الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 128805
تحميل: 4267


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128805 / تحميل: 4267
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ضعفه: المتَّهم بالزندقة، كما مرَّت ترجمته في صفحة ٨٤. وقد مرَّ عن السيوطي إنَّه ذكر حديثاً بهذا الطريق وقال: موضوعٌ فيه ضعفاء أشدُّهم سيف بن عمر.

وفيه أبو منصور، مشترك بين عدَّة ضعفاء لا يعوَّل عليهم ولا على روايتهم.

*(عذر مفتعل )*

إنَّ المحبّ الطبري أعماه الحبُّ وأصمَّه فجاء بعذر مفتعل غير ما ذكر قال في رياض النضرة ٢: ١٥٠: عنه جوابان: الأوَّل إنَّ الهرمزان شارك أبا لؤلؤة في ذلك وملأه، وإن كان المباشر أبو لؤلؤة وحده لكن المعين على قتل الإمام العادل يباح قتله عند جماعة من الأئمة، وقد أوجب كثيرٌ عن الفقهاء القود على الآمر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمر وقال: إنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره إنّه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان ويتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه فقتل عمر في صبيحة تلك فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال: انظروا إلى السكين فإن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلّا وقد اجتمعوا على قتله. فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن، فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجود القود لذلك، أو لتردُّده فيه فلم ير الوجوب للشك.

والجواب الثاني: إنَّ عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لأنَّه كان بنو تيم وبنو عدي مانعون من قتله، ودافعون عنه، وكان بنو أُميَّة أيضاً جانحون إليه، حتّى قال له عمرو بن العاص: قُتل أمير المؤمنين عمر بالأمس، ويُقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبداً، ومال في بني جمح، فلمّا رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال: أمره إليَّ وسأرضي أهل الهرمزان منه.

قال الأميني: إنَّ إثبات مشاركة هرمزان أبا لؤلؤة في قتل الخليفة على سبيل البتِّ لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبو بكر من إنَّه رآهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد، فإنَّ من المحتمل إنَّهما كانا يتشاوران في أمر آخر بينهما، أو أنَّ أبا لؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتكب فنهاه عنه الهرمزان، لكنه لم يصغ إلى قيله فوقع القتل غداً، إلى أمثال هذين من المحتملات، فكيف يُلزم الهرمزان

١٤١

والحدود تُدرأ بالشبهات؟(١)

هبْ إنَّ عبد الرحمن شهد بتلك المشاركة، وأدَّعى إنَّه شاهد الوقفة بعينه، فهل يُقتل مسلمٌ بشهادة رجل واحد في دين الله؟ ولم تعقد البيِّنة الشرعيَّة مصافقة لتلك الدعوى، ولهذا لما أُنهيت القضيَّة من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلى آخرها إلى عمر نفسه قال: ما أدري هذا انظروا إذا أنا متُّ فاسألوا عبيد الله البيِّنة على الهرمزان، هو قتلني؟ فإن أقام البيِّنة فدمه بدمي، وإذا لم يقم البيِّنة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.

وهب أنَّ البيِّنة قامت عند عبيد الله على المشاركة، فهل له أن يستقلَّ بالقصاص؟ أو إنَّه يجب عليه أن يرفع أمره إلى أولياء الدم؟ لاحتمال العفو في بقيَّة الورثة مضافاً إلى القول بأنَّه من وظائف السلطان أو نائبه، وعلى هذا الأخير الفتوى المطَّردة بين العلماء(٢) .

على إنَّه لو كانت لعبيد الله أو لمن عطَّل القصاص منه معذرة كهذه لأبدياها أمام الملأ المنتقد، ولَما قال مولانا أمير المؤمنين اقتل هذا الفاسق، ولَما تهدَّده بالقتل متى ظفر به، وَلما طلبه ليقتله أبّان خلافته، ولَما هرب عنه عبيد الله إلى معاوية، ولَما اقتصر عثمان بالعذر بأنَّه وليُّ الدم، وإنَّ المسلمين كلهم أولياء المقتول، ولَما وهبه واستوهب المسلمين، ولَما كان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة، ولَما قام إليه سعد بن أبي وقاص وانتزع السيف من يده وجزَّه من شعره حتّى أضجعه وحبسه في داره.

وهب إنَّه تمَّت لعبيد الله هذه المعذرة فبماذا كان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسكينة الصغيرة، وتهديده الموالي كلّهم بالقتل؟

٢- أنا لا أدري مِن أين جاء المحبُّ بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله، وجنوح الأمويِّين إليهم بصورة عامَّة؟ حتّى يخافهم الخليفة

____________________

١ - سنن ابن ماجة ٢: ١١٢، سنن البيهقي ٨: ٢٣٨، سنن الترمذي ٢: ١٧١، أحكام القرآن للجصاص ٣: ٣٣٠، تيسير الوصول ٢: ٢٠.

٢ - كتاب الأم للشافعي ٦: ١١، المدونة الكبرى ٤: ٥٠٢، فيض الإله المالك للبقاعي ٢: ٢٨٦.

١٤٢

الجديد. وأيّ خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أوَّل يومه؟ فإذا تبيَّنت عليه هذه الضؤلة في مفتتح خلافته، فبأيِّ هيبة يسوس المجتمع بعده؟ ويقتصُّ القاتل، ويقيم الحدود، ولكلِّ مقتصّ منه أو محدود قبيلةٌ تغضب له، ولها أحلافٌ يكونون عند مرضاتها.

ليس في كتب التاريخ والحديث أيّ أثر ممّا ادَّعاه المحبُّ المعتذر، وإلّا لكان سعد بن أبي وقاص أولى بالخشية يوم قام إلى عبيد الله وجزَّ شعره، وحبسه في داره، ولم يُر أيّ تيميّ طرق باب سعيد، ولا عدويّ أنكر عليه، ولا أمويّ أظهر مقته على ذلك، لكن المحبُّ يريد أن يستفزَّهم وهم رممٌ بالية.

