الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 81245
تحميل: 8988


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81245 / تحميل: 8988
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (الصفّ: ٤) و قال:( إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (آل عمران: ١٥٩) و قال:( إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة: ٢٢٢) إلى غير ذلك من الآيات.

و إذا تتبّعت الآيات الشارحة لآثار هذه الأوصاف و فضائل تتعقّبها عثرت على اُمور جمّة من الخصال الحسنة، و وجدت أنّ جميعها تنتهي إلى أنّ أصحابها هم الوارثون الّذين يرثون الأرض، و أنّ لهم عاقبة الدار كما يومئ إليه الآية المبحوث عنها:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) و قد قال تعالى - و هي كلمة جامعة -:( وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى‏ ) (طه: ١٣٢) و سنشرع معنى كون العاقبة للتقوى فيما يناسبه من المورد إن شاء الله العزيز.

قوله تعالى: ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) الأذلّة و الأعزّة جمعاً الذليل و العزيز، و هما كنايتان عن خفضهم الجناح للمؤمنين تعظيماً لله الّذي هو وليّهم و هم أولياؤه، و عن ترفّعهم من الاعتناء بما عند الكافرين من العزّة الكاذبة الّتي لا يعبأ بأمرها الدين كما أدّب بذلك نبيّه في قوله:( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الحجر: ٨٨) و لعلّ تعدية( أَذِلَّةٍ ) بعلى لتضمينه معنى الحنان أو الحنو كما قيل.

قوله تعالى: ( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) أمّا قوله:( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله ) فقد اختصّ بالذكر من بين مناقبهم الجمّة لكون الحاجة تمسّ إليه في المقام لبيان أنّ الله ينتصر لدينه بهم، و أمّا قوله:( وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) فالظاهر أنّه حال متعلّق بالجمل المتقدّمة لا بالجملة الأخيرة فقط - و إن كانت هي المتيقّنة في أمثال هذه التركيبات - و ذلك لأنّ نصرة الدين بالجهاد في سبيل الله كما يزاحمها لومة اللّائمين الّذين يحذّرونهم تضييع الأموال و إتلاف النفوس و تحمّل الشدائد و المكاره كذلك التذلّل للمؤمنين و التعزّز على الكافرين و عندهم من زخارف الدنيا و مبتغيات الشهوة، و أمتعة الحياة ما ليس عند المؤمنين هما ممّا يمانعه لومة اللّائم، و في الآية ملحمة غيبيّة سنبحث عنها في كلام مختلط من القرآن و الحديث إن شاء الله تعالى.

٤٢١

( بحث روائي)

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ ) (الآية) أخرج ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل و ابن عساكر عن عبادة بن الوليد أنّ عبادة بن الصامت قال: لمّا حاربت بنو قينقاع. رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشبّث بأمرهم عبدالله بن اُبيّ بن سلول و قام دونهم، و مشى عبادة بن الصامت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تبرّأ إلى الله و إلى رسوله من حلفهم، و كان أحد بني عوف بن الخزرج، و له من حلفهم مثل الّذي كان لهم من عبدالله بن اُبيّ فخلعهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قال: أتولّى الله و رسوله و المؤمنين، و أبرء إلى الله و رسوله من حلف هؤلاء الكفّار و ولايتهم.

و فيه، و في عبدالله بن اُبيّ نزلت الآيات في المائدة:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ - إلى قوله -فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ )

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير عن عطيّة بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّ لي موالي من يهود كثير عددهم، و إنّي أبرء إلى الله و رسوله من ولاية يهود، و أتولّى الله و رسوله.

فقال عبدالله بن اُبيّ: إنّي رجل أخاف الدوائر لا أبرء من ولاية مواليّ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبدالله بن اُبيّ: يا أبا الحبّاب أ رأيت الّذي نفست به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه؟ قال: إذن أقبل فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ‏ - إلى أن بلغ إلى قوله -وَ الله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: آمن عبدالله بن اُبيّ بن سلول قال: إنّ بيني و بين بني قريظة و النضير حلفاً، و إنّي أخاف الدوائر فارتدّ كافراً، و قال

٤٢٢

عبادة بن الصامت: أبرء إلى الله من حلف قريظة و النضير و أتولّى الله و رسوله و المؤمنين.

فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ - إلى قوله -فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ) يعني عبدالله بن اُبيّ و قوله:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ) يعني عبادة بن الصامت و أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال:( وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَ النَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَ لكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

أقول: و رويت القصّة بغير هذه الطرق، و قد تقدّم أنّ هذه الأسباب أسباب تطبيقيّة اجتهاديّة، و فيها أمارات تدلّ على ذلك، كيف و الآيات تذكر النصارى مع اليهود، و لم يكن في قصّة بني قينقاع و ما جرى بين المسلمين و بين بني قريظة و النضير للنصارى إصبع، و لا للمسلمين معهم شأن؟ و مجرّد ذكرهم تطفّلاً و اطّراداً ممّا لا وجه له، و في القرآن آيات متعرّضة لحال اليهود في الوقائع الّتي جرت بينهم و بين المسلمين و ما داخل فيه المنافقون من أعمالهم خصّ فيه اليهود بالذكر و لم يذكر فيه النصارى كما في سورة الحشر و غيرها، فما بال الاطّراد و التطفّل يجري حكمهما ههنا و لا يجري هناك؟

على أنّ الرواية تذكر الآيات النازلة في عبادة بن الصامت و عبدالله بن اُبيّ سبع عشرة آية (آية: ٥١ - ٦٧) و لا اتّصال بينها حتّى تنزل دفعة (أوّلاً)، و فيها آية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَ رَسُولُهُ ) و قد تواترت روايات الخاصّة و العامّة على أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام (ثانياً)، و فيها آية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) و لا ارتباط لها مع القصّة البتّة (ثالثاً).

