العقائد الإسلامية الجزء ١

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 371

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 371
المشاهدات: 117192
تحميل: 5097


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 371 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117192 / تحميل: 5097
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بديهية، وإن لم يكن كذلك بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها - ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعاً للدور أو التسلسل - فهي علوم كسبية. فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أنه تعالى أعطى الحواس والقوى الداركة للصور الجزئية. وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمى بالبديهيات، وإنما لا يظهر آثارها عليها، حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئاً فشيئاً. وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله: لا تعلمون شيئاً، أنه لا يظهر أثر العلم عليهم، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم. ومعنى: لعلكم تشكرون، إن تصرفوا كل آلة في ما خلقت لأجله، وليس الواو للترتيب حتى يلزم من عطف (جعل) على (أخرج) أن يكون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخراً عن الإخراج من البطن.

- بحار الأنوار ج ١ ص ٩٣

مص: قال الصادقعليه‌السلام : الجهل صورة ركبت في بني آدم، إقبالها ظلمة، وإدبارها نور، والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس، ألا ترى إلى الإنسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعيبها في غيره ساخطاً، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها في غيره، فهو متقلب بين العصمة والخذلان، فإن قابلته العصمة أصاب، وإن قابله الخذلان أخطأ، ومفتاح الجهل الرضا والإعتقاد به، ومفتاح العلم الإستبدال مع إصابة موافقة التوفيق، وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم، وليس شيء إثباته حقيقة نفيه إلا الجهل والدنيا والحرص، فالكل منهم كواحد، والواحد منهم كالكل.

وقال في هامشه: وقولهعليه‌السلام : الجهل صورة ركبت.. إلخ. لأن طبيعة الإنسان في أصل فطرتها خالية عن الكمالات الفعلية والعلوم الثابتة، فكأن الجهل عجن في طينتها وركب مع طبيعتها، ولكن في أصل فطرته له قوة كسب الكمالات بالعلوم والتَّنَورٌّ والمعارف.

٢١

قولهعليه‌السلام : فالكل كواحد، لعل معناه أن هذه الخصال كخصلة واحدة لتشابه مباديها، وانبعاث بعضها عن بعض، وتقوي بعضها ببعض، كما لا يخفى.

- بحار الأنوار ج ١١ ص ١٠

.... عن الباقرعليه‌السلام أنه قال: إنهم كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالاً، فبعث الله النبيين. انتهى.

قال المجلسيرحمه‌الله : وعلى هذا فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلى نبوة ولا شريعة.

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ١٠٠

فإن قيل: لو كانت المعرفة لطفاً لما عصى أحد.

قلنا: اللطف لا يوجب الفعل، وإنما يدعو إليه ويقوي الداعي إليه ويسهله، فربما وقع عنده الفعل، وربما يكون معه أقرب وإن لم يقع.

- شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٨٤

.... كما سئلعليه‌السلام : أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف؟ فقال: في أمر فرغ وفي أمر مستأنف، فالموضوعان السعيد والشقي الأخرويان كما قال تعالى: يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد.

إن قلت: هذا فيما سوى هذا الوجه ينافي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على فطرة الإسلام، إلا أن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه؟

قلت: كل مولود يولد على الفطرة روحاً وصورة بالجهة النورانية، والسعيد سعيد في بطن أمه وكذا الشقي جسداً ومادة، وإذا جعلنا بطن الأم النشاة العلمية فكل مولود يولد على الفطرة وجوداً، والسعيد سعيد ماهية ومفهوماً، وكذا الشقي شقي ماهية ومفهوماً، كل منهما بالحمل الأولي، ليس فاقداً لنفسه، وليس مفهوم أحدهما هو المفهوم من الآخر، فإن المفاهيم من أية نشأة كانت فطرتها وذاتيها الإختلاف،

٢٢

والوجود أية مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والإتفاق، ما به الإمتياز فيه عين ما به الإشتراك، به استمساك الماهيات التي هي مثار الكثرة والمخالفة، فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها.

وبالجملة قد ظهر لك أن اختلاف الوجودات مرتبة في العين، واختلاف قبول الماهيات لمراتب الوجود المقول بالتشكيك فيه، على طبق اختلاف الماهيات بحسب المفهوم في العلم. وهذا معنى اختلاف الطينة في الأزل كما هو عن الأئمةعليهم‌السلام مأثور.... وهو مقتضى العدل.

