الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 443

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 443
المشاهدات: 101117
تحميل: 4364


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101117 / تحميل: 4364
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و قال بعضهم: بالعموم إلّا أنّه التزم كون البيان على نحو يجتمع مع التناهي فاللوح المحفوظ في بيانه جميع الأشياء الدنيويّة و الاُخرويّة و ما كان و ما يكون نظير الجفر الجامع في بيانه لما يبيّنه. انتهى.

و الكلام مبنيّ على كونه لوحاً جسمانيّاً موضوعاً في بعض أقطار العالم مكتوباً فيه أسماء الأشياء و أوصافها و أحوالها و ما يجري عليها في الأنظمة الخاصّة بكلّ منها و النظام العامّ الجاري عليها من جميع الجهات، و لو كان كما يقولون لوحاً مادّيّاً جسمانيّاً لم يسع كتابة أسماء أجزائه الّتي تألّف منها جسمه و تفصيل صفاتها و حالاتها فضلاً عن غيره من الموجودات الّتي لا يحصيها و لا يحيط بتفاصيل صفاتها و أحوالها و ما يحدث عليها و النسب الّتي بينها إلّا الله سبحانه، و ليس ينفع في ذلك التخصيص بما في هذه النشأة أو بما دون ذلك و هو ظاهر.

و ما التزم به البعض أنّه من قبيل انطواء غير المتناهي في المتناهي نظير اشتمال الحروف المقطّعة جميع الكلام مع عدم تناهي التأليفات الكلاميّة التزام بوجود صور الحوادث فيه بالقوّة و الإمكان أو الإجمال و كلامه سبحانه فيما يصف فيه هذا اللوح كالصريح أو هو صريح في اشتماله على الأشياء و الحوادث ممّا كان أو يكون أو هو كائن بالفعل و على نحو التفصيل و بسمة الوجوب الّذي لا سبيل للتغيّر إليه، و لو كان كذلك لكفى فيه كتابة حروف التهجّي في دائرة على لوح.

على أنّ الجمع بين جسميّة اللوح و مادّيّته الّتي من خاصّتها قبول التغيّر و بين كونه محفوظاً من أي تغيّر و تحوّل مفروض ممّا يحتاج إلى دليل أجلى من هذه التصويرات و في الكلام مواقع اُخرى للنظر.

فالحقّ أنّ الكتاب المبين هو متن(١) الأعيان بما فيه من الحوادث من جهة ضرورة ترتّب المعلولات على عللها، و هو القضاء الّذي لا يردّ و لا يبدّل لا من جهة إمكان المادّة و قوّتها، و التعبير عنه بالكتاب و اللوح لتقريب الأفهام إلى حقيقة المعنى بالتمثيل، و سنستوفي الكلام في هذا البحث إن شاء الله في موضع يناسبه.

قوله تعالى: ( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ )

____________________

(١) بما لها من الثبوت في مرتبة عللها لا في مرتبة أنفسها منه.

١٤١

إلى آخر الآية قد تقدّم وجه اتّصال الآية بما قبلها و محصّله أنّ الآية السابقة أفادت أنّ الناس - و آخروهم كأوّليهم - مستحقّون بما فيهم من غريزة الفساد و الفسق لحلول الهلاك و سائر أنواع العذاب الشديد، و قد قضى الله على القرى أن تهلك أو تعذّب عذاباً شديداً و هذا هو الّذي منعنا أن نرسل بالآيات الّتي يقترحونها فإنّ السابقين منهم اقترحوها فأرسلناها إليهم فكذّبوا بها فأهلكناهم، و هؤلاء اللاحقون في خلق سابقيهم فلو أرسلنا بالآيات حسب اقتراحهم لكذّبوا بها فحلّ الهلاك بهم لا محالة كما حلّ بسابقيهم، و ما يريد الله سبحانه أن يعاجلهم بالعقوبة.

و بهذا يظهر أنّ للآيتين ارتباطاً بما سيحكيه من اقتراحهم الآيات بقوله:( وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) الآية ٩٠ من السورة إلى آخر الآيات، و ظاهر آيات السورة أنّها نزلت دفعة واحدة.

فقوله:( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ) المنع هو قسر الغير عمّا يريد أن يفعله و كفّه عنه، و الله سبحانه يحكم و لا معقّب لحكمه و هو الغالب القاهر إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، فكون تكذيب الأوّلين لآياته مانعاً له من إرسال الآيات المقترحة بعد ذلك كون الفعل بالنظر إلى ما ارتكز فيهم من خلق التكذيب خالياً عن المصلحة بالنسبة إلى اُمّة أراد الله أن لا يعاجلهم بالعقوبة و الهلاك أو خالياً عن المصلحة مطلقاً للعلم بأنّ عامّتهم لا يؤمنون بالآيات المقترحة.

و إن شئت فقل: إنّ المنافاة بين إرسال الآيات المقترحة مع تكذيب الأوّلين و كون الآخرين سالكين سبيلهم المستتبع للاستئصال و بين تعلّق المشيّة بإمهال هذه الاُمّة عبّر عنها في الآية بالمنع استعارة.

و كأنّه للإشعار بذلك عبّر عن إيتاء الآيات بالإرسال كأنّها تتعاضد و تتداعى للنزول لكنّ التكذيب و تعرّق الفساد في فطر الناس يمنع من ذلك.

