الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 114254
تحميل: 6809


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114254 / تحميل: 6809
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شتمته فوالله ما أنت عندي بأفضل منه؟(١) ومروان طريد رسول الله وابن طريده و لعينه وابن لعينه.

أم بقوله له: والله يا أبا الحسن! ما أدري أشتهي موتك؟ أم أشتهي حياتك؟ فوالله لئن متَّ ما اُحبّ أن أبقى بعدك لغيرك لأنِّي لا أجد منك خلفاً، ولئن بقيت لا أعدم طاغياً يتَّخذكُ سلّماً وعضداً، ويعدّك كهفاً وملجأً، لا يمنعني منه إلّا مكانه منك ومكانك منه، فأنا منك كالابن العاقِّ من أبيه إن مات فجعه وإن عاش عقّه. إلى آخر ما مرَّ في في ص ١٨؟.

أم بقوله له: ما أنت بأفضل من عمّار، وما أنت أقلّ إستحقاقاً للنفيِّ منه(٢) ؟

أم بقوله له: أنت أحقُّ بالنفيِّ من عمّار؟(٣) .

أم بقوله الغليظ الذي لا يحبُّ المؤرِّخون ذكره ونحن سكتنا عن الإعراب عنه(٤) .

وبعد هذه كلّها يزحزحهعليه‌السلام عن مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وُيقلقه من عقر داره ويخرجه إلى ينبُع مرَّة بعد اُخرى قائلاً لابن عبَّاس: قل له فليخرج إلى ماله بالينبُع، فلا أغتمّ به ولا يغتمّ بي.

ألا مُسائل الرجل عمَّا أوجب أولويَّة الإمام الطاهر المنزَّه عن الخطل، المعصوم من الزلل بالنفي ممَّن نَفاهم من الاُمَّة الصالحة؟ أكان بزعمه عليٌّعليه‌السلام شيوعّياً إشتراكيّاً شيخاً كذّاباً كأبي ذر الصَّادق المصدَّق؟ أم كان عندهُ دويبة سوء كإبن مسعود أشبه الناس هدياً ودلاًّ وسمتاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

أم كان الرجل يراه ابن متكاء، عاضاً اير أبيه، طاغياً كذّاباً يجترأ عليه ويجرّأ عليه الناس كعمّارِ جلدة ما بين عيني النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

أم كان يحسبه معالجاً نيرنجاً ككعب بن عبدة الصالح الناسك؟

____________________

١ - راجع ج ٨ ص ٣٠٤ و ٣١٠.

٢ - الفتنة الكبرى ص ١٦٥.

٣ - راجع صفحة ١٩ من هذا الجزء.

٤ - راجع ج ٨: ٢٩٨، ٢٩٩، ٣٠٦، ٣٢٣.

٦١

أم كان يراه تاركاً الجبن واللحم والجمعة والتزويج كعامر بن عبد قيس القارئ الزاهد المتعبِّد؟.

أم كان الإمام متكلّماً بألسنة الشّياطين غير عاقل ولا ديِّن كصلحاء الكوفة المنفيِّين؟.

حاشا صنو النبيِّ الأقدس عن أن يُرمى بسقطة في القول أو في العمل بعد ما طهّره الجليل، واتّخذه نفساً لنبيّه، واختارهما من بين بريَّته نبيّاً ووصيّاً.

وحاشا أولئك المنفيُّون من الصحابة الأوَّلين الأبرار والتابعين لهم بإحسان عن تلكم الطامات والأفائك والنسب المفتعلة.

نعم كان يرى الرجل كلاًّ من اُولئك الصفوة البررة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر طاغياّ إتّخذ عليّاًعليه‌السلام سُلّماً ويعدّه كهفاً وملجأً يُدافع عنهم بوادر غضب الخليفة، ويحول بينهم وبين ما يرومه من عقوبة تلك الفئة الصالحة الناقمة عليه لِما ركبه من النهابير، فدفع هذا المانع الوحيد عن تحقّق هواجس الرجل كان عنده أولى بالنفي من أولئك الرجال المنفيِّين، ولولاه لكان يشفي منهم غليله، ويتسنّى له ما كان يبتغيه من البغي عليهم، والله يدافع عن الذين آمنوا وإنّه على نصرهم لقدير.

على أنَّه ليس من المعقول أن يكون من يأوي إلى مولانا أمير المؤمنين وآواه هو طاغياً كما يحسبه هذا الخليفة، فإنَّه لا يأوي إلى مثله إلّا الصالح الراشد من المظلومين وهوعليه‌السلام لا يحمي إلّا من هو كذلك، وهو وليُّ المؤمنين، وأمير البررة، وقائد الغرّ المحجَّلين، وإمام المتقين، وسيِّد المسلمين، كلّ ذلك نصّاً من الرسول الصّادق الأمين وليتني أدري ممَّ كان يغتمّ عثمان من مكان أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمدينة؟ ووجوده رحمةٌ ولطفٌ من الله سبحانه وتعالى على الأمَّة جمعاء لا سيما في البيئة التي تُقّله، يكسح عن أهلها الفساد، ويكبح جماح المتغلّبين، ويقف أمام نعرات المتهوِّسين، و يسير بالناس على المنهج اللاحب سيراً سجحاً.

نعم: يغتمّ به سماسرة النهمة والشرَه فيروقهم بعاده ليهملج كلٌّ منهم إلى غاياته قلق الوضين.وما كان هتاف الناس به يومئذ إلّا لأن يقيم أوَد الجامعة، ويعدِّل الخطّة العوجاء، ويقف بهم على المحجَّة الواضحة، غير أنَّ ذلك الهتاف لا يروق من لا يروقه

٦٢

ذلك كلّه، فالإغتمام به جنايةٌ على المجتمع الديني، ووقوفٌ أمام سير الصالح العام.

ولعمر الله إنَّ هذه القوارص هي التي فتحت باب الجرأة على أمير المؤمنين بمصراعيه طيلة حياته، وهتكت منه حجاب حرمته وكرامته، وأطالت عليه ألسنة البذاءة والوقيعة فيه، وعثمان هو الذي أزرى الإمام في الملأ الديني، وصغَّره في أعين الناس وجرّأ عليه طغام الأمويِّين وسفلة الأعراب، فباذأه أبناء أميَّة وهم على آسال خليفتهم إتَّخذوه أسوةً وقدوةً في شتيمته وقذيعته وآذوا نبيّهم في أخيه علم الهدى، إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعدَّلهم عذاباً مُهينا، والذين يؤذون رسول الله لهم عذابٌ أليم، والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مبينا.

