رسائل في الغيبة الجزء ١

رسائل في الغيبة0%

رسائل في الغيبة مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 16

رسائل في الغيبة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
تصنيف: الصفحات: 16
المشاهدات: 3624
تحميل: 3012


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 16 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3624 / تحميل: 3012
الحجم الحجم الحجم
رسائل في الغيبة

رسائل في الغيبة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

«مَنْ مات وهو لايعرف إمام زمانه مات ميْتةً جاهليّة»

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الحديث المتسالم بين الأُمة على صحته وقبوله.

وقد قال المفيد فيه: خبر صحيح يشهد به إجماع أهل الآثار.

وقال في الافصاح: انه خبر متواتر.

وقد رواه علماء المذاهب الإسلامية الكبرى، كافةً: الشيعة الإمامية، والزيديّة، وأهل السنة:

وأمر اسناده مفروغ عنه، فلذلك لم يطوّل الشيخ في البحث عنه، وإنّما تعرّض لمعناه ومدلوله.

فذكر أوّلاً: أن القرآن يشهد لمعناه في آيات صريحة:

منها قوله تعالى:( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ... ) .

وقوله تعالى:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) .

ومدلول الحديث: أن عدم معرفة الإنسان إمام زمانه يؤدى إلى أن يموت ميتةً جاهليّة، على غير ملّة الإسلام، «فالجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الإسلام» كما يقول المفيد في الإفصاح (ص28).

٣

إذن، لابدّ من وجود إمام في كل عصر وزمان، ولابدّ للمسلم أن يعرف صاحب عصره، وإمام زمانه، وإلّا مات ميتة الكفر والضلالة الجاهليّة.

والشيعة الإماميّة يعتقدون بامام العصر وصاحب الزمان عندهم وأنه هو محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وأنه المهديّ المنتظر خروجه في آخر الزمان، وأنه غاب بعد فترة من ولادته، وهم يعتقدون بغيبته.

وقد اعترض بعض المخالفين على هذا الاعتقاد بأنّه يتعارض ومنطوق الحديث، وتصوّر أن غيبة الإمام تنافي معرفغنا به، لأن وجوده تستلزم العلم بمكانه، والاتصال به والاستفادة منه.

فقدّم اعتراضات عديدة:

1 -فاعترض على الغيبة بأنّه : إذا كان الخبر صحيحاً، فكيف يصحّ قول الشيعة في امام هذا الزمان أنّه غائب، مستتر عن الجميع، لا يتصل به أحد، ولا يعلم مكانه ومستقره؟

وأجاب الشيخ المفيد عن هذا، بأن مدلول الخبر هو «لزوم وجود الإمام و لزوم معرفة المسلم به» ولم يتضمن «وجوب ظهوره وعدم غبيته» فالاعتقاد بالغيبة لا ينافي مدلول الخبر، وتوضيح ذلك:

أنّ الوجرد والمعرفة لا تستلزم ما ذكر في الاعتراض من الاتصال والعلم بالمكان، فإنّ معرفة الأمر لا تتوقف على مشاهدته والحضور عنده فقط، لما هو المحسوس من معرفتنا لاُمور كثيرة لم نرها ولم نحضرها، كالاُمور والحوادث الماضية التي عرفناها وحصل عندنا العلم بها، وكذا نعرف أشياء وأموراً تقع في المستقبل من دون أن نتصل بها كيوم القيامة والحشر والنشر.

ثمّ إنّ المصلحة قد تتعلّق بمجرد معرفة الشيء أو الشخص، ولا تتعلّق

٤

بمشاهدته ومعرفة مكانه أو الاتصال به.

2 -واعترض على الغيبة بأنّه : ما هي المصلحة في مجرّد معرفة الإمام مع عدم الاتصال به؟

وأجاب الشيخ المفيد بأنّ نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته و فضله وكماله، تنفعنا بأن نكتسب بها الثواب والأجر، لامتثالنا لأمر الله بذلك، ونستدفع بذلك العقاب الذي توعدنا عليه بجهله ثمَّ إن انتظارنا لظهوره عبادة نثاب عليها، ندفع بها عن أنفسنا العقاب.

ثمّ إنّا نؤدي بهذه العقيدة واجباً إلهيّاً فرضه الله علينا.

3 -ثمّ فرض المخالف سؤالاً حاصله : إذا كان الإمام غائباً ومكانه مجهولاً فماذا يصنع المكلّف وعلى ماذا يعتمد المبتلى بالحوادث الواقعة، إذا لم يعرف أحكامها؟!