و قوله:( إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) التعبير عن الاُمم الهالكة بالأوّلين المضايف للآخرين فيه إيماء إلى أنّ هؤلاء آخر اُولئك الأوّلين فهم في الحقيقة اُمّة واحدة لآخرها من الخلق و الغريزة ما لأوّلها، لذيلها من الحكم ما لصدرها

١٤٢

و لذلك كانوا يقولون:( ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ ) المؤمنون: ٢٤ و يكرّرون ذكر هذه الكلمة.

و كيف كان فمعنى الآية أنّا لم نرسل الآيات الّتي يقترحونها - و المقترحون هم قريش - لأنّا لو أرسلناها لم يؤمنوا و كذّبوا بها فيستحقّوا عذاب الاستئصال كما أنّا أرسلناها إلى الأوّلين بعد اقتراحهم إيّاها فكذّبوا بها فأهلكناهم لكنّا قضينا على هذه الاُمّة أن لا نعذّبهم إلّا بعد مهلة و نظرة كما يظهر من مواضع من كلامه تعالى.

و ذكروا في معنى الآية الكريمة وجهين آخرين:

أحدهما: أنّا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنّهم لا يؤمنون عندها فيكون إنزالها عبثاً لا فائدة فيه كما أنّ من قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات و هذا إنّما يتمّ في الآيات المقترحة و أمّا الآيات الّتي يتوقّف عليها ثبوت النبوّة فإنّ الله يؤتيها رسوله لا محالة، و كذا الآيات الّتي في نزولها لطف منه سبحانه فإنّ الله يظهرها أيضاً لطفاً منه، و أمّا غير هذين النوعين فلا فائدة في إنزالها.

و ثانيهما: أنّ المعنى أنّا لا نرسل الآيات لأنّ آباءكم و أسلافكم سألوا مثلها و لم يؤمنوا به عند ما نزل و أنتم على آثار أسلافكم مقتدون فكما لم يؤمنوا هم لا تؤمنون أنتم.

و المعنى الثاني منقول عن أبي مسلم و تمييزه من المعنيين السابقين من غير أن ينطبق على أحدهما لا يخلو من صعوبة.

و قوله:( وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها ) ثمود هم قوم صالح و لقد آتاهم الناقة آية، و المبصرة الظاهرة البيّنة على حدّ ما في قوله تعالى:( وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) إسراء ١٢، و هي صفة الناقة أو صفة لمحذوف و التقدير آية مبصرة و المعنى و آتينا قوم ثمود الناقة حالكونها ظاهرة بيّنة أو حالكونها آية ظاهرة بيّنة فظلموا أنفسهم بسببها أو ظلموا مكذّبين بها.

١٤٣

و قوله:( وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً ) أي إنّ الحكمة في الإرسال بالآيات التخويف و الإنذار فإن كانت من الآيات الّتي تستتبع عذاب الاستئصال ففيها تخويف بالهلاك في الدنيا و عذاب النار في الآخرة، و إن كانت من غيرها ففيها تخويف و إنذار بعقوبة العقبى.

و ليس من البعيد أن يكون المراد بالتخويف إيجاد الخوف و الوحشة بإرسال ما دون عذاب الاستئصال على حدّ ما في قوله تعالى:( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى‏ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) النحل: ٤٧ فيرجع محصّل معنى الآية أنّا لا نرسل بالآيات المقترحة لأنّا لا نريد أن نعذّبهم بعذاب الاستئصال و إنّما نرسل ما نرسل من الآيات تخويفاً ليحذروا بمشاهدتها عمّا هو أشدّ منها و أفظع و نسب الوجه إلى بعضهم.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) فقرأت الآية و هي أربع واضحة المعاني لكنّها بحسب ما بينها من الاتّصال و ارتباط بعضها ببعض لا تخلو من إجمال و السبب الأصليّ في ذلك إجمال الفقرتين الوسطيين الثانية و الثالثة.

فلم يبيّن سبحانه ما هذه الرؤيا الّتي أراها نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يقع في سائر كلامه ما يصلح لأن يفسّر به هذه الرؤيا، و الّذي ذكره من رؤياه في مثل قوله:( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ ) الأنفال: ٤٣ و قوله( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) الفتح: ٢٧ من الحوادث الواقعة بعد الهجرة و هذه الآية مكّيّة نازلة قبل الهجرة.

و لا يدرى ما هذه الشجرة الملعونة في القرآن الّتي جعلها فتنة للناس، و لا توجد في القرآن شجرة يذكرها الله ثمّ يلعنها نعم ذكر سبحانه شجرة الزقّوم و وصفها بأنّها فتنة كما في قوله( أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ )

١٤٤

الصافّات: ٦٣ لكنّه سبحانه لم يلعنها في شي‏ء من المواضع الّتي ذكرها، و لو كان مجرّد كونها شجرة تخرج في أصل الجحيم و سبباً من أسباب عذاب الظالمين موجباً للعنها لكانت النار و كلّ ما أعدّ الله فيها للعذاب ملعونة و لكانت ملائكة العذاب و هم الّذين قال تعالى فيهم:( وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) المدّثّر: ٣١ ملعونين و قد أثنى الله عليهم ذاك الثناء البالغ في قوله:( عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) التحريم: ٦ و قد عدّ سبحانه أيدي المؤمنين من أسباب عذاب الكفّار إذ قال:( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) التوبة: ١٤ و ليست بملعونة.

و بهذا يتأيّد أنّه لم يكن المراد بالآية الكشف عن قناع الفقرتين و إيضاح قصّة الرؤيا و الشجرة الملعونة في القرآن المجعولتين فتنة للناس بل إنّما اُريدت الإشارة إلى إجمالهما و التذكير بما يقتضيانه بحكم السياق.

