الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 170954
تحميل: 4525


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170954 / تحميل: 4525
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال مولانا أمير المؤمنين: أعلمكم أخوفكم.

« غرر الحكم للآمدي ص ٦٢ »

وقال مقاتل: أشدُّ الناس خشية الله أعلمهم.

« تفسير الخازن ٣: ٥٢٥ »

وقال الشعبي ومجاهد: إنَّما العالمَ من خشي الله(١) .

وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم(٢) .

ومن هنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنِّي أعلمكم بالله وأخشاكم لله(٣) ولذلك تجد انَّ أزلف الناس إلى السلطان يتهيَّبه أكثر ممَّن دونه في الزلفة. فترى الوزير يكبره ويخافه أبلغ ممَّن هو أدنى منه، والأمر على هذه النسبة في رجال الوظايف، حتّى تنتهي إلى أبسطها كالشرطي مثلاً، ثمَّ إلى سائر أفراد الرعيَّة.

وهلمَّ معي إلى الأولياء والمقرَّبين والمتهالكين في الخشية من الله والمتفانين في العبادة وفي مقدَّمهم سيِّدهم مولانا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام الذي كان في حلك الظلام يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويتأوَّه ويتفوَّه بما ينمُّ عن غاية الخوف والخشية، وهو قسيم الجنة والنار بنصّ من الرَّسول الأمين كما مرَّ في الجزء الثالث ص ٢٩٩ ط ٢، وكان يُغشى عليه عدَّة غشوات في كلِّ ليلة، ولم يشم أحدُ منه ولا منهم رائحة الكبد المشويِّ.

ولو اطّرد ما يزعمونه لوجب تكيّف الفضاء من لدن آدم إلى عهد الخليفة بتلك الرائحة المنتشرة من تلكم الأكباد المشويَّة، ولَا سودَّ وجه الدنيا بذلك الدخان المتصاعد من الأكباد المحترقة.

أيحسب راوي هذه المهزأة أنَّ على كبد المختشي ناراً موقدة يعلوها ضرمٌ، و يتولَّد منها دخانٌ؟ فلِمَ لم تُحرق ما في الحشى كلّه ويكون إنضاجها مقصوراً على الكبد فحسب؟ وهل للكبد حالُ المعذَّبين الَّذين كلّما نضجت جلودهم بُدلّوا جلوداً اُخرى؟ وإلّا فالعادة قاضيةٌ بفناء الكبد بذلك الحريق لمتواصل.

وإن تعجب فعجب بقاء الإنسان بعد فناء كبده، ولعلّك إذا أحفيت الراوي السؤال

____________________

١ - تفسير القرطبى ١٤: ٣٤٣، تفسير الخازن ٣: ٥٢٥.

٢ - تفسير القرطبى ١٤: ٣٤٣، تفسير الخازن ٣: ٥٢٥.

٣ - تفسير البيضاوى ٢: ٣٠٢، اللمع لابى نصر ص ٩٦.

٢٢١

عن هذه لأجابك بانَّها كلّها معاجز تخصُّ بالخليفة.

وأحسب انَّ صاحب المزاعم من المتطفِّلين على موائد العربيَّة فإنَّ العربيَّ الصميمِ جدُّ عليم بكثير الكناية والاستعارة في لغة الضاد فاذا قالوا: إنَّ نار الخوف أحرقت فلاناً لا يريدون لهباً متَّقداً يصعد منه الدخان أو تشمُّ منه رائحة شيِّ الأكباد، وانَّما يعنون لهفةً شديدة، وحرقةً معنويَّة تشبَّه بالنيران.

وأمّا ما سرده العبيدي من فلسفة ذلك الحريق في كبد الخليفة فانَّها من الدعاوي الفارغة وفيها الغلوُّ الفاحش وإن شئت قلت: إنَّما هي أوهام لم تقم لها حجَّة، وليس من السهل أن يدعمها ببرهنة يمسكها عن التزحزح، فهي كالريشة في مهبِّ الريح تجاه حِجاج المجادل، ووِجاه سيرة الخليفة نفسه، وما عزاه إلى الرواية من حديث خرافة: ما صبَّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر. فهو على تنصيص العلماء على وضعها كما مرَّ في ج ٥ ص ٣١٦ لا يلزم به الخصم، ولا يثبت به المدَّعى، وفيه من سَرَف القول ما لا يخفى على العارف بالرجال وتاريخهم.

٢٢٢

- ٥ -

تبرُّز الخليفة في الأخلاق

لم نقف من أخلاقيّات الخليفة على شيء يرفع الإنسان من هذه الناحية عدا ما في صحيح البخاري في كتاب التفسير من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: قد ركب من بني تميم على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أمِّر الأقرع بن حابس(١) فقال أبو بكر: ما أردتَ إلّا خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك: يا أيُّها الذين آمنوا لا تقدِّموا بين يدي الله ورسوله واتَّقوا الله إنَّ الله سميعٌ عليم. سورة الحجرات: ١.

واخرج البخاري من طريق ابن أبي ملكية ايضاً قال: كاد الخيّران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع. وأشار الآخر برجل آخر. قال نافع: لا أحفظ اسمه. فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلّا خلافي. قال: ما أردتُ خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله: يا أيُّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيِّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون(٢) . الحجرات: ٢.

قال الأميني: ألا تعجب من الرجلين انَّهما طيلة مصاحبتهما هذا النبيِّ المعظَّمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحدهما التأثّر باخلاقه الكريمة إلى الحصول على أدب محاضرة العظماء والمثول بين أيديهم لا سيَّما هذا العظيم، العظيم خلقه بنصِّ الذكر الحكيم، وما عرفا أنَّ الكلام بين يديه لا بدَّ وأن يكون تخافتاً وهمساً إكباراً لمقامه وإعظاماً لمرتبته. وأن لا يتقدَّم

____________________

١ - الاقرع بن حابس هو ذلك الاعرابى الذي رآه النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله‌ وهو يبول فى المسجد، وقد أخرج حديثه البخارى فى صحيحه. راجع ارشاد السارى ١: ٢٨٤].

٢ - صحيح البخارى ٧ ص ٢٢٥، الاستيعاب فى ترجمة القعقاع ٢: ٥٣٥، تفسير القرطبى ١٦: ٣٠٠، تفسير ابن كثير ٤: ٢٠٥، تفسير الخازن ٤: ١٧٢، الاصابة ١: ٥٨ و ج ٣: ٢٤.

