الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 170911
تحميل: 4521


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170911 / تحميل: 4521
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أخصّ خصوصاً عبد شمس ونوفلاً

هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمرُ

هما أغمرا للقوم في أخويهما

فقد أصبحا منهم أكفّهما صفرُ

هما أشركا في المجدَ من لا أبا له

من الناس إلّا أن يُرسَّ له ذكرُ(١)

وتيمٌ مخزومٌ وزهرة منهمُ

وكانوا لنا مولىً إذا بُني النصرُ

فوالله لا تنفكُّ منّا عداوةٌ

ولا منهمُ ما كان من نسلنا شفرُ(٢)

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم

وكانوا كجفرٍ بئس ما صنعت جفرُ

قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما. قال الأميني: حذف ابن هشام منها ثلاثة أبيات لا تخفى على أيِّ أحد غايته الوحيدة فيه، وإنَّ الانسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره. ألا وهي:

وما ذاك إلّا سؤدد خصَّنا به

إ~له العباد واصطفانا له الفخرُ

رجالٌ تمالوا حاسدين وبغضة

لأهل العلى فبينهمُ أبداً وترُ

وليد أبوه كان عبداً لجدِّنا

إلى علجة زرقاء جال بها السحرُ

يريد به الوليد بن المغيرة وكان من المستهزئين بالنبيِّ الأعظم ومن الَّذين مشوا إلى أبي طالبعليه‌السلام في أمر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نزل فيه قوله تعالى: ذرني ومن خلقت وحيدا(٣) وكان يسمّى: الوحيد. في قومه.

ثمَّ قام أبو طالب - حين رأى قريش يصنعون ما يصنعون - في بني هاشم وبني المطَّلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه و قاموا معه، وأجابوه ما دعاهم إليه إلّا ما كان من أبي لهب عدوِّ الله الملعون.

فلمّا رأى أبو طالب من قومه ما سرّه في جهدهم معه وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم، ومكانه منهم، ليشدّ لهم رأيهم، وليحدبوا معه على أمره، فقال:

____________________

١ - يرسّ له ذكر: يذكر ذكراً خفيفاً. رسّ الحديث: حدث به فى خفاء.

٢ - شفر. أحد. يقال: ما بالدار شفر، أى ما بها أحد.

٣ - الروض الانف ١: ١٧٣، تفسير البيضاوى ٢: ٥٦٢، الكشاف ٣: ٢٣٠، تاريخ ابن كثير ٤: ٤٤٣، تفسير الخازن ٤: ٣٤٥.

٣٦١

إذا اجتمعت يوماً قريشٌ لمفخرٍ

فعبد منافٍ سرّها وصميمها(١)

فإنُ حصّلت أشراف عبد منافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها

إن فخرت يوماً فإنَّ محمّداً

هو المصطفى من سرّها وكريمها

تدعّت قريشٌ غثّها وسمينها

علينا فلم تظفر وطاشت حلومها(٢)

وكنّا قديماً لا تقرُّ ظُلامةٌ

إذا ما ثنوا صُعر الخدود نُقيمها(٣)

ونحمي حماها كلّ يوم كريهةٍ

ونضرب عن أحجارها مَن يرومها

بنا انتعش العود الذّواء وانَّما

بأكنافنا تندى وتنمى ارومها(٤)

سيرة ابن هشام ١: ٢٧٥ - ٢٨٣، طبقات ابن سعد ١: ١٨٦، تاريخ الطبري ٢: ٢١٨ - ٢٢١، ديوان أبي طالب ص ٢٤، الروض الانف ١: ١٧١، ١٧٢، شرح ابن أبي الحديد ٣، ٣٠٦، تاريخ ابن كثير ٢: ١٢٦، ٢٥٨، و ج ٣: ٤٢، ٤٨، ٤٩، عيون الأثر ١: ٩٩، ١٠٠ تاريخ أبي الفدا ج ١: ١١٧، السيرة الحلبيّة ١: ٣٠٦، أسنى المطالب ص ١٥ فقال: هذه الأبيات من غرر مدائح أبي طالب للنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدالة على تصديقه إيّاه، طلبة الطالب ص ٥ - ٩.

- ١٢ -

سيِّد الأباطح وصحيفة قريش

اجتمع قريش وتشاوروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب أن لا ينكحوا إليهم، ولا يبيعوا منهم شيئاً ولا يتبايعوا، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً، و لا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقتل، ويخلوا بينهم وبينه، وكتبوه في صحيفة بخطِّ منصور بن عكرمة، أو بخطِّ بغيض بن عامر، أو بخطِّ النضر بن الحرث، أو بخطِّ هشام بن عمرو، أو بخطِّ طلحة ابن أبي طلحة، أو بخطِّ منصور بن عبد، وعلّقوا

____________________

١ - سرّها وصميمها: خالصها وكريمها. يقال: فلان من سرّ قومه. أي: من خيارهم ولبابهم وأشرافهم.

٢ - طاشت حلومها: ذهبت عقولها.

٣ - ثنوا: عطفوا. صعر ج أصعر: المائل. يقال: صعر خده. أي أماله الى جهة كما يفعل المتكبر.

٤ - انتعش: ظهرت فيه الخضرة. الذواء: اليابس. الاكناف: النواحى. الارومة: الاصل.

٣٦٢

منها صحيفةً في الكعبة هلال المحرَّم سنة سبع من النبوة وكان إجتماعهم بخيف بني كنانة وهو المحصَّب فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في الشعب إلّا أبا لهب فكان مع قريش فأقاموا على ذلك سنتين وقيل ثلاث سنين وإنَّهم جهدوا في الشعب حتّى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر.

قال ابن كثير: كان أبو طالب مدَّة إقامتهم بالشعب يأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأتي فراشه كلّ ليلة حتّى يراه من أراد به شرّاً وغائلة فاذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمِّه أن يضطجع على فراش المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويأمر هو أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها.

