الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 114248
تحميل: 6806


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114248 / تحميل: 6806
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرُصه كثيراً، ودخل عليٌّ وطلحة والزبير وسعد وعمّار في نفر من أصحاب محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم بدريّ على عثمان ومع عليّ الكتاب والغلام والبعير فقال له عليٌّ: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحَلف بالله: ما كتبت هذ الكتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه فقال له عليٌّ: أفالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله: ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا وجَّهت هذا الغلام إلى مصر قطُّ. وعرفوا أن الخطَّ خطُّ مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عنده غِضاباً وعلموا انَّه لا يحلف بباطل إلّا أنَّ قوماً قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلّا أن يدفع إلينا مروان حتّى نبحثه عن الأمر ونعرف حال الكتاب، وكيف يُؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حقٍّ؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يكون منّا في أمر مروان، فلزموا بيوتهم فأبى عثمان أن يخرج مروان.

فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال: أفيكم عليٌّ؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت، ثمَّ قال ألا أحدٌ يبلِّغ عليّاً فيسقينا ماءً؟ فبلغ ذلك عليّاً فبعث إليه بثلاث قِرَب مملوءةً ماءً فما كادت تصل إليه وجُرح بسببها عدَّة من موالي بني هاشم وبني اُميَّة حتّى وصلت.

لفظ الواقدي

من طريق محمَّد بن مسلمة وقد أسلفنا صدره في ص ١٣٢، ١٣٣، وإليك بقيَّته: فوجدنا فيه هذا الكتاب فإذا فيه:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم. أمّا بعد: فإذا قدم عليك عبد الرّحمن بن عديس فاجلده مائة، واحلق رأسه ولحيته، واطل حبسه حتّى أتيك أمري، وعمرو بن الحمق، فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن البيّاع الليثي مثل ذلك. قال: فقلت: وما يدريكم انَّ عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيقتات مروان على عثمان بهذا فهذا شرّ، فيخرج نفسه من هذا الأمر. ثمَّ قالوا: انطلق معنا إليه فقد كلّمنا عليّاً ووعدنا أن يكلّمه إذا صلّى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص فقال: لا أدخل في أمركم، وجئنا سعيد

١٨١

بن زيد بن عمرو فقال مثل هذا، فقال محمَّد: فأين وعدكم عليَّ؟ قالوا: وعدنا إذا صلّى الظهر أن يدخل عليه. قال محمَّد: فصلّيت مع عليّ، قال: ثمَّ دخلت أنا وعليّ عليه فقلنا: إنَّ هؤلاء المصريِّين بالباب فأذن لهم، قال: ومروان جالس فقال مروان: دعني جُعلت فداك اُكلّمهم. فقال عثمان: فضَّ الله فاك اخرج عنِّي، وما كلامك في هذا الأمر؟ فخرج مروان وأقبل عليٌّ عليه قال وقد أنهى المصريّون إليه مثل الذي انهوا إليَّ فجعل عليٌّ يُخبره ما وجدوا في كتابهم، فجعل يُقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شوَّر فيه، فقال محمَّد بن مسلمة: والله انّه لصادقٌ، ولكن هذا عمل مروان، فقال عليٌّ: فادخلهم عليك فليسمعوا عذرك. قال: ثم أقبل عثمان على عليّ فقال: إنَّ لي قرابة ورحماً والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك، فأخرج إليهم فكلّمهم فانّهم يسمعون منك. قال عليٌّ: والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتّى تعتذر إليهم. قال: فادخلوا.

قال محمَّد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلّموا عليه بالخلافة فعرفت انَّه الشرّ بعينه قالوا: سلامٌ عليكم، فقلنا: وعليكم السّلام قال: فتكلّم القوم وقد قدَّموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع إبن سعد بمصر وذكر تحاملاً منه على المسلمين وأهل الذَّمة وذكر استئثاراً منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إليَّ، ثمَّ ذكروا أشياء ممّا أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلّا دمك أو تنزع، فردَّنا عليٌّ ومحمَّد بن مسلمة و ضمن لنا محمَّد النزوع عن كلّ ما تكلّمنا منه، ثمّ أقبلوا على محمَّد بن مسلمة قالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمَّد: فقلت: نعم، ثمَّ رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عزَّ وجلَّ عليك ويكون حجَّة لنا بعد حجَّة، حتّى إذا كنّا بالبُوَيب(١) أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا، وطول الحبس لنا، وهذا كتابك، قال: فحمد الله عثمان أثنى عليه ثمَّ قال: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شوَّرت ولا علمت قال: فقلت وعليٌّ جميعا: قد صدق. قال: فاستراح إليها عثمان فقال المصريّون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري. قال: أفيُجترأ عليك فيُبعث غلامك وجملٌ من صدقات المسلمين، ويُنقش على خاتمك، ويُكتب إلى عاملك بهذه الاُمور

____________________

١ - البويب: مدخل اهل الحجاز بمصر.

١٨٢

العظام وأنت لا تعلم؟ قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه. قال: لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله عزَّ وجلَّ. قال: وكثرت الأصوات واللغط فما كنت أظنّ أنَّهم يخرجون حتّى يواثبوه قال: وقام عليٌّ فخرج فلمَّا قام عليٌّ قمت وقال المصريِّين: اخرجوا فخرجوا، ورجعت إلى منزلي ورجع عليٌّ إلى منزله فما برحوا محاصرته حتَّى قتلوه.

وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار: أنَّ الذي كان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي(١) وهو الذي كان يدعو عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام في قنوته مع اناس كما مرَّ حديثه في ج ٢: ٣٢ ١ ط ٢، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١: ١٦٥.

وأخرج من طريق عثمان بن محمَّد الأخنسي قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الاُخرى. تاريخ الطبري ٥: ١٣٢.