نعم ربّما يلوّح السياق إلى بعض شأن الأمرين: الرؤيا و الشجرة الملعونة فإنّ الآيات السابقة كانت تصف الناس أنّ أخراهم كأوّليهم و ذيلهم كصدرهم في عدم الاعتناء بآيات الله سبحانه و تكذيبها، و أنّ المجتمعات الإنسانيّة ذائقون عذاب الله قرية بعد قرية و جيلاً بعد جيل بإهلاك أو بعذاب مخوّف دون ذلك، و الآيات اللاحقة( وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) إلخ المشتملة على قصّة إبليس و عجيب تسلّطه على إغواء بني آدم تجري على سياق الآيات السابقة.

و بذلك يظهر أنّ الرؤيا و الشجرة المشار إليهما في الآية أمران سيظهران على الناس أو هما ظاهران يفتتن بهما الناس فيشيع بهما فيهم الفساد و يتعرّق فيهم الطغيان و الاستكبار و ذيل الآية( وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) يشير إلى ذلك و يؤيّده بل و صدر الآية:( وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ) .

أضف إلى ذلك أنّه تعالى وصف هذه الشجرة الّتي ذكرها بأنّها ملعونة في القرآن، و بذلك يظهر أنّ القرآن مشتمل على لعنها و أنّ لعنها بين اللعنات الموجودة في القرآن كما هو ظاهر قوله:( وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) و قد

١٤٥

لعن في القرآن إبليس و لعن فيه اليهود و لعن فيه المشركون و لعن فيه المنافقون و لعن فيه اُناس بعناوين اُخر كالّذين يموتون و هم كفّار و الّذين يكتمون ما أنزل الله و الّذين يؤذون الله و رسوله إلى غير ذلك.

و قد جعل الموصوف بهذه اللعنة شجرة، و الشجرة كما تطلق على ذي الساق من النبات كذلك تستعمل في الأصل الّذي تطلع منه و تنشأ عليه فروع بالنسب أو بالاتّباع على أصل اعتقاديّ، قال في لسان العرب،: و يقال: فلان من شجرة مباركة أي من أصل مبارك. انتهى. و قد ورد ذلك في لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً كقوله: أنا و عليّ من شجرة واحدة، و من هذا الباب‏ قوله في حديث العبّاس: عمّ الرجل صنو أبيه.(١)

و بالتأمّل في ذلك يتّضح للباحث المتدبّر أنّ هذه الشجرة الملعونة قوم من هؤلاء الملعونين في كلامه لهم صفة الشجرة في النشوء و النموّ و تفرّع الفروع على أصل له حظّ من البقاء و الإثمار و هم فتنة تفتتن بها هذه الاُمّة، و ليس يصلح لهذه الصفة إلّا طوائف ثلاث من المعدودين و هم أهل الكتاب و المشركون و المنافقون و لبثهم في الناس و بقاؤهم على الولاء إمّا بالتناسل و التوالد كأهل بيت من الطوائف المذكورة يعيشون بين الناس و يفسدون على الناس دينهم و دنياهم و يفتتن بهم الناس و إمّا بطلوع عقيدة فاسدة ثمّ اتّباعها على الولاء من خلف بعد سلف.

و لم يظهر من المشركين و أهل الكتاب في زمن الرسول قبل الهجرة و بعدها قوم بهذا النعت، و قد آمن الله الناس من شرّهم مستقلّين بذلك بمثل قوله النازل في أواخر عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ ) المائدة: ٣ و قد استوفينا البحث عن معنى الآية فيما تقدّم.

فالذي يهدي إليه الإمعان في البحث أنّ المراد بالشجرة الملعونة قوم من المنافقين المتظاهرين بالإسلام يتعرّقون بين المسلمين إمّا بالنسل و إمّا بالعقيدة و المسلك هم فتنة للناس، و لا ينبغي أن يرتاب في أنّ في سياق الآية تلويحاً بالارتباط

____________________

(١) الصنوان: النخلتان تطلعان من عرق واحد.

١٤٦

بين الفقرتين أعني قوله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) و خاصّة بعد الإمعان في تقدّم قوله:( وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ) و تذييل الفقرات جميعاً بقوله:( وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) فإنّ ارتباط الفقرات بعضها ببعض ظاهر في أنّ الآية بصدد الإشارة إلى أمر واحد هو سبحانه محيط به و لا ينفع فيه عظة و تخويف إلّا زيادة في الطغيان.

و يستفاد من ذلك أنّ الشأن هو أنّ الله سبحانه أرى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا هذه الشجرة الملعونة و بعض أعمالهم في الإسلام ثمّ بيّن لرسوله أنّ ذلك فتنة.

فقوله:( وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ) مقتضى السياق أنّ المراد بالإحاطة الإحاطة العلميّة، و الظرف متعلّق بمحذوف و التقدير و اذكر إذ قلنا لك كذا و كذا و المعنى و اذكر للتثبّت فيما ذكرنا لك في هذه الآيات أنّ شيمة الناس الاستمرار في الفساد و الفسوق و اقتداء أخلافهم بأسلافهم في الإعراض عن ذكر الله و عدم الاعتناء بآيات الله، وقتاً قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس علما و علم أنّ هذه السنّة ستجري بينهم كما كانت تجري.

