الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 170950
تحميل: 4524


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170950 / تحميل: 4524
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فكأنَّما فتكاته في جيشهم

فتكات (حيدر) يوم أُحدٍ في العدى

جيشٌ يريد رضى يزيد عصابةٌ

غصبت فأغضبت العليَّ وأحمدا

جحدوا العليَّ مع النبيِّ وخالفوا

الهادي الوصيَّ ولم يخالفوا الموعدا

وغواهمُ شيطانهم فأضلّهم

عمداً فلم يجدوا وليّاً مُرشدا

ومن العجائب أنَّ عذب فراتها

تسري مُسلسلةً ولنْ تتقيَّدا

طامٍ وقلب السبط ظامٍ نحوه

وأبوه يسقي الناس سلسله غدا

وكأنَّه والطِرف والبتّار والخر

صان في ظُللِ العجاج وقد بدا(١)

شمسٌ على فلكٍ وطوع يمينه

قمرٌ يقابل في الظَّلام الفرقدا(٢)

والسيِّد العباس قد سلب العدا

عنه اللباس وصيَّروه مجرَّدا

وابن الحسين السبط ظمآن الحشا

والماء تنهله الذئاب مُبرَّدا

كالبدرِ مقطوع الوريد له دمٌ

أمسى على ترب الصعيد مُبدَّدا

والسّادة الشهداء صرعى في الفلا

كلٌّ لأحقاف(٣) الرمال توسّدا

فأولئك القوم الَّذين على هدىَ

من ربِّهم فمن اقتدى بهم اهتدى

والسبط حرّان الحشا لمصابهم

حيران لا يلقى نصيراً مُسعدا

حتّى إذا اقتربت أباعيد الرَّدى

وحياته منها القريب تبعَّدا

دارت عليه علوج آل اُميَّة

من كلّ ذي نقص يزيد تمرُّدا

فرموه عنُ صفر القسيِّ بأسهمٍ(٤)

من غير ما جُرم جناهُ ولا اعتدا

فهوى الجوادُ عن الجواد فرجَّت

السبع الشداد وكان يوماً أنكدا

واحتزَّ منه الشمر رأساً طالما

أمسى له حِجر النبوَّة مرقدا

فبكته أملاك السَّماوات العلى

والدهر بات عليه مشقوق الرّدا

____________________

١ - الطرف. راجع ص ٥. البتار: السيف القاطع. الخرصان: جمع الخرص، الرمح القصير السنان.

٢ - هذه البداعة مأخوذة من علاء الدين الشفهينى كما مرت في ج ٦ ص ٣٦٢ ومرت لابن العرندس ايضاً فى هذا الجزء ص ٥.

٣ - الاحقاف جمع الحقف: ما اعوج من الرمح واستطال.

٤ - الصفر: الدائرة: القسى جمع القوس: آلة معروفه ترمى بها السهام.

٢١

وارتدَّ كفُّ الجود مكفوفاً وطر

ف العلم مطروفاً(١) عليه أرمدا

والوحش صاحَ لما عراه من الأسى

والطير ناحَ على عزاه وعدَّدا(٢)

وسروا بزين العابدين الساجد

الباكي الحزينُ مقيَّداً ومُصفَّدا

وسكينةٌ سكن الأسى في قلبها

فغدا بضامرها(٣) مقيماً مُقعدا

وأسال قتل الطفِّ مدمع زينب

فجرى ووسط الخدِّ منها خدّدا

ورأيت ساجعةً تنوح بأيكة(٤)

سجعت فأخرست الفصيح المنشدا

بيضاء كالصبح المضيء أكفُّها

حمرٌ تطوَّقت الظلام الأسودا

ناشدتها يا ورق! ما هذا البكا

ردِّي الجواب فجعت قلبي المكمدا

والطوق فوق بياض عنقكِ أسودٌ

وأكفُّكِ حمرٌ تحاكي العسجدا

لمـّا رأتْ ولهي وتسألي لها

ولهيب قلبي ناره لن تخمدا

رفعت بمنصوب الغصون لها يداً

جزمت به نوح النوائح سرمدا

: قُتل الحسين بكربلا يا ليته

لاقى النجاة بها وكنتُ له الفدا

فاذا تطوَّق ذاك دمعي أحمرٌ

قانٍ مسحتُ به يديَّ تورُّدا

ولبستُ فوق بياض عنقي من أسىَ

طوقاً بسين سواد قلبي أسودا

فالآن هاذي قصَّتي يا سائلي

ونجيع دمعي سائلٌ لن يجمدا

فاندب معي بتقرُّحٍ وتحرُّقٍ

وابكي وكن لي في بكائي مُسعدا

فلألعننَّ بني اُميَّة ما حدا

حادٍ وما غار الحجيج وأنجدا(٥)

ولألعننّ يزيدها وزيادها

ويزيدُها ربِّي عذاباً سرمدا

ولأبكينَّ عليك يا بن محمّدٍ

حتى أوسَّد في التراب مُلحَّدا

ولأحلينَّ على عُلاك مدائحاً

من درِّ ألفاظي حساناً خُرَّدا

____________________

١ - المطروفة من العين: التي اصابها شيىء فدمعت.

٢ - عدّد الميت: عد مناقبه ووصفها.

٣ - ضمر فهو ضامر: هزل ودقّ وقلّ لحمه.

٤ - الايكة: الشجر الكثير الملتفّ.

٥ - غار الرجل: سار. انجد الرجل: اتى نجدا: قرب من اهله.