ويمكن التوفيق بين هذا القول التحقيقي البرهاني والذوقي الوجداني، وبين القول بالتسوية في الطينة باعتبار الوجود والماهية، ولا سيما في مقام الجمع.

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ٥٤

قال صدر المتألهين: إن الله عز وجل لا يولي أحداً إلا ما تولاه طبعاً وإرادة، وهذا عدل منه ورحمة. وقد ورد أن الله تعالى خلق الخلق كلهم في ظلمة ثم قال: ليختر كل منكم لنفسه صورة أخلقه عليها، وهو قوله: خلقناكم ثم صورناكم، فمنهم من قال رب اخلقني خلقاً قبيحاً أبعد ما يكون في التناسب وأوغله في التنافر، حتى لا يكون مثلي في القبح والبعد عن الإعتدال أحد، ومنهم من قال خلاف ذلك، وكل منهما أحب لنفسه التفرد فإن حب الفردانية فطرة الله السارية في كل الأمم التي تقوم بها وجود كل شيء، فخلق الله كلاً على ما اختاره لنفسه، فتحت كل منكر معروف وقبل كل لعنة رحمة وهي الرحمة التي وسعت كل شيء، فإن الله يولي كلاً ما تولى، وهو قوله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً، فإن شك في ذلك شاك فليتأمل قوله تعالى:إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها .. الآية، ليعلم أن الله تعالى لا يحمل أحداً شيئاً قهراً وقسراً، بل يعرضه أولاً فإن تولاه ولاه وإلا فلا. وهذا من رحمة الله وعدله.

٢٣

لا يقال: ليس تولي الشيء ما تولاه عدلاً حيث لا يكون ذلك التولي عن رشد وبصيرة فإن السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه وضر لجهله وسفاهته، فالعدل والشفقة عليه منعه إياه.

لأنا نقول: هذا التولي والتوجيه الذي كلامنا فيه أمر ذاتي لا يحكم عليه بالخير والشر بل هو قبلهما، لأن ما يختاره السفيه إنما يعد شراً بالقياس إليه لأنه مناف لذاته بعد وجوده، فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقيض هذه السفاهة، فذلك هو الذي أوجب أن يسمى ذلك شراً بالقياس إليه.

وأما الإقتضاء الأول الذي كلامنا فيه فلا يمكن وصفه بالشر، لأنه لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخلافه فيوصف بأنه شر، بل هو الإقتضاء الذي جعل الخير خيراً، لأن الخير لشيء ليس إلا ما يقتضيه ذاته. والتولي الذي كلامنا فيه هو الإستدعاء الذاتي الأزلي والسؤال الوجودي الفطري الذي يسأله الذات المطيعة السامعة لقول كن، وقوله ليس أمر قسر وقهر، لأن الله عز وجل غني عن العالمين، فكأنه قال لربه إئذن لي أن أدخل في عدلك وهو الوجود، فقال الله تعالى كن.

- تفسير الميزان ج ٢ ص ٣٤٦

لكن يمكن أن يقال إن الإنسان بحسب خلقته على نور الفطرة هو نور إجمالي يقبل التفصيل، وأما بالنسبة إلى المعارف الحقة والأعمال الصالحة تفصيلاً فهو في ظلمة بعد لعدم تبين أمره. والنور والظلمة بهذا المعنى لا يتنافيان ولا يمتنع اجتماعهما، والمؤمن بإيمانه يخرج من هذه الظلمة إلى نور المعارف والطاعات تفصيلاً، والكافر بكفره يخرج من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والمعاصي التفصيلية.

والإتيان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالى: يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقوله تعالى: يخرجونهم من النور إلى الظلمات، للإشارة إلى أن الحق واحد لا اختلاف فيه كما أن الباطل متشتت مختلف لا وحدة فيه، قال تعالى:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ.... الأنعام - ١٥٣

٢٤

- مجموعة الرسائل للشيخ الصافي ٢٤٣

للشيخ المفيد في بحث الإعتقاد بالفطرة رأي آخر غير ما ذهب إليه الشيخ الصدوق، ولتوضيح ذلك نقول: توجد في باب الإعتقاد بالفطرة وآيات الفطرة وأحاديثها كالحديث (فطرهم على التوحيد) أو (كل مولود يولد على الفطرة) ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن المراد من ذلك هو أن الله جعل فطرة الإنسان نقية مقتضية للتوحيد والعقائد الحقة، وحب الحق والخير والتصديق بحسن العدل وقبح الظلم والنفور عن الباطل والشر، بحيث لو لم يحجب هذه الفطرة الأمور المخالفة من قبيل التربية فالإنسان بنفسه سيهتدي إلى الله ويقر بوجود الصانع، كما يتقبل العقائد الحقة عند ما تعرض عليه.

