التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام16%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166650 / تحميل: 9355
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الجهاد أُسلوب تربوي حاسم

قال تعالى:

( الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) ، (التوبة: ٢٠).

( إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ ) ، (الحجرات: ١٥).

( وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ، (العنكبوت: ٦٩).

( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى‏ وَفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى‏ الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً ) ، (النساء: ٩٥).

( الّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) ، (النساء: ٧٦).

طُرح الجهاد في سبيل الله في الآيات المذكورة، بأشكال متنوّعة، ففي الآية الأولى: وُصف المجاهدون بأنّهم الفائزون.

وفي الآية الثانية: وُصفوا بأنّهم المؤمنون الصادقون.

وفي الثالثة: يقول الله تعالى بأنّه هو الذي يهدي المجاهدين إلى سبيل الحق.

وفي الرابعة: عدَّ الامتناع عن الجهاد بدون عذر مشروع أمراً غير مقبول، وصُرّح فيها بأنّ منزلة المجاهدين أعلى من منزلة الآخرين.

وفي الخامسة: قُورن بين سبيل الله وسبيل الشرك والكفر، وطُرح الجهاد في الآية التّالية بأنّه: عمل يُقصد منه مساعدة المستضعفين وتحريرهم من شرّ الظالمين:

( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً ) ، (النساء: ٧٥).

١٨١

فالجهاد في سبيل الله - وهو سبيل الكمال الإنساني، وسبيل الحكمة، وسبيل العدالة، وسبيل الإيثار ونكران الذات - هو أحدُ الأركان الأصليةِ للإسلام.

والجهاد ضدّ الظلم والفساد من الواجبات المهمّة الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً، فهو أمر دائم متواصلٌ بالنسبة إليهم. وهو نفسه يحافظ على حرارة البُعد الثوري والحركي للرسالة الإسلامية. وجهاد النفس أيضاً يكفل تكامل شخصيّة الإنسان وتطوّرها، لذلك فللجهاد معطيات فرديّة، وفي الآن ذاته، يجعل الحياة الجماعية تصبّ في صالح الإنسان.

والجهاد بمثابة عامل قوي يضع المجتمع الإسلامي في المسار التوحيدي، ذلك المسار الذي تُشكِّل فيه التقوى، والحكمة، والعدالة، والإيثار، الأهداف الأساسية، كما يجتثّ جذور الظلم والفساد، يقول الإمام عليعليه‌السلام بشأن الجهاد:

«أمّا بعد، فإنَّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرعُ الله الحصينة، وجُنّتُه الوثيقة. فمَن تركه رغبةً عنه، ألبسَه الله ثوبَ الذُّلِ، وشَمْلَة البلاء، ودُيّثَ بالصّغار والقَماءة، وضُرِب على قلبهِ بالإسهاب، وأُديلَ الحقُّ منه بتضييع الجهاد، وسِيم الخَسْف، ومُنع النصَف».

جهاد النفس

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم». وأُثر عنه قوله بأنّ جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء، ولا يخفى فإنّ جنوح الإنسان إلى إشباع نزواته، وتقديمها على رغبات المجتمع يُفضي إلى مشاكل كثيرة.

إِنّ للإنسان رغبات فردية، ورغبات اجتماعية أيضاً، وفي الوقت ذاته، هو كائن يطمح إلى الكمال، أو يبحث عن الكمال. والبيئة الجماعية، وطريقة التربية، وأُسلوب تفكير المرء وحالته الطبقية، عوامل مؤثّرة في تحديد منهجيّة الحياة.

١٨٢

إنّ النزوات والرغبات الشخصية تجرّ الإنسان نحو الوصولية والنفعية، وحبّ التسلّط، والتعرّض إلى الآخرين. وهذه الدوافع هي منشأ الإختلافات والنزاعات والحروب بين الناس، وقد تكهرب الرغبات الشخصية الإنسان لتحكم قبضتها عليه، ومن انجرف وراءها، فسيصبح أسيراً لمصالحه ومباهجه ورفاهه كالعبد الذليل.

تصنع النوازع الذاتية من الإنسان عنصراً مضادّاً للجماعة غالباً، فهو يقدّم مصالحه على مصالحها، فيفضي ذلك إلى الاصطدام بها، وينبع التناقض الطبقي من نفس المصدر أيضاً. فعندما يتهافت ربّ العمل وراء ربح أكثر، فإنّه يستغلّ العامل، وبما أنّه - شخصياً - لا يستطيع أن يحول دون احتجاج العمّال، وكذلك ديدن سائر أرباب العمل حيث يتأثّرون بنفس الدافع، لذلك فإنّ النفعيّين أو أرباب العمل يُكوّنون طبقة أو شريحة قويّة لا ترعوي عن ارتكاب أيّ جريمة لتأمين مصالحها.

إنّ الإنسان الذي تأسره رغباته الذاتية، يفقد حريّته. وكما ذكرنا - فيما مضى - فإنّه يستسلم لرغباته ونزواته.

وتستعمل الأخلاق، والقانون، والعلم، والفن، وبقيّة مظاهر الحياة الجماعية، بوصفها وسائل لتأمين المصالح الطبقية. وفي المجتمعات التي لا تخضع لسيادة المال، فإنّ حبّ التسلّط على الآخرين، بوصفه محفّزاً قويّاً، يدفع الأشخاص إلى العمل من أجل التحكّم في رقاب الناس. وفي مثل هذه المجتمعات يقوم الفرد أو الجماعة بأيّ عمل من شأنه بقاء ذلك التحكّم. وما التصفيات الدموية، والمؤامرات، والصراعات الداخلية في الأحزاب إلاّ إفرازات طبيعية لغريزة حبّ التسلّط عند الأفراد أو الجماعات.

إنّ جهود الإنسان من أجل أن تكون الرغبات الذاتية في ظلّ الرغبات الاجتماعية مؤثّرة في انبثاق الأخلاق، ولابدّ أن يضحّي الإنسان بدوافعه ومحفّزاته الذاتية من أجل الدوافع والمحفّزات الاجتماعية، على أساس المعايير الأخلاقية. بيد أنّ قوّة الرغبات الذاتية تحول دون تحقيق هذا الأمر في حالات متنوّعة.

وكما مرّبنا سلفاً، فإنّ النفعية في المجتمعات التي يحتلّ فيها المال موقعاً أساسياً، تجذب

١٨٣

الأشخاص نحوها.

على نفس النسق، فإنّ حبّ التسلّط أو حبّ الجاه في المجتمعات الشيوعية يُفضي إلى أن يُضحّي الفرد بالمصالح الاجتماعية من أجل حب الجاه والمنصب. وفي حالات متنوّعة، فإنّ طرح الدوافع الأخلاقية أو الاجتماعية، وتشجيع الأشخاص على اختيار هذه الدوافع، يُمنى بالفشل.

من هذا المنطلق، ينبغي أن يكون هناك رصيد أقوى لسلوك الإنسان. وهنا تُطرح التقوى المنبثقة عن النظام التوحيدي. فترسيخ التقوى في نفوس الناس يحول دون النفعيّة وحب الجاه والمنصب. وبما أنّها تربط الإنسان بمصدر الكمال، والعدل، والحكمة، فهي تمنعه من الانحراف. في هذا المجال، يأخذ الجهاد في سبيل الله طابع الإيثار ونكران الذات وخدمة الناس.

في قسم من الآية التاسعة من سورة الحشر، يقول القرآن الكريم بشأن الانصار:

( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.. ) .

وجاء في آية أُخرى:

( وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فإنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ، (النازعات: ٤١، ٤٢).

المكافأة والعقوبة

إنّ أُسلوب المكافأة والعقوبة هو أحد الأساليب السائدة في التربية والتعليم. يشعر الإنسان باللّذة والسرور ذاتياً بسبب المكافأة، وتعزف نفسه عن العقوبة. هذا الاتّجاه هو الّذي يرغّب الإنسان بإنجاز الأعمال الصالحة، ويحجزه عن إنجاز الأعمال الرديئة. وما تجارب الإنسان على مرّ التاريخ إلاّ مؤشر على دعم التأثير الذي يتركه مبدأ المكافأة والعقوبة.

فالجائزة، والتشجيع، والمدح، والاحترام، والحب من الأمور التي تحظى بها

١٨٤

العناصر الصالحة المفيدة في المجتمع. ووجود مثل هذه المفردات في المجتمعات البشرية يكشف لنا عن عدد من الملاحظات:

الأُولى: الأعمال الصالحة المقبولة تنال رضا الناس وتأييدهم.

الثانية: ينبغي أن تكون هناك مكافأة لتشجيع أفراد المجتمع على القيام بالأعمال الصالحة.

الثالثة: إنّ بعض العناصر الصالحة تقوم بالأعمال المقبولة المحمودة من أجل نيل المكافأة. علماً بأنّنا عندما نقول: بعض العناصر الصالحة، لا جميعها، فإنّما نقصد أنّ جميع هذه العناصر لا تفعل الإحسان من أجل المكافأة.

بكلمة بديلة: إنّ بعض الناس يبلغ مرحلة من الناحية الأخلاقية والدينية، يرى فيها أنّ عمل الخير واجب أو هو ممّا بنبغي فعله.

إنّ التغريم، والزجر، والتقريع والتأنيب، وهتك الحرمة، وتشويه السمعة من الأمور التي يجب أن تطيقها العناصر الرديئة بسبب ما تمارسه من أعمال. ووجود مثل هذه المفردات يفصح لنا عن عدد من الحقائق:

الأولى: إنّ الإنسان - ذاتياً - لا يستحسن الأعمال غير الصالحة.

الثانية: بما أنّ الإنسان يخضع لتأثير النزوات الشخصية، فهو يجنح لمهاجمة الآخرين، أو يفعل ما فيه ضرر الآخرين من أجل مصلحته الشخصية، عند ذلك يجب تحذيره من القيام بالأعمال السيّئة الرديئة من خلال فرض العقوبات.

