الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٦

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 132065
تحميل: 5584


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132065 / تحميل: 5584
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 6

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وتتّبعت أبناؤهم أبناؤه

كلٌّ لكلٍّ بالأذى يتقصّدُ

حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة

إلّا بما هو دونهم متفرّدُ

بالله أُقسم والنبيِّ وآله

قسماً يفوز به الوليُّ ويسعدُ

لولا الأولى نقضوا عهود محمّد

من بعده وعلى الوصيِّ تمرَّدوا

لم تستطع مَدّاً لآل أُميَّة

يوم الطفوف على ابن فاطمة يدُ

بأبي القتيل المستضام ومَن له

نارٌ بقلبي حرُّها لا يبردُ

بأبي غريب الدار منتهك الخبا

عن عُقر منزله بعيدٌ مفردُ

بأبي الذي كادت لفرط مصابه

شمُّ الرَّواسي حسرةً تتبدَّدُ

كتبت إليه على غرور أُميّة

سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمدُ

بصحائف كوجوههم مسودَّةٌ

جاءت بها ركبانهم تتردَّدُ

حتّى توجّه واثقاً بعهودهم

وله عيونهم انتظاراً ترصدُ

أضحى الذين أعدَّهم لعدوّهم

إلباً(١) جنودهمُ عليه تجنّدُ

وتبادروا يتسارعون لحربه

جيشاُ يُقاد له وآخر يُحشدُ

حتّى تراءى منهم الجمعان في خرق

وضمّهمُ هنالك فدفدُ

ألفوه لا وَكِلاً ولا مستشعراً ذلّاً

ولا في عزمه يتردَّدُ

ماض على عزم يفلُّ بحدِّه

الماضي حدود البيض حين تجرَّدُ

مستبشراً بالحرب علماً أنَّه

يتبوّأ الفردوس إذ يستشهدُ

في أُسرةٍ من هاشم علويّةٍ

عزَّت أُرومتها وطاب المولدُ

وسُراة أنصارٍ ضراغمة لهم

أهوال أيّام الوقايع تشهدُ

يتسارعون إلى القتال يسابق

الكهل المسنّ على القتال الأمردُ

فكأنَّما تلك القلوب تقلّبت

زبراً عليهنَّ الصفيحُ يضمّدُ(٢)

وتخال في إقدامهم أقدامهم

عُمداً على صمِّ الجلامد توقدُ

جادوا بأنفسهم أمام إمامهم

والجود بالنفس النفيسة أجودُ

____________________

١ - الإلب: القوم تجمهم عداوة واحد يقال: هم على إلب واحد.

٢ - الزبرة: القطعة الضخمة من الحديد جمع زبر. الصفيح جمع الصفيحة: السيف العريض.

٣٦١

نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا

بنوا قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلّدوا

حتّى إذا انتهبت نفوسهم الضبا

من دون سيّدهم وقلَّ المسعدُ

طافوا به فرداً وطوع يمينه

متذلّق ماضي الغرار مهنّدُ(١)

عضبٌ(٢) بغير جفون هامات العدى

يوم الكريهة حدُّه لا يغمدُ

يسطو به ثبت الجنان ممنّع

ماضي العزيمة دارعٌ ومُزرِّدُ

ندبٌ متى ندبوه(٣) كرّ معاوداً

والأُسد في طلب الفرايس عوَّدُ

فيروعهم من حدِّ غرب حسامه

ضربٌ يقدُّ به الجماجم أهودُ

يا قلبه يوم الطفوف أزبرةٌ

مطبوعةٌ أم أنت صخرٌ جلمدُ؟

فكأنَّه وجواده وسنانه

وحسامه والنقع داجٍ أسودُ(٤)

فلكٌ به قمرٌ وراه مذنَّبٌ

وأمامه في جنح ليل فرقدُ

في ضيق معترك تقاعص دونه

جرداء مائلة وشيظم أجردُ

فكأنَّما فيه مسيل دمائهم

بحرٌ تهيّجه الرِّياح فيزبدُ

فكأنَّ جَرد الصّافنات سفاينٌ

طوراً تعوم به وطوراً تركدُ(٥)

حتّى شفي بالسيف غلّة صدره

ومن الزلال العذب ليس تبرّد

لهفي له يرد الحتوف ودونه

ماء الفرات محرَّمٌ لا يوردُ

شزراً(٦) يلاحظه ودون وروده

نارٌ بأطراف الأسنَّة توقدُ

ولقد غشوه فضاربٌ ومفوّقٌ

سهماً إليه و طاعنٌ متقصِّدُ

____________________

١ - الذلق: الحد. التمذلق المحدد الطرف. الماضي فاعل من مضى مضاء السيف أي قطع. الغرار بالكسر: حد السيف. المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.

٢ - العضب: السيف القاطع، ويقال: سيف عضب أي قاطع. والعضب: الرجل الحديد الكلام

٣ - الندب: السريع إلى الفضائل. الظريف النجيب. ندب فلانا للأمر أو إليه دعاه و وجهه إليه.

٤ - هذا البيت وما بعده في بعض النسخ يوجد كذا:

فكأنّه وجواده وسنان صعدته

وليل النقع داج أسود

قمر به فلك يمرّ يؤمه

متقدماً في جنح ليل فرقد

٥ - الجرد بفتح الجيم: الترس. الصافنات جمع الصافن من صفن الفرس: قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. تعوم: تسير.

٦ - شزر: نظر بجانب عينه مع إعراض أو غضب.