الخليفة توّاب عوّاد

أخرج الطبري من طريق سفيان بن أبي العوجاء قال: قدم المصريّون القدمة الأولى فكلّم عثمان محمّد بن مسلمة فخرج في خمسين راكباً من الأنصار فأتوهم بذي خشب فردَّهم ورجع القوم حتَّى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاماً لعثمان معه كتابٌ إلى عبد الله بن سعد فكرّوا وانتهوا إلى المدينة وقد تخلّف بها من الناس الأشتر و حكيم بن جبلة فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كَتَبه وقال: هذا مُفتعلٌ. قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك؟ قال: أجل، ولكنَّه كتبه بغير أمري قالوا: فإنَّ الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؟ قال: أجل، ولكنَّه خرج بغير إذني. قالوا: فالجمل جملك قال: أجل، ولكنّه أخذ بغير علمي. قالوا: ما أنت إلّا صادقٌ أو كاذبٌ، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لِما أمرتَ به من سفك دمائنا بغير حقِّها، وإن كنت صادقاً فقد استحققتَ أن تُخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لأنَّه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يُقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته، وقالوا له: إنَّك ضربت رجالاً من أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحقِّ عند ما يستنكرون

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٥: ١١٥:

١٨٣

من أعمالك، فأقد من نفسك من ضربته وأنت له ظالمٌ، فقال: الإمام يُخطئ ويُصيب فلا اُقيد من نفسي لأنِّي لو أقدت كلَّ من أصبته بخطأ أتى على نفسي قالوا: إنَّك قد أحدثت أحداثاً عظاماً فاستحققت بها الخلع، فإذا كلّمت فيها أعطيتَ التوبة ثمَّ عدت إليها و إلى مثلها ثمَّ قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحقِّ ولامنا فيك محمَّد بن مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرَّ أمنك وقال: لا أدخل في أمره، فرجعنا أوّل مرَّة لنقطع حجَّتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عزَّ وجلَّ عليك فلحقنا كتابٌ منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت انَّه كُتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطِّ كاتبك عليه وخاتمك فقد وقعتْ عليك بذلك التهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم، والأثرة في القسم، والعقوبة للأمر بالتبسُّط من الناس، والإظهار للتوبة ثمَّ الرجوع إلى الخطيئة ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتّى نجعلك ونستبدل بك من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن لم يُحدث مثل ما جرَّبنا منك، ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا، فإنَّ ذلك أسلم لنا منك، فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم، قال:

ألحمد لله وأستعينه وأومن به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، أمّا بعد: فإنّكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء أمّا قولكم: تخلع نفسك. فلا أنزع قميصاً قمَّصنيه الله عزَّ وجلَّ وأكرمني به وخصَّني به على غيري ولكنّي أتوب وأنزع ولا أعود لشيء عابه المسلمون، فإنِّي والله الفقير إلى الله الخائف منه.

قالوا: إنَّ هذا لو كان أوّل حدَث أحدثته ثمَّ تُبت منه ولم نقم عليه لكان علينا أن نقبل منك، وأن ننصرف عنك ولكنه: قد كان منك من الأحداث قبل هذا ما قد علمت ولقد انصرفنا عنك في المرَّة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك، وكيف نقبل توبتك؟ وقد بلونا منك انَّك لا تُعطي من نفسك التوبة من ذنب إلّا عُدتَ اليه، فلسنا منصرفين حتّى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال مَن معك

١٨٤

من قومك وذوي رحمك وأهل الإنقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتَّى نخلص إليك فنقتلك، أو تلحق أرواحنا بالله.

فقال عثمان: أمّا أن أتبرَّأ من الإمارة فان تصلبوني أحبُّ إليَّ من أن أتبرَّأ من أمر الله عزَّ وجلَّ وخلافته وأمّا قولكم: تقاتلون من قاتل دوني. فإنِّي لا آمر أحداً بقتالكم(١) فمن قاتل دوني فانَّما قتل بغير أمري، ولعمري لو كنت اُريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد(٢) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق، فالله الله في أنفسكم فابقوا عليها إن لم تُبقوا عليَّ: فإنّكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دماً. قال: ثمَّ انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمَّد بن مسلمة فكلّمه أن يردَّهم فقال: والله لا أكذب الله في سنة مرَّتين. تاريخ الطبري ٥: ١٢٠، ١٢١.

نظرة فى أحاديث الحصارين

أوَّل ما يقع عليه النظر من هذه الأحاديث أنّ المجهزين على عثمان هم المهاجرون والأنصار من الصحابة ولم يشذّ عنهم إلّا أربعة أسلفنا ذكر في صفحة ١٩٥ وهم الذين أصفقوا مع أهل مصر والكوفة والبصرة على مقت الخليفة وقتله بعد أن أعيتهم الحيل وأعوزهم السعي في استتابته، وإكفائه من الأحداث، ونزوعه عمّا هو عليه من الجرائم وإنَّ في المقبلين من تلكم البلاد من عظماء الصحابة، ومن رجال الفضيلة والفقه والتقى من التابعين جماعات لا يستهان بعدَّتهم، ولا يُغمز في دينهم، وهم رؤساء هاتيك الجماهير والمؤلِّبين لهم على عثمان. فمن الكوفيِّين:

١ - زيد الخير، له إدراكٌ أثنى عليه النبيُّ الأعظم، وانَّه من الخيار الأبرار.

٢ - مالك بن الحارث الأشتر، له إدراكٌ، أوقفناك على عظمته وفضله وموقفه من الايمان، ومبلغه من الثقة والصلاح.

٣ - كعب بن عبدة النهدي، وقد سمعت عن البلاذري انَّه كان ناسكاً.

____________________

١ - لم يكن معه هناك غير بنى أبيه حتى يامر أحداً بالقتال وهم ليسوا هناك وقد تحصنوا يوم قتله بكندوج ام حبيبة كما يأتيك حديثه.

٢ - كان يتأهب للقتال، ويستعد بالسلاح، ويكتب الى الاجناد، ويجلب الى المدينة الجنود المجندة من الشام، وغيرها، غير انه كان يغفل الناس بكلماته هذه وسنوافيك كتبه.

١٨٥

٤ - زياد بن النضر الحارثي، له إدراكٌ.

٥ - عمرو بن الأهتم، صحابيٌّ خطيبٌ بليغٌ شريفٌ في قومه، ترجمه ابن عبد البرّ في « الاستيعاب » ، وابن الأثير في « اسد الغابة » وابن حجر في « الاصابة »

(وفي المصريِّين):

٦ - عمرو بن الحمق الخزاعي، صحب النبيَّ وحفظ عنه أحاديث، وحظي بدعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له كما مرَّ تفصيله ص ٤٥.

٧ - عمرو بن بديل الخزاعي، صحابيٌّ عادلٌ مترجمٌ في معاجم الصحابة.

٨ - عبد الله بن بديل الخزاعي: قال أبو عمر: كان سيِّد خزاعة وخزاعة عيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهد حنيناً والطائف وتبوك، وكان له قدرٌ وجلالةٌ، وكان من وجوه الصحابة. راجع الإستيعاب، واُسد الغابة، والإصابة.

٩ - عبد الرَّحمن بن عديس أبو محمّد البلوي، صحب النبيَّ وسمع منه، وكان ممَّن بايع تحت الشجرة من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

١٠ - محمَّد بن أبي بكر، وحسبك فيه ما في الإستيعاب والإصابة من أنَّ عليّاً « أمير المؤمنين » كان يُثني عليه ويفضّله وكانت له عبادة واجتهاد، وكان من أفضل أهل زمانه.