ثمَّ إنَّ الله تعالى أوحى إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة من القطيعة والظلم فلم تدع سوى اسم الله فقط فأخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمَّه أبا طالب بذلك فقال: يا ابن أخي! أربّك أخبرك بهذا؟ قال نعم. قال: والثواقب ما كذبتني قطُّ فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب حتى أتوا المسجد فأنكر قريش ذلك وظنُّوا انَّهم خرجوا من شدَّة البلاء ليسلموا اليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو طالب: يا معشر قريش جرت بيننا وبينكم اُمور لم تذكر في صحيفتكم فأتوا بها لعلَّ أن يكون بيننا وبينكم صلحٌ، وإنَّما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها فأتوا بها وهم لا يشكّون أنَّ أبا طالب يدفع اليهم النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعوها بينهم وقبل أن تفتح قالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عمّا أحدثتم علينا وعلى أنفسكم؟ فقال: أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم إنَّ ابن أخي أخبرني ولم يكذبني: إنَّ الله قد بعثت على صحيفتكم دابَّة فلم تترك فيها إلّا اسم الله فقط، فإن كان كما يقول؟ فأفيقوا عمّا أنتم عليه، فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا. وإن كان باطلاً دفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم؟ فقالوا: رضينا. ففتحوها فوجدوها كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقالوا: هذا سحر إبن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدوانا.

وإنَّ أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علامَ نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبيّن انكّم أولى بالظلم والقطعية؟ ودخل هو ومن معه بين أستار الكعبة وقال: اللّهم انصرنا على مَن ظلمنا، وقطع أرحامنا، واستحلَّ ما يحرم عليه منّا.

وعند ذلك مشت طائفة من قريش في نقض تلك الصحيفة فقال أبو طالب:

٣٦٣

ألا هل أتى بَحريَّنا(١) صنع ربِّنا

على نأيهم؟ والله بالناس أرودُ(٢)

فيخبرهم: أنَّ الصحيفة مُزّقت

وأن كلّ ما لم يرضه الله مفسدُ

تراوحها إفكٌ وسحرٌ مُجمَّع

ولم يُلفَ سحرٌ آخر الدهر يصعدُ

تداعى لها مَن ليس فيها بقرقر

فطائرها في رأسها يتردَّدُ(٣)

وكانت كفاءً وقعةٌ بأثيمةٍ

ليقطع منها ساعدٌ ومقلّدٌ

ويظعن أهل المكَّتين فيهربوا

فرائصهم من خشية الشرِّ ترعدُ

ويُترك حرّاثٌ يقلّب أمرهَ

أيُتهم فيها عند ذالك ويُنجدُ(٤)

وتصعد بين الأخشبين كتيبةٌ

لها حُدُجٌ سهمٌ وقوسٌ ومرهدُ(٥)

فَمَنْ ينشُ مِن حضّار مكّة عزُّه

فعزَّتنا في بطن مكَّة أتلدُ(٦)

نشأنا بها والناس فيها قلائلٌ

فلم نَنفَكِكْ نزداد خيراً ونحمدُ

ونُطعم حتّى يترك الناس فضلهم

إذا جعلت أيدي المفيضين ترعدُ(٧)

جزى الله رهطاً بالحجون تتابعوا

على ملأ يهدي لحزمٍ ويُرشدُ

قعوداً لدى خطم الحجون كأنَّهم

مقاولةٌ(٨) بل هم أعزُّ وأمجدُ

أعان عليها كلُّ صقرٍ كأنَّه

إذا ما مشى فر رفرف الدرع أحردُ(٩)

ألا إنَّ خير الناس نفساً ووالداً

إذا عدَّ سادات البريَّة أحمدُ

نبيُّ الإلـ~ـه والكريم بأصله

أخلاقه وهو الرشيد المؤيَّدُ

جريءُ على جُلّى الخطوب كأنَّه

شهابٌ بكفّي قابس يتوقَّدُ(١٠)

____________________

١ - يريد به من كان هاجر من المسلمين الى الحبشة فى البحر.

٢ - أرود: أرفق.

٣ - القرقر: اللين السهل. وقال السهيلي: من ليس فيها بقرقر: أى ليس بذليل. وطائرها: أى حظها من الشوّم والشرّ وفي التنزيل: ألزمناه طائره فى عنقه.

٤ - الحراث: المكتسب. يتهم: يأتي تهامة. ينجد: يأتي نجداً.

٥ - الاخشبان: جبلان بمكة. المرهد: الرمح اللين.

٦ - ينش: أى ينشأ بحذف الهمزة على غير قياس. أتلد: أقدم.

٧ - المفيضين: الضاربون بقداح الميسر. يريد سلام الله عليه: انهم يطعمون اذا بخل الناس.

٨ - المقاولة: الملوك.

٩ - رفرف الدرع: ما فصل منها. أحرد: بطيء المشى لثقل الدرع.

١٠ - وفي رواية:

حزيم على جل الامور كأنه

شهاب بكفى قابس يتوقّد

٣٦٤

من الأكرمين من لويِّ بن غالبٍ

إذا سيم خسفاً وجهه يتربَّدُ(١)

طويل النجاد(٢) خارجٌ نصف ساقه

على وجهه يُسقى الغمام ويسعدُ

عظيم الرماد سيِّدٌ وابن سيِّد

يحضُّ على مَقرى الضيوف ويحشدُ

ويبني لأبناء العشيرة صالحاً

إذا نحن طُفنا في البلاد ويمهدُ

ألَظَّ(٣) بهذا الصلح كلَّ مبرّأ

عظيم اللواء أمره ثمَّ يحمدُ

قضوا ما قضوا في ليلهم ثمَّ أصبحوا

على مَهَلٍ وسائر الناس رُقَّدُ

هم رُجَّعوا سهل بن بيضاء راضياً

وسُرِّ أبو بكر بها ومحمَّدُ

متى شرك الأقوام في جُلِّ أمرنا

وكنّا قديماً قبلها نتودَّدُ

وكنّا قديماً لا نُقِرُّ ظُلامَةً

ونُدرك ما شئنا ولا نتشدَّدُ

فيالَ قُصيٍّ هل لكم في نفوسكم؟

وهل لكُم فيما يجيء به غدُ؟

فانّي وإيّاكم كما قال قائلٌ:

لديك البيان لو تكلّمت اسودُ(٤)

طبقات ابن سعد ١: ١٧٣، ١٩٢، سرة ابن هشام ١: ٣٩٩ - ٤٠٤، عيون الأخبار لابن قتيبة ٢: ١٥١، تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢، الاستيعاب ترجمة سهل بن بيضاء ٢: ٥٧٠، صفة الصفوة ١: ٣٥، الروض الانف ١: ٢٣١، خزانة الأدب للبغدادي ١: ٢٥٢، تاريخ ابن كثير ٣: ٨٤، ٩٦، ٩٧ عيون الأثر ١: ١٢٧، الخصايص الكبرى ١: ١٥١. ديوان أبي طالب ص ١٣، السيرة الحلبية ١: ٣٥٧ - ٣٦٧، سيرة زيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٢٨٦ - ٢٩٠، طلبة الطالب ص ٩، ١٥، ٤٤، أسنى المطالب ص ١١ – ١٣

وذكر ابن الأثير قصَّة الصحفية في الكامل ٢: ٣٦ فقال: قال أبو طالب في أمر الصحيفة وأكل الأرضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم أبياتاً منها:

____________________

١ - سيم - بالبناء للمجهول -: كلف. الخسف: الذل. يتربّد: يتغير الى السواد.

٢ - التجاد: حمائل السيف.

٣ - الظّ: ألحّ ولزم.

٤ - أسود: جبل، قتل فيه قتيل فلم يعرف قاتله فقال أولياء المقتول: لديك البيان لو تكلمت اسود. فذهب مثلا. توجد فى ديوان أبى طالب أبيات من هده القصيدة غير ما ذكر لم نجدها فى غيره.

٣٦٥

وقد كان في أمر الصحيفة عبرةٌ

متى ما يُخبَّر غائب القوم يعجبُ

محى الله منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحقِّ مُعربُ

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

ومن يختلق ما ليس بالحقِّ يكذبُ

- ١٣ -

وصيَّة أبي طالب عند موته

عن الكلبي قال: لمـّا حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش! أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، فيكم السيِّد المطاع، و فيكم المِقدام الشجاع، الواسع الباع، وأعلموا أنَّكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلّا أحرزتموه، ولا شرفاً إلّا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس فضيلة، ولهم به اليكم الوسيلة، والناس لكم حربٌ وعلى حربكم إلب، وإنَي اوصيكم بتعظيم هذه البنيَّة (يعني الكعبة) فإنَّ فيها مرضاةً للربّ، وقواماً للمعاش، وثباتاً للوطأة، صِلوا أرحامكم ولا تقطعوها، فإنَّ صِلة الرحم منسأةٌ في الأجل، وزيادةٌ في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكة القرون قبلكم، أجيبوا الداعي، واعطوا السائل فانَّ فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة فانَّ فيهما محبَّة في الخاصِّ، ومكرمة في العام.

وإنِّي أوصيكم بمحمَّد خيراً فإنَّه الأمين في قريش، والصدِّيق في العرب، و هو الجامع لكلِّ ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قَبِله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأنِّي أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدَّقوا كلمته، وعظَّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنا باً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم اليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش! ابن أبيكم، كونوا له ولاةً ولحزبه حماةً والله لا يسلك أحدٌ سبيله إلّا رَشَد، ولا يأخذ أحدٌ بهديه إلّا سَعَد، ولو كان لنفسي مدَّة وفي أجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه الدواهي.

٣٦٦

الروض الانف ١: ٢٥٩، المواهب ١: ٧٢، تاريخ الخميس ١: ٣٣٩، ثمرات الأوراق هامش المستطرف ٢: ٩، بلوغ الارب ١: ٣٢٧، السيرة الحلبيَّة ١: ٣٧٥، السيرة لزيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٩٣، أسنى المطالب ص ٥.

قال الأميني: في هذه الوصيَّة الطافحة بالايمان والرشاد دلالةٌ واضحةٌ على أنَّهعليه‌السلام إنّما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يأس فيها عن الحياة حذار شنآن قومه المستتبع لأنثيالهم عنه، المؤدِّي إلى ضعف المـُنَّة وتفكّك القوى، فلا يتسنّى له حينئذ الذبُّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان الايمان به مستقرّاً في الجنان من أوَّل يومه، لكنه لّما شعر باُزوف الأجل وفوات الغاية المذكورة أبدى ما أجنته أضالعه فأوصى بالنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوصيَّته الخالدة.

- ١٤ -

وصيَّة أبي طالب لبني أبيه

أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى: انَّ أبا طالب لمـّا حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمَّد، وما أتَّبعتم أمره، فاتَّبعوه و أعينوه ترشدوا.

وفي لفظ: يا معشر بني هاشم! أطيعوا محمّداً وصدِّقوه تفلحوا وترشدوا.

وتوجد هذه الوصيَّة في تذكرة السبط ص ٥، الخصائص الكبرى ١: ٨٧، السيرة الحلبيَّة ١: ٣٧٢، ٣٧٥، سيرة زيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٩٢، ٢٩٣، أسنى المطالب ص ١٠، ورأى البرزنجي هذا الحديث دليلاً على إيمان ابي طالب و نعمَّا هو، قال: قلت: بعيدٌ جِدًّا أن يَعرف أن الرشاد في إتّباعه ويأمر غير بذلك ثمَّ يتركه وهو.

