الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 115656
تحميل: 6975


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115656 / تحميل: 6975
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قلت وقالوا وقولي الأخير خيرٌ من قولي الأوَّل. فقال لها ابن اُم كلاب(١) .

منكِ البداء ومنكِ الغِيَرْ

ومنكِ الرياح ومنكِ المطَرْ

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا: إنَّه قد كفرْ

فهبنا أطعناكِ في قتله

وقاتله عندنا من أمرْ

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمرْ

وقد بايع النّاس ذا تُدرإ

يزيل الشبا ويُقيم الصَّعَرْ

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثلُ من قد غدرْ

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فستَّرت واجتمع اليها الناس فقالت: يا أيُّها الناس! إنَّ عثمان رضي الله عنه قُتل مظلوماً ووالله لأطلبنَّ بدمه.

١٠ - قال أبو عمر صاحب الاستيعاب: إنَّ الأحنف بن قيس كان عاقلاً حليماًذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لَمّا قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس فأبى أن يأتيها ثمَّ أرسلت اليه فأتاها فقالت: ويحك يا أحنف! بمَ تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين! عثمان رضي الله عنه؟ أمن قلّة عدد؟ أو أنَّك لا تُطاع في العشيرة؟ قال: يا اُم المؤمنين! ما كبرت السنُّ ولا طال العهد وإنَّ عهدي بكِ عام أوّل تقولين فيه وتنالين فيه. قالت: ويحك يا أحنف! إنَّهم ماصوه موص الإناء ثمَّ قتلوه. قال: يا اُم المؤمنين! إنِّي آخذٌ بأمركِ وأنتِ راضية، وأدعه وأنت ساخطة.

١١ - أخرج ابن عساكر من طريق أبي مسلم انَّه قال لأهل الشام وهم ينالون من عائشة في شأن عثمان، يا أهل الشام! أضرب لكم مثلكم ومثل امّكم هذه: مثلها و مثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلّا بالذي هو خيرٌ لها.

١٢ - قال ابن أبي الحديد: قال كلُّ من صنَّف في السير والأخبار: إنَّ عائشة كانت من أشدِّ الناس على عثمان حتّى أنَّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين اليها: هذا ثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل و عثمان قد أبلى سنَّته. قالوا: أوَّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة، وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلا.

____________________

١ - فى لفظ ابن قتيبة: عذر والله ضعيف، يا ام المؤمنين. ثم ذكر الابيات.

٨١

١٣ - روى المدائني في كتاب الجمل قال: لَمّا قُتل عثمان كانت عائشة بمكّة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشكّ في أنَّ طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بُعداً لنعثل وسحقاً، ايه ذا الإصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عمّ! لكأنِّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، حثوا الابل ودعدعوها. قال: قد كان طلحة حين قُتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثمَّ فسد أمره فدفعها إلى عليِّ بن أبي طالب.

١٤ - قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه: إنَّ عائشة لَمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكّة أقبلت مسرعة وهي تقول: ايه ذا الإصبع لله أبوك، أما انَّهم وجدوا طلحة لها كفواً، فلمَّا انتهت إلى شراف(١) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك؟ قال: قُتل عثمان. قالت: ثمَّ ماذا؟ قال: ثمَّ حارت بهم الاُمور إلى خير محار، بايعوا عليّاً. فقالت: لوددت أنَّ السماء انطبقت على الأرض إن ثمَّ هذا، ويحك انظر ماذا تقول. قال: هو ما قلت لك يا اُمَّ المؤمنين! فولولت. فقال لها: ما شأنكِ يا اُمَّ المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحداً أولى بها منه ولا أحقّ، ولا أرى له نظيراً في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردَّت عليه جواباً.

وقد روي من طرق مختلفة: انَّ عائشة لَمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكّة قالت: أبعده الله، ذلك بما قدَّمت يداه وما الله بظلّام للعبيد.