(ورئيس البصريِّين):

١١ - حكيم بن جبلة العبدي، قال أبو عمر في « الإستيعاب » : أدرك النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان رجلاً صالحاً له دين مطاعاً في قومه. وقال المسعودي في المروج ٢: ٧: كان من سادات عبد القيس وزهّادها ونسّاكها. وأثنى عليه مولانا أمير المؤمنين بقوله كما في الكامل ٣: ٩٦:

دعا حكيم دعوة سميعه

نال بها المنزلة الرفيعه

يا لهف ما نفسي على ربيعه

ربيعة السامعة المطيعه

قد سبقتني فيهم الوقيعة

وإنَّ ما جرى في غضون تلكم المعامع، وتضاعيف ذلك الحوار من أخذٍ وردٍّ وهتافٍ وقول، كلّها تنمُّ عن صلاح القوم وتقواهم، وإنَّهم لم يغضبوا إلّا لله، ولا دعوا

١٨٦

إلّا إلى أمره، ولا نهضوا إلّا لإقامة الأمت والعوج، وتقويم دين الله وتنزيهه عن المعرّات والأحداث، ولم يجلبهم إلى ذلك الموقف مطمعٌ في إمارة، أو نزعٌ إلى حكم أو هوىً في مال، ولذلك كان يرضيهم كلّما يبديه الخليفة من النزول على رغباتهم، والنزوع عن أحداثه، والإنابة إلى الله ممّا نقموا به عليه، غير انَّه كان يثيرهم في الآونة بعد الاُخرى ما كانوا يشاهدونه من المقام على الهنات، ونقض العهد مرَّة بعد مرَّة حتى إذا اطمأنّوا إلى أنَّ الرَّجل غير منكفئ عمَّا كان يقترفه، ولا مطمئنّ عمّا كان يفعله، فاطمأنّوا إلى بقاء التكليف عليهم بالوثوب، فوقفوا لإزالة ما رأوه منكراً ذلك الموقف الشديد حتّى قضى من الأمر ما كان مقدوراً.

ولو كان للقوم غاية غير ما وصفناه لَما أثنى مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام على المصريِّين منهم بقوله من كتاب كتبه الى أهل مصر: إلى القومِ الذين غضبوا لِلَّه حين عُصي في أرضه، وذهب بحقِّه، إلى آخر ما مرَّ في صفحة ٧٤، ولَما كانوا مذكورين في المعاجم والكتب بالثناء الجميل عليهم بعد تلكم المواقف المشهودة، ولو صدر عن أيِّ أحد أقلَّ ممّا صدر من اولئك الثائرين على عثمان في حقِّ فرد من أفراد المسلمين فضلاً عن الخليفة لعدَّ جنايةً لا تغفر، وذنباً لا يبرَّر، وسقط صاحبه إلى هوَّة الضعة، ولا تبقى له بعدُ حرمة ولا كرامة، وغير أنَّ....

الثاني من مواقع النظر في الأحاديث المذكورة: انَّ الخليفة كانت عنده جرائم يستنكرها المسلمون وينكرونها عليه وهو يعترف بها فيتوب عنها، ثمَّ يروغ عن التوبة فيعود إليها، ولا أدري انّه في أيِّ الحالين أصدق؟ أحين اعترف بالأحداث فتاب؟ أم حين عبث به مروان فرقى المنبر وقال: إنَّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمرٌ فلمّا تيقَّنوا انَّه باطلٌ ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟

الثالث: أنّه أعطى العهود والمواثيق المؤكّدة على النزوع عمّا كان يرتكبه ممّا ينقمونه عليه وسجّل ذلك في صكوك يبثّها في البلاد بأيدي الناهضين عليه، إذ كان على علم بأنَّ البلاد قد تمخَّضت عليه كما مرَّ في كلام لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمَّ لم يلبث حتّى نكثها بعد ما ضمن له بالعمل على ذلك الضمان مثل مولانا أمير المؤمنين ومحمّد ابن مسلمة ذلك الصحابيِّ العظيم، وقد شهدت ذلك الضمان اُمَّةٌ كبيرةٌ من الصحابة،

١٨٧

فكأنَّه ما كان يرى للعهد لزوماً، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مكانة، ولا لنكث العهد معرَّة، ولعلّه كان يجد مبرِّراً لتلكم الفجايع أو الفصايح، وعلى أيّ فالمسلمون « ويقدمهم الصحابة العدول » لم يرقهم ذلك المبرِّر ولا اعترفوا به، فمضوا إلى ما فعلوه قُدماً غير مُتحوِّبين ولا متأثِّمين.

الرابع: إنّ التزامه في كتاب عهده في الحصار الأوَّل بالعمل بالكتاب والسنّة وهو في حيِّز النزوع عمّا كان يرتكبه قبل ذلك، وقد أعتب بذلك المتجمهرين عليه المنكرين على أحداثه المنحازة عنهما، يرشدنا إلى انّه كان في أعماله قبل ذلك الالتزام محيدٌ عن الكتاب والسنَّة، وحَسب أيّ إنسان من الضعة أن تكون أعماله منتئية عنهما

الخامس: إنَّ الطريد بن الطريد، أو قل عن لسان النبيِّ الأمين(١) : الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين، مروان بن الحكم كان يؤثِّر في نفسيّات الخليفة حتى يحوِّله « كما قال مولانا أمير المؤمنين(٢) » عن دينه وعقله، ويجعله مثل الظعينة يقاد حيث يسار به.

فلم يزل به حتى أربكه عند منتقض العهود ومنتكث المواثيق، فأورده مورد الهكة، وعجيبٌ من الخليفة أن يتأثَّر بتسويلات الرجل وهو يعلم محلّه من الدين وموقفه من الايمان، ومبوَّأه من الصِّدق والأمانة، وهو يعلم أنَّه هو وزبانيته هم الذين جرّوا عليه الويلات وأركبوه النهابير، وأنَّهم سيوردونه ثمَّ لا يصدرونه، يعلم ذلك كلّه وهو بين الناب والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلك كلّه لا يزال مقيماً على هاتيك الوساوس المروانيّة، فيا للعجب.

وأعجب من ذلك انَّه مع هذا التأثّر يتَّخذ نصح الناصحين له كمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وكثير من الصحابة العدول باعتاب الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريّاً فلا يُعير لهم بعد تمام الحجَّة وقطع سُبل المعاذير اُذناً واعية، وهو يعلم أنَّهم لا يعدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعونه إلى ما فيه نجاته ونجاح الاُمَّة.