قال الأميني: ليس في العقل السليم مساغٌ للقول بأنَّ هذه المواقف كلّها لم تنبعث عن خضوع أبي طالب للدين الحنيف وتصديقه للصادع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلّا فماذا الذي كان يحدوه إلى مخاشنة قريش ومقاساة الأذى منهم وتعكير الصفوِّ من حياته لا سيَّما أيّام كان هو والصفوة من فئته في الشعب، فلا حياة هنيئة، ولا عيش رغد، ولا أمن يطمأنُّ به، ولا خطرٌ مدروء، يتحمّل الجفاء والقطيعة والقسوة المؤلمة من قومه؟ فماذا

٣٦٧

الذي أقدمه على هذه كلِّها؟ وماذا الذي حصره وحبسه في الشعب عدَّة سنين تِجاه أمر لا يقول بصدقه ولا يخبت إلى حقيقته؟ لا ها الله لم يكن كلُّ ذلك إلّا عن إيمانِ ثابت، وتصديقٍ وتسليم وإذعان بما جاء به نبيُّ الاسلام، ويظهر ذلك للقارئ المستشفِّ لجزئيّات كلٍّ من هذه القصص، ولم تكن القرابة والقوميَّة بمفردها تدعوه إلى مقاساة تلكم، المشاقّ كما لم تدع أبا لهب أخاه، وهب أنَّ القرابة تدعوه إلى الذبّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنَّها لا تدعو إلى المصارحة بتصديقه وأنَّ ما جاء به حقُّ، وانَّه نبيٌّ كموسى خطَّ في أوَّل الكتب، وأنَّ من إقتصَّ أثره فهو المهتدي، وأنّ الضالَّ من إزورَّ عنه وتخلّف، إلى أمثال ذلك من مصارحات قالها بملأ فمه، ودعا اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها بأعلى هتافه.

- ١٥ -

حديثٌ عن أبي طالب

ذكر ابن حجر في الإصابة ٤: ١١٦ من طريق اسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبي رافع قال: سمعت أبا طالب يقول: سمعت ابن أخي محمَّد بن عبد الله يقول: إنَّ ربَّه بعثه بصلة الأرحام، وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره، ومحمَّد الصدوق الأمين.

وذكره السيِّد زيني دحلان في أسنى المطالب ص ٦ وقال: أخرجه الخطيب و أخرجه السيِّد فخار بن معد في كتاب الحجَّة ص ٢٦ من طريق الحافظ أبي نعيم الاصبهاني. وباسناد آخر من طريق أبي الفرج الاصبهاني. وروى الشيخ ابراهيم الحنبلي في نهاية الطلب عن عروة الثقفي قال: سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول: حدَّثني ابن أخي الصادق الأمين وكان والله صدوقاً: إنَّ ربَّه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة. وكان يقول: اُشكر ترزق، ولا تكفر تُعذَّب.

_٢٣_

٣٦٨

- ٣ -

ما يروي عنه آله وذووه

من طرق العامة فحسب

أمّا رجال آل هاشم، وأبناء عبد المطلب، وولد أبي طالب، فلم يؤثر عنهم إلّا الهتاف بايمانه الثابت، وإنَّ ما كان يؤثره في نصرة النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان منبعثاً عن تديّن بما صدع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت أدرى بما فيه، قال ابن الأثير في جامع الأُصول ما أسلم من أعمام النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السَّلام.ا ه.

نعم: هتفوا بذلك في أجيالهم وأدوارهم بملأ الأفواه وبكلِّ صراحة وجبهوا من خالفهم في ذلك.

إذا قالت حذام فصدِّقوها

فإنَّ القول ما قالت حذامِ

- ١ -

قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٢: روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العبّاس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: إنَّ أبا طالب ما مات حتى قال: لا إ~له إلّا الله، محمَّدٌ رسول الله والخبر مشهورٌ أنَّ أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفيّاً فأصغى إليه أخوه العبّاس(١) وروي عن عليّعليه‌السلام إنَّه قال ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نفسه الرضا.

وذكر أبو الفدا والشعراني عن ابن عبّاس: انَّ أبا طالب لمـّا اشتدَّ مرضه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمّ! قلها استحلُّ لك بها الشفاعة يوم القيامة يعني الشَّهادة فقال له أبو طالب: يا ابن اخي! لولا مخافة السبَّة وان تظنَّ قريش إنَّما قلتها جزعاً من الموت لقلتها فلمّا تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرِّك شفتيه فأصغى اليه العبّاس باذنه وقال:

____________________

١ - راجع سيرة ابن هشام ٢: ٢٧، دلائل النبوة للبيهقى، تاريخ ابن كثير ٢: ١٢٣، عيون الاثر لابن سيد الناس ١: ١٣١، الاصابة ١١٦، المواهب اللدنية ١: ٧١، السيرة الحلبية ١: ٣٧٢، السيرة الدحلانية هامش الحلبية ١: ٨٩، أسنى المطالب ص ٢٠.

٣٦٩

والله يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحمد لله الذي هداك يا عمّ!(١) .

وقال السيَد أحمد زيني دحلان في السيرة الحلبيَّة ١: ٩٤: نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الشعراني والسبكي وجماعة أنَّ ذلك الحديث أعني حديث العبّاس ثبت عند بعض أهل الكشف وصحَّ عندهم إسلامه.