٣٦٢

حتّى هوى كالطود غير مذمَّم

بالنفس من أسف يجود ويجهدُ

لهفي عليه مرمّلاً بدمائه

ترب الترائب بالصعيد يوسّدُ

تطأ السنابك(١) منه صدراً طال ما

للدرس فيه وللعلوم تردّدُ

ألقت عليه السّافيات ملابساً

فكسته وهو من اللباس مجرّدُ

خضبت عوارضه دماه فخيّلت

شفقاً له فوق الصَّباح تورّدُ

لهفي لفتيته خموداً في الثرى

ودماؤهم فوق الصعيد تبدّدُ

فكأنّما سيل الدِّماء على عوار

ضهم عقيقٌ ثمَّ منه زبرجدُ

لهفي لنسوته برزن حواسراً

وخدودهنَّ من الدموع تخدّدُ

هاتيك حاسرة القناع وهذه

عنها يُماط رداً ويُنزع مرودُ

ويقلن جهراً للجواد لقد هوى

من فوق صهوتك الجواد الأجودُ

يا يوم عاشوراء حسبك إنَّك

اليوم المشوم بل العبوس الأنكدُ

فيك الحسين ثوى قتيلاً بالعرى

إذ عزَّ ناصره وقلَّ المسعدُ

والتائبون الحامدون العابدون

السائحون الرّاكعون السجَّدُ

أضحت رؤسهمُ أمام نسائهم

قُدماً تميل بها الرِّماح وتأودُ

والسيِّد السجّاد يُحمل صاغراً

ويُقاد في الأغلال وهو مقيَّدُ

لا راحماً يشكو إليه مصابه

في دار غربته ولا مُتودّدُ

يُهدى به وبرأس والده إلى

لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرَّدُ

لا خير في سفهاء قوم عبدهم

ملكٌ يطاع وحرُّهم مستعبدُ

يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي

بدم ولست أخال دمعك ينفدُ

أسفاً على آل الرَّسول ومَن بهم

ركن الهدى شرفاً يُشاد ويُعضدُ

منهم قتيلٌ لا يُجار ومَن سُقي

سمّاً وآخر عن حماه يشرَّدُ

ضاقت بلاد الله وهي فسيحةٌ

بهمُ وليس لهم بأرض مقعدُ

متباعدون لهم بكلِّ تنوفة(١)

مستشهدٌ وبكلِّ أرض مشهدُ

____________________

١ - السنبك: طرف الحافر.

٢ - التنوفة: البرية لا ماء فيها ولا أنيس جمع تنائف.

٣٦٣

أبني المشاعر والحطيم ومَن همُ

حججٌ بهم تشقى الأنام وتسعدُ

أقسمت لا ينفكُّ حزني دائماً

بكمُ ونار حشاشتي لا تخمدُ

بكمُ يميناً لا جرى في ناظري

حزناً عليكم غير دمعي مِرودُ

يفنى الزمان وتنقضي أيامه

وعليّكم بكم الحزين المكمدُ

فلجسمه حلل السّقام ملابسٌ

ولطرفه حرّ المدامع أثمدُ

ولو أنَّني استمددت من عيني دماً

ويقلّ من عيني دماً يستمددُ

لم أقض حقّكمُ عليَّ وكيف أن

تقضي حقوق المالكين الأعبدُ؟

يا صفوة الجبّار يا مستودعي

الأسرار يا مَن ظلّهم لي مقصدُ

عاهدتكم في الذرِّ معرفةً بكم

ووفيت أيماناً بما أتعهَّدُ

ووعدتموني في المعاد شفاعة

وعلى الصِّراط غداً يصحّ الموعدُ

فتفقّدوني في الحساب فإنّني

ثقةً بكم لوجوهكم أتقصَّدُ

كم مدحة لي فيكمُ في طيِّها

حِكمٌ تفوز بها الركاب وتنجدُ

وبنات أفكار تفوق صفات

أبكار يقوم لها القريض ويقعدُ

ليس النضار(١) لها نظيراً بل هي

الدرّ المفصَّل لا الخلاص العسجدُ

هذا ولو أنَّ العباد بأسرهم

تحكي مناقب مجدكم وتعدّدُ

لم يدركوا إلّا اليسير وأنتمُ

أعلا علاً ممّا حكوه وأزيدُ

ولكان في أمّ الكتاب كفاية

عمّا تُنظّمه الورى وتُنضّدُ

صلّى الإله عليكمُ ما باكرت

ورِقٌ على ورَق الغصون تُغرّدُ

وله من قصيدة يمدح بها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وفيها من البديع الجناس في القوافي في ٥٦ بيتاً قوله:

يا روح قدس من الله البدئ بدا

وروح أُنس على العرش العليَّ بدا

يا علّة الخلق يا من لا يُقارب خير

المرسلين سواه مشبهٌ أبدا

يا سرَّ موسى كليم الله حين رأى

ناراً فآنس منها للظلام هدى

ويا وسيلة إبراهيم حين خبت

نار ابن كنعان بردا والضرام هدا

____________________

١ - النضار: الجوهر الخالص من التبر. الذهب والفضة وقد غلب على الذهب.

٣٦٤

أنت الذي قسماً لولا علاك لما كلّت

لدى النحر عن نحر الذَّبيح مُدى

ولا غدا شمل يعقوب النبيّ مع الـ

ـصدِّيق مشتملاً من بعد طول مَدى

أليِّةً بك لولا أنت ما كشفت

مسرَّة الأمن عن قلب النبيِّ صدى

ولا غدت عرصات الكفر موحشة

يبكي عليهنَّ من بعد الأنيس صدى(١)

يا من به كمل الدين الحنيف وللإ

سلام من بعد وهن ميله عضدا

وصاحب النصّ في خمّ وقد رفع النـ

ـبيُّ على رغم العدا عَضدا

أنت الذي اختارك الهادي البشير

أخاً وما سواك ارتضى من بينهم أحدا

أنت الذي عجبت منه الملائك في

بدرٍ ومن بعدها إذ شاهدوا أُحدا

وحقِّ نصرك للإسلام تكلؤه

حياطةً بعد خطب فادحٍ ورَدى

ما فصّل المجد جلباباً لذي شرف

إلّا وكان لمعناك البهيج رِدا

يا كاشف الكرب عن وجه النبيِّ لدى

بدر وقد كثرت أعداؤه عَددا

استشعروا الذلَّ خوفاً من لقاك وقد

تكاثروا عدداً واستصحبوا عُددا

ويوم عمرو بن ودِّ العامري وقد

سارت إليك سرايا جيشه مَددا

أضحكت ثغر الهدى بشراً به وبكت

عين الضَّلال له بعد الدما مُددا

وفي هوازن لما نار ها استعرت

من عزم عزمك يوماً حرّها بردا

أجرى حسامك صوباً من دمائهم

هدراً وأمطرتهم من أسهم بُردا(٢)

أقدمت وانهزم الباقون حين رأوا

على النبيِّ محيطاً جحفلاً لَبدا(٣)

لولا حسامك ما ولّوا ولا اطّرحوا

من الغنائم مالاً وافراً لُبدا(٤)

إلخ

(الشاعر )

أبو الحسن علاء الدين الشيخ عليّ بن الحسين الحلّي الشهيفي(٥) المعروف بابن

____________________

١ - الصدى: نوع من البوم يأوي إلى الأماكن الخربة المظلمة ويسمى أيضاً: الهامة.