ثمَّ لو كان عند مَن ذكرهم جنوح إلى تعطيل هذا الحكم الإلهي حتّى أوجب ذلك حِذار الخليفة من بوادرهم؟ فإنَّه معصية تنافي عدالة الصحابة، وقد أطبق القوم على عدالتهم. ولو كان الخليفة يروعه إنكار المنكرين على ما يريد أن يرتكب؟ فلمّا ذا لم يرعه إنكار الصحابة على الأحداث في أُخرياته؟ حتّى أودت به، أكان هيَّاباً ثمَّ تشجَّع؟ سل عنه المحبَّ الطبري.

- ٨ -

رأي الخليفة في الجنابة

أخرج مسلم في الصحيح بالإسناد عن عطاء بن يسار: إنَّ زيد بن خالد الجهني أخبره أنّه سأل عثمان بن عفان قال: قلت أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضّأ كما يتوضَّأ للصَّلاة، ويغسل ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم(١) .

وأخرجه البخاري في صحيحه، وزاد عليه ولفظه: سُئل عثمان بن عفان عن الرجل يُجامع فلا ينزل فقال: ليس عليه غسلٌ، ثمَّ قال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسألت بعد ذلك عليَّ بن أبي طالب والزبير بن عوام وطلحة بن عبيد الله وأُبيّ ابن كعب فقالوا: مثل ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأخرجه بطريق آخر وفيه: فأمروه بذلك بدل قوله: «فقالوا مثل ذلك عن النبيِّ»(٢) .

____________________

١ - صحيح مسلم ١: ١٤٢.

٢ - صحيح البخاري ١: ١٠٩.

١٤٣

وأخرجه أحمد في مسنده ١: ٦٣، ٦٤ وفيه: فسألت عن ذلك عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والزبير العوام وطلحة بن عبيد الله، وأُبيّ بن كعب فأمروه بذلك، فليس في لفظه «عن رسول الله» وبالألفاظ الثلاثة ذكره البيهقي في السنن الكبرى ١: ١٦٤، ١٦٥.

قال الأميني: هذا مبلغ فقه الخليفة أبّان خلافته وبين يديه قوله تعالى:( لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ) «النساء ٤٣»

قال الشافعي في كتاب الأُم ١: ٣١: فأوجب الله عزَّوجلَّ الغسل من الجنابة فكان معروفاً في لسان العرب إنَّ الجنابة الجماع وإنْ لم يكن مع الجماع ماءٌ دافق، وكذلك ذلك في حدِّ الزنا وإيجاب المهر وغيره، وكلّ من خوطب بأنَّ فلاناً أجنب من فلانة عقل إنَّه أصابها وإنْ لم يكن مقترفاً، قال الربيع يريد إنَّه لم ينزل

ودلَّت السنَّة على أنَّ الجنابة أنْ يفضي الرجل من المرأة حتّى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يواري حشفته، أو أن يرى الماء الدافق، وإنْ لم يكن جماعٌ.

وقال في اختلاف الحديث في هامش كتاب الأُم ١: ٣٤: فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب إنّها الجماع دون الانزال، ولم تختلف العامَّة إنَّ الزنا الذي يجب به الحدُّ: الجماع دون الانزال، وأنَّ من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحدُّ، وكان الذي يشبه إنَّ الحدَّ لا يجب إلّا على من أجنب من حرام.

وفي تفسير القرطبي ٥: ٢٠٤: الجنابة: مخالطة الرجل المرأة. والجمهور من الأُمّة على إنَّ الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان.

ثمَّ كيف عزب عن الخليفة حكم المسألة، وقد مرَّنته الاسؤلة، وعلّمته الجوابات النبويَّة، وبمسمع منه مذاكرات الصحابة لِما وعوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وإليك جملة منها:

١ - عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا قعد بين شعبها الأربع والزق الختان بالختان قفد وجب الغسل.

وفي لفظ: إذا قعد بين شعبها الأربع، ثمَّ أجهد نفسه، فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل.

١٤٤

وفي لفظ ثالث: إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل.

وفي لفظ أحمد: إذا جلس بين شعبها الأربع، ثمَّ جهد، فقد وجب الغسل.

صحيح البخاري ١: ١٠٨، صحيح مسلم ١: ١٤٢، سنن الدارمي ١: ١٩٤، سنن البيهقي ١: ١٦٣، مسند أحمد ٢: ٢٣٤، ٣٤٧، ٣٩٣، المحلّى لابن حزم ٢: ٣، مصابيح السنَّة ١: ٣٠، الاعتبار لابن حازم ص ٣٠، تفسير القرطبي ٥: ٢٠٠، تفسير الخازن ١: ٣٧٥.

٢ - عن أبي موسى إنَّهم كانوا جلوساً فذكروا ما يوجب الغسل، فقال مَنْ حضره من المهاجرين: إذا مسَّ الختان الختان وجب الغسل. وقال مَنْ حضره مِن الأنصار: لا حتّى يدفق. فقال أبو موسى: أنا آتي بالخبر، فقام إلى عائشة فسلّم ثمَّ قال: إنِّي أُريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عن شيء كنت سائلاً عنه أُمّك التي ولدتك إنَّما أنا أُمّك قال قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع ومسَّ الختان بالختان وجب الغسل.

صحيح مسلم ١: ١٤٣، مسند أحمد ٦: ١١٦، الموطأ لمالك ١: ٥١، كتاب الأم للشافعي ١: ٣١، ٣٣، سنن البيهقي ١: ١٦٤، المحلّى لابن حزم ٢: ٢، المصابيح للبغوي ١: ٣٢، سنن النسائي، وصححه ابن حبّان، وابن القطان، الاعتبار لابن حازم ص ٣٠.

٣ - عن أُم كلثوم عن عائشة: إنَّ رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: عن الرجل يجامع أهله يكسل هل عليه من غسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنِّي لأفعل ذلك أنا وهذه نغتسل.

صحيح مسلم ١: ١٤٣، سنن البيهقي ١: ١٦٤، المدوَّنة الكبرى ١: ٣٤.

٤ - عن الزهري: إنَّ رجالاً من الأنصار فيهم أبو أيّوب وأبو سعيد الخدري كانوا يفتون: الماء من الماء، وإنَّه ليس على مَن أتى امرأته فلم ينزل غسل، فلمّا ذكر ذلك لعمر، وابن عمر، وعائشة أنكروا ذلك، وقالوا: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

١٤٥

صحيح الترمذي ١: ١٦، وصحَّحه فقال: وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن البيهقي ١: ١٦٥.