والصدوق فسر الفطرة بهذا المعنى وقد بحثنا بتفصيل في (رسالتنا) في تفسير آية الفطرة حول هذا الوجه وكونه موافقاً لأصول العقائد الإسلامية في الفطرة والأحاديث الشريفة التي تدل على هذا المعنى.

الوجه الثاني: أن معنى (فطر الله الخلق على التوحيد) فطرهم للتوحيد، أي خلق الناس للإعتقاد بالتوحيد، وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الأعظم الشيخ المفيد، واختاره.

الوجه الثالث: هو أنه عبر عن إرادة التوحيد منهم بالإرادة التكوينية، والظاهر أن المفيد استظهر من كلام الصدوق هذا الوجه فأجاب عن ذلك بقوله: لو كان الأمر كذلك لكان الجميع موحدين.

وبديهي أنه لو كان الأمر دائراً بين الوجه الثاني والثالث، فالقول الصحيح والمعتبر هو قول المفيد (الوجه الثاني). لكن بما أننا قلنا بأن الوجه المعتبر المستفاد من الآية والروايات هو القول الأول، وهو ما اختاره الصدوق ظاهراً، وفيه رجحان على القول الثاني ظاهراً.

٢٥

الفطرة والميثاق وعالم الذر

- تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٥

- في كتاب علل الشرايع بإسناده إلى حبيب قال: حدثني الثقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد، فما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

- وبإسناده إلى حبيب، عمن رواه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما تقول في الأرواح إنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟ قال فقلت إنا نقول ذلك، قال: فإنه كذلك، إن الله عز وجل أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد وهو قوله عز وجل:وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ، إلى آخر الآية، قال: فمن أقر به يومئذ جاءت ألفته هاهنا، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هاهنا.

- في كتاب التوحيد بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمن يوم القيمة؟ قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيمة، فقلت متى؟ قال: حين قال لهم ألست بربكم قالوا بلى، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيمة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

- في الكافي محمد بن يحيى، عن محمد بن موسى، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال له رجل: كيف سميت الجمعة جمعة؟ قال: إن الله عز وجل

٢٦

جمع فيها خلقه لولاية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه في الميثاق، فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه.

- في غوالي اللئالي، وقالعليه‌السلام : أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم، وتلا:ألست بربكم ، قالوا بلى.

- في الكافي، أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي عميرة، عن عبد الرحمان الحذاء، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام لا يرى بالعزل بأساً، أتقرأ هذه الآية: وإذأخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، فكل شيء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان على صخرة صماء.

- عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أمتي عرضت علي في الميثاق، فكان أول من آمن بي عليعليه‌السلام ، وهو أول من صدقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل.

- عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله:ألست بربكم قالوا بلى ، قالوا بألسنتهم؟ قال: نعم وقالوا بقلوبهم، فقلت: وأي شيء كانوا يومئذ؟ قال: صنع منهم ما اكتفى به.

- عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام قال: أتاه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحداً من ولد آدم قبل موسى؟ فقال عليعليه‌السلام : قد كلم الله جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب، فثقل ذلك علي ابن الكوا ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه:وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب، كما تسمع

٢٧

في قول الله يابن الكوا وقالوا بلى، فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا، وأنا الرحمان، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق، فقال الملائكة عند إقرارهم: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين.

- في الكافي، محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد عن موسى بن عمر، عن ابن سنان عن سعيد القماط، عن بكير بن اعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام : لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضع في غيره؟ ولأي علة يُقَبَّل؟ ولأي علة أخرج من الجنة، ولأي علة وضع ميثاق العباد فيه والعهد فيه ولم يوضع في غيره، وكيف السبب ذلك؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب!

قال فقال: سألت وأعضلت في المسالة واستقصيت، فافهم الجواب وفرغ قلبك وأصغ سمعك، أخبرك إن شاء الله، إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدمعليه‌السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان وفي ذلك المكان ترائى لهم، وفي ذلك المكان يهبط الطير على القائمعليه‌السلام فأول من يبايعه ذلك الطير، وهو والله جبرئيلعليه‌السلام وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم، وهو الشاهد لمن وافى في ذلك المكان، والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل على العباد.