فليس إلّا أنّ الراوي أخذ قصّة عبادة و عبدالله ثمّ وجد الآيات تناسبها بعض المناسبة فطبّقها عليها ثمّ لم يحسن التطبيق فوضع سبع عشرة آية مكان ثلاث آيات بمناسبة تعرّضها لحال أهل الكتاب.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن عكرمة: في قوله:( يا أَيُّهَا

٤٢٣

الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) في بني قريظة إذ غدروا و نقضوا العهد بينهم و بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابهم إلى أبي سفيان بن حرب يدعونهم و قريشاً ليدخلوهم حصونهم فبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر إليهم أن يستنزلهم من حصونهم فلمّا أطاعوا له بالنزول أشار إلى حلقه بالذبح. و كان طلحة و الزبير يكاتبان النصارى و أهل الشام، و بلغني أنّ رجالاً من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يخافون العوز و الفاقة فيكاتبون اليهود من بني قريظة و النضير فيدسّون إليهم الخبر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلتمسون عندهم القرض و النفع فنهوا عن ذلك.

أقول: و الرواية لا بأس بها و هي تفسّر الولاية في الآيات بولاية المحبّة و المودّة و قد تقدّم تأييد ذلك، و هي إن كانت سبباً للنزول حقيقيّاً فالآيات مطلقة تجري في غير القصّة كما نزلت و جرت فيها، و إن كانت من الجري و التطبيق فالأمر أوضح.

و في المجمع، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ ) (الآية) قال: و قيل: هم أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام و أصحابه حين قاتل من قاتله من الناكثين و القاسطين و المارقين، و روي ذلك عن عمّار و حذيفة و ابن عبّاس، و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: قال في المجمع، بعد ذكر الرواية: و يؤيّد هذا القول أنّ النبيّ وصفه بهذه الصفات المذكورة في الآية فقال فيه - و قد ندبه لفتح خيبر بعد أن ردّ عنها حامل الراية إليه مرّة بعد اُخرى و هو يجبّن الناس و يجبّنونه -:( لاُعطيّن الراية غداً رجلاً يحبّ الله و رسوله و يحبّه الله و رسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتى يفتح الله على يده‏) ثمّ أعطاها إيّاه.

فأمّا الوصف باللّين على أهل الإيمان، و الشدّة على الكفّار و الجهاد في سبيل الله مع أنّه لا يخاف فيه لومة لائم فممّا لا يمكن أحداً دفع عليّعليه‌السلام عن استحقاق ذلك لما ظهر من شدّته على أهل الشرك و الكفر و نكايته فيهم، و مقاماته المشهورة في تشييد الملّة و نصرة الدين، و الرأفة بالمؤمنين.

و يؤيّد ذلك أيضاً إنذار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشاً بقتال عليّعليه‌السلام لهم من بعده

٤٢٤

حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة منهم فقالوا: يا محمّد إنّ أرقّائنا لحقوا بك فارددهم إلينا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتنتهنّ يا معاشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله، فقال له بعض أصحابه: من هو يا رسول الله؟ أبو بكر؟ قال: لا، و لكنّه خاصف النعل في الحجرة، و كان عليّعليه‌السلام يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال يوم البصرة: و الله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم، و تلا هذه الآية.

و روى أبوإسحاق الثعلبيّ في تفسيره بالإسناد عن الزهريّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يردّ إلىّ قوم من أصحابي يوم القيامة فيحلّون عن الحوض فأقول: يا ربّ أصحابي، أصحابي فيقال: إنّك لا تدري بما أحدثوا من بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى‏، انتهى.

و هذا الّذي ذكره إنّما يتمّ فيهعليه‌السلام و لا ريب في أنّه أفضل مصداق لما سرد في الآية من الأوصاف لكنّ الشأن في انطباق الآية على عامّة من معه من أهل الجمل و صفّين و قد غيّر كثير منهم بعد ذلك، و قد وقع قوله تعالى:( يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) إلخ في الآية بغير استثناء، و قد عرفت معناه.

و فيه، أيضاً. و روي: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن هذه الآية فضرب بيده على عاتق سلمان فقال: هذا و ذووه، ثمّ قال: لو كان الدين معلّقاً بالثريّا لتناوله رجال من أبناء فارس.

أقول: و الكلام فيه كالكلام في سابقه إلّا أن يراد أنّهم سوف يبعثون من قومه.

و فيه، و قيل: هم أهل اليمن هم ألين قلوباً، و أرقّ أفئدة، الإيمان يمانيّ، و الحكمة يمانيّة، و قال عياض بن غنم الأشعريّ: لمّا نزلت هذه الآية أومأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي موسى الأشعريّ فقال: هم قوم هذا.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، بعدّة طرق، و الكلام فيه كالكلام في سابقه.