٥ - عن عائشة قالت: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا.

وفي لفظ: إذا قعد بين الشعب الأربع، ثمَّ ألزقّ الختان بالختان فقد وجب الغسل. سنن ابن ماجة ١: ٢١١، مسند أحمد ٦: ٤٧، ١١٢، ١٦١.

٦ - عن عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن أبيه مرفوعاً عن جدِّه إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل. وزاد في المدوَّنة: أنزل أولم ينزل.

سنن ابن ماجة ١: ٢١٢، المدوَّنة الكبرى ١: ٣٤، مسند أحمد ٢: ١٧٨، وأخرجه ابن أبي شيبة كما في نيل الأوطار ١: ٢٧٨.

وكأنَّ الخليفة كان بمنتأى عن هذه الأحاديث فلم يسمعها ولم يعها، أو أنَّه سمعها لكنَّه ارتأى فيها رأياً تجاه السنَّة المحقَّقة، أو إنَّه أدرك من أوليات الاسلام ظرفاً لم يشرَّع فيه حكم الغسل وهو المراد ممّا زعم إنّه سمعه من رسول الله فحسب إنَّه مستصحبٌ إلى آخر الأبد حيث لم يتحرّ التعلّم، ولم يصخ إلى المحاورات الفقهيَّة حتّى يقف على تشريع الحكم إلى أن تقلّد الخلافة على مَن يعلم الحكم وعلى مَن لا يعلمه، فألهته عن الأخذ والتعلّم، ثمَّ إذا لم يجد منتدحاً عن الفتيا في مقام السؤال فأجاب بما ارتآه أو بما علق على خاطره منذ دهر طويل قبل تشريع الحكم.

أو إنَّه كان سمع حكماً منسوخاً وعزب عنه ناسخه بزعم من يرى إنَّ قوله صلى الله عليه وآله الماء من الماء(١) وما يشابهه في المعنى من قوله: إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء(٢) قد نسخ بتشريع الغسل إن كان الإجتزاء بالوضوء فحسب حكماً لموضوع المسألة، وكان قوله صلى الله عليه وآله: الماء من الماء وارداً في الجماع. وأمّا على ما ذهب إليه ابن عبّاس من إنَّه ليس منسوخاً بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية

____________________

١ - صحيح مسلم ١: ١٤١، ١٤٢، سنن ابن ماجة ١: ٢١١، سنن البيهقي ١: ١٦٧.

٢ - صحيح مسلم ١: ١٤٢، سنن ابن ماجة ١: ٢١١.

١٤٦

في النوم إذا لم يوجد احتلام(١) كما هو صريح قوله صلى الله عليه وآله: إن رأى احتلاماً ولم ير بللاً فلا غسل عليه(٢) فمورد سقوط الغسل أجنبيٌ عن المسألة هذه فلا ناسخ ولا منسوخ.

قال القسطلاني في إرشاد الساري ١: ٣٣١، والنووي في شرح مسلم هامش الارشاد ٢: ٤٢٦: الجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا: إنَّه منسوخٌ ويعنون بالنسخ إنَّ الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطاً ثمَّ صار واجباً، وذهب ابن عبّاس وغيره إلى إنَّه ليس منسوخاً بل المراد نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باقٍ بلا شك.

وأمّا ما مرَّ في روايات أوَّل العنوان من موافقة مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وأُبيّ بن كعب وآخرين لعثمان في الفتيا، فمكذوبٌ عليهم ستراً على عوار جهل الخليفة بالحكم في مسألة سمحة سهلة كهذه، أمّا الإمام عليه السلام فقد مرَّ في الجزء السادس ٢٤٤(٣) ردّه على الخليفة الثاني في نفس المسألة وقوله: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فأرسل عمر إلى عائشة فقالت: مثل قول علي عليه السلام فأخبت إليه الخليفة فقال: لا يبلغني أنّ أحداً فعله ولا يغسل إلّا أنهتكه عقوبة.

وقد علم يوم ذاك حكم المسألة كلُّ جاهل به ورُفع الخلاف فيها قال القرطبي في تفسيره ٥: ٢٠٥: على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وإنَّ الغسل يجب بنفس التقاء الختانين وقد كان فيه خلاف بين الصحابة ثمَّ رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. أترى عليّاً عليه السلام وافق عثمان وحكم خلاف ما أنزل الله تعالى بعد إفتائه به، وسوق الناس إليه، وإقامة الحجَّة عليه بشهادة من سمعه عن النبيّ الأعظم؟ إن يتَّبعون إلّا الظنَّ وما تهوي الأنفس.

وأمّا أُبيُّ بن كعب فقد جاء عنه من طرق صحيحة قوله: إنَّ الفتيا التي كانت الماء من الماء رخصة أرخصها رسول الله في أوَّل الاسلام ثمَّ أمر بالغسل.

____________________

١ - مصابيح البغوي ١: ٣١، تفسير القرطبي ٥: ٢٠٥، الاعتبار لابن حازم ص ٣١، فتح الباري ١: ٣١٦.

٢ - سنن الدارمي ١: ١٩٦، سنن البيهقي ١: ١٦٧، ١٦٨، مصابيح البغوي ١: ٣١.

٣ - ط ١ و ٢٦١ ط ٢.

١٤٧

وفي لفظ: إنَّما كانت الفتيا في الماء من الماء في أوَّل الاسلام ثمَّ نهي عنها.

وفي لفظ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّما جعل ذلك رخصة للناس في أوَّل الاسلام لقلّة الثياب، ثمَّ أمر بالغسل. وفي لفظ: ثمَّ أمر بالاغتسال بعدُ(١) .

فليس من الممكن إنَّ أُبيّاً يروي هذه كلّها، ثمَّ يوافق عثمان على سقوط الغسل بعد ما تبيَّن حكم المسألة وشاع وذاع في أيّام الخليفة الثاني.

وأمّا غيرهما ففي فتح الباري ١: ٣١٥ عن أحمد أنَّه قال: ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث.