٢٢

عُرباً فصاحاً في الفصاحة جاوزت

قُسّاً(١) وبات لها لبيد(٢) مُبلَّدا

قلّدتها بقلائد من جودكم

أضحى بها جيد الزمان مُقلَّدا

يرجو بها نجلُ العرندس صالحٌ

في الخلد مع حور الجنان تخلّدا

وسقى الطفوف الهامرات من الحيا

سُحباً تسحُّ عيونها دمع النَّدى(٣)

ثم السَّلام عليك يا بن المرتضى

ما ناح طيرٌ في الغصون وغرَّدا

وله قصيدة تناهز ٥٦ بيتاً يرثي بها الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه توجد في المنتخب لشيخنا الطريحي ٢ ص ١٩ ط بمبىء مطلعها:

نوحوا أيا شيعة المولى أبا حسنِ

على الحسين غريب الدار والوطنِ

____________________

١ - قس بن ساعدة الايادى خطيب العرب قاطبة والمضروب به المثل فى البلاغة.

٢ - لبيد بن ربيعة العامرى توفى فى أول خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة.

٣ – الها مرات من همر الماء انصب. والهمّار من السحاب: السيال. الحيا: المطر. سح الماء: صبه صبا متتابعاً غزيراً. الندى: المطر.

٢٣

القرن التاسع

٧٣

ابن داغر الحلي

حيَّا الإ~له كتيبة مرتادها

يطوى له سهل الفلا ووهادها

قصدت أمير المؤمنين بقبَّة

يُبنى على هامِ السَّماك عمادها

وفدت على خير الأنام بحضرةٍ

عند الإ~له مكرَّمٌ وّفادها

فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى

أهل الفتوَّة ربّها مقتادها

فله الفخار قديمه وحديثه

والفاضلات طريفها وتلادها(١)

مولى البريَّة بعد فقد نبيِّها

وإمامها وهمامها وجوادها

وإذا القروم تصادمت في معركٍ

والخيل قد نسج القتام طرادها

وترى القبائل عند مختلف القنا

منه يحذِّر جمعها آحادها

والشوس تعثر في المجال وتحتها

جردٌ تجذُّ إلى القتال جيادها(٢)

فكأنَّ منتشر الرعال لدى الوغا

زجلٌ تنشَّر في البلاد جرادها

ورماحهم قد شظِّيت عيدانها(٣)

وسيوفهم قد كسِّرت أغمادها

والشهب تغمد في الرؤس نصولها

والسمر تصعد في النفوس صعادها(٤)

فترى هناك أخا النبيِّ محمّدٍ

وعليه من جهد البَلاء جلادها

متردِّياً عند اللقا بحسامه

متصدِّياً لكماتها يصطادها

____________________

١ - الطريف: المكتسب حديثاً. التلاد والتليد: ما كان من قديم.

٢ - الشوس ج أشوس: الشديد الجرىء فى القتال. تعثر يقال: عثر الرجل عثوراً اذا هجم لمى امر لهم يهجم عليه غيره. المجال: محل الجولان أى الميدان. جرد جمع الاجرد: السباق من الخيل. يجذ من جذ فى سيره: أسرع: الجياد ج الجواد: السريع من الفرس.

٣ - شطنى تشظية: فرق، تشظى العود: تطاير شظايا: عيدان وأعود وأعواد ج العود: الخشب.

٤ - الشهب ج الشهاب: السنان. سمى به لما فيه من بريق. نصول ج النصل: حديدة الرمح والسهم. السمر: الرمح. صعاد ج الصعدة: القناة المستوية.

٢٤

عضد النبيَّ الهاشميَّ بسيفه

حتى تقطَّع في الوغا أعضادها

وأخاه دونهمُ وسدَّ دُوينه

أبوابهم فتّاحها سدّادها

وحباه في (يوم الغدير) ولايةً

عام الوداع وكلّهم أشهادها

فغدا به (يوم الغدير) مفضَّلاً

بركاته ما تنتهي أعدادها

قبلت وصيَّة أحمد وبصدرها

تخفى لآل محمَّد أحقادها

حتى إذا مات النبيُّ فأظهرت

أضغانها في ظلمها أجنادها

منعوا خلافة ربِّها ووليِّها

ببصائر عميت وضلَّ رشادها

واعصوصبوا في منع فاطم حقّها

فقضت وقد شاب الحياة نكادها(١)

وتوفّيت غصصاً وبعد وفاتها

قُتل الحسين وذُبِّحت أولادها

وغدا يُسبُّ على المنابرِ بعلها

في أمَّة ضلّت وطال فسادها

ولقد وقفت على مقالة حاذقٍ

في السالفين فراق لي إنشادها

[أعلى المنابر تعلنون بسبّه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها](٢)

يا آل بيت محمَّد يا سادةً

ساد البرَّية فضلها وسدادها!

أنتم مصابيح الظلام وأنتمُ

خير الأنام وأنتمُ أمجادها

فضلاءها علماءها حلماءها

حكماءها عبّادها زهّادها

أمَّا العباد فأنتمُ ساداتها

أمَّا الحروب فأنتمُ آسادها

تلك المساعي للبريّة أوضحت

نهج الهدى ومشت به عبّادها

وإليكمُ من شاردات (مغامس)

بكراً يقرُّ بفضلها حسّادها

كملت بوزن كمالكم وتزيَّنت

بمحاسن من حسنكم تزدادها

ناديتها صوتاً فمذ أسمعتها

لبَّت ولم يصلد عليَّ زنادها

نفقت لديَّ لأنّها في مدحكم

فلذاك لا يخشى عليَّ كسادها

رحم الإ~له ممدّها أقلامه

ورجاؤه أن لا يخيب مدادها

____________________

١ - اعصو صبوا: اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب: خلط وغش. النكاد: الكدر.

٢ - هذا البيت من قصيدة لابى محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجى الحلبى رحمه الله المتوفى ٤٦٦.