قال الأميني: ذكرنا هذا الحديث مجاراةً للقوم وإلّا فما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عند الموت إلى التلفُّظ بتينك الكلمتين اللّتين كرَّس حياته الثمينة بالهتاف بمفادهما في شعره ونثره، والدعوة إليهما، والذبِّ عمَّن صدع بهما، ومعاناة الأهوال دونهما حتى يومه الأخير؟ ما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عندئذ إلى التفوُّه بهما كأمر مستجدّ؟ فمتى كفر هو؟ ومتى ضلَّ؟ حتّى يؤمن ويهتدي بهما، أليس من الشهادة قوله الذي أسلفناه ص ٣٣١:

ليعلم خيار الناس أنَّ محمَّداً

وزير لموسى والمسيح ابن مريمِ

أتانا بهدي مثل ما أتيا به

فكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصمِ

وإنَّكم تتلونه في كتابكم

بصدق حديث لا حديث مبرجمِ

وقوله في ص ٣٣٢:

أمينٌ حبيب في العباد مسوَّمٌ

بخاتم ربّ قاهر في الخواتمِ

نبيُّ أتاه الوحي من عند ربِّه

ومن قال: لا يقرع بها سنَّ نادمِ

وقوله في ص ٣٣٢:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمَّداً

رسولاً كموسى خُطَّ في أوَّل الكتب

وقوله في ص ٣٣٤:

وظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى

وأمرٌ أتى من عند ذي العرش قيِّم

وقوله في ص ٣٣٤:

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقرَّ منك عيونا

ودعوتني وعلمت انَّك ناصحي

ولقد دعوت وكنتَ ثمَّ أمينا

____________________

١ - تاريخ ابى الفدا ج ١: ١٢٠، كشف الغمة للشعرانى ٢: ١٤٤.

٣٧٠

ولقد علمتُ بأنَّ دين محمَّد

من خير أديان البريَّة دينا

وقوله في ص ٣٣٥:

أو تؤمنوا بكتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

على نبيِّ كموسى أو كذي النون

وقوله في ص ٣٣٧:

نصرت الرَّسول رسول المليك

ببيض تلألا كلمع البروقِ

أذبُّ وأحمي رسول الالـ~ـه

حماية حامٍ عليه شفيقِ

وقوله في ص ٣٤٠:

فأيَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقُّه غير باطلِ

وقوله في ص ٣٥٦:

والله لا أخذل النبيَّ ولا

يخذله من بنيَّ ذو حسبِ

نحن وهذا النبيُّ ننصره

نضرب عنه الأعداء بالشهبِ

وقوله في ص ٣٤٥:

أتبغون قتلاً للنبيِّ محمَّدِ

خصصتم على شؤم بطول أثامِ

وقوله في ص ٣٥٧:

فصبراً أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهراً للدين وُفِّقت صابرا

وحط مَن أتى بالحقِّ من عند ربِّه

بصدقٍ وعزمٍ لا تكن حمز كافرا

فقد سرَّني إذ قلت: إنَّك مؤمنٌ

فكن لرسول الله في الله ناصرا

وقوله وقد رواه أبو الفرج الاصبهاني:

زعمت قريش إنَّ أحمد ساحرٌ

كذبوا وربِّ الراقصات إلى الحرم(١)

ما زلت أعرفه بصدق حديثه

وهو الأمين على الحرائب والحرم

وقوله المرويُّ من طريق أبي الفرج الاصبهاني كما في كتاب (الحجَّة) ص ٧٢ ومن طريق الحسن بن محمَّد بن جرير كما في تفسير أبي الفتوح ٤: ٢١٢.

قل لمن كان من كنانة في العزِّ

وأهل الندى وأهل المعالي

: قد أتاكم من المليك رسولٌ

فاقبلوه بصالح الأعمالِ

____________________

١ - أراد بالراقصات الى الحرم: الابل الراكضات. رقص الجمل اذا ركض.

٣٧١

وانصروا أحمداً فانَّ من الله

رداءٌ عليه غير مدالِ

وقوله من أبيات فى شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٥:

فخير بني هاشم أحمد

رسول الإلـ~ـه على فترةِ(١)

ولو كان يؤثر أقلّ من هذا عن أحد من الصحابة لطبَّل له، وزمَّر من يتشبَّث بالطحلب في سرد الفضائل لبعضهم مغالاةً فيهم، لكنِّي أجد إسلام أبي طالب مستعصياً فهمه على هؤلاء ولو صرخ بألف هتاف من ضرائب هذه. لماذا؟ أنا لا أدري.

- ٢ -

أخرج ابن سعد في طبقاته ١: ١٠٥ عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليّ قال: أخبرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموت أبي طالب فبكى ثمَّ قال: إذهب فاغسله وكفِّنه وواره غفر الله له ورحمه.

وفي لفظ الواقدي: فبكى بكاء شديداً ثمّ قال: إذهب فأغسله. الخ.

وأخرجه ابن عساكر كما في أسنى المطالب ص ٢١، والبيهقي في دلائل النبوَّة، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة ص ٦، وابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٤، والحلبي في السيرة ١: ٣٧٣، والسيد زيني دحلان في السيرة هامش الحلبيَّة ١: ٩٠، والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصحَّحه كما في أسني المطالب ص ٣٥ وقال: أخرجه ايضاً أبو داود وابن الجاوود وابن خزيمة. وقال: إنَّما ترك النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشي في جنازته إتّقاءً من شرِّ سفهاء قريش، وعدم صلاته لعدم مشروعيَّة صلاة الجنازة يومئذ.

عن الأسلمي وغيره: توفّي أبو طالب للنصف من شوّال في السنة العاشرة من حين نُبِّئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوفّيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيّام فاجتمعت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها وعلى عمِّه حزناً شديداً حتّى سمّي ذلك العام عام الحزن.

طبقات ابن سعد ١: ١٠٦، الامتاع للمقريزي ٢٧، تاريخ ابن كثير ٣: ١٣٤، السيرة الحلبيّة ١: ٣٧٣، السيرة لزيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٢٩١، أسنى المطالب ص ١١.

____________________

١ - اشار الى قوله تعالى: قد جاءكم رسولنا يبين لكم على‏ فترة من الرسل. وتوجد الابيات فى كتاب الحجة للسيد فخار سلام الله عليه ص ٧٤.