٢٢٣

أحدٌ إليه بالكلام إلّا أن يكون جواباً عن سؤال، أو ما ينمُّ عن امتثال أمر، أو إخباراً عن مهمَّة، أو سؤالاً عن حكم لكنّهما تقدَّما بالكلام الخارج عن ذلك كلّه، وتماريا و احتدم الحوار بينهما، وارتفعت أصواتهما في ذلك، وكاد الخيِّران أن يهلكا حتّى جعلا أعمالهما في مظنَّة الإحباط فنزلت الآية الكريمة.

وما أخرجه ابن عساكر عن المقدام انَّه قال: استبَّ عقيل بن أبي طالب وأبو بكر وكان أبو بكر سبّاباً. وكأنّ ابن حجر استشعر من هذه الكلمة ما لا يروقه فقال: سبّاباً أو نسّاباً. لكن الرجل أنصف في الترديد وقد جاء بعده السيوطي فحذف كلمة: سبّاباً. وجعلها نسّاباً بلا ترديد(١) والمنقِّب يعلم أنَّ لفظة نسّاباً لا صلة لها بقوله استّبا بل المناسب كونه سبّاباً، وكأنَّ الراوي يريد بذلك انِّه فاق عقيلاً بالسبِّ لأنَّه كان مَلَكة له، وإن كان يسع المحوِّر أن يقول بارادة كونه نسّاباً انَّه كان عارفاً بحلقات الأنساب و مواقع الغمز فيها، فكان إذا استبَّ يطعن مستابَّه في عرضه ونسبه، لكنه لا يجدي المتمحِّل نفعاً فانَّه من أشنع مصاديق السبِّ، وفيه القذف وإشاعة الفحشاء.

ويظهر من لفظ الحديث كما في الخصايص الكبرى ٢ ص ٨٦ انَّ السباب بين أبي بكر وعقيل كان بمحضر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ذلك في اُخريات أيّامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن شواهد كونه سبّاباً (وسباب المسلم فسوق)(٢) ما مرَّ في صفحة ١٥٣ من قوله للسائل عن القدَر: يا بن اللخناء. وقوله لعمر: ثكلتك امّك وعدمتك يا بن الخطاب. لمـّا بلّغه طلب الانصار أن يولّي عليهم رجلاً أقدم سنّاً من اُسامة فأخذ بلحيته فقال: استعمله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأمرني أن أنزعه؟(٣) .

على أنَّه وهم في قوله هذا من ناحيتين: إحداهما أنَّ الذي يجب أن لا يعزل من منصوبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الخليفة فحسب لا يتسرَّب إليه الرأي والمقائيس، كما لا يتطرَّقان إلى الأحكام والسنن المشرَّعة، لأنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصبه يوم نصب بأمر من المولى

____________________

١ - الصواعق ص ٤٣ تاريخ الخلفاء ص ٣٧.

٢ - مسند أحمد ١ ص ٤١١، سنن ابن ماجة ٢: ٤٦١، تاريخ الخطيب ٥: ١٤٤، وصححه السيوطى فى الجامع الصغير، وقال النووى فى رياض الصالحين ص ٣٢٣: متفق عليه.

٣ - التمهيد للباقلانى ص ١٩٣، تاريخ الطبرى ٣: ٢١٢، تاريخ ابن عساكر ١: ١١٧، الكامل لابن الاثير ٢: ١٣٩، تاريخ ابى الفدا ج ١: ١٥٦، الروض الانف ٢: ٣٧٥.

_١٤_

٢٢٤

سبحانه رئيساً عالميّاً مدى أمد حياته، كما أنَّه شرَّعها أحكاماً عالميَّة مدى أمد الدهر. بخلاف اُمراء الجنود والولاة والعمّال فانَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يولّيهم الأمر لمصالح وقتيَّة بعد الفراغ من تأهُّلهم للإمارة والولاية والعمل، وإذا انقضى ظرف المصلحة أو تبدَّلت باُخرى إو سلب التأهّل من أحدهم كان يزحزحه من عمل إلى عمل، أو يسقطه عن الوظيفة نهائيّاً، أو إلى أمد تعود بعده إليه جدارته، وكذلك شأن الخليفة من بعده فاتَّه قائمٌ مقامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وله النصب والنزع، والخفض والرفع، ولذلك أمَّر أبو بكر نفسه خالد بن سعيد على مشارق الشام في الردَّة، وكان قد استعمله النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما بين زمع وزبيد إلى حدِّ نجران أو على صدقات مذحج وماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على عمله.

واستعمل أبو بكر نفسه أيضاً يعلى بن اُميَّة على حلوان، ثمَّ عمل لعمر على بعض اليمن، ثمَّ استعمله عثمان على صنعاء، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استعمله على الجند وتوفي وهو على عمله.

واستعمل أبو بكر عكرمة على عمّان ثمَّ عزله واستعمل عليها حذيفة بن محصن وكان قد استعمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرو بن العاص على عمان فمات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أميرها، واستعمل عكرمة على صدقات هوازن عام وفاته.

واستعمل عمر عثمان بن أبي العاص على عمّان والبحرين سنة ١٥، وكان قد استعمله النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الطائف وأقرَّه أبو بكر بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واستعمل عمر عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري على البصرة، ثمَّ عزله عثمان و أقرَّه على الكوفة، ثمَّ عزله عليٌّعليه‌السلام عنها، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولَاه مخاليف اليمن.

وقال أبو الفدا في تاريخه ١: ١٦٦: أقرَّ عثمان ولاة عمر سنة لأنَّه كان أوصى بذلك ثمَّ عزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة، وولّاها سعد بن أبي وقاص، ثمَّ عزله ولّى الكوفة الوليد بن عقبة وكان أخا عثمان من اُمِّة.

راجع تاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير، والاستيعاب، واُسد الغابة، وتاريخ أبي الفدا، وتاريخ ابن كثير، والاصابة، وغيرها من كتب التاريخ ومعاجم التراجم.

وكم وكم لهؤلاء الولاة المذكورين من نظير، فليس اُسامة ببدع من هؤلاء، وإنَّما هو كأحدهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.