وإلى من يرجع المتخاصمون؟!

وإنما المرجع في هذه الاُمور إلى الإمام، وهو المنصوب لها!

وأجاب الشيخ المفيد:

أولاً: أنّ هذا السؤال لاربط له بموضوع البحث عن حديث «من مات...» بل هو سؤال جديد، وبحث مستأنف.

فأشار بهذا إلى مخالفة المعترض في تقديم هذا السؤال لقواعد البحث والمناظرة حيث أدخل سؤالاً أجنبيّاً ضمن البحث، وقبل الفراغ عنه!

ومع ذلك، فقد أجاب الشيخ عن هذا السؤال بكل أدب وصبر.

وثانياً: إن واجبات الإمام - المنصوب لأجلها - كثيرة:

منها: الفصل بين المتنازعين.

٥

ومنها: بيان الأحكام الشرعية للمكلّفين

وأمور أُخرى من مصالح الدين والدنيا.

لكن الإمام إنّما يجب عليه القيام بهذه الاُمور كلها بشرط التمكّن والقدرة على إنفاذ كلمته، وبشرط الاختيار.

ولا يجب على الإمام شيء لايستطيعه، ولايجب عليه الإيثار مع الاضطرار.

وثالثاً: إنّ الإمام إذا كان في ظروف التقيّة والاضطرار، فليس ذلك من فعل الله تعالى، ولا من فعل الامام نفسه، ولا من فعل المؤمنين من شيعته.

بل ذلك من فعل الظالمين، من أعدائه الغاصبين للخلافة والحكم على المسلمين الذين أباحوا دمه، ونفوا نسبه، وأنكروا حقّه، وغير ذلك من التصرّفات التي أدّت إلى غيبته، وعدم ظهوره.

فالنتائج المؤسفة المترتبة على الغيبة من تضييع الأحكام، وتعطل الحدود، وتأخّر المصالح، وعروض المفاسد، كل تلك الأضرار تقع مسؤليّتها على عاتق أولئك الأعداء الظالمين.

والإمام، والمؤمنون، بريئون عن ذلك كلّه، فلا يحاسبون به!

وأما المبتلى بالحوادث الواقعة: فيجب عليه الرجوع إلى العلماء من فقهاء الشيعة، ليعلم من طريقهم احكام الشريعة المستودَعة عندهم.

ومع عدم المرجع للأحكام، أو عدم النصّ في مقام الحكم المبتلى به، فالمرجع في ذلك هو حكم العقل، ببيان أنه لو كان حكم شرعي سمعي - في المقام - لتعبّدنا الله به، بابلاغه، وإظهاره، فعدم الدليل عليه، دليل على عدم حكم شرعي خاص في مورده، بل المرجع هو حكم العقل.

٦

وهكذا المتخاصمون: يرجعون إلى الاحكام الواردة عن الشارع من خلال الرجوع إلى فقهاء الشيعة، ومع عدم النصّ فالمرجع إلى احكام العقول المقبولة عند الأعراف.

والحادث الذي لا يعلم بالسمع إباحته من حظره؟ فإنّه على «أصل الإباحة».

وقد ذكر مثل الاعتراض، ونفس الجواب فيما أورده الشيخ الصدوق في مقدمة (إكمال الدين) (ص81).

4 -واعترض أخيراً : بأن الاُمة إذا كان بإمكانها الاعتماد في العمل بالدين على ما ذكر من النصوص، والاجتهاد، واحكام العقول، ثم الاصول، فهي -إذن- مستغنية عن الإمام، وليست بحاجة إليه! فلماذا الالتزام بوجوده في الغيبة؟

وأجاب الشيخ المفيد عن ذلك: بأنّ الحاجة إلى الامام مستمرّة ولو كان غائباً، فعدم الحضور، وعدم الاتصال به لا يوجب الاستغناء عن وجوده، كما أن عدم حضور الدواء عند المريض لايؤدّي إلى استغناء المريض عنه، ومع عدم حصول الدليل لايستغني المتحيّر عنه، بل هو بحاجة إليه وان كان مفقوداً له.

ثمّ لو التزم بالاستغناء عند الغيبة، للزم عدم الحاجة إلى الانبياء عند غيباتهم، كغيبة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وفي الغار عدّة أيام، وغيبة موسى النبيّ عليه السلام في الميقات، وغيبة يونس في بطن الحوت.

وهذا مما لا يلتزم به مسلم، بل و لا أي شخص ملّي يعتقد برسالة سماويّة.