٢٥

فتشفَّعوا لكبائر أسلفتها

قلقت لها نفسي وقلّ رقادها

جرماً لو أنَّ الراسيات حملنه

دكّت وذاب صخورها وصلادها

هيهات تُمنع عن شفاعة جدِّكم

نفسٌ وحبُّ أبي ترابٍ زادها

صلّى الا~له عليكمُ ما أرعدت

سحبٌ وأسبل ممطراً أرعادها

وله قوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتاً:

كيف السَّلامة والخطوب تنوبُ

ومصائب الدنيا الغرور تصوبُ؟

إنَّ البقاء على اختلاف طبائع

ورجاء أن ينجو الفتى لعصيبُ

العيش أهونه وما هو كائنٌ

حتمٌ وما هو واصلٌ فقريبُ

والدهر أطوارٌ وليس لأهله

إن فكّروا في حالتيه نصيبُ

ليس اللبيب من استغرَّ بعيشه

إنَّ المفكِّر في الاُمور لبيبُ

يا غافلاً! والموت ليس بغافلٍ

عِش ما تشاء فانّك المطلوبُ

أبديت لهوك إذ زمانك مقبلٌ

زاهٍ وإذ غضَّ الشباب رطيبُ

فمن النصير على الخطوب إذ أتت

وعلا على شرخ الشباب مشيبُ

علل الفتى من علمه مكفوفة

حتى الممات وعمره مكتوبُ

وتراه يكدح في المعاش ورزقه

في الكائنات مقدّرٌ محسوبُ

إنَّ الليالي لا تزال مجدِّة

في الخلق أحداثٌ لها وخطوبُ

من سرَّ فيها ساءه من صرفها

ريبٌ له طول الزمان مريبُ

عصفت بخير الخلق آل محمَّد

نكباء إعصار لها وهبوبُ(١)

أمَّا النبيُّ فخانه من قومه

في أقربيه مجانبٌ وصحيبُ

من بعد ما ردُّوا عليه وصاته

حتى كأنَّ مقاله مكذوبُ

ونسوا رعاية حقِّه في حيدر

في « خمَّ » وهو وزيره المصحوبُ

فأقام فيهم برهة حتى قضى

في الغيظ وهو بغيظهم مغضوبُ

ومنها قوله في رثاء الإمام السبطعليه‌السلام :

بأبي الإمام المستظام بكربلا

يدعو وليس لما يقول مجيبُ

____________________

١ - الاعصار: ريح ترتفع بالتراب. الهبوب من الرياح المثيرة للغبرة.

٢٦

بأبي الوحيد وماله مِن راحمٍ

يشكو الظما والماء منه قريبُ

بأبي الحبيب إلى النبيِّ محمَّدٍ

ومحمَّدٌ عند الا~له حبيبُ

يا كربلاءَ أفيكِ يُقتل جهرةً

سبط المطهَّر؟ إنَّ ذا لعجيبُ

ما أنتِ إلاّ كربةٌ وبليَّةٌ

كلُّ الأنام بهولها مكروبُ

لهفي عليه وقد هوى متعفِّراً

وبه اُوامٌ فادحٌ ولغوبُ(١)

لهفي عليه بالطفوف مجدّلاً

تسفي عليه شمألٌ وجنوبُ

لهفي عليه والخيول ترضّه

فلهنَّ ركضٌ حوله وخبيبُ(٢)

لهفي له والرأس منه مميّز

والشيب من دمه الشريف خضيب

لهفي عليه ودرعه مسلوبة

لهفي عليه ورحله منهوبُ

لهفي على حرم الحسين حواسراً

شعثاً وقد ريعت لهنَّ قلوبُ

حتّى إذا قطع الكريم بسيفه

لم يثنه خوفٌ ولا ترعيبُ

لِلَّه كم لطمت خدودٌ عنده

جزعاً وكم شُقَّت عليه جيوبُ؟

ما أنس إن أنسى الزكيَّة زينباً

تبكي له وقناعها مسلوبٌ

تدعو وتندب والمصاب تكظُّها

بين الطفوف ودمعها مسكوبُ(٣)

ءَاُخيَّ بعدك لا حييت بغبطةٍ

واغتالني حتفٌ إليَّ قريبُ

ءَاُخيَّ بعدك مَن يدافع جاهلاً

عنِّي ويسمع دعوتي ويجيبُ

حزني تذوب له الجبال وعنده

يسلو وينسى يوسفاً يعقوبُ

(الشاعر)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي، طفح بذكر المغامس في حبِّ آل الله صلّى الله عليهم غير واحد من المعاجم المتأخّرة كالحصون المنيعة للعلّامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء، والطليعة للعلّامة السماوي، والبابليّات للخطيب اليعقوبي، وذكر شطراً من شعره

____________________

١ - الاوام: العطش. الفادح: الصعب المثقل. اللغوب: المتعب المعيى.

٢ - الخبيب من خب الفرس فى عدوه: راوح بين يديه ورجليه أى قام على احداهما مرّة وعلى الاخرى مرّة.

٣ - تكظها من كظّ الامر كظاً: غمّ وبهظ الطفوف ج الطف. ما اشرف من الارض.

٢٧

شيخنا فخر الدين الطريحي في المنتخب، والأديب الإصبهاني في التحفة الناصريَّة، و تضمّن غير واحد من المجاميع قريظه المتدفِّق بمدح أهل بيت الوحي أئَّمة الهدى و رثائهم صلوات الله عليهم حتّى جمع منها الشيخ السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على ألف وثلثمائة وخمسين بيتاً ولعلَّ التالف منها أكثر وأكثر.