٢٢٥

فاقتصار الخليفة في الحِجاج بنصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسامة في غير محلّه، إلّا أن يقيِّده بأنَّ ما ارتآهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المصلحة يوم ذاك باقيةٌ بعدُ من غير حاجة إلى أيٍّ من القول والفعل الذين ارتكبهما.

الناحية الثانية: انَّ طلبة الأنصار هذه متَّخذةٌ عن عمل الخليفة نفسه وصاحبيه حيث قدَّماه يوم السقيفة بكبر سنّه وشيبته كما مرَّ في صفحة ٩١، ٩٢ فلا غضاضة على الأنصار إذن أن يتحرّوا للامارة عليهم مَن هو أقدم سنّاً من اسامة تأسيّاً بالخلافة. و إذا كان تولية الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسامة للقيادة مانعة عن نزعة فما بالُ منصوبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخلافة يوم غدير خمّ بمشهد من مائة ألف أو يزيدون، وفي مواقف اُخرى متكثِّرة يعزل عن الأمر؟ ولا منكرٌ يُصاخ إليه: ولا وازعٌ يُسمع منه، هب انَّ قيساً أخذ بلحية عمر يوم ذاك كما أخذ بها أبو بكر يوم اسامة، واحتجَّ آخرون لأمير المؤمنينعليه‌السلام واحتدم الحوار لكن: لا رأي لمن لا يطاع.

نعم: أخرج ابن حبّان في خُلق الخليفة من طريق إسماعيل بن محمَّد الكذّاب الوضّاع مرفوعاً عن جبرئيل انَّه قال: أبو بكر لفي السَّماء أشهر منه في الأرض فإنَّ الملائكة لتسمِّيه حليم قريش. الخ: قد أسلفناه في الجزء الخامس ص ٣٤٤ ط ٢ بيِّنا هناك انَّه كذبٌ موضوعٌ.

ولو كان الخليفة حليم قريش أو كان يرث النبيَّ الأعظم شيئاً من خلقه العظيم لَما توفّيت بضعته الطاهرة سلام الله عليها وهي واجدةٌ عليه من جرّاء ما تلقّت منه من غلظة وعنف في كشف بيتها الذي تمنّى تركه عند وفاته، ولم يكن يأمر بقتال من فيه(١) إلى هنات وهنات.

أخرج البخاري في باب فرض الخمس ج ٥ ص ٥ عن عائشة: انَّ فاطمة عليها السَّلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرة حتّى توفّيت.

____________________

١ - راجع صفحة ٧٧ و ١٧٤.

٢٢٦

وأخرج في الغزوات باب غزوة خيبر ج ٦ ص ١٩٦ عن عائشة قالت: إنَّ فاطمة « إلى أن قالت » فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفِّيت، وعاشت بعد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستَّة أشهر فلمّا توفيِّت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها.

ويوجد الحديث في صحيح مسلم ٢ ص ٧٢، مسند أحمد ١ ص ٦، ٩، تاريخ الطبري ٣ ص ٢٠٢، مشكل الآثار للطحاوي ١ ص ٤٨، سنن البيهقي ٦ ص ٣٠٠، ٣٠١، كفاية الطالب ص ٢٢٦، تاريخ ابن كثير ٥ ص ٢٨٥ وقال في ج ٦ ص ٣٣٣: لم تزل فاطمة تبغضه مدَّة حياتها، وذكره بلفظ الصحيحين الديار بكري في تاريخ الخميس ٢: ١٩٣.

ولاُيِّ الامور تدفن ليلاً

بضعة المصطفى ويُعفى ثراها؟

بلغت من موجدتها انَّها أوصت بأن تُدفن ليلاً، وأن لا يدخل عليها أحد، ولا يصلّي عليها أبو بكر، فدفنت ليلاً ولم يشعر بها أبو بكر، وصلّى عليها عليٌّ وهو الذي غسَّلها مع أسماء بنت عميس(١) .

وقال الواقدي كما في السيرة الحلبيَّة ٣ ص ٣٩٠: ثبت عندنا أنَّ عليّاً كرم الله وجهه دفنها رضي الله عنها ليلاً وصلّى عليها ومعه العبّاس والفضل ولم يعلموا بها أحداً. وقال ابن حجر في الاصابة ٤ ص ٣٧٩، والزرقاني في شرح المواهب ٣ ص ٢٠٧: روى الواقدي من طريق الشعبي قال: صلّى أبو بكر على فاطمة. وهذا فيه ضعفٌ و انقطاع، وقد روى بعض المتروكين عن مالك عن جعفر بن محمّد عن أبيه نحو ووهّاه الدارقطني وابن عدي، وقد روى البخاري عن عائشة: انَّها لمـّا توفّيت دفنها زوجها عليُّ ليلاً، ولم يأذن بها أبا بكر وصلّى عليها.

قال الأميني: حديث مالك عن جعفر بن محمّد أسلفناه في الجزء الخامس صحيفة ٣٥٠ ط ٢ ولفظه: توفِّيت فاطمة ليلاً فجاء أبو بكر وعمر وجماعةُ كثيرة فقال أبو بكر لعليّ:

____________________

١ - طبقات ابن سعد، رسائل الجاحظ ص ٣٠٠، حلية الاولياء ٢: ٤٣، مستدرك الحاكم ٣: ١٦٣، طرح التثريب ١ ص ١٥، اسد الغابة ٥: ٢٥٤، الاستيعاب ٢: ٧٥١، مقتل الخوارزمى ١ ص ٨٣، ارشاد السارى للقسطلانى ٦: ٣٦٢، الاصابة ٤ ص ٣٧٨، ٣٨٠، تأريخ الخميس ١ ص ٣١٣.

٢٢٧

تقدَّم فصلِّ. قال: لا والله لا تقدَّمت وأنت خليفة رسول الله، فتقدَّم أبو بكر فصلّى أربعاً. وقد بيَّنا هنا لك انَّه من موضوعات عبد الله بن محمّد القدامي المصيصي كما عدَّه الذهبي في الميزان ٢: ٧ من مصائبه.

ومن جرّاء تلك الموجدة مُنعت عن أن تدخلها يوم ذاك عائشة كريمة أبي بكر فضلاً عن أبيها، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر و قالت: هذه الخثعميَّة تحول بيننا وبين بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء! ما حملكِ على أن منعتِ أزواج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدخلن على بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد صنعتِ لها هودج العروس؟ قالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحدٌ، وأمرتني أن أصنع لها ذلك.