٣٧٢

(لفت نظر) عيَّن ابن سعد لوفاة أبي طالب يوم النصف من شوّال كما سمعت وقال أبو الفدا في تاريخه ١: ١٢٠ توفّي في شوّال، وأوعز القسطلاني في المواهب ١: ٧١ موته في شوّال إلى القيل، وقال المقريزي في الإمتاع ص ٢٧: توفّي أوَّل ذيقعدة وقيل: النصف من شوّال، وقال الزرقاني في شرح المواهب ١: ٢٩١: مات بعد خروجهم من شعب في ثامن عشر رمضان سنة عشر، وفي الاستيعاب: خرجوا من الشعب في أوّل سنة خمسين وتوفّي أبو طالب بعده بستة أشهر فتكون وفاته في رجب. ه‍. وهذا الإختلاف موجودٌ في تآليف الشيعة ايضاً.

- ٣ -

أخرج البيهقي عن ابن عبّاس: إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاد من جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عمّ! وفي لفظ الخطيب: عارض النبيُّ جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم جزاك الله خيراً يا عمّ!

دلائل النبوة البيهقي، تاريخ الخطيب البغدادي ١٣: ١٩٦، تاريخ ابن كثير ٣: ١٢٥، تذكرة السبط ص ٦، نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنفي كما في الطرائف ص ٨٦، الإصابة ٤: ١١٦، شرح شواهد المغني ص ١٣٦.

وقال اليعقوبي في تاريخه ٢: ٢٦: لمـّا قيل لرسول الله: إنَّ أبا طالب قد مات عظم ذلك في قلبه واشتدَّ له جزعه ثمَّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرّات وجبينه الأيسر ثلاث مرّات، ثمَّ قال: يا عمّ! ربّيت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عنِّي خيراً، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم، و جُزيت خيراً.

- ٤ -

عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال: قال العبّاس: يا رسول الله! أترجو لأبي طالب؟ قال: كلَّ الخير أرجو من ربِّي.

أخرجه ابن سعد في الطبقات ١: ١٠٦ بسند صحيح رجالهم كلّهم ثقاتٌ رجال الصِّحاح وهم: عفّان بن مسلّم. وحمّاد بن سلمة. وثابت البنائي. واسحاق بن عبد الله.

وأخرجه ابن عساكر كما في الخصايص الكبرى ١: ٨٧. والفقيه الحنفي الشيخ

٣٧٣

ابراهيم الدينوري في نهاية الطلب كما في الطرائف ص ٦٨. وذكره ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١١، والسيوطي في التعظيم والمنَّة ص ٧ نقلاً عن ابن سعد.

- ٥ -

وعن انس بن مالك قال: أتى أعرابيُّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله! لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبيُّ يصطبح، ثمَّ أنشد:

اتيناك والعذراء يدمي لبانها

وقد شغلت أمُّ الصبيِّ عن الطفلِ

وألقى بكفَّيه الصبيَّ استكانة

من الجوع ضعفاً ما يمرُّ ولا يحلي

ولا شيء ممّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الفسلِ

وليس لنا إلّا إليك فرارنا

وأين فرار الناس إلّا إلى الرُّسلِ

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجرُّ رداءه حتّى صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمَّ قال: أللّهمَّ أسقنا غيثاً مغيثاً سحّاً طبقاً غير رايث، تنبت به الزرع، وتملأ به الضرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون.

فما استتمَّ الدعاء حتّى التقت السّماء بروقها، فجاء أهل البطالة يضجّون: يا رسول الله! الغرق فقال: حوالينا ولا علينا. فانجاب السحاب عن المدينة كالاكليل، فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بدت نواجذه وقال: لِلَّه درُّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرَّت عيناه، مَن الذي ينشدنا شعره؟ فقال عليُّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه يا رسول الله! كأنَّك أردت قوله:

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأراملِ

قال: أجل فأنشده أبياتاً من القصيدة ورسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر ثمَّ قام رجل من كنانة وانشد:

لك الحمد والحمد ممَّن شكرْ

سقينا بوجه النبيِّ المطرْ

دعا الله خالقه دعوةً

وأشخص معها إلى البصرْ

فلم يك إلّا كإلقاَ الردى

وأسرع حتّى رأينا الدررْ

دفاق العزاليّ جمّ البعاق(١)

أغاث به الله عليا مضرْ

____________________

١ - راجع ص ٤ من الجزء الثانى من هذا الكتاب.

٣٧٤

فكان كما قاله عمُّه

أبو طالب أبيضٌ ذو غررْ

به الله يسقي صيوب الغمام

وهذا العيان لذاك الخبرْ

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن يك شاعراً يحسن فقد أحسنت.

أعلام النبوَّة للماوردي ص ٧٧، بدايع الصنايع ١: ٢٨٣، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٦، السيرة الحلبيَّة، عمدة القاري ٣: ٤٣٥، شرح شواهد المغني للسيوطي ص ١٣٦، سيرة زيني دحلان ١: ٨٧، أسنى المطالب: ص ١٥، طلبة الطالب ص ٤٣.

قال البرزنجي كما في أسنى المطالب: فقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لله درُّ أبي طالب يشهد له بانَّه لو رأى النبيَّ وهو يستسقي على المنبر لسرَّه ذلك، ولقرَّت عيناه فهذا من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادةٌ لأبي طالب بعد موته انَّه كان يفرح بكلمات النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقرُّ عينه بها، وما ذلك إلّا لسرٍّ وقر في قلبه من تصديقه بنبوَّته وعلمه بكمالاته. ا ه.

قال الأميني: وذكر جمعٌ هذا الحديث في استسقاء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وحذف منه كلمة [لِلَّه درُّ أبي طالب] وأنت أعرف منِّي بالغاية المتوخّاة في هذا التحريف، ولا يفوتنا عرفانها.

- ٦ -

قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٦: ورد في السير والمغازي أنَّ عتبة بن ربيعة أو شيبة لمـّا قطع رجل أبي عبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر أشبل عليه عليُّ وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتّى قتلاه واحتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانَّ مخَّ ساقه ليسيل فقال: يا رسول الله لو كان أبو طالب حيّاً لعلم أنَّه قد صدق في قوله:

كذبتم وبيت الله نُحلي محمَّداً

ولمـّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتَّى نصرَّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقالوا: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إستغفر له ولأبي طالب يومئذ.