الثالثة: إنّ فرض العقوبات ضروري ومؤثّر في آن واحد.

بكلمة بديلة: لقد ثبت عملياً أنّ العقوبات مفيدة للحيلولة دون بروز المخالفات. هذا وإنّ بعض الأشخاص يرتدعون عن القيام بالأعمال السيّئة المشينة خشيةَ العقوبة.

أساس علم النفس

يؤمن علماء النفس، ولا سيّما أنصار مدرسة السلوك بدور المكافأة والعقوبة. وكما وضّحنا في مقارنة التدريب مع الدراسة، فإنّ الناس يتعلّمون كثيراً من الأمور عن الطريق الشَّرطي. ووفقاً للنظرية الشَّرطية الكلاسيكية، وعلى أساس تجارب (بافلوف)، فإنّ الكائن الحي ينقل ردّ فعله الطبيعي حيال المحفّز الطبيعي إلى أمر

١٨٥

مجاور للمحفّز الطبيعي، ويظهر معه في ظروف خاصّة. وفي ضوء رأي أنصار مدرسة السلوك، فإنّ معظم ضروب التعلّم - سواء في المجال الفكري أو المجال الأخلاقي والقانوني - يتحقّق عن هذا الطريق.

وطبقاً للنظرية الشرطية - العلمية، التي وضعَ عالمُ النفس الأميركي المعروف (سكينر) حجرها الأساس، فإنّ المكافأة تفضي إلى ترسيخ سلوك خاص في الفرد، والعقوبة تردعه عن القيام بعمل معيّن، وكما مرّبنا - فيما مضى -، فإنّ الإنسان يتأثّر بالمكافأة والعقوبة عمليّاً. ويبرهن على هذا الأمر سَنّ القوانين، وفرض العقوبات في المجتمعات المتنوّعة ذات الأنظمة السياسية المختلفة.

يؤمن الإسلام أيضاً بمبدأ المكافأة والعقوبة بأشكال متنوّعة، حيث تحدّث القرآن وسائر المصادر الإسلامية الموثوقة حول الجنّة والنار، والربح والخسارة، والخير والصلاح، والشر والانتكاسة، وحسن العاقبة، وسوء العاقبة، والفوز، وأمثال ذلك.

فحيناً يرى أنّ المخالفين ظالمون:

( ..وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُون ) ، (البقرة: ٢٢٩).

وحيناً آخر يهدد العاصين بالنار:

( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خَالِداً فِيهَا.. ) ، (النساء: ١٤).

وذُكرت آثار العقوبات في بعض الآيات:

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ.. ) ، (البقرة: ١٧٠).

وطوراً يرى أنّ قتل النفس بدون حق، هو قتل للمجتمع كلّه، وإحياءها إحياءٌ للمجتمع كلّه، قال تعالى:

( ..أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً.. ) ، (المائدة: ٣٢).

وترى الآية الكريمة التالية أنّ الإمتناع عن القيام ببعض الأعمال يُفضي إلى

١٨٦

الفوز، وعلى نفس النسق، منعوا الناس من القيام بمثلها، قال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، (المائدة: ٩٠).

وجاء في كثير من الآيات القرآنية الكريمة أنّ الإيمان والعمل الصالح يفضيان إلى الفوز أو الثواب العظيم، فقد قال تعالى:

( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ ) ، (لقمان: ٨).

وجاء في قسم من (الآية ٦٢) من سورة البقرة:

( ..مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

إنّ الهدف من الناحية التربوية هو تربية وإعداد الأفراد بشكل هم يراقبون أعمالهم، فيفعلون ما هو صالح، وينتهون عمّا هو غير صالح. طبيعيّاً، إنّ تحقيق هذا الهدف - على هذا النمط المثالي - عسير على الصعيد العملي، لذلك شُرّعت القوانين الجنائية في جميع المجتمعات لمعاقبة المخالفين.

يتمّ التأكيد أحياناً على البعد التربوي في الآية القرآنية. قال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا ) ، (الشمس: ٩).

( وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا ) ، (الشمس: ١٠).

وكما قلنا سلفاً، فإنّ الهدف من بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته هو: تربية الناس، وتعليم الكتاب والحكمة، قال تعالى:

( هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الْأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.. ) ، (الجمعة: ٢).

إنّ تربية الإنسان، وتعليم الحكمة والكلام المنطقي أو العلم المُبرهَن، كل ذلك لا يردع الإنسان عن ارتكاب المخالفة فحسب، بل ويجعله في مسار معرفة الله، وتحصيل الفضائل الأخلاقية.

والتقوى - بمعنى السيطرة على الذات ومراقبة الرغبات

١٨٧

والنزوات الذاتية - هي من أقوى العوامل المرشدة والموجّهة للإنسان. ويتجسّد المثل الأعلى للتربية الإسلامية في كلام الإمام عليعليه‌السلام وعمله، حيث يقول:

«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التّجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة، فتلكَ عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار».

ويقول في كلام آخر:

«إِلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، بل وجدتُك أهلاً للعبادةِ فعبدتُك».

وهوعليه‌السلام المثال الأكمل للإنسان المدرّب على مفاهيم القرآن، والتجسيد الحقيقي للإسلام الأصيل. وفي مستوى شخصيّته، لا وجود لمسألة الجنّة والنار أو الترغيب والترهيب في قاموسه، بل إنّ ما يجب فعله، يفعلهعليه‌السلام .

جاء في (الآية ٢٥٧) من سورة البقرة:

( اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظّلُمَاتِ إلى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النّورِ إلى الظّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

التوبة أُسلوب تربوي

قال تعالى:( إِنّمَا التّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) ، (النساء: ١٧).

( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فإنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، (المائدة: ٣٩).

( وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى‏ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، (آل عمران: ١٣٥).

كما يُلحظ في الآيات المذكورة، فإنّ الذين يرتكبون الأعمال القبيحة بجهالة، ويُبادرون إلى إصلاح سلوكهم، ولا يصرّون على ما فعلوا، يمكنهم إظهار التوبة، والله

١٨٨

- تعالى - يقبل منهم توبتهم.

وهنا ينبغي ملاحظة عدد من النقاط في مسألة التوبة:

الأُولى: إنّ الإنسان - في أيّ مستوىً من التقوى والإيمان كان - فهو معرّض للانحراف، وكحد أدنى، يمكن أن يرتكب الصغائر.

الثانية: إنّ التوبة تستلزم علم الإنسان بأعماله، وتقويم ما فعله.

الثالثة: إنّ المسألة القائلة بأنّ مخالفة الإنسان تغتفر، والطريق مفتوح لإصلاحه، محفّز قويّ لإصلاح سلوكه.

بإيجاز: تُضاعف التوبة من اطّلاع الإنسان على نفسه، وترغّبه لإصلاح سلوكه، وتمهّد له الطريق من أجل تكامله وتطوّره.

النصيحة والموعظة

لقد مرّبنا - فيما مضى - أَنَّ الموعظة طريقٌ من طرق دعوة الناس إلى معرفة الله، جاء في سورة لقمان، نموذج من نصيحة الأب لابنه، حيث يدعو لقمان ابنه إلى التوحيد واجتناب الشرك، ويطلب منه أن يحترم والديه، بيد أنّه يوصيه هنا أن لا يتّبعهما فيما إذا رغّباه في أمرٍ لا علم له به، أو هو غير مطّلع عليه.

إِنّ الناس معادن شتّى، فلا يمكن تربية الجميع على وتيرة واحدة. إنّ البعض يتربّى بالإرشاد، والبعض الآخر يُبادر إلى تربية نفسه وفقاً للظروف السائدة. والنصيحة والموعظة مؤثّرتان أيضاً في تربية كثير من الناس.

حيناً، توقظ الإنسان كلمةٌ أو جملةٌ قصيرة، أو تذكيرٌ أو نصيحة، فتجعله على علم بأعماله.

وحيناً آخر، تفعل النصيحة فعلها في الشخص، فتدفعه إلى التفكّر، وترغّبه في تربية نفسه.

وآياتُ القرآن الكريم، وأقوال أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حافلة بالمواعظ والنصائح.

ذُكرتْ في الآية التّالية أساليب الدعوة:

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: ١٢٥).

فُطرحت الحكمة أو الأُسلوب المنطقي، بمعيّة الموعظة والجدال بالتي هي أحسن، في

١٨٩

هذه الآية.

التربية عن طريق ذكر المثل

قال تعالى:( مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ، (العنكبوت: ٤١).

يتّفق أحياناً أن تكون للمَثل جاذبيّة خاصّة، فيلفت نظَر الإنسان نحوه. ويحثّ المَثَل - أحياناً - المفكّرين والعلماء فينبروا إلى التحقيق، ليوسّعوا بذلك من علمهم ووعيهم، جاء في آخر الآية المار ذكرها:

( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلّا الْعَالِمُونَ ) ، (العنكبوت: ٤٣).

التربية عن طريق قصص الأُمم والشعوب

يلفت القرآن الكريم نظر الناس إلى المبادئ والحقائق الأخلاقية من خلال ذكر القصص، حيث يمكن أحياناً تربيتهم بِسَرْد القصص عليهم، وهذا اللون من التربية مفيد في مراحل النمو المتنوّعة. على سبيل المثال، من الأفضل أن تستعمل القصص والحكايات أحياناً، لكي يألف الناشئة والأحداث، المفاهيم والمبادئ الدينية والأخلاقية.

طبيعيّاً، إنّ قصّة حياة المسلمين الحقيقيّين، قيّمة ومفيدة للجميع، لذا يمكن تربية الكبار بشكل أفضل عن طريق سَرْد القصص. علماً بأنّ التربية عن طريق سَرْد القصص تكون عملية بصورة غير مباشرة. على أيّ حال، ينبغي توضيح النقاط الأساسية في القصص لدى سَرْدها، وذلك بالاستعانة بالشباب والكبار، والقصد - هنا - هو أن يؤخذ الهدف - وهو التربية الحقيقية - بعين الاعتبار، ضمن الاستفادة من جاذبيّة القصّة.

