِ القسور

لم انسَ زورتها ووجنات الدُّجى

تنبـاع ذفراها بمسـكٍ أذفَر

أمّت وقد هـزّ السِّماكُ قناتَهُ

وسطا الضياءُ على الظلام بخنْجر

والقوس معترضٌ أراشت سهمَهُ

بقوادم النَّسريـن أيدي المشتري

طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً

منها أرى الكفَّ الخضيبَ بمُسوَر

حتى بدا كسرى الصباحَ وأدَبرتْ

قومُ النجاشي عن عساكر قيصر

لما رأت روضَ البنفسجِ قد ذوى

من ليلنا وزهـت رياضُ العُصفر

والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ

والفجرُ أقبلَ فـوقَ صـهوةِ أشقر

٢٦

فزعتْ فضرّست العقيقَ بلؤلؤٍ

سكنتْ فرائدهُ غديرَ السُّكّر

وتنهَّدتْ جزعاً فأثّر كفُّها

في صدرِها فنظرْتُ مالَمْ أنظُر

أقلامَ مـرجانٍ كتبنَ بعنبرٍ

بصحيفة البلُّور خمسـةَ أسطُر

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:

سلْ ضاحكَ البرق ليلاً عن ثناياها

فقدْ حكاها فهلْ يروي حكاياها

وهلْ درى كيف ربُّ الحُسن رتَّلها

والجوهرُ الفردُ منهُ كيف جزّاها؟

وما سُقاة الطِّلا تدري إذا ابتسمت

أيَّ الحيا بانَ عند الشّرب أشْهاها

وهل رياض الرُّبا تـدري شقائقُها

في خدّها أيَّ خالٍ فـي سُوَيْداها

وإن رأيتَ بُدور الحـيِّ وهي بهمْ

فحيِّ بالسـرِّ عنّـي وجهَ أحْياها

واقصد لُباناتِ نعمانٍ وجيرتَها

واذكُرْ لبانات قلبي عند لُبناها

عرّج عليها عن الألباب ننشُدها

فإنّنا منـذُ أيامٍ فقدْناهـا

٢٧

وقف على منزلٍ بالخيف نسأله

عن أنفُسٍ وقلوبٍ ثَمَّ مثْواها

مَعاهدٌ كلَّما أمسيتُ غامرَهـا

ليلاً وأصبحتُ مجنوناً بلَيْلاهـا

ومنها:

حتَّى نزلنا على الدّار التـي شَرُفَتْ

بمَن بها ولثـمْنا دُرَّ حصْباها

فعارضتنا بدورٌ مـن فـوارسهـا

تحمي خدورَ شموسٍ منْ عَذاراها

ضِيفَانُهُم غيرَ أنّا لا نُـريدُ قرَىً

إلاّ قلوباً إليهم قد أضفناها

ما كان يجدي ولا يغني السّرى دَنِفاً

لكنَّ حاجـةَ نفسٍ قد قضيْناها

لم نشكُ من محن الدُّنيا إلى أحدٍ

من البريَّة إلاّ كـان إحـداها

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة اُخرى:

عُجْ بالعقيق وناد اُسد سُراتِهِ

أسرى قلوبٍ في يَدَي ظَبياتِهِ

وابذِلْ به نقدَ الدُّموع عساهُمُ

أنْ يُطلقوها رُشوةً لقُضاته

٢٨

واسألهُمُ عمّا بهم صنـع الهـوى

لشقائهنَّ به وجـور وُلاته

هامت بواديه القلوبُ فأصبحت

منّا النُّفوسُ تصيحُ فـي ساحاته

إن لـم تُذقنا الموتَ أعينُ عِينِه

كمداً فأصحانا لفـي سكراته

تقضي وينشـرنـا هواهُ كأنّما

نفسُ المسيح يهـبُّ في نفحاته

حَـرَمٌ بأجنحـة النُّسور صيانةً

عضّت كواسـره على بيْضاته

وحمىً به نصبَ الهوى طاغوتَه

فاحـذر به إن جُزْتَ فتنةَ لاته

لم نـدرِ أيُّهما أشدُّ إصابةً

مُقلُ الغوانـي أمْ سهامُ رُماته

وقوله أيضاً من قصيدة اُخرى:

هذا الحمى فانزل على جرعائِهِ

واحذَرْ ظُبا لفتات عِين ظبائِهِ

وانشُدْ به قلباً أضاعتهُ النَّوى

من أضلعي فعساهُ في وعسائه

وسل الأراكَ الغضَّ عن روحٍ شكت

حرَّ الجـوى فلجتْ إلى أفيائه

٢٩

واقصد لُباناتِ الهـوى فلعلَّنا

نقضي لباناتِ الفؤاد التائه

واضمُم إليك خُدودَ أغصان النَّقا

والثمْ ثغورَ الدرِّ مـن حَصْبائه

واسفح بذاك السفحِ حول غديرهِ

دمعاً يُعسجدُ ذوبَ فضّةِ مائـه

سقياً له مـن ملعبٍ بعقولنا

وقلـوبنا لعبتْ يدا أهوائه

مغنىً به تهوى القلوبُ كأنَّما

يُذكي الهوى في الصبِّ بردُ هوائه

نفحاتهُ تبري الضـرير كأنّمـا

ريحُ القميـصِ تهبّ من تلقائه

عهدي بـه ونجومُ أطرافِ القنا

والبيضُ مُشرقةٌ عـلى أحيائه

والاُسدُ تزأرُ فـي سُروج جياده

والعِينُ تبغم فـي حجالِ نسـائه

والطيفُ يطرقـه فيعثر بالرَّدى

تحت الدُّجى فيصـدُّ عن إسرائه

والظلّ تقصـره الصَّبا وتمـدُّه

والطير يُعرِبُ فيـه لحنَ غنائه

وقوله أيضاً في مطلع قصيدة:

٣٠

روتْ عن تراقيها العقودُ عن النَّحرِ

محاسـنَ ترويها النجومُ عـن الفَجرِ

وحدَّثنا عن خالِهـا مِسْكُ صدْغِها

حديثاً رواهُ اللَّيل عن كـُلْفَة البدر

وركَّبَ منها الثَّغرُ أفرادَ جُمْلةٍ

حكاها فَم ُ الإبريق عن حَبَبِ الخمر

ولي مدمعٌ في حُبِّها لو بكى الحَيا

به نبتَ الياقوت فـي صـدفِ الدُّرّ

لقد غصبت منها القرونُ ليالياً

من الدَّهر لولا طولُها قلتُ من عُمري

أما وسُيُـوفٍ للحُتُوف بجفنها

تُجرَّدُ عن غمدٍ وتُغْمَدُ فـي سحْر

وهُدْبٍ تسقَّـى نَبْلُه سمَّ كُحلها

فذبّ بشوك النَّحل عن شَهْدَة الثَّغر

وصِمْنَةُ قُلـبٍ غصّ منها بمِعْصَمٍ

ووسواسُهُ الخنّـاس ينفثُ في صدري

وطوْقُ نُضار يستسـرُّ هلاله

مع الفجرتحت الشَّمس في غسقِ الشِّعر

لفي القلب منّـِي لوعةٌ لـو تجنُّها

حشا المزْن أمسـى قَطْرُها شررَ الجمْر

وهو من صنائع ملوك الحُوَيزة السيد علي خان وبنيه

٣١

وحسين باشا بن علي باشا ابن افراسياب ملك البصرة وذويه، وأكثر أشعاره في مدائحهم؛ إذ درّت عليه أخلاف منائحهم شُكراً لنعمتهم وجزاءً لها، واللُّها تفتح اللَّها(١) .

***

____________

(١) اللها بضّم اللام : العطايا ، وهو جمع اللهوة بالضم : العطية ( قاله ابن الأثير في النهاية ) واللها بفتح اللام : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم ويستخدم مجازا عن الفم

قال عبد الجليل بن وهبون الشاعر الاندلسي ارتجالاً في مجلس أمير اشبيلية ، أبي القاسم محمد بن عباد المعتمد على الله من امراء المرابطين يذكر سبب مدح المتنبي سيف الدولة الحمداني :

لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما * تجيـد العطايا واللها تفتح اللها

تنبأ عجباً بالقريض ولو درى * بأنك تروي شعره لتألها

٣٢

٣ - السيد معتوق ابن شهاب الدين الموسوي الحويزي(١) :

عتيق ابن عتيق وعريق في الأدب ابن عريق، ذو جِدّ وهزل، وفكاهة وغزل، وخلاعة تُطرِبُ الَّثمالى، وتضحك الثَّكالى، وهو المعتني بشعر أبيه وجمع شتاته وتدوينه وترتيبه بعد وفاته، وذكر في فاتحة الدِّيوان أنّ وفاته كانت يوم الأحد لأربع عشر خلت من شهر شوّال من السنة السابعة والثمانين والألف من الهجرة، وله من العمر يومئذٍ اثنان وستّون سنة، ثم قال: وبقيت بحالةٍ بغَّضت لديّ المقامَ والدَّوام، وحبّبت إليّ الهيام والحِمام:

مكتئباً ذا كبدٍ حرّى

تبكـي عليـه مقلةٌ عبرى

يرفع يُمناهُ إلى ربّه

يشكو وفوق الكبد اليُسرى

يبقى إذا حدّثتهُ بـاهتاً

ونفسُه مـمّا به سكرى

____________

(١) هو معتوق بن شهاب الدين بن احمد بن ناصر بن حوزي المعروف بمعتوق أيضاً وقد عُرِف به حفيده شهاب الدين الشاعر فسُميّ ابن معتوق نسبة إليه وأبا معتوق كنيةً بابنه ومن هُنا عبّر صاحب التذييل في مدحه لمعتوق بن شهاب الدين بقوله: (عتيق ابن عتيق) توريةً. ذكره صاحب كتاب (نشوة السلافة ومَحلّ الإضافة) وأثنى عليه وأورد شيئاً من شعره (توفي سنة ١١١٩هـ).

٣٣

تحسبُهُ مستمعـاً ناصتـاً

وقلبه فـي اُمـَّةٍ اُخـرى

ومن شعره في السيّد علي خان قوله:

مولىً فضائلـه ُ ونائلـهُ

كلٌّ يفوتُ العدَّ والحَصـْرا

وخصيبُ ساحـته وراحـته

يُؤوي الفقير ويطردُ الفقرا

خيرُ الكرامِ ولا مبالغةٌ

فيـه وأفخَرُهُمْ ولا فَخْرا

وهُمُ علـى الإطلاقِ سيِّدُهُمْ

بنوالهِ فهُـمُ له اسرى

لا غـروَ إن نُسِبَتْ إليه مَعا

ليهم وحـاز الحمـدَ والشُكْرا

فهُمُ وإن شـَرُفوا فقدْ وضَعُوا

آلاءَه كـي توصلَ البِرَّا

عَشِقُوا، المديح فكان حـظُّهُمُ

منـه القليـلُ وأتلفـوا الوَفْرا

وتنافسوا فيه لِما علِـموا

أنَّ المديحَ يخلّدُ الذِّكْرا

وأتاهُ إذ وافاهُـمُ خـجِلاً

ممّا أتاهُ يحاول العذْرا

٣٤

يـدري ويعلم أنَّهُ ملِكٌ

مولـىً لـه وبمُلْكـه أحْـرى

فقضى بنائله لقائله

وأحلّه مـن عَرْضه قَصْرا

والقصدُ منهُ أنْ يـدومَ لهُ

الذكرُ الجميلُ ويغْنمَ الأجرا

ما كان فـي الاُولى لـه نظرٌ

إلاّ ومطمحـهُ إلـى الاُخـرى

***

٣٥

٤ - الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي(١) :

ذو باع في الأدب مديد، ونظرٍ في إدراك اللّطائف حديد، وفهم في مواقع النكات سديد، وكدٍّ في اقتناص المعارف شديد، ويد تلعَب بالمعاني لعب الراح بالعقول، وذهن انطبع فيه فنون المعقول والمنقول، رأيتُه في أواخر عمره وقد غيّره الزَّمان:

إنّ الثمـانين وبلِّغـتُها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

له كتب منها:

(كتاب زاد المسافر)، في تحرير واقعة البصرة، ذكر في أوّله أحواله، وأنّه وُلد بقبان، ولمّا ترعرع اشتغل على أبيه، ثُمَّ ارتحل إلى شيراز واشتغل على السِّيد نعمة الله والسيد عزيز الله، والشاه ابي الولي وغيرهم.

ثمّ رجع إلى مولده ووُلِّي قضاء البصرة، إذ كانت في تصرّف العجم، وأدرج في كتابه هذا كثيراً من الأدبيات وحرّر فيه البديعيات أكمل تحرير، ومنها: «كتاب الإجادة» في شرح قصيدة السيد علي بن باليل الموسومة بالقلادة، ومطلعها:

رُدّي عَلـيَّ رُقادي أيّها الرُّودُ

علِّي أراك به والبيْنُ مفْقودُ

____________

(١) وُلِد في القبان من توابع مدينة الدورق القديمة سنة ١٠٥٣هـ، وتوفّي سنة ١١٣٠هـ، ذكر في أكثر المعاجم وكتب التراجم.

٣٦

سلك فيه مسلك الصّفدي في شرح لامية العجم، وله كتبٌ اُخرى لم أقف عليها وشعر قليل. توفّي سنة الثلاثين بعد المائة والألف الهجرية رحمة الله عليه.