٧

وقد ذكر هذا الاعتراض في (إكمال الدين) أيضاً (ص81) لكن جواب الشيخ المفيد هو الجواب الوافي.

وقد ذكر الشيخ في الجواب عن الاعتراض الثالث نكتة مهمّة، وهي: أنّ الخصوم يلتزمون -كافةً- بالاجتهاد في الأحكام، ويلجأون إلى الاجتهاد، من بعد زمان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مباشرةً (أي بعد سنة (11) هجرية).

وأما نحن فنلتزم بالاجتهاد بعد عصر ظهور الأئمة عليهم السلام و بالتحديد بعد الغيبة الصغرى (سنة (329) هجرية).

فحالنا في عصر الغيبة، هي عين حالهم؟ فما وجه اعتراضهم علينا في مسألة الأحكام.

ونحن، وإن اضطررنا -لمكان الغيبة- إلى اللجوء إلى الاجتهاد -بهذا الشكل- لكنّا مع ذلك ملتزمون بوجود إمام لعصرنا، نعرفه بالشخص والاسم والصفة، فنحن ممتثلون لما ورد في الخبر المذكور، بعيدون عن الجاهليّة وميتتها.

واما الخصوم -فمهما كانت معالجتهم لفروع الشريعة- فما هو موقفهم من مدلول هذا الحديث المجمع عليه سنداً، والواضح دلالة؟

وبمن يأتّمون في دينهم، ومَنْ هو «الإمام» عليهم في عصرهم وزمانهم؟!

وإذا كانوا لا يعرفون «إماماً» فالحديث عيّن، بأيّة مِيتةٍ يموتون؟

وكتب            

السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي

٨

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى.

وبعد :

سأل سائل فقال: اخبروني عما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال: «من مات وهو لايعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية »،(1) هل هو ثابت صحيح ام هو معتل سقيم؟

الجواب - وبالله التوفيق والثقة -:

____________________

1 - الحديث متواتر ومشهور، وقد روته مصادر الفريقين، وان وقع بعض التفاوت في الفاظه. انظر من كتبنا: الكافي 1: 377/3، المحاسن: 153/78 و 154/85 و 155/82. عيون اخبار الرضا عليه السلام 2: 58/214. اكمال الدين: 413/15. عقاب الاعمال: 244/1. غيبة النعماني: 130/6. رجال الكشي 2: 724/799. الاختصاص: 269.

ومن مصادر العامة: مسند ابي داود الطيالسي: 259/1913. حلية الاولياء 3: 224. هامش مستدرك الحاكم (للذهبي) 1: 77. شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي 9: 155. ينابيع المودة: 117. المعجم الكبير لطبراني 10: 350/10687. مجمع الزوائد 5: 224.

١١

قيل له : بل هو خبر صحيح يشهد له اجماع اهل الآثار ويقوّي معناه صريح القرآن، حيث يقول جل اسمه( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) (2) وقوله تعالى( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) (3) وآي كثيرة من القران.

فإن قال : فأذا كان الخبر صحيحا كيف يصح قولكم في غيبة امام هذا الزمان وتغيبه واستتاره على الكل الوصول إليه وعدم علمهم بمكانه؟

قيل له : لامضادة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذكرت من احواله، لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح ادراكه بشيء من الحواس، فضلا عمن يجوز ادراكه واحاطة العلم بما لا مكان له، فضلا عمن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلا عن المستخفي المستتر.

وقد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين بنبينا محمّد صلّى الله عليه وآله قبل وجوده في العالم فقال سبحانه( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنـصُرُنَّهُ ) يعني رسول الله صلّى الله عليه والله( قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ) يعني عهدي( قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) (4) قال جل اسمه( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) (5)

____________________

2 - الاسراء 17: 71.

3 - النساء 4: 41.

4 - آل عمران 3: 81.

5 - الأعراف 7: 157.

١٢

فكان نبينا عليه وآله السلام مكتوباً مذكوراً في كتب الله الأولى، وقد اوجب على الاُمم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره، وهو عليه السلام وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود، ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو معدوم غير موجود، وقد عرفنا آدم ونوحاً وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من اخبر عن مشاهدتهم، ونعرف جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام ولسنا نعرف لهم شخصاً ولا نعرف لهم مكاناً، فقد فرض الله علينا معرفتهم والاقرار بهم وان كنّا لانجدَ إلى الوصول إليهم سبيلاً، ونعلم ان فرض (المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة)(6) المعروف ولا يعرف مستقره ولا الوصول إليه في مكانه، وهذا بيّن لمن تدبره.