_٤٨_

آية نازلةٌ في الخليفة

أخرج الواحدي والثعلبي من طريق ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك قالوا: نزلت قوله تعالى في سورة النجم ٣٣، ٣٤، ٣٥: أفرأيت الذي تولّى‏، وأعطى‏ قليلاً وأكدى(١) ، أعنده علم الغيب فهو يرى‏. نزلت في عثمان رضي الله عنه كان يتصدَّق وينفق في الخير فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يُبقي لك شيئاً.فقال عثمان: إنَّ لي ذنوباً وخطايا وإنِّي أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك وبرحلها وأنا أتحمَّل عنك ذنوبك كلّها. فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل الله تعالى: أفرأيت الذي تولّى. الخ. فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله.

وذكره جمعٌ من المفسِّرين وفي تفسير النيسابوري: معنى تولّى: ترك المركز يوم اُحد.

راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٩٨، تفسير القرطبي ١٧: ١١١، الكشاف ٣: ١٤٦، تفسير النيسابوري هامش الطبري ٢٧: ٥٠ تفسير الشربيني ٤: ١٢٨.

____________________

١ - قال ابن عباس ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك: أكدى: انقطع فلا يعطي شيئاً. يقال البئر أكدت.

٦٣

قال الأميني: لا غرابة من ابن أبي سرح وقد تشاكلت أحواله يوم كفره وإسلامه وردَّته وزلفته من عثمان على عهد خلافته إن لهج بهذه السخافة التي لا تلائم أيّاً من نواميس العدل، ولكن إن تعجب فعجبٌ قبول عثمان تلكم الخرافة منه، ومنحه إيّاه ناقته برحلها على أن يحمل عنه ذنوبه (ولا تزر وازرةٌ وزر اخرى) وإشهاده عليه وإمساكه عن الصدقات، وحسبانه انَّ ما قاله ذلك الساخر كائنٌ لا محالة، كأنَّ بيد إبن أبي سرح أزمَّة الحساب، وعنده مقاليد يوم القيامة، وهو الخبير ما يكون فيه، فأنبأه بأنَّ ذنوبهُ محيت بتلك المبادلة، أو أنَّ عثمان نفسه كان يعلم الغيب، فهو يرى أنَّ ما يقوله حميمه حقّ، وكأنَّه نسي قوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيْ‏ء إنَّهم لكاذبون، وليحملنَّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليُسألنَّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون(١) وقوله تعالى: مَن يعمل سوءاً يُجزَ به ولا يجد له من دون اللّه وليّاً ولا نصيرا(٢) وقوله تعالى: فمَن يعمل مثقال ذرَّة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرَّة شرّاً يره(٣) وقوله تعالى: كلٌّ نفس بما كسبت رهينة(٤) ومن يكسب إثماً فإنَّما يكسبه على‏ نفسه(٥) أليوم تُجزى‏ كلٌّ نفس بما كسبت لا ظلم اليوم(٦) ولتجزى‏ كلّ نفس بما كسبت وهم لا يُظلمون(٧) إلى آي كثيرة من أمثالها وهي كلّها تقرِّر حكم العقل بقبح أخذ أيِّ أحد بجريمة غيره.

والعدل يحكم بأنَّ إبن أبي سرح وهو مثال المئاثم والمخازي إن حُمّل إثماً مِن جرّاء قولته هذه فإنَّما هو جرأته على الله تعالى وتصغيره عظمة نيران القسط الإلهي و نهيه عن الصدقة لا ما سبق لعثمان إقترافه من السيّئات، لكن هلمَّ معي إلى ضئولة عقل مَن يصدّق تلكم المهزأة، ويرتِّب عليها آثاراً عمليَّة حتى ندَّد به الذكر الحكيم.

____________________

١ - سورة العنكبوت: ١٢، ١٣.

٢ - سورة النساء: ١٢٣.

٣ - سورة الزلزلة: ٧، ٨.

٤ - سورة المدثر: ٣٨١.

٥ - سورة النساء: ١١١.

٦ - سورة غافر: ١٧.

٧ - سورة الجاثية: ٢٢.

٦٤

وهب أنّا غاضينا الراوي على عود الرجل إلى ما كان بعد نزول الآية الكريمة، لكن ذلك لا يُجديه نفعاً يُزيح عنه وصمة ضعف الرأي وقوَّة الرعونة فيه، نعم: كان يُجديه لو لم يعبأ بتلكم الضلالة، أوانَّه عدل عنها بقوَّة التفكير لا بتوبيخ الوحي الإلهي، وليته لم يعدل فإنَّه عدل إلى ما عرفت من سيرته في الصدقات، وجاء يخضم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.

_٤٩_

الخليفة لا يعرف المخلص من النَّار

أخرج ابن عساكر في تاريخه ٢: ٥٨ من طريق أحمد بن محمَّد أبي عليّ بن مكحول البيروتي قال: مرَّ عمر على عثمان بن عفّان فسلّم عليه فلم يردّ عليه ‌السلام فجاء عمر إلى أبي بكر الصدِّيق فقال: يا خليفة رسول الله! ألا اُخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله؟ قال: وما هي؟ قال: مررت على عثمان فسلّمت عليه فلم يردَّ عليَّ السَّلام. فقال أبو بكر: أوَ كان ذلك؟ قال: نعم. فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلّما عليه فردَّ عليهما السَّلام. فقال أبو بكر: جاءك عمر فسلّم عليك فلم تردَّ عليه؟ فقال: والله يا خليفة رسول الله! ما رأيته. قال: وفي أيِّ شيء كانت فكرتك؟ قال: كنت مفكّراً في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارقناه ولم نسأله: كيف الخلاص والمخلص من النّار؟ فقال أبو بكر: والله لقد سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرني فقال عثمان: ففرّج عنّا قال أبو بكر: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تمسَّكوا بالعروة الوثقى قول لا إله إلّا الله.

قال الأميني: أكان في اُذن الرجل وقرٌ على عهد النبوَّة عمّا كان يتهالك دونه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويهتف به آناء الليل وأطراف النهار منذ بدء البعثة إلى أن لقي ربَّه من الإشادة بكلمة التوحيد، وإنَّ الإخلاص بها هو المنقذ الفذّ، والسبب الوحيد للنجاة من الهلكة التي من ورائها النار، وانَّ مَن يسلم وجهه لِلّه وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى‏(١) فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى(٢) والذين آمنوا وعملوا الصّالحات اُولئك أصحاب الجنَّة(٣) انَّه مَن يشرك بالله فقد

____________________

١ - سورة لقمان: ٢٢.