فهو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبّهم وولائهم غير أنَّ الدهر أنسى ذكره الخالد، ولعلَّ هذا الإنقطاع عن غيرهم عليهم السلام هو الذي قطع إطّراد ذكره في جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا يألف إلى ودِّهم كما فعلوا ذلك بالنسبة إلى كثيرين من أمثال المترجم فتركوا ذكره أو أثبتوه بصورة مصغَّرة، وعندهم مكبّرات لذكريات اُناس هم دون اولئك في الفضيلة والأدب، وكم للتاريخ من جنايات في الخفض والرفع، والجرّ والنصب، لا تستقصى؟

كان الشيخ مغامس من إحدى القبائل العربيَّة في ضواحي الحلّة الفيحاء فهبطها للدراسة، ولم يبارحها حتّى قضى بها نحبه شاعراً خطيباً، في أواسط القرن التاسع و يُعرب شعره عن انَّه كان له شوطٌ في مضمار الخطابة كما كان يركض في كلِّ حلبة من حلبات القريض قال:

فتارةً أنظم الأشعار ممتدحاً

وتارةً أنثر الأقوال في الخطب

وكان أبوه داغر شاعراً موالياً وهو الذي علّمه قرض الشعر ومرَّنه على ولاء العترة الطاهرة كما يأتي في قوله:

أعملت في مدحكم فكري فعلّمني

نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

فحيّى الله الوالد والولد. وإليك فهرست قصائده التي وقفنا عليها في مجاميع الأدب:

عدد القصائد المطلع عدد الأبيات

١ - محبّ الليالي في مساعيه متعبُ

يساق اليه حتفه وهو يدأبُ ٩٣

٢ - تذكّر ما أحصى الكتاب فتابا

وحاذر من مسِّ العذاب عقابا ٩٢

٣ - أصبحت للتقوى بجهلك تدَّعي

دعواك باطلةٌ إذا لم تقلعِ ٨١

٤ - هل حين عمَّمه المشيبُ وقنَّعا؟

أتراه يصنع في الهداية مصنعا؟ ٩٠

٢٨

٥ - أتطلب دنياً بعد شيب قذالِ؟(١)

وتذكر أيّاماً مضت وليالي؟ ٩٢

توجد جملة من هذه القصيدة في المنتخب ٢: ٤٥ ط بمبئ.

٦ - فصلت صروف الحادثات مفاصلي

وأصاب سهم النائبات مقاتلي

قطع الزمان عرى قواي وكلّما

قطع الزمان فما له من واصلِ ٧٧

هذه القصيدة ذكرها شيخنا الطرحي في المنتخب ٢: ٣٦.

٧ - لغيرك يا دنيا ثنيت عِناني

وذاك لأمر عن غِناكَ عناني ٩٩

توجد هذه القصيدة برمَّتها في المنتخب ٢: ٥٨.

٨ - لبني الهادي مناحي

في غدوّي ورواحي

صاح ما قلبي بصاحِ

ما لحزني من براحِ ١٠٥

٩ - هجر الغمض وسادي

وكوى الحزن فؤادي

فحياتي في نكادي

لقتيل ابن زيادِ ٦٢

١٠ - ليتني كنت فداءً للحسينْ

وهو بالطفِّ قطيع الودجينْ

ينظر الشمر بعينٍ وبعينْ

ينظر النسوة بين العسكرينْ ١٠٦

١١ - بكيت وما لريعان الشبابِ

ولا لدروس منزلة خراب

ولا لفوات عيش مستطابِ

ولا لفراق زينب والربابِ ٨٠

١٢ - صحبتكٍ لا انِّي بودِّك مغرمُ

فبيني فغيري في هواكِ المتيَّم ٨٨

١٣ - رحل الشباب وانّه لكريمُ

وفراغه عند النفوس عظيمُ ٨١

١٤ - أزال الشباب الغضَّ عنك مزيلُ

فهل أنت للبيض الحسان خليلُ؟ ٧٥

١٥ - يمدح بها النبيَّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:

عرّج على المصطفى يا سائق النجبِ

عرِّج على خير مبعوث وخير نبي

عرّج على السيّد المبعوث من مُضر

عرِّج على الصادق المنعوت في الكتب

عرّج على رحمة الباري ونعمته

عرج على الابطحيِّ الطاهر النسبِ

رآه آدم نوراً بين أربعة

لألاؤها فوق ساق العرش من كَثبِ

فقال: يا ربّ مَن هذا؟ فقيل له

قول المحبِّ وما في القول من ريبِ

____________________

١ - القذال بفتح القاف: ما بين الاذنين من مؤخر الرأس.

٢٩

: هم أولياءي وهم ذريّةٌ لكما

فقرِّ عيناً ونفساً فيهمُ وطبِ

أما وحقِّهمُ لولا مكانهمُ

منِّي لما دارت الأفلاك بالقطبِ

كلّا ولا كانِ من شمسٍ ولا قمرٍ

ولا شهابٍ ولا اُفقٍ ولا حجبِ

ولا سماءِ ولا أرضٍ ولا شجرٍ

للناس يهمي عليه واكف اَلسحبِ(١)