(لفت نظر) وقع في عدِّ أيّام حصار عثمان خلافٌ بين المؤرِّخين فقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوماً. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوماً. وفي رواية:

____________________

١ - راجع ما مر فى الجزء الثامن ص ٢٦٠ ط ٢.

٢ - راجع ما مضى فى هذا الجزء صفحة ١٧٤.

١٨٨

انَّهم حصروه أربعين ليلة. وقال ابن كثير: استمرَّ الحصر أكثر من شهر وقيل: بضعاً و أربعين. وقال الشعبي: كانت مدَّته اثنتين وعشرين ليلة. وفي رواية للطبري: كان الحصر. أربعين ليلة والنزول سبعين. وفي بعض الروايات: حصروه عشرين يوماً بعد قضيَّة جهجاه المذكورة ص ١٢٤ إلى أقوال اُخرى، ولعلَّ كلٌّ منها ناظرٌ إلى ناحية من مدَّة أيّام الحصارين أو مدَّة أحدهما، ومن مدة نزول المتجمرين حول داره، و من أيّام ضاق عليه الخناق، ومُنع من ادخال الماء عليه، وحيل بينه وبين اختلاف الناس إليه، ومن حصار الثائرين عليه من الأمصار، ومن إصفاق أهل المدينة معهم على الحصار. إلى تأويلات اُخرى يتأتّى بها الجمع بين تلكم الأقوال.

كتب عثمان ايام الحصار(١)

أخرج الطبري في تاريخه من طريق ابن الكلبي قال: إنَّما ردَّ أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنَّه أدركهم غلامٌ لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم وأن يصلب بعضهم فلمّا أتوا عثمان قالوا: هذا غلامك؟ قال: غلامي إنطلق بغير علمي، قالوا: جملك؟ قال: أخذه من الدار بغير أمري. قالوا: خاتمك؟ قال: نقش عليه فقال عبد الرَّحمن بن عُديس التجيبي حين أقبل أهل مصر.

أقبلنَ من بلبيس والصعيدِ(٢)

خوصاً كأمثال القسيِّ عودِ

مُستحقباتٍ حَلق الحديد

يطلبن حقَّ الله في الوليدِ

وعند عثمان وفي سعيدِ

يا ربّ فارجعنا بما نريدُ

فلمّا رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام:

____________________

١ - الامامة والسياسة ٢: ٣٢ - ٣٣، الانساب ٥: ٧١، ٧٢، تاريخ الطبرى ٥: ١٠٥، ١١٥، ١١٦، ١١٩، تاريخ اليعقوبى ٢: ١٥٢، الكامل لابن الاثير ٥. ٦٧، ٧١، شرح ابن ابى الحديد ١: ١٦٥، تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٩٤، الفتنة الكبرى ص ٢٢٦.

٢ - بلبيس: بكسر الباءين وسكون اللام مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة على طريق الشام. الصعيد: بلاد واسعة كثيرة بمصر يقال: انها تسعمائة وسبع خمسون قرية.

١٨٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

أمّا بعد: فإنَّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إليَّ مَن قِبلك من مقاتلة اهل الشام على كلِّ صعب وذلول.

فلمّا جاء معاوية الكتاب تربّص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علم اجتماعهم، فلمّا أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن اسد بن كرز وإلى أهل الشام يستنفرهم ويُعظِّم حقَّه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عزَّ وجلَّ به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن يجندهم جنداًو بطانة دون الناس، وذكرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم، فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإنَّ القوم معاجلي.

فلمّا قُرئ كتابه عليهم قام يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثمَّ القسري فحمد الله و أثنى عليه، ثمَّ ذكر عثمان فعظَّم حقّه، وحضَّهم على نصره، وأمرهم بالمسير إليه، فتابعه ناسٌ كثيرٌ وساروا معه حتّى إذا كان بوادي القرى(١) بلغهم قتل عثمان رضي الله عنه فرجعوا.

وأخرج البلاذري من طريق الشعبي قال: كتب عثمان إلى معاوية: أن أمدَّني، فأمدَّه بأربعة آلاف مع يزيد بن اسد بن كريز البجلي، فتلقّاه النّاس بمقتل عثمان فرجع من الطريق وقال: لو دخلت المدينة وعثمان حيٌّ ما تركت بها محتلماً إلّا قتلته، لأنَّ الخاذل والقاتل سواء.

كتابه الى أهل الشام

قال ابن قتيبة: وكتب إلى أهل الشام عامَّة وإلى معاوية وأهل دمشق خاصَّة:

أمّا بعد: فإنِّي في قوم طال فيهم مقامي، واستعجلوا القدر فيَّ، وقد خيَّروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن اقيدهم ممَّن قتلت، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب، فيا غوثاه يا غوثاه، ولا أمير عليكم دوني، فالعجل العجل يا معاوية! وأدرك ثمَّ أدرك وما أراك تدرك.

____________________

١ - وادى القرى: واد بين المدينة والشام من اعمال المدينة.

١٩٠

كتابه الى اهل البصرة

وكتب إلى عبد الله بن عامر: أن أندب إلىَّ أهل البصرة - نسخة كتابه إلى أهل الشام - فجمع عبد الله بن عامر الناس فقرأ كتابه عليهم، فقامت خطباء من أهل البصرة يحضُّونه على نصر عثمان والمسير إليه فيهم: مجاشع بن مسعود السلمي، وكان أوَّل مَن تكلّم وهو يومئذٍ سيِّد قيس بالبصرة، وقام أيضاً قيس بن الهيثم السلمي، فخطب وحضَّ النَّاس على نصر عثمان، فسارع النّاس إلى ذلك، فاستعمل عليهم عبد الله بن عامر مجاشع بن مسعود فسار بهم حتّى إذا نزل النّاس الربذة ونزلت مقدّمته عند صرار ناحية من المدينة أتاهم قتل عثمان.

وقال البلاذري: وكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر بن كريز ومعاوية بن أبي سفيان يُعلمهما أنَّ أهل البغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة قد أحاطوا بداره فليس يُرضيهم بزعمهم شئٌ دون قتله أو يخلع السربال الذي سربله الله إيّاه، ويأمرهما بإغاثته برجال ذوي نجدة وبأس ورأي، لعلَّ الله أن يدفع بهم عنه بأس يكيده و يريده، وكان رسوله إلى ابن عامر جُبير بن مُطعم، وإلى معاوية المسور بن مخرمة الزهري، فأمّا ابن عامر فوجَّه إليه مجاشع بن مسعود السلمي في خمس مائة أعطاهم خمس مائة خمس مائة درهم، وكان فيمن ندب مع مجاشع زفر بن الحارث على مائة رجل، وأمّا معاوية فبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري في ألف فارس، فقدم حبيب أمامه يزيد بن أسد البجلي جدّ خالد بن عبد الله بن يزيد القسري من بجيلة، وبلغ أهل مصر ومن معهم ممَّن حاصر عثمان ما كتب به إلى ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدَّة عليه وجدّاً في حصاره وحرصاً على معاجلته بالقتل.