٤٢٥

و في تفسير الطبريّ، بإسناده عن قتادة قال: أنزل الله هذه الآية و قد علم أنّه سيرتدّ مرتدّون من الناس فلمّا قبض الله نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتدّ عامّة العرب عن الإسلام إلّا ثلاثة مساجد أهل المدينة و أهل مكّة و أهل البحرين قالوا: نصلّي و لا نزكّي و الله لا تغصب أموالنا، فكلّم أبوبكر في ذلك فقيل لهم:(١) إنّهم لو قد فقهوا لهذا أعطوها و زادوها فقال: لا و الله لا اُفرّق بين شي‏ء جمع الله بينه، و لو منعوا عقالاً ممّا فرض الله و رسوله لقاتلناهم عليه، فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتل على ما قاتل عليه نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى سبى و قتل و حرّق بالنيران اُناساً ارتدّوا عن الإسلام و منعوا الزكاة فقاتلهم حتّى أقرّوا بالماعون - و هي الزكاة - صغرة أقمياء، الحديث.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و أبي الشيخ‏ و البيهقيّ و ابن عساكر عن قتادة، و رواه أيضاً عن الضحّاك و الحسن.

و لفظ الحديث أوضح شاهد على أنّه من قبيل التطبيق النظريّ، و حينئذ يتوجّه إليه ما توجّه إلى ما تقدّمه من الروايات فإنّ هذه الوقائع و الغزوات تشتمل على حوادث و اُمور و قد قاتل فيها رجال كخالد و مغيرة بن شعبة و بسر بن الأرطاة و سمرة بن جندب يذكر التاريخ عنهم فيها و بعد ذلك مظالم و آثاماً لا تدع الآية:( يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) ، إلخ أن تصدق فيهم و تنطبق عليهم، فعليك بالرجوع إلى التاريخ ثمّ التأمّل فيما قدّمناه من معنى الآية.

و قد بلغ من إفراط بعض المفسّرين أن استغرب قول بعضهم:( أنّ الآية أوضح انطباقاً على الأشعريّين من أهل اليمن منها على هؤلاء الذين قاتلوا أهل الردّة) قائلاً: إنّ الآية عامّة تشمل كلّ من نصر الدين ممّن اتّصف بمضمونها من خيار المسلمين من مؤمني عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و من جاء بعد ذلك من المؤمنين، و تنطبق على جميع ما تقدّم من الأخبار كالخبر الدالّ على أنّهم سلمان و قومه - على ضعفه - و الخبر الدالّ على أنّه أبو موسى الأشعريّ و قومه، و الخبر الدالّ على أنّه أبوبكر و أصحابه إلّا ما دلّ على أنّه عليّعليه‌السلام فإنّ لفظ الآية لا ينطبق عليه لأنّ لفظ القوم - المأخوذ في الآية -

____________________

(١) له (ظ).

٤٢٦

لا يجري على الواحد لأنّه نصّ في الجماعة.

هذا محصّل كلامه، و ليس إلّا أنّه عامل كلامه تعالى فيما ذكره من الثناء على القوم و مدحهم معاملة الشعر الّذي يبني المدح على التخيّل، فما قدر عليه خيال الشاعر حمله على ممدوحه من غير أن يعتني بأمر الصدق و الكذب، و قد قال تعالى:( وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا ) (النساء: ١٢٢) أو على المتعارف من الكلام الدائر بيننا الّذي لا يعتمد في إلقائه إلّا على الأفهام البانية على التسامح و التساهل في التلقّي و الإلقاء، و الاعتذار بالمسامحة في كلّ ما اُشكل عليها في شي‏ء و قد قال تعالى:( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ ) (الطارق: ١٤) و قد عرفت فيما تقدّم أنّ الآية لو اُعطيت حقّ معناها فيما تتضمّنه من الصفات تبيّن أنّ مصداقها لم يتحقّق بعد إلى هذا الحين فراجع و تأمّل ثمّ اقض ما أنت قاض.

و من العجيب ما ذكره في آخر كلامه فإنّ من ذكر نزول الآية في عليّعليه‌السلام إنّما ذكر عليّاً و أصحابه كما ذكر آخرون: سلمان و ذويه، و آخرون: أبا موسى و قومه، و آخرون: أبابكر و أصحابه، و كذا ما ورد من الروايات - و قد تقدّم بعضها - إنّما ورد في عليّ و أصحابه، و لم يذكر نزول الآية في عليّعليه‌السلام وحده حتّى يردّ بأنّ لفظ الآية نصّ في الجماعة لا ينطبق على المفرد.

نعم ورد في تفسير الثعلبيّ أنّها نزلت في عليّ و أيضاً في نهج البيان للشيبانيّ عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام ، و المراد به بقرينة الروايات الآخر نزوله فيه و في أصحابه من جهة قيامهم بنصرة الدين في غزوة الجمل و صفّين و الخوارج.

مع أنّه سيأتي أنّ الروايات من طرق الجمهور متكاثرة في نزول آية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَ رَسُولُهُ ) في عليّعليه‌السلام و لفظ الآية جمع.

على أنّ في الرواية - رواية قتادة و الضحّاك و الحسن - إشكالاً آخر و هو أنّ قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) إلخ ظاهر ظهوراً لا مرية فيه في معنى التبديل و الاستغناء سواءً كان الخطاب

٤٢٧

للموجودين في يوم النزول أو لمجموع الموجودين و المعدومين، و المقصود خطاب الجماعة من المؤمنين بأنّهم كلّهم أو بعضهم إن ارتدّوا عن دينهم فسوف يبدّلهم الله من قوم يحبّهم و يحبّونه - و هو لا يحبّ المرتدّين و لا يحبّونه - و لهم كذا و كذا من الصفات ينصرون دينه.

