الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 114261
تحميل: 6810


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114261 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بابن أبي طالب فإنَّه متستّرٌ وهو لا يُجبه. فخرج سعد حتّى أتى عليّاً وهو بين القبر والمنبر فقال: يا أبا الحسن! قم فداك أبي واُمِّي جئتك والله بخير ما جاء به أحدٌ قطّ إلى أحد، تصل رحم ابن عمّك، وتأخذ بالفضل عليه، وتحقن دمه، ويرجع الأمر على ما نحبّ. قد أعطى خليفتك من نفسه الرضى فقال عليٌّ: تقبَّل الله منه يا أبا إسحاق! والله ما زلتُ أذبّ عنه حتّى انِّي لأستحيي، ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى، فإذا نصحته وأمرته أن تنحِّيهم استغشَّني حتى جاء ما ترى، قال: فبينا هم كذلك جاء محمَّد بن أبي بكر فسارَّ عليّاً فأخذ عليٌّ بيدي ونهض عليٌّ وهو يقول: وأيّ خير توبته هذه؟ فوالله ما بلغت داري حتّى سمعت الهائعة: انَّ عثمان قد قتل. فلم نزل والله في شرّ إلى يومنا هذا. تاريخ الطبري ٥: ١٢١.

قال الأميني: يُترأى للقارئ من هذه الجمل أنَّ سعداً خذل الخليفة على حين أنَّه مكثورٌ لا يُراد به إلّا القتل وهو على علم منه أنَّه مقتولٌ لا محالة لما كان يرى انّه غيَّر ومتغيَّر، وغير عازب عن سعد حينئذ حكم الشريعة بوجوب كلاءة النفس المحترمة للمتمكّن منها وهو يقول: وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. حتّى أنّه بعد هدوء الثورة غير جازم بأنّه ارتكب حوباً في خذلانه فيقول: إن كنَّا أحسنّا فقد أحسنّا، وإن كنّا أسأنا فنستغفر الله، وعلى تقدير كونه إساءةً يراها من اللمم الممحوِّ بالاستغفار، ولعلَّ الشقَّ الأخير من كلمته مجاملة مع عمرو بن العاصي لئلاّ يلحقه الطلب بدم عثمان ولذلك ألقى المسؤوليّة على اُناس آخرين من عليّة الاُمّة ذكرهم في كتابه، وعليه فصميم رأيه هو ما ارتكبه ساعة القتل من الخذلان.

_٢٧_

حديث مالك الاشتر

ابن الحارث المترجم له فيما مرَّ ص ٣٨ - ٤٠

ذكر البلاذري في الأنساب ٥: ٤٦: إنَّ عثمان كتب إلى الأشتر وأصحابه مع عبد الرَّحمن بن أبي بكر، والمسور بن مخرمة يدعوهم إلى الطاعة ويُعلمهم انّهم أوَّل من سَنَّ الفرقة، ويأمرهم بتقوى الله ومراجعة الحقّ، والكتاب إليه بالذي يُحبُّون.

١٤١

فكتب إليه الأشتر:

من مالك الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنَّة نبيِّه، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.

أمّا بعد: فقد قرأنا كتابك فانه نفسك وعمّالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح له بطاعتنا، وزعمتَ أنّا قد ظلمنا أنفسنا، وذلك ظنّك الذي أرداك، فأراك الجور عدلاً، والباطل حقّاً، وأمّا محبَّتنا فإن تنزع تتوب وتستغفر الله من تجنِّيك على خيارنا، وتسييرك صلحاءنا، وإخراجك إيّانا من ديارنا، وتوليتك الأحداث علينا، وأن تولِّي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحُذيفة فقد رضيناهما، واحبس عنّا وليدك وسعيدك ومَن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسَّلام.

وخرج بكتابهم يزيد بن قيس الأرحبي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبد الله بن أبي سبرة الجعفي، وعلقمة بن قيس أبو شبل النخعي، وخارجة بن الصلّت البرجمي في آخرين. فلمّا قرأ عثمان الكتاب قال: أللهمَّ إنِّي تائبٌ وكتب إلى أبي موسى وحذيفة: أنتما لأهل الكوفة رضىً ولنا ثقة، فتولَّيا أمرهم وقوما به بالحقِّ غفر الله ولكما. فتولَّى أبو موسى وحُذيفة الأمر، وسكّن أبو موسى النّاس وقال عتبة بن الوغل:

تصدَّق علينا يا ابن عفَّان واحتسب

وأمِّر علينا الأشعريَّ لياليا

فقال عثمان: نعم وشهوراً إن بقيت.

قال الأميني: نظريَّة مالك الذي عرفته صحيفة ٣٨ في عثمان صريحةٌ واضحةٌ لا تحتاج إلى تحليل وتعليل، وإنَّما أعطى من نفسه الرضا في كتابه بشرط النزوع و التوبة، لكنَّه لمـّا لم يجد للشرط وفاءاً بل وجد منه إصراراً على ما نقمه هو والصحابة كلّهم تنشَّط للمخالفة، وأجلب عليه خيلاً ورجلاً، ولم يزل مشتدّاً في ذلك حتّى بلغ ما أراد.

وسنوقفك على حقيقة أمر الخليفة من توبته بعد توبته في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.

١٤٢

_٢٨_

حديث عبد الله بن عكيم

أخرج ابن سعد والبلاذري باسنادهما عن عبد الله بن عكيم الجهني « الصحابي » قال: لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان. فقيل له يا أبا معيد وأعنت على دمه؟ قال: إنِّي أعدُّ ذكر مساويه إعانة على دمه.

طبقات إبن سعد ٣: ٥٦، الأنساب للبلاذري ٥: ١٠١.

قال الأميني: هذا الحديث صريحٌ في أنَّ الرجل كان يعتقد في عثمان مساوي ومثالب، وقد اطمأنَّ بثبوتها له، فتحدَّث بها في الأندية والمحاشد إعانةً على دمه، فكان ذلك من موجبات قتله، ولم يزل معترفاً به بعد أن اُسيلت نفسه واُريق دمه.

_٢٩_

حديث محمد بن أبي حذيفة

كان أبو القاسم محمَّد بن أبي حذيفة العبشمي من أشدِّ الناس تأليباً على عثمان، و ذكر البلاذري في الأنساب قال: كان محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، ومحمَّد بن أبي حذيفة، خرجا إلى مصر عام مخرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها، فأظهر محمَّد بن أبي حذيفة عيب عثمان والطعن عليه وقال: إستعمل عثمان رجلاً أباح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه يوم الفتح ونزل القرآن بكفره حين قال: سأنزل مثل ما أنزل الله(١) .