- ٧ -

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّه قال لعقيل بن أبي طالب: يا أبا يزيد! إنِّي اُحبُّك حبِّين حبّاً لقرابتك منِّي، وحبّاً لما كنت أعلم من حبِّ عمِّي أبي طالب إيَّاك.

٣٧٥

أخرجه أبو عمر في الاستيعاب ٢: ٥٠٩، والبغوي، والطبراني كما في ذخاير العقبي ص ٢٢٢، وتاريخ الخميس ١: ١٦٣، وعماد الدين يحيى العامري في بهجة المحافل ١: ٣٢٧، وذكره والهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٧٣ وقال: رجاله ثقاب.

هذا شاهد صدق على أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتقد ايمان عمِّه وإلّا فما قيمة حبِّ كافر لأيِّ أحد حتّى يكون سبباً لحبِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاده. م - وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا لعقيل كان بعد إسلامه كما نصّ عليه الامام العامري في بهجة المحافل وقال: وفيها إسلام عقيل بن أبي طالب الهاشمي، ولمـّا أسلم قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أبا يزيد. إلخ.

وقال جمال الدين الاشخر اليمني في شرح البهجة عند شرح الحديث: ومن شأن المحبِّ محبَّة حبيب الحبيب.

ألا تعجب من حبِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا طالب إن لم يك معتنقاً بدينه - العياذ بالله - ومن إعرابه عنه بعد وفاته. ومن حبّه عقيلاً لحبِّ أبيه إيّاه؟!!].

- ٨ -

أخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عبّاس وغيره قالوا: كان أبو طالب يحبُّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبّاً شديداً لا يحبُّ أولاده مثله، ويقدمه على أولاده، ولذا كان لا ينام إلّا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج.

ولمـّا مات أبو طالب نالت قريشٌ منه من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتّى اعترضه سفيهٌ من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها: يا بنيَّة لا تبكي فإنَّ الله مانعُ أباكِ، ما نالت منِّي قريش شيئاً أكرهه حتّى مات أبو طالب.

وفي لفظ: ما زالت قريش كاعين (أي جبانين) حتّى مات أبو طالب.

وفي لفظ: ما زالت قريش كاعة حتّى مات أبو طالب.

تاريخ الطبري ٢: ٢٢٩، تاريخ ابن عساكر ١: ٢٨٤، مستدرك الحاكم ٢: ٦٢٢، تاريخ ابن كثير ٣: ١٢٢، ١٣٤، الصفوة لابن الجوزي ١: ٢١، الفائق للزمخشري ٢:

٣٧٦

٢١٣، تاريخ الخميس ١: ٢٥٣، السرة الحلبيَّة ١: ٣٧٥، فتح الباري ٧: ١٥٣، ١٥٤، شرح شواهد المغني ص ١٣٦ نقلاً عن البيهقي، أسنى المطالب ص ١١، ٢١، طلبة الطالب ص ٤، ٥٤.

- ٩ -

عن عبد الله قال: لمـّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر إلى القتلى وهم مصرعون قال لأبي بكر: لو انَّ أبا طالب حيّ لعلم أنَّ أسيافنا قد أخذت بالأماثل يعني قول أبي طالب:

كذبتم وبيت الله إن جدَّ ما أرى

لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

الأغاني ١٧: ٢٨، طلبة الطالب ص ٣٨ نقلاً عن دلائل الاعجاز.

- ١٠ -

أخرج الحافظ الكنجي في الكفاية ص ٦٨: من طريق الحافظ ابن فنجويه عن ابن عبّاس في حديث مرفوعاً قال لعليّ: لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحقّ منك لقدمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول الله، وصهرك عندك فاطمة سيدة نساء المؤمنين وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب، أتاني حين نزل القرآن وأنا حريصٌ أن أرعى ذلك في ولده بعده.

قال الأميني: إنَّ شيئاً من مضامين هذه الأحاديث لا يتَّفق مع كفر أبي طالب فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأمر خليفته الإمامعليه‌السلام بتكفين كافر ولا تغسيله، ولا يستغفر له ولا يترحَّم عليه، كما في الحديث الثالث، ولا يرجو له بعض الخير فضلاً عن كلِّه كما في الحديث الرابع، ولا يستدرُّ له الخير كما في حديث الاستسقاء، ولا يستغفر له كما في الحديث السادس، ولا يحبُّ عقيلاً لحبّه إيَّاه، فانَّ الكفر يزع المسلم عن بعض هذه فكيف بكلّها فضلاً عن نبيِّ الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الصادع بقول الله العزيز: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. سورة المجادلة:

وقوله تعالى: يا أيّها الَّذين آمنوا لا تتَّخذوا عدوِّي وعدوِّكم أولياء تلقون اليهم بالمودَّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقِّ. سورة الممتحنة ٦٠.

٣٧٧

وقوله تعالى: يا أيُّها الَّذين آمنوا لاتتَّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفْر على الايمان ومن يتولَّهم منكم فأولئك هم الظالمون. سورة التوبة ٢٣.

وقوله تعالى: ولو كانوا يُؤمنون بالله والنبيِّ وما اُنزل إليه ما اتَّخذوهم أولياء. سورة المائدة: ٨١. إلى آيات اُخرى.

الكلم الطيّب

أخرج تمام الرّازي في فوائده بإسناده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي واُمّي وعمّي أبي طالب وأخٍ لي كان في الجاهليَّة.

ذخائر العقبي ص ٧، الدرج المنيفة للسيوطي ص ٧، مسالك الحنفا ص ١٤، وقال فيه: أخرجه أبو نعيم وغيره وفيه التصريح بانَّ الأخ من الرضاعة، فالطرق عدَّة يشدُّ بعضها بعضاً فإنَّ الحديث الضعيف يتقوّى بكثرة طرقه وأمثلها حديث ابن مسعود فإنَّ الحاكم صحَّحه.