فأما علة ما أخرجه الله من الجنة، فهل تدري ما كان الحجر؟ قلت: لا، قال: كان ملكاً من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك، فاتخذه لله أميناً على جميع خلقه، فألقمه الميثاق وأودعه عنده، واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل عليهم، ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة، فلما عصى آدم أخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي

٢٨

أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولوصيهعليه‌السلام وجعله تائهاً حيراناً، فلما تاب الله على آدم حول ذلك الملك في صورة بيضاء، فرماه من الجنة إلى آدم وهو بأرض الهند، فلما نظر إليه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة وأنطقه الله عز وجل، فقال له: يا آدم أتعرفني؟ قال لا، قال: أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك، ثم تحول إلى صورته التي كان مع آدمعليه‌السلام في الجنة، فقال لآدم: أين العهد والميثاق، فوثب إليه آدمعليه‌السلام وذكر الميثاق وبكى وخضع وقبله، وجدد الإقرار بالعهد والميثاق، ثم حوله الله عز وجل إلى جوهرة درة بيضاء صافية تضيَ، فحمله آدم على عاتقه إجلالاً له وتعظيماً، فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيلعليه‌السلام حتى وافى به مكة، فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة، ثم إن الله عز وجل لما بنى الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان، لأنه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ألقم الله الملك الميثاق، ولذلك وضع في ذلك الركن وتنحى آدم من مكان البيت إلى الصفا وحوالي المروة، ووضع الحجر في ذلك الركن، فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده، فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا، فإن الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة....

- بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٧٦

سن: البزنطي عن رفاعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى. قال: نعم لله الحجة على جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا وقبض يده. نعم لله الحجة على جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق، هكذا وقبض يده.

- بحار الأنوار ج ٥ ص ٢٤٤

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض

٢٩

أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال: فقلت وأي شيء الظلال؟ فقال: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيء وليس بشيء؟ ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله وهو قوله عز وجل: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأنكر بعض وأقر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب، وأنكرها من أبغض، وهو قوله عز وجل: ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان التكذيب ثَمَّ.

توضيح: قولهعليه‌السلام : في الظلال، أي عالم الأرواح بناء على أنها أجسام لطيفة، ويحتمل أن يكون التشبيه للتجرد أيضاً تقريباً إلى الأفهام، أو عالم المثال على القول به قبل الإنتقال إلى الأبدان.

تذكير الأنبياء بميثاق الفطرة

سمى الله عز وجل القرآن الكريم: الذكر، ووصف عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه تذكير، واستعمل مادة التذكير في القرآن للتذكير بالله تعالى، والتذكير باليوم الآخر، والتذكير بالفطرة والميثاق.

ووصف أمير المؤمنين عليعليه‌السلام عمل الأنبياءعليهم‌السلام بأنه مطالبة للناس بالإنسجام مع ميثاق الفطرة، قالعليه‌السلام في خطبة طويلة في نهج البلاغة ج ١ ص ٢٣، يذكر فيها خلق آدمعليه‌السلام وصفته:

فأهبطه إلى دار البلية، وتناسل الذرية، اصطفى سبحانه من ولده أنبياء، أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع.... إلى آخر الخطبة.

٣٠

وقال الشيخ محمد عبده في شرح قولهعليه‌السلام ليستأدوهم ميثاق فطرته: كأن الله تعالى بما أودع في الإنسان من الغرائز والقوى، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدى قد أخذ عليه ميثاقاً بأن يصرف ما أوتي من ذلك فيما خلق له، وقد كان يعمل على ذلك الميثاق ولا ينقضه لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات، فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق، أي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم وما ينبغي أن تسوقهم إليه غرائزهم.

دفائن العقول: أنوار العرفان التي تكشف للإنسان أسرار الكائنات، وترتفع به إلى الإيقان بصانع الموجودات، وقد يحجب هذه الأنوار غيوم من الأوهام وحجب من الخيال، فيأتي النبيون لإثارة تلك المعارف الكامنة وإبراز تلك الأسرار الباطنة.

- وقال الراغب الإصفهاني في المفردات ص ١٧٩

الذكر: تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل الذكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ. وكل قول يقال له ذكر.

فمن الذكر باللسان قوله تعالى:لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ، وقوله تعالى:وهذا ذكر مبارك أنزلناه ، وقوله:هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ، وقوله:أأنزل عليه الذكر من بيننا، أي القرآن، وقوله تعالى:ص والقرآن ذي الذكر ....