٢ - ثلج جامد ينزل من السحاب يسمى حبّ الغمام وحبّ المزن

٣ - لبد القوم بالرجل: لزموه وأطافوا به.

٤ - لبد بضم اللام أي الكثير الجمّ.

٥ - لم تعرف وجه هذه النسبة ونجد في ضبطها اختلافا في النسخ بين الشهيفى، والشفهينى، والشهفينى، والشفهى، والشهيفينى.

٣٦٥

الشهفيّة، عالمٌ فاضلٌ، وأديبٌ كاملٌ، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ، ونظر صائب، ونبوغ ظاهر، وفضل باهر، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهم السّلام، وقصايده الرنّانة السائرة الطافحة بالحجاج، الزاهية بالرقايق، المشحونة بالدقايق، المتبلّجة بالمحسّنات البديعيّة على جزالةٍ في اللفظ، وحصافةٍ في المعنى، ومتانةٍ في الأسلوب، وقوَّةٍ في المبنى، ورصانةٍ في النضد، ورشاقةٍ في النظيم في مدايح أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريّته، وتقدُّمه في محاسن الشعر، وثباته على نواميس المذهب، واقتفائه أثر أئمَّة دينه عليهم السَّلام ولشيخنا الشهيد الأوَل معاصره المقتول سنة ٧٨٦ شرح إحدى قصائد وهي الغديريَّة الثانية المذكورة ولما وقف المترجم على ذلك الشرح فخربه ومدح الشارع بمقطوعة.

ترجمه وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في «المجالس»، وشيخنا الحرّ في أمل الآمل، والميرزا صاحب رياض العلماء، وسيّدنا مؤلِّف رياض الجنَّة، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم.

وقصائده السَّبع الطوال التي أوعز إلى عددها في بعضها وهي التي رآها صاحب [رياض العلماء] بخطِّ العلّامة الشيخ محمّد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ إبن فهد الحلّي المتوفّى ٨٤١ وقفنا منها على عدَّة نسخ، إحداها غديريَّته الأُولى المذكورة وإليك الستُّ الباقية:

القصيدة الأولى

ذهب الصبا وتصرم العمر

ودنا الرحيل وقوض السفر

ووهت قواعد قوتي وذوي

غصن الشبيبة وانحنى الظهر

وبكت حمايم دوحتي أسفا

لما ذوت عذباتها الخضر

وخلت من الينع الجني فلا

قطف بها يجنى ولا زهر

وتبدلت لذهاب سندسها

ذهبية أوراقها الصفر

وتغيبت شمس الضحى فخلى

للبيض عن أوطاني النفر

وجفونني بعد الوصال فلا

هدي يقربني ولا نحر

وهجرن بيتي أن يطفن به

ولهن في هجرانه عذر

٣٦٦

ذهبت نضارة منظري وبدا

في جنح ليل عذاري الفجرُ

وإذا الفتى ذهبت شبيبته

فيما يضرُّ فربحه خسرُ

وعليه ما اكتسبت يداه إذا

سكن الضريح وضمَّه القبرُ

وإذا انقضى عمر الفتى فرطاً

في كسب معصية فلا عمرُ

ما العمر إلّا ما به كثرت

حسناته وتضاعف الأجرُ

ولقد وقفت على منازل مَن

أهوى وفيض مدامعي غمرُ

وسألتها لو أنّها نطقت

أم كيف ينطق منزل قفرُ؟

: يا دار هل لكٍ بالأولى رحلوا

خَبرٌ؟ وهل لمعالم خُبرُ؟

أين البدور بدور سعدك يا

مغني؟ وأين الأنجم الزهرُ؟

أين الكفاة ومن أكفّهم

في النايبات لمعسر يسرُ؟

أين الرُّبوع المخصبات إذا

عفت السنون وأعوز البشرُ

أين الغيوث الهاطلات إذا

بخل السِّحاب وأنجم القطرُ؟

ذهبوا فما وأبيك بعدهمُ

للنّاس نيسانٌ ولا غمرُ

تلك المحاسن في القبور على

مرِّ الدهور هوامدٌ دثرُ

أبكي اشتياقاً كلّما ذكروا

وأخو الغرام يهيجه الذكرُ

ورجوتهم في منتهى أجلي

خلفاً فأخلف ظنّي الدهرُ

فأنا الغريب الدّار في وطني

وعلى اغترابي ينقضي العمرُ

يا واقفاً في الدار مفتكراً

مهلاً فقد أودى بك الفكرُ

إن تمس مكتئباً لبينهمُ

فعقيب كلِّ كآبة وَزرُ(١)

هلّا صبرت على المصاب بهم؟

وعلى المصيبة يحمد الصَّبرُ

وجعلت رزءك في الحسين ففي

رزء ابن فاطمة لك الأجرُ

مكروا به أهل النفاق وهل

لمنافق يستبعد المكرُ؟

بصحايف كوجوهم وردت

سوداً وفحو كلامهم هجرُ

حتّى أناخ بعقر ساحتهم

ثقةً تأكّد منهم الغدرُ

____________________

١ - الوزر بفتح الواو وتاليها: الملجأ.

٣٦٧

وتسارعوا لقتاله زمراً

ما لا يحيط بعدِّه حصرُ

طافوا بأروع(١) في عرينته

يحمى النزيل ويأمن الثغرُ

جيشٌ لهامٌ يوم معركة

وليوم سلمٍ واحدٌ وترُ

فكأنَّهم سربٌ قد اجتمعت

إلفاً فبدَّد شملها صقرُ

أو حاذرٌ ذو لبدة وجمت

لهجومه في مرتع عفرُ(٢)