فنسبة القول بعدم وجوب الغسل في التقاء الختانين إلى الجمع المذكور بهتٌ وقولٌ زور، وقد ثبت منهم خلافه، تقوَّل القوم عليهم لتخفيف الوطأة على الخليفة، وافتعلوا للغاية نفسها أحاديث منها ما في المدوَّنة الكبرى ١: ٣٤ من طريق ابن المسيب قال: إنَّ عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعائشة كانوا يقولون: إذا مسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل.

حسب المغفل إنَّ باختلاق هذه الرواية يمحو ما خطّته يد التاريخ والحديث في صحائفهما من جهل الرجلين بالحكم، ورأيهما الشاذّ عن الكتاب والسنَّة.

وأعجب من هذا: عدُّ ابن حزم في المحلّى ٢: ٤ عليّاً وابن عبّاس وأُبيّاً وعثمان وعدَّة أخرى وجمهور الأنصار ممّن رأى أن لا غسل من الايلاج إن لم يكن أنزل ثمَّ قال: وروي الغسل في ذلك عن عائشة وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وابن عبّاس الخ. كلُّ هذه آراء متضاربةٌ ونسبٌ مفتعلةٌ لفَّقها أمثال ابن حزم لتزحزح فتوى الخليفتين عن الشذوذ.

وأخرج أحمد في مسنده ٤: ١٤٣ من طريق رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب الغافقي عن بعض ولد رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته إنَّك دعوتني وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أنزل، فاغتسلت فقال

____________________

١ - سنن الدارمي ١: ١٩٤، سنن ابن ماجة ١: ٢١٢، سنن البيهقي ١: ١٦٥، الاعتبار لابن حازم ص ٣٣.

١٤٨

رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عليك، الماء من الماء. قال رافع: ثمَّ أمرنا رسول الله بعد ذلك بالغسل.

هذه الرواية إفتعلها واضعها لإبطال تأويل ابن عبّاس وإثبات النسخ ذاهلاً عن أنَّ هذا لا يبرِّر ساحة عثمان من لوث الجهل أيّام خلافته بالحكم الناسخ.

وهل في وسع ذي مرَّة تعقُّل حكاية ابن خديج قصّته لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ وإنَّه كان على بطن امرأته لما دعاه، وإنَّه قام ولم ينزل؟ هل العادة قاضيةٌ لنقل مثل هذه لمثل رسول الله صلى الله عليه وآله؟

ثمَّ إن كان الرجل قام من فوره لدعوة نبيِّه، ولم يقض من حليلته وطره فلماذا أرجأ إجابة تلك الدعوة بالاغتسال؟ ولم يكن واجباً، فممَّن أخذ؟ ولماذا اغتسل؟ ولما أُمروا به بعدُ.

والنظرة في إسناد الرواية تغنيك عن البحث عمّا في متنها لمكان رشدين بن سعد أبي الحجَّاج المصري، ضعَّفه أحمد، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث فيه غفلةٌ ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث. وقال الجوزقاني: عنده معاضيل ومناكير كثيرةٌ وقال النسائي: متروك الحديث ضعيفٌ لا يكتب حديثه. وقال ابن عدي: أحاديثه ما أقلّ مَن يتابعه عليها. وقال ابن سعد: كان ضعيفاً. وقال ابن قانع، والدارقطني، وأبو داود: ضعيف الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: رشدين أضعف وأضعف. عن:

موسى بن أيوب الغافقي وهو وإن حكيت ثقته عن ابن معين، غير إنّه نقل عنه أيضاً قوله فيه: منكر الحديث، وكذا قال الساجي، وذكره العقيلي في الضعفاء(١) . عن:

بعض ولد رافع، مجهولٌ لا يعرف، فالرواية مرسلةٌ بإسناد لا يعوَّل عليه، قال الشوكاني في نيل الأوطار ١: ٢٨٠: حسَّنه الحازمي، وفي تحسينه نظرٌ، لأنَّ في إسناده رشدين، وليس من رجال الحسن، وفيه أيضاً مجهول لأنَّه قال عن بعض ولد رافع بن خديج، فالظاهر ضعف الحديث لا حسنه. اهـ

وأمّا تبرير عثمان بتوهُّم كون السؤال عنه والجواب قبل تشريع الحكم، أو قبل نسخه السابق في أوَّل الاسلام على العهد النبويِّ، كما يعرب عنه كلام القسطلاني

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٣: ٢٧٧. ج ١٠: ٣٣٦.

١٤٩

في إرشاد الساري ١: ٣٣٢، فمن المستبعد جدّاً، فإنَّ المسؤول يومئذ عن الأحكام وعن كلِّ مشكلة هو رسول الله لا غيره، فما كان عثمان يُسأل عن حكم إذا جهله رجع السائل إلى أفراد آخرين، فتصل النوبة إلى طلحة والزبير دون رسول الله؛ وأين كان الشيخان يوم ذاك؟ وقد رووا عن ابن عمر إنَّه لم يك يفتي على عهد رسول الله أحد إلّا أبو بكر وعمر كما مرَّ في ج ٧: ١٨٢ ط ٢، فلا يسع لأيِّ أحد الدفاع عن الخليفة بهذا التوهُّم.

وإنْ تعجب فعجبٌ قول البخاري: الغسل أحوط، وذاك الأخير إنَّما بيَّناه لاختلافهم. قاله بعد إخراج رواية أبي هريرة الموجبة للغسل المذكورة ص ١٤٤ ط ٢، وفتوى عثمان المذكورة وحديث أُبيِّ الموافق معه، فجنح إلى رأي عثمان، وضرب عمّا جاء به نبيُّ الاسلام، وأجمعت عليه الصحابة والتابعون والعلماء، كما سمعت عن القرطبي، وقال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري ٢: ٤٢٥: إنَّ الأُمَّة مجتمعةٌ الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزالٌ، وعلى وجوبه بالإنزال.

وهذا الإجماع من عهد الصحابة وهلمّ جرّا، وقال القاضي عياض: لا نعلم أحداً قال به بعد خلاف الصحابة إلّا ما حُكي عن الأعمش، ثمَّ بعده داود الاصبهاني.

وقال القسطلاني في الارشاد ١: ٣٣٣: قال البدر الدماميني كالسفاقسي فيه جنوحٌ لمذهب داود، وتعقَّب هذا القول البرماوي بأنَّه إنَّما يكون ميلاً لمذهب داود والجمهور على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وهو الصواب.