ومن الذكر عن النسيان قوله:فإني نسيت الحوت وماأنسانيه إلاالشيطان أن أذكره .

ومن الذكر بالقلب واللسان معاً قوله تعالى:فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ، وقوله:فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ....

والذكرى: كثرة الذكر وهو أبلغ من الذكر، قال تعالى:رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ،وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ....

٣١

- وقال الراغب أيضاً: الوعظ زجر مقترن بتخويف. قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب. والعظة والموعظة الإسم، قال تعالى:يعظكم لعلكم تذكرون .قل إنما أعظكم .ذلكم توعظون به .قد جاءتكم موعظة من ربكم....

- وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية ص ١٢١

الفرق بين التذكير والتنبيه: أن قولك ذكر الشيء يقتضي أنه كان عالماً به ثم نسيه فرده إلى ذكره ببعض الأسباب، وذلك أن الذكر هو العلم الحادث بعد النسيان على ما ذكرنا. ويجوز أن ينبه الرجل على الشيء لم يعرفه قط، ألا ترى أن الله ينبه على معرفته بالزلازل والصواعق وفيهم من لم يعرفه البتة فيكون ذلك تنبيهاً له كما يكون تنبيهاً لغيره، ولا يجوز أن يذكره ما لم يعلمه قط. انتهى.

وفيما ذكره اللغويون فوائد ومحال للنظر، وحاصل المسألة: أنه يصح القول إن تسمية القرآن والدين بالذكر لأنه يدل على ما أودعه الله تعالى في عمق فكر الإنسان ومشاعره من الفطرة على التوحيد ومعرفة الله، ولكن السبب الأهم أنه يثير ما بقي في ذهنه ووجدانه من نشأته الأولى وحنينه إلى عالم الغيب والآخرة، وإحساسه بالميثاق الذي أخذ عليه في تلك النشأة.

وقد لاحظت أن الروايات صريحة في أخذ الميثاق على الناس قبل خلقهم في هذه الدنيا، وهي متواترة في مصادر المسلمين، ولذا فإن تفسير تذكير الأنبياء لا يصح حصره بتذكير الإنسان بفطرته لكي ينسجم معها، والتغافل عن التذكير الحقيقي بالميثاق الذي صرحت به الأحاديث الشريفة.

كل مولود يولد على الفطرة

- الكافي ج ٢ ص ١٢

.... قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، كذلك قوله: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله.

٣٢

- علل الشرائع ج ٢ ص ٣٧٦

أبيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن فضيل بن عثمان الأعور قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ما من مولود ولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، وإنما أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذمة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهودوا ولا ينصروا ولا يمجسوا. فأما الأولاد وأهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم! انتهى. ورواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٤٩ وفي التوحيد ص ٣٣٠ وروى المجلسي عدداً من هذه الأحاديث في بحار الأنوار ج ١٠٠ ص ٦٥، والعاملي في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٩٦

- من لا يحضره الفقيه ج ٢ هامش ص ٥٠

وقال الفاضل التفرشي: قوله: إلا على الفطرة، أي على فطرة الإسلام وخلقته، أي المولود خلق في نفسه على الخلقة الصحيحة التي لو خلي وطبعه كان مسلماً صحيح الإعتقاد والأفعال، وإنما يعرض له الفساد من خارج، فصيرورته يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً إنما هي من قبل أبويه غالباً لأنهما أشد الناس اختلاطاً وتربية له، ولعل وجه انتفاء ذمتهم أن ذمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تشملهم، بل أعطاهم الذمة بسبب أن لا يفسدوا اعتقاد أولادهم ليحتاجوا إلى الذمة. ولم يعطوا الذمة من قبل الأوصياءعليهم‌السلام لعدم تمكنهم في تصرفات الإمامة، وإنما يعطوها من قبل من ليس له تلك الولاية، فإذا ظهر الحق وقام القائمعليه‌السلام لم يقروا على ذلك ولا يقبل منهم إلا الإسلام. وأخذ الجزية منهم هذا الزمان من قبيل أخذ الخراج من الأرض، والمنع عن التعرض لهم باعتبار الأمان. وأما قوله في حديث زرارة الآتي: ذلك إلى الإمام، فمعناه أنه إذا كان متمكناً ويرى المصلحة في أخذ الجزية منهم كما وقع في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو لا ينافي انتفاء الذمة عنهم اليوم. انتهى.