كتابه الى اهل الامصار

أخرج الطبري وغيره وقالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدُّهم:

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

أمّا بعد: فإنَّ الله عزَّ وجلَّ بعث محمَّداً بالحقِّ بشيراً ونذيراً، فبلّغ عن الله ما أمره به ثمَّ مضى وقد قضى الذي عليه وخلّف فينا كتابه فيه حلاله وحرامه، وبيان الاُمور

١٩١

التي قدَّر فأمضاها على ما أحبَّ العباد وكرهوا، فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه ثمَّ اُدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملأٍ من الامَّة، ثمَّ أجمع أهل الشورى عن ملأٍ منهم ومن النّاس على غير طالب منِّي ولا محبّة، فعملت فيهم ما يعرفون ولا ينكرون، تابعاً غير مستتبع، متبعاً غير مبتدع، مقتدياً غير متكلّف، فلمّا انتهت الاُمور، وانتكث الشرُّ بأهله، بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا تِرة فيما مضى إلّا إمضاء الكتاب، فطلبوا أمراً وأعلنوا غيره بغير حجّة ولا عذر، فعابوا عليَّ أشياء ممّا كانوا يرضون وأشياء عن ملأٍ من أهل المدينة لا يصلح غيرها، فصبَّرت لهم نفسي و كففتها عنهم منذ سنين، وأنا أرى وأسمع، فازدادوا على الله عزَّ وجلَّ جرأةً حتى أَغاروا علينا في جوار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحَرمه وأرض الهجرة، وثابت إليهم الأعراب، فهم كالأحزاب أيّام الأحزاب أو مَن غزانا باُحد إلّا ما يظهرون، فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق.

فأتى الكتاب أهل الأمصار فخرجوا على الصعبة والذلول، فبعث معاوية حبيب ابن مسلمة الفهري، وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن خديج السكوني، وخرج من أهل الكوفة القعقاع بن عمرو. الحديث.

كتابه الى اهل مكة

ومَن حضر الموسم سنة ٣٥

ذكر ابن قتيبة قال: كثب عثمان كتاباً بعثه مع نافع طريف إلى أهل مكّة و من حضر الموسم يستغيثهم فوافى به نافع يوم عرفة بمكّة وابن عبّاس يخطب وهو يومئذٍ على الناس كان قد استعمله عثمان على الموسم فقام نافع ففتح الكتاب فقرأه فإذا فيه:

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى مَنْ حضرَ الحجَّ من المسلمين. أمّا بعد: فانِّي كتبت اليكم كتابي هذا وأنا محصورٌ أشرب من بئر القصور، ولا آكل من الطعام ما يكفيني، خيفة أن تنفد ذخيرتي فأموت جوعاً أنا ومَن معي، لا اُدعى إلى توبة أقبلها، ولا تُسمع منِّي حُجَّة أقولها، فأنشد الله رجلاً من المسلمين بلغه كتابي إلّا قدم عليَّ فأخذَ الحقَّ فيَّ ومنعني من الظلم والباطل.

_١٢_

١٩٢

قال: ثمَّ ابن عبّاس فأتمَّ خطبته ولم يعرض لشيء به شأنه.

قال الأميني: هذا ما يمكننا أن نؤمن به من كتاب عثمان إلى الحضور في الموسم وهناك كتابٌ مفصَّل إلى الحاجّ يُنسب إليه يتضمّن آياً من الحِكم والموعظة الحسنة يطفح عن جوانبه الورع الشديد في دين الله، والأخذ بالكتاب والسنَّة، والإحتذاء بسيرة الشيخين، يبعد جدّاً عن نفسيّات عثمان وعمّا عرفته الاُمَّة من تاريخ حياته، والكتاب أخرجه الطبري في تاريخه ٥ ١٤٠ - ١٤٣ وراق الدكتور طه حسين ما وجد فيه من المعاني الراقية والجمل الرائقة، والفصول القيِّمة فذكره في ملحق كتابه « الفتنة الكبرى » ص ٢٢٧ - ٢٣١ ذاهلاً عن أنَّ الكتاب لم يُروَ إلاّ من طريق ابن أبي سبرة القرشي العامري المدني الوضّاع الكذّاب السابق ذكره في سلسلة الوضّاعين في الجزء الخامس، قال الواقدي: كان كثير الحديث وليس بحجَّة، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: كان يضع الحديث. و قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بشيء كان يضع الحديث ويكذب، وعن ابن معين ليس حديثه بشيء، ضعيف الحديث، وقال ابن المديني: كان ضعيفاً في الحديث، وقال مرَّة: كان منكر الحديث. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه. وقال البخاري: ضعيفٌ. وقال مرَّة: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ وهو في جملة من يضع الحديث. وقال ابن حبّان: كان ممَّن يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الإحتجاج به. وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي الموضوعات عن الأثبات(١) .

نظرة فى الكتب المذكورة

لقد تضمَّنت هذه الكتب أشياء هي كافية في إثارة عواطف المؤمنين على مَن كتبها ولو لم يكن له سابقة سوء غيرها. منها:

قوله عن المهاجرين والأنصار وليس في المدينة غيرهم: انَّ أهل المدينة قد كفروا، واخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة. وقوله: فهم كالأحزاب أيّام الأحزاب أو من غزانا باُحد وهو يريد أصحاب محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المشهود لهم جمعاء بالعدالة عند قاطبة أهل السنَّة، ولقد صعَّدوا وصوَّبوا في إثبات ذلك بما لا مزيد عليه عندهم، ولا يزالون يحتجّون بأقوالهم

____________________

١ - راجع تاريخ الخطيب ١٤: ٣٦٧ - ٣٧٢، تهذيب التهذيب ١٢: ٢٧.