١٥ - قال: وقد روى قيس بن أبي حازم: انَّه حجَّ في العام الذي قُتل فيه عثمان وكان مع عائشة لَمّا بلغها قتله فتحمَّل إلى المدينة قال: فسمعها تقول في بعض الطريق ايه ذا الإصبع. وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله. حتّى أتاها خبر بيعة عليّ فقالت: لوددت أنَّ هذه وقعت على هذه. ثمَّ أمرت بردِّ ركائبها إلى مكّة فرددت معها ورأيتها في سيرها إلى مكّة تخاطب نفسها كأنَّها تخاطب أحداً: قتلوا ابن عفان مظلوماً. فقلت لها: يا اُمَّ المؤمنين! ألم أسمعك آنفاً تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتكِ قبلُ أشدَّ الناس عليه وأقبحهم فيه قولاً، فقالت: لقد كان ذلك ولكنّي نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتَّى إذا تركوه كالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوه.

١٦ - قال: وروي من طرق اُخرى: أنّها قالت لَمّا بلغها قتله: أبعده الله قتله ذنبه،

____________________

١ - راجع صفحة ٢٣٦ من الجزء الثامن، وص ٨٠ من هذا الجزء.

٨٢

وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش! لا يسومنَّكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه، إنَّ أحقَّ النّاس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلمّا جاءت الأخبار ببيعة عليّعليه‌السلام قالت: تعسوا لا يردُّون الأمر في تيم أبداً. كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكّة كتباً أن خذِّلي النّاس عن بيعة عليّ، وأظهري الطلب بدم عثمان. وحملا الكتب مع ابن اختها عبد الله بن الزبير، فلمّا قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وكانت اُمّ سلمة رضي الله عنها بمكّة في ذلك العام فلمّا رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك وأظهرت موالاة عليّعليه‌السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرَّتين.

١٧ - قال أبو محنف: جاءت عائشة إلى اُمِّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي اُميَّة أنت أوَّل مهاجرة من أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت كبيرة اُمَّهات المؤمنين، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت اُمّ سلمة: لأمرٍ ما قلتِ هذه المقالة؟ فقالت عائشة: إنَّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعلَّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا. فقالت: أنا اُمّ سلمة، إنّكِ كنت بالأمس تحرِّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان إسمه عندكِ إلّا نعثلاً، وإنَّكِ لتعرفين منزلة عليَّ بن أبي طالب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ألحديث(١) .

١٨ - روى ابن عبد ربِّه عن العتبي قال: قال رجلٌ من بني ليث: لقيت الزبير قادماً فقلت: يا أبا عبد الله ما بالك؟ قال: مطلوبٌ مغلوبٌ يغلبني إبني ويطلبني ذنبي، قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت: أبا إسحاق! مَن قتل عثمان؟ قال: قتله سيف سلّته عائشة، شحَّذه طلحة، وسمَّه عليٌّ. قلت: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه.

وفي الإمامة والسياسة: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّى كبره، فكتب إليه سعد: إنَّك سألتني من قتل عثمان، وإنِّي اُخبرك إنَّه قُتل بسيف سلّته عائشة، وصقَّله طلحة، وسمَّه ابن أبي طالب، و

____________________

١ - فيه فوائد جمّة لا تفوت الباحث وعليه به.

٨٣

سكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غيَّر وتغيَّر وأحسن وأساء، فإن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا، وإن كنّا أسأنا؟ فنستغفر الله، واُخبرك أنَّ الزبير مغلوبٌ بغلبة أهله وبطلبه بذنبه، وطلحة لو يجد أن يشقَّ بطنه من حبِّ الإمارة لشقَّه.

١٩ - وقال ابن عبد ربِّه: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله! لو رأيتني يوم الجمل قد انفذت النصل هودجي حتّى وصل بعضها إلى جلدي. قال لها المغيرة: وددت والله إنَّ بعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولِمَ تقول هذا؟ قال لعلّها تكون كفّارةً في سعيكِ على عثمان. قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله إنِّي أردت قتله، ولكن علم الله إنِّي أردت أن يُقاتل فقوتلت، وأردت أن يُرمى فرُميت، وأردت أن يُعصى فعصيت، ولو علم منِّي أنِّي أردت قتله لقُتلت.