٣٣

- تفسير التبيان ج ٨ ص ٢٤٧

قال مجاهد: فطرة الله الإسلام، وقيل فطر الناس عليها ولها وبها بمعنى واحد، كما يقول القائل لرسوله: بعثتك على هذا ولهذا وبهذا بمعنى واحد. ونصب فطرة الله على المصدر، وقيل تقديره: اتبع فطرة الله التي فطر الناس عليها، لأن الله تعالى خلق الخلق للإيمان، ومنه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه.

ومعنى الفطر الشق ابتداءً يقولون: أنا فطرت هذا الشيء أي أنا ابتدأته، والمعنى خلق الله الخلق للتوحيد والإسلام.

- بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٢

- غوالي: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه.

بيان: قال السيد المرتضىرحمه‌الله في كتاب الغرر والدرر بعد نقل بعض التأويلات عن المخالفين في هذا الخبر: والصحيح في تأويله أن قوله يولد على الفطرة، يحتمل أمرين:

أحدهما: أن تكون الفطرة هاهنا الدين، ويكون على بمعنى اللام، فكأنه قال: كل مولود يولد للدين ومن أجل الدين، لأن الله تعالى لم يخلق من يبلغه مبلغ المكلفين إلا ليعبده فينتفع بعبادته، يشهد بذلك قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. والدليل على أن على تقوم مقام اللام ما حكاه يعقوب بن السكيت عن أبي يزيد عن العرب أنهم يقولون: صف عليَّ كذا وكذا حتى أعرفه، بمعنى صف لي، ويقولون: ما أغبطك عليَّ يريدون ما اغبطك لي، والعرب تقيم بعض الصفات مقام بعض، وإنما ساغ أن يريد بالفطرة التي هي الخلقة في اللغة الدين من حيث كان هو المقصود بها، وقد يجري على الشيء اسم ماله به هذا الضرب من التعلق

٣٤

والإختصاص، وعلى هذا يتأول قوله تعالى: وأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، أراد دين الله الذي خلق الخلق له. وقوله تعالى: لا تبديل لخلق الله أراد به أن ما خلق الله العباد له من العبادة والطاعة ليس مما يتغير ويختلف، حتى يخلق قوماً للطاعة وآخرين للمعصية. ويجوز أن يريد بذلك الأمر، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فكأنه قال: لا تبدلوا ما خلقكم الله له من الدين والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا.

والوجه الآخر في تأويل قولهعليه‌السلام على الفطرة: أن يكون المراد به الخلقة، وتكون لفظة (على) على ظاهرها لم يرد بها غيره، ويكون المعنى: كل مولود يولد على الخلقة الدالة على وحدانية الله تعالى وعبادته والإيمان به، لأنه عز وجل قد صور الخلق وخلقهم على وجه يقتضي النظر فيه معرفته والإيمان به وإن لم ينظروا ويعرفوا، فكأنهعليه‌السلام قال: كل مخلوق ومولود فهو يدل بخلقته وصورته على عبادة الله تعالى وإن عدل بعضهم فصار يهودياً أو نصرانياً. وهذا الوجه أيضاً يحتمله قوله تعالى: فطرة الله التي فطر الناس عليها.

وإذا ثبت ما ذكرناه في معنى الفطرة فقوله عليه الصلاة والسلام: حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه، يحتمل وجهين:

أحدهما: أن من كان يهودياً أو نصرانياً ممن خلقته لعبادتي وديني فإنما جعله أبواه كذلك، أو من جرى مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدين، وإنما خص الأبوين لأن الأولاد في الأكثر ينشؤون على مذاهب آبائهم ويألفون أديانهم ونحلهم، ويكون الغرض بالكلام تنزيه الله تعالى عن ضلال العباد وكفرهم، وأنه إنما خلقهم للإيمان فصدهم عنه آباؤهم، أو من جرى مجراهم.

والوجه الآخر: أن يكون معنى يهودانه وينصرانه أي يلحقانه بأحكامهما لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم، فكأنهعليه‌السلام قال: لا تتوهموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصارى أطفالهم أنهم خلقوا لدينهم، بل لم يخلقوا

٣٥

إلا للايمان والدين الصحيح، لكن آباءهم هم الذين أدخلوهم في أحكامهم، وعبر عن إدخالهم في أحكامهم بقوله: يهودانه وينصرانه.

* *

- وقال البخاري في صحيحه ج ٢ ص ٩٧

.... أن أبا هريرةرضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرةرضي‌الله‌عنه : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.