جاء في الآية الكريمة التالية:( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي الْأَلْبَابِ.. ) ، (يوسف: ١١١).

تُطرح نقاط تربوية أساسية في دراسة حياة الأُمم

١٩٠

والشعوب. فيتحدّد - هنا - سبب الرُقيّ والسموّ. وعلى نفس النسق، يتحدّد سبب ضمور الأُمم والشعوب وانقراضها.

جاء في القرآن الكريم أنّ سبب فوز الأُمم والشعوب وفلاحها هو الإيمان بالله، والجهاد في سبيله، وهو سبيل الكمال المعنوي، والحكمة، والعدالة، والإيثار ونكران الذات، قال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، (المائدة: ٣٥).

وكما مرّبنا سلفاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أُسلوباً تربوياً فحسب، بل هو وسيلة لفوز الأُمم والشعوب وفلاحها. قال تعالى:

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: ١٠٤).

إنّ الظلم والفساد يسبّبان دمار الأمم والشعوب وهلاكها، قال تعالى:

( وَمَا كُنّا مُهْلِكِي الْقُرَى‏ إِلّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) ، (القصص: ٥٩).

( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) ، (الإسراء: ١٦).

بعامّة، فإنّ في البِين نقاطاً بشأن الموعظة والنصيحة، والأمثال، وتبيان قصص الأُمم والشعوب، وهي كمايلي:

١ - تنبيه الناس على المحمود من الأفعال، والمذموم منها.

٢ - توضيح دَوْر الأشخاص ومسؤوليتهم في إنجاز الأعمال.

٣ - تجسيد آثار كل عمل ونتائجه.

٤ - طرح المعايير الأساسية.

٥ - ترغيب الناس في التعقل والتفكّر حول القصص، والعمل على تربية أنفسهم من خلالها.

الدعاء والتضرّع

إنّ الدعاء والتضرّع إلى الله هو أحد الأساليب التربوية الأساسية في الإسلام

١٩١

وقد وردت أهميّة الدعاء في كسب العناية الإلهية في (الآية ٧٧) من سورة الفرقان:

( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً ) .

الدعاء للهداية

( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، (الفاتحة: ٦).

( رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ) ، (آل عمران: ٨).

( قُلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، (الأنعام: ١٦١).

الدعاء للاستغفار والتوبة

جاء في قسم من (الآية ٢٨٦) من سورة البقرة:

( ...وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

وقال تعالى:( الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النّارِ * الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) ، (آل عمران: ١٦ - ١٧).

الدعاء لذكر الله دائماً

قال تعالى:( وَاذْكُر رَبّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوّ والآصَالِ وَلاَ تَكُن مِنَ الْغَافِلِينَ ) ، (الأعراف: ٢٠٥).

الدعاء في مجال الإخلاص

قال تعالى:( فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ، (غافر: ١٤).

١٩٢

أمّا الآيات التي نُقل فيها الدعاء على لسان الأنبياء فكثيرة، فقد جاء على لسان إبراهيم واسماعيلعليهما‌السلام :

( رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيّتِنَا أُمّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنّكَ أَنْتَ التّوّابُ الرّحِيمُ * رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، (البقرة: ١٢٨ - ١٢٩).

وجاء على لسان آدم وحوّاء:

( قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، (الأعراف: ٢٣).

فالدعاء وسيلة لتربية الإنسان، وهو طريق التقرّب إلى الله، وطريق التحلّي بالفضائل، وبه يمكن أن نُطهّر أنفسنا من الرذائل، ونُعلن الجهاد ضدّ الطاغوت.

والدعاء لون من ألوان الشكر، وهو أُسلوب لتحميد الله وتقديسه، ووسيلة لمعرفة عظمة الله، وطريق للمناجاة مع المحبوب، ونوع من محاسبة النفس، والإقرار بالذنب، واستصغار النفس بجميع ملوّثاتها أمامَ الله - تعالى - مَظْهر الفضائل. وهو الأمل والرجاء، والخوف، والخضوع أمام الله، والخشوع قبال قدرته وعظمته، والتعوّذ به والالتجاء إليه، ورفض القيم التافهة الكاذبة الرخيصة، وهو التوبة، والندم، وتزكية النفس، والهداية، والكمال، والتذلّل، وطلب العفو والرحمة.

وبإيجاز: هو التأهّب للقاء الله، فكلّ ما أُثر من أدعيةٍ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام قبل الصلوات وبعدها، وفي أوقات متنوّعة، وعند التعامل مع مختلف الأحداث يدلّل على أهميّة الدعاء ومعطياتة الباهرة.

ومن أجل توضيح الأبعاد المتنوّعة للدعاء، ننقل فقرات قصيرة من الدرر الثمينة للإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام مستقّاة من

١٩٣

الصحيفة السجّادية الكاملة(*) ، علماً بأنّ مطالعة الصحيفة مطالعة كاملة، وكذلك مطالعة الأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الموجودة في كتاب (مفاتيح الجنان) مفيدة للغاية، لِمَن يرومون إدراك عمق التربية الإسلامية.

يقول الإمامعليه‌السلام في التّحميد لله والثناء عليه: «... حمداً يكونُ وُصلةً إلى طاعته وعفوه، وسبباً إلى رضوانه، وذريعةً إلى مغفرته، وطريقاً إلى جنّته، وخفيراً من نقمته، وأمناً من غضبه، وظهيراً على طاعته، وحاجزاً عن معصيته، وعوناً على تأدية حقِّه ووظائفه، حمداً نَسعَدُ به في السعداءِ من أوليائه، ونصيرُ به في نظْم الشهداءِ بسيوف أعدائه، إنّه وليّ حميد».

ومن دعائهعليه‌السلام لنفسه وأهل ولايته: «اللهمّ إنّك مَن واليتَ لم يضرْره خِذلانُ الخاذلين، ومَن أعطيتَ لم يَنقُصْه منعُ المانعين، ومن هديتَ لم يُغْوِه إضلالُ المُضِلّين، فصلّ على محمّد وآله، وامنْعنا بعزِّك من عبادِك، وأَغنِنا عن غيرك بإرفادك، واسلُكْ بنا سبيلَ الحقِّ بأرشادك..».

ومن دعائهعليه‌السلام عند الصباح والمساء: «... واجعلْه أيمنَ يومٍ عهِدناه، وأفضلَ صاحبٍ صحِبناه، وخيرَ وقتٍ ظلِلْنَا فيه. واجعلنا مِن أرضى مَنْ مرَّ عليه الليلُ والنهار من جُملة خلْقِك، أشكرهم لِما أوليتَ مِن نِعمك، وأقومَهم بما شرّعتَ من شرائعك، وأوقفَهم عمّا حذّرتَ من نهيك». ومن دعائهعليه‌السلام إذا عرضت له مهمّة أو نزلت ملمّة به، وعند الكرب: «يا من تُحَلّ به عُقَدُ المكاره، ويا مَنْ يُفثأُ بهِ حدُّ الشدائد، ويا من يُلتَمسُ منه المخرج إلى رَوحِ الفرج. ذلّت لقدرتك الصِعاب، وتسبّبتْ بلطفك الأسباب، وجرى بقُدرتك القضاء.. وهب لي من لدنك رحمةً وفرجاً هنيئاً..».

____________________

(*) نؤكِّد على الطلبة الجامعيين وروّاد التربية الإسلامية، مطالعة الصحيفة السجّاديّة، لما فيها من فوائد عظيمة.

١٩٤

ومن دعائهعليه‌السلام في الاستعاذة من المكاره وسيّء الأخلاق ومذامّ الأفعال: «اللهمّ إنّي أعوذُ بك من هَيجانِ الحرص، وسَوْرَة الغضب، وغلبة الحسد، وضَعف الصبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلق، وإلحاحِ الشهوة، وملكَة الحميّة، ومتابعةِ الهوى، ومخالفة الهدى، وسِنةِ الغفلة، وتعاطي الكلفة، وإيثار الباطلِ على الحق، والإصرار على المأثم، واستصغارِ المعصية، واستكبار الطاعة، ومُباهات المكثرين، والإزْراءِ بالمُقلّين، وسوءِ الولاية لمن تحت أيدينا، وتركِ الشكر لمنِ اصطنع العارفة عندنا..».

ومن دعائهعليه‌السلام في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال: «اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ وبلّغْ بأيماني أكملَ الإيمان، واجعلْ يقيني أفضلَ اليقين، وانْتهِ بنيّتي إلى أحسن النيّات، وبعملي إلى أحسنِ الأعمال. اللهمّ وفّرْ بلطفِك نيّتي، وصحّح بما عندك يقيني، واستصلح بقدرتك ما فسَد منّي...».

ومن دعائهعليه‌السلام لجيرانه وأوليائه: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وتولّني في جيراني ومَوالِيَّ العارفينَ بحقّنا، والمنابذين لأعدائِنا بأفضل ولايتك ووفّقْهم لإقامة سُنّتِك، والأخذِ بمحاسن أدبك، في إرفاق ضعيفهم، وسدِّ خَلّتِهم، وعيادةِ مريضهم، وهداية مسترشدِهم..».

ومن دعائهعليه‌السلام في الرضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا: «... واجعل شكري لك على ما زويتَ عني اوفر من شكري اياك على ما خولتني، واعصمْني منْ أن أظُنَّ بذي عدَمٍ خساسة، أو اظنَّ بصاحبِ ثروة فضلا. فأنَّ الشريف مَن شرّفتْه طاعتُكَ، والعزيزَ مَنْ أعزّتُه عبادتُك، فصلّ على محمدٍ وآله، ومتّعنا بثروةٍ لا تنفَد، وأيّدْنا بعزٍّ لا يُفقد، وأسرِحْنا في مُلْك الأَبَد...».