و هذا صريح في أنّ القوم المأتيّ بهم جماعة من المؤمنين غير الجماعة الموجودين في أوان النزول، و المقاتلون أهل الردّة بعيد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا موجودين حين النزول مخاطبين بقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلخ فهم غير مقصودين بقوله:( فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ ) إلخ.

و الآية جارية مجرى قوله تعالى:( وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ) (محمّد: ٣٨).

و في تفسير النعمانيّ، بإسناده عن سليمان بن هارون العجلي قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ صاحب هذا الأمر محفوظ له، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه، و هم الّذين قال الله عزّوجلّ:( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ ) و هم الّذين قال الله:( فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ )

أقول: و روى هذا المعنى العيّاشيّ و القمّيّ في تفسيريهما.

( كلام و بحث مختلط من القرآن و الحديث)

( في كليّات حوادث آخر الزمان)

ممّا تقدّم في الأبحاث السابقة مراراً التلويح إلى أنّ الخطابات القرآنيّة الّتي يهتمّ القرآن بأمرها، و يبالغ في تأكيدها و تشديد القول فيها لا يخلو لحن القول فيها من دلالة على أنّ العوامل و الأسباب الموجودة متعاضدة على أن تسوقهم إلى مهابط السقوط و دركات الردى، و الابتلاء بسخط الله كما في آيات الربا و آية مودّة القربى و غيرهما.

و من طبع الخطاب ذلك فإنّ المتكلّم الحكيم إذا أمر بأمر حقير يسير ثمّ بالغ

٤٢٨

في تأكيده و الإلحاح عليه بما ليس شأنه ذلك، أو خاطب أحداً بخطاب ليس من شأن ذلك المخاطب أن يوجّه إلى مثله ذلك الخطاب كنهي عالم ربّانيّ ذي قدم صدق في الزهد و العبادة عن ارتكاب أفضح الفجور على رؤوس الأشهاد دلّ ذلك على أنّ المورد لا يخلو عن شي‏ء و أنّ هناك خطباً جليلاً و مهلكة خطيرة مشرفة.

و الخطابات القرآنيّة الّتي هذا شأنها تعقّبت حوادث صدّقتها في ما كانت تلوّح إليه بل تدلّ عليه، و إن كان السامعون (لعلّهم) ما كانوا يتنبّهون في أوّل ما سمعوها يوم النزول على ما تتضمّنه من الإشارات و الدلالات.

فقد أمر القرآن بمودّة قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بالغ فيها حتّى عدّها أجر الرسالة و السبيل إلى الله سبحانه ثمّ وقع أن استباحت الاُمّة في أهل بيته من فجائع المظالم ما لو اُمروا به لم يكونوا ليزيدوا على ما أتوا به فيهم.

و نهى القرآن عن الاختلاف و بالغ فيه بما لا مزيد عليه ثمّ وقع أن تفرّقت الاُمّة تفرّقاً و انشعبت انشعابات زادت على ما عند اليهود و النصارى، و كانت اليهود إحدى و سبعين فرقة، و النصارى اثنتين و سبعين فرقة فأتى المسلمون بثلاث و سبعين فرقة هذا في مذاهبهم في معارف الدين العلميّة، و أمّا مذاهبهم في السنن الاجتماعيّة و تأسيس الحكومات و غيرها فلا تقف على حدّ حاصر.

و نهى القرآن عن الحكم بغير ما أنزل الله، و نهى عن إلقاء الاختلاف بين الطبقات و نهى عن الطغيان و اتّباع الهوى إلى غير ذلك و شدّد فيها ثمّ وقع ما وقع.

و الأمر في النهي عن ولاية الكفّار و أهل الكتاب نظير غيره من النواهي المؤكّدة الواردة في القرآن الكريم بل ليس من البعيد أن يدّعى أنّ التشديد الواقع في النهي عن ولاية الكفّار و أهل الكتاب لا يعدله أيّ تشديد واقع في سائر النواهي الفرعيّة.

فقد بلغ الأمر فيه إلى أن عدّ الله سبحانه الموالين لأهل الكتاب و الكفّار منهم:( وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) و نفاهم من نفسه إذ قال:( وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْ‏ءٍ ) (آل عمران: ٢٨) و حذّرهم منتهى التحذير فقال مرّة بعد اُخرى:( وَ

٤٢٩

يُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ ) (آل عمران: ٢٨ ٣٠) و قد مرّ في الكلام على الآية أنّ مدلولها وقوع المحذور لا محالة قضاءً حتماً لا مبدّل له و لا محوّل.

و إن شئت مزيد وضوح لذلك فتدبّر في قوله تعالى:( وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ - و قد ذكر قبل الآية قصص اُمم نوح و هود و صالح و غيرهم ثم اختلاف اليهود في كتابهم -إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا و الخطاب كما ترى خطاب اجتماعي إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (هود: ١١٢) ثمّ تدبّر في قوله تعالى بعده:( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) (هود: ١١٣).

و قد بيّن الله سبحانه معنى مسيس هذه النار في الدنيا قبل الآخرة - و الآية مطلقة - و هو الّذي توعّد به في قوله:( وَ يُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ) بقوله تعالى:( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ) (المائدة: ٣) فبيّن فيه أنّ الّذي كان يخشاه المؤمنون على دينهم من الّذين كفروا و هم المشركون و أهل الكتاب - كما تبيّن سابقاً - إلى يوم نزول الآية فهم اليوم في أمن منه فلا ينبغي لهم أن يخشوهم فيه بل يجب عليهم أن يخشوا فيه ربّهم، و الّذي كانوا يخشونهم فيه على دينهم هو أنّ الكفّار لم يكن لهم همّ فيهم إلّا إطفاء نور الدين، و سلب هذه السلعة النفيسة من أيديهم بأيّ وسيلة قدروا عليها.