ولا جنانٍ ولا نارٍ مؤجَّجة

جعلت أعداءهم فيها مِن الحطبِ

وقال للملأ الأعلى: ألا أحدٌ

يُنبي بأسمائهم صدقاً بلا كذبِ

فلم يجيبوا فأنبأ آدمٌ بهمُ

لها بعلم من الجبّار مُكتسبِ

فقال للملأ الأعلى: اسجدوا كملاً

لآدم واطيعوا واتَّقوا غضبي

وصيَّر الله ذاك النّور ملتمعاً

في الوجه منه بوعدٍ منه مرتقبِ

وخاف نوحٌ فناجى ربَّه فنجا

بهم على دسر الألواح والخشبِ

وفي الجحيم دعا اللهَ الخليلُ بهم

فأخمدت بعد ذاك الحرّ واللهبِ

وقد دعا اللهَ موسى إذ هوى صعقاً

بحقِّهم فنجا من شدَّة الكربِ

فظلَّ منتقلاً والله حافظه

على تنقُّله مِن حادث النُّوبِ

حتّى تقسَّم في عبد الإ~له معاً

وفي أبي طالب عن عبد مُطَّلبِ

فأودع الله ذاك القسم آمنةً

يوماً إلى أجلٍ بالحمل مقتربِ

حتّى إذا وضعته انهدَّ مِن فزع

ركن الضلال ونادى الشرك بالحرب

وانشقَّ أيوان كسرى وانطفت حذراً

نيرانهم وأقرَّ الكفر بالغلبِ

تساقطت أنجم الأملاك مؤذنةً

بالرَّجم فاحترق الأصنام باللهبِ

حتّى إذا حاز سنَّ الأربعين دعا

ربِّي به في لسان الوحي بالكتبِ

فقال: لبَّيك مِن داعٍ وأرسله

إلى البرَّية من عُجم ومن عربِ

فأظهر المعجزات الواضحات لهم

بالبيِّنات ولم يحذر ولم يهبِ

أراهم الآية الكبرى فواعجباً

ما بالهم خالفوا؟ من أعجب العجبِ

رامت بنو عمِّه تبييته سحراً

فعاذ منهم رسول الله بالهربِ

____________________

١ - همى الماء يهمى هميا: سال لا يثنيه شيىء. الواكف. المطر المنهل.

٣٠

وبات يفديه خير الخلق حيدرةٌ(١)

على الفراش وفي يُمناه ذو شطبِ(٢)

فأدبروا إذ رأوا غير الذي طلبوا

وأوغلوا لرسول الله في الطلبِ

فرابهم عنكبٌ في الغار إذ جعلت

تسدي وتلحم في أبرادها القَشَبِ

حتى إذا ردَّهم عنه الإلـ~ـه مضى

ذاك النّجيب على المهريَّة النُّجبِ

فحلَّ دار رجال بايعوه على

أعداؤه فدماء القوم في صَببِ

في كلِّ يومٍ لمولى الخلق واقعةٌ

منه على عابدي الأوثان والصلبِ

يمشي إلى حربهم والله ناصره

مشي العفرناة في غاب القنا السلبِ

في فتية كالاسود المحذرات لها

براثن(٣) من رماح الخطِّ والقضبِ

عافوا المعاقل للبيض الحسان فما

معاقل القوم غير البيض واليلبِ(٤)

فالحقُّ في فرح والدينُ في مَرَح

الشركُ في ترحٍ والكفر في نصبِ

حتّى استراح نبيُّ الله قاضيةً

بهم وراحتهم في ذلك التعبِ

يا من به أنبياء الله قد ختموا

فليس من بَعده في العالمين نبي

إن كنت في درجات الوحي خاتمهم؟

فأنت أوَّلهم في أوَّل الرُّتبِ

قد بشّرت بك رسل الله في اُمم

خلت فما كنت فيما بينهم بغبي(٥)

شهدت انَّك أحسنت البلاغ فما

تكون في باطل يوماً بمنجذبِ

حتّى دعاك إ~لهي فاستجبت له

حبّاً و مَن يدعه المحبوب يستجبِ

وقد نصبتَ لهم في دينهم خلفاً

وكان بعدك فيهم خير منتصبِ

لكنَّهم خالفوهُ وابتغوا بدلاً

تخيَّروه وليس النبع كالغربِ(٦)

ويقول فيها:

____________________

١ - مر حديث ليلة المبيت فى الجزء الثانى ص ٤٧ ط ٢.

٢ - الشطب ج الشطبة بضم الاول وكسره. الخط فى متن السيف.

٣ - البرثن من السباع والطير بمنزلة الاصبع من الانسان. ج: براثن.

٤ - المعقل: ألملجأ. البيض جمع بيضاء: السيف. اليلب: الترس او الدروع اليمانية من الجلود. خالص الحديد.

٥ - المستور: المجهول.

٦ - النبع: خروج الماء من العين. الغرب: الماء المقطر من الدلو بين الحوض والبئر.

٣١

يا راكب الهوجل المحبوك تحمله(١)

إلى زيارة خير العجم والعربِ

إذا قضيتَ فروض الحجِّ مكتملاً

ونلتَ إدراك ما في النفس من إربِ

وزرتَ قبر رسول الله سيِّدنا

وسيّد الخلق من ناءٍ ومُقتربِ

قِف موقفي ثمَّ سلّم لي عليه معاً

حتى كأنِّي ذاك اليوم لم أغبِ

واثن السَّلام إلى أهل البقيع فلي

بها أحبّة صبٍّ دائم الوصبِ

وبثِّهم صبوتي طول الزمان لهم

وقل بدمع على الخدَّين مُنسكبِ

: يا قدوة الخلق في علمٍ وفي عملٍ

وأطهر الخلق في أصل وفي نسبِ

وصلتُ حبل رجائي في حبائلكم

كما تعلّق في أسبابكم سببي

دنوت في الدين منكم والوداد فلو

لا دان لم يدن من أحسابكم حسبي

مديحكم مكسبي والدين مكتسبي

ما عشت والظنُّ في معروفكم نشبي

فإن عدتني الليالي عن زيارتكم

فانَّ قلبيَ عنكم غير منقلبِ

قد سيط لحمي وعظمي في محبَّتكم

وحبِّكم قد جرى في المخِّ والعَصبِ

هجري وبغضي لمن عاداكمُ ولكم

صدقي وحبّي وفي مدحي لكم طربي

فتارةً أنظم الأشعار ممتدحاً

وتارةً أنثر الأقوال في الخطبِ

حتّى جعلت مقال الضدِّ من شبهٍ

إذ صغت فيكم قريض القول من ذهبِ

أعملت في مدحكم فكري فعلّمني

نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

فهل أنال مفازاً في شفاعتكم

ممّا احتقبت له في سائر الحقبِ؟

فيا مغامس! احبس في مدائحهم

تلك القوافي وأجر الله فاحتسبِ

____________________

١ - الهوجل: الناقة التى بها هوج من سرعتها. المحبوك: مشدود الوسط.