ومن دعائهعليه‌السلام في طلب العفو والرحمة: «...اللهمّ وأَيُّما عبدٍ نالَ

١٩٥

منّي ما حظرتَ عليه، وانتهك منّي ما حجرتَ عليه، فمضى بظُلامتي ميّتاً، أو حصلتْ لي قِبلَهُ حيّا، فاغفرْ له ما ألمَّ به منّي، واعفْ له عمّا أدبَر به عنّي...».

ومن دعائهعليه‌السلام في استكشاف الهموم: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، واقبضْ على الصّدق نفسي، واقطع من الدنيا حاجتي، واجعل فيما عندك رغبتي شوقاً إلى لقائك، وهب لي صدقَ التوكّل عليك. أسألك من خير كتابٍ قد خلا، وأعوذ بك من شرِّ كتاب قد خلا. أسألك خوف العابدين لك، وعبادةَ الخاشعين لك، ويقين المتوكّلين عليك، وتوكّل المؤمنين عليك...».

محتوى النظام التربوي في الإسلام

يمكن أن نستخرج محتوى النظام التربوي في الإسلام من القرآن الكريم، وسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، ومن نهج البلاغة. علماً بأنّ كتابنا هذا لا يسع الحديث حول محتوى الرسالة الإسلامية، وكما نعلم، فإنّ الإسلام تطرّق الى:

التوحيد ومعرفة الله، رسالة الأنبياء وإمامة الأمّة، المعاد، العدل الإلهي، العبادات وفروع الأحكام، الطبيعة والكائنات الطبيعية، الإنسان، الأُمم والشعوب، النُظُم السياسية، الزراعة والتجارة، المعايير الأخلاقية، علاقات المسلمين فيما بينهم، علاقات المسلمين مع غير المسلمين.

وعشرات المواضيع الأُخرى.

ولقد تحدّثنا حول بعض هذه المواضيع ضمن دراستنا للأبعاد التربوية، ولكلِّ واحد من هذه المواضيع بُعد تربوي في حدوده المقرّرة، ويمكن أن يكون كل منها كتاباً كاملاً. على سبيل المثال: يمكن أن يشكّل موضوع المعاد كتاباً كبيراً من حيث الهدف، والدافع، ومبدأ الكمال ودوره المستمر في تنمية الأشخاص وتطوّرهم.

(أرجو أن يحالفني الحظ لاؤلّف كتاباً مفصّلاً يتناول الأبعاد التربوية لهذه المواضيع).

١٩٦

ما هو النظام التربوي؟

إنّ كلمة النظام من الكلمات التي لها اعتبارها العلمي، لذلك يحاول بعض الكتّاب أو أصحاب الأفكار والعقائد المتنوّعة أن يصبّوا نظرياتهم على شكل نظام.

وقد تطرّقَت الكتابات الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية غالباً إلى النظام الفكري، والنظام المثالي، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي. وقبل أن نتناول النظام التربوي بالبحث والدراسة، نرى من الضروري أن نوضّح معنى النظام.

عندما يدور الحديث حول النظام، فإنّنا نتعامل - عادةً - مع أجزائه، وهيكله العام، والعلاقة والتأثير المتبادلين بين الأجزاء والهيكل العام، ووحدتهما وتناسقهما ودورهما.

وعندما نخوض في الحديث حول النظام الفكري، فإنّ المفاهيم، والنظريات، والمبادئ والقواعد في هذا النظام مترابطة فيما بينها ارتباطاً منطقياً في نمط معيّن. والارتباط المنطقي بين هذه الأشياء يكشف عن وحدتها وتنظيمها.

بكلمة بسيطة: يجب أن تكون المفاهيم، والنظريات، والمبادئ والقوانين متناسقة فيما بينها، ومترابطة في خطّة منطقيّة.

في النظام التربوي، مضافاً إلى المفاهيم والنظريات، والمبادئ والقواعد، فإنّ أُموراً من نحو: الهدف، والأُسلوب، والنشاطات تشكّل الأجزاء الأصلية للنظام، مضافاً إلى ذلك، فإنّ النظام التربوي ينبغي أن يكون جزءاً من النظام الفكري والنظام المثالي للمجتمع. وعندما نقول هذا، لا يتبادر إلى الذهن أنّ النظام التربوي يفقد استقلاله في ظلِّ النظام الفكري للمجتمع إلى حدٍ لا يستطيع معه أداء رسالته.

وكما ذكرنا - فيما مضى - فإنّ أجزاء النظام تعيش علاقةً وتأثيراً متبادلين، سواء في علاقات بعضها مع البعض الآخر، أو في علاقاتها مجتمعة مع النظام كلّه، لذلك كلّما كان النظام ذا اتّجاه عقلي ومنطقي، فإنّ التأثير المتبادل يتضاعف.

وبناء على

١٩٧

ما مرّ من كلامٍ، فإنّ مجموعة المعلومات المبعثرة، والنظريات المفكّكة لا تشكّل نظاماً.

وفيما يخصّ النظام التربوي، يجب الأخذ بعين الإعتبار العلاقة الثنائية والمنطقية معاً للأجزاء، وكما قلنا، في النظام التربوي يجب أن يكون هناك ترابط بين الأهداف، والأساليب، والنشاطات، والنظريات، والقواعد في خطّة منطقية. وفي الوقت ذاته، يكون النظام التربوي جزءاً فاعلاً بالنسبة إلى النظام الفكري للمجتمع، ليؤدّي رسالته.

النظام التربوي في إيران

ينبغي أن نلاحظ: هل إنّ جهاز التعليم الرسمي في بلادنا، منذ تأسيس التربية والتعليم في المجتمع، تَبَلْور على شكل نظام أم لا؟

فكما يُلحظ، أنّنا نتحدث حول التعليم الرسمي في بلادنا، ونريد أن نرى هل إنّ هذا التعليم الذي يجري في المدارس الابتدائية، والثانويات، والجامعات تبلور على شكل نظام أم لا؟

ندرس وضع المدارس القديمة، والحوزات العلمية، بمعزل عن التعليم الرسمي في البلاد.

المؤسّسات التعليمية الجديدة

لقد تم تأسيس (دار الفنون) لسدّ الحاجة إلى الاختصاصيّين في الفروع: الطبيّة، والمعمارية، والعسكرية إلى حدٍّ ما. ونظراً إلى أنّ أساتذةً أجانب كانوا يُزاولون التدريس فيها، لذلك لا مندوحة من تأثّر البرامج التعليمية هدفاً وأُسلوباً ومحتوىً بالنُظُم التربوية الغربية منذ البداية، وفي عقيدتي، فإنّ النُظُم التربوية في الغرب كانت فاقدةً للتماسك الحقيقي آنذاك.

بكلمة بديلة: كان الغموض يكتنف الأهداف، والأساليب، والنشاطات، والنظريات التربوية في النُظُم التربوية الغربية، وليس هناك ترابط منطقي فيما بينها.

أمّا التعليم العالي في بلادنا فقد بدأ

١٩٨

بشكل رسمي بعد تأسيس (دار الفنون) متأثراً بالثقافة الغربية.

وكانت مدارسنا الابتدائية والثانوية أيضاً تحاكي المؤسّسات التربوية الغربية من حيث تنظيم الدروس، ومنهجّيتها، ومحتواها، إلى حدٍّ بعيد. وقد نُقل أنّ أوّلَ وزيرٍ للتربية في إيران زار فرنسا، ولمّا عاد، طبّق النظام السائد في المدارس هناك على المدارس الإيرانية. ونظرة قصيرة على نظام المدارس تبيّن لنا فقدان الهدف، والأُسلوب، والبرامج المحدّدة.

نحن نعلم بأنّ المرحلة الابتدائية ذات السنوات الست، بدأت في إيران على غِرار المنظّمات التربوية القائمة في فرنسا، فانقسمت الدراسة الإعدادية إلى مرحلتين:

الأولى: وأمدها ثلاث سنوات، وكانت ذات بُعد عام إلى حدّ ما.

والثانية: وانقسمت إلى فروعين: الفرع العلمي، والفرع الأدبي.

وبعد ردح من الزمن، قاموا بإجراء تغيير في جهاز التعليم الثانوي. فتمدّدت المرحلة الأُولى أو المرحلة العامّة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وفي السنة السادسة من المرحلة الثانوية، تأسّست الفروع الطبيعيّة، والرياضية، والأدبية.

وبعد بضع سنين، تغيّر نظام التعليم الثانوي مرّةً أُخرى، وعاد إلى ما كان عليه في السابق، حيث إنّ المرحلة الأُولى من التعليم الثانوي كانت ثلاث سنوات. والمرحلة الثانية كذلك، وشملت الفروع الطبيعية والرياضية والأدبية، ثم أُضيف فرع التجارة إلى برامج التعليم الثانوي.

وتقارَن تأسيس المدارس المهنية مع المدارس الثانوية. وبالرغم من أنّه يمكن تكييف برنامج المدارس المهنية لِيُلبّي الحاجات الاجتماعية بسهولة، بيد أنّه أيضاً، تمّ تأسيس المدارس المهنية لتحاكي المؤسسات المهنية في الدول الغربية إلى حدٍّ كبير.

وكان خريجو المدارس المهنية أيّام رضا خان إمّا يعملون حرّاساً، وإمّا موظّفين عاديين في الدوائر الحكومية بسبب عدم توفر فرص عمل مناسبة لهم، فمن تخرّج من فرع التجارة مثلاً، كان يعمل في دائرة الأحوال المدنية.

وفي تلك الفترة أيضاً زاول

١٩٩

خرّيجو كليّة الهندسة التدريس في الثانويات، بسبب عدم إتاحة فُرَص عمل مناسبة لهم في المؤسّسات المهنية. ومن الواضح أنّ هذه الحالة لا تسري على جميع المهندسين أو خرّيجي المدارس المهنية. مع هذا كلّه، كان جليّاً بأنّ تأسيس الفروع المهنية على المستوى الثانوي والجامعي لم يتحقّق وفقاً لحاجات البلاد.