راجع الاستيعاب ٢: ٧٧٢، ذخاير العقبى ص ٥٣، اُسد الغابة ٥: ٥٢٤، تاريخ الخميس ١: ٣١٣، كنز العمال ٧: ١١٤، شرح صحيح مسلم للسنوسي ٦: ٢٨١، شرح الآبي لمسلم ٦: ٢٨٢، أعلام النساء ٣: ١٢٢١.

(إعتذار الخليفة إلى الصدِّيقة)

هذه المذكورات كلّها وبعضٌ سواها تكذِّب ما اختلقته رُماة القول على عواهنه من رواية الشعبي انَّه قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة وقد أشتدَّ مرضها فاستأذن عليها فقال لها عليٌّ: هذا أبو بكر على الباب يستأذن فإن شئت أن تأذني له؟ قالت: أو ذَاك أحبّ إليك؟ قال: نعم. فدخل فاعتذر إليها وكلَّمها فرضيت عنه.

وعن الأوزاعي قال بلغني انَّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضبت على أبي بكر فخرج أبو بكر حتّى قام على بابها في يوم حارّ ثمَّ قال: لا أبرح مكاني حتى ترضى عنّي بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عليها عليٌّ فأقسم عليها لترضى فرضيت(١) .

ما قيمة هذه الرواية تجاه تلكم الصحاح؟ ولا يوجد لها أثرٌ في أيِّ أصل من اصول الحديث ومسانيد الحفّاظ، وقد بلغت إلى الأوزاعي المتوفّى ١٥٧ وأرسل بها الشعبي المتوفى ١٠٤ / ٥ / ٦ / ٧ / ٩ / ١٠ ولا يُعرف من بلَّغها، ومَن أتى بها، ومن أوحاها إلى الرجلين. نعم تساعد نصوص الصحاح ما أتى به ابن قتيبة والجاحظ قال الأوَّل: إنَّ

____________________

١ - الرياض النضرة ٢ ص ١٢٠، تاريخ ابن كثير ٥ ص ٢٨٩.

٢٢٨

عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما: انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليّاً فكلَّماه فأدخلهما عليها، فلمَّا قعدا عندها حوَّلت وجهها إلى الحائط فسلَّما عليها فلم تردّ عليهما السَّلام فتكلَّم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله إنَّ قرابة رسول الله أحبُّ إليَّ من قرابتي، وإنّكِ لأحبُّ إليَّ من عائشة إبنتي، ولوددت يوم مات أبوكِ انِّي متُّ ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وامنعكِ حقَّكِ وميراثكِ من رسول الله؟ إلّا أنِّي سمعت أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة. فقالت أرأيتكما إن حدَّثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعرفانه وتفعلان به؟ فقالا: نعم: فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة إبنتي فقد أحبَّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قالت: فانِّي اُشهد الله وملائكته إنَّكما اسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيَّ لأشكونَّكما إليه. فقال أبو بكر. أنا عائذٌ بالله تعالى من سخطه وسخطكِ يا فاطمة! ثمَّ انتحب أبو بكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: والله لأدعونَّ عليك في كلِّ صلاة اُصلّيها. ثمَّ خرج باكياً فاجتمع الناس اليه فقال لهم: يبيت كلُّ رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي(١) .

وقال الجاحظ في رسائله ص ٣٠٠: وقد زعمُ اناس انَّ الدليل على صدق خبرهما « يعني أبا بكر وعمر » في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما..! قد يقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، أنَّ ترك المتظلّمين والمحتجِّين عليهما والمطالبين لهما دليلٌ على صدق دعواهم، أو استحسان مقالتهم، ولا سيّما وقد طالت المناجات، وكثرت المراجعة والملاحات، وظهرت الشكيَّة، واشتدَّت الموجدة، وقد بلغ ذلك من فاطمة إنَّها أوصت أن لا يصلّي عليها أبو بكر. ولقد كانت قالت له حين أتته مطالبة بحقِّها ومحتجَّة لرهطها: مَن يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟ قال:

____________________

١ - الامامة والسياسة ١ ص ١٤، اعلام النساء ٣ ص ١٢١٤.

٢٢٩

أهلي وولدي قالت: فما بالنا لا نرث النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟(١) فلمّا منعها ميراثها، وبخسها حقَّها واعتلَّ عليها، وجلح أمرها، وعاينت التهضُّم، وأيست في التورُّع، ووجدت نشوة الضعف وقلّة الناصر، قالت: والله لأدعونَّ الله عليك. قال: والله لأدعونَّ الله لكِ. قالت والله لا كلّمتك أبداً قال: والله لا أهجركِ أبداً. فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعها، أنَّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها؟ وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها عن الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجرا، وتجوِّر عادلاً، أو تقطع واصلاً، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الاُمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، وأوجب علينا وعليكم.

فإن قالوا: كيف تظنّ به ظلمها والتعدِّي عليها، وكلَّما ازدادت عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقَّةً. حديث تقول له: و الله لا اكلِّمك أبداً. فيقول: والله لا أهجركِ أبداً. ثمَّ تقول: والله لأدعونَّ الله عليك. فيقول: والله لأدعونَّ الله لكِ ثمَّ يتحمَّل منها هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثمَّ لم يمنعه ذلك عن أن قال معتذراً متقرِّباً كلام المعظِّم لحقها، المكبِّر لمقامها، الصائن لوجهها، المتحنِّن عليها: ما أحدٌ أعزُّ عليَّ منك فقراً، ولا أحبُّ إليَّ منكِ غنى، ولكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة.

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسَّلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودها، الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم، و ذلَّة المنتصف، وحدب الوامق، ومقت المحقِّ، وكيف جعلتم ترك النكير حجَّةً قاطعة ودلالةً واضحة؟ وقد زعمتم أنَّ عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : متعة النساء ومتعة الحجِّ، أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما(٢) فما وجدتم

____________________

١ - هذا الحديث أخرجه احمد فى المسند ١ ص ١٠، والبلاذرى فى فتوح البلدان ص ٣٨، وابن كثير فى تأريخه ٥ ص ٢٨٩.