يا قلبه وعداه من فَرَق

فرِقٌ وملؤ قلوبهم ذعرُ

أمن الصّلاب الصّلب أم زبرٌ

طبعت وصبَّ خلالها قطرُ؟

وكأنَّه فوق الجواد وفي

متن الحسام دماؤهم هدرُ

أسدٌ على فلكٍ وفي يده

المرِّيخ قاني اللون محمرُّ

حتّى إذا قرب المدى وبه

طاف العدى وتقاصر العمرُ

أردوه منعفراً تمجُّ دماً

منه الظبى والذبّل السمرُ

تطأ الخيول إهابة وعلى الـ

ـخدّ التريب لوطيها أثرُ

ظامٍ يبلّ أُوام غلّته

ريّاً يفيضُ نجيعه النحرُ

تأباه إجلالاً فتزجرها

فئةٌ يقود عصاتها شمرُ

فتجول في صدرٍ أحاط على

علم النبوّة ذلك الصّدرُ

بأبي القتيل ومَن بمصرعه

ضعف الهدى وتضاعف الكفرُ

بأبي الذي أكفانه نُسجت

من عثير وحنوطه عفرُ

ومغسَّلاً بدم الوريد فلا

ماءٌ أُعدَّ له ولا سِدر

بدرٌ هوى من سعده فبكا

لخمود نور ضياءه البدرُ

هوت النسور عليه عاكفةً

وبكاه عند طلوعه النسرُ

سلبت يد الطلقاء مغفرة

فبكى لسلب المغفر العفرُ

وبكت ملائكة السّماء له

حزناً ووجه الأرض مغبرُّ

____________________

١ - الأروع: من يعجب الناس بحسنه أو شجاعته.

٢ - الحاذر: المتأهب المستعد. اللبدة بالكسر والضم: الشعر المجتمع بين كتفي الأسد الوجم والوجوم: السكوت والعجز من الغيظ أو الخوف والامساك عن أمر كرها. العفر بالكسر والضم: الخنزير. الشجاع. الغليظ الشديد.

٣٦٨

والدَّهر مشقوق الرِّداء ولا

عجبٌ يشقُّ رداءه الدَّهرُ

والشَّمس ناشرةٌ ذوائبها

وعليه لا يستقبح النشرُ

برزت له في زيِّ ثاكلة

أثيابها دمويَّةٌ حمرُ

وبكت عليه المعصرات دماً

فأديم خدِّ الأرض محمرُّ

لا عذر عندي للسَّماء وقد

بخلت وليس لباخلٍ عذرُ

تبكي دماً لما قضى عطشاً

لِمَ لا بكى حبّاً له القطرُ

وكريمة المقتول يوجد من

دمه على أثوابها أثرُ

بأبي كريمات «الحسين» وما

من دونهنَّ لناظر سترُ

لا ظلُّ سجف يكتنفن به

عن كلِّ أفّاك ولا خِدرُ

ما بين حاسرة وناشرة برزت

يواري شعرها(١) العشرُ

يندبن أكرم سيّد ظفرت

لأقلِّ أعبده به ظفرُ

ويقلن جهراً للجواد وقد

أمّ الخيام: عُقرت يا مهرُ

ما بال سرجك يا جواد من النـ

ـدب الجواد أخي العلا صِفرُ؟

آهاً لها نارٌ تأجّج في

صدري فلا يُطفى لها حرُّ

أيموت ظمآنا «حسين» وفي

كلتا يديه من الندى بحرُ؟

وبنوه في ضيق القيود ومن

ثقل الحديد عليهمُ وقرُ

حُملوا على الأقتاب عاريةً

شعثاً وليس لكسرهم جبرُ

تسري بهم خوض الرِّكاب

وللطلقاء في أعقابها زجرُ

لا راحمٌ لهمُ يرقُّ ولا

فيما أصابهمُ له نكرُ

ويزيد في أعلا القصور له

تشدو القيان وتسكب الخمر

ويقول جهلاً والقضيب به

تدمي شفاة (حسين) والثغرُ

: يا ليت أشياخي الأولى شهدوا

لسُراة هاشم فيهمُ بدرُ

شهدوا الحسين وشطر أُسرته

أسرى ومنهم هالكٌ شطرُ

____________________

١ - وفي بعض النسخ: نشرها.

٣٦٩

إذ لَاستهلّوا فيهمُ فرحاً

كأبي غداة غزاهمُ(١) بسرُ

ويقول وزراً إذ بطشت بهم

لا خفّ عنه ذلك الوزرُ

زعموا بأنْ سنعود ثانية

وأبيك لا بعثٌ ولا نشرُ

يا بن الهداة الأكرمين ومَن

شرف الفخار بهم ولا فخرُ

قسماً بمثواك الشريف وما

ضمت منى والركن والحجرُ(٢)

فهمُ سواءٌ في الجلالة إذ بهـ

ـم التمام يحلّ والقصرُ

تعنو له الألباب تلبيةً

ويطوف ظاهر حجره الحجرُ

ما طائر فقد الفراخ فلا

يَؤويه بعد فراخه وكرُ

بأشدّ من حزني عليك ولا

الخنساء جدّد حزنها صخرُ(٣)

ولقد وددت بأن أراك وقد

قلَّ النصير وفاتك النصرُ

حتّى أكون لك الفداء كما

كرماً فداك بنفسه الحرُّ(٤)

ولئن تفاوت بيننا زمنٌ

عن نصركم وتقادم العصرُ؟

فلأبكينّك ما حييت أسىً

حتّى يواري أعظمي القبرُ

ولأمنحنَّك كلَّ نادبةٍ

يعنو لنظم قريضها الشعرُ

أبكار فكري في محاسنها

نظمٌ وفيض مدامعي نثرُ

ومصاب يومك يا بن فاطمة

ميعادنا وسلوّنا الحشرُ

أو فرحةٌ بظهور قائمكم

فيها لنا الإقبال والبشرُ

يوماً تردّ الشمس ضاحيةً

في الغرب ليس لعرفها نكرُ

وتكبِّر الأملاك مسمعةً

إلّا لمن في أُذنه وَقرُ

: ظهر الإمام العالم العلَم

البرّ التقيُّ الطاهر الطّهرُ

من ركن بيت الله حاجبه

عيسى المسيح وأحمد الخضرُ

____________________

١ - أشار إلى حرب صفين، وبسر هو ابن أرطاة أحد الرجلين اللذين كشفا عن سوأتهما يوم ذاك من بأس أمير المؤمنين وتخلصا من سطوته كما مر حديثه في ج ٢ ص ١٥٦.

٢ - وفي بعض النسخ: والخفيف. بدل الركن.

٣ - صخر بن عمرو بن الشريد كانت الخنساء أخته ملهوفة القلب على موته ولم تزل ترثيه و تبكيه حتّى عميت.

٤ - الحر بن يزيد الرياحي، أول قتيل سعيد بين يدي الإمام السبط يوم كربلا.