وكانت غزاة ذات الصوري في المحرَّم سنة أربع وثلاثين وعليها عبد بن سعد، فصلّى بالناس فكبّر ابن أبي حذيفة تكبيرة أفزعه بها فقال: لولا إنَّك أحمق لقرَّبت بين خطوك، ولم يزل يبلغه عنه وعن ابن أبي بكر ما يكره، وجعل ابن أبي حذيفة يقول: يا أهل مصر! إنّا خلّفنا الغزو وراءنا. يعني غزو عثمان.

إنَّ محمَّد بن أبي حذيفة ومحمَّد بن أبي بكر حين أكثر الناس في أمر عثمان قدما مصر وعليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ووافقا بمصر محمَّد بن طلحة بن عبيد الله وهو مع عبد الله بن سعد، وإنَّ ابن أبي حُذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة التي قدم

____________________

١ - يعنى بذلك عبد الله بن سعد بن ابى سرح وهو صاحب يوم الفتح وفيه نزلت الآية كما مرّ فى ص ٢٨١ من ج ٨ ط ٢.

١٤٣

فيها ففاتته الصَّلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فسأل عنه، فقيل: رجلٌ أبيض وضئ الوجه. فأمر إذا صلّى أن يؤتى به فلمّا رآه قال: ما جاء بك إلى بلدي؟ قال: جئت غازياً، قال: ومَن معك؟ قال: محمَّد بن أبي بكر. فقال: والله ما جئتما إلّا لتُفسدا الناس، وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إلى محمّد بن طلحة يسألانه أن يكلّمه فيهما لئلّا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح افريقيَّة فأعدَّ لهما سفينة مُفردة لئلّا يُفسد عليه الناس، فمرض ابن أبي بكر فتخلّف وتخلّف معه ابن أبي حذيفة، ثمَّ إنَّهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلّا وقد أوغرا صدور الناس على عثمان فلمّا وافى ابن أبي سرح مصر وافاه كتاب عثمان بالمصير إليه، فشخص إلى المدينة وخلف على مصر رجلاً كان هواه مع ابن أبي بكر وابن أبي حذيفة، فكان ممَّن شايعهم وشجَّعهم على المسير إلى عثمان.

قالوا: وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة فأمر فوضُع في المسجد وقال: يا معشر المسلمين! ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني و يرشوني عليه؟ فازداد أهل مصر عيباً لعثمان وطعناً عليه، واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم، فلمّا بلغ عثمان ذلك دعا بعمّار بن ياسر فاعتذر إليه ممّا فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا يحقده عليه، وقال: بحسبك من سلامتي لك ثقتي بك، وسأله الشخوص إلى مصر ليأتيه بصحَّة خبر ابن أبي حذيفة، وحقّ ما بلغه عنه من باطله، وأمره أن يقوم بعذره، ويضمن عنه العُتبي لمن قدم عليه، فلمّا ورد عمّار مصر(١) حرَّض الناس على عثمان ودهاهم إلى خلعه، وأشعلها عليه، وقوى رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بكر وشجَّعهما على المسير إلى المدينة، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يُعلمه ما كان من عمّار، ويستأذنه في عقوبته، فكتب إليه: بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن جهاز عمّار وأحمله إليَّ، فتحرَّك اهل مصر وقالوا: سُيِّر عمّار، ودبَّ فيهم ابن أبي حذيفة ودعاهم إلى المسير فأجابوه(٢) .

وذكر أبو عمر الكندي في امراء مصر: انَّ عبد الله بن سعد أمير مصر كان توجَّه

____________________

١ - سنوقفك على انّ بعث عمار الى مصر قط لا يصح.

٢ - أنساب البلاذرى ٥: ٤٩ - ٥١، تاريخ ابن كثير ٧: ١٥٧.

_٩_

١٤٤

إلى عثمان لَمّا قام الناس عليه، فطلب اُمراء الأمصار فتوجَّه إليه في رجب سنة ٣٥ واستناب عقبة بن عامر فوثب محمَّد بن أبي حذيفة على عقبة - وكان يوم ذاك بمصر - فأخرجه من مصر وغلب عليها، وذلك في شوّال منها، ودعا إلى خلع عثمان، واسعر البلاد، وحرَّض على عثمان(١) .

وأخرج من طريق الليث عن عبد الكريم الحضرمي كما في الإصابة ٣: ٣٧٣: إنَّ ابن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على أزواج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطعن على عثمان كان يأخذ الرواحل فيحصرها ثمَّ يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلك معهم فيجعلهم على ظهور بيت في الحرّ، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر، ثمَّ يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة، ثمَّ يرسل رسلاً يخبروا بقدومهم فيأمر بتلقّيهم، فإذا لقوا الناس قالوا لهم: ليس عندنا خبر، الخبر في الكتب، فيتلقّاهم ابن أبي حذيفة و معه الناس فيقول لهم الرسل: عليكم بالمسجد فيقرأ عليهم الكتب من اُمّهات المؤمنين: إنّا نشكوا إليكم يا أهل الإسلام كذا وكذا من الطعن على عثمان، فيضجُّ أهل المسجد بالبكاء والدعاء، فلمّا خرج المصريّون ووجَّهوا نحو المدينة على عثمان شيِّعهم محمَّد بن أبي حذيفة إلى عجرود ثمَّ رجع.

قال الأميني: أترى هذا الصحابيّ العظيم كيف يجدُّ ويجتهد في إطفاء هذه النائرة ولا يخاف فيما يعتقدانَّه في الله لومة لائم، غير مكترث لما بهته به العثمانيّون من إختلاق الكتب على اُمَّهات المؤمنين، وتسويد الوجوه بمواجهة الشمس، ولم يزل على دؤبه و اجتهاده حتى قضي الأمر، واُزيحت المثلات، وما نبزوه به من الإفتعال والتزوير هو حرفة كلِّ عاجز، ولعلّه دُبّر في الأزمنة الأخيرة كما دُبّرت أمثاله في كلٍّ من الثائرين على عثمان ستراً على الحقائق الراهنة.

وهل من المستبعد أن تكتب في التأليب على عثمان صاحبة قول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً إنَّه قد كفر. وقائلة: وددت والله إنِّك « يا مروان » وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رِجل كلِّ واحد منكما رحاً وانّكما في البحر. وقائلة: بُعداً لنعثل و

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٥: ١٠٩، الاستيعاب ١: ٢٣٣، الكامل لابن الاثير ٣: ٦٧، الاصابة ٣: ٣٧٣.