٢ - سورة البقرة: ٢٥٦.

٣ - سورة البقرة: ٨٢.

٦٥

حرَّم الله عليه الجنَّة ومأواه النّار(١) .

ألم يك يسمع نداءهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا(٢) ؟.

وقوله: مَن شهد أن لا إله إلّا الله، وانَّ محمَّداً رسول الله، حرّم الله عليه النار.

وقوله: مَن قال: لا إله إلّا الله مخلصاً دخل الجنَّة.

وقوله: ما مِن أحد يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، صدقاً من قلبه إلّا حرَّمه الله على النّار.

وقوله: إنِّي لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ حقّاً من قلبه فيموت على ذلك إلّا حرِّم على النّار: لا إله إلّا الله. إلى أحاديث كثيرة جمع جملة ضافية منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ٢: ١٦٠ - ١٦٤.

أو انَّ الرجل كان يسمع هذه الكلمات الذهبيَّة، لكنَّه لا يعيرها اُذناً واعية فنسيها؟ فإن كان لم يعِ هذه وهي أساس الدعوة فما الذي وعاه؟ وما الذي تعقّله من نبيّ جاء وذهب ولم يعرِّف ما هو المخلص من النّار؟ ولم يبعث إلّا لانتشال اُمّته منها، وفي يده كتابه الكريم فيه تبيان كلّ شيء، وأيّ نبيّ كان يحسبه عثمان، نبيّ العظمة؟ وعلى أيِّ أساس علاُ صروح إسلامه؟ وأيّ مسلم هذا يدرك أيّام دعوة نبيِّه كلّها ثمَّ يدركهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموت ولم يعرف المسكين بعدُ ما ينجيه من النّار؟ نعم: لم يأل نبيُّ الإسلام في تنوير سبل السّلام، وإنقاذ البشر من النّار، فماذا عليه؟ إن لم تصادفه نفسٌ صاغية إلى تعاليمه فلم تحفظها.

_٥٠_

ترك الخليفة التكبير في كلِّ خفض ورفع

أخرج أحمد بالإسناد عن مطرف عن عمران بن حصين قال: صلّيت خلف عليّ صلاة ذكّرني صلاة صلّيتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصلّيت معه فإذا هو يكبِّر كلّما سجد وكلّما رفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد مَن أوّل مَن تركه؟ قال: عثمان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه(٣) .

____________________

١ - سورة المائدة ٧٢.

٢ - تاريخ البخارى ج ٤ القسم الثانى ص ١٤.

٣ - مسند احمد ٤: ٤٢٨، ٤٢٩، ٤٣٢، ٤٤٠، ٤٤٤.

٦٦

قال الأميني: سيوافيك البحث الضافي في الجزء العاشر إنشاء الله تعالى حول التكبيرة في الصَّلاة عند كلِّ رفع وخفض وانّها سنّة ثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسالمت عليها الاُمَّة، وعمل بها الصحابة، واستقرَّ عليها إجماع أئمَّة المذاهب، وهذا الحديث يعطينا خُبراً بأنَّ أوَّل مَن تركها هو عثمان وتبعه معاوية وبنو اُميَّة، وما زال الناس على هذا المزن وتمرَّنت عليه الاُمّة طوعاً أو كرهاً حتّى ضاعت السنّة الثابتة ونُسيت، وكان مَن جاء بها يُعدُّ أحمقاً كأنَّه إرتكب بأمر إمر شاذّ عن الشرع المقدَّس، والتبعة في ذلك كلّه على الخليفة البادي بترك سنَّة الله التي لا تبديل لها. قال الزرقاني في شرح الموطّأ ٢: ١٤٥: ولأحمد عن عمران: أوَّل من ترك التكبير عثمان حين كبر، وللطبري عن أبي هريرة: أوَّل مَن ترك معاوية، ولأبي عبيد: أوَّل من تركه زياد. ولا ينافي ما قبله لأنَّ زياداً تركه بترك معاوية، وكأنّه تركه بترك عثمان وقد حمله جماعةٌ من العلماء على الإخفاء. ه.

وتبرير عمل عثمان بالحمل على الإخفاء يأباه صريح لفظ ترك. وإنَّما يخبر ابن حصين عن تكبير أمير المؤمنين في الهويِّ والإنتصاب لا عن جهره به، والسائل إنَّما يسأله عن أوَّل مَن تركه لا عمّن خافتَ به أوَّلاً، ويزيِّفه ما يأتي عن ابن حجر والشوكاني وغيرهما من قولهم كما سمعت عن الزرقاني: كان معاوية تركه بترك عثمان. ولم يؤثر عن معاوية غير الترك والتنقيص كما يأتي حديثه بلفظ نقص، وقد اتّبع إثر عثمان في اُحدوثته فإلى الملتقى.

نتاج البحث

هذه نُبذٌ قليلةٌ نشرتها يد التاريخ الجانية بعد أن طوى كشحاً عن ذكر مهمّات ما جرى في ذلك العهد المشحون بالقلاقل، الطافح بالفتن، المفعم بالهنابث، وقد عرفناه جانياً بستر تلكم الحقايق، جنوحاً إلى العاطفة، سايراً مع الميول، والتاريخ حرٌّ يجب أن يمضي مع الواقع وأن لا يلويه مع القصد تعصبُّ لأحد أو تحيّزٌ إلى فئة، لكن القوم لم يسيروا في سرد التاريخِ كما يجب عليهم، فطفقوا يُحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويُثبتون ما يوافق هواهم، ويدَعون ما لا يروقهم.

قال الطبري في تاريخه ٥: ١٠٨: إنَّ الواقدي ذكر في سبب مسير المصريِّين إلى

٦٧

عثمان ونزولهم ذا خُشب أموراً كثيرة، منها ما تقدَّم ذكره، ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة منِّي ذكره لبشاعته.

وقال في ج ٥: ١١٣: قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه إنَّهم جعلوها ذريعةً إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت الى الإعراض عنها.

وقال في ص ٢٣٢: إنَّ محمَّد بن أبي بكر كتب إلى معاوية لمـَّا ولي فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يتحمَّل سماعها العامَّة.

ومرَّ في ج ٨: ٣٠٥ في ذكر ما جرى بين عليٌّعليه‌السلام وعثمان قول المسعودي: فأجابه عثمان بجواب غليظ لا اُحبُّ ذكره وأجابه عليٌّ بمثله.