٣٧٠

في جحفل لَجبٍ يكاد بهم

من كثرة يتضايق القُطرُ

فهم النجوم الزاهرات بدا

في تمّه من بينها البدرُ

عجّل قدومك يا بن فاطمة

قد مسَّ شيعة جدِّك الضرٌّ

علماؤهم تحت الخمول فلا

نفعٌ لأنفسهم ولا ضرُّ

يتظاهرون بغير ما اعتقدوا

لا قوَّةٌ لهمُ ولا ظهرُ

استعذبوا مرّ الأذى فحلا

لهم ويحلو فيكم المرُّ

فهم الأقلُّ الأكثرون ومِن

ربِّ العباد نصيبهم وَفرُ

أعلام دين رسّخ لهمُ

في نشر كلِّ فضيلة صدرُ

فكفاهمُ فخراً إذا افتخروا

ما دام حيّاً فيهم الفخرُ

وصلوا نهارهمُ بليلهم

نظراً وما لوصالهم هجرُ

وطووا على مَضض سرائرهم

صبراً وليس لطيّها نشرُ

حتّى يفضّ ختامها وبكم

يطفى بُعيد شرارها الشرُّ

يا غائبين متى بقربكمُ

من بَعدوهنٍ يجبر الكسرُ

الفئُ مقتسمٌ لغيركمُ

وأكفّكم من فيئكم صفرُ

والمال حلٌّ للعصاة ويحر

مه الكرام السّادة الغرُّ

فنصيبهم منه الأعمّ على

عصيانهم ونصيبكم نزرُ

يُمسون في أمنٍ وليس لهم

من طارق(١) يغتالهم حذرُ

ويكاد من خوف ومن جزع

بكمُ يضيق البرُّ والبحرُ

ويقول بعد سبعة أبيات:

وإذا ذُكرتم في محافلهم

فوجوههم مُربدَّةٌ صفرُ

يتميّزون لذكركم حنقاً

وعيونهم مُزورَّةٌ خزرُ

وعلى المنابر في بيوتكمُ

لأولي الضلالة والعمى ذكرُ

حالٌ يسوء ذوي النهى وبه

يستبشر المتجاهل الغمرُ

ويصفِّقون على أكفِّهمُ

فرحاً إذا ما أقبل العشرُ

____________________

١ - في بعض النسخ: من طارق يغشاهم خدر.

٣٧١

جعلوه من أهنى مواسمهم

لا مرحباً بك أيّها الشهرُ

تلك الأنامل من دمائكم

يوم الطفوف خضيبةٌ حمرُ

فتوارث الهمج الخضاب فمن

كفر تولّد ذلك الكفرُ

نبكي فيضحكهم مصابكمُ

وسرورهم بمصابكم نكرُ

تالله ما سرّوا النبيَّ ولا لو

صيّه بسرورهم سرّوا

فإلى مَ هذا الإنتظار وفي

لهواتنا من صبرنا صَبرُ(١)

لكنَّه لا بدَّ من فرج

والأمر يحدث بعده الأمرُ

أبني المفاخر والذين علا

لهمُ على هام السّها قدرُ

أسماؤكم في الذكر معلنةٌ

يجلو محاسنها لنا الذِّكرُ

شهدت بها الأعراف معرفةً

والنحل والأنفال والحجرُ

وبراءةٌ شهدت بفضلكمُ

والنور والفرقان والحشرُ

وتعظِّم التوراة قدركم

فإذا انتهى سِفرٌ حكى سفرُ

ولكم مناقب قد أحاط بها الـ

إنجيل حار لوصفها الفكرُ

ولكم علوم الغايبات فمنـ

ـها الجامع المخزون والجفرُ

هذا ولو شجر البسيطة أقلا

مٌ وسبعة أبحر حبرُ

وفسيح هذي الأرض مجملةً

طرسٌ فمنها السّهل والوعرُ

والإنس والأملاك كاتبةٌ

والجنُّ حتّى ينقضي العمرُ

ليعدِّدوا ما فيه خصّكمُ

ذو العرش حتّى ينفد الدَّهرُ

لم يذكروا عُشر العشير وهل

يُحصى الحصا أو يحصر الذرُّ؟

فأنا المقصِّر في مديحكمُ

حصراً فما لمقصِّر عذرُ

ولقد بلوت من الزَّمان ولي

في كلِّ تجربةٍ بهمُ خُبرُ

فوجدت ربَّ الفقر محتقراً

وأخو الغنى يزهو به الكبرُ

فقطعت عمّا خُوّلوا أملي

ولذي الجلال الحمد والشكرُ

____________________

١ - لهوات جمع لهات وهي: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. الصبر بالفتح: عصارة شجر مرّ.

٣٧٢

وثنيت نحوكم الرِّكاب فلا

زيدٌ نؤمّله ولا عمرو

حتّى إذا أمّت جنابكمُ

ومن القريض حمولها دُرُّ

آبت من الحسنات مثقلةً

فأنا الغنيُّ بكم ولا فقرُ

سمعاً بني الزَّهراء سائغةً

ألفاظها من رقَّة سحرُ

عبقت مناقبكم بها فذكى

في كلِّ ناحية لها عطرُ

يرجو «عليٌّ» بها النجاة إذا

مُدَّ الصّراط وأعوز العبرُ

أعددتها يوم القيامة لي

ذخراً ونعم لديكمُ الذخرُ

فتقبّلوها من وليِّكمُ

بكراً فنعم الغادة البكرُ

فقبولكم نعم القرين لها

وهي العروس فبورك الصهرُ

لكمُ عليَّ كمال زينتها

وليَ الجنان عليكمُ مهرُ

أنا عبدكم والمستجير بكمُ

وعليَّ من مرح الصّبا إصرُ

فتعطّفوا كرماً عليَّ وقد

يتفضّل المتعطّف البرُّ

وتفقَّدوني في الحساب كما

فقد العبيد المالك الحرُّ

صلّى الإله عليكمُ أبداً

ما جنَّ ليلٌ أو بدا فجرُ

وعليكمُ منّي التحيّة ما

سحَّ الحيا وتبسّم الزهرُ

القصيدة الثانية

أبرقٌ تراءى عن يمين ثغورها؟(١)

أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها؟(٢)

ومرَّت بليل في بَليل(٣) عراصها

بنا نسمةٌ أم نفحةٌ من عبيرها؟

وطلعة بدرٍ أم تراءت عن اللوى

لعينيك ليلى من خلال ستورها؟

نعم هذه ليلى وهاتيك دارها

بسقط اللوى يغشاك لئلا نورها(٤)

سلامٌ على الدار التي طالما غدت

جلاءاً لعيني درَّة من درورها(٥)

____________________

١ - الثغر: الحد بين المتعاديين وكل فرجة في جبل أو واد

٢ - الثغر مقدم الأسنان. ٣ - البليل والبليلة: الريح الباردة مع ندى

٤ - السقط: ناحية الخباء. اللوى: ما التوى وانعطف من الرمل أو مسترقة ج الواء، وواد من أودية بني سليم. ويوم اللوى وقعة كانت فيه لبني ثعلبة على بني يربوع. وقد أكثرت الشعراء من ذكره وخلطت بين هذا وذاك وعز الفصل بينهما.