١٤٥

سحقاً. وقائلة: أبعده الله، ذلك لما قدَّمت يداه وما الله بظلّام للعبيد. وقائلة: يا ابن عبّاس إنَّ الله قد أتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإيّاك أن تردَّ الناس عن هذا الطاغية.

وهي كانت في الرعيل الأوَّل من الثائرين على عثمان بشتَّى الحيل والطرق الثائرة.

هب انَّهم بهتوا القوم بتلكم الأفائك لكن هل يسعهم إنكار تألّبهم على الخليفة يومئذ؟ وقد التزموا بعدالتهم، والصحاح والمسانيد مشحونة بالإحتجاج بهم والإخراج عنهم، نعم غاية ما يمكّنهم من التقوُّل الحكم بالخطأ في الإجتهاد شأن كلِّ متقابلين في حكم شرعيّ، وليس تحكّمهم هذا بأرجح مِن رأي مَن يرى أنّهم أصابوا في الإجتهاد وإجماع الصحابة يومئذ كان معاضداًلهم، وهم يقولون: إنَّ اُمّة محمَّد لا تجتمع على خطأ.

-٣٠-

حديث عمرو بن زرارة النخعي أدرك عصر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال البلاذري وغيره: إنَّ أوَّل من دعا إلى خلع عثمان والبيعة لعليّ عمرو بن زرارة ابن قيس النخعي، وكميل بن زياد بن نهيك النخعي، فقام عمرو بن زرارة فقال: أيّها النّاس إنَّ عثمان قد ترك الحقَّ وهو يعرفه، وقد أغرى بصلحائكم يولّي عليهم شراركم فبلغ الوليد فكتب إلى عثمان بما كان من ابن زرارة، فكتب إليه عثمان: إنّ ابن زرارة أعرابيٌّ جلفٌ فسيِّره إلى الشام. وشيِّعه إلى الأشتر والأسود بن يزيد بن قيس وعلقمة بن قيس بن يزيد وهو عمُّ الأسود والأسود أكبر منه فقال قيس بن قهدان يومئذ:

اُقسم بالله ربِّ البيت مجتهداً

أرجو الثواب به سرًّ او إعلانا

لأخلعنَّ أبا وهب وصاحبه

كهف الضَّلالة عثمان بن عفّانا

وقال ابن الأثير: هو ممَّن سيَّره عثمان من أهل الكوفة إلى دمشق.

راجع الأنساب للبلاذري ٥: ٣٠، اسد الغابة ٤: ١٠٤، الاصابة ١: ٥٤٨، ج ٢: ٥٣٦.

قال الأميني: ليس على نظريَّة هذا الصحابيّ سترٌ يماط عنها، ولا انَّه كان يلهج بغير المكشوف حتَّى يُسدل عليه شيءٌ من التمويه، فانَّك لا تجد رأيه إلّا في عدد آراء الصحابة جمعاء يومئذ.

١٤٦

_٣١_

حديث صعصعة بن صوحان سيِّد قومه عبد القيس

أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٢٤ من طريق حميد بن هلال العدوي قال: قام صعصعة إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! ملت فمالت اُمَّتك، اعتدل يا أمير المؤمنين! تعتدل اُمَّتك.

قال: وتكلّم صعصعة يوماً فأكثر فقال عثمان: يا أيّها النّاس إنَّ هذا البجباج، النفَّاج ما يدري مَن الله ولا أين الله. فقال: أمّا قولك: ما أدري مَن الله. فإنَّ الله ربُّنا و ربُّ آبائنا الأوَّلين، وأمّا قولك: لا أدري أين الله. فإنَّ الله لبالمرصاد، ثمَّ قرأ: اُذن للذين يُقاتلون بأَنَّهم ظُلموا وانَّ الله على‏ نصرهم لقدير(١) . فقال عثمان: ما نزلت هذه الآية إلّا فيَّ وفي أصحابنا اُخرجنا من مكّة بغير حقّ.

وذكره الزمخشري في الفائق ١: ٣٥ فقال: البجباج: الذي يهبّر الكلام وليس لكلامه جهة، وروي: الفجفاج. وهو الصيّاح المكثار. وقيل: المأفون المختال. و النفَّاج: الشديد الصلف.

وأوعز إليه ابن منظور في لسان العرب ٣: ٣٢، وقال: البجباج من البجبجة التي تفعل عند مناغاة الصبي، وبجباج فجفاج كثير الكلام، والبجباج: الأحمق، والنفَّاج: المتكبِّر.

وكذا ذكره ابن الأثير في النهاية ١: ٧٢، والزبيدي في تاج العروس ٢: ٦.

قال الأميني: هذا صعصعة الذي أسلفنا صفحة ٤٣ من هذا الجزء ذكر عظمته و فضله وبطولته وثقته في الدين والدنيا يرى أنَّ الخليفة مال عن الحقِّ فمالت اُمَّته ولو اعتدل اعتدلت، وفي تلاوته الآية الكريمة في محاورته ايذان بالحرب، وإنّه ومَن شاكله مظلومون من ناحية عثمان منصورون بالله تعالى، فهو بذلك مستبيحٌ لمنابذته ومناجزته، لقد لهج صعصعة بهذه على رؤس الأشهاد والخليفة على المنبر يخطب، فلم يسمع إنكاراً أو دفاعاً من أفاضل الصحابة العدول.

____________________

١ - سورة الحج الاية: ٣٩.

١٤٧

_٣٢_

حديث حكيم بن جبلة

العبدي الشهيد يوم الجمل

كان هذا الرجل العظيم صالحاً ديِّناً مطاعاً في قومه كما وصفه أبو عمر، وأثنى عليه المسعودي بالسيادة والزهد والنسك. كان أحد زعماء الثائرين على عثمان من أهل البصرة كما يأتي. وقال المسعودي: إنَّ النّاس لمـّا نقموا على عثمان ما نقموا سار فيمن سار إلى المدينة حكيم بن جبلة. وقال الذهبي: كان ممَّن ألَّب على عثمان رضي الله عنه. وجاء في مقال خفاف الطائي في الحديث عن عثمان: حصره المكشوح، وحكم فيه حكيم، ووليه محمد وعمّار، وتجرَّد في أمره ثلاثة نفر: عدي بن حاتم. والأشتر النخعي. وعمرو بن الحمق. وجدَّ في أمره رجلان: طلحة والزبير. الحديث.

وقال أبو عمر: كان ممَّن يعيب عثمان من أجل عبد الله بن عامر وغيره من عمّاله. قال أبو عبيد: قطعت رجل حكيم يوم الجمل فأخذها ثمَّ زحف إلى الذي قطعها. فلم يزل يضربه بها حتّى قتله وقال:

يا نفس لن تراعي

دعاك خير داعي

إن قطعت كراعي

إنَّ معي ذراعي(١)

فالباحث يجد لهذا البطل الصالح الديِّن الزاهد الناسكَ قدماً أيَّ قَدم في التأليب على الخليفة، وله خطواته الواسعة في إستحلال دمه والتجمهر عليه، وهو مع ذلك كلّه بعدُ صالحٌ يُذكر ويُشكر ويُثنى عليه، ما اسودَّت صحيفة تاريخه بمناجزته الخليفة والوقيعة فيه ومقته والنقمة عليه، ولم يتضعضع بها أركان صلاحه، وما اختلَّ بها نظام نسكه، ولا شوَّهت سمعته الدينيَّة، ولا دنّست ساحة قدسه، وهذه كلّها لا تلتئم مع كون الخليفة إمام عدل.

____________________

١ - راجع كتاب صفين لابن مزاحم ص ٨٢، مروج الذهب ٢: ٧، الاستيعاب ١: ١٢١، دول الاسلام للذهبى ١: ١٨، ابن أبى الحديد ١: ٢٥٩.

١٤٨

_٢٣_

حديث هشام

ابن الوليد المخزومي أخي خالد

مرَّ في ص ١٥ من هذا الجزء قول الرجل لعثمان لمـّا ضرب عمّاراً حتّى غُشي عليه: يا عثمان! أمّا عليّ فاتَّقيته وبني أبيه، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربتَ أخانا حتّى أشفيتَ به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلنَّ به رجلاً من بني اُميَّة عظيم السرَّة. فقال عثمان: وانّك لهاهنا يا ابن القسريَّة؟ قال: فانَّهما قسريّتان، وكانت اُمُّه وجدَّته قسريَّتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فاُخرج.

ولهشام أبيات في عثمان ذكرها المرزباني في معجم الشعراء كما قاله ابن حجر في الإصابة ٣: ٦٠٦ وذكر منها قوله:

لساني طويلٌ فاحترس من شدائه

عليك وسيفي من لساني أطولُ

لعلَّ الباحث لا يعزب عنه رأي هذا الصحابِّي - العادل - في الخليفة، ولا يجده شاذّاً عن بقيَّة الصحابة في إصفاقهم على مقته بعد ما يراه كيف يجابه الرجل بفظاظة و خشونة، ويقابله بالقول القارص، ويهدّده بالهجاء والقتل، غير راع له أيّ حرمة وكرامة، لا يحسب تلكم القوارص زوراً من القول، وفنداً من الكلام، بل يرى الخليفة أهلاً لكلِّ ذلك، فهل يجتمع هذا مع كون الرجل إمام عدل عند المخزومي؟.

_٣٤_

حديث معاوية ابن أبي سفيان الأموي

١ - من كتاب لأمير المؤمنين إلى معاوية: فسبحان الله ما أشدَّ لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتَّبعة، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لِلَّه طلبة، وعلى عباده حجّة، فأمّا إكثارك الحجاج في عثمان وقتله فإنّك إنَّما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له(١) .

٢ - ومن كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية: فوالله ما قتل ابن عمّك غيرك.

____________________

١ - نهج البلاغة ٢: ٦٢.

١٤٩

راجع ما مرَّ من حديث أمير المؤمنين.

٣ - ومن كتاب لهعليه‌السلام إلى الرجل: قد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله غيرك، ولا خذله سواك، ولقد تربَّصت به الدوائر، وتمنَّيت له الأماني، طمعاً فيما ظهر منك. ودلَّ عليه فعلك. شرح ابن ابي الحديد ٣: ٤١١.

٤ - من كتاب لابن عبّاس إلى معاوية: أمّا ما ذكرت من سرعتنا اليك بالمساءة إلى أنصار ابن عفان، وكراهتنا لسلطان بني اُميَّة، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره، حتَّى صرت إلى ما صرت إليه، وبيني وبينك في ذلك ابن عمِّك وأخو عثمان: الوليد بن عقبة.

كتاب نصر ٤٧٢، الإمامة والسياسة ١: ٩٦، شرح ابن ابي الحديد ٢: ٢٨٩.

٥ - من كتاب لابن عبّاس إلى معاوية: وأمّا قولك: إنِّي من الساعين على عثمان والخاذلين له والسافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلحٌ فيمنعك منِّي، فاقسم بالله لأنت المتربِّص بقتله، والمحبُّ لهلاكه، والحابس الناسِ قبلك عنه على بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث ويستصرخ، فما حفلت به حتى بعثت اليه معذراً باجرة أنت تعلم أنَّهم لن يتركوه حتى يُقتل، فقتل كما كنتَ أردتَ، ثمَّ علمت عند ذلك أنَّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه وتقول: قُتل مظلوماً. فإن يك قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين. مرَّ تمام الكتاب في صفحة ١٣٤.

٦ - روى البلاذري في الأنساب قال: لَمّا أرسل عثمان إلى معاوية يستمدُّه بعث يزيد بن أسد القسري جدّ خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق وقال له: إذا أتيت ذا خُشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا تقل: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فإنَّني أنا الشاهد وأنت الغائب، قال: فأقام بذي خُشب حتى قُتل عثمان، فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان ارسل معه، وإنَّما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعوا إلى نفسه. راجع شرح ابن ابي الحديد ٤: ٥٧.

٧ - من خطبة لشبث بن ربعي يخاطب معاوية: انَّه والله لا يخفى علينا ما تغزو و ما تطلب، إنَّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس، وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولك: « قُتل إمامكم مظلوماً، فنحن نطلب بدمه » فاستجاب له سفهاء طغام،

١٥٠

وقد علمنا قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. الخ

كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ٢١٠، تاريخ الطبري ٥: ٢٤٣، الكامل لابن الأثير ٣: ١٢٣، شرح ابن ابي الحديد ١: ٣٤٢.

٨ - من كتاب لأبي أيّوب الأنصاري جواباً لمعاوية: فما نحن وقتلة عثمان إنَّ الذي تربَّص بعثمان وثبَّط اهل الشام عن نصرته لأنت، وإنَّ الذين قتلوه غير الأنصار.

الإمامة والسياسة ١: ٩٣ وفي ط ٨١، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٨١.

٩ - من كتاب لمحمَّد بن سلمة الأنصاري جواباً لمعاوية: ولئن كنت نصرتَ عثمان مَيتاً لقد خذلته حيّاً، ونحن ومَن قِبلنا من المهاجرين والأنصار أولى بالصواب. الإمامة والسياسة ١: ٨٧، شرح ابن ابي الحديد ١: ٢٦٠.

١٠ - في محاورة بين معاوية وأبي الطفيل الكناني: قال معاوية: أكنت فيمن حضر قتل عثمان؟ قال: لا، ولكنّي فيمن حضر فلم ينصره، قال: فما منعك من ذلك وقد كانت نصرته عليك واجبة؟ قال: منعني ما منعك إذ تربَّصت به ريب المنون وأنت بالشام، قال: أوَ ما ترى طلبي بدمه نصرةً له؟ قال: بلى ولكنَّك وإيّاه كما قال الجعدي:

لألقينَّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوَّدتني زادا

راجع ما مرَّ في هذا الجزء ص ١٣٩

١١ - لَمّا أتى معاوية نعي عثمان وبيعة الناس عليّاًعليه‌السلام ضاق صدراً بما أتاه و تظاهر بالندم على خذلانه عثمان وقال كما في كتاب صفِّين ص ٨٨:

أتانيَ أمرٌ فيه للنفس غمَّةٌ

وفيه بكاءٌ للعيون طويلُ

وفيه فناءٌ شاملٌ وخزايةٌ

وفيه اجتداعٌ للانوف أصيلُ

مصاب أمير المؤمنين وهذه

تكاد لها صمّ الجبال تزولُ

فلِلّه عيناً مَن رأى مثل هالك

اُصيب بلا ذنب وذاك جليلُ

تداعت عليه بالمدينة عصبةٌ

فريقان منها قاتلٌ وخذولُ

دعاهم فصمُّوا عنه عند جوابه

وذاكم على ما في النفوس دليلُ

ندمت على ما كان من تبعي الهوى

وقصري(١) فيه حسرةٌ وعويلُ

____________________

١ - قصرى: أى حسبى يقال: قصرك: أى حسبك وكفايتك. كما يقال: قصارك وقصاراك.

١٥١

قال الأميني: إنَّ زبدة مخض هذه الكلمات المعتضدة بعضها ببعض انَّ ابن هند لم يشذّ عن الصحابة في أمر عثمان، وإنّما يفترق عنهم بأنَّ اولئك كانوا مهاجمين عليه أو خاذلين له، وأمّا معاوية فقد اختصَّ بالخذلان والتخذيل اللذين كان يروقه نتاجهما حتّى وقع ما كان يحبُّه ويتحرّاه، وحتّى حسب صفاء الجوِّ ما كان يضمره من التشبّث بثارات عثمان، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصوير الحادثة نفسها من شتّى المصادر: أنَّ لخذلان معاوية أتمّ مدخليَّة في انتهاء أمر الخليفة إلى ما انتهى إليه، والخاذل غير بعيد عن المجهز، ومن هنا وهنا يقول له الامامعليه‌السلام : فوالله ما قتل ابن عمّك غيرك. ويقول: ولعمري ما قتله غيرك، ولا خذله سواك، إلى كلمات آخرين لا تخفى عليهم نوايا الرجل، فلو كان مستعجلاً بكتائبه إلى دخول المدينة، غير متربّص قتل ابن عمّه لحاموه ونصروه، وكان مبلغ أمره عندئذ إمّا إلى الفوز بهم، أو تراخي الأمر إلى أن يبلغه بقيّة الأنصار من بلاد اُخرى، فيكون النصر بهم جميعاً، لكن معاوية ما كان يريد ذلك وإنَّما كان مستبطئً أجل الرجل، طامعاً في تقلُّده الخلافة من بعده، فتركه والقوم فهو أظلم الظالمين إن كان قُتل مظلوماً كما قاله حبر الاُمَّة، أو أنَّه من الصحابة العدول - كما يحسبه القوم - وهذا رأيه في الخليفة المقتول.

-٣٥-

حديث عثمان نفسه

دخل المغيرة بن شعبة على عثمان رضي الله عنه وهو محصور فقال: يا أمير المؤمنين! إنَّ هؤلاء قد اجتمعوا عليك فإن أحببت فألحق بمكّة؟ وإن أحببت أن نخرق لك باباً من الدار فتلحق بالشام؟ ففيها معاوية وأنصارك من أهل الشام، وإن أبيت فاخرج ونخرج وتحاكم القوم إلى الله فقال عثمان: أمّا ما ذكرت من الخروج إلى مكّة فانِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يُلحد بمكّة رجلُ من قريش عليه نصف عذاب هذه الاُمَّة من الإنس والجنِّ. فلن أكون ذلك الرجل إن شاء الله. الحديث.

وفي لفظ أحمد: يُلحد رجلٌ من قريش بمكّة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا إيّاه.

١٥٢

وفي لفظ الخطيب: يُلحد بمكّة رجلٌ من قريش عليه نصف عذاب الاُمَّة فلن أكونه.

وفي لفظ الحلبي: إنَّ ابن الزبير لَمّا قال لعثمان رضي الله عنه وهو محاصرٌ: إنَّ عندي نجائب أعددتها لك فهل لك أن تنجو إلى مكّة؟ فانَّهم لا يستحلّونك بها، قال له عثمان: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يُلحد رجلٌ في الحرم من قريش أو بمكّة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا.

راجع مسند احمد ١: ٦٧، رجال إسناده كلهم ثقات، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ٣٥، تاريخ الخطيب ١٤، ٢٧٢، الرياض النضرة ٢: ١٢٩، تاريخ ابن كثير ٧: ٢١٠، مجمع الزوائد ٧: ٢٣٠ قال: ورواه احمد ورجاله ثقات وله طرق، الصواعق ص ٦٦، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠٩، السيرة الحلبيَّة ١: ١٨٨، تاريخ الخميس ٢: ٢٦٣، إزالة الخفا ٢: ٢٤٣.

(الإنسان على نفسه بصيرة)

تُعطينا هذه الرواية أنَّ ثقة عثمان بانطباق ما ذكره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرجل الملحَد بمكّة على نفسه من جرّاء ما علم أنَّه مُرتكبه من الأعمال أشدَّ وأكثر من ثقته بايمانه بما رووه له من البشارة بالجنَّة في العشرة المبشَّرة إلى فضايل اُخرى صنعتها له أيدي الولاء والمحبَّة، على أنَّ هذه كلّها نصوصٌ فيه، وأمّا ما خشي إنطباقه عليه فهو واردٌ في رجل مجهول إستقرب الخليفة أن يكونه هو، فامتنع عن الإنفلات إلى مكّة وآثر عليه بقاءه في الحصار حتى اودي به، ولم يكن يعلم أنَّه يقتل بمكّة لو خرج اليها، وعلى فرض قتله بها فمن ذا الذي أخبره انَّه يكون هو ذلك الرجل؟

كيف يخاف عثمان أن يكون هو ذلك الرجل وقد اشترى الجنَّة من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرَّتين بيع الحقِّ: حيث حفر بير رومة، وحيث جهَّز جيش العسرة؟(١)

كيف يخاف عثمان وقد عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنَّه يُقتل ويُبعث يوم القيامة

____________________

١ - اخرجه الحاكم فى المستدرك ٣: ١٠٧ وصححه غير ممعن نظره فى اسناده وعقبه الذهبى بتضعيف عيسى بن المسيب من رجال اسناده وقال: ضعفه ابو داود وغيره.

١٥٣

أميراً على كلِّ مخذول، يغبطه أهل المشرق والمغرب، ويشفع في عدد ربيعة ومضر(١)

كيف يخاف عثمان وقد سمع وصيَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اُمَّته به بقوله: عليكم بالأمير وأصحابه. وأشار الى عثمان؟.

كيف يخاف وقد أخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شأنه في الجنّة لَمّا سُئل: أفي الجنَّة برقٌ؟ فقال: نعم والذي نفسي بيده إنَّ عثمان ليتحوَّل من منزل إلى منزل فتبرق له الجنّة؟(٢) .

كيف يخاف عثمان وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمشهد منه ومسمع: ليس من نبيّ إلاّ وله رفيقٌ من اُمَّته معه في الجنَّة وإنَّ عثمان رفيقي ومعي في الجنَّة؟(٣)

كيف يخاف عثمان وقد قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتنقاً إيّاه: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.

أو قال: هذا جليسي في الدنيا ووليّي في الآخرة؟(٤) .

كيف يخاف عثمان بعد ما جاء عن جابر انَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما صعد المنبر فنزل حتّى قال: عثمان في الجنَّة؟(٥) .

نعم: للباحث أن يجيب بأنَّ هذه كلّها أباطيل وأكاذيب لا يصحُّ شيءٌ منها فما ذنب عثمان؟ وكيف لا يخاف والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره؟.

قريض يؤكد ما سبق

ذكر البلاذري في الأنساب ٥: ١٠٥ للأعور الشَنِّي بشر بن منقذ يكنّى أبا منقذ أحد بني شن بن أقصى كان مع أمير المؤمنين يوم الجمل، ترجمه المرزباني في معجم الشعراء ص ٣٩ قوله:

بكت عين من يبكي ابن عفان بعد ما

نفى ورقَ الفرقان كلّ مكانِ

ثوى تاركاً للحقِّ متَّبع الهوى

وأورث حرباً حَشَّها بطِعانِ

برئت إلى الرَّحمان من دين نعثل

ودين ابن صخر أيّها الرجلان

____________________

١ - سيوافيك الحديث باسناده ومتنه كملا.

٢ - راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص ٣١٣ ط ٢.

٣ - سيأتيك الحديث باسناده وانه باطل.

٤ - سنوقفك فى هذا الجزء على انه باطل لا يصح.

٥ - من اكاذيب جاء بها محب الطبرى فى رياضه ٢: ١٠٤.

١٥٤

ويقال: ابن الغريرة النهشلي، ويقال: الحباب بن يزيد المجاشعي(١) :

وقال عليُّ بن الغدير المضرِّس الغنوي، ويقال: إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي:

لعَمر أبيكِ فلا تكذبي

لقد ذهب الخيرُ إلاّ قليلا

لقد فُتن الناسُ في دينهم

وخلّى ابن عفّان شرّاً طويلا

اُعاذل كلَّ امرىء هالك

فسيري إلى الله سيراً جميلا

راجع الأنساب ٥: ١٠٤، تاريخ الطبري ٥: ١٥٢، الاستيعاب: ٢: ٤٨٠، تفسير ابن كثير ١: ١٤٣.

وأخرج نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين ص ٤٣٥ من رجز همام بن الأغفل يوم صفِّين قوله:

قد قرَّت العين من الفسّاقِ

ومن رؤس الكفر والنفاقِ

إذ ظهرت كتائب العراقِ

نحن قتلنا صاحب المـُرّاقِ

وقائد البُغاة والشقاقِ

عثمان يوم الدار والإحراقِ(٢)

لَمّا لففنا ساقهم بساقِ

بالطعن والضرب مع العناقِ

وقال محمّد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي كما في كتاب صفِّين ص ٤٣٦.

نحن قتلنا نعثلاً بالسيرهْ

إذ صدَّ عن أعلامنا المنيرهْ

يحكم بالجور على العشيره

نحن قتلنا قبله المغيره(٣)

نالته أرماحٌ لنا موتوره

إنّا اناسٌ ثابتو البصيره

وقال الفضل بن العبّاس مجيباً الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن أبيات له:

أتطلب ثأراً لست منه ولا له

وأين ابن ذكوان الصفوري من عمروِ؟

كما اتَّصلت بنت الحمار باُمِّها

وتنسى أباها إذ تُسامي اُولي الفخرِ

ألا إنَّ خير الناس بعد محمَّد

وصيّ النبيِّ المصطفى عند ذي الذكرِ

وأوّل مَن صلّى وصنو نبيِّه

وأوّل مَن أردى الغواة لدى بدرِ

____________________

١ - فى تاريخ ابن عساكر ٣. ٢٥٨: الحتات بن يزيد.

٢ - اشارة الى احراق باب دار عثمان كما مر حديثه ويأتى.

٣ - هو المغيرة بن الاخنس المقتول يوم الدار مع عثمان كما يأتى حديثه.

١٥٥

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمّكم

لكانوا له من ظلمه حاضري النصر

كفى ذاك عيباً أن يُشيروا بقتله

وأن يُسلموه للأحابيش من مصرِ

« تاريخ الطبري ٥: ١٥١ »

نادى عمرو بن العاص يوم صفِّين بأعلى صوته:

يا أيُّها الجند الصليب الايمانْ

قوموا قياماً واستعينوا الرَّحمنْ

إنِّي أتاني خبرٌ ذو ألوانْ(١)

: إنَّ عليّاً قتل ابن عفّانْ

ردٌّا علينا شيخنا كما كان

فردَّ عليه أهل العراق وقالوا:

أبت سيوف مذحجِ وهمدانْ

بأن تردَّ نعثلاً كما كانْ

خَلقاً جديداً مثل خلق الرَّحمن

ذلك شأنٌ قد مضى وذا شانْ

ثمّ نادى عمرو بن العاص ثانية برفع صوته:

رُدّوا علينا شيخنا ثمَّ بجلْ

أو لا تكونوا حرّزاً من الأسلْ(٢)

فردَّ عليه أهل العراق:

كيف نردُّ نعثلاً وقد قحلْ

نحن ضربنا رأسه حتّى انجفلْ(٣)

وأبدل الله به خير بدلْ

أعلم بالدين وأزكى بالعملْ(٤)

شدَّ الأشتر مالك بن الحارث يوم صفِّين على محمَّد بن روضة وهو يقول:

لا يبعد الله سوى عثمانا

وأنزل الله بكم هوانا

ولا يسلّي عنكم الأحزانا

مخالفٌ قد خالف الرَّحمانا

نصرتموه عابداً شيطاناً(٥)

____________________

١ - فى كتاب نصر: فأشجان.

٢ - فى كتاب صفيين: جزراً من الاسل. الجزر: قطع اللحم تأكله السباع. الاسل: الرماح.

٣ - قحل: يبس فهو قاحل. انجفل: انقلب وسقط.

٤ - كتاب صفين ص ٢٥٦، ٢٥٧، ٤٥٤، شرح ابن أبي الحديد ١: ٤٨٢، لسان العرب ١٤: ٧٠، تاج العروس ٨: ٧٧.

٥ - كتاب صفين ص ١٩٩، شرح ابن أبى الحديد ١: ٣٣٠. حذف منها الشطرين الاخيرين.

١٥٦

-٣٦-

حديث المهاجرين والانصار

١ - من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى معاوية: زعمت أنَّك إنَّما أفسد عليك بيعتي خفري بعثمان، ولعمري ما كنت إلّا رجلاً من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت فلزمتني خطيئة الأمر، ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص القاتل(١) .

٢ - روى البلاذري عن المدائني عن عبد الله بن فائد إنَّه قال: نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فقال: إنِّي لاُبغضهم. فقال سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان: تبغضهم لأنَّهم قتلوا أباك. قال: صدقت، قتل أبي علوج الشام وجفاته وقتل جدَّك المهاجرون والأنصار. أنساب البلاذري ٥: ١٩٥، ٣٧٢.

٣ - قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١: ٩٢: ذكروا أنَّ أبا هريرة وأبا الدرداء قدما على معاوية من حمص وهو بصفِّين فوعظاه وقالا: يا معاوية! عَلام تُقاتل عليّاً؟ وهو أحقّ بهذا الأمر منك في الفضل والسابقة، لأنَّه رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين السابقين بالاحسان، وأنت طليق وأبوك من الأحزاب، أما والله ما نقول لك أن تكون العراق أحبَّ إلينا من الشام ولكن البقاء أحبَّ إلينا من الفناء، والصَّلاح أحبَّ إلينا من الفساد فقال: لستُ أزعم إنّي أولى بهذا الأمر من عليّ ولكنّي اُقاتله حتّى يدفع إليَّ قتلة عثمان فقالا: إذا دفعهم إليك ماذا يكون؟ قال: أكون رجلاً من المسلمين: فأتيا عليّاً فإن دفع اليكما قتلة عثمان جعلتها شورى. فقدما علي عسكر عليّ فأتاهما الأشتر فقال يا هذان! انَّه لم ينزلكما الشام حبُّ معاوية، وقد زعمتما انّه يطلب قتلة عثمان فعمّن أخذتما ذلك؟ فقبلتماه، أعمَّن قتله؟ فصدَّقتموهم على الذنب كما صدَّقتموهم على القتل.

أم عمّن نصره؟ فلا شهادة لمن جرَّ إلى نفسه، أم عمّن إعتزل؟ إذ علموا ذنب عثمان وقد علموا ما الحكم في قتله، أو عن معاوية؟ وقد زعم أنَّ عليّاً قتله، إتّقيا الله فإنّا شهدنا وغبتما، ونحن الحكّام على مَن غاب. فانصرفا ذلك اليوم.

____________________

١ - الامامة والسياسة ١: ٨٧، العقد الفريد ٢: ٢٨٤، الكامل للمبرد ١: ١٥٧، شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٥٢.

١٥٧

فلمّا أصبحا أتيا عليّاً فقالا له: إنَّ لك فضلاً لا يدفع، وقد سرت مسير فتى إلى سفيه من السَّفهاء، ومعاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان فإن فعلت ثمَّ قاتلك كنّا معك قال عليٌّ: أتعرفانهم؟ قالا. نعم. قال: فخذاهم فأتيا محمَّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر والأشتر فقالا: أنتم من قتلة عثمان وقد اُمرنا بأخذكم. فخرج إليهما أكثر من عشرة آلاف رجل فقالوا: نحن قتلنا عثمان. فقالا: نرى أمراً شديداً أليس عليّاً الرجل.

فانصرف أبو هريرة وأبو الدرداء إلى منزلهما بحمص فلمّا قدما حمص لقيهما عبد الرَّحمن ابن عثمان وسأل عن مسيرهما فقصّا عليه القصَّة فقال: العجب منكما إنَّكما من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما والله لئن كففتما أيديكما ما كففتما ألسنتكما، أتأتيان عليّاً و تطلبان إليه قتلة عثمان؟ وقد علمتما أنَّ المهاجرين والأنصار لو حرَّموا دم عثمان نصروه، وبايعوا عليّاً على قتلته، فهل فعلوا؟ وأعجب من ذلك رغبتكما عمّا صنعوا، و قولكما لعليّ: إجعلها شورى واخلعها من عنقك، وإنَّكما لتعلمان أنَّ مَن رضي بعليّ خيرٌ ممَّن كرهه، وإنَّ من بايعه خيرٌ ممَّن لم يبايعه، ثمَّ صرتما رسولي رجل مِن الطلقاء لا تحلُّ له الخلافة. ففشى قوله وقولهما فهمَّ معاوية بقتله، ثمَّ راقب فيه عشيرته.

وفي لفظ ابن مزاحم في كتاب صفِّين ص ٢١٣، خرج أبو امامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية وكانا معه فقالا: يا معاوية! عَلام تقاتل هذا الرجل؟ فوالله لهو أقدم منك سلماً، وأحقُّ بهذا الأمر منك، وأقرب من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعلامَ تُقاتله؟ فقال: اُقاتله على دم عثمان، وانَّه آوى قتلته فقولوا له: فليقدنا من قتلته فأنا أوَّل مَن بايعه من أهل الشام، فانطلقوا إلى عليّ فأخبروه بقول معاوية فقال: هم الذين ترون فخرج عشرون ألفاً أو أكثر مسربلين في الحديد لا يُرى منهم إلّا الحدق فقالوا: كلّنا قتله فإن شاءوا فليروموا ذلك منّا.

٤ - مرَّ في صفحة ١٣٩ من حديث أبي الطفيل قول معاوية له: أكنت ممَّن قتل عثمان أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكن ممَّن شهده فلم ينصره، قال: ولِمَ؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار. الحديث فراجع.

٥ - قال شعبة: ما رأيت رجلاً أوقع في رجال أهل المدينة من القاضي أبي إسحاق سعد « بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف المدني الزهري المتوفّى سنة ١٢٥ » ما كنت

١٥٨

أرفع له رجلاً منهم إلّا كذَّبه فقلت له في ذلك فقال: إنَّ أهل المدينة قتلوا عثمان. تاريخ ابن عساكر ٨٣:٦.

٦ - ذكر ابن عساكر في تاريخه ٧: ٣١٩ قال: كان أبو مسلم الخولاني التابعي في المدينة فسمع مكفوفاً يقول: أللهمَّ العن عثمان وما ولد. فقال: يا مكفوف! ألعثمان تقول هذا؟ يا أهل المدينة! كنتم بين قاتل وخاذل فكلّا جزى الله شرّاً، يا أهل المدينة! لأنتم شرٌّ من ثمود، إنَّ ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته.

قال الأميني: غايتنا الوحيدة في نقل هذا الحديث ايقاف الباحث على موقف الصحابة من أهل المدينة وانّهم كانوا بين قاتل وخاذل، وأمَّا رأي أبي مسلم الخولاني فيهم فتعرف جوابه من قول الأشتر قُبيل هذا.

٧ - قال الواقدي في إسناده: لمـّا كانت سنة أربع وثلاثين كتب بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، وما النّاس فيه من عمّاله ويكثرون عليه ويسأل بعضهم أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد، ولم يكن أحدٌ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفع عن عثمان ولا يُنكر ما يقال فيه إلّا زيد ابن ثابت، وأبو اُسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت الأنصاري، فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى عليّ فسألوه أن يكلّم عثمان ويعظه؟ فأتاه فقال له إنَّ النّاس ورائي قد كلّموني في أمرك، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما اعرّفك شيئاً تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، وإنَّك لتعلم ما نعلم، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، لقد صحبتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعتَ ورأيتَ مثل ما سمعنا ورأينا، وما ابن أبي قحافة وابن الخطاب بأولى بالحقِّ منك، ولأنت أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحماً، ولقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك، فإنَّك لا تُبصّر من عمى، ولا تُعلّم من جهل، فقال له عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنَّفتك ولا أسلمتك ولا عتبتُ عليك إن وصلت رحماً(١) وسددت خلّة، وآويت ضائعاً، وولّيت من كان عمر يولّيه، نشدتك الله ألم

____________________

١ - انظر الى الرجل يحسب كلمته هذه تبرّر اعماله الشاذة عن الكتاب والسنة وتجعل اعطياته لابناء امية من الغنائم والصدقات صلة للرحم، ودفعه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة الى رجال الفتن والثورات المدلهمة سدّا للخلة، ورد الحكم وأبناؤه مطرودى النبيّ الاعظم الى المدينة ايواء للضايع، دع هو وحسبانه، لكن العجب كل العجب انه يروم افحام مثل أمير المؤمنين عليه ‌السلام بهذه الخزعبلات.

١٥٩

يولّ عمر المغيرة بن شعبة؟ وليس هناك. قال: نعم. قال: فلِمَ تلومني إن ولّيت ابن عامر في رحمه وقرابته؟ قال عليٌّ: سأخبرك أنَّ عمر بن الخطاب كان كل مَن ولّى فانّما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرفٌ جلبه، ثمَّ بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل، ضعفتَ ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك ايضاً. فقال عليُّ: لعمري إنَّ رحمهم منِّي لقريبة ولكن الفضل في غيرهم. قال: أوَ لم يولّ عمر معاوية؟ فقال عليٌّ: إنَّ معاوية كان أشدَّ خوفاً وطاعة لعمر من يرفاء وهو الآن يبتزّ الاُمور دونك وأنت تعلمها ويقول للناس: هذا أمر عثمان. ويبلغك فلا تُغيِّر على معاوية.

راجع الأنساب للبلاذري ٥: ٦٠، تاريخ الطبري ٥: ٩٧، الكامل لابن الأثير ٣: ٦٣، تاريخ ابي الفدا ج ١: ١٦٨، تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٩١.

٨ - أخرج ابن سعد في طبقاته ٣: ٤٧ ط ليدن عن مجاهد قال: أشرف عثمان على الذين حاصروه فقال: يا قوم! لا تقتلوني فانِّي والٍ وأخٌ مسلم - إلى أن قال -: فلمّا أتوه قال: أللهمَّ احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، قال مجاهد: فقتل الله منهم من قتل في الفتنة، وبعث يزيد إلى المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاءوا لمداهنتهم.

وقال حسّان بن ثابت فيمن تخلّف عن عثمان وخذله عن الأنصار وغيرهم وأعانه على قتله من أبيات له:

خذلته الأنصار إذ حضر المو

ت وكانت وُلاته الأنصارُ

من عذيري من الزبير ومن طلحة

إذ جاء أمرٌ له مقدارُ(١)

فتولّى محمَّد بن أبي بكر

عياناً وخلفه عمّارُ

وعليٌّ في بيته يسأل النا

س ابتداءً وعنده الأخبارُ

باسطاً لِلّذي يريد يديه

وعليه سكينةٌ ووقارُ(٢)

وقال حميد بن ثور أبو المثنّى الهلالي في قتل عثمان كما في تاريخ ابن عساكر ٤: ٤٥٨.

____________________

١ - فى العقد الفريد:

من عذيري من الزبير ومن طلحة

هاجا أمراً له اعصار

٢ - مروج الذهب ١: ٤٤٢، العقد الفريد ٢: ٢٦٧.

_١٠_

١٦٠