فهذا هو الّذي كانوا يخشونه قبل اليوم، و بنزول سورة المائدة أمنوا ذلك و اطمأنّت أنفسهم غير أنّه يجب عليهم أن يخشوا في ذلك ربّهم أن لا يذهب بنورهم و لا يسلبهم دينه.

و من المعلوم أنّ الله سبحانه لا يفاجئ قوماً بنقمة أو عذاب من غير أن يستحقّوه قال تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى‏ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال: ٥٣) فبيّن أنّ تغييره النعمة لا يكون إلّا عن استحقاق، و أنّه يتّبع تغيير الناس ما بأنفسهم، و قد سمّى الدين أو الولاية الدينيّة كما تقدّم نعمة حيث قال بعده:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) المائدة: ٣.

٤٣٠

فتغيير هذه النعمة من قبلهم، و التخطّي عن ولاية الله بقطع الرابطة منه، و الركون إلى الظالمين، و ولاية الكفّار و أهل الكتاب هو المتوقّع منهم، و الواجب عليهم أن يخشوه على أنفسهم فيخشوا الله في سخط لا رادّ له، و قد أوعدهم فيه بقوله:( وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (المائدة: ٥١) فأخبر أنّه لا يهديهم إلى سعادتهم فهي الّتي تتعلّق بها الهداية، و سعادتهم في الدنيا إنّما هي أن يعيشوا على سنّة الدين و السيرة العامّة الإسلاميّة في مجتمعهم.

و إذا انهدمت بنية هذه السيرة اختلّت مظاهرها الحافظة لمعناها من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و سقطت شعائره العامّة، و حلّت محلّها سيرة الكفّار و لم يزل تستحكم أركانها و تستثبت قواعدها، و هذا هو الّذي عليه مجتمع المسلمين اليوم.

و لو تدبّرت في السيرة الإسلاميّة العامّة الّتي ينظمها الكتاب و السنّة و يقرّرانها بين المسلمين ثمّ في هذه السيرة الفاسدة الّتي حمّلت اليوم على المسلمين ثمّ تدبّرت في ما يشير إليه بقوله:( فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (المائدة: ٥٤) وجدت أنّ جميع الرذائل الّتي تحيط بمجتمعنا معاشر المسلمين و تحكم فينا اليوم - ممّا اقتبسناها من الكفّار ثمّ نمت و نسلت فينا - إنّما هي أضداد ما ذكره الله في وصف من وعد بالإتيان به في الآية أعني أنّ جميع رذائلنا الفعليّة تتلخّص في أنّ المجتمع اليوم لا يحبّون الله و لا يحبّهم الله، أذلّة على الكافرين، أعزّة على المؤمنين، لا يجاهدون في سبيل الله، يخافون كلّ لومة.

و هذا هو الّذي تفرّسه القرآن في وجه القوم، و إن شئت فقل: هو النبأ الغيبيّ الّذي نبّأ به العليم الخبير أنّ المجتمع الإسلاميّ سيرتدّ عن دينه، و ليست ردّة مصطلحة و إنّما هي ردّة تنزيليّة يبيّنها قوله تعالى:( وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (المائدة: ٥١) و قوله:( وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَ النَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَ لكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) (المائدة: ٨١).

٤٣١

و قد وعدهم الله النصر إن نصروه، و تضعيف أعدائهم إن لم يقوّوهم و يؤيّدوهم فقال:( إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ ) (محمّد: ٧) و قال:( وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (آل عمران: ١١٢) و ليس من البعيد أن يستفاد من قوله:( إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) أنّ لهم أن يخرجوا من الذلّة و المسكنة بموالاة الناس لهم و تسليط الله تعالى إيّاهم على الناس.

ثمّ وعد الله سبحانه المجتمع الإسلاميّ - و شأنهم هذا الشأن - بالإتيان بقوم يحبّهم و يحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، و الأوصاف المعدودة لهم - كما عرفت - جماع الأوصاف الّتي يفقدها المجتمع الإسلاميّ اليوم، و يستفاد بالإمعان في التدبّر فيها تفاصيل الرذائل الّتي تنبئ الآية أنّ المجتمع الإسلاميّ سيبتلى بها.

و قد اشتملت على تعدادها عدّة من أخبار ملاحم آخر الزمان المرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام ، و هي على كثرتها و من حيث المجموع و إن كانت لا تسلم من آفة الدسّ و التحريف إلّا أنّ بينها أخباراً يصدّقها جريان الحوادث و توالي الوقائع الخارجيّة، و هي أخبار مأخوذة من كتب القدماء المؤلّفة قبل ما يزيد على ألف سنة من هذا التاريخ أو قريباً منه، و قد صحّت نسبتها إلى مؤلّفيها و تظافر النقل عنها.