و قوله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) محصّل معناه على ما تقدّم أنّه لم نجعل الشجرة الملعونة في القرآن الّتي تعرفها بتعريفنا، و ما أريناك في المنام من أمرهم إلّا فتنة للناس و امتحاناً و بلاء نمتحنهم و نبلوهم به و قد أحطنا بهم.

و قوله:( وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) ضميراً الجمع للناس ظاهراً و المراد بالتخويف إمّا التخويف بالموعظة و البيان أو بالآيات المخوّفة الّتي هي دون الآيات المهلكة المبيدة، و المعنى و نخوّف الناس فما يزيدهم التخويف إلّا طغياناً و لا أيّ طغيان كان بل طغياناً كبيراً أي إنّهم لا يخافون من تخويفنا حتّى ينتهوا عمّا هم عليه بل يجيبوننا بالطغيان الكبير فهم يبالغون في طغيانهم و يفرطون في عنادهم مع الحقّ.

و سياق الآية سياق التسلية فالله سبحانه يعزّي نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها بأنّ الّذي

١٤٧

أراه من الأمر، و عرّفه من الفتن، و قد جرت سنّته تعالى على امتحان عباده بالمحن و الفتن، و قد اعترف بذلك غير واحد من المفسّرين.

و يؤيّد جميع ما تقدّم ما ورد من طرق أهل السنّة و اتّفقت عليه أحاديث أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد بالرؤيا في الآية هي رؤيا رآها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني اُميّة و الشجرة شجرتهم و سيوافيك الروايات في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قد ذكر جمع من المفسّرين استناداً إلى ما نقل عن ابن عبّاس أنّ المراد بالرؤيا الّتي أراها الله نبيّه هو الإسراء، و المراد بالشجرة الملعونة في القرآن شجرة الزقّوم، و ذكروا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رجع من الإسراء و أصبح أخبر المشركين بذلك فكذّبوه و استهزؤا به، و كذلك لمّا سمع المشركون آيات ذكر الله فيها الزقّوم كذّبوه و سخروا منه فأنزل الله في هذه الآية أنّ الرؤيا الّتي أريناك و هي الإسراء و شجرة الزقّوم ما جعلناهما إلّا فتنة للناس.

ثمّ لمّا ورد عليهم أنّ الرؤيا على ما صرّح به أهل اللغة هي ما يراه النائم في منامه و الإسراء كان في اليقظة اعتذروا عنه تارة بأنّ الرؤيا كالرؤية مصدر رأى و لا اختصاص لها بالمنام، و تارة بأنّ الرؤيا ما يراه الإنسان بالليل سواء فيه النوم و اليقظة، و تارة بأنّها مشاكلة لتسمية المشركين له رؤيا، و تارة بأنّه جار على زعمهم كما سمّوا أصنامهم آلهة فقد روي أنّ بعضهم قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قصّ عليهم إسراءه: لعلّه شي‏ء رأيته في منامك فسمّاه الله رؤيا على زعمهم كما قال في الأصنام( آلِهَتُهُمُ ) ، و تارة بأنّه سمّي رؤيا تشبيها له بالمنام لما فيها من العجائب أو لوقوعه ليلاً أو لسرعته.

و قد أجاب عن ذلك بعضهم أنّ الإسراء كان في المنام كما روي عن عائشة و معاوية.

و لمّا ورد عليهم أيضاً أن لا معنى لتسمية الزقّوم شجرة ملعونة و لا ذنب للشجرة اعتذروا عنه تارة بأنّ المراد من لعنها لعن طاعميها على نحو المجاز في الإسناد للدلالة

١٤٨

على المبالغة في لعنهم كما قيل و تارة بأنّ اللعنة بمعنى البعد و هي في أبعد مكان من الرحمة لكونها تنبت في أصل الجحيم، و تارة بأنّها جعلت ملعونة لأنّ طلعها يشبه رؤس الشياطين و الشياطين ملعونون، و تارة بأنّ العرب تسمّي كلّ غذاء مكروه ضارّ ملعونا.

أمّا ما ذكروه في معنى الرؤيا فما قيل: إنّ الرؤيا مصدر مرادف للرؤية أو إنّها بمعنى الرؤية ليلاً يردّه عدم الثبوت لغة و لم يستندوا في ذلك إلى شي‏ء من كلامهم من نظم أو نثر إلّا إلى مجرّد الدعوى.

و أمّا قولهم: إنّ ذلك مشاكلة لتسمية المشركين الإسراء رؤيا أو جرى على زعمهم أنّه رؤيا فيجب تنزيه كلامه سبحانه من ذلك البتّة فما هي القرينة الدالّة على هذه العناية و أنّه ليس فيه اعتراف بكونها رؤيا حقيقة؟ و لم يطلق تعالى على أصنامهم( آلهة ) و( شركاء ) و إنّما أطلق( آلِهَتُهُمُ ) و( لِشُرَكائِهِمْ ) فأضافها إليهم و الإضافة نعمت القرينة على عدم التسليم، و نظير الكلام جار في اعتذارهم بأنّه من تشبيه الإسراء بالرؤيا فالاستعارة كسائر المجازات لا تصحّ إلّا مع قرينة، و لو كانت هناك قرينة لم يستدلّ كلّ من قال بكون الإسراء مناميّا بوقوع لفظة الرؤيا في الآية بناء على كون الآية ناظرة إلى الإسراء.

و أمّا قول القائل: إنّ الإسراء كان في المنام فقد اتّضح بطلانه في أوّل السورة في تفسير آية الإسراء.