- وقال في ج ٢ ص ١٠٤:

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء. انتهى. وروى نحوه في ج ٦ ص ٢٠ وفي ج ٧ ص ٢١١ ورواه أحمد في مسنده ج ٢ ص ٢٣٣ كما في رواية البخاري الأولى. ورواه في ج ٢ ص ٢٧٥ وزاد (ثم يقول واقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).

- وروى أحمد في ج ٢ ص ٢٨٢

عن طاوس عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: كل مولود ولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه، مثل الأنعام تنتج صحاحاً فتكوى آذانها. انتهى. وروى نحوه في ج ٢ ص ٣٤٦ وج ٣ ص ٣٥٣ وروى نحوه مسلم في ج ٨ ص ٥٢ وأبو داود في ج٢ ص٤١٦ والترمذي ج٣ ص٣٠٣ والحاكم ج٢ ص٣٢٣ وكنزالعمال ج١ ص٢٦٦ والسيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٢٢٤ وج ٥ ص ١٥٥ والبيهقي في سننه ج ٦ ص ٢٠٢ و ج ٩ ص ١٣٠

- وفي شعب الإيمان ج ١ ص ٩٧ عن أبي هريرة، وروى عنه أيضاً أن رسول الله (ص)

٣٦

قال: كل إنسان تلده أمه على الفطرة يلكزه الشيطان في حضنيه، إلا مريم وابنها. انتهى. وهو غريب يشبه مقولات النصارى.

وكل الحيوانات فُطرت على معرفة الله تعالى

- الكافي ج ٦ ص ٥٣٩

أبوعلي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن الحجال، وابن فضال، عن ثعلبة، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مهما أبهم على البهائم من شيء فلا يبهم عليها أربعة خصال: معرفة أن لها خالقاً، ومعرفة طلب الرزق ومعرفة الذكر من الأنثى، ومخافة الموت. انتهى. ورواه في من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص٢٨٨ وقال: وأما الخبر الذي روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سميناً قط، فليس بخلاف هذا الخبر، لأنها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون. انتهى. ورواه في وسائل الشيعة ج ٨ ص ٣٥٢، ومحل هذا الموضوع في المعرفة، لكن أوردناه هنا ليتضح أن الإنسان والحيوان مفطوران على معرفة الله تعالى، بل والجماد أيضاً كما قال تعالى(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .

التوجّه الفطري إلى الله تعالى

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ٦٧

يا ملجئي عند اضطراري. فإن الإنسان إذا انقطعت جميع وسائله وانبتت تمام حبائله التجأ إليه تعالى بالفطرة وتشبث به بالجبلة، ولذا استدل الأئمة المعصومون كثيراً على منكري الصانع بالحالات المشاهدة، والوقوع في مظان التهلكة.

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٦٤

يا أحب من كل حبيب. أما أنه أحب من كل حبيب لأهله فواضح، وقد مر، وأما أنه أحب للكل كما هو مقتضى الإطلاق فلأن كل كمال وإفضال لما كان عكس كماله

٣٧

وإفضاله ومحبوبيتها باعتبار وجهها إلى الله، رجع محبوبيتها إلى محبوبيته، فإليه يرجع عواقب الثناء كما ورد عن المعصوم، ولكن لا يستشعر بذلك إلا الخواص.

والتفاضل والإيمان والكفر بذلك الإستشعار، أو لأنه أحب لهم إجمالاً أو فطرة، كما أن الجاهل يعلم أن العالم خير منه، والغضبان يصدق بأن الحليم أشرف منه، والبخيل بأن الجواد أفضل منه، فهم يحبون الصفات الحميدة فطرةً وإن أحبوا تلك الرذايل بالغريزة الثانية.

- شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٤

.... تنبيهاً على أنه تعالى هو المعروف بتلك الصلات والصفات عند الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها، فلا تذهب العقول إلى غيره تعالى حتى عقول الكفار، كما قال تعالى:ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ، وحين قال الخليلعليه‌السلام : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، لم ينكره نمرود بل بهت، لأن فطرته حاكمة بأن القادر على ذلك ليس إلا هو.

رأي صاحب تفسير الميزان في عالم الذر والمعرفة والميثاق

- تفسير الميزان للطباطبائي ج ٨ ص ٣٠٥ - ٣٣١

قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا....

أخذ الشيء من الشيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلقة بها والإعتبارات المأخوذة فيها كأخذ اللقمة من الطعام وأخذ الجرعة من ماء القدح، وهو نوع من الأخذ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب، أو الجواد أو البائع أو المعير، وهو نوع آخر، أو أنواع مختلفة أخرى، وكأخذ العلم من العالم وأخذ الأهبة من المجلس وأخذ الحظ من لقاء الصديق، وهو نوع، وأخذ الولد من والده للتربية، وهو نوع.. إلى غير ذلك.