على أنّها تنطق عن حوادث و وقائع لم تحدث و لم تقع في تلك الآونة و لا كانت مترقّبة تتوقّعها النفوس الّتي كانت تعيش في تلك الأزمنة فلا يسعنا إلّا الاعتراف بصحّتها و صدورها عن منبع الوحي. كما رواه القمّيّ في تفسيره عن أبيه، عن سليمان بن مسلم الخشّاب، عن عبدالله بن جريح المكّيّ، عن عطاء بن أبي رياح، عن عبدالله بن عبّاس قال: حججنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة الوداع فأخذ باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: أ لا اُخبركم بأشراط

٤٣٢

الساعة؟ و كان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رضي الله عنه فقال: بلى يا رسول الله.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلاة، و اتّباع الشهوات، و الميل مع الأهواء، و تعظيم المال، و بيع الدين بالدنيا فعندها يذاب قلب المؤمن و جوفه كما يذوب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان إنّ عندها يليهم أمراء جورة، و وزراء فسقة، و عرفاء ظلمة، و اُمناء خونة.

فقال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان إنّ عندها يكون المنكر معروفاً و المعروف منكراً، و اؤتمن الخائن، و يخون الأمين، و يصدّق الكاذب، و يكذّب الصادق.

قال سلمان، و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان فعندها إمارة النساء، و مشاورة الإماء، و قعود الصبيان على المنابر، و يكون الكذب طرفاً و الزكاة مغرماً، و الفي‏ء مغنماً، و يجفو الرجل والديه، و يبرّ صديقه، و يطلع الكوكب المذنّب.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، و يكون المطر قيظاً، و يغيظ الكرام غيظاً، و يحتقر الرجل المعسر، فعندها يقارب الأسواق إذا قال هذا: لم أبع شيئاً و قال هذا: لم أربح شيئاً فلا ترى إلّا ذامّاً لله.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم، و إن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم و ليطؤنّ حرمتهم، و ليسفكنّ دماءهم و ليملؤنّ قلوبهم رعباً فلا تراهم إلّا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان إنّ عندها يؤتى بشي‏ء من المشرق و شي‏ء من المغرب يلون اُمّتي، فالويل لضعفاء اُمّتي منهم، و الويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، و لا يوقّرون كبيراً، و لا يتجاوزون

٤٣٣

عن مسي‏ء أخبارهم خناء، جثّتهم جثة الآدميّين، و قلوبهم قلوب الشياطين.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها يكتفي الرجال بالرجال و النساء بالنساء، و يغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها و تشبّه الرجال بالنساء و النساء بالرجال، و يركبن ذوات الفروج السروج فعليهنّ من اُمّتي لعنة الله.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع و الكنائس، و تحلّى المصاحف و تطول المنارات، و تكثر الصفوف بقلوب متباغضة و ألسن مختلفة.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إي و الّذي نفسي بيده و عندها تحلّى ذكور اُمّتي بالذهب، و يلبسون الحرير و الديباج و يتّخذون جلود النمور صفاقاً.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها يظهر الربا، و يتعاملون بالغيبة و الرشى، و يوضع الدين و يرفع الدنيا.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حدّ، و لن يضرّ الله شيئاً.

قال سلمان: و إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها تظهر القينات و المعازف و يليهم أشرار اُمّتي.

قال سلمان: و إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان و عندها يحجّ أغنياء اُمّتي للنزهة، و يحجّ أوساطها للتجارة، و يحجّ فقراؤهم للرياء و السمعة فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير الله و يتّخذونه مزامير، و يكون أقوام يتفقّهون لغير الله، و يكثر أولاد الزنا، و يتغنّون بالقرآن، و يتهافتون بالدنيا.

قال سلمان: و إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان ذاك إذا انتهك المحارم، و اكتسبت المآثمّ و سلّط الأشرار على الأخيار، و

٤٣٤

يفشو الكذب، و تظهر اللّجاجة، و تفشو الفاقة و يتباهون في اللّباس، و يمطرون في غير أوان المطر، و يستحسنون الكوبة و المعازف، و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتّى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من في الاُمّة، و يظهر قرّاؤهم و عبّادهم فيما بينهم التلاوم، فاُولئك يدعون في ملكوت السماوات: الأرجاس و الأنجاس.

قال سلمان: و إنّ هذه لكائن يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان فعندها لا يخشى الغنيّ إلّا الفقر حتّى أنّ السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في يده شيئاً.

قال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إي و الّذي نفسي بيده يا سلمان عندها يتكلّم الرويبضة، فقال: و ما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي و اُمّي؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يتكلّم في أمر العامّة من لم يكن يتكلّم فلم يلبثوا إلّا قليلاً حتّى تخور الأرض خورة فلا يظنّ كلّ قوم إلّا أنّها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثمّ ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها، قال: ذهب و فضّة ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين فقال: مثل هذا فيومئذ لا ينفع ذهب و لا فضّة فهذا معنى قوله:( فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها ) .

و في روضة الكافي، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير جميعاً عن محمّد بن أبي حمزة، عن حمران قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : - و ذكر هؤلاء عنده و سوء حال الشيعة عندهم فقال -: إنّي سرت مع أبي جعفر المنصور و هو في موكبه، و هو على فرس و بين يديه خيل، و من خلفه خيل، و أنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا أباعبدالله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوّة، و فتح لنا من العزّ، و لا تخبر الناس أنّك أحقّ بهذا الأمر منّا و أهل بيتك فتغرينا بك و بهم.