٢ - راجع الجزء السادس من كتابنا هذا ص ٢١١ ط ٢.

٢٣٠

أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّأه في معناه، ولا تعجَّب منه ولا استفهمه.

وكيف تقضون بترك النكير؟ وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الأئمَّة من قريش(١) ثمَّ قال في شكايته: لو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه الشك(٢) حين أظهر الشكّ في إستحقاق كلِّ واحد من الستَّة الذين جعلهم شورى وسالم عبدٌ لامرأة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه، ثمَّ لم ينكر ذلك من قوله منكرٌ، ولا قابل إنسانٌ بيِّن قوله ولا تعجَّب منه، وإنّما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي القتل والاستحياء والحبس والإطلاق فليس بحجَّه تشفي ولا دلالة تضيء. إنتهت كلمة الجاحظ.

نظرة فى كلمة قارصة

لا يسعنا أن نفوه في الدفاع عن الخليفة بما قال إبن كثير في تاريخه ٥ ص ٢٤٩ من أنَّ فاطمة حصل لها - وهي امرأة من البشر ليست براجية العصمة - عتبٌ وتغضُّب، ولم تكلّم الصدِّيق حتّى ماتت. وقال في ص ٢٨٩: وهي امرأةٌ من بنات آدم تأسف كما يأسفون، وليست بواجبة العصمة، مع وجود نصِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما. اهـ.

أنّى لنا السرَف والمجازفة في القول بمثل هذا تجاه آية التطهير في كتاب الله العزيز النازلة فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها؟.

أنِّى لنا بذلك وبين يدينا هتاف النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة بضعةٌ منِّي فمن أغضبها أغضبني؟.

وفي لفظة: فاطمة بضعة منِّي يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها.

____________________

١ - أخرجه غير واحد من الحفاظ وصححه ابن حزم فى الفصل ٤: ٨٩ فقال: هذه رواية جاءت مجىء التواتر، ورواها أنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاوية، وروى جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها، ومما يدل على صحة ذلك اذعان الانصار به يوم السقيفة. ه‍.

٢ - أخرجه ابن سعد، والباقلانى، وأبو عمر، والحافظ العراقى كما مرّ ص ١٤٤.

٢٣١

وفي لفظة: فاطمة بضعةٌ منِّي يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها.

وفي لفظة: فاطمة بضعةٌ منِّي يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها. في تاج العروس: أي يتعبني ما أتعبها.

وفي لفظة: فاطمة بضعةٌ منِّي يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها.

وفي لفظة: فاطمة بضعةٌ منِّي يسعفني ما يسعفها. في تاج العروس: أي ينالني ما ينالها، ويلمّ بي ما يلمّ بها.

وفي لفظة: فاطمة شجنةٌ منِّي يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها.

وفي لفظة: فاطمة مضغةٌ منِّي فمن آذاها فقد آذاني.

وفي لفظة فاطمة مضغةٌ منِّي يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها.

وفي لفظة: فاطمة مضغةٌ منِّي يسرُّني ما يسرُّها.

أخرجها على اختلاف ألفاظها أئمَّة الصحاح الستّ وعدَّةٌ اُخرى من رجال الحديث في السنن والمسانيد والمعاجم وإليك جملةٌ ممَّن رواها.

١ - ابن أبي مليكة المتوفى ١١٧ كما في رواية البخاري ومسلم وابن ماجة و ابن داود وأحمد والحاكم.

٢ - أبو عمر بن دينار المكي المتوفَّى ١٢٥ / ٦ كما في صحيحي البخاري ومسلم.

٣ - الليث بن سعد المصري المتوفَّى ١٧٥ كما في إسناد ابن ماجة وابن داود وأحمد.

٤ - أبو محمَّد ابن عيينة الكوفي المتوفَّى ١٩٨ كما في الصحيحين.

٥ - أبو النضر هاشم البغدادي المتوفَّى ٢٠٥ / ٧ كما في مسند أحمد.

٦ - أحمد بن يونس اليربوعي المتوفى ٢٢٧ كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود.

٧ - الحافظ أبو الوليد الطيالسي المتوفَّى ٢٢٧ كما في صحيح البخاري.

٨ - أبو المعمَّر الهذلي المتوفَّى ٣٣٦ كما في صحيح مسلم.

٩ - قتيبة بن سعيد الثقفي المتوفَّى ٢٤٠ روى عنه مسلم وأبو داود.

١٠ - عيسى بن حمَّاد المصري المتوفَّى ٢٤٨ / ٩ روى عنه ابن ماجة.

١١ - إمام الحنابلة أحمد المتوفَّى ٢٤١ في مسنده ٤: ٣٢٣، ٣٢٨.

٢٣٢

١٢ - الحافظ البخاري أبو عبد الله المتوفَّى ٢٥٦ في صحيحه في المناقب ٥: ٢٧٤.

١٣ - الحافظ مسلم القشيري المتوفَّى ٢٦١ في صحيحه في الفضائل ٢: ٢٦١.

١٤ - الحافظ أبو عبد الله ابن ماجة المتوفَّى ٢٧٢ في سننه ١ ص ٢١٦.

١٥ - الحافظ أبو داود السجستاني المتوفَّى ٢٧٥ في سننه ١ ص ٣٢٤.

١٦ - الحافظ أبو عيسى الترمذي المتوفَّى ٢٧٥ في جامعه ٢ ص ٣١٩.

١٧ الحكيم أبو عبد الله الترمذي المحدِّث المتوفَّى ٢٨٥ في نوادر الاصول ٣٠٨.

١٨ - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفَّى ٣٠٣ في خصايصه ص ٣٥.

١٩ أبو الفرج الاصبهاني المتوفَّى ٣٠٣ في الأغاني ٨ ص ١٥٦.

٢٠ - الحاكم أبو عبد الله النيسابوري المتوفَّى ٤٠٥ في المستدرك ١٥٤٣، ١٥٨، ١٥٩.

٢١ - الحافظ أبو نعيم الاصبهاني المتوفَّى ٤٣٠ في حلية الأولياء ٢: ٤٠.

٢٢ - الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفَّى ٤٥٨ في السنن الكبرى ٧: ٣٠٧.

٢٣ - أبو زكريا الخطيب التبريزي المتوفَّى ٥٠٢ في مشكاة المصابيح ص ٥٦٠.