النظام المصطلح عليه حديثاً: التربية والتعليم

نظراً لوجود بعض المسائل التعليمية، لاسيّما تضاعُف عدد خريجي المدارس الثانوية، ورغبتهم في اجتياز امتحانات القبول ليحصلوا على مقاعد جامعية، قرّر مسؤولوا التربية والتعليم - بتصوّرهم - تغيير النظام التعليمي.

وبما أنّ ما يُسمّون بالمسؤولين، تنقصهم المعلومات التربوية (تعاون عدد يسير من أساتذة الجامعات المختصّين في علم النفس، وعلم الاجتماع، مع المسؤولين عن التربية والتعليم، علماً أنّه ليس لهم إلمام بالتربية والتعليم والتخطيط التعليمي) ولم يشعروا بالمسؤولية أمام المجتمع، وفقط تظاهروا بأنّهم قاموا بعمل ما، وشغلوا أوقات الناس بضجيج دعاياتهم المزيّفة، لذلك انتخبوا - مرة أُخرى - نظاماً تعليميّاً سائداً في إحدى الدول، وقدّموه بوصفه نظاماً جديداً.

إنّ استعراض الأهداف الستّة لهذا النظام، والمبادئ العشرين، التي تتكفّل بتبيان تلك الأهداف بحذافيرها، يدلُّ على أنّ واضعي ما يُسمّى بالنظام التربوي، لم يفهموا معنى النظام التربوي، ولم يكن لهم علم بأُسس التعليم الابتدائي والثانوي.

لقد قلّصوا المرحلة الابتدائية من ست سنوات إلى خمس سنوات، بدون سبب، ووضعوا منهج الدراسة في المرحلة المتوسطة بشكل كان إدراكه عسيراً على المعلّم والطالب. ولم يكن تأسيس دورة المشاورة وإعداد المشاور مُجدياً أيضاً، لأنّ الجمود على المعايير السابقة، واعتبار الدرجات مهمّة في انتخاب الفروع الفنيّة، حالا دون تحقيق الهدف الذي كانت تتوخاه المرحلة المتوسّطة.

ويدلّ وضع التعليم الثانوي

٢٠٠

وتقسيمه إلى نظري، وعام، وتجاري، ومماثلة البرامج الدراسية في الفرع النظري لنظيراتها في الفرع العام على عدم وجود أيّ أساس لهذا البرنامج.

وكان إعداد المعلّم مؤسفاً في ما يسمّى بهذا النظام، حيث كان خرّيجو المدارس الابتدائية يزاولون التعليم بعد أن يتلقّوا برامج خاصّة، خلال سنتين أو ثلاث سنوات، ثمّ يتولّون تربية أبناء العشائر والأرياف في بلادنا. وكانت رسالة المعلّم غير واضحة لدى واضعي ذلك النظام.

وبالرغم من وجود آلاف الخرّيجين من المرحلة الإعدادية مع تجربة دراسية جيّدة، كان (الدكتور صديق أعلم) يصرّ على بقاء دار المعلمين الابتدائية لأنّه كان مؤسسها. فكان يقبل الأحداث من أبناء الخمس عشرة سنة في الدار، حيث يدرسون سنتين، ثمّ يعيّنهم معلّمين في المدارس الابتدائية.

وكانت كتائب التعليم(*) محاكاةً لما هو سائد في أقطار أُخرى مثل تركيا. وفي تركيا حيث كانوا مجبورين على منح خرّيج الإعدادية رتبة ضابط في الجيش، مع عدم وجود حاجة إلى كلِّ ذلك العدد من الضبّاط، لذلك كانوا يعيّنونهم معلّمين. بعد ذلك رأوا أنّهم معلّمون غير جيّدين في عملهم. طرحت هذه التجربة العقيمة في إيران بوصفها من إنجازات (محمد رضا بهلوي)، حيث كانوا يدخلون خرّيجي الاعداديات في دورةٍ مدّتها ستّة أشهر، يتلقّون خلالها تدريباً عسكرياً، ودروساً في التربية والتعليم، ثمّ يعيّنونهم معلّمين في المدارس الابتدائية.

لقد تحدّثتُ بالتفصيل حول ما يُسمّى بالنظام التربوي الجديد في كتاب: (المجتمع والتربية والتعليم)، لذلك أتجنّب تكرار هذا الموضوع.

إنّ النظام المذكور لم ينجح في مجال إعداد أصحاب المهنة، ولا في الحيلولة دون ما يسمّونه بتهافت الخرّيجين على الجامعات. وعلى العموم، لم يكن واضحاً من حيث

____________________

(*) وهي الكتائب التي أسّسها محمّد رضا بهلوي ملك إيران آنذاك لنشر التعليم حسب زعمه، وفشلت آخر الآمر.

٢٠١

الهدف، ولم يكن ذا بُعد علمي ومنطقي من حيث المناهج.

التعليم العالي في إيران

كان وضع التعليم العالي أيضاً مؤسفاً أكثر من التعليم الابتدائي والثانوي. إنّ دار الفنون التي هي من إنجازات ومكاسب ابن الوطن البار الميرزا تقي خان أمير كبير، تحوّلت إلى جامعة. وعُدّ تأسيس جامعة طهران من إنجازات رضا خان بهلوي.

لم يكن التخطيط لجامعة طهران مُطابقاً للمواضيع العلمية، كما لم يُلبّ حاجات المجتمع. وعموماً ليس له نشاط أساس في الفروع الدراسية، ما عدا فرع الطب، وإلى حدٍّ ما فروع: الهندسة، والحقوق، والزراعة. وبعد أيلول عام 1941، كانت هناك مبادرات لتأسيس جامعات ومدارس عالية في طهران وسائر المدن أُسوة بجامعة تبريز، التي تأسّست من قبل الديمقراطيّين في آذربايجان. وعندما كانوا يرومون تأسيس مدرسة عالية، فإنّهم لم يأخذوا بعين الاعتبار، حتى الضروريّات الأوليّة لإنشائها، من نحو: التخطيط الصحيح، والأُستاذ، والوسائل التعليمية، والمكان المناسب. والآن نلاحظ عشرات الجامعات والمدارس العالية منبثّة في أرجاء البلاد، بيد أنّ برامج كثير منها لا تتناسب مع حاجات البلاد.

ووضع الهيئة التعليمية في المؤسّسات التابعة للتعليم العالي مؤسف للغاية، ولا وجود للوسائل التعليمية في مثل هذه المؤسّسات.

إنّ الملحوظ في هذه المؤسّسات هو العدد الكبير للطلبة الجامعيّين، حيث نرى أنّ خرّيجي الإعداديات كافة يطمحون إلى دخول الجامعات بسبب النظام التعليمي الخاطئ المُطبّق في مرحلة التعليم الثانوي، في حين أنّ الجامعات تسع فقط لأقل من عُشر المتقدّمين.

إنّ الأهداف التربوية، والأساليب الأساسية في التعليم، والبرامج التعليمية، وضرورة وجود نظام للتعليم العالي يكون متناسقاً مع النظام العام للمجتمع، كلُّ

٢٠٢

اولئك لم يحظ باهتمام الجهات المختصّة.

من هذا المنطلق، فإنّ الحديث عن نظام التعليم العالي أيضاً حديث عقيم لا يجدي نفعاً.

النظام التربوي في الحوزات العلمية

إنّ ما طرحناه من ملاحظات حول النظام التربوي لا ينطبق على النظام السائد في الحوزات الدينية. فإنّ النظام التعليمي الوحيد الذي تأسّس في إيران منذ قرون، ولا زالت له فاعليّته هو النظام التربوي المطبّق في الحوزات الدينيّة. فلهذا النظام أهداف معيّنة، تنسجم معها برامجه التعليمية، وله منهج محدّد، ورائع من الناحية التربوية.

إنّ للمدارس الدينية مواصفات أساسية من الناحية التربوية، فهناك علاقة حيوية أو عضوية بين الأهداف، والبرامج التعليمية، ومحتوى هذه البرامج، والأُسلوب التعليمي السائد. وللنظام التربوي القائم في المدارس الدينية علاقة عضوية أو حيوية مع النظام الإسلامي.

في ضوء ما تقدّم من مواصفات، فإنّ النظام التربوي للمدارس الدينية، هو النظام التربوي الوحيد الذي وُلد من رحم مجتمعنا، وترعرع في أجوائه، متأثراً بالثقافة الإسلامية الأصلية، وبعيداً عن الأفكار الوافدة الدخلية.

لقد خصّ المرحوم الدكتور شريعتي في كتابه: (فلسفة التربية والتعليم) الكتاتيب القديمة والمدارس الدينية بالدراسة، ذاكراً مواصفاتها. فمن المفيد - للراغبين في المسائل التربوية، والذين يرومون التعرّف على المجالات الاجتماعية والثقافية للكتاتيب والمدارس الدينية - مطالعة هذا الكتاب.

لقد ذكر المرحوم آية الله المطهّري ملاحظات بارزة حول التعليم السائد في الحوزات، وذلك في كتابه: (عشر مقالات)، موضوع: الخطابة والمنبر، القسم الثاني، تحت عنوان: (ميّزات الحوزات الدينية).

٢٠٣

الأهداف في النظام التربوي للحوزات الدينية

الأهداف المعنوية والتربوية:

1 - إعداد أشخاص موحّدين. 2 - إعداد أشخاص متّقين.

3 - إعداد أشخاص مفكّرين. 4 - إعداد أشخاص متدينين.

5 - إعداد أشخاص زاهدين، ويهمهّم كسب المُثُل والقيم المعنوية.

6 - إعداد علماء.

7 - إعداد أشخاص ملتزمين ومسؤولين حيال النظام الفكري والمجتمع.