قال: فقلت: و من رفع هذا إليك عنّي فقد كذب فقال لي: أ تحلف على ما تقول؟ قال: فقلت: إنّ الناس سحرة يعني يحبّون أن يفسدوا قلبك عليّ فلا تمكّنهم من سمعك فإنّا إليك أحوج منك إلينا، فقال لي: تذكر يوم سألتك: هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم، و فسحة من دنياكم حتّى تصيبوا

٤٣٥

منّا دماً حراماً في شهر حرام في بلد حرام؟ فعرفت أنّه قد حفظ الحديث فقلت: لعلّ الله عزّوجلّ أن يكفيك فإنّي لم أخصّك بهذا و إنّما هو حديث رويته، ثمّ لعلّ غيرك من أهل بيتك أن يتولّى ذلك، فسكت عنّي.

فلمّا رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال، جعلت فداك و الله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر، و أنت على حمار و هو على فرس، و قد أشرف عليك يكلّمك كأنّك تحته فقلت بيني و بين نفسي: هذا حجّة الله على الخلق، و صاحب هذا الأمر الّذي يقتدى به، و هذا الآخر يعمل بالجور، و يقتل أولاد الأنبياء و يسفك الدماء في الأرض بما لا يحبّ الله، و هو في موكبه و أنت على حمار! فدخلني من ذلك شكّ حتّى خفت على ديني و نفسي.

قالعليه‌السلام : فقلت: لو رأيت من كان حولي و بين يديّ و من خلفي و عن يميني و عن شمالي من الملائكة لاحتقرته و احتقرت ما هو فيه فقال: الآن سكن قلبي.

ثمّ قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أ ليس تعلم أنّ لكلّ شي‏ء مدّة؟ قال: بلى، فقلت: هل ينفعك علمك أنّ هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين؟ إنّك لو تعلم حالهم عندالله عزّوجلّ، و كيف هي كنت لهم أشدّ بغضاً و لو جهدت و جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشدّ ما هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزّنّك الشيطان فإنّ العزّة لله و لرسوله و للمؤمنين و لكنّ المنافقين لا يعلمون، أ لا تعلم أنّ من انتظر أمرنا، و صبر على ما يرى من الأذى و الخوف هو غداً في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحقّ قد مات و ذهب أهله، و رأيت الجور قد شمل البلاد، و رأيت القرآن قد خلق و اُحدث فيه ما ليس فيه و وجّه على الأهواء، و رأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء(١) و رأيت أهل‏ الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ، و رأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه و يعذّر أصحابه، و رأيت الفسق قد ظهر و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء، و رأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، و رأيت الفاسق يكذب و لا يردّ عليه كذبه و فريته، و رأيت الصغير يستحقر بالكبير، و رأيت الأرحام قد تقطّعت، و رأيت

____________________

(١) الماء.

٤٣٦

من يمتدح بالفسق يضحك منه و لا يردّ عليه قوله، و رأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة و رأيت النساء يتزوّجن بالنساء، و رأيت الثناء قد كثر، و رأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى و لا يؤخذ على يديه، و رأيت الناظر يتعوّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، و رأيت الجار يؤذي جاره و ليس له مانع، و رأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، و رأيت الخمور تشرب علانية و يجتمع عليها من لا يخاف الله عزّوجلّ، و رأيت الأمر بالمعروف ذليلاً، و رأيت الفاسق فيما لا يحبّ الله قويّاً محموداً، و رأيت أصحاب الآيات(١) يحقّرون و يحقّر من يحبّهم، و رأيت سبيل الخير منقطعاً و سبيل الشرّ مسلوكاً، و رأيت بيت الله قد عطّل و يؤمر بتركه و رأيت الرجل يقول ما لا يفعله، و رأيت الرجال يتسمّنون للرجال و النساء للنساء، و رأيت الرجل معيشته من دبره و معيشة المرأة من فرجها، و رأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال، و رأيت التأنيث في ولد العبّاس قد ظهر و أظهروا الخضاب و امتشطوا كما تمشط المرأة لزوجها، و أعطوا الرجال الأموال على فروجهم، و تنوفس في الرجل، و تغاير عليه الرجال، و كان صاحب المال أعزّ من المؤمن، و كان الربا ظاهراً لا يعيّر، و كان الزنا تمتدح به النساء، و رأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، و رأيت أكثر الناس و خير بيت من يساعد النساء على فسقهنّ، و رأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً و رأيت البدع و الزنا قد ظهر، و رأيت الناس يعتدّون بشاهد الزور، و رأيت الحرام يحلّل، و الحلال يحرّم، و رأيت الدين بالرأي و عطّل الكتاب و أحكامه، و رأيت اللّيل لا يستخفى به من الجرأة على الله، و رأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه و رأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عزّوجلّ، و رأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر و يباعدون أهل الخير، و رأيت الولاة يرتشون في الحكم، و رأيت الولاية قبالة لمن زاد، و رأيت ذوات الأرحام ينكحن و يكتفى بهنّ، و رأيت الرجل يقتل على التهمة و على الظنّة و يتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و ماله، و رأيت الرجل يعيّر على إتيان النساء، و رأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك و يقيم عليه، و رأيت المرأة تقهر زوجها و تعمل ما لا يشتهي

____________________

(١) الآثار.