و أمّا المعاذير الّتي ذكروها تفصّيا عن جعل الشجرة ملعونة في القرآن فقولهم: إنّ حقيقة لعنها لعن طاعميها على طريق المجاز في الإسناد للمبالغة في لعنهم فهو و إن كان كثير النظير في محاورات العامّة لكنّه ممّا يجب أن ينزّه عنه ساحة كلامه تعالى و إنّما هو من دأب جهلة الناس و سفلتهم تراهم إذا أرادوا أن يسبّوا أحداً لعنوه بلعن أبيه و اُمّه و عشيرته مبالغة في سبّه، و إذا شتموا رجلاً أساؤا ذكر زوجته و بنته و سبّوا السماء الّتي تظلّه و الأرض الّتي تقلّه و الدار الّتي يسكنها و القوم الّذين

١٤٩

يعاشرهم و أدب القرآن يمنعه أن يبالغ في لعن أصحاب النار بلعن الشجرة الّتي يعذّبهم الله بأكل ثمارها.

و قولهم: إنّ اللعن مطلق الإبعاد ممّا لم يثبت لغة و الّذي ذكروه و يشهد به ما ورد من استعماله في القرآن أنّ معناه الإبعاد من الرحمة و الكرامة و ما قيل: إنّها كما قال الله( شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ) فهي في أبعد مكان من الرحمة إن أريدت بالرحمة الجنّة

فهو قول من غير دليل و إن اُريدت به الرحمة المقابلة للعذاب كان لازمه كون الشجرة ملعونة بمعنى الإبعاد من الرحمة و الكرامة و مقتضاه كون جهنّم و ما أعدّ الله فيها من العذاب و ملائكة النار و خزنتها ملعونين مغضوبين مبعّدين من الرحمة، و ليس شي‏ء منها ملعونا و إنّما اللعن و الغضب و البعد للمعذّبين فيها من الإنس و الجنّ.

و قولهم: إنّها جعلت ملعونة لأنّ طلعها يشبه رؤس الشياطين و الشياطين ملعونون فهو مجاز في الإسناد بعيد من الفهم يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأوّل.

و قولهم: إنّ العرب تسمّي كلّ غذاء مكروه ضارّ ملعونا فيه استعمال الشجرة و إرادة الثمرة مجازاً ثمّ جعلها ملعونة لكونها مكروهة ضارّة أو نسبة اللعن و هو وصف الثمرة إلى الشجرة مجازاً و على أيّ حال كونها معنى من معاني اللعن غير ثابت بل الظاهر أنّهم يصفونه باللعن بمعناه المعروف و العامّة يلعنون كلّ ما لا يرتضونه من طعام و شراب و غيرهما.

و أمّا انتساب القول إلى ابن عبّاس فعلى تقدير ثبوته لا حجّيّة فيه و خاصّة مع معارضته لما في حديث عائشة الآتية و غيرها و هو يتضمّن تفسير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا يعارضه قول غيره.

و قال في الكشّاف، في قوله تعالى:( وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ) و اذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربّك أحاط بقريش يعني بشّرناك بوقعة بدر و بالنصرة عليهم و ذلك قوله:( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ

١٥٠

تُحْشَرُونَ ) و غير ذلك فجعله كأن قد كان و وجد فقال:( أَحاطَ بِالنَّاسِ ) على عادته في إخباره.

و حين تزاحف الفريقان يوم بدر و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العريش مع أبي بكر كان يدعو و يقول: اللّهمّ إنّي أسألك عهدك و وعدك ثمّ خرج و عليه الدرع يحرّض الناس و يقول:( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) .

و لعلّ الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر: و الله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم و هو يومئ إلى الأرض و يقول: هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بما اُوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمر يوم بدر و ما اُرى في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون و يستسخرون و يستعجلون به استهزاء.

و حين سمعوا بقوله:( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ ) جعلوها سخريّة و قالوا: إنّ محمّداً يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ثمّ يقول: ينبت فيها الشجر - إلى أن قال - و المعنى أنّ الآيات إنّما يرسل بها تخويفا للعباد، و هؤلاء قد خوّفوا بعذاب الدنيا و هو القتل يوم بدر. انتهى ثمّ ذكر تفسير الرؤيا في الآية بالإسراء ناسباً له إلى قيل.

و هو ظاهر في أنّه لم يرتض تفسير الرؤيا في الآية بالإسراء و إن نسب إلى الرواية فعدل عنه إلى تفسيرها برؤيا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقعة بدر قبل وقوعها و تسامع قريش بذلك و استهزاءهم به.

و هو و إن تفصّى به عمّا يلزم تفسيرهم الرؤيا بالإسراء من المحذور لكنّه وقع فيما ليس بأهون منه إن لم يكن أشدّ و هو تفسير الرؤيا بما رجى أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى في منامه وقعة بدر و مصارع القوم فيها قبل وقوعها و يسخر قريش منه فيجعل فتنة لهم فلا حجّة له على ما فسّر إلّا قوله:( و لعلّ الله أراه مصارعهم في منامه) و كيف يجترئ على تفسير كلامه تعالى بتوهّم أمر لا مستند له و لا حجّة عليه من أثر يعوّل عليه أو دليل من خلال الآيات يرجع إليه.

١٥١

و ذكر بعضهم: أنّ المراد بالرؤيا رؤيا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يدخل مكّة و المسجد الحرام و هي الّتي ذكرها الله سبحانه بقوله:( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا ) الآية.