***

٣٧

٥ - السيد قوام الدين الحسني السيفي القزويني:

قوام المجد العصاميّ وعصامهُ، وذروة الشَّرف السامي وسنامهُ، ومالك ناصية الفضل وعزَّتها، وانسان عينه وقُرَّتِها، وشمس قلادته ودُرَّتها، ومُصرِّفُ أزمَّة النثر والنظم، ومُعيد رُواء الأدب بعدما وهن منه العظم، وأوحده الذي يقطع البلغاء بفريد كلامه، ويلاعب في حلباته بأسنّة أقلامه، إلى علم وسع المعقول والمشروع، وأحاط بالاُصول والفروع، وحلم وكرم وجود، وأخلاق يحقُّ لها السُّجود، وحظّ عظيم من قوّة الارتجال، والتهجّم على أبكار المعاني في الحجال، وهتك الأستار منها والخدور، وافتراش الصُّدور وافتراع البدور، واستخراج اللَّئالي من البحور، وتقليدها في أعناق الحور، وتحلية السواعد منها والنحور، بألفاظٍ أعذب من السيح، وأسجاع أطيب من أنفاس المسيح، وأمّا المُلَحُ والنوادر فهو أبو عذرها، ومبتدىءُ حُلوها ومرِّها.

وكان بينه وبين الوالد أطال الله بقاه من المخالَّة والمصافاة ما بين الخليصَيْن المُتصادقَيْن، والخليلَين المتوافقَين، لا يَرى أحدُهُما فضلاً إلاّ للآخر، ومن شعره إلى الوالد في جواب كتاب:

نور الهداية قـد بـدا من تُستَرا

تأبى فضائُل سيّدي أن تُستَرا

قد جاوز التحريرَ شوقُ لقاءِ مَنْ

فاقت مآثر مجـده أنْ تُسْتَرا

ومن شعره ما كتبه إلى الوالد أيضاً في تعزية:

٣٨

وفـوق مقام الصبـر للمتصبّرِ

مقامُ الرِّضا والشُّكرِ للمُتَبصِّرِ

وقد كنت كثير الشوق إلى لقائه لما أسمعه من الوالد من الإطراء في ثنائه، إلى أن سهّل الله الاجتماع به بقزوين، وقد أنهكه الهرم، وأقعده الهمم، وذلك في عشر الخمسين بعد المائة والألف، فرأيته فوقَ الوصف، وعرضت عليه بأمره كتاب (الذخر الرائع في شرح مفاتيح الشرائع)، فلمّا أجال فيه النظر أخذ القلم وسطر:

بحسبِكَ ذُخْرُ السيِّد الموسويّ في

بيـان مفاتيح الشَّرائعِ كافيَا

ففيه تمـامُ الكشفِ عن مُشْكلاته

بطـرزٍ أنيـق جاء للعيِّ شافيا

وأشرقَ نـورُ الدِّين منه بنعمـةٍ

من اللهِ أبـدى كلَّ ما كانَ خافيا

ثم أمرني بإنشاد شيءٍ من الشعر، فأنشدته قطعات من القصيدة البهائية التي تصرّفت فيها بالتعجيز والتصدير، فاستحسن ذلك غاية الاستحسان وبسط في وصفه اللّسان، وأخذ يحمده لمَن حضر، كأنّه لم يسمع بهذه الصنعة في ما غبر، ثمّ استدنى المحبرة وجعل يكتب ما أنشدته وقد حفظ أكثره، ويعاودني في مواقع الاشتباه، إلى أنّ أكمله وهي:

سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري

سوالفُ أنْسَتْها تصاريفُ أَعصارِ

٣٩

تألَّق من بعـد انثناءٍ مُجدّداً

عهوداً بحزوى والعقيق وذي قار

وهيّج مـن أشواقنا كـلّ كامنٍ

واجّج فـي أحشائنـا لاهبَ النَّار

ألا يا لُيَيْلات الغـوير وحـاجر

نعمتِ كأيّام الشبـاب بأنْضار

ويا روضة بالناضرات نديّةً

سُقيت بها من مُدمن المزن مدرار

ويا ساكنـي دار َ الـسَّلام تحيةً

عليكم سلامُ الله من نازح الدَّار

خليليّ ما لـي والـزَّمان كأنّما

عليَّ له ما لـي عليه من الثَّار

يماطلُنـي حتّـَى يُجاحدَ حجَّتي

يطالبني فـي كـلّ آنٍ بأوْتار

فأبْعَدَ أحبابي وأخلى مرابعي

وزحزح عـُوَّادي وبدّد أنصاري

وأوحش اُنسـي بالـعذيب وأهله

وبدّلنـي من كلِّ صفوٍ بأكدار

وعادَل بي مَن كان أقصى مرامه

توسُّد أعتابي ويقفو آثاري

٤٠