٢٤ - الحافظ أبو القاسم البغوي المتوفَّى ٥١٠ / ١٦ في مصابيح السنَّة ٢: ٢٧٨.

٢٥ - القاضي أبو الفضل عياض المتوفَّى ٥٤٤ في الشفاء ٢: ١٩.

٢٦ - أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفَّى ٥٦٨ في مقتله ص ٥٣.

٢٧ - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفَّى ٥٧١ في تاريخه ١ ص ٢٩٨.

٢٨ - أبو القاسم السهيلي المتوفَّى ٥٨١ في الروض الانف ٢: ١٩٦.

وقال: إنَّ أبا لبابة رفاعة بن عبد المنذر ربط نفسه في توبة وإنّ فاطمة أرادت حلّه حين نزلت توبته فقال: قد أقسمت ألا يحلّني إلّا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ فاطمة مضغة منِّي. فصلّى الله عليه وعلى فاطمة، فهذا حديثٌ يدلُّ على أنَّ من سبَّها فقد كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩ - ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفِّى ٥٨٦ في شرح النهج ٢ ص ٤٥٨.

٣٠ - أبو الفرج ابن الجوزي المتوفّى ٥٩٧ في صفة الصفوة ٢: ٥.

٣١ - الحافظ أبو الحسن بن الأثير الجزري المتوفَّى ٦٣٠ في اسد الغابة ٥ ص ٥٢١.

٢٣٣

٣٢ - أبو سالم ابن طلحة الشافعي المتوفَّى ٦٥٢ في مطالب السئول ص ٦: ٧.

٣٣ - سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفَّى ٦٥٤ في التذكرة ص ١٧٥.

٣٤ - الحافظ الكنجي الشافعي المتوفَّى ٦٥٨ في الكفاية ص ٢٢٠.

٣٥ - الحافظ محبّ الدين الطبري المتوفى ٦٩٤ في ذخاير العقبي ص ٣٧.

٣٦ - الحافظ أبي محمّد الأزدي الاندلسي المتوفَّى ٦٩٩ في شرح المختصر صحيح البخارى ٣: ٩١.

٣٧ - الحافظ الذهبي الشافعي المتوفَّى ٧٤٧ في تلخيص المستدرك.

٣٨ - القاضي الايجي المتوفَّى ٧٥٦ في المواقف كما في شرحه ٣: ٢٦٨.

٣٩ - جمال الدين محمّد الزرندي الحنفي المتوفَّى في بضع و ٧٥٠ في درر السمطين.

٤٠ - أبو السعادات اليافعي المتوفَّى ٧٦٨ في مرآة الجنان ١: ٦١.

٤١ - الحافظ زين الدين العراقي المتوفَّى ٨٠٦ في طرح التثريب ١: ١٥٠.

٤٢ - الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفَّى ٨٠٧ في مجمع الزوائد ٩: ٢٠٣.

٤٣ - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفَّى ٨٥٢ في تهذيب التهذيب ١٢: ٤٤١.

٤٤ - الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفَّى ٩١١ في الجامع الصغير والكبير

٤٥ - الحافظ أبو العبّاس القسطلاني المتوفَّى ٩٢٣ في المواهب اللدنية ١: ٢٥٧.

٤٦ - القاضي الديار بكري المالكي المتوفَّى ٩٦٦ / ٨٢ في الخميس ١: ٤٦٤.

٤٧ - ابن حجر الهيتمي المتوفَّى ٩٧٤ في الصواعق ١١٢، ١١٤.

٤٨ - صفيُّ الدين الخزرجي المتوفَّى ٠ ٠ ٠ في الخلاصة ص ٤٣٥.

٤٩ - زين الدين المناوي المتوفَّى ١٠٣١ / ٥ في كنوز الدقائق ص ٩٦.

وقال في شرح الجامع الصغير ٤ ص ٤٢١: استدلّ به السهيلي على أنّ مَن سبَّها كفر لأنَّه يغضبه، وأنَّها أفضل من الشيخين قال الشريف السمهودي: ومعلومٌ أنَّ أولادها بضعةٌ منها فيكونون بواسطتها بضعة منه، ومن ثمَّ لمـّا رأت امّ الفضل في النوم أنّ بضعة منه وضعت في حجرها أوَّلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن تلد فاطمة غلاماً فيوضع في حجرها، فولدت الحسن فوضع في حجرها، فكلُّ مَن يشاهد الآن من ذرَّيتها بضعة من تلك البضعة، وإن تعدَّدت الوسائط، ومن تأمَّل ذلك إنبعث من قلبه داعي

٢٣٤

الإجلال لهم وتجنَّب بغضهم على أيِّ حال كانوا عليه.

قال ابن حجر: وفيه تحريم أذى مَن يتأذّى المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأذِّيه، فكلُّ من وقع منه في حقِّ فاطمة شيء فتأذَّت به فالنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتأذّى به بشهاة هذا الخبر، ولا شيء أعظم مِن إدخال الأذى عليها من قِبَل ولدها، ولهذا عرف بالاستقرار معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشدُّ.

٥٠ - الشيخ أحمد المغربي المالكي المتوفَّى ١٠٤١ في فتح المتعال ص ٣٨٥. قال في قصيدة كبيرة يمدح بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فما كسبطي رسول الله من أحد

ولا يضاهيهما في الفخر مفتخرُ

وهل كفاطمة الزهراء اُمّهما

بنت النبيِّ المصطفى بشرُ؟

فانَّها بضعةٌ منه وما أحدٌ

كبضعة المصطفى إن حقَّق النظرُ

٥١ - الشيخ أحمد باكثير المكي الشافعي المتوفى ١٠٤٧ في وسيلة المال:

٥٢ - أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى ١١٢٢ في شرح المواهب ٣: ٢٠٥ قال: استدلَّ به السهيلي على أنَّ من سبَّها كفر وتوجيهه انَّها تغضب ممَّن سبَّها و قد سوّى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه كفر.

٥٣ - الزبيدي الحنفي المتوفَّى ١٢٠٥ في تاج العروس ٥. ٢٢٧ و ج ٦: ١٣٩.

٥٤ - القندوزي الحنفي المتوفَّى ١٢٩٣ في ينابيع المودَّة ص ١٧١.