الأهداف التعليمية:

1 - التعرّف على أُسس التوحيد. 2 - التعرّف على القرآن.

3 - التعرّف على الأخبار والأحاديث الموثوقة.

4 - تربية القدرة على استنباط الأحكام الإسلامية.

5 - التعرّف على العلوم الأوّليّة:

التعرّف على أُسس الصرف والنحو، البلاغة والأدب العربي، الأُصول من أجل فهم واستيعاب المفاهيم والأحكام الإسلامية بشكل أفضل، آراء الفقهاء.

ومن البرامج التعليمية الأُخرى - كما سنلاحظ - هي مطالعة ودراسة المنطق لتربية القدرة الفكرية للطلاّب، وكذلك مطالعة ودراسة الفلسفة الإسلامية.

البرامج التعليمية

الصرف والنحو:

يتعلّم الطلاّب المبادئ الأوّلية للصرف والنحو والمنطق من خلال دراسة كتاب: (جامع المقدّمات)، وهذه الدراسة ذات مستويات متنوّعة هي:

المستوى التمهيدي، المستوى المتوسط، المستوى العالي، ففي المستوى التمهيدي، تدرّس كتب: شرح الأمثلة، والصرف للمير شريف الجرجاني، وأمثالهما في الصرف، وكتاب العوامل، والهداية في النحو، وكتاب (الكبرى) في المنطق.

وفي المستوى العالي: يُدرّس كتابا: شرح قطر الندى، والسيوطي في النحو، وكتاب (المطوّل) في المعاني والبيان، وكتاب (حاشية الملاّ عبد الله، وشرح الشمسية)، في المنطق. وكذلك شرح المنظومة لبعض الطلاّب، وهي في المنطق أيضاً.

٢٠٤

الأُصول:

يدرس الطلاّب كتباً في الأصول بصورة تدريجيّة، وأوّل هذه الكتب هو كتاب (معالم الأُصول)، ثمّ كتاب (القوانين) أو كتاب (الفصُول) المماثل له، في الأُصول أيضاً.

الفقه:

يدرس الطلاّب الفقه أو آراء الفقهاء الماضين تدريجاً. ومن الكتب المتداولة في الحوزات العلمية هي: (الشرائع) في أربعة أجزاء و(شرح اللمعة الدمشقية) في جزأين.

الفقه والأُصول في المرحلة العليا:

تُدرَّس في هذه المرحلة كتب: (الرسائل) و(الكفاية) بجزئيها في الأُصول، وكتاب: (المكاسب) في الفقه، وثمّة كتب جديدة في الفقه والأُصول تأخذ طريقها إلى التدريس لتحلّ محلّ الكتب القديمة. ويقوم الطلاّب بدراسة تفسير القرآن ونهج البلاغة تدريجاً.

الفلسفة:

يدرس بعض الطلاّب الراغبين في الفلسفة كتاب: (المنظومة) للملاّ هادي السبزواري، في الحكمة، والذين يرغبون في مواصلة دراستهم في الفلسفة، يدرسون: (الإشارات) و(الأسفار) لصدر المتألّهين الشيرازي.

في هذه المراحل التي ينشغل فيها الطالب بالدراسة في ما يُسمّى بالمرحلة التمهيديّة(*) ، فإنّ الكتاب الدراسي هو المصدر الرئيسي في الدراسة.

مرونة البرنامج التعليمي

البرنامج الدراسي غير مدوّن سابقاً، ووقت التدريس في كلِّ حلقة دراسية غير محدّد، والتعليم لا يجري في مستوى واحد لكلِّ الطلاّب، أمّا التنظيم المتّبع في انتخاب الدروس فتنظيم منطقي، والتعليم ليس مقسّماً على مراحل كالتقليد المتّبع في المدارس الجديدة، أو المدارس الموجودة في الدول الأوربية والأميركية.

بكلمة بديلة: لا وجود

____________________

(*) ويُطلق عليها: مرحلة (السطوح) وهي تعني المرحلة الأوليّة في الدراسة الحوزويّة.

٢٠٥

لصفوف منظّمة معيّنة، عادةً، ينطبق البرنامج التعليمي على حالة الدارس أو الدارسين. والكتاب المقرّر في التدريس غير محدود أيضاً، وفي حالات متنوّعة، يتمّ انتخاب الأُستاذ من قِبَل الدارس.

إنّ البرامج التعليمية في مدارسنا، ومدارس الأقطار الأوربية والأميركية غير مَرِنة، فهي - في الأعمّ الأغلب - محدّدة سابقاً، والطالب والأُستاذ مرغمان على العمل بها. وما عدا حالات استثنائية، فإنّ جميع الطلاّب يجب أن يتعلّموا دروساً معيّنة خلال تسعة أشهر أو أربعة أشهر ونصف. وفي هذه المدارس، بالرغم من أنّ الحديث يدور حول الفروق الفردية، بيد أنّ التعليم - في الصعيد العملي - يطبّق على الجميع بصورة متساوية. فالطالب الذكي، والمتوسط، والضعيف، كلّهم يخضعون للتعليم.

في المدارس الجديدة، لا يجري انتخاب المواد الدراسية وفق تنظيم منطقي في جميع الحالات. وفي المدارس الدينية، مالم يدرس الطالب المبادئ الأوّليّة في الصرف والنحو، فإنّه لا يستطيع دراسة الصرف والنحو في المرحلة العليا، وما لم يدرس الصرف والنحو جيّداً، فإنّه لا يستطيع دراسة الفقه والأُصول. فالتنظيم المنطقي يُراعى في انتخاب المواد الدراسية.

نحن نعلم أنّ صفوفاً عديدة ومنظّمة موجودة في المدارس الجديدة، ابتدائية كانت أو ثانوية. وينبغي للطالب إتمام برنامج صفّ معيّن ليتسنّى له الدخول في صفّ أعلى، في حين أنّ الطلاّب في المدارس الدينيّة غير مقسّمين من هذه الناحية. وبالرغم من أنّ المربّي الأميركي (جون ديوي) أسّس في أواخر القرن التاسع عشر مدرسة اختبارية بدون صفوف عديدة (بشيكاغو)، بيد أنّ مدارس أميركا، لا زالت على نظامها القديم، من حيث وجود صفوف عديدة في المرحلة الابتدائية، والثانوية.

والآن يطالب بعض المربّين بإلغاء التقسيم المتّبع للصفوف.

وبالرغم ممّا يقال حول المدارس الجديدة، من أنّ البرامج التعليميّة يجب أن تكون متناسبة مع وضع الطلاّب، بيد أنّ هناك برنامجاً موحّداً يُفرض على الجميع

٢٠٦

عمليّاً. وهذا الأُسلوب متبع حتى في التعليم العالي، وفي المدارس الجديدة، لاسيّما في دوراتها العالية، يُستفاد من كتب متنوّعة.

ليس للطلاّب حريّة انتخاب الأُستاذ، حتى في الدورات العالية. وفي أميركا، حيث النظام التعليمي المتطوّر من الناحية النظرية، فإنّ الامكانيات الضروريّة لانتخاب الأُستاذ، وتعيين الأُستاذ المرشد، ليست في تصرّف الطالب حتى على مستوى التعليم العالي.

في المدارس الدينيّة، قد يجتاز أحد الطلاّب المرحلة الأُولى للدراسة التقليديّة في خمس سنوات، في حين يجتازها طالب آخر في عشر سنوات أو خمس عشرة سنة.

إنّ التنظيم المنطقي للدروس ذو معطيات تعليمية منها:

الأوّل: ما لم يتعلّم الطالب درساً معيّناً، ويهضمه جيّداً، لا يستطيع الانتقال منه إلى درس آخر، وهذا ما يُفضي إلى أنّ بعض الطلاّب الذين يتعلّمون الدرس الثالث ويهضمونه جيّداً، يستطيعون تدريس الدرس الأوّل بسهولة، وهذه العملية تتيح الإمكانية للطالب من أجل انتخاب الأُستاذ.

الثاني: بما أنّ الطالب يطمح إلى تصعيد مستواه العلمي، لذلك ينبغي له أن يستوعب كلَّ درسٍ بصورة جيدة، حتى يستطيع أن يُعدّ نفسه لتعلّم الدروس القادمة.

الثالث: إنّ العلاقة المنطقية للدروس، تُفضي إلى إلمام الطلاّب بالمواضيع أكثر، وتُفضي كذلك، إلى حضور ذهني لديه عند تعامله معها.

وتُراعى الفروق الفردية في هذا النظام التعليمي جيّداً، فيمكن أن ينشغل أحد الطلاّب بتكرار درس ما، في حين نجد زميله يتقدّم في درسه، ويواصل عمله مع أُستاذه. وفقاً للأُسلوب المتّبع في المدارس الدينية، نجد أنّ عدد الأساتذة المختصّين في تدريس بعض المواد يتضاعف بشكل متواصل.

في ضوء ذلك، يمكن للطالب أن يتقدّم وفقاً لاستعداده، وهو غير مضطر أن يطابق وضعه مع وضع الطلاّب الآخرين.

٢٠٧

إنّ التقويم أو الامتحان بالشكل المطبّق في المدارس الجديدة غير موجود في المدارس الدينية. فالامتحان يجري بمعناه الحقيقي في كلّ جلسة، وفي الدرس، يحاول الطالب - بسبب تحضيره السابق - أن يتعلم الدرس، وينتبه إلى الإشكال الموجود في عمله عند التعلّم، فيبذل جهده في الوقت من أجل إزالته، وفي الدرس القادم، لم يكن قد تعلّم الدرس الماضي فحسب، بل وعنده الاستعداد لتعلّم الدرس القادم أيضاً.