_٢_

٣٢

القرن التاسع

٧٤

الحافظ البرسي الحلي

هو الشّمس؟ أم نور الضّريح يلوحُ؟

هو المسك؟ أم طيب الوصيِّ يفوحُ؟

وبحرُ ندا؟ أم روضةٌ حوت الهدى؟

وآدم؟ أم سرُّ المهيمن نوحُ؟

وداودُ هذا؟ أم سليمانُ بعده؟

وهارونَ؟ أم موسى العصا ومسيحُ؟

وأحمدُ هذا المصطفى؟ أم وصيّه

عليٌّ؟ نماه هاشمٌ وذبيحُ

محيط سماء المجد بدرُ دجنَّة

وفلكُ جمال للأنام ويوحُ(١)

حبيب حبيب الله بل سرُّ سرِّه

وجثمان أمرٍ للخلائق روحُ

له النصُّ في (يوم الغدير) ومدحه

من الله في الذكر المبين صريحُ

إمامٌ إذا ما المرء جاء بحبِّه

فميزانه يوم المعاد رجيحُ

له شيعةٌ مثل النجوم زواهرُ

لها بين كلِّ العالمين وضوحُ

إذا قاولت فالحقُّ فيما تقوله

به النور باد واللسان فصيحُ

وإن جاولت أو جادلت عن مرامها

تولَّى العدوُّ الجلد وهو طريحُ

عليك سلام الله يا راية الهدى

سلامُ سليم يغتدي ويروحُ

وتأتي له قصيدة منها قوله:

مولىً له بغدير خمّ بيعة

خضعت لها الأعناق وهي طوايحُ

(الشاعر)

الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب البرسي الحلّي، من عرفاء علماء الإماميَّة وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فنِّ الحديث، وتقدّمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلّعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج

____________________

١ - يوح: الشمس.

٣٣

فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقَّة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصَّة، كما أنَّ له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريَّات لا يرتضيها لفيفٌ من الناس، ولذلك رموه بالغلوِّ والارتفاع، غير انِّ الحقَّ انّ جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السَّلام من الشئون هي دون مرتبة الغلوِّ غير درجة النبوَّة، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله: إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيدٌ مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم(١) وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : اجعل لنا ربّاً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم، وقالعليه‌السلام : اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا(٢) .

وأنّى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وانّى لنا الوقوف على غاية ما شرَّفهم الله به من ملكات فاضلة، ونفسيّات نفيسة، وروحيّات قدسيّة، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلَّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيَّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الاُدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرّت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا.كيف؟ وأنّى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الإختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟(٣) .

ولذلك تجد كثيراً من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كلَّ هاتيك الشئون وغيرها ممّا لا يتحمَّله غيرهم، وكان في علماءُ قم من يرمي بالغلوِّ كلَّ من روى شيئاً من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إنَّ أول مراتب الغلوِّ نفي السهو عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن جاء بعدهم المحقِّقون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً، وهذه بليَّة مُني بها كثيرون من أهل الحقائق

____________________

١ - الخصال لشيخنا الصدوق.

٢ - بصائر الدرجات للصفار.

٣ - من قولنا: فمن ذا الذي يبلغ. الى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الاسلام فى اصول الكافى ص ٩٩ عن الامام الرضا صلوات الله عليه.

٣٤

والعرفان ومنهم المترجم، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدِّها، والصلح خير.

وفذلكة المقام انَّ النفوس تتفاوت حسب جبلّاتها واستعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار، ومنها ما ينبسط لها فيبسط اليها ذراعاً و يمدُّ لها باعاً، وبطبع الحال انّ الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أنّ الآخرِين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقَّقوه في مِدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، وتحتدم الضغائن، وتحن نقدِّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحقِّ ونقول:

على المرء أن يسعى بمقدار جهده

وليس عليه أن يكون موفَّقا

ألا إنَّ الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة(١) وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أنَّ أمرنا، أو حديثنا. صعب مستصعب لا يتحمّله إلّا نبيٌّ مرسلٌ أو ملكٌ مقرّبٌ، أو مؤمنُ امتحن الله قلبه بالايمان(٢) إذن فلا نتحرّى وقيعة في علماء الدين ولا نمسُّ كرامة العارفين، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقي منه، إذ لا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام لو جلست أحدِّثكم ما سمعت من فم أبي القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إنَّ عليّاً من أكذب الكاذبين(٣) .

وقال إمامنا السيّد السجادعليه‌السلام : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما فما ظنكم بسائر الخلق(٤) وكلًّا وعد الله الحسنى وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما.

وإلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدينعليه‌السلام بقوله:

إنِّي لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحقِّ ذو جهلٍ فيفتتنا

____________________

١ - حديث ثابت عند الفريقين.

٢ - بصائر الدرجات للصفار ص ٦، اصول الكافى ص ٢١٦.

٣ - منح المنة للشعرانى ص ١٤.