وقال ابن الأثير في الكامل ٣: ٧٠: قد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعةً إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية ٧: ١٦٦: وفي هذه السنة (يعني ٣٣) سيَّر عثمان بعض أهل البصرة منها إلى الشام وإلى مصر بأسباب مسوّغة لما فعله رضي الله عنه فكان هؤلاء ممّن يؤلِّب عليه ويُمالئ الأعداء في الحطِّ والكلام فيه وهم الظالمون في ذلك، وهو البارُّ الراشد رضي الله عنه.

وقال في ص ١٧٧: جرت اُمورٌ سنورد منها ما تيسَّير وبالله المستعان. ثمَّ ذكر من الاُمور ما راقه ويُلائم ذوقه ولم يذكر إلّا سلسلة أكاذيب لم يصحّ شيءٌ منها.

وقال الدكتور أحمد فريد رفاعي في عصر المأمون ١: ٥: أمّا نحن فلا يُطلب منّا أن نبدي رأينا في عثمان، فهو صحابيٌّ عظيم وله أثره الخالد في جمع القرآن وغير القرآن وله دينه السمح الذي لا تشوبه شائبة، وما كان الدين ليحتِّم على الناس جميعاً أن يكون نظرهم إلى الحياة الدنيا نظر التقشّف والزهد، ولا يُطلب منّا أن نثبت ضعف الحكومة العثمانيَّة، وإنّما يُطلب منّا أن نسرد الحوادث بايجاز، ولنا في تسلسل هذه الحوادث و دراستها وتقييد آثارها ما قد يسمح لنا بالتعرُّض له حين معالجتنا الكلام عن عصرنا فيما بعدُ. ه.

ثمَّ ذكر ما جاء به اليعقوبي من الأيعاز إلى بعض ما نُقم به على عثمان فتخلّص عن البحث فيه بما أتى به إبن الأثير من رواية الطبري عن السري الكذّاب عن شعيب المجهول عن سيف المتروك الساقط المتَّهم بالزندقة أو عن اُناس آخرين أمثال هؤلاء.

٦٨

أضف إلى هذه كثيراً من كتب التاريخ المؤلَّفة قديماً وحديثاً فإنّها اُلِّفت بيد أثيمة على ودايع العلم والدين، ولعلَّ في المذكور في كتابنا هذا وهو قليلٌ من كثير مقنعاً للحصول على العلم بنفسيّات الخليفة من شتّى نواحيه، ومبلغه من العلم، ومقداره من التقوى، ومداه من الرأي، ومآثره من ناحية ملكاته، وقد عرف كلَّ ذلك مَن عاصره وعاشره، فكانت كلمتهم في حقِّه واحدة، ورأيهم فيه فذّاً، وأعمالهم معه كلٌّ يشبه الآخر، ونحن نذكر لك نماذج ممّا لُفظ به من قول وعُمل به من فعل في ذلك الدور القاتم بالفجايع والفظايع فدونكها:

١- حديث أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

١ - من كلام لهعليه‌السلام في معنى قتل عثمان: لو أمرت به لكنت قاتلاً، أو نهيت عنه لكنت ناصراً، غير انَّ من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله مَن أنا خيرٌ منه، و مَن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خيرٌ منِّي، وأنا جامعٌ لكم أمره: إستأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولِلَّه حكمٌ واقعٌ في المستأثر والجازع(١)

قال ابن أبي الحديد في الشرح ١: ١٥٨: قوله: غير أنَّ مَن نصره. معناه انَّ خاذليه كانوا خيراً من ناصريه، لأنَّ الذين نصروه كان أكثرهم فسّاقاً كمروان بن الحكم وأضرابه، وخذله المهاجرون والأنصار.

٢ - من كلام لهعليه‌السلام قاله لابن عبّاس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصورٌ يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع فقالعليه‌السلام :

يا ابن عبّاس! ما يريد عثمان إلّا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب(٢) اُقبل واُدبر بعث إليَّ أن أخرج ثمَّ بعث إليَّ أن أقدم، ثمَّ هو الآن يبعث إليَّ أن أخرج، والله لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثماً(٣) .

٣ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٩٨ من طريق أبي حادة انَّه سمع عليّاً رضي الله عنه يقول وهو يخطب فذكر عثمان فقال: والله الذي لا إله إلّا هو ما قتلته، و

____________________

١ - نهج البلاغة ١: ٧٦.

٢ - الناضح: البعير يستقى عليه. الغرب: الدلو العظيمة.

٣ - نهج البلاغة ١: ٤٦٨.

٦٩

لا ما لأت على قتله، ولا ساءني.

٤ - أخرج ابن سعد من طريق عمّار بن ياسر قال: رأيت عليّاً على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قُتل عثمان وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. الأنساب للبلاذري ٥: ١٠١.

وأو عز شاعر أهل الشام كعب بن جعيل إلى قول الامامعليه‌السلام بأبيات له ألا وهي:

وما في عليّ لمستعتب

مقالٌ سوى ضمِّه المحدثينا

وإيثاره اليوم أهل الذنوب

ورفع القصاص عن القاتلينا

إذا سيل عنه حذا شبهة(١)

وعمّى الجواب على السائلينا

فليس براضٍ ولا ساخطٍ

ولا في النُهاة ولا الآمرينا

ولا هو ساء ولا سرَّة

ولا بدَّ من بعض ذا أن يكونا(٢)

قال ابن أبي الحديد بعد ذكر الأبيات: ما قال هذا الشعر إلّا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير لأمير المؤمنين في عثمان يجري هذا المجرى نحو قوله: ما سرَّني ولا ساءني، وقيل له: أرضيت بقتله؟ فقال: لم أرض، فقيل له: أسخطت قتله؟ فقال: لم أسخط. وقوله تارةً: ألله قتله وأنا معه. وقوله تارة اُخرى: ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله. وقوله تارةً اُخرى: كنت رجلاً من المسلمين أوردتُ إذا وردوا، و أصدرتُ إذا صدروا. ولكلِّ شيء من كلامه إذا صحَّ عنه تأويلٌ يعرفه اُولو الألباب.

٥ - أخرج أبو مخنف من طريق عبد الرحمن بن عبيد: انَّ معاوية بعث إلى عليّ حبيب من مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وأنا عنده (إلى أن قال بعد كلام حبيب وشرحبيل وذكر جواب مولانا أمير المؤمنين): فقالا أتشهد انَّ عثمان رضي الله عنه قُتل مظلوماً؟ فقال لهما: لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد انَّ عثمان قُتل مظلوماً فنحن منه بُرءآء. ثمَّ قاما فانصرفا فقال عليٌّ: إنَّك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصمَّ الدعاء إذا ولَّوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تُسمع إلّا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.