و فيه أنّ هذه الرؤيا إنّما رآها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الهجرة قبل صلح الحديبيّة و الآية مكّيّة و سنستوفي البحث عن هذه الرؤيا إن شاء الله تعالى.

و ذكر بعضهم: أنّ المراد بالشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود و نسب إلى أبي مسلم المفسّر.

و قد تقدّم ما يمكن أن يوجّه به هذا القول مع ما يرد عليه.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) قال في المجمع، قال الزجّاج: طينا منصوب على الحال بمعنى أنّك أنشأته في حال كونه من طين، و يجوز أن يكون تقديره من طين فحذف( من ) فوصل الفعل، و مثله قوله:( أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ ) أي لأولادكم و قيل: إنّه منصوب على التميز. انتهى.

و جوّز في الكشّاف، كونه حالاً من الموصول لا من المفعول( خَلَقْتَ ) كما قاله الزجّاج، و قيل: إنّ الحالية على أيّ حال خلاف الظاهر لكون( طِيناً ) جامداً.

و في الآية تذكير آخر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقصّة إبليس و ما جرى بينه و بين الله سبحانه من المحاورة عند ما عصى أمر السجدة ليتثبّت فيما أخبره الله من حال الناس أنّهم لم يزالوا على الاستهانة بأمر الله و الاستكبار عن الحقّ و عدم الاعتناء بآيات الله و لن يزالوا على ذلك فليذكر قصّة إبليس و ما عقد عليه أن يحتنك ذرّيّة آدم و سلّطه الله يومئذ على من أطاعه من بني آدم و اتّبع دعوته و دعوة خيله و رجله و لم يستثن في عقده إلّا عباده المخلصين.

فالمعنى: و اذكر إذ قال ربّك للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس فكأنّه قيل: فما ذا صنع؟ أو فما ذا قال؟ إذ لم يسجد؟ فقيل: إنّه أنكر الأمر بالسجدة و قال أ أسجد - و الاستفهام للإنكار - لمن خلقته من طين و قد خلقتني من

١٥٢

نار و هي أشرف من الطين.

و في القصّة اختصار بحذف بعض فقراتها، و الوجه فيه أنّ السياق اقتضى ذلك فإنّ الغرض بيان العلل و العوامل المقتضية لاستمرار بني آدم على الظلم و الفسوق فقد ذكر أوّلاً أنّ الأوّلين منهم لم يؤمنوا بالآيات المقترحة و الآخرون بانون على الاقتداء بهم ثمّ ذكّرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ هناك من الفتن ما سيفتنون به ثمّ ذكّره بما قصّه عليه من قصّة آدم و إبليس و فيها عقد إبليس أن يغوي ذرّيّة آدم و سؤاله أن يسلّطه الله عليهم و إجابته تعالى إيّاه على ذلك في الغاوين فليس بمستبعد أن يميل أكثر الناس إلى سبيل الضلال و ينكبّوا على الظلم و الطغيان و الإعراض عن آيات الله و قد أحاطت بهم الفتنة الإلهيّة من جانب و الشيطان بخيله و رجله من جانب.

قوله تعالى: ( قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) الكاف في( أَ رَأَيْتَكَ ) زائدة لا محلّ لها من الإعراب و إنّما تفيد معنى الخطاب كما في أسماء الإشارة، و المراد بقوله:( هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) آدمعليه‌السلام و تكريمه على إبليس تفضيله عليه بأمره بالسجدة و رجمه حيث أبى.

و من هنا يظهر أنّه فهم التفضيل من أمر السجدة كما أنّه اجترى على إرادة إغواء ذرّيّته ممّا جرى في محاورته تعالى الملائكة من قولهم:( أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ ) البقرة: ٣٠، و قد تقدّم في تفسير الآية ما ينفع ههنا.

و الاحتناك - على ما في المجمع - الاقتطاع من الأصل، يقال: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم إذا استقصاه فأخذه كلّه، و احتنك الجراد المزرع إذا أكله كلّه و قيل: إنّه من قولهم: حنك الدابّة بحبلها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به، و الظاهر أنّ المعنى الأخير هو الأصل في الباب، و الاحتناك الإلجام.

و المعنى: قال إبليس بعد ما عصى و أخذه الغضب الإلهيّ ربّ أ رأيت هذا الّذي فضّلته بأمري بسجدته و رجمي بمعصيته اُقسم لئن أخّرتني إلى يوم القيامة و هو مدّة

١٥٣

مكث بني آدم في الأرض لاُلجمنّ ذرّيّته إلّا قليلاً منهم و هم المخلصون.

قوله تعالى: ( قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ) قيل: الأمر بالذهاب ليس على حقيقته و إنّما هو كناية عن تخليته و نفسه كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد، و قيل: الأمر على حقيقته و هو تعبير آخر لقوله في موضع آخر:( فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) و الموفور المكمّل فالجزاء الموفور الجزاء الّذي يوفّى كلّه و لا يدّخر منه شي‏ء، و معنى الآية واضح.

قوله تعالى: ( وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ ) إلى آخر الآية الاستفزاز الإزعاج و الاستنهاض بخفّة و إسراع، و الإجلاب كما في المجمع، السوق بجلبة من السائق و الجلبة شدّة الصوت، و في المفردات،: أصل الجلب سوق الشي‏ء يقال: جلبت جلباً قال الشاعر:( و قد يجلب الشي‏ء البعيد الجواب) و أجلبت عليه صحّت عليه بقهر، قال الله عزّوجلّ:( وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ ) انتهى.