٣٨

فمجرد ذكر الأخذ من الشيء لا يوضح نوعه إلا ببيان زائد، ولذلك أضاف الله سبحانه إلى قوله وإذ أخذ ربك من بني آدم الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض: قوله من ظهورهم، ليدل على نوع الفصل والأخذ، وهو أخذ بعض المادة منها بحيث لا تنقص المادة المأخوذ منها بحسب صورتها ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها، ثم تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تاماً مستقلاً من نوع المأخوذ منه، فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده وقد كان جزء، ثم يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تاماً مستقلاً من والديه بعد ما كان جزء منهما. ثم يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر وعلى هذه الوتيرة حتى يتم الأخذ وينفصل كل جزء عما كان جزء منه ويتفرق الأناسي وينتشر الأفراد وقد استقل كل منهم عمن سواه، ويكون لكل واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها وعليها ما عليها.

فهذا مفاد قوله:وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، ولو قال أخذ ربك من بني آدم ذريتهم أو نشرهم ونحو ذلك، بقي المعنى على إبهامه.

وقوله:وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، ينبيء عن فعل آخر إلهي تعلق بهم بعد ما أخذ بعضهم من بعض، وفصل بين كل واحد منهم وغيره، وهو إشهادهم على أنفسهم، والإشهاد على الشيء هو إحضار الشاهد عنده وإراءته حقيقته ليتحمله علماً تحملاً شهودياً، فإشهادهم على أنفسهم هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ليتحملوا ما أريد تحملهم من أمرها، ثم يؤدوا ما تحملوه إذا سئلوا.

وللنفس في كل ذي نَفَس جهات من التعلق والإرتباط بغيرها يمكن أن يستشهد الإنسان على بعضها دون بعض، غير أن قوله: ألست بربكم، يوضح ما أشهدوا لأجله وأريد شهادتهم عليه، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم فيؤدوها عند المسألة.

فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ وغرته مساعدة الأسباب ما غرته واستهوته، لا يسعه أن ينكر أنه لا يملك وجود نفسه ولا يستقل بتدبير أمره، ولو

٣٩

ملك نفسه لوقاها مما يكرهه من الموت وسائر آلام الحياة ومصائبها، ولو استقل بتدبير أمره لم يفتقر إلى الخضوع قبال الأسباب الكونية والوسائل التي يرى لنفسه أنه يسودها ويحكم فيها، ثم هي كالإنسان في الحاجة إلى ماوراءها والإنقياد إلى حاكم غائب عنها يحكم فيها لها أو عليها، وليس إلى الإنسان أن يسد خلتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلى رب مالك مدبر حقيقة الإنسان، والفقر مكتوب على نفسه، والضعف مطبوع على ناصيته، لا يخفى ذلك على إنسان له أدنى الشعور الإنساني، والعالم والجاهل والصغير والكبير والشريف والوضيع في ذلك سواء. فالإنسان في أي منزل من منازل الإنسانية نزل، يشاهد من نفسه أن له رباً يملكه ويدبر أمره، وكيف لا يشاهد ربه وهو يشاهد حاجته الذاتية، وكيف يتصور وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه.

فقوله: ألست بربكم، بيان ما أشهد عليه، وقوله: قالوا بلى شهدنا، اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه.

ولذا قيل إن الآية تشير إلى ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا أنه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده وما يتعلق به وجوده من اللوازم والأحكام، ومعنى الآية إنا خلقنا بني آدم في الأرض وفرقناهم وميزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد وأوقفناهم على احتياجهم ومربوبيتهم لنا، فاعترفوا بذلك قائلين بلى شهدنا أنك ربنا. وعلى هذا يكون قولهم بلى شهدنا من قبيل القول بلسان الحال أو إسناداً للازم القول إلى القائل بالملزوم، حيث اعترفوا بحاجاتهم ولزمهم الإعتراف بمن يحتاجون إليه.

والفرق بين لسان الحال والقول بلازم القول، أن الأول انكشاف المعنى عن الشيء لدلالة صفه من صفاته وحال من أحواله عليه، سواء شعر به أم لا، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها وكيف لعب الدهر بهم وعدت عادية الأيام عليهم فأسكنت أجراسهم وأخمدت أنفاسهم، وكما يتكلم سيماء البائس المسكين عن

٤٠