____________________

١ - فى العقد الفريد: زوى وجهه.

٢ - كتاب صفّين لابن مزاحم ص ٦٣، العقد الفريد ٢: ٢٦٧، شرح ابن أبى الحديد ١: ١٥٨

٧٠

كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ٢٧٧ واللفظ له، تاريخ الطبري ٦: ٤، الكامل لابن الأثير ٣: ١٢٥.

٦ - ذكر البلاذري في الأنساب ٥: ٤٤ في حديث قول عليّعليه‌السلام لعثمان: يا عثمان! إنَّ الحق ثقيلٌ مَرئ، وإنَّ الباطل خفيفٌ وبئ، وإنَّك متى تُصدق تسخط ومتى تُكذب ترضَ.

٧ - كان عليٌّ كلّما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل إبنه الحسن إليه فلمّا أكثر عليه قال له: إنَّ أباك يرى أنَّ أحداً لا يعلم ما يعلم، ونحن أعلم بما نفعل، فكفَّ عنّا، فلم يبعث عليٌّ إبنه في شيء بعد ذلك، وذكروا أنَّ عثمان صلّى العصر ثمَّ خرج إلى عليّ يعوده في مرضه ومروان معه فرآه ثقيلاً فقال: أما والله لولا ما أرى منك ما كنت أتكلّم بما اُريد أن أتكلّم به، والله ما أدري أيّ يوميك أحبّ إليَّ أو أبغض، أيوم حياتك؟ أو يوم موتك؟ أما والله لئن بقيت لا أعدم شامتاً يعدّك كهفاً، ويتَّخذك عضداً، ولئن متَّ لأفجعنَّ بك، فحظِّي منك حظّ الوالد المشفق من الولد العاقِّ، إن عاش عقَّه، وإن مات فجعه فليتك جعلت لنا من أمرك لنا علماً نقف عليه ونعرفه، إمّا صديقٌ مُسالم، وإمّا عدوٌّ معاني، ولا تجعلني كالمختنق بين السَّماء والأرض، لا يرقى بيد ولا يهبط برجل، أما والله لِئن قتلتك لا اصيب منك خلفاً، ولئن قتلتني لا تصيب منِّي خلفاً، وما اُحبّ أن أبقى بعدك. قال مروان: إي والله، واُخرى انَّه لا ينال ما وراء ظهورنا حتّى تكسرَ رماحنا، وتقطع سيوفنا، فما خير العيش بعد هذا؟ فضرب عثمان في صدره وقال: ما يدخلك في كلامنا؟ فقال عليٌّ: إنِّي والله في شغل عن جوابكما ولكنِّي أقول كما قال أبو يوسف: فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون.

(العقد الفريد ٢: ٢٧٤، الإمامة والسياسة ١: ٣٠).

٨ - في كتاب لمولانا أمير المؤمنين يجيب به معاوية بن أبي سفيان قال: وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إيّاهم والبغي عليهم، فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون، وأمّا الكراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلك، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت، وعمل به النّاس ما قد بلغك، فقد علمت أنِّي كنت من أمره في عزلة إلّا أن تجنّى فتجنَّ ما شئت، وأمّا ذكرك قتلة عثمان وما سألت من دفعهم

٧١

إليك فإنِّي نظرتُ في هذا الأمر وضربتُ أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، وإن لم تنزع عن غيّك لنعرفنَّك عمّا قليل يطلبونك ولا يكلّفونك أن تطلبهم في سهل ولا جبل ولا برّ ولا بحر.

كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ١٠٢، العقد الفريد ٢: ٢٨٦، نهج البلاغة ٢: ١٠، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٤٠٩.

٩ - أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن محمَّد: انَّ عثمان صعد يوم الجمعة المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقام رجل فقال: أقم كتاب الله، فقال عثمان: اجلس فجلس حتّى قام ثلاثاً فأمر به عثمان فتحاثوا بالحصباء حتّى ما ترى السَّماء وسقط عن المنبر وحمل فاُدخل داره مغشيّاً عليه فخرج رجلٌ من حجاب عثمان ومعه مصحفٌ في يده وهو ينادي: إنَّ الذين فارقوا دينهم وكانوا شيَعاً لست منهم في شيء إنَّما أمرهم إلى الله. ودخل عليٌّ بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشيٌّ عليه وبنو اُميَّة حوله، فقال: مالك يا أمير المؤمنين؟ فأقبلت بنو اُميَّة بمنطق واحد فقالوا: يا عليّ! أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين، أما والله لئن بلغت الَّذي تريد لتُمرنَّ عليك الدنيا. فقام عليٌّ مغضباً.

تاريخ الطبري ٥: ١١٣، الكامل لابن الأثير ٣: ٦٧.

١٠ - ذكر ابن قتيبة في الامامة والسياسة ١ ص ٤٢ في حديث مسائلة عمرو بن العاص راكباً: فقال له عمرو: ما الخبر؟ قال: قتل عثمان، قال: فما فعل الناس؟ فقال: بايعوا عليّاً. قال: فما فعل عليٌّ في قتلة عثمان؟ قال: دخل عليه وليد بن عقبة فسأله عن قتله فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرَّني ولا ساءني. قال: فما فعل بقتلة عثمان؟ فقال: آوى ولم يرضَ، وقد قال له مروان: إن لا تكن أمرت فقد تولَّيت الأمر، وإن لا تكن قتلت فقد آويت القاتلين، فقال عمرو بن العاص: خلط والله أبو الحسن.

١١ - روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام على منبر الكوفة وهو يقول: يا أبناء المهاجرين! انفروا إلى أئمَّة الكفر، وبقيَّة الأحزاب وأولياء الشيطان، إنفروا إلى مَن يقاتل على دم حمّال الخطايا، فوالله الّذي

٧٢

فلق الحبَّة وبرأ النسمة انَّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقض من أوزارهم شيئا(١) .

قال الأميني: طعن ابن أبي الحديد في هذا الحديث بمكان قيس(٢) بن أبي حازم وقال: هو الذي روى حديث انَّكم لترون ربَّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، وقد طعن مشايخنا المتكلّمون فيه وقالوا: إنَّه فاسقٌ ولا تُقبل روايته لأنَّه قال: إنِّي سمعت عليّاً يخطب على منبر الكوفة ويقول: انفروا إلى بقيَّة الأحزاب. فأبغضته ودخل بغضه في قلبي ومَن يبغض عليّاًعليه‌السلام لا تقبل روايته. ثمَّ حمله على فرض الصحَّة على إرادة معاوية من قوله: حمّال الخطايا فقال: لأنَّهم يحامون عن دمه، ومَن حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه. ا هـ.