٢٠ - وروى ابن عبد ربّه عن أبي سعيد الخدري قال: إنَّ ناساً كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكّة فمرَّ بنا عثمان فما بقي أحدٌ من القوم إلّا لعنه غيري فكان فيهم رجلٌ من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفة أجرأ منه على غيره فقال: يا كوفي! أتشتمني؟ فلمّا قدم المدينة كان يتهدِّده قال: فقيل له: عليك بطلحة، قال: فانطلق معه حتّى دخل على عثمان فقال عثمان: والله لأجلدنَّه مائة سوط. قال طلحة: والله لا تجلده مائة إلّا أن يكون زانياً. قال: والله لأحرمنَّه عطاءه. قال: الله يرزقه.

٢١ - قال ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي: النعثل الشيخ الأحمق ونعثل يهوديٌّ كان بالمدينة. قيل شبّه به عثمان رضي الله عنه كما في التبصير، ونعثل رجلٌ من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان، وشاتموا عثمان يسمّونه نعثلاً، وفي حديث عثمان انَّه كان يخطب ذات يوم فقام رجلٌ فنال منه فوذأه ابن سلام فاتَّذأ فقال له رجلٌ: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسبَّ نعثلاً فإنَّه من شيعته، وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً. تعني عثمان، وكان هذا منها لمـّا غاضبته وذهبت إلى مكّة، وفي حياة الحيوان: النعثل كجعفر: الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً.

٢٢ - روى البلاذري في الأنساب قال: خرجت عائشة رضي الله تعالى عنه باكية

٨٤

تقول: قُتل عثمان رحمه الله. فقال لها عمّار بن ياسر: أنتِ بالأمس تحرِّضين عليه ثمَّ أنت اليوم تبكينه.

راجع طبقات ابن سعد ٥: ٢٥ ط ليدن، انساب البلاذري ٥: ٧٠، ٧٥، ٩١، الإمامة والسياسة ١: ٤٣، ٤٦، ٥٧، تاريخ الطبري ٥: ١٤٠، ١٦٦، ١٧٢، ١٧٦، العقد الفريد ٢: ٢٦٧، ٢٧٢، تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١٩، الاستيعاب ترجمة الأحنف صخر بن قيس، تاريخ ابي الفدا ج ١: ١٧٢، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٧٧، ٥٠٦، تذكرة السبط ص ٣٨، ٤٠، نهاية ابن الأثير ٤: ١٦٦، اسد الغابة ٣: ١٥: الكامل لابن الأثير ٣: ٨٧، القاموس ٤: ٥٩، حياة الحيوان ٢: ٣٥٩، السيرة الحلبيَّة ٣: ٣١٤، لسان العرب ١٤: ١٩٣، تاج العروس ٨: ١٤١.

قال الأميني: هذه الروايات تُعطينا درساً ضافياً بنظريَّة عائشة في عثمان وإنَّها لم تكن ترى له جدارة تسنُّم ذلك العرش، وبالغت في ذلك حتّى ودَّت إزالته عن مستوى الوجود. فأحبَّت له أن يُلقى في البحر وبرجله رحىً تجرّه إلى أعماقه، أو أنَّه يُجعل في غرارة من غرائرها وتشدُّ عليه الحبال فيقذف في عباب اليمِّ فيرسب فيه من غير خروج، أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرَّة اُحدوثاته، ولذلك كانت تُثير الناس عليه بإخراج شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوبه ونعله، ولم تبرح تؤلِّب الملأ الدينيَّ عليه وتحثهم على مقته وتخذِّلهم عن نصرته في حضرها سفرها، وإنَّها لم تعدل عن تلكم النظريَّة حتّى بعد ما اُجهز على عثمان إلّا لمـّا علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت تُرهج النقع على عثمان، وتهيِّج الاُمَّة على قتله، فكانت تُروم أن تعيد الإمرة تيميَّة مرَّة اُخرى، و لعلّها حجَّت لبثِّ هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكّة، فكان يُسمع منها قولها في طلحة: ايه ذا الاصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عمّ! لكأنِّي أنظر إلى اصبعه وهو يبايع له، وقولها: ايه ذا الإصبع! لِلَّه أبوك، أما انَّهم وجدوا طلحة لها كفواً.