١٩٣

وما يُؤثر عنهم من قول أو عمل في أحكام الدين، كما يحتجّون بما يُؤثر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السنَّة، ثقة بايمانهم، وطمأنينة بعدالتهم، ويرون انّهم لا ينبسون ببنت شفة ولا يخطون في أمر الدين خطوة إلّا بأثر ثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسموع أن منقول: أو مشاهدة عمل منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطابق ما يرتأونه أو يعملون به، فهل على مؤمن هذا شأنه قذفٌ أثقل عليه من هذا؟ أو تشويهٌ أمسُّ بكرامته من ذلك؟ ولعمر الحقِّ انَّ مَن يغضّ عن مثله فلا يستثيره خِلوٌ عن العاطفة الدينيَّة، خِلوٌ عن الحماس الإسلامي، خِلوٌ عن الشهامة المبدئيَّة، خِلوٌ عن الغيرة على الحقِّ، خِلوٌ وخِلوٌ. ولذلك اشتدَّت الصحابة عليه بعد وقوفهم على هذا وأمثاله.

ثمَّ إنَّه ليس لأحد طاعةٌ مفترضةٌ على أعناق المسلمين بعد الله ورسوله إلّا إمام حقّ يعمل بكتاب الله وسنَّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتجمهرون على عثمان وهم الصحابة أجمع كانوا يرون انَّه تخطّاهما، وانَّ ما كان ينوء به من فعل أو قول قد عديا الحقّ منهما، فأيّ طاعة واجبة والحال هذه - وحسبان القوم كما ذكرناه - حتّى يُؤاخذوا على الخلف؟.

والبيعة إنَّما لزمت إن كان صاحبها باقياً على ما بويع عليه، والقوم إنَّما بايعوه على متابعة الكتاب والسنَّة والمضيّ على سيرة الشيخين، وبطبع الحال انَّها تنتكث عند نكوص صاحبها عن الشروط، وهو الذي نقمه المسلمون على خليفتهم، فلا موجب لمؤاخذتهم أو منابذتهم، وهاهنا رأى المسلمون أنَّ الرجل زاد ضغثاً على اُبّالة، فهو على أحداثه الممقوتة طفق يستثير الجنود عليهم، ويعرِّضهم على القتل والنهب، فتداركوا الأمر فأوردوه حياض المنيَّة قبل أن يجلب إليهم البليّة، وتلافوا الأمر قبل أن يمسّهم الشرُّ، وما بالهم لا تستثيرهم تلكم القذائف؟ وهم يرون أنَّهم هم الذين آووا ونصروا ولم يألوا جهداً في جهاد الكفّار حتّى ضرب الدين بجرانه، فمن العجيب والحالة هذه أن يشبَّهوا بالأحزاب والكفرة يوم اُحد.

(ومنها) تلوُّنه في باب التوبة التي تظاهر بها على صهوة المنبر بملأ من الصحابة، وسجّل ذلك بكتاب شهد عليه عدَّةٌ من أعيان الاُمَّة وفي مقدَّمهم سيِّدنا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وكتب ذلك إلى الأمصار النائية كما تقدَّم في صفحة ١٧١ و

١٩٤

هو في كلِّ ذلك يعترف بالخطيئة ويلتزم بالإقلاع عنها، لكنَّه سرعان ما نكث التوبة وأبطل المواثيق المؤكّدة بكتبه هذه، إذ حسب أنَّ من يكتب إليهم سينفرون اليه مقانب وكتائب وهم أولياءه ومواليه، فنفى عنه المآثم التي شهد عليها أهل المدينة بل وأهل الأمصار من خيرة الاُمَّة، وهو يريد أن يقلّب عليهم ظهر المجن، فيؤاخذ وينتقم وكأنَّه نسي ذلك كلّه حتَّى قال: في كتابه إلى أهل مكّة: لا اُدعى إلى توبة أقبلها، ولا تُسمع منِّي حجَّة أقولها.

يقول له المحامي عن المدنيِّين: أوَ لم تُدعَ أيُّها الخليفة إلى التوبة فتبتَ على الأعواد وعلى رؤس الأشهاد مرَّة بعد اُخرى؟ لكنّهم وجدوك لا تقرُّ على قرار، ولا تستمرُّ على مبدء، وشاهدوك تتلوَّن تلوُّن الحِرباء(١) فجزموا بأنَّ التوبة لا تُردعك عن الأحداث، وانَّ النزوع لا يزعك عن الخطايا، وجئت تماطل القوم بذلك كلّه حتّى يوافيك جيوشك فتهلك الحرث والنسل، وتمكن من أهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي يقول: لو دخلت المدينة وعثمان حيٌّ ما تركت بها محتلماً إلّا قتلته. الخ،

عرف القوم أيُّها الخليفة نواياكَ السيِّئة فيهم، وعرفوا إنحرافك عن الطريقة المثلى بابعاد مروان إيّاك عنها كما قال مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو يخاطبك: أمّا رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بتحرُّفك عن دينك وعن عقلك؟ وإنَّ مَثَلك مَثل الظعينة يُقاد حيث يُسار به(٢) فنهضوا للدفع عنهم وعن بيضة الإسلام من قبل أن يقعوا بين الناب والمخلب، فوقع ما وقع وكان أمر الله قدراً مقدورا.

ولنا هاهنا مناقشةٌ اُخرى في حساب الخليفة فنقول له: ما بالك تكرِّ رأيّها الخليفة قولك عن الخلافة: انَّها رداء الله الذي كساني. أو انَّها قميصٌ سربلنيه الله. أو ما يماثل ذلك؟ تطفح به كتبك أو يطفو على خطبتك، ويلوكها فمك بين كلمك، كأنَّك قد حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك، واتّخذتها ورداً لك كأنّك تحاذر في تركها النسيان غير أنَّه عزب عنك محاسبة مَن تخاطبهم بها إيّاك، فما جواب قومك إن قالوا لك؟ متى سربلك الله بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك، وانقلب عليك بعدُ قبل موته

____________________

١ - الحرباء: ضرب من الزحافات تتلون فى الشمس ألواناً مختلفة، يضرب بها المثل في المنقلب

٢ - راجع ما مر فى صفحة ١٧٤، ١٧٥ من هذا الجزء.

١٩٥

وعددته لذلك منافقاً، وأوصى أن لا تصلّي عليه أنت، وكان يقول لعليّ أمير المؤمنين خُذ سيفك وآخذ سيفي انَّه قد خالف ما أعطاني، وكان يحثُّ الناس عليك ويقول: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، وحلف أن لا يكلّمك أبداً، وقد دخلت عليه عائداً في مرضه فتحوَّل إلى الحائط ولم يكلّمك(١) وهاجرك إلى آخر نفس لفظه. وتبعه على خلافك الباقون من أهل الشورى.