ألا مُسائل الرجل عن انَّ رواية حديث الرؤية أيُّ منقصة وحزازة فيها وقد أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد في مسنده؟ فهل طعن أحدٌ في أولئك الأئمَّة لروايتهم إيّاها؟

ثمَّ لو كان مَن أبغض عليّاًعليه‌السلام فاسقاً غير مقبول الرواية - كما هو الحقُّ - فما قيمة الصحاح عندئذ في سوق الإعتبار؟ وما أكثر فيها من الرواية عن مناوئي أمير المؤمنين ومنهم نفس الرجل (قيس بن أبي حازم) فقد أخرج أئمَّة الصحاح أحاديث من طريقه و هو من رجالهم.

على أنَّ علماء الفنِّ من القوم مع قولهم بأنَّه كان يحمل على عليّ نصوّا على ثقة الرجل وقالوا: متقن الرواية، والحديث عنه من أصحِّ الإسناد، وقال ابن خراش: كوفيٌّ جليلٌ. وقال ابن معين: ثقةٌ. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال ابن حجر: أجمعوا على الذهبي الإحتجاج به ومن تكلّم فيه فقد آذى نفسه.

(راجع تهذيب التهذيب ٨: ٣٨٦)

وأمّا تأويل: (حمّال الخطايا) بإرادة معاوية منه فمن التافه البعيد عن سياق العربيَّة نظير تأويل معاوية الحديث الوارد في عمّار من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقتلك الفئة الباغية.

١٢ - كان مولانا أمير المؤمنين يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم و

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ١: ١٧٩.

٢ - من رجال الصحيحين: البخارى ومسلم.

٧٣

يستنفرهم إلى أهل الشام فقال له الأشعث بن قيس: هلّا فعلت فعل ابن عفان؟ فقال له: إنَّ فعل ابن عفّان لمخزاةٌ على من لا دين له ولا وثيقة معه، إنَّ امرأ أمكن عدوّه من نفسه يهشم عظمه ويفري جلده لضعيفٌ رأيه، مأفونٌ عقله، أنت فكن ذاك، إن أحببت فأمّا أنا فدون أن اعطي ذاك ضرب بالمشرفيَّة الفصل(١) .

١٣ - من كتاب لهعليه‌السلام كتبه إلى أهل مصر لَمّا ولّى عليهم الأشتر:

من عبد الله عليٍّ أمير المؤمنين: إلى القوم الذين غضبوا لِلَّه حين عُصي في أرضه وذُهب بحقِّه، فضرب الجور سرادقه على البرِّ والفاجر، والمقيم والظاعن، فلا معروف يُستراح إليه، ولا منكرٌ يُتناهى عنه(٢) .

قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٥٨: هذا الفصل يشكل عليَّ تأويله لأنَّ أهل مصرُهم الذين قتلوا عثمان، وإذا شهد أمير المؤمنينعليه‌السلام انَّهم غضبوا لِلَّه حين عُصي في الأرض، فهذه شهادةٌ قاطعةٌ على عثمان بالعصيان وإتيان المنكر. ثمَّ تأوَّله بما رآه تعسّفاً، والتعسّف لا يغني عن الحقِّ شيئاً ولا تتمُّ به الحجَّة.

هَبْ ابن أبي الحديد تعسّف هاهنا وتأوَّل فما يصنع ببقيَّة كلمات مولانا أمير المؤمنين وكلمات ساير الصحابة لدة هذه الكلمة وهي تربو على مئات؟ فهل يسعنا أن نكون عسوفاً في كلِّ ذلك؟ سل عنه خبيراً.

١٤ - من كلام لأمير المؤمنين قاله لعثمان لَمَّا اجتمع الناس إليه وشكوا إليه ما نقموه على عثمان فدخلعليه‌السلام عليه فقال:

إنَّ الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، إنّك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلو نا بشيء فنبلّغكه وقد رأيتَ كما رأينا، وسمعتَ كما سمعنا وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحقِّ منك، وأنت أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيجة رحم منهما، وقد نلتَ من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك فانَّك والله ما تُبصَّر من عمىً، ولا تُعلّم من جهل، وإنَّ الطرق

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ١: ١٧٨.

٢ - تاريخ الطبرى ٦: ٥٥، نهج البلاغة، ٢: ٦٣، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٩.

٧٤

لواضحةٌ، وإنَّ أعلام الدين لقائمة، فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادل، هُدي وهَدى، فأقام سنَّةً معلومةً، وأمات بدعةً مجهولةً، وإنَّ السنن لنيِّرةٌ لها أعلامٌ، وإنَّ البدع لظاهرةٌ لها أعلام، وأن شرَّ الناس عند الله إمامٌ جائرٌ، ضَلَّ وضُلَّ به، فأمات سنَّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكةً، وانِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصيرٌ ولا عاذرٌ فيُلقى في نار جهنَّم فيدور فيها كما تدور الرحى ثمَّ يرتبط في قعرها، وإنِّي أُنشدك الله أن تكون إمام هذه الاُمَّة المقتول فإنَّه كان يُقال: يُقتل في هذه الاُمَّة إمامٌ يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويُلبِّس اُمورها عليها، ويُثبِّت الفتن فيها، فلا يبصرون الحقَّ من الباطل، يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا، فلا تكوننَّ لمروان سيِّقةً يسوقك حيث شاء بعد جُلال السنِّ و تقضّي العمر، فقال له عثمان: كلّم الناس في أن يؤجِّلوني حتى أخرج اليهم من مظالمهم فقالعليه‌السلام : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك اليه(١) .

تاريخ الطبري ٥: ٩٦، الأنساب للبلاذري ٥: ٦٠، نهج البلاغة ١: ٣٠٣، الكامل لإبن الأثير ٣: ٦٣، تاريخ ابن كثير ٧: ١٦٨.

١٥ - أخرج ابن السمّان من طريق عطاء إنَّ عثمان دعا عليّاً فقال: يا أبا الحسن! إنَّك لو شئت لاستقامت عليَّ هذه الاُمَّة فلم يخالفني واحدٌ. فقال عليُّ: لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكفَّ الناس، ولكنّي سأدلّك على أمر هو أفضل ممّا سألتني: تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر، وأنا لك بالناس لا يخالفك أحدٌ

(الرياض النضرة ٢: ١٢٩)

١٦ - من خطبة لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام الشقشقيَّة قوله: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى انكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكتب به بطنته.