وفي تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٦ روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ وعدني في أربعة في أبي واُمِّي وعمِّي وأخ كان لي في الجاهليَّة.

أخرج ابن الجوزي باسناده عن عليّعليه‌السلام مرفوعاً: هبط جبرئيلعليه‌السلام عليَّ فقال: إنَّ الله يقرئك السَّلام ويقول: حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، أمَّا الصلب فعبد الله، وأمَّا البطن فآمنة، وأمّا الحجر فعمّه يعني أبا طالب و فاطمة بنت أسد. التعظيم والمنَّة للحافظ السيوطي ص ٢٥.

وفي شرح ابن ابي الحديد ٣: ٣١١ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال لي جبرائيل: إنَّ الله مشفّعك في ستَّة: بطن حملتك آمنة بنت وهب. وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب. وحجر كفلك ابو طالب. وبيت آواك عبد المطلب. وأخ كان لك في الجاهليَّة. الخ.

(رثاء أمير المؤمنين والده العظيم)

ذكر سبط إبن الجوزي في تذكرته ص ٦ انَّ علياًعليه‌السلام قال في رثاء أبي طالب:

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظُّلَمْ

٣٧٨

لقد هدَّ فقدك أهل الحفاظ

فصلىّ عليك وليُّ النّعمْ

ولقّاك ربُّك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عمْ

هذه الأبيات توجد في ديوان أبي طالب ايضاً ص ٣٦، وذكرها أبو علي الموضح كما في كتاب الحجَّة ص ٢٤ للسيِّد فخار ابن معد المتوفى ٦٣٠، وقال ابن أبي الحديد: قال ايضاً:

أرقت لِطير آخر الليل غرّدا

يذكّرني شجواً عظيماً مجدَّدا

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا لندى

جواداً إذا ما أصدر الأمر أوردا

فأمست قريش يفرحون بموته

ولست أرى حيّاً يكون مخلّدا

أرادوا اموراً زيَّنتها حُلومهم

ستوردهم يوماً من الغيِّ موردا

يُرجُّون تكذيب النبيِّ وقتله

وأن يفترى قِدما عليه ويجحدا

كذبتم وبيت الله حتّى نذيقكم

صدور العوالي والحسام والمهنَّدا

فإمّا تبيدونا وإمّا نبيدكم

وإمّا تروا سلم العشيرة أرشدا

وإلّا فإنَّ الحيَّ دون محمَّد

بني هاشم خير البريَّة محتدا

هذه الأبيات توجد في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام مع تغيير يسير وزيادة وإليك نصّها:

أرقت لنوح آخر الليل غرَّدا

يُذكّرني شجواً عظيماً مجدَّداً

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى

وذا الحلم لاُ خلفاً ولم يك قُعددا

أخا الملك خلّى ثلمة سيسدّها

بنو هاشم أو يستباح فيُهمدا

فأمست قريشٌ يفرحون بفقده

ولست أرى حيّاً لشيء مُخلّدا

أرادت أموراً زيَّنتها حلومهم

ستوردهم يوماً من الغيِّ موردا

يُرجُّون تكذيب النبيِّ وقتله

وأن يفتروا بهتاً عليه ويُجحدا

كذبتم وبيت الله حتّى نذيقكم

صدور العوالي والصفيح المهنَّدا

ويبدؤ مِنّا منظرٌ ذو كريهة

إذا ما تسربلنا الحديد المسرَّدا

فإمّا تبيدنا وإمَّا نبيدكم

وإمَّا تروا سلم العشيرة أرشدا

وإلّا فإنَّ الحيَّ دون محمَّد

بنو هاشم خير البريَّة محتدا

٣٧٩

وإنَّ له فيكم من الله ناصراً

ولست بلاقٍ صاحب الله أوحدا

نبيُّ أتى من كلِّ وحي بحظه

فسمّاه ربِّي في الكتاب محمَّدا

أغرّ كضوء البدر صورة وجهه

جلا الغيم عنه ضوءه فتوقَّدا

أمينٌ على ما استودع الله قلبه

وإن كان قولاً كان فيه مسدَّدا

(كلمة الامام السجّاد)

قال ابن ابي الحديد في شرحه ٣: ٣١٢: روي أنَّ علي بن الحسينعليه‌السلام سئل عن هذا - يعني عن ايمان أبي طالب - فقال: واعجبا إنَّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرَّ مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة بنت أسد من السّابقات إلى الاسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتّى مات.

(كلمة الإمام الباقر)

سُئلعليه‌السلام عمّا يقوله الناس أنَّ أبا طالب في ضحضاح من نار فقال: لو وضع ايمان أبي طالب في كفّة ميزان وايمان هذا الخلق في الكفَّة الاُخرى لرجح ايمانه ثمَّ قال: ألم تعلموا أنَّ أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام كان يأمر أن يحجَّ عن عبد الله وابنه وأبي طالب في حياته ثمَّ اوصى في وصيَّته بالحجِّ عنهم؟

شرح ابن ابي الحديد ٣: ٣١١.

(كلمة الإمام الصّادق)

روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام : إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنَّ أصحاب الكهف أسرُّوا الايمان وأظهروا الكفر فآتاهم الله أجره مرَّتين وإنَّ أبا طالب أسرَّ الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرَّتين.

شرح ابن ابي الحديد ٣: ٣١٢.

قال الأميني: هذا الحديث أخرجه ثقة الاسلام الكليني في اصول الكافي ص ٢٤٤ عن الإمام الصّادق غير مرفوع ولفظه: إنَّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرُّوا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرَّتين.

وبلفظ ابن ابي الحديد ذكره السيِّد ابن معد في كتابه (الحجَّة) ص ١٧ من

٣٨٠