٥ - وفي بعض النسخ: ذرة من ذرورها.

٣٧٣

وما عطفت بالصبّ ميلاً إلى الصبا

بها شغفاً إلّا بدورٌ بدورها

قضيت بها عصر الشباب بريئةً

من الريب ذاتي مع ذوات خدورها

أتمّ جمالاً من جميل وسودداً

وأكثر كسباً للعلى من كثيرها

وبتُّ بريئاً من دنوِّ دناءة

أُعاتب من محظورها وخطيرها

لعلمي بأنِّي في المعاد مناقشٌ

حساباً على قطميرها ونقيرها

وما كنت من يسخو بنفس نفيسه

فأرخس بذلاً سِعرها بسعيرها

وأجمل ما يعزى إلى المجد عزوة

غدا مسفراً بالبشر وجه بشيرها

أعذرٌ لمبيضِّ العذار إذا صبا؟

وأكبر مقتاً صبوة من كبيرها

كفى بنذير الشيب نهياً لذي النهى

وتبصرةً فيها هدى لبصيرها

وما شبت إلّا من وقوع شوائب

لأصغرها يبيضُّ رأس صغيرها

ولو لا مصاب السبط بالطفِّ ما بدا

بليل عذاري السبط وخط قتيرها

رمته بحرب آل حرب وأقبلت

إليه نفوراً في عداد نفورها

تقود إليه القود في كلِّ جحفلٍ

إلى غارة معتدَّة من مغيرها

وما عدلت في الحكم بل عدلت به

وقايع صفّين وليل هريرها

وعاضدها في غيِّها شرّ أُمّة

على الكفر لم تسعد برأي مشيرها

خلاف سطور في طروس تطلّعت

طلايع غدرٍ في خلال سطورها

فحين أتاها واثق القلب أصبحت

نواظرها مزورَّة غبّ زورها

فما أوسعت في الدين خرقاً ولا سعت

إلى جورها إلّا لترك أُجورها

بنفسيَ إذ وافى عصاة عصابة

غرار الضبا مشحوذة من غرورها

قؤولاً لأنصارٍ لديه وأُسرةٍ

لذي العرش سرٌّ مودعٌ في صدورها

: أُعيذكم أن تطعموا الموت فاذهبوا

بمغفرةٍ مرضيَّةٍ من غفورها

فأجمل في ردِّ الندا كلُّ ذي ندى

ينافس عن نفس بما في ضميرها

: أعن فرقِ نبغي الفراق وتصطلي

وحيداً بلا عون شرار شرورها؟

وما العذر في اليوم العصيب لعصبة

وقد خفرت يوماً ذمام خفيرها؟

وهل سكنت روح إلى روح جنَّة

وقد خالفت في الدين أمر أميرها؟

٣٧٤

أبى الله إلّا أن تراق دماؤنا

ونُصبح نهباً في أكفِّ نسورها

وثابوا إلى كسب الثواب كأنَّهم

أُسود الشَّرى في كرِّها وزئيرها

تهشُّ إلى الأقدام علماً بأنَّها

تحلُّ محلَّ القدس عند مصيرها

قضت فقضت من جنَّة الخلد سؤلها

وسادت على أحبارها بحبورها

وهان عليها الصَّعب حين تأمَّلت

إلى قاصرات الطرف بين قصورها

وما أنس لا أنسى (الحسين) مجاهداً

بنفسٍ خلت من خلّها وعشيرها

يصول إذا زرق النصول تأوَّهت

لنزع قنيّ أعجمت من صريرها(١)

ترى الخيل في أقدامها منه ما ترى

محاذرة إن أمَّها من هصورها

فتصرف عن بأس مخافة بأسه

كما جفلت كدر القطا من صقورها

يُفلّق هاماة الكماة حسامه

له بدلاً من جفنها وجفيرها(٢)

فلا فرقة إلّا وأوسع سيفه

بها فرقاً أو فرقة من نفورها

أُجدّك هل سمر العواسل تجتني

لكم عسلاً مستعذباً من مريرها؟

أم استنكرت أُنس الحياة نفاسة

نفوسكمُ فاستبدلت أُنس حورها؟

بنفسيَ مجروح الجوارح آيساً

من النصر خلواً ظهره من ظهيرها

بنفسيَ محزوز الوريد معفَّراً

على ظمأ من فوق حرِّ صُخورها

يتوق إلى ماء الفرات ودونه

حدود شفار أحدقت بشفيرها

قضى ظامياً والماء يلمع طامياً

وُغودر مقتولاً دُوين غديرها

هلال دُجاً أمسى بحدّ غروبها

غروباً على قيعانها ووعورها

فيا لكَ مقتولاً علت بهجة العلى

به ظلمةٌ من بعد ضوء سفورها

وقارن قَرن الشمس كسف ولم تعد

نظارتها حُزناً لفقد نظيرها

وأعلنت الأملاك نوحاً وأعولت

له الجنّ في غيطانها وحفيرها

وكادت تمور الأرض من فرط حسرة

على السبط لولا رحمة من مُميرها

____________________

١ - وفي بعض النسخ:

يصول إذا زرق النصول تأودت

لقرع قسى أعجمت عن صريرها

٢ - الكماة جمع الكمي كغني: الشجاع أو لابس السلاح. الجفير: جعبة من جلود لا خشب فيها أو من خشب لا جلود فيها.