مرَّت مصادر هذه الخطبة في الجزء السابع ص ٨٢ - ٨٥ ط ٢.

١٧ - قال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٦٧: قال حسّان بن ثابت لعليّ: إنَّك تقول: ما قتلتُ عثمان ولكن خذلته، ولا آمر به ولكن لم أنه عنه، فالخاذل

____________________

١ - سيأتى تمام الحديث فى صور توبة الخليفة وحنثه ايّاها مرّة بعد اخرى.

٧٥

شريك القاتل، والساكت شريك القاتل.

١٨ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ١٣ من طريق عبد الله بن عباس قال: إنَّ عثمان شكا عليّاً إلى العبّاس فقال له: يا خال؟ إنَّ عليّاً قد قطع رحمي، وألّب الناس إبنك، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب! أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيم وعدي فبنو عبد مناف أحقُّ أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه. قال عبد الله بن العبّاس: فأطرق أبي طويلاً ثمَّ قال: يا ابن أخت؟ لئن كنت لا تحمد عليّاً فما يُحمدك له، وإنَّ حقّك في القرابة والإمامة للحقُّ الذي لا يُدفع ولا يُجحد، فلو رقيت فيما تطأطأ أو تطأطأت فيما رقى تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل، قال: قد صيَّرت الأمر في ذلك إليك فقرِّب الأمر بيننا. قال: فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه فلمّا رجع قال: يا خال! اُحبّ أن تؤخِّر النظر في الأمر الذي ألقيت إليَّ حتّى أرى من رأيي، فخرج أبي من عنده ثمَّ التفت إليَّ فقال: يا بُنيَّ ليس إلى هذا الرجل من أمره شيءٌ، ثمَّ قال: أللهمَّ أسبق بي الفتن ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء اليه. فما كانت جمعة حتى هلك.

١٩ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ١٤ من طريق صهيب مولى العبّاس: إنَّ العبّاس قال لعثمان: اُذكّرك الله في أمر ابن عمّك وابن خالك وصهرك وصاحبك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد بلغني انَّك تريد أن تقوم به وبأصحابه، فقال: أوَّل ما اُجيبك به أنّي قد شفعتك، انَّ عليّاً لو شاء لم يكن أحدٌ عندي إلّا دونه ولكنَّه أبى إلّا رأيه، ثمَّ قال لعليّ مثل قوله لعثمان، فقال عليٌّ: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت.

٢٠ - من كتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية: أمّا بعد: فوالله ما قتل ابن عمّك غيرك، وإنّي لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته.

(العقد الفريد ٢: ٢٢٣، وفي ط ٢٨٥).

ولا تنس في الختام قول حسّان بن ثابت:

صبراً جميلاً بني الأحرار لا تهنوا

قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا

يا ليت شعري وليت الطير تُخبرني

ما كان شأن عليّ وابن عفّانا

٧٦

لتسمعنَّ وشيكاً في دياركُم

ألله أكبر يا ثارات عثمانا(١)

قال الأميني: يُعطينا الأخذ بمجامع هذه الأحاديث انَّ الإمامعليه‌السلام ما كان يرى الخليفة إمام عدل يسوءه قتله، أو يهمّه أمره يُسخطه التجمهر عليه، بل كان يعتزل عن أمره ويخشى أن يكون آثماً إن دؤب على الدفاع عنه، ولا يرى الثائرين عليه متحوِّبين في نهضتهم وإلّا لساءه ذلك فضلاً عن أن يسكت عنهم، أو يطريهم كما سمعته من كتابه إلى اهل مصر، أو يرى الخاذلين له خيراً ممَّن نصره، ولو كان يراه إمام عدل فأقلّ المراتب أن يقول: إنَّ ناصره خيرٌ من خاذله. بل الشأن هذا في أفراد المسلمين العدول من الرعيَّة فضلاً عن إمامها.

وحديث شكاية عثمان إلى عمّه العبّاس المتوفّى سنة ٣٢ يُعلمنا بأنَّ الخلاف والتشاجر بينهما كانا قبل تجمهر الثائرين عليه في أواسط أيّام خلافته قبل وفاته بأعوام وقول أمير المؤمنين له: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت. فيه إيعازٌ إلى أنَّ إنكارهعليه‌السلام على الرجل لم يكن قطّ في الملك، وما كان يرضى بشقِّ عصا المسلمين بالخلاف عليه في أمره، وإنَّما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يك يرى لنفسه بُدًّا من ذلك.

ولو أمعنت النظر فيما سردناه من ألفاظه الدريَّة لا نفتح عليك أبواب من رأي الإمامعليه‌السلام في الخليفة لم نوعز إليها، ويُعرب عن رأيه فيه ما مرَّ في ج ٨ ص ٢٨٧ ط ٢ من خطبة لهعليه‌السلام خطبها في اليوم الثاني من بيعته من قوله: ألا إنَّ كلَّ قطيعة أقطعها عثمان. وكلَّ مال أعطاه من مال الله فهو مردودٌ في بيت المال. فلو كان الرجل إمام عدل عند الإمامعليه‌السلام لكان أخذه وردُّه وقطعه وعطاءه حجَّة لا يتطرَّق إليها الردُّ، ولكن...

١حديث عائشة

بنت أبي بكر اُمّ المؤمنين

١ - قال ابن سعد: لَمّا حُصر عثمان كان مروان يُقاتل دونه أشدَّ القتال، و أرادت عائشة الحجَّ وعثمان محصورٌ فأتاها مروان وزيد بن ثابت و عبد الرّحمن بن عتاب

____________________

١ - أنساب البلاذري ٥: ١٠٤.

٧٧

فقالوا: يا اُمَّ المؤمنين! لو أقمت فانَّ أمير المؤمنين على ما ترين محصورٌ ومقامك ممّا يدفع الله به عنه. فقالت: قد حلبت ظهري، وعرّيت غرائري، ولست أقدر على المقام فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول:

وحرَّق قيسٌ عليَّ البلا

د حتَّى إذا استعرت أجذما

فقالت عائشة: أيُّها المتمثِّل عليَّ بالأشعار وددتُ والله إنَّك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رَحاً وإنّكما في البحر، وخرجت إلى مكّة وفي لفظ البلاذري: لَمّا اشتدَّ الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن ابن عتاب بن اسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحجَّ فقالا لها: لو أقمتِ فلعلَّ الله يدفع بكِ عن هذا الرجل. فقالت: قد قرنتُ ركابي وأوجبتُ الحجَّ على نفسي، ووالله لا أفعل. فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول:

وحرَّق قيسٌ عليَّ البلا

د حتّى إذا اضطرمت أجذما

فقالت عائشة: يا مروان! وودت والله انَّه في غرارة(١) من غرائري هذه وأنِّي طوَّقت حمله حتَّى اُلقيه في البحر.