وكلّنا نحسب أنَّ نصب الخليفة لا يجب على الله سبحانه إن كنّا مقتَفين أثر الشيخين وإنَّما هو مفوَّضٌ إلى الاُمَّة تختار عليها من شاءت، وإن حِدنا في ذلك من قول الله تعالى: وربُّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة(٢) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم(٣) وعن نصوص النبيِّ الأعظم وقد مرَّ شطرٌ منها في غضون أجزاء كتابنا هذا.

فهل ترى أيُّها الخليفة انّه كان يجب على الله سبحانه أن يمضي خيرة الاُمَّة؟ أكان في رأي الجليل إعوازٌ في تقييض الإمام بنفسه حتّى ينتظر في ذلك مشتبك آراء الاُمَّة أو مرتبك أهوائهم فيمضي ما ارتأوه؟ وبهذه المناسبة تنسب ذلك السربال إليه، لا أظنّك أيُّها الخليفة يسعك أن تقرِّر ما استفهمناه، غير أنَّ آخر دعواك بعد العجز عن الجواب: لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله.

وعلى كلٍّ لقد أوقفنا موقف الحيرة في أمر هذا السربال ومَن حاكه والنول الذي حِيك عليه، فقد وجدنا أوَّل الخلفاء تسربله بانتخاب غير دستوري بانتخاب جرَّ الويلات على الاُمَّة حتّى اليوم، بانتخاب سوَّد صحيفة التاريخ وشوَّه سمعة السلف، وقد تقمَّصه إبن أبي قحافة وهو يعلم أنَّ في الاُمَّة مَن محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرَّحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، كما قاله مولانا أمير المؤمنين ثمّ مضى الأوَّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده، فيا عجباً يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته(٤) فتقمَّصه الثاني بالنصِّ ممَّن قبله وهو يعلم أنَّ في الاُمَّة من هو

____________________

١ - راجع ما مرّ فى هذا الجزء من حديث عبد الرحمن بن عوف ص ٨٦ - ٩١.

٢ - سورة القصص: ٦٧.

٣ - سورة الاحزاب: ٣٦.

٤ - راجع ما أسلفناه فى الجزء السابع ص ٨١ ط ٢.

١٩٦

أولى منه كما قال مولانا أمير المؤمنين(١) وسربلك إيّاه أيُّها الخليفة عبد الرحمن بن عوف وفي لسانه قوله لعليّ: بايع وإلّا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، فخرج عليٌّ مغضباً فلحقه أصحاب الشورى قائلين: بايع وإلّا جاهدناك(٢) . فأيٌّ من هذه السرابيل منسوجٌ بيد الحقِّ حتّى يصحَّ عزوه إليه سبحانه؟ ولهذا البحث ذيولٌ ضافية حولها أبحاثٌ مترامية الأطراف، حول خلافة الخلفاء من بني اُميَّة وغيرهم يشبه بعضها بعضاً، ولعلّك في غنىً عن التبسّط في ذلك والإسترسال حول توثُّبهم على عرش الإمامة.

نعم: الخلافة التي يصحُّ فيها أن يقال: انّها سربالٌ من الله سبحانه، هي التي قيّض صاحبها المولى جلّت قدرته، وبلّغ عنه نبيّه الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هي التي أخبر به النبيُّ الأعظم به أوَّل يومه فقال: إنَّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء(٣) فهي إمرةٌ إلهيَّة لا تتمُّ إلّا بالنصِّ وليس لصاحبها أن ينزعها، هي التي قرنت بولاية الله ورسوله في قوله تعالى: إنَّما وليّكم الله ورسوله والَّذين آمنوا(٤) وهي التي أكمل الله بها الّدين وأتمَّ بها النعمة(٥) وشتّان بينها وبين رجال الإنتخاب وإن كان دستوريّاً؟.

وأمَّا ما ارتآه المتجمهرون وعبثت به الميول والشهوات، فهي سلطةٌ عاديةٌ يفوز بها المتغلِّبون، وبيد الاُمَّة حلّها وعقدها، والغاية منها عندَ من يحذو حذو الخليفة في جملة من الصولات كلائة الثغور، واقتصاص القاتل، وقطع المتلصّص، إلى آخر ما مرَّ تفصيله في الجزء السابع صفحة ١٣١ - ١٥١ ط ٢ وليس في عهدة المتسلّق على عرشه تبليغ الأحكام، وترويض النفوس، وتهذيب الأخلاق، وتعليم الملكات الفاضلة، وتربية الملأ في عالم النشو والإرتقاء، فإنَّ تلكم الغايات في تلكم السلطات تحصل بمن هو خِلوٌ عن ذلك كلّه كما شوهد فيمن فاز بها عن غير نصٍّ إلهيّ.

____________________

١ - يأتى حديثه بلفظه.

٢ - الانساب للبلاذرى ٥: ٢٢.

٣ - مرّ حديثه فى الجزء السابع ص ١٣٤ ط ٢.

٤ - راجع ما مضى فى الجزء الثانى ص ٤٧، والجزء الثالث ص ١٥٥ - ١٦٧ ط ٢.

٥ - راجع الجزء الاول من كتابنا هذا ص ٢٣٠ - ٢٣٩ ط ٢.

١٩٧

يوم الدار والقتال فيها

أخرج ابن سعد في طبقاته ٥: ٢٥ ط ليدن من طريق أبي حفصة مولى مروان قال: خرج مروان بن الحكم يومئذٍ يرتجز ويقول: مَن يبارز؟ فبرز إليه عروة بن شييم بن البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف فخرَّ لوجهه فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي بسكّين معه ليقطع راسه فقامت إليه امّه التي أرضعته وهي فاطمة الثقفيّة وهي جدَّة إبراهيم بن العربيِّ صاحب اليمامة فقالت: إن كنت تريد قتله؟ فقد قتله، فما تصنع بلحمه أن تبضِّعه؟ فاستحى عبيد بن رفاعة منها فتركه.

وروى عن عيَّاش بن عبَّاس قال: حدَّثني من حضر ابن البيّاع يومئذٍ يبارز مروان بن الحكم: فكأنِّي أنظر إلى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته وتحت القباء الدرع، فضرب مروان على فقاه ضربة فقطع علابي رقبته ووقع لوجهه فأرادوا أن يذففوا عليه فقيل: تبضعون اللحم؟ فترك.

وأخرج البلاذري من طريق خالد بن حرب قال: لجأ بنو اُميَّة يوم قتل عثمان إلى اُمَّ حبيبة(١) فجعلت آل العاص وآل أبي العاص وآل اُسيد في كندوج(٢) وجعلت سائرهم في مكان آخر، ونظر معاوية يوماً إلى عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال: بأبي واُمِّي اُمَّ حبيبة، ما كان أعلمها بهذا الحيِّ حين جعلتك في كندوج؟.