٤٣٧

و تنفق على زوجها، و رأيت الرجل يكري امرأته و جاريته و يرضى بالدني من الطعام و الشراب، و رأيت الأيمان بالله عزّوجلّ كثيرة على الزور، و رأيت القمار قد ظهر، و رأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع، و رأيت النساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر، و رأيت الملاهي قد ظهرت يمرّ بها لا يمنعها أحد أحداً و لا يجترئ أحد على منعها، و رأيت الشريف يستذلّه الّذي يخاف سلطانه، و رأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، و رأيت من يحبّنا يزوّر و لا تقبل شهادته، و رأيت الزور من القول يتنافس فيه، و رأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه و خفّ على الناس استماع الباطل، و رأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، و رأيت الحدود قد عطّلت و عمل فيها بالأهواء، و رأيت المساجد قد زخرفت، و رأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، و رأيت الشرّ قد ظهر و السعي بالنميمة، و رأيت البغي قد فشا، و رأيت الغيبة تستملح و يبشّر بها الناس بعضهم بعضاً، و رأيت طلب الحجّ و الجهاد لغير الله و رأيت السلطان يذلّ للكافر المؤمن، و رأيت الخراب قد اُديل من العمران، و رأيت الرجل معيشته من بخس المكيال و الميزان، و رأيت سفك الدماء يستخفّ بها، و رأيت الرجل يطلب الرئاسة لغرض الدنيا و يشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقى و تستند إليه الاُمور، و رأيت الصلاة قد استخفّ بها، و رأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، و رأيت الميّت ينشر من قبره و يؤذى و تباع أكفانه، و رأيت الهرج قد كثر، و رأيت الرجل يمسي نشوان و يصبح سكران لا يهتمّ بما الناس فيه، و رأيت البهائم تنكح، و رأيت البهائم تفرس بعضها بعضا، و رأيت الرجل يخرج إلى مصلاه و يرجع و ليس عليه شي‏ء من ثيابه، و رأيت قلوب الناس قد قست و جمدت أعينهم و ثقل الذكر عليهم، و رأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، و رأيت المصلّي إنّما يصلّي ليراه الناس، و رأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا و الرئاسة، و رأيت الناس مع من غلب، و رأيت طالب الحلال يذمّ و يعيّر و طالب الحرام يمدح و يعظّم، و رأيت الحرمين يعمل فيها بما لا يحبّ الله لا يمنعهم مانع و لا يحول بينهم و بين العمل القبيح أحد، و رأيت المعازف ظاهرة في الحرمين، و رأيت الرجل يتكلّم بشي‏ء من الحقّ و يأمر بالمعروف

٤٣٨

و ينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، و رأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض و يقتدون بأهل الشرّ، و رأيت مسلك الخير و طريقه خالياً لا يسلكه أحد، و رأيت الميّت يهزّ به فلا يفزع له أحد، و رأيت كلّ عامّ يحدث فيه من البدعة و الشرّ أكثر ممّا كان، و رأيت الخلق و المجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء، و رأيت المحتاج يعطى على الضحك به و يرحم لغير وجه الله، و رأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد و رأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم لا ينكر أحد منكراً تخوّفاً من الناس، و رأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله و يمنع اليسير في طاعة الله، و رأيت العقوق قد ظهر و استخفّ بالوالدين و كانا من أسوء الناس حالاً عند الولد و يفرح بأن يفتري عليهما، و رأيت النساء و قد غلبن على الملك و غلبن على كلّ أمر لا يؤتى إلّا ما لهنّ فيه هوى، و رأيت ابن الرجل يفتري على أبيه و يدعو على والديه و يفرح بموتهما، و رأيت الرجل إذا مرّ به يوم و لم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره، و رأيت السلطان يحتكر الطعام، و رأيت أموال ذوي القربى تقسّم في الزور و يتقامر بها و تشرب بها الخمور، و رأيت الخمر يتداوى بها و يوصف للمريض و يستشفى بها، و رأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ترك التديّن به، و رأيت رياح المنافقين و أهل النفاق قائمة و رياح أهل الحقّ لا تحرّك، و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر، و رأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة و أكل لحوم أهل الحقّ و يتواصفون فيها شراب المسكر، و رأيت السكران يصلّي بالناس و هو لا يعقل و لا يشان بالسكر و إذا سكر اُكرم و اتّقى و خيف و ترك لا يعاقب و يعذّر بسكره، و رأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه، و رأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، و رأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، و رأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق و الجرأة على الله يأخذون منهم و يخلّونهم و ما يشتهون، و رأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى و لا يعمل القائل بما يأمر، و رأيت الصلاة قد استخفّ بأوقاتها، و رأيت الصدقة بالشفاعة و لا يراد بها وجه الله و يعطي لطلب الناس، و رأيت الناس همّهم

٤٣٩

بطونهم و فروجهم لا يبالون بما أكلوا و ما نكحوا، و رأيت الدنيا مقبلة عليهم، و رأيت أعلام الحقّ قد درست فكن على حذر و اطلب إلى الله عزّوجلّ النجاة، و اعلم أنّ الناس في سخط الله عزّوجلّ و إنّما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقّباً و اجتهد ليراك الله عزّوجلّ في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب و كنت فيهم عجّلت إلى رحمة الله، و إن اُخّرت ابتلوا و كنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على الله عزّوجلّ و اعلم أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين، و أنّ رحمة الله قريب من المحسنين.

أقول: و هناك أخبار مأثورة عن النبيّ و الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام كثيرة في هذه المعاني، و ما نقلناه من الحديثين من أجمعها معنى، و الأحاديث (أخبار آخر الزمان) كالتفصيل لما يدلّ عليه الآية الكريمة أعني قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (الآية) و الله أعلم.

تمّ و الحمد لله.

٤٤٠