٥٥ - الحمزاوي المالكي المتوفَّى ١٣٠٣ في النور الساري هامش البخاري ٥: ٢٧٤.

٥٦ - الشيخ مصطفى الدمشقي ٠ ٠ ٠ في مرقاة الوصول ص ١٠٩.

٥٧ - السيّد حميد الدين الآلوسي المتوفَّى ١٣٢٤ في نثر اللئالي ص ١٨١.

٥٨ - السيِّد محمود القراغولي البغدادي الحنفي في جوهرة الكلام ص ١٠٥.

٥٩ - عمر رضا كحالة في أعلام النساء ٣ ص ١٢١٦.

ثمَّ أنَّى لنا القول بمقال ابن كثير وملأ الأسماع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني(١) وقوله: إنَّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها. أو: إنَّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ قاله لفاطمة؟!.

____________________

١ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص ٢٠.

٢٣٥

راجع معجم الطبراني، مستدرك الحاكم ٣: ١٥٤ وصححه، مسند ابن النجار، مقتل الخوارزمى ١: ٥٢، تذكرة السبط ص ١٧٥، كفاية الطالب للكنجى ص ٢١٩، ذخاير العقبى للمحب الطبرى ص ٣٩، ميزان الاعتدال ٢: ٧٢، مجمع الزوائد ٩: ٢٠٣، تهذيب التهذيب ١٢: ٤٤٣، كنز العمال ٧: ١١١، أخبار الدول هامش الكامل ١: ١٨٥، كنوز الدقايق للمناوي ص ٣٠، شرح المواهب للزرقانى ٣: ٢٠٢، الاسعاف ص ١٧١، ينابيع المودّة ١٧٣، ١٧٤، الشرف المؤبّد ص ٥٩.

هذه مطلقات تشمل جميع موجبات الرضا والغضب من الصدِّيقة سلام الله عليها حتّى المباحات شأن أبيها الأقدس كما فهمه القسطلاني والحمزاوي في شرح البخاري وذلك يكشف عن أنَّها صلوات الله عليها لا ترضى إلّا لما فيه مرضاة المولى سبحانه، ولا تغضب إلّا على ما يغضبه، حتّى أنَّها لو رضيت أو غضبت على أمر مباح فانَّ هناك جهةٌ شرعيّةٌ تدخله في الراجحات، أو يجعله من المكروهات، فلن تجد منها في أيّ من الرضا والغضب وجهةٌ نفسيَّةٌ أو صبغةٌ شهويَّةٌ، وذلك معنى العصمة التي نفاها المتحذلق - ابن كثير - بعد أن تصامم أو تعامى عن دلالة آية التطهير النازلة فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها: إنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا.

٢٣٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيمِ

أحاديث الغلوِّ أو قصص الخرافة

هذه أبحاث مجملة تمثِّل لنا نفسيّات الخليفة، وملكاته الفاضلة، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم تزحفنا ولم يتأتَّ بها القصوى، غير انَّ فيها بلغةً في ايقاف الباحث على حدِّ الخليفة، ومقياساً يُعرف به القالي له من الغالي فيه، والمقتصد فيه من القاسط عليه، ويمتاز به سَرَف القول في امتداحه عن جزاف الامتداخ عليه، فيهمُّنا عندئذ ذكرُ نزرِ يسير ممّا سرده القوم من فضائله التي فيها من الغلوِّ الفاحش ما لا يخفى على أيِّ احد ثمَّ نشفعه بما جاء في غيره حتى يُعرف أهل الغلوِّ في الفضائل.

- ١ -

الشمس على العجلة

ذكر الشيخ ابراهيم العبيدي المالكي في كتابه « عمدة التحقيق » في بشائر آل الصدِّيق(١) نقلاً عن كتاب « العقائق » والصفوري في « نزهة المجالس » ٢ ص ١٨٤ نقلاً عن « عيون المجالس » قالوا:

روي انَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً لعائشة رضي الله عنها: إنَّ الله تعالى لمـّا خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرَّة وجعلها على عجلة، وخلق للعجلة ثمانمائة وستِّين عروة، وجعل في كلِّ عروة سلسلة من الياقوت الأحمر، وأمر ستِّين ألفاً من الملائكة المقرَّبين أن يجرّوها بتلك السلاسل مع قوَّتهم التي إختصَّهم الله بها، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبَّة الخضراء، وتجلو جمالها على أهل الغبراء، وفي كلِّ يوم تقف على خطِّ الإستواء فوق الكعبة لأنَّها مركز الأرض و تقول: يا ملائكة ربِّي إنِّي لأستحي من الله عزَّ وجلَّ إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها، والملائكة تجرّ الشمس لتعبر على الكعبة بكلِّ قوَّتها

____________________

١ - ص ١٨٤ هامش روض الرياحين لليافعى المطبوع بمصر سنة ١٣١٥.

٢٣٧

فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون: أيُّها الشمس بحرمة الرَّجل الذي إسمه منقوش على وجهك المنير إلّا رجعت إلى ما كنت فيه من السير. فإذا سمعت ذلك تحرَّكت بقدرة المالك، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! من هو الرَّجل الذي إسمه منقوشٌ عليها؟ قال: هو أبو بكر الصدِّيق يا عائشة! قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنَّه يخلق الهواء، ويخلق على الهواء هذه السَّماء، ويخلق بحراً من الماء، ويخلق عليه عجلة مركباً للشمس المشرقة على الدنيا، وإنَّ الشمس تتمرَّد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء، وإنَّ الله تعالى قدّر أن يخلق في آخر الزمان نبيّاً مفضَّلاً على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة! على رغم الأعداء، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره أعني أبا بكر صدِّيق المصطفى، فاذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس، وعادت إلى سيرها، بقدرة المولى، وكذلك إذا مرَّ العاصي من اُمَّتي على نار جهنّم وأرادت النار على المؤمن أن تهجم، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة، ولغيره طالبة.