٤ - بصائر الدرجات للصفار ص ٧ آخر الباب الحادى عشر من الجزء الاول. اصول الكافى لثقة الاسلام الكلينى ص ٢١٦.

٣٥

وقد تقدَّم في هذا أبو حسنٍ

إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا

فرُبَّ جوهر علمٍ لو أبوح بِهِ

لقيل لي: أنت ممَّن يعبد الوثنا

ولا ستحلَّ رجالٌ مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسناً(١)

ولسيّدنا الأمين في أعيان الشيعة ٣١: ١٩٣ - ٢٠٥ في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه وممّا نقم عليه به اعتماده على علم الحروف والأعداد الذي لا تتمّ به برهنة ولا تقوم به حجّة، ونحن وإن صافقناه على ذلك إلّا إنّ للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء كابن شهر اشوب ومن بعده عذراً في سرد هاتيك المسائل فإنها أشبه شيىء بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في ابواب اخرى من علماء الحروف من العامَّة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٥٥: قال بعض علماء الحروف: يؤخذ دوام ناموس آل الصدِّيق وقيام عزَّته إلى انتهاء الدنيا من سرِّ قوله تعالى: في ذريَّتي. فإنَّ عدَّتها بالجمل الكبير ألف و اربعمائة و عشرة و هي مظنّة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزّة والسيادة مدّة الدنيا، وقد استنبط تلك المدّة عمدة أهل التحقيق مصطفى لطف الله الرزنامجي بالديوان المصري من قوله تعالى: لا يلبثون خلافك إلّا قليلا، قال ما لفظه: إذ أسقطنا مكرَّرات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث ون خ ف ك ق) أحد عشر حرفاً عددهم بالجمل الكبير ألف وثلثمائة وتسعة وتسعين زدنا عليه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف واربعمائة عشرة وهو مطابق لقوله تعالى: ذريّتي. وسمعت ختام الأعلام الشيخ يوسف الفيشي رحمه الله يقول: قال محمّد البكري الكبير: يجلس عقبنا مع عيسى بن مريم على سجّادة واحدة وهذا يقوى تصحيح ذلك الاستنباط. ه‍.

ونحن لا ندري ماذا يعني سيّدنا الأمين بقوله: وفي طبعه شذوذٌ وفي مؤلَّفاته خبطُ وخلطٌ وشيىءٌ من المغالات لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شيىءٌ من الضرر وإن أمكن أن يكون له محل صحيح؟ ليت السيِّد يوعظ إلى شييء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتى لا يبقى قوله دعوى مجرَّدة. وبعد اعترافه بامكان محمل صحيح لما أتى به المترجم له فأيّ داعٍ إلى حمله على الخبط والخلط، ونسيان حديث: ضع أمر أخيك على أحسنه؟ و

____________________

١ - تفسير الالوسى ٦: ١٩٠.

٣٦

أيّ ضرر فيه على ذلك تقدير؟ على أنّا سبرنا غير واحد من مؤلَّفات البرسي فلم نجد فيه شاهداً على ما يقول، وستوافيك نبذٌ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السَّلام ومراثيهم وليس فيها إلّا إشادة إلى فضائلهم المسلّمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى، فأين يقع الإرتفاع الذي رماه به بعضهم؟ وأين المغالاة التي رآها السيِّد؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلّا حذو شعره المقبول، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيِّد الأعيان؟.

وأمَّا ما نقم به عليه من اختراع الصَّلوات والزيارة بقوله: (واختراع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة إليه بعد ما ورد ما يغني عنه ولو سلّم أنَّه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب الرياض) فإنَّه لا مانع منه إلّا ما يوهم المخترع انَّها مأثورة، وأيّ وازع من إبداء كلِّ أحد تحيَّته بما يجريه الله تعالى على لسانه وهو لا يقصد وروداً ولا يريد تشريعاً؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفريقين ممَّن هو قبل المترجم وبعده، ولا تسمع اُذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أيِّ أحد من أعلام الاُمَّة.

وأمّا قول سيِّدنا: « وانَّ مؤلفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضررٌ ولله في خلقه شؤون سامحه الله وإيّانا » فإنَّه من شطفة القلم صدر عن المشظف(١) سامحه الله وإيّانا.

تآليفه القيّمة

١ - مشارق أنوار اليقين في حقايق أسرار أمير المؤمنين.

٢ - مشارق الأمان ولباب حقايق الايمان ألَّفه سنة ٨١٣.

٣ - رسالة في الصَّلوات على النبيِّ وآله المعصومين.

٤ - رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة قال شيخنا صاحب الرياض: في نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة معروفة.

٥ - رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات فيها فوائد ولا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض.

٦ - الدرّ الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتِّفاق اكثر

____________________

١ - المشطف كمنبر: من يعرف بالكلام على غير القصد.

٣٧

المفسِّرين من أهل الدين، ينقل عنه المولى محمَّد تقي الزنجاني في كتابه: طريق النجاة.

٧ - أسرار النبيِّ وفاطمة والأئمَّة عليهم السَّلام.

٨ - لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد في اصول العقايد.

٩ - تفسير سورة الإخلاص.

١٠ - رسالة مختصرة في التوحيد والصَّلوات على النبيِّ وآله.

١١ - كتاب في مولد النبيِّ وعليِّ وفاطمة وفضائلهم.

١٢ - كتاب في فضائل أمير المؤمنين غير المشارق.

١٣ - كتاب الألفين في وصف سادة الكونين.