وقولها في عثمان: اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر وقولها لابن عبّاس: إيّاك أن تردَّ الناس عن هذا الطاغية، وقولها بمكّة: بُعداً لنعثل وسحقاً، وقولها لَمّا بلغها قتله: أبعده الله، ذلك ما قدمت يداه وما الله بظلّام للعبيد.

٨٥

لكنّها لَمّا علمت أنَّ خلافة الله الكبرى عادت علويَّة واستقرَّت في مقرِّها الجدير بها - ولم يكن لها مع أمير المؤمنينعليه‌السلام هوى - قلبت عليها ظهر المجنِّ، فطفقت تقول: لوددت انَّ السَّماء إنطبقت على الأرض إن تمَّ هذا، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكّة بعد ما خرجت منها، ونهضت ثائرةً تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق، وإلّا فما هي من أولياء ذلك الدم، وقد وُضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب، لأنَّها امرأة خلقها الله لخدرها، وقد نهيت كبقيَّة نساء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصَّة عن التبرُّج، وقد أنذرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحذَّرها عن خصوص واقعة الجمل، غير أنَّها أعرضت عن ذلك كلّه لما ترجَّح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب، وقد ذكره لها الصّادق الأمين عند الإنذار والتحذير، ولم تزل يقودها الأمل حتّى قُتل طلحة فألمـَّت بها الخيبة، وغلب أمر الله وهي كارهة.

٣ - حديث عبد الرحمن بن عوف

أحد العشرة المبشَّرة، شيخ الشورى، بدريٌّ

١ - أخرج البلاذري عن سعد قال: لَمّا توفِّي أبو ذر بالزبدة تذاكر عليٌّ و عبد الرّحمن بن عوف فعل عثمان فقال عليٌّ: هذا عملك. فقال عبد الرَّحمن: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، انَّه قد خالف ما أعطاني.

٢ - قال أبو الفدا: لَمّا أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي انَّه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كلّه فعلك. فقال: ما كنت أظنُّ هذا به، لكن لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمه ابداً، ومات عبد الرَّحمن وهو مهاجرٌ لعثمان رضي الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحوَّل إلى الحائط ولم يُكلّمه.

٣ - روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد قال: ذُكر عثمان عند عبد الرّحمن ابن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرّحمن: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ ذلك عثمان فبعث إلى بئر كان يُسقى منها نعم عبد الرَّحمن بن عوف فمنعه إيّاها فقال عبد الرحمن: اللهمَّ اجعل ماءها غوراً. فما وجدت فيها قطرة.

٤ - عن عبد الله بن ثعلبة قال: إنَّ عبد الرَّحمن بن عوف كان حلف ألا يكلّم عثمان أبداً.

٨٦

٥ - عن سعد قال: إنّ عبد الرّحمن أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان، فصلّى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص، وتوفّي سنة اثنتين وثلاثين.

٦ - قال ابن عبد ربِّه: لَمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمَّد قيل لعبد الرَّحمن: هذا عملك. قال: ما ظننت هذا. ثمَّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: إنَّما قدَّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إنَّ عمر كان يقطع قرابته في الله و أنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرّحمن: لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمك أبداً. فلم يكلّمه أبداً حتّى مات وهو مهاجرٌ لعثمان، ودخل له عثمان عائداً له في مرضه فتحوَّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه.

راجع انساب البلاذري ٥: ٥٧، العقد الفريد ٢: ٢٥٨، ٢٦١، ٢٧٢، تاريخ ابي الفدا ج ١: ١٦٦.

٧ - أخرج الطبري من طريق المسور بن المخرمة قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرّحمن بن عوف فأرسل إلى المسور بن المخرمة وإلى عبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسَّمها عبد الرَّحمن في