٣٧٥

ومرَّت عليهم زعزعٌ لتذيقهم

مرير عذابَ مهلك بمريرها

أسفت وقد آبوا نجيّاً ولم ترح

لهم دابرٌ مقطوعةٌ بدبورها

وأعجب إذ شالت كريمٌ كريمها

لتكبيرها في قتلها لكبيرها

فيا لكِ عيناً لا تجفُّ دموعها

وناراً يذيب القلب حرُّ زفيرها

على مثل هذا الرزؤ يستحسن البكا

وتقلع منَّا أنفسٌ عن سرورها

أيُقتل خير الخلق أُمّاً ووالداً

وأكرم خلق الله وابن نذيرها؟

ويمنع من ماء الفرات وتغتدي

وحوش الفلا ريّانةً من نميرها؟

أُجلُّ [حسيناً] أن يمثّل شخصه

بمثلة قتل كان غير جديرها

يدير على رأس السنان برأسه

سنانٌ ألا شلّت يمين مُديرها

ويُؤتى بزين العابدين مكبّلا

أسيراً ألا روحي الفدا لأسيرها

يُقاد ذليلاً في القيود ممثَّلا

لأكفر خلق الله وابن كفورها

ويمسي يزيدٌ رافلاً في حريره

ويمسي حسينٌ عارياً في حرورها

ودار بني صخر بن حرب أنيسةٌ

بنشد أغانيها وسكب خمورها

تظلُّ على صوت البغايا بغاتها

بها زمرٌ تلهو بلحن زمورها

ودار عليّ والبتول وأحمد

وشبّرها مولى الورى وشبيرها

معالمها تبكي على علمائها

وزائرها يبكي لفقد مَزورها

منازل وحي أقفرت فصدورها

بوحشتها تبكي لفقد صدورها

تظلُّ صياماً أهلها ففطورها

التلاوة والتسبيح فضل سحورها

إذا جنّ ليلٌ زان فيه صلاتهم

صلات فلا يحصى عداد يسيرها

وطَول على طُول الصلاة ومن غدا

مُقيماً على تقصيره في قصيرها

قفا نسأل الدار التي درس البلى

معالمها من بعد درس زبورها

متى أفلت عنها شموس نهارها

وأظلم ظلماً أُفقها من بدورها؟

بدور بأرض الطف طاف بها الردى

فأهبطها من جوِّها في قبورها

كواسر عقبان عليها تعاقبت

بغاثٌ بغاتٌ إذ نأت عن وكورها(١)

____________________

١ - الكواسر جمع الكاسرة يقال: عقاب كاسر: منقض يكسر جناحيه يريد الوقوع، أو يكسر ما يصيده كسراً. عقبان جمع العقاب: طائر قوي المخاطب. بغاث طائرا غير بطئ الطيران.

٣٧٦

قضت عطشاً والماء طام فلم تجد

لها منهلاً إلّا دماء نحورها

عراةٌ عراها وحشةٌ فأذاقها

وقد رميت بالهجر حرّ هجيرها

ينوح عليها الوحش من طول وحشة

وتندبها الأصداء(١) عند بكورها

سيسأل تيمٌ عنهمُ وعديّها

أوائلها ما أكَّدت لأخيرها

ويُسأل عن ظلم الوصيِّ وآله

مشير غواة القوم من مستشيرها

وما جرَّ يوم الطفِّ جور أُميّة

على السبط إلّا جرأة ابن أجيرها

تقمّصها ظلماً فأعقب ظلمه

تعقّب ظلم في قلوب حميرها

فيا يوم عاشوراء حسبك إنّك

المشوم وإن طال المدى من دهورها

لأنت وإن عظّمت أعظم فجعة

وأشهر عندي بدعة من شهورها

فما محن الدنيا وإن جلَّ خطبها

تشاكل من بلواك عُشر عشيرها

بني الوحي هل من بعد خبرة ذي العلى

بمدحكمُ من مدحةٍ لخبيرها

كفى ما أتى في هل أتى من مديحكم

وأعرافها للعارفين وطورها

إذا رمت أن أجلو جمال جميلكم

وهل حصر ينهى صفات حصورها

تضيق بكم ذرعاً بحور عروضها

ويحسدكم شحّاً عريض بحورها

منحتكمُ شكراً وليس بضايع

بضائعُ مدحٍ منحة من شكورها

أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرة

تُقال إذا لم تشفعوا لعثورها

فلي سيئات بتُّ من خوف نشرها

على وجل أخشى عقاب نشورها

فما مالكٌ يوم المعاد بمالكي

إذا كنتمُ لي جُنَّة من سعيرها

وإنّي لمشتاقٌ إلى نور بهجة

سنا فجرها يجلو ظلام فجورها

ظهور أخي عدل له الشمس آيةٌ

من الغرب تبدو معجزاً في ظهورها

متى يجمع الله الشتات وتجبر

القلوب التي لا جابرٌ لكسيرها؟

متى يظهر المهديُّ من آل هاشم

على سيرة لم يبق غير يسيرها؟

متى تقدم الرايات من أرض مكّة

ويضحكني بشراً قدوم بشيرها؟

____________________

١ - الأصداء جمع الصدى: أي الموتى يقال: هم اليوم أعداء وهم غداً أصداء. والصدى نوع من اليوم كما مرّ ص ٣٦٥.