طريقة التعلّم

استعداد الطالب:

ما لم يكن الطالب مستعدّاً، فلا يواصل دراسته في فرع معيّن. والقصد من الاستعداد هنا هو امتلاك النموّ الكافي لاستيعاب مختلف المواضيع. وبما أنّ العمر ليس شرطاً في الدراسة، لذلك يمكن للأشخاص أن يبادروا إلى الدراسة في سنين متنوّعة. وعندما يشعر الطالب أنّه غير مستعد لتعلّم درس معيّن فإنّه غير ملزم في انتخاب ذلك الدرس، أو المشاركة مع طلاّب آخرين ممّن لهم الاستعداد في ذلك الدرس.

بكلمة بديلة: يقوم الطلاّب بانتخاب الدروس وفقاً لاستعداداتهم.

التجارب السابقة:

تعتبر التجارب السابقة لكلّ طالب عاملاً أساسيّاً في انتخاب الدرس الجديد. وفي المدارس الجديدة - بما فيها الجامعات - قد تُعرض دروس لا علاقة لها بالتجارب السابقة للطلاّب، وفي مثل هذه الحالة، يضطرّ الطالب إلى ترسيخ الدرس الجديد في ذهنه كالببغاء، لكي يتسنى له أن يحضر في الصف، أو في دورة معيّنة.

أمّا في المدارس الدينية، فإنّ وجود العلاقة المنطقية بين الدروس، يُفضي إلى أن يقوم الطالب بانتخاب الدرس الجديد بعد كسب التجارب الضرورية، أو بعد

٢٠٨

انتخاب الدروس التمهيديّة.

المحفّز على التعلّم:

إنّ الطالب في المدارس الدينية واعٍ لهدف الدراسة، فهو يعلم - مبدئيّاً - لماذا انتخب فرع العلوم والمعارف الإسلامية، وما هو سبب دراسة النحو أو الأُصول. هذا الوعي نفسه هو الذي يحفّزه على التعلّم.

بكلمة بديلة: يشجّع الهدف - بوصفه محفِّزاً قوياً - الطالب على الدراسة.

أمّا في المدارس الجديدة أو في المدارس العالية، فيُلاحَظ غالباً، أنّ الهدف من تعلّم درس معيّن غير واضح، بالنسبة إلى المعلّم والطالب، لذلك لا يبدي الطالب رغبة في الدراسة، وليس له محفِّز عليها إلاّ أداء الواجب، واجتياز الدورة، والحصول على الشهادة.

دور الطالب

للطالب في المدارس الدينية دور فاعل، فهو يُطالع درسه سابقاً، ويؤدّي دوره في عمليّة التعلّم بمشاركته في المناقشة والمباحثة، وسعيه لتوضيح المفاهيم والآراء. في حين نجد أنّ للطالب - في المدارس الجديدة - دور المنفعل.

بكلمة بديلة: هو مستعدّ لتقبّل ما يُطرح في الدرس وحفظه. أمّا المعلم فهو فاعل نشط في هذه المدارس، لذلك نجد أنّ التعلّم في مثل هذه المدارس سطحي، ويتّخذ طابع الحفظ غالباً.

بما أنّ الطالب في المدارس الدينية فاعل نشيط، لذلك نجد أنّ الفهم والتعقّل يرافقان التعلّم، بينما يتقبّل الطالب الموضوع بالشكل المطروح.

انتقال التعلّم:

إنّ انتقال التعلّم من مكان إلى آخر يجري بسهولة في المدارس الدينية. ويتطلّب التنظيم المنطقي للدروس أن يتعلّم الطالب مفاهيم كلِّ درس، ونظرياته، ومبادئه، وقوانينه. ومثل هذه الأمور قابلة للتعميم.

وعندما يستوعب الطالب المفاهيم والنظريات، فإنّه يستطيع أن ينقل ما تعلّمه في مكان ما إلى أماكن

٢٠٩

أُخرى بيُسر.

يجب الالتفات إلى أنّ التشابه بين مكانين، واستعمال المفاهيم والمبادئ في مكانين، والأهم من ذلك كلّه، الفهم، كلّ هذه الأشياء تُفضي إلى انتقال التعلّم من وسط إلى وسط آخر.

الفهم والتعقّل:

ذكرنا - فيما تقدّم - أنّ الفهم والتعقّل - في صعيد واسع - يميّزان التعليم في المدارس الدينية عن التعليم في المدارس الجديدة، وحتى عن التعليم في كثير من المدارس العالية. في هذا المجال، فإنّ العلاقة المنطقية للدروس جميعها تؤثّر في تصعيد مستوى استيعاب الطالب.

مضافاً إلى استيعاب المواضيع، ينبري الطالب نفسه إلى التقويم وإبداء وجهات النظر. ومن أجل تقويم الآراء ووجهات النظر، فإنّ الطالب مضطر إلى أن يدرس كلَّ رأي ووجهة نظر، دراسةً عقلية، وبواسطة هذا العمل، يفصل الآراء المنطقيّة عن الآراء غير المنطقية.

إنّ علاقة الدروس فيما بينها تؤثّر في التيّار العام للتعلّم.

أُسلوب التعلّم في المدارس الدينية

إنّ أُسلوب التعلّم هو أحد الدعائم الأساسية في الدراسة، حيث نجد أنّ معظم المشاكل التي ترافق التعلّم ناجمة عن الأساليب الخاطئة المتّبعة في التعليم، فبساطة الطلاّب وضحالة مستوياتهم، وعدم رغبتهم في التعلّم، كلّ ذلك بسبب الأُسلوب الخاطئ الذي ينتهجه المعلّمون.

ثمّة ثلاثة أساليب رئيسة للتعليم:

1 - أُسلوب طرح المواضيع:

المعلّم هنا فاعل نشيط، فما تعلّمه في حياته الدراسية ينقله إلى طلاّبه، ويتقبّل ذلك بسبب الحالة الانفعالية التي هم

٢١٠

عليها. وبما أنّ نشاط المعلّم ذو بُعد واحد، فمن المحتمل أنّه يستطيع أن يقوّم ما يطرحه من مواضيع، وربّما يطرح مواضيع غير صحيحة كآراء ونظريات مُبرهِنة.

يتّسم هذا الأُسلوب بأنّه ذو بعد ديكتاتوري، لأنّ المعلم يفرض رأيه على الطلاّب فرضاً، وذهن الطالب بمثابة مستودع يملأه المعلّم. علماً بأنّ تعلّم المواضيع العلمية غير مؤثّر في تغيير سلوك الطالب، فيلاقي الطالب صعوبة في فهم المواضيع واستيعابها، ويستمدّ العون من ذاكرته لتعلّم المواضيع المطروحة، وينقل إلى ذهنه أشياء غير مترابطة من خلال القراءة المتكرّرة.

2 - أُسلوب إبداء الرأي:

تطرح هنا مواضيع متنوّعة، فيُبدي الطلاّب آراءهم فيها. إنّ طريقة إبداء الرأي أو التعبير عن وجهة النظر من قِبَل الطلاّب غير مصحوبة بحركة فكرية، فما يدور في الصف هو عرض آراء غير منطقية، وإبداء وجهات نظر ضحلة.

كلُّ طالب حر في التعبير عن رأيه. وكما مرّ بنا - فيما مضى - فإنّ المناقشة ليس بالشكل الذي يفيد الطالب من قوّة تفكيره، لإبداء رأيه، أو مناقشة آراء الآخرين. المعلّم غير فعّال في تطبيق هذا الأُسلوب، أمّا نشاط الطالب فإنّه غير مثمر، إذ ليس هناك مسألة أو موضوع يوجّه المناقشة، والنتيجة هي تضييع الوقت، ومن ثمّ حفظ المواضيع الموجودة في الكتاب الدراسي.

3 - أُسلوب البحث والتحقيق:

إنّ الأُسلوب الأساس في التعليم هو أُسلوب البحث والتحقيق، بيد أنّه يجب أن تتّضح هويّة البحث، والتحقيق، لكي لا يتّخذ تطبيق هذا الأُسلوب طابعَ إبداءِ الرأي.

يعمل المعلّم والطالب على تحديد المسائل الأساسية عند تعاملهما مع مواضيع الكتاب، وبالإستفادة من تجاربهما.

فيتمّ طرح المسائل عن طريق التفكّر والبحث. ولعلّ أمراً ما يكون مشكلة

٢١١

بالنسبة إلى أحد الطلاّب، بيد أنّ قليلاً من الإمعان سوف يلفت نظره إلى عكس ما تصوّره.

بإيجاز: تُطرح المسائل ذات العلاقة، قبل عرض أيّ بحث، وبعد تحديد المسائل، يحاول الطالب علاجها بالاستفادة من المصادر المتنوّعة، وباستعمال فكره. في هذا الإطار، يمكن أن يقوم كلُّ طالب أو مجاميع صغيرة من الطلاّب بجمع المعلومات والآراء من أجل حلّ المسائل، فيقدّم أحدهم نتيجة مشاهداته، ويعرض الآخر ما تمخّضت عنه تجربته وتحليله، ويطرح الثالث عصارة تفكّره في المسألة. في هذه المرحلة بالذات، يضع كلُّ واحد من الطلاّب معلوماته المتجمعّة تحت تصرّف الآخرين، وفي هذه العملية، يدقّق الطالب كيفيّة تنظيم المواضيع، وكيفيّة تبيانها، وعلاقة ما يُطرح بالمسألة التي هي مَثار البحث، ومن ثمّ يتعلّم أشياء أساسيّة. عند ذلك يتحول الصف أو الدرس إلى ميدان للبحث والتحقيق في المسألة ذات العلاقة، والمواضيع المرتبطة بها. يتمّ بعد ذلك تحليل الآراء المطروحة، ويستطيع الطالب أن يحدّد دليله على كلِّ رأي، ويوضّح صلة ذلك بالموضوع المطروح. وفي هذا الأُسلوب، يقدّم المعلّم المواضيع اللازمة حيناً، وحيناً آخر يقدّمها الطالب. بيد أنّ طرح الموضوع يتحقق من خلال المسألة التي هي مَثار البحث. وينبغي أن يستوعب المعلّم والطالب كلاهما المواضيع المقدّمة، ويعملا على تقويمها، ويقرّا - آخر الأمر - بالرأي الأكثر موضوعية ومنطقيّة. وفي تطبيق كلّ بعد من هذه العملية، يتعلّم المعلّم والطالب أشياء أساسيّة.