و الخيل - على ما قيل - الأفراس حقيقة و لا واحد له من لفظه و يطلق على الفرسان مجازاً، و الرجل بالفتح فالكسر هو الراجل كحذر و حاذر و كمل و كامل و هو خلاف الراكب، و ظاهر مقابلته بالخيل أن يكون المراد به الرجّالة و هم غير الفرسان من الجيش.

فقوله:( وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) أي استنهض للمعصية من استطعت أن تستنهضه من ذرّيّة آدم - و هم الّذين يتولّونه منهم و يتّبعونه كما ذكره في سورة الحجر - بصوتك، و كأنّ الاستفزاز بالصوت كناية عن استخفافهم بالوسوسة الباطلة من غير حقيقة، و تمثيل بما يساق الغنم و غيره بالنعيق و الزجر و هو صوت لا معنى له.

و قوله:( وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ ) أي و صح عليهم لسوقهم إلى معصية الله بأعوانك و جيوشك فرسانهم و رجّالتهم و كأنّه إشارة إلى أنّ قبيله و أعوانه منهم من يعمل ما يعمل بسرعة كما هو شأن الفرسان في معركة الحرب و

١٥٤

منهم من يستعمل في غير موارد الحملات السريعة كالرجّالة، فالخيل و الرجل كناية عن المسرعين في العمل و المبطئين فيه و فيه تمثيل نحو عملهم.

و قوله:( وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ) الشركة إنّما يتصوّر في الملك و الاختصاص و لازمه كون الشريك سهيماً لشريكه في الانتفاع الّذي هو الغرض من اتّخاذ المال و الولد فإنّ المال عين خارجيّ منفصل من الإنسان و كذا الولد شخص إنسانيّ مستقلّ عن والديه، و لو لا غرض الانتفاع لم يعتبر الإنسان ماليّة لمال و لا اختصاصاً بولد.

فمشاركة الشيطان للإنسان في ماله أو ولده مساهمته له في الاختصاص و الانتفاع كأن يحصّل المال الّذي جعله الله رافعاً لحاجة الإنسان الطبيعيّة من غير حلّه فينتفع به الشيطان لغرضه و الإنسان لغرضه الطبيعيّ، أو يحصّله من طريق الحلّ لكن يستعمله في غير طاعة الله فينتفعان به معا و هو صفر الكفّ من رحمة الله و كأن يولد الإنسان من غير طريق حلّه أو يولد من طريق حلّه ثمّ يربّيه تربية غير صالحة و يؤدّبه بغير أدب الله فيجعل للشيطان سهماً و لنفسه سهماً، و على هذا القياس.

و هذا وجه مستقيم لمعنى الآية و جامع لما ذكره المفسّرون في معنى الآية من الوجوه المختلفة كقول بعضهم: الأموال و الأولاد الّتي يشارك فيها الشيطان كلّ مال اُصيب من حرام و أخذ من غير حقّه و كلّ ولد زنا كما عن ابن عبّاس و غيره.

و قول آخر: إنّ مشاركته في الأموال أنّه أمرهم أن يجعلوها سائبة و بحيرة و غير ذلك و في الأولاد أنّهم هوّدوهم و نصّروهم و مجّسوهم كما عن قتادة.

و قول آخر: إنّ كلّ مال حرام و فرج حرام فله فيه شرك كما عن الكلبيّ، و قول آخر: إنّ المراد بالأولاد تسميتهم عبد شمس و عبد الحارث و نحوهما، و قول آخر: هو قتل الموؤدة من أولادهم كما عن ابن عبّاس أيضاً، و قول

١٥٥

آخر: إنّ المشاركة في الأموال الذبح للآلهة كما عن الضحّاك إلى غير ذلك ممّا روي عن قدماء المفسّرين.

و قوله:( وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) أي ما يعدّهم إلّا وعداً غارّاً بإظهار الخطأ في صورة الصواب و الباطل على هيئة الحقّ فالغرور مصدر بمعنى اسم الفاعل للمبالغة.

قوله تعالى: ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) المراد بعبادي أعمّ من المخلصين الّذين استثناهم إبليس بقوله:( إِلَّا قَلِيلًا ) بل غير الغاوين من اتباع إبليس كما قال في موضع آخر:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) الحجر: ٤٢ و الإضافة للتشريف.

و قوله:( وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) أي قائماً على نفوسهم و أعمالهم حافظاً لمنافعهم متولّياً لاُمورهم فإنّ الوكيل هو الكافل لاُمور الغير القائم مقامه في تدبيرها و إدارة رحاها، و بذلك يظهر أنّ المراد به وكالته الخاصّة لغير الغاوين من عباده كما مرّ في سورة الحجر.

و قد تقدّمت أبحاث مختلفة حول قصّة سجدة آدم نافعة في هذا المقام في مواضع متفرّقة من كلامه تعالى كسورة البقرة و سورة الأعراف و سورة الحجر.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن ابن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام :في قوله:( وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ ) قال: هو الفناء بالموت أو غيره‏، و في رواية اُخرى عنهعليه‌السلام :( وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ ) قال: بالقتل و الموت أو غيره.