٢ - مرَّ عبد الله بن عبّاس بعائشة وقد ولّاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل طريقها فقالت: يا ابن عبّاس؟ إنَّ الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإيّاك أن تردَّ الناس عن هذا الطاغية. أخرجه البلاذري.

وفي لفظ الطبري: خرج ابن عبّاس فمرَّ بعائشة في الصلصل(٢) فقالت: يا ابن عبّاس! انشدك الله فإنَّك قد اُعطيت لساناً إزعيلا أن تخذّل عن هذا الرجل وأن تشكّك فيه النّاس، فقد بانت لهم بصائرهم وانهجت ورفعت لهم المنار وتجلّبوا من البلدان لأمر قد جمّ، وقد رأيت طلحة بن عبد الله قد اتَّخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يلِ يسير بسيرة ابن عمِّه أبي بكر رضي الله عنه. قال: قلت: يا اُمَّه! لو حدث بالرجل حدثٌ ما فزع النّاس إلّا إلى صاحبنا.

فقالت: أيهاً عنك إنِّي لست اُريد مكابرتك ولا مجادلتك. وحكاه ابن أبي الحديد عن تاريخ الطبري في شرح النهج غير انَّ فيه:

____________________

١ - الغرارة بكسر المعجمة: الجوالق.

٢ - صلصل بالضم والتكرير: موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها.

٧٨

فقالت يا ابن عبّاس! انشدك الله فإنَّك قد اُعطيت فهماً ولساناً عقلاً أن لا تخذِّل النّاس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان، واتهجت ورفعت لهم المنابر وتجلّبوا من البلدان لأمر عظيم قد حمّ، وانَّ طلحة قد اتخَّذ رجالاً على بيوت الأموال، وأخذ مفاتيح الخزائن، وأظنّه يسير إنشاء الله بسيرة ابن عمِّه أبي بكر. الحديث.

٣ - كانت عائشة واُمّ سلمة حجَّتا ذلك العام (عام قتل عثمان) وكانت عائشة تؤلِّب على عثمان فلمّا بلغها أمره وهي بمكّة أمرت بقبّتها فضربت في المسجد الحرام وقالت: إنِّي أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر. رواه البلاذري.

٤ - أخرج عمر بن شبة من طريق عبيد بن عمرو القرشي قال: خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصورٌ فقدم عليها مكّة رجلٌ يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟ فقال: قتل عثمان المصريِّين. قالت: إنّا لِلَّه وإنّا إليه راجعون، أيقتل قوماً جاؤا يطلبون الحقَّ ويُنكرون الظلم؟ والله لا نرضى بهذا. ثمَّ قدم آخر فقالت: ما صنع النّاس؟ قال: قتل المصريُّون عثمان، قالت. العجب لأخضر زعم انَّ المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل: أكذب من أخضر. وأخرجه الطبري.

٥ - مرَّ في الجزء الثامن صفحة ١٢٣ ط ٢: أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة فقال: أما تجد مرّاق أهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلّا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت: تركت سنَّة رسول الله صاحب هذا النعل. ألحديث فراجع.

٦ - أسلفنا في هذا الجزء صفحة ١٦ في مواقف عمّار: انَّ عائشة لَمّا بلغها ما صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثمَّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنَّة نبيّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعدُ؟ فغضب عثمان غضباً شديداً حتّى ما درى ما يقول. ألحديث.

وقال أبو الفدا: كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بُلي دينه.

٧ - وفي كتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام كتبه لَمّا قارب البصرة إلى طلحة والزبير و عائشة: وأنتِ يا عائشة فإنَّكِ خرجتِ من بيتكِ عاصيةً لِلَّه ولرسوله تطلبين أمراً كان

٧٩

عنك موضوعاً، ثمَّ تزعمين انّكِ تريدين الإصلاح بين المسلمين، فخبّريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرَّمة؟ ثمَّ أنَّك طلبتِ على زعمكِ دم عثمان وما أنتِ وذاك؟ عثمان رجلٌ من بني اُميَّة وأنتِ من تيم، ثمَّ بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر، ثمَّ تطلبين اليوم بدمه؟ فاتَّقي الله وارجعي إلى بيتك، واسبلى عليكِ ستركِ، والسَّلام.

٨ - أخرج الطبري وابن قتيبة: انَّ غلاماً من جهينة اًقبل على محمّد بن طلحة (يوم الجمل) وكان محمَّد رجلاً عابداً فقال: أخبرني عن قتلة عثمان فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلتٌ على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلثٌ على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة، وثلثٌ على عليِّ بن أبي طالب. وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال ولحق بعليّ وقال: في ذلك شعراً:

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يُقبرِ؟

فقال: ثلاثة رهطٍ هُمُ

أماتوا ابن عفّان واستعبرِ

فثلثٌ على تلك في خِدرها

وثلثٌ على راكب الأحمرِ

وثلثٌ على بن أبي طالب

ونحن بدويَّةٍ قرقرِ

فقلت: صدقت على الأوَّلين

وأخطأت في الثالث الأزهرِ

٩ - أخرج الطبري من طريقين: انَّ عائشة رضي الله عنها لمـّا انتهت إلى سَرِف(١) راجعةً في طريقها إلى مكّة لقيها عبد بن اُم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى اُمّه فقالت له: مهيمْ؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانياً. قالت: ثمَّ صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالإجتماع فجازت بهم الاُمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على عليِّ بن أبي طالب. فقالت: والله ليت إنَّ هذه انطبقت على هذه إن تمَّ الأمر لصاحبك ردُّوني ردُّوني. فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قُتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبنَّ بدمه. فقال لها ابن اُمِّ كلاب: ولِمَ؟ فوالله انَّ أوَّل من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر(٢) . قالت: إنَّهم استتابوه ثمَّ قتلوه، وقد

____________________

١ - سرف بالفتح ثم الكسر: موضع على ستة أميال من مكة.

٢ - فى لفظ ابن قتيبة: فجر.

_٥_

٨٠