وقال ابن حجر في فتح الباري ١: ٣١٦: قال ابن العربي: إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومَن بعدهم، وما خالف فيه إلّا داود، ولا عبرة بخلافه، وإنَّما الأمر الصعب مخالفة البخاري وحكمه بأنَّ الغسل مستحبٌّ، وهو أحد أئمَّة الدين وأجلّة علماء المسلمين.

فلا تعجب عن بخاريّ يقدِّم في الفتوى رأي مثل عثمان على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله بعد إجماع الأُمَّة عليه تقديمه نظراء عمران بن حطّان الخارجي على الإمام الصّادق جعفر بن محمّد في الرواية.( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) .

١٥٠

- ٩ -

كتمان الخليفة حديث النبيِّ صلى الله عليه وآله

أخرج أحمد في مسنده ١: ٦٥ عن أبي صالح قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول على المنبر: أيُّها الناس إنِّي كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرّقكم عنّي، ثمَّ بدا لي أن أُحدِّثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: رباط يوم في سبيل الله تعالى خيرٌ من ألف يوم فيما سواه من المنازل.

وأخرج في المسند ١: ٦١، ٦٥ عن مصعب قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب على منبره: إنِّي محدِّثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يمنعني أن أحدِّثكم إلّا الضنّ بكم وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حرس ليلة في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يُقام ليلها ويُصام نهارها.

وأخرج في المسند ١: ٥٧ عن حمران قال: توضَّأ عثمان رضي الله عنه على البلاط ثمَّ قال: لأُحدِّثنكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدَّثتكموه سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: مَن توضَّأ فأحسن الوضوء ثمَّ دخل فصلّى غُفر له ما بينه و بين الصَّلاة الأُخرى حتّى يصلّيها.

وذكرها غير واحد من الحفّاظ أخذاً من مسند أحمد.

قال الأميني: ليت مخبراً يخبرني عن مبرّر هذا الشحّ عن تعليم أُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله بتلكم الأحاديث، والناس في حاجة أكيدة إلى الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة الذين بهما قام عمود الدين، ومُطط أديمه، ودخلت هيبته القلوب، وكانوا يومئذ يتسابقون على الجهاد لكثرة ما انتهى إليهم من فضله، ولتعاقب الفتوح التي مرَّنتهم على الغزو وشوَّقتهم إلى توسيع دائرة المملكة، وحيازة الغنائم، فلو كان الخليفة يروي لهم شيئاً ممّا لم يزل له نقرٌ في آذانهم، ونكتٌ في قلوبهم لازدادوا إليه شوقاً، وازدلفوا إليه رغبةً، وكان يعلّم العالم منهم مَن لم يعلم، لا أنَّهم كانوا يتفرَّقون عنه كما حسبه الخليفة، ولو كان يريد تفرّقهم عنه إلى الجهاد فهو حاجة الخليفة إلى مجتمعه وحاجة المجتمع إلى الخليفة الذي يكتنفون به، فهي مقصورةٌ من الجانبين على التسرّب إلى الجهاد والدفاع والدعوة إلى الله تعالى، وإلى دينه الحقِّ وصراطه المستقيم، لا أن يجتمعوا حوله فيأنسونه

١٥١

بالمعاشرة والمكاشرة؛ إذن فلا وجه للضنَّة بهم عن نقل تلكم الروايات.

وأمّا ثالث الأحاديث فهو من حاجة الناس إلى أميرهم في ساعة السلم، وأيّ نجعة في الأمير هي خيرٌ من بعث الأُمَّة على إحسان الوضوء، والصَّلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين، ووسيلةٌ إلى المغفرة، ونجح الطلباب، وأحد أصول الاسلام، فَلِماذا يشحُّ به الخليفة؟ فيحرم أُمّته عن تلكم المثوبات والأُجور.

وأمّا الآية التي بعثته على التنويه بالحديث، فليته كان يدلُّنا عليها ويُعرب عنها، وقد كانت موجودة منذ نزولها، وفي أبّان شحِّ الخليفة على رواية الحديث، فما الّذي جعجع به إلى هذا التاريخ؟ وأرجأ روايته إلى الغاية المذكورة؟ ولعلّه أراد ما نصَّ عليه أبو هريرة فيما أخرجه الجصَّاص في آيات الأحكام ١: ١١٦ عن أبي هريرة أنّه قال: لولا آية في كتاب الله عزَّوجلَّ ما حدَّثتكم، ثمَّ تلا: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) قال الجصّاص: فأخبر أنَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيِّنات والهدى الذي أنزله الله تعالى.

وهب أنَّ الآية لم تنزل، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلى الله عليه وآله يسدَل عليه ستار الإخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به؟. أنا لا أدري السرَّ في هذه كلّها، ولعلَّ عند الخليفة ما لا أعلمه.

م - وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأوَّلين بالسنَّة هذا الحدّ بحيث كان يخفي عليهم مثل الحديثين؟ وكان علمهما يخصّ بالخليفة فحسب؟ والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وإنّه لو كتمه لما بان.

على إنّ كاتم العلم وتعاليم النبوَّة بين اثنين رحمةٌ يزوى عنه، وذمومُ تتوجّه إليه، وإليك في المقامين أحاديث جمَّة فمن الفريق الثاني ما ورد:

١- عن ابن عمر مرفوعاً: علمٌ لا يُقال به، ككنز لا يُنفق منه. أخرجه ابن عساكر.

٢ - عن ابن مسعود مرفوعاً: علمٌ لا يَنفع، ككنز لا يُنفق منه. أخرجه القضاعي.

٣- عن أبي هريرة مرفوعاً: مَثَل الذي يَتعلّم العلم، ثمَّ لا يحدِّث به كمَثَل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه. أخرجه الطياسي والطبراني والمنذري.

١٥٢

٤ - عن أبي سعيد مرفوعاً: كاتم العلم يلعنه كلُّ شيء حتّى الحوت في البحر والطير في السَّماء. أخرجه ابن الجوزي في العلل.

٥ - عن ابن مسعود مرفوعاً: أيّما رجل آتاه الله علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني.

٦ - عن أبي هريرة مرفوعاً: ما آتي الله تعالى عالماً علماً إلّا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه. أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي.