إنّ هذا الأُسلوب لا يصعِّد من المستوى العلمي للطلاّب فحسب، بل ويؤثّر في تغيير أفكارهم، وتربية مهاراتهم الأساسية في الاستدلال.

يستفاد من هذا الأُسلوب - عادةً - في المدارس الدينية، فيقوم الطالب بالمطالعة قبل الدرس، ويبذل جهده لتحديد المسائل الأساسية، ويعدّ نفسه للمشاركة في البحث عن طريق المطالعة. في عقيدتي، إنّ هذا الأُسلوب صالح للتطبيق في مؤسّساتنا التعليمية.

إنّ تطبيق أُسلوب البحث والتحقيق يعلّم المعلّم والطالب معاً، كيفية التعامل

٢١٢

مع المسائل، وطريقة تقويم الآراء، والمهارات الأساسية في الاستدلال. علماً بأنّ إصرار المدارس الدينية على دراسة المنطق هو لأجل أن يعدّ الطلاّب أنفسهم لتطبيق أُسلوب البحث والتحقيق. وفي تطبيق هذا الأُسلوب، ينمو الطالب من الناحية الفكرية، ويصبح له رأيه المستقلّ تدريجياً، ويُبادر شخصياً إلى قبول الآراء أو رفضها.

مرحلة الدراسة العليا(*) في الحوزات الدينية

يلتحق الطالب بهذه المرحلة الدراسية بعد اجتيازه المرحلة التمهيدية (مرحلة السطوح) للدراسات الدينية، فتزول محدودية الكتاب والدرس في هذه المرحلة، حيث يُفترض أن يكون الطالب قد كسب المعلومات اللازمة. وهنا يُطبّق أُسلوب البحث والتحقيق في هذه المرحلة بنحوٍ تام. ويدير الدراسة في هذه المرحلة أساتذة بارزون، وتظهر قوّة الإبداع المودعة عند الطلاّب مضافاً إلى الفهم والتعقّل، ويجتاز الطالب فيها مرحلة مناقشة مواضيع الآخرين ودراستها، ليقوم بنفسه بطرح مواضيع جديدة. الدراسة في هذه المرحلة، مثال رائع للعلماء وأساتذة الجامعات، من الناحية التربوية.

على العموم، إنّ ما يُميّز النظام التربوي للحوزات الدينية هو مايلي:

1 - الجمع بين التقوى والعلم.

2 - الإيمان بالأشياء التي يتعلّمها الطالب.

3 - شموليّة الأهداف وسعتها.

4 - مرونة البرامج الدراسية.

5 - يتمّ انتخاب موادّ البرنامج حسب الأهداف.

6 - يتماثل محتوى كلِّ مادّة مع الأهداف التربوية والتعلميمية.

____________________

(*) ويُصطلح عليها (البحث الخارج) حوزويّاً. تقابل هذه المرحلة مرحلة الدراسات العليا في الجامعات، بل هي أركز منها وأعمق، وبما أنّ هذا الاصطلاح الحوزوي ليس اصطلاحاً عربياً، لذلك آثرت تعريبه وفقاً لموضوعه.

٢١٣

7 - ينصبُّ الاهتمام عمليّاً على ما هو مؤثّر في التعلّم.

8 - إنّ المحفِّز على الدراسة والتعلّم، أفضل من الحصول على الشهادة أو نيل الامتيازات الماديّة.

9 - تُراعى الفروق الفردية بنحو تام.

10 - يُحتَرَم استقلال الطالب في انتخاب الأُستاذ، والدرس، والكتاب، وفي التعبير عن رأيه.

11 - يواكب الأُستاذ والطالب كلاهما هدفاً واحداً.

٢١٤

الفهرس

مقدّمة المترجم5

تمهيد 9

الثورة الثقافيّة والتعليميّة11

الثقافة13

التربية والتعليم والتراث الثقافي 15

الثقافة الإسلاميّة15

المساهمة الجماعية في الثورة الثقافيّة16

الثورة التعليميّة16

المسألة الأساسيّة في التربية والتعليم18

الالتزام والاختصاص 18

التعليم ماقبل المرحلة الابتدائية20

التعليم الابتدائي 20

التخطيط في المرحلة الابتدائية20

التخطيط في المرحلة المتوسّطة20

التعليم الثانوي 21

التعليم العالي 22

إعداد المعلّمين 25

خاصّيّتان أساسيّتان للإنسان 27

مقارنة الإسلام مع النُظُم القائمة في الشرق والغرب 31

النّظام التّربوي في الإسلام37

خصائص النظام التربوي في الإسلام39

الأُولى: البُعد الإلهي 39

خصائص التربية الإلهيّة40

٢١٥

الكمال 41

الانسجام مع الفطرة البشرية (المرونة)41

خلود الحياة البشرية42

التربية الإلهيّة والسعادة الأبدية43

الثانية: البعد الإرشادي (التوجيهي)43

الهداية التكوينيّة44

الهداية التشريعيّة44

هداية الإنسان 44

الهداية والتربية والتعليم46

هداية الفرد47

الإسلام وهداية الفرد50

البُعد الإيماني 50

الجانب العقلي 52

هوية العقل 53

مراحل النشاط العقلي 54

1- تحليل الظرف أو الوضع 54

2 - تحديد المشكلة54

3 - جمع المعلومات 55

4 - إعداد الحلول 56

5 - انتخاب أفضل الحلول 57

البعد العاطفي 57

الوعي العاطفي 59

البُعد الاجتماعي 61

التكييف الاجتماعي 61

٢١٦

التعاون 63

المعارضة64

الوفاق 66

العلاقات مع الآخرين 66

التربية البدنية66

الثالثة: البُعد الحركي 67

الرابعة: البُعد العقلي 70

الأحكام الإسلامية74

القيم الأخلاقية75

التعليم في الإسلام81

اتجاهان رئيسان في التّربية والتّعليم83

الدراسة والتدريب 83

طريقة تعلّم الإنسان 83

اتجاهان في التعلّم84

الأول: التدريب 84

الثاني: الدراسة87

الاتّجاه التربوي في عصرنا 88

التدريب 94

الخضوع للتوقّع 96

الدراسة97

الأُسس التربوية في الإسلام100

الخامس: البُعد الثوري 104

تبديل النظام القائم108

منع الكنز وتكديس الثروة109

الأحاديث 113

٢١٧

السادس: استمرار التربية والتعليم114

السابع: عموميّة التربية والتعليم117

الأهداف التربويّة في الإسلام121

عبادة الله هدف تربوي أساس 123

التقوى 125

التقوى والحريّة133

تعليم الحكمة هدف تربوي أساس 138

تربية روح الدعوة إلى العدالة هدف تربوي 141

تكامل الإنسان كهدف تربوي 143

هويّة الإنسان 143

مراحل النفس 143

الفضيلة والرذيلة في الإنسان 144

استقلال الشخص 144

مسؤولية الإنسان 145

تغيير سلوك الإنسان 146

احترام الإنسان 147

الإيمان بكفاءة الناس 149

الأُخوّة والتعاون كهدفين تربويين 150

الصداقة مع الشعوب الأُخرى إحدى الأهداف التربوية الأساسية أيضاً151

تربية قوّة التفكّر هدف تربوي أساس 152

تربية الروح الاجتماعية هدف تربوي أساس 153

تربية الشخصية الأخلاقية هدف أساس آخر للتربية153

الأساليب التربوية في الإسلام154

دمج العلم في العمل 154

العلم والعمل في التعليم155

علاقة العلم بالتفكّر والأخلاق 156

٢١٨

الجمع بين الإيمان والعمل 157

الجهاد في سبيل الله والكفاح ضدّ الطاغوت:158

القيام بالقسط:158

حرمة أكل أَموال الناس ومنع الكنز وتكديس الثروة:158

الجهاد في سبيل الحق واحتقار الدنيا في مقابل الآخرة:158

تضامن المؤمنين ومودّة بعضهم البعض:159

الإيمان بالله والرسول والجهاد في سبيل الله:159

دمج الإيمان في العقل 159

التربية العملية161

سيرة الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام 161

قيمة العلم162

التعاون في شؤون الحياة اليومية163

خدمة الناس 164

السيطرة على العواطف 165

مساواة الناس أمام القانون 166

حياة المستضعفين 167

منع تكديس الثروة168

مراعاة العدالة168

قيمة العمل 169

المعايير الإسلامية169

احترام الناس على أساس التقوى 171

مكافحة الخرافات 172

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين 172

مواساة الآخرين 173

مكافحة المتزمّتين 173

٢١٩

الوصيّة الأخيرة للإمام علي عليه‌السلام 174

التعاون في أُمور البيت 176

المنهج العقلي في التربية الإسلامية176

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر178

البعد الإرشادي أو التوجيهي 178

الجهاد أُسلوب تربوي حاسم181

جهاد النفس 182

المكافأة والعقوبة184

أساس علم النفس 185

التوبة أُسلوب تربوي 188

النصيحة والموعظة189

التربية عن طريق ذكر المثل 190

التربية عن طريق قصص الأُمم والشعوب 190

الدعاء والتضرّع 191

الدعاء للهداية192

الدعاء للاستغفار والتوبة192

الدعاء لذكر الله دائماً192

الدعاء في مجال الإخلاص 192

محتوى النظام التربوي في الإسلام196

ما هو النظام التربوي؟197

النظام التربوي في إيران 198

المؤسّسات التعليمية الجديدة198

النظام المصطلح عليه حديثاً: التربية والتعليم200

التعليم العالي في إيران 202

النظام التربوي في الحوزات العلمية203

الأهداف في النظام التربوي للحوزات الدينية204

٢٢٠

221