شعره الرائق

الحافظ البرسي شعرٌ رائق وجلّه بل كلّه في مدائح النبيِّ الأقدس وأهل بيته الطاهر صلوات الله عليهم ويتخلّص في شعره بـ‍ (الحافظ) من شعره يمدح به النبيَّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:

أضاء بك الاُفق المشرقُ

ودان لمنطقك المنطقُ

وكنتَ ولا آدم كائناً

لأنَّك من كونه أسبقُ

أشار بهذا البيت إلى ما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: كنت أوَّل الناس في الخلق وآخرهم في البعث.

أخرجه ابن سعد في الطبقات. والطبري في تفسيره ٢١: ٧٩، وأبو نعيم في الدلائل ١: ٦ وذكره ابن كثير في تأريخه ٢: ٣٠٧، والغزالي في المضنون الصغير هامش الانسان الكامل ٢: ٩٧، والسيوطي في الخصايص الكبري ١: ٣، والزرقاني في شرح المواهب ٣: ١٦٤

وفي حديث الإسراء: إنَّك عبدي ورسولي وجعلتك أوَّل النبيِّين خلقاً وآخرهم بعثاً(١) وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوَّل ما خلق الله نوري(٢) وتواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق صحيحة: كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين. أو: بين الروح والجسد. أو: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.

____________________

١ - مجمع الزوائد ١ ص ٧١.

٢ - السيرة الحلبية ١ ص ١٥٩.

٣٨

ولولاك لم تخلق الكائنات

ولا بان غربٌ ولا مشرقُ

أشار به إلى ما أخرجه الحاكم في المستدرك ٢: ٦١٥ والبيهقي، والطبراني، و السبكي، والقسطلاني، والعزامي، والبلقيني، والزرقاني وغيرهم من طريق ابن عبّاس قال: أوحى الله إلى عيسىعليه‌السلام : يا عيسى آمن بمحمَّد وأمر من أدركه من امّتك أن يؤمنوا به، فلو لا محمّد ما خلقت آدم، ولولا محمَّد ما خالقت الجنَّة ولا النار.

ومن طريق عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحقِّ محمَّد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم! وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنَّك لمـّا خلقتني بيدك ونفخت فيَّ مِن روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إلـ~ـه إلّا الله محمَّد رسول الله، فعلمت انّك لم تضف إلى اسمك إلّا أحبَّ الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم! انَّه لأ حبُّ الخلق إليَّ ادعني بحقِّه قد غفرت لك. ولولا محمّد ما خلقتك.

فميمك مفتاح كلِّ الوجود

وميمك بالمنتهى يغلقُ

تجلّيت يا خاتم المرسلين

بشأوٍ من الفضل لا يُلحقُ

فأنت لنا أوّلٌ آخرٌ

وباطن ظاهرك الأسبقُ

في هذه الأبيات إشارةٌ إلى أسمائه الشريفة: الفاتح، الخاتم. الأوّل: الآخر. الظاهر. الباطن، راجع المواهب للزرقاني ٣ ص ١٦٣، ١٦٤.

تعاليت عن صفة المادحين

وإن أطنبوا فيك أو أغمقوا

فمعناك حول الورى دارةٌ

على غيب أسرارها تحدقُ

وروحك من ملكوت الس َّ ماء

تنزَّل بالأمر ما يُخلق

ونشرك يسري على الكائنات

فكلٌّ على قدره يعبقُ

إليك قلوب جميع الأنام

تحنُّ وأعناقها تعنقُ

وفيض إياديك في العالمين

بأنهار أسرارها يدفقُ

وآثار آياتك البيِّنات

على جبهات الورى تشرقُ

فموسى الكليمُ وتوراته

يدّلان عنك إذا استنطقوا

وعيسى وإنجيله بشّرا

بأنَّك أحمدُ مَن يُخلق

٣٩

فيا رحمة الله في العالمين

ومَن كان لولاه لم يُخلقوا

لأنَّك وجه الجلال المنير

ووجه الجمال الذي يشرقُ

وأنت الأمينُ وأنت الأمان

وأنت ترتِّق ما يُفتقُ

أتى رجبٌ لك في عاتقٍ

ثقيل الذنوب. فهل تعتقُ؟

وله يمدح الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله:

العقل نورٌ وأنت معناهُ

والكون سرٌّ وأنت مبداهُ

والخلق في جمعهم إذا جمعوا

الكلّ عبدٌ وأنت مولاهُ

أنت الوليُّ الذي مناقبه

ما لعلاها في الخلق أشباهُ

يا آية الله في العباد ويا

سرَّ الذي لا إ~له إلّا هو!

تناقض العالمون فيك وقد

حاروا عن المهتدى وقد تاهو

فقال قومٌ: بأنَّه بشرٌ

وقال قومٌ: بأنَّه اللهُ

يا صاحب الحشر والمعاد ومَن

مولاه حكم العباد ولّاهُ!

يا قاسم النار والجنان غداً!

أنت ملاذ الراجي ومنجاهُ

كيف يخاف البرسيُّ حرَّ لظى

وأنت عند الحساب غوثاهُ؟

لا يختشي النارَ عبد حيدرةٍ

إذ ليس في النار مَن توّلاهُ

وله في مدح مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله:

أيّها اللائم دعني

واستمع مِن وصف حالي

كلَّما ازددت مديحاً

فيه قالوا: لا تغالِ

وإذا أبصرت في الحقِّ

يقيناً لا اُبالي

آية الله التي في وصفهـ

ـا القول حلالي

كم إلى كم أيّها العاذ

ل أكثرت جدالي؟

يا عذولي في غرامي

خلّني عنك وحالي

رُح إلى مَن هو ناجٍ

واطَّرحني وضلالي

إنَّ حبِّي لوصيِّ المصـ

ـطفى عين الكمالِ(١)

____________________

١ -

انّ حبّى لعلىّ المر

تضى عين الكمال خ ل

٤٠