٧ - عن ابن مسعود مرفوعاً: من كتم علماً عن أهله ألجم يوم القيامة لجاماً من نار. أخرجه ابن عدي.

٨ - عن أبي هريرة مرفوعاً: ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلّا أتى يوم القيامة ملجماً بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة.

٩ - عن أبي سعيد مرفوعاً: من كتم علماً ممّا ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة والمنذري.

١٠ - عن أبي هريرة مرفوعاً: مَثَل الذي يتعلّم العلم ثمَّ لا يحدِّث به كمثل رجل رزقه الله مالاً فكنزه فَلَم ينفقْ منه. أخرجه أبو خيثمة في العلم وأبو نصر في الابانة

١١ - عن ابن عمر مرفوعاً: مَن بخل بعلم أوتيه أُتي به يوم القيامة مغلولاً ملجوماً بلجام من نار. أخرجه ابن الجوزي في العلل.

١٢ - وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو: من علم علماً ثمَّ كتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار.

وفي لفظ الخطيب: من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن حبان والحاكم والمنذري.

١٣ - عن ابن مسعود مرفوعاً: من كتم علماً ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والسجزي والخطيب.

١٤ - عن ابن عبّاس مرفوعاً: من كتم علماً يعلمه الجم يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير.

١٥ - عن قتادة: ميثاقٌ أخذه الله على أهل العلم فمن علم علماً فليعلّمه الناس، و

١٥٣

إيّاكم وكتمان العلم، فإنَّ كتمان العلم هلكة. أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في تفسير الشوكاني ١: ٣٧٥.

١٦ - عن الحسن قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدَّثتكم بكثير ممّا تسألون عنه. أخرجه ابن سعد.

وحسبك من الفريق الأوَّل قوله صلى الله عليه وآله:

١ - رحم الله امرءا سمع منِّي حديثاً فحفظ حتّى يبلّغه غيره. أخرجه ابن حبّان.

٢ - رحم الله امرءاً سمع منّا حديثاً فوعاه ثمَّ بلّغه من هو أوعى منه. أخرجه ابن عساكر.

٣ - اللهمَّ ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنَّتي ويعلّمونها الناس. أخرجه الطياسي والرامهرمزي والخطيب بن النجار.

٤ - رحمة الله على خلفائي، قيل: من خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنَّتي ويعلّمونها الناس. أخرجه أبو نصر في الإبانة وابن عساكر والمنذري في الترغيب.

٥ - نظر الله امرءاً سمع منّا حديثاً فبلّغه غيره. أخرجه المنذري.

راجع مسند أحمد مسانيد الصحابة المذكورين، مسند الطيالسي، الترغيب والترهيب للمنذري، كتاب العلم لأبي عمر، إحياء العلوم للغزالي، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج ١، كنز العمال كتاب العلم.

نعم: لعلَّ الخليفة إتَّبع في كتمانه سنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله رأي الشيخين قبله في نهيهما عن إكثار الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وآله كما فصَّلنا القول فيه في ج ٦ ص ٢٩٤ ط ٢، ولست أدري إنَّ قلّة رواية الخليفة وقد بلغت عدَّتها كما ذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٠٠، وابن العماد الحنبلي في الشذرات ١: ١٣٦ مائة وستة وأربعين حديثاً أهي لقلّة مُنَّته في السنَّة، وصفر يده من العلم بها؟ أو لشحِّه على بثِّها وضنِّه بالأُمَّة؟ والله يعلم ما تكنُّ صدورهم وما يعلنون.

- ١٠ -

رأي الخليفة في زكاة الخيل

أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٢٦ بالإسناد من طريق الزهري: إنَّ عثمان كان

١٥٤

يأخذ من الخيل الزكاة فأنكر ذلك من فعله وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.

وقال ابن حزم في المحلّى ٥: ٢٢٧: قال ابن شهاب: كان عثمان بن عفان يصدق الخيل.

وأخرجه عبد الرزّاق عن الزهري كما في تعاليق الآثار للقاضي أبي يوسف ص ٨٧.

قال الأميني: ليت هذه الفتوى المجرَّدة من الخليفة كانت مدعومة بشئ من كتاب أو سنَّة، لكن من المأسوف عليه إنَّ الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل، والسنَّة الشريفة على طرف النقيض ممّا أفتى به، وقد ورد فيما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الفرائض قوله: ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شئٌ.

وجاء عنه صلى الله عليه وآله قوله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.

وفي لفظ ابن ماجة: قد تجوَّزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.

وقوله: ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه.

وفي لفظ البخاري: ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة.

وفي لفظ له: ليس على المسلم صدقة في عبده وفرسه.

وفي لفظ مسلم: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة.

وفي لفظ له: ليس على المرء المسلم في فرسه ولا مملوكه صدقة.

وفي لفظ أبي داود: ليس في الخيل والرقيق زكاة إلّا زكاة الفطر في الرقيق.

وفي لفظ الترمذي: ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة.

وفي لفظ النسائي: كلفظ مسلم الأوَّل.

وفي لفظ له: لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا في فرسه.

وفي لفظ له: ليس على المرء في فرسه ولا في مملوكه صدقة.

وفي لفظ: ليس على المسلم صدقة في غلامه ولا في فرسه.

ولفظ ابن ماجة كلفظ مسلم الأوّل.

وفي لفظ أحمد: ليس في عبد الرجل ولا في فرسه صدقة.

وفي لفظ البيهقي: لا صدقة على المسلم في عبده ولا في فرسه.

١٥٥

وفي لفظ عبد الله بن وهب في مسنده: لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه.

وفي لفظ ابن أبي شيبة: ولا في وليدته.

وفي رواية للطبراني في الكبير والبيهقي في السنن ٤: ١١٨ من طريق عبد الرحمن ابن سمرة: لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة(١) .

ومن طريق أبي هريرة: عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة.