قال الأميني: إنَّ ممّا يغمرني في الحيرة أنَّ هذه لعجلة، لِم لم يكتشف عنها علماء الهيئة قديماً وحديثاً، مع توفُّر أدوات الكشف ومحصّلاته لأهل الهيئة الجديدة خاصَّة؟ وانَّهم لِماذا استقرَّت آرائهم بعد تقدُّم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الأرض على الشمس؟

وتُعلمنا الرّواية عن أنَّ البخار لم يَكن مستخدماً عند إنشاء تلك العجلة فيمدّها الله سبحانه به حتى لا يشعر بارادة مريد، ولا حياء من يستحي، فيمضي بالعجلة ويوصله في أسرع وقت إلى حيث شيءَ لَها قدما، ولكنَّ العجب انَّ الله سبحانه لم لَم يستبدل بالبخار عن الملائكة بعد اكتشافه فيطلق صراح اولئك الآلاف المؤلَّفة المقيَّدة بسلاسل بلاء العجلة، ويعتقهم عن مكابدة تمرُّد الشمس في كلِّ يوم؟

وهناك مسئلةٌ لا أدري من المجيب عنها وهي: انَّ ارادة الله سبحانه الفائقة على كلِّ قوَّة جامحة وهي تمسك السَّماء بغير عمد ترونها، وتسير الجبال تحسبها جامدة وهي تمرُّ مرَّ السحاب، صنع الله الذي أتقن كلَّ شيء، لِمَ لم تقم مقام اولئك المسخَّرين لجرِّ الشمس حتّى لا يوقفها تمرُّد، ولا تحتاج إلى عرى وسلاسل، أو الاقسام بمن

٢٣٨

كتب اسمه عليها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة والعرى والسلاسل، وخلق اولئك الجمِّ الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجرِّ الثقيل، وهو الذي إذا أراد شيئاً أن يكون يقول له: كن. فيكون؟

ثمَّ إنَّ الشمس هلاّ كانت تعلم انَّ إرادة الله سبحانه ماضيةٌ عليها بجريها إلى الغاية المقصودة؟ فما هذا التوقُّف والتمرد؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطَّة سيرها. أنّي للشمس أن تجهل بها؟ وهي هي الشاعرة بخطِّ الاستواء، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدَّسة، وهي العارفة بمقامات الصدِّيق، وانَّ اسمه منقوشٌ عليها، وانَّ من واجبها أن تنقاد لا تجمح على من أقسم به عليها.

ومن عويصات لا تنحلُّ: تجديد الشمس تمرُّدها كلَّ يوم، والشمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم(١) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل وسابق النهار و كلٌّ في فلكٍ يسبحون(٢) .

وأعوص من ذلك: انشاد الملائكة إيّاها في كلِّ نهار بتلك الاُنشودة الضخمة و وحي الله إليهم بها طيلة عمر الدنيا.

هكذا تشوِّه رواةُ السوء سمعة السنّة الشريفة، وهي مقدَّسةٌ عن هذه الأوهام الخرافيّة وانَّ هذه كلّها من جرّاء الغلوّ الممقوت في الفضائل، ولو كان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الاسناد يعلم ما ذكرناه من الفضايح المترتبة على افتعالها لَما اقتحم هذا الاقتحام المزري.

- ٢ -

التوسُّل بلحية أبي بكر

ذكر اليافعي في روض الرياحين(٣) عن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه انَّه قال: بينما

____________________

١ - سورة يس~. آية ٣٨.

٢ - سورة يس~ آية ٤٠.

٣ - طبع بمصر فى المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبى توجد الرواية فى ص ٤٤٣ ينقل عنه القسطلانى فى المواهب، وقال الزرقانى فى شرح المواهب ٣ ص ١٥٧ مؤلف حسن، و طبع لليافعى كتاب آخر مستقلا فى مصر سنة ٢٣١٥ باسم روض الرياحين ايضاً، وهو تأليفه الآخر غير المطبوع فى حاشية العرائس.

٢٣٩

نحن جلوسٌ بالمسجد وإذا نحن برجل أعمى قد دخل علينا وسلّم فرددناعليه ‌السَّلام وأجلسناهُ بين يدي النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: من يقضيني حاجة في حبِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما حاجتك يا شيخ؟ فقال: إنَّ لي أهلاً ولم يكن عندي ما نقتات به، واريد من يدفع لنا شيئاً نقتات به في حبِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال فنهض أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه وقال: نعم أنا أعطيك ما يقوم بك في حبِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثمَّ قال: هل من حاجة اُخرى؟ فقال: نعم إنَّ لي ابنة اُريد من يتزوَّج بها في حياتي حبّاً في محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا أتزوَّج بها في حياتك حبّاً في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل من حاجة اُخرى؟ فقال: نعم اُريد أن أضع يدي في شيبة أبي بكر الصدِّيق رضي الله تعالى عنه حبّاً في محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فنهض أبو بكر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الأعمى وقال: امسك لحيتي في حبِّ محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: فقبض الأعمى بلحية أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه وقال: يا ربِّ أسألك بحرمة شيبة أبي بكر ألَا رددت عليَّ بصري. قال: فردّ الله عليه بصره لوقته، فنزل جبريلعليه‌السلام على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا محمَّد! السّلام يقرئك السّلام، ويخصُّك بالتحيَّة والإكرام، ويقول لك: وعزَّته وجلاله لو أقسم عليَّ كل أعمى بحرمَة شيبة أبي بكر الصدِّيق لرددت عليه بصره، وما تركت على وجه الأرض أعمى، وهذا كلّه ببركتك وعلوّ قدرك وشأنك عند ربِّك.

قال الأميني: إنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. حقّاً أنَّ هذا الضرير قد عمي قلبه قبل بصره، فلم يعقل إنَّ القسم بشيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من شيبة أبي بكر، فهي مقدَّمة قداسةً وشرفاً وزلفةً عند الله سبحانه، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكبر من أبي بكر سنّاً وأكثر شيبة، فما أعمى الرجل عنها إن كان يريد مقسماً به يبرّ الله سبحانه به قسمه؟ أو أنَّه له في شيبة أبي بكر غاية لم نعرفها؟ ثمَّ أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنَّة؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها؟ فيقسمون على الله بها فيكشف عن أبصارهم، وما بال الحفّاظ وأئمَّة الحديث أرجأوا نشر هذه الرواية إلى القرن الثامن عهد اليافعي؟ هل بخلوا على عميان الاُمَّة بمثل هذا النجاح الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه: وعزَّتي وجلالي لو أقسم عليَّ كل أعمى. الخ؟ أو أنّهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد

_١٥_

٢٤٠