٣٧٧

وتنظر عيني بهجةً علويّةً

ويسعد يوماً ناظري من نضيرها

وتهبط أملاك السّماء كتائباً

لنصرته عن قدرةٍ من قديرها

وفتيان صدقٍ من لويِّ بن غالب

تسير المنايا رهبةً لمسيرها

تخالهمُ فوق الخيول أهلّةً

ظهرنَ من الأفلاك أعلا ظهورها

هنالك تعلو همَّة طال همّها

لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرها

وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن

لنفس [عليّ] نصرة من نصيرها

قضى صابراً حتّى انقضاء مراده

وليس يضيع الله أجر صبورها

القصيدة الثالثة

يا عينُ ما سفحت غروب دِماكِ

إلّا بما أُلهمت حُبَّ دُماكِ

ولطول إلفك بالطول أراك

أقماراً بزغن على غصون إراكِ

ما ريق دمعك حين راق لك الهوى

إلّا لأمر في عناك عناكِ

لك ناظرٌ في كلِّ عضو ناضرٍ

منّاك تسويفاً بلوغ مُناكِ

كم نظرة أسلفتِ نحو سوالف

سامت أساك بها علاج أساكِ

فجنيت دون الورد ورداً متلفاً

وانهار دون شِفاك فيه شَفاكِ

يا بانة السعدي ما سُلّت ظُباك

عليَّ إلّا من عيون ظباكِ

شعبت فؤادي في شعابك ظبية

تصمي القوب بناظر فتّاكِ

تبدو هلال دجىً وتلحظ جؤذراً

وتميس دَلّاً في منيع حماكِ

شمسٌ تبوَّءت القلوب منازلاً

مأنوسة عوضاً عن الأفلاكِ

سكنت بها فسكونها متحرِّكٌ

وجسومها ضعفت بغير حراكِ

أسديَّة الآباء إلّا أنَّ منتسب

الخؤولة من بني الأتراكِ

أشقيقة الحسبين هل من زورة

فيها يبلُّ من الضنا مُضناكِ؟

ماذا يضرّكِ يا ظُبيَّة بابل

لو أنَّ حسنك مثله حسناكِ؟

أنكرتِ قتل متيّم شهدت له

خدّاكِ ما صنعت به عيناكِ؟

وخضبت من دمه بنانكِ عَنوة

وكفاكِ ما شهدت به كفّاكِ

حجبتك عن أسد أُسود عرينها

وحَماك لحظك عن أُسود حماكِ

٣٧٨

حجبوك عن نظري فيالله ما

أدناكِ من قلبي وما أقصاكِ

ضنّ الكرى بالطيف منك فلم يكن

إسراك بل هجر الكرى اُسراكِ

ليت الخيال يجود منكِ بنظرة

إن كان عزَّ على المحبِّ لقاكِ

فأرقت أرض الجامعين(١) فلا الصّبا

عذبٌ ولا طرف السحائب باكي

كلّا ولا برد الكلا بيد الحبا(٢)

فيها يحاك ولا الحمام يحاكي

ودّعت راحلةً فكم من فاقد

باكٍ وكم من مُسعف متباكي

أبكي فراقكم الفريق فأعينُ

المشكوِّ تبكي رحمة للشاكي

كنّا وكنت عن الفراق بمعزل

حتّى رمانا عامداً ورماكِ

وكذا الأولى من قبلنا بزمانهم

وثقوا فصيّرهم حكاية حاكي

يا نفس لو أدركتِ حظّاً وافراً

لنهاكِ عن فعل القبيح نُهاك

وعرفت مَن أنشأكِ من عدم إلى

هذا الوجود وصانعاً سوّاكِ

وشكرت مِنّته عليكِ وحسن ما

أولاكِ من نعمائه مولاكِ

أولاك حبَّ محمّد ووصيِّه

خير الأنام فنعم ما أولاكِ

فهما لعمرك علّماك الدين في

الأولى وفي الأُخرى هما عَلماكِ

وهما أُمانك يوم بعثكِ في غدٍ

وهما إذا انقطع الرجاء رجاكِ

وإذا الصحائف في القيامة نُشرت

سترا عيوبكِ عند كشف غطاكِ

وإذا وقفت على الصِّراط تبادرا

فتقدّماك فلم تزل قدماكِ

وإذا انتهيت إلى الجنان تلقَّيا

كِ وبشَّراكِ بها فيا بشراكِ

هذا رسول الله حسبك في غدٍ

يوم الحساب إذا الخليل جفاكِ

ووصيّه الهادي أبو حسن إذا

أقبلتِ ظامية إليه سقاكِ

فهو المشفّع في المعاد وخير من

علقت به بعد النبيِّ يداكِ

وهو الذي للدِّين بعد خموله

حقّاً أراكِ فهذَّبت آراكِ

لولاه ما عُرف الهدى ونجوت من

متضايق الأشراك والإشراكِ

____________________

١ - أرض الجامعين اسم للحلة الفيحاء في سابقها وأما اليوم فهو إحدى محلاتها.

٢ - الحبا: السحاب الكثيف الذي يدنو من الأرض.

٣٧٩

هو فُلك نوح بين ممتسك به

ناجٍ ومطّرح مع الهلّاكِ

كم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت

مزقاً حدود حسامه البتّاكِ

سل عنه بدراً حين بادر قاصم

الأملاك قائد موكب الأملاكِ

مَن صبّ صوب دم الوليد ومَن ترى

أخلا من الدُّهم الحماة حِماكِ؟

واسئل فوارسها بأُحد من ترى

ألقاك وجه الحتف عند لقاكِ؟

وأطاح طلحة عند مشتبك القنا

ولَواك قسراً عند نكس لِواكِ؟

واسئل بخيبر خابريها مَن ترى

عفّى فناك ومَن أباح فناكِ؟

وأذاق مرحبك الرّدى وأحلّه

ضيق الشباك وفلَّ حدَّ شباكِ؟

واستخبري الأحزاب لما جرّدت

بيض المذاكي(١) فوق جرد مذاكي

واستشعرت فرقاً جموعكِ إذ

غدت فرقاً وأدبر إذ قفاك قفاكِ

قد قلت حين تقدَّمته عصابة

جهلوا حقوق حقيقة الإدراكِ

: لا تفرحي فبكثر ما استعذبت في

أولاك قد عُذِّبت في أُخراكِ

يا أُمّة نقضت عهود نبيّها

أفمن إلى نقض العهود دعاكِ؟

وصّاكِ خيراً بالوصيِّ كأنَّما

متعمّداً في بغضه وصّاكِ

أوَلم يقل فيه النبيُّ مبلّغاً:

هذا عليّك في العلى أعلاكِ

وأمين وحي الله بعدي وهو في

إدراك كلِّ قضيّة أدراكِ

والمؤثر المتصدِّق الوهَّاب إذ

ألهاكِ في دنياكِ جمع لُهاكِ

إيّاك أن تتقدَّميه فإنَّه

في حكم كلِّ قضيّةٍ أقضاكِ

فأطعت لكن باللسان مخافةً

من بأسه والغدر حشو حشاكِ

حتّى إذا قُبض النبيُّ ولم يطل

يوماً مَداك له سننت مِداكِ

وعدلت عنه إلى سواه ضلالةً

ومددتِ جهلاً في خَطاك خُطاكِ

وزويتِ بضعة أحمد عن إرثها

ولبعلها إذ ذاك طال أذاكِ

يا بضعة الهادي النبيِّ وحقِّ من

أسماكِ حين تقدَّست أسماكِ

____________________

١ - جمع مذكات وهى ما تذكا به النار من قطنة ونحوها وهى اسم آلة استعيرت للسيف بعلاقة إنه تلتهب منه نار الحرب كما يلتهب الحطب بالمذكات.

٣٨٠