راجع صحيح البخاري ٣: ٣٠، ٣١، صحيح مسلم ١: ٣٦١، صحيح الترمذي ١: ٨٠، سنن أبي داود ١: ٢٥٣، سنن ابن ماجة ١: ٥٥٥، ٥٥٦، سنن النسائي ٥: ٣٥، ٣٦، ٣٧، سنن البيهقي ٤، ١١٧، مسند أحمد ١: ٦٢، ١٢١، ١٣٢، ١٤٥، ١٤٦، ١٤٨، ج ٢: ٢٤٣، ٢٤٩، ٢٧٩، ٤٠٧، ٤٣٢، كتاب الأُم للشافعي ٢: ٢٢، موطأ مالك ١: ٢٠٦، أحكام القرآن للجصاص ٣: ١٨٩، المحلّى لابن حزم ٥: ٢٢٩، عمدة القاري للعيني ٤: ٣٨٣.

ولو كان في الخيل شيءٌ من الزكاة لوجب أن يذكر في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي فصَّل فيه الفرايض تفصيلا(٢) وقد أعطاه كبرنامج يعمل به في الفرايض وعليه كان عمل الصحابة، ومنه أخذ أبو بكر ما كتبه دستوراً يعوَّل عليه في الصدقات(٣) ، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يهتف بتلك السنَّة الثابتة، وعليها كان عمله عليه السلام، وعليها أضفقت الصحابة وجرت الفتيا من التابعين، وبها قال عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومكحول، والشعبي، والحسن، والحكم بن عتيبة، وابن سيرين، والثوري، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر، وأبو يوسف، ومحمَّد ابن الحنفيَّة(٤) .

وقال ابن حزم: وذهب جمهور الناس إلى أنْ لا زكاة في الخيل أصلاً. وقال مالك والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، وجمهور العلماء: لا زكاة في الخيل بحال.

____________________

١ - الجبهة الخيل. الكسعة: البغال والحمير. النخة. المربيات في البيوت.

٢ - راجع سنن البيهقي ٤: ٨٥ ٩٠، مستدرك الحاكم ١: ٣٩٠ ٣٩٨.

٣ - راجع مصابيح السنة للبغوي ١: ١١٩.

٤ - راجع المحلى لابن حزم ٥: ٢٢٩، عمدة القاري ٤: ٣٨٣.

١٥٦

نعم: للحنفيَّة هاهنا تفصيلٌ مجرَّدٌ عن أيِّ برهنة ضربت عنه الأُمَّة صفحاً قالوا: لا زكاة في الخيل الذكور، ولو كثرت وبلغت ألف فرس، وإن كانت إناثا، أو إناثاً وذكوراً سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة. وصاحب الخيل مخيّر إن شاء أعطى عن كلِّ فرس منها ديناراً أو عشرة دراهم، وإن شاء قوَّمها فأعطى من كلِّ مائتي درهم خمسة دراهم.

كذا حكاه ابن حزم في المحلّى ٥: ٢٨٨، وأبو زرعة في طرح التثريب ٤: ١٤، وملك العلماء في بدايع الصنايع ١: ٣٤، والنووي في شرح مسلم.

وهذا التفصيل ما كان قطُّ يعرفه الصحابة والتابعون لأنَّهم لم يجدوا له أثراً في كتاب أو سنَّة، وكان من الحقيق إن كان للحكمُ مدركٌ يعوَّل عليه أن يعرفوه، وأن يثبته رسول الله صلى الله عليه وآله في كتابه، وكذلك أبو بكر من بعده، وهذا كاف في سقوطه، ولذلك خالف أبا حنيفة فيه أبو يوسف ومحمَّد وقالا بعدم الزكاة في الخيل كما ذكره الجصاص في أحكام القرآن ٣: ١٨٨، وملك العلماء في البدايع ٢: ٣٤، والعيني في العمدة ٤: ٣٨٣.

وغاية جهد أصحاب أبي حنيفة في تدعيم قوله بالحجَّة أحاديث لم يوجد في شيء منها ما جاء به من الرأي المجرَّد، ألا وهي:

١ - أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق أبي هريرة مرفوعاً: ما من صاحب ذهب ولا فضَّة لا يؤدِّي منها حقّها. فذكر الوعيد الذي في منع حقّها وحقِّ الإبل والبقر والغنم، وذكر في الإبل: ومن حقِّها حلبها يوم وردها، ثمَّ قال: قيل: يا رسول الله! فالخيل؟ قال: الخيل لثلاثة: هي لرجل وزرٌ. وهي لرجلٍ أجرٌ. وهي لرجل سترٌ. فأمّا الذي هي له وزرٌ: فرجلٌ ربطها رياءً وفخراً ونواءً على أهل الاسلام فهي له وزرٌ، وأمّا الذي هي له سترٌ: فرجلٌ ربطها في سبيل الله. ثمَّ لم ينس حقَّ الله في ظهورها، ولا رقابها فهي له سترٌ. وأمّا الذي هي له أجرٌ: فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الاسلام. الحديث. وفي لفظ مسلم بدل قوله: ثمَّ لم ينس حقَّ الله..الخ: ولم ينس حقَّ الله في ظهورها وبُطونها في عسرها ويسرها.

استدلَّ به ابن التركماني المارديني في الجوهر النقيِّ ط ذيل سنن البيهقي ٤:

١٥٧

١٢٠ وقال: يدلُّ عليه ظاهر قوله: ثمَّ لم ينس حقَّ الله.. إلخ. مع قرينة قوله في أوّل الحديث: ما من صاحب كنز لا يؤدِّي زكاته، وما من صاحب إبل لا يؤدّي زكاتها، وما من صاحب عنم لا يؤدِّي زكاته. ونحن لا نعرف وجه الدلالة في ظاهر قوله: ثمَّ لم ينس. مع ضمِّ القرينة إليه على ما أفتى به أبو حنيفة، وغيرنا أيضاً لا يرى فيه دلالة على الزكاة في الخيل كما قاله البيهقي في السنن ٤: ١١٩.

٢ - أخرج البيهقي في سننه الكبرى ٤: ١١٩ عن أبي الحسن عليِّ بن أحمد بن عبدان عن أبيه، عن أبي عبد الله محمّد بن موسى الاصطخري، عن إسماعيل بن يحيى بن بحر الأزدي، عن الليث بن حماد الاصطخري، عن أبي يوسف القاضي، عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل السائمة في كلِّ فرس دينار.

قال البيهقي: تفرَّد به غورك، وأخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: قال عمر بن علي الحافظ - يعني الدارقطني -: تفرَّد به غورك عن جعفر، وهو ضعيفٌ جدّاً ومن دونه ضعفاء.