أقول: و لعلّه تفسير لجميع الآية.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ) الآية قال نزلت في قريش. قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام :في الآية: و

١٥٦

ذلك أنّ محمّداً سأل قومه أن يأتيهم فنزل جبرئيل فقال: إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إلّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) ، و كنّا إذا أرسلنا إلى قريش آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك أخّرنا عن قومك الآيات.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و النسائيّ و البزّاز و ابن جرير و ابن المنذر و الطبرانيّ و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل، و الضياء في المختارة، عن ابن عبّاس قال: سأل أهل مكّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا و أن ينحّي عنهم الجبال فيزرعون فقيل له: إن شئت أن نتأنّى بهم و إن شئت أن نؤتيهم الّذي سألوا فإن كفروا اُهلكوا كما اُهلكت من قبلهم من الاُمم قال: لا بل أستأني بهم فأنزل الله:( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) .

أقول: و روي ما يقرب منه بغير واحد من الطرق.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتّى مات فأنزل الله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) .

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنّ النبيّ قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة و أنزل الله في ذلك:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) يعني الحكم و ولده.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُريت بني اُميّة على منابر الأرض و سيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء، و اهتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فأنزل الله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) .

و فيه، أخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ: أنّ رسول الله أصبح و هو مهموم فقيل: ما لك يا رسول الله؟ فقال: إنّي اُريت في المنام كان بني اُميّة يتعاورون منبري هذا فقيل: يا رسول الله لا تهتمّ فإنّها دنيا تنالهم فأنزل الله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) .

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل، و ابن عساكر

١٥٧

عن سعيد بن المسيّب قال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني اُميّة على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله إليه إنّما هي دنيا اُعطوها فقرّت عينه، و هي قوله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) يعني بلاء للناس.

أقول: و رواه في تفسير البرهان، عن الثعلبيّ في تفسيره، يرفعه إلى سعيد بن المسيّب.

و في تفسير البرهان، عن كتاب فضيلة الحسين يرفعه إلى أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت في النوم بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة فأصبح كالمتغيّظ فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتّى مات.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عائشة: أنّها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك و جدّك: إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن.

و في مجمع البيان،: رؤيا رآها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ قرودا تصعد منبره و تنزل و ساءه ذلك و اغتمّ رواه سهل بن سعيد عن أبيه. ثمّ قال: و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام ،‏ و قالوا: على هذا التأويل الشجرة الملعونة في القرآن هو بنو اُميّة.

أقول: و ليس من التأويل في شي‏ء بل هو تنزيل كما تقدّم بيانه، إلّا أنّ التأويل ربّما اُطلق في كلامهم على مطلق توجيه المقصود.

و روى هذا المعنى العيّاشيّ في تفسيره، عن عدّة من الثقات كزرارة و حمران و محمّد بن مسلم و معروف بن خرّبوذ و سلام الجعفيّ و القاسم بن سليمان و يونس بن عبد الرحمن الأشلّ و عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام و رواه القمّيّ في تفسيره، مضمراً، و رواه العيّاشيّ أيضاً عن أبي الطفيل عن عليّعليه‌السلام .

و في بعض هذه الروايات أنّ مع بني اُميّة غيرهم و قد تقدّم ما يهدي إليه البحث في معنى الآية، و قد مرّ أيضاً الروايات في ذيل قوله تعالى:( وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ

١٥٨

خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) الآية: إبراهيم: ٢٦ أنّ الشجرة الخبيثة هي الأفجران من قريش.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و سعيد بن منصور و أحمد و البخاريّ و الترمذيّ و النسائيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل، عن ابن عبّاس: في قوله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) قال: هي رؤيا عين اُريها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة اُسري به إلى بيت المقدّس و ليست برؤيا منام( و الشجرة الملعونة في القرآن) قال: هي شجرة الزقّوم.

أقول: و روي هذا المعنى أيضاً عن ابن سعد و أبي يعلى و ابن عساكر عن اُمّ هاني، و قد عرفت حال الرواية في الكلام على تفسير الآية.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن مردويه عن ابن عبّاس: في قوله:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) الآية قال: إنّ رسول الله اُرى أنّه دخل مكّة هو و أصحابه و هو يومئذ بالمدينة فسار إلى مكّة قبل الأجل فردّه المشركون فقال اُناس: قد ردّ و قد كان حدّثنا أنّه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم.

أقول: و قد تقدم ما على الرواية في تفسير الآية على أنّها تعارض ما تقدّمها.

و في تفسير البرهان، عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد، عن عثمان بن عيسى عن عمر بن اُذينة عن سليمان بن قيس قال: سمعت أميرالمؤمنينعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيّ قليل الحياء لا يبالي ما قال و ما قيل له فإنّك إن فتّشته لم تجده إلّا لغيّة أو شرك شيطان.

فقال رجل: يا رسول الله و في الناس شرك شيطان؟ فقال: أ و ما تقرأ قول الله عزّوجلّ:( وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ) ؟

فقال: من لا يبالي ما قال و ما قيل له؟ فقال: نعم من تعرّض للناس فقال فيهم و هو يعلم أنّهم لا يتركونه فذلك الّذي لا يبالي ما قال و ما قيل له.

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن شرك

١٥٩

الشيطان: قوله:( وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ) قال: ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان. قال: و يكون مع الرجل حتّى يجامع فيكون من نطفته و نطفة الرجل إذا كان حراماً.

أقول: و الروايات في هذه المعاني كثيرة، و هي من قبيل ذكر المصاديق، و قد تقدّم المعنى الجامع لها.

و ما ذكر فيها على مشاركته الرجل في الوقاع و النطفة و غير ذلك كناية عن أن له نصيباً في جميع ذلك فهو من التمثيل بما يتبيّن به المعنى المقصود، و نظائره كثيرة في الروايات.

١٦٠