فإن قال : فما ينفعنا من معرفته مع عدم الأنتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟

قيل له : نفس معرفتنا بوجوده وامامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضاً الزمناه ربنا المالك للرقاب، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الانبياء والملائكة من اجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في اجلنا؛ وان لم يصح المعرفة لهم على كل حال وكما أنّ معرفة الأُمم الماضية نبينا قبل وجوده مع انها كانت من اوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها، وهو اعظم من ان يدرك بشيء من الحواس.

فإن قال : إذا كان الامام عندكم غائباً، ومكانه مجهولاً، فكيف يصنع

____________________

6 - ما بين القوسين لم يرد في نسخة «م» و «ث».

١٣

المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لايعرف له حكما؟ وإلى من يرجع المتنازعون، لاسيما والامام انما نصب لما وصفناه؟

قيل له : هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم، ولا وصلة بينه وبينه، وقد مضى السؤال الأول في معنى الخبر وفرض المعرفة وجوابه على انتظام، ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام منقول وبالله التوفيق: انما الأمام نصب لاشياء كثيرة:احدها : الفصل بين المختلفين.

الثاني : بيان الحكم للمسترشدين.

ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير انه انما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الأيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الامام في التقية من قبل الله عزوجل ولا من جهة نفسه واوليائه المؤمنين، وانما اُتي ذلك من قبل الظالمين الذين اباحوا دمه ودفعوا(7) نسبه، وأنكروا حقه، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بأمامته. وكانت البلية فيما يضيع من الاحكام، ويتعطل من الحدود، ويفوت من الصلاح، متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام برئ منها وجميع المؤمنين. فاما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه إن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الامام وليعلم(8) ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين، وان عدم ذلك -والعياذ بالله- ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم انه على حكم العقل،

____________________

7 - في نسخة «ق»: ونفوا.

8 - في نسخة «ث» و «م»: لعدم علم.

١٤

لانه(9) لو اراد الله ان يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك، ولو فعله لسهل السبيل إليه.

وكذلك القول في المتنازعين، يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين، ويستعينوا(10) في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم، وان كان - والعياذ بالله - لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم ان ذلك مما كان في العقول ومفهوم احكام العقول، مثل: أنَّ من غصب انساناً شيئاً فعليه رده بعينه ان كانت عينه قائمة، فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه منه بمثله، فان لم يوجد له مثل كان ان يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته، فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختاراً كان في ذمته إلى يوم القيامة.

وان كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته، وكان المجني عليه ممتحناً بالصبر إلى ان ينصفه الله تعالى يوم الحساب. فان كان الحادث مما لا يعلم بالسمع اباحته من خطره، فانه على الاباحة الّا ان يقوم دليل سمعي على خطره.

وهذا الذي وصفناه انما جاز للمكلَّف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الامام المرشد، ولو كان الامام ظاهراً(11) ما وسعه غير الرد إليه، والعمل على قوله، وهذا كقول خصومنا كافة: ان على الناس في نوازلهم بعد

____________________

9 - في نسختي «م» و «ث»: ولو.

10 - في نسخة «ق»: ويستغنوا.

11 - في نسخة «ق»: حاضراً.

١٥

النبي صلّى الله عليه وآله ان يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها، ولايجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبي صلّى الله عليه وآله.

فإن قال : فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الامام فقد استغنيتم عن الإمام.

قيل له : ليس الأمر كما ظننت في ذلك، لأن الحاجة إلى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها، ولو لا ذلك ما كان الفقير محتاجاً إلى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً إلى الدواء وان بَعُدَ وجوده، والجاهل محتاجا إلى العلم وان عدم الطريق إليه، والمتحير محتاجاً إلى الدليل وان يظفر به.

ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه للزم جميع المسلمين ان يقولوا ان الناس كانوا في حال غيبة النبي صلّى الله عليه وآله للهجرة وفي الغار اغنياء عنه، وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب ابي طالب عليه السلام، وكان قوم (موسى عليه السلام اغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك اصحاب)(12) يونس عليه السلام اغنياء عنه لما ذهب مغضباً والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملّي. فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم وتوهموه على الظنة والرجوم(13) .

وبالله التوفيق.

____________________

12 - ما بين القوسين لم يرد في نسختي «م» و«ث».

13 - (وتوهموه على الظنّة والرجوم) ليس في «م» و«ث».

١٦