قال الأميني: في رجال الاسناد: أحمد بن عبدان مجهولٌ. قاله مسلمة بن قاسم وفيه:

٢ - محمَّد بن موسى الاصطخري: شيخٌ مجهولٌ، روى عن شعيب خبراً موضوعاً قاله ابن حجر.

٣ - إسماعيل بن يحيى الأزدي: ضعَّفه الدارقطني، وحكاه عنه ابن حجر. و

٤ - وليث بن حماد الأصطخري: ضعَّفه الدارقطني، ونقله عنه الذهبي وابن حجر. و

٥ - أبو يوسف القاضي: قال البخاري: تركوه، وعن المبارك: إنَّه وهّاه. وعن يزيد بن هارون: لا تحلُّ الرواية عنه. وقال الفلاس: صدوقٌ كثير الخطأ، إلى آخر ما مرَّ من ترجمته في هذا الجزء ص ٣٠، ٣١.

٦ - غورك السعدي: قال الدّارقطني: ضعيفٌ جِدّاً، وذكره الذّهبي في الميزان(١) .

____________________

١ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٣٢٣، ٣٦٠، لسان الميزان ١: ١٩٢، ٤٤١، ج ٤: ٤٢١، ٤٩٣، ج ٥: ٤٠١، ج ٦: ٣٠٠.

١٥٨

وممّا يوهن هذه الرِّواية عدم إخراج ابن أبي يوسف القاضي فيما جمعه من الأحاديث عن والده وأسماه بالآثار. وذكرها الذهبي في لميزان ٢: ٢٢٣ فقال: ضعَّف الدارقطني الليث وغيره في إسناده.

على أنَّ الرواية خاليةٌ عن تفصيل الذي جاء به أبو حنيفة من نفي الزكاة في ذكور الخيل ولو كثرت ووجوبها إن كانت إناثا، أو إناثا وذكوراً. إلى آخر ما تقوَّل به.

٣ - أخرج ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عمر مرفوعاً في حديث طويل قال: فلا أعرفنَّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي: يا محمَّد! يا محمَّد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغت. ولا أعرفنَّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي يا محمَّد! يا محمَّد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً. الحديث.

استدلَّ به على وجوب الزكاة في الخيل ابن التركماني المارديني في الجوهر النقيِّ يل سنن البيهقي ٤: ١٢٠. وقال: فدلَّ على وجوب الزكاة في هذه الأنواع.

أمعن النظر في الحديث لعلّك تعرف وجه الدلالة على ما ارتآه الرجل، وما أحسبك أن تعرفه، غير أنَّ حبَّ المارديني إمامه أبا حنيفة أعماه وأصمَّه، فحسب إنَّه أقام البرهنة على ما خرق به الرجل إجماع الأُمَّة، وتقوَّل تجاه النصِّ الأغرِّ، والسنَّة الثابتة، وكلُّ هذه مِنْ جَرّاء رأي مَن صَدَّق الخيل بعد عفو الله ورسوله عنها.

٤ - فِعل عمر بن الخطاب وأخذه الزكاة من الخيل، وليس في فِعله أيّ حجَّة للحنفية ولا لغيرهم، لأنَّه لم يكن فيما عمله التفصيل الذي ذكره القوم، على إنَّه كان يأخذ ما أخذه من الخيل تطوُّعاً لا فريضةً بِاستدعاء من أرباب الخيل كما مرَّ في الجزء السادس ص ١٥٥ ط ٢، وما كان يخافه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ويحذِّر به عمر في أخذه الزكاة من الخيل من أن يعود جزية يوجبها أُناسٌ في المستقبل، فكان كما توسَّم سَلام الله عليه على عهد عثمان، فالتفصيل المذكور أُحدوثة في الدين خارجة عن السنَّة الثابتة، وهو كما قال ابن حزم في المحلّى ٥: ٢٢٨: وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحداً قاله قبلهم.

وقولهم هذا يخالف القياس الذي هو أساس مذهبهم. قال ابن رشد في ممهِّدات المدوَّنة الكبرى ١: ٢٦٣: والقياس إنَّه لما اجتمع أهل العلم في البغال والحمير على

١٥٩

إنَّه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة، واجتمعوا في الإبل، والبقر، والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة: واختلفوا في الخيل سائمة وجب ردُّها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم، لأنَّها بها أشبه لأنَّها ذات حافر كما إنَّها ذوات حوافر، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخفِّ أو الظلف، ولأنَّ الله تبارك وتعالى قد جمع بينها فجعل الخيل والبغال والحمير صنفاً واحداً لقوله: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفاً واحداً لقوله: والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع تأكلون ولكم فيها جمالٌ حين تريحون وحين تَسرحون ولقوله عزوجل:( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) .

- ١١ -

تقديم عثمان الخطبة على الصَّلاة

قال ابن حجر في فتح الباري ٢: ٣٦١: روى إبن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: أوَّل من خطب قبل الصَّلاة عثمان، صلّى بالناس ثمَّ خطبهم(١) فرأى ناساً لم يدركوا الصَّلاة، ففعل ذلك، أي صار يخطب قبل الناس، وهذه العلّة غير التي إعتلَّ بها مروان، لأنَّ عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصَّلاة، ووأمّا مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنَّهم كانوا في زمن مروان يتعمِّدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبِّ ما لا يستحقُّ السبَّ، والافراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنَّما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحياناً بخلاف مروان فواظب عليه.

وذكره الشوكاني في نيل الأوطار ٣: ٣٦٢.

وأخرج ابن شبه عن أبي غسان قال: أوَّل من خطب الناس في المصلّى على منبر عثمان بن عفان. وقال ابن حجر: يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرَّة ثمَّ تركه حتّى أعاده مروان. فتح الباري ٢: ٣٥٩، نيل الأوطار ٣: ٣٧٤.

وذكره السيوطي في الأوائل، وتاريخ الخلفاء ص ١١١، والسكتواري في محاضرة الأوائل ص ١٤٥: إنَّ أوَّل من خطب في العيدين قبل الصَّلاة عثمان رضي الله عنه.

____________________

١ - على الباحث مناقشة الحساب حول هذه الكلمة.

١٦٠