قال: ومشى الناس إلى عثمان وتسلّقوا عليه من دار بني حزم الأنصاري، فقاتل دونه ثلاثةٌ من قريش: عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود(٣) . عبد الله بن عوف ابن السبّاق(٤) .

وعبد الله(٥) بن عبد الرّحمن بن العوام، وكان عبد الله بن عبد الرَّحمن

____________________

١ - زوجة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله

٢ - كندوج: شبه المخزن فى البيت.

٣ - قال ابن الاثير فى اسد الغابة ٣: ٢٧٣، قتل يوم الجمل أو يوم الدار وقال ابن حجر فى الاصابة ٢: ٣٨١: قتل يوم الدار.

٤ - هو عبد الله بن أبى مرة « أبى ميسرة » العبدرى قتل مع عثمان كما فى الاستيعاب ٢: ٣، و الاصابة ٢: ٣٦٧.

٥ - ذكر أبو عمر فى الاستيعاب وابن الاثير فى اسد الغابة فى ترجمة عبد الرحمن، وابن حجر فى الاصابة ٢: ٤١٥: انه ممن قتل يوم الدار.

١٩٨

ابن العوام يقول: يا عباد الله! بيننا وبينكم كتاب الله. فشدَّ عليه عبد الرَّحمن بن عبد الله الجمحي وهو يقول:

لأضربنَّ اليوم بالقرضابِ

بقيّة الكفّار والأحزابِ

ضرب امرئ ليس بذي ارتيابِ

أ أنت تدعونا إلى الكتابِ؟

نبذته في سائر الأحقابِ

فقتله، وشدَّ جماعةٌ من الناس على عبد الله بن وهب بن زمعة، وعبد الله بن عوف ابن السبّاق، فقتلوهما في جانب الدار.

جاء مالك الأشتر حتَّى انتهى إلى عثمان فلم يرَ عنده أحداً فرجع فقال له مسلم بن كريب القابضي من همدان: أيا أشتر! دعوتنا إلى قتل رجل فأجبناك حتّى إذا نظرت اليه نكصتَ عنه على عقبيك. فقال له الأشتر: لِلَّه أبوك أما تراه ليس له مانعٌ ولا عنه وازعٌ؟ فلمّا ذهب لينصرف قال ناتل مولى عثمان: واثكلاه هذا والله الأشتر الذي سعَّر البلاد كلّها على أمير المؤمنين، قتلني الله إن لم أقتله. فشدَّ في أثره فصاح به عمرو بن عبيد الحارثي من همدان: وراءك الرجل يا أشتر! فالتفت الأشتر إلى ناتل فضربه بالسيف فأطار يده اليسرى ونادى الأشتر: يا عمرو بن عبيد إليك الرجل فاتبع عمرو ناتلاً فقتله.

وقال مروان في يوم الدار:

وما قلت يوم الدار للقوم: حاجزوا

رُويداً ولا اختاروا الحياة على القتلِ

ولكنَّني قد قلت للقوم: قاتلوا

بأسيافكم لا يوصلنَّ إلى الكهلِ

وفي رواية أبي مخنف: تهيَّأ مروان وعدَّة معه للقتال فنهاهم عثمان فلم يقبلوا منه وحملوا على من دخل الدار فأخرجوهم. ورُمي عثمان بالحجارة من دار بني حزم بن زيد الأنصاري ونادوا: لسنا نرميك، ألله يرميك، فقال: لو رماني الله لم يخطأني، و شدَّ المغيرة بن الأخنس بالسيف وهو يقول:

قد علمت جاريةٌ عطبولُ

لها وشاحٌ ولها جديلُ

أنِّي لمن حاربت ذو تنكيل

فشدَّ عليه رفاعة بن رافع وهو يقول:

قد علمت خودٌ صحوبٌ للذيلْ

ترخي قروناً مثل أذناب الخيلْ

١٩٩

أنَّ لقرني في الوغى منِّي الويلْ

فضربه على رأسه بالسيف فقتله. ويقال: بل قتله رجلٌ من عرض الناس، وخرج مروان بن الحكم وهو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل

والكفّ والأنامل الطفولِ

أنّي أروع أوَّل الرعيل

ثمَّ ضرب عن يمينه وشماله فحمل عليه الحجَّاج بن غزية وهو يقول:

قد علمت بيضاء حسناء الطللْ

واضحة الليتين قعساء الكفلْ

أنِّي غداة الروع مقدامٌ بطلْ

فضربه على عنقه بالسيف فلم يقطع سيفه وخرَّ مروان لوجهه وجاءت فاطمة بنت شريك الأنصاريَّة من بلي - وهي امّ ابراهيم بن عربي الكناني الذي كان عبد الملك ابن مروان ولّاه اليمامة وهي التي كانت ربَّت مروان - فقامت على رأسه ثمَّ أمرت به فحمل، وادخل بيتاً فيه كُنه(١) وشدَّ عامر بن بكير الكناني وهو بدريٌّ على سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن اميَّة فضربه بالسيف على رأسه، وقامت نائلة بنت الفرافصة على رأسه ثمَّ احتملته فأدخلته بيتاً وأغلقت بابه(٢) .

وفي رواية الطبري من طريق أبي حفصة مولى مروان: لَمّا حُصر عثمان رضي الله عنه شمَّرت معه بنو اُميّة، ودخل معه مروان الدار فكنت معه في الدار، فأنا والله أنشبتُ القتال بين الناس رميت من فوق الدار رجلاً من أسلم فقتلته وهو نيار الأسلمي فنشب القتال، ثمَّ نزلت فاقتتل الناس على الباب، فأرسلوا إلى عثمان أن أمكنّا من قاتله قال: والله ما أعرف له قاتلاً فباتوا ينحرفون علينا ليلة الجمعة بمثل النيران، فلمّا أصبحوا غدوا فأوَّل من طلع علينا كنانة بن عتاب في يده شعلة من نار على ظهر سطوحنا قد فتح له من دار آل حزم، ثمَّ دخلت الشعل على اثره تُنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة على الخشب وقد اضطرم الخشب، فأسمع عثمان يقول لأصحابه: ما بعد الحريق شيءٌ قد احترق الخشب واحترقت الأبواب ومن كانت لي عليه طاعة فليمسك داره، ثمَّ قال لمروان:

____________________

١ - كنة بالضم: جناح يخرج من الحائط. والسقيفة تشرع فوق باب الدار: وقيل: هو مخدع أو رف يشرع فى البيت.

٢ - الانساب ٥: ٧٨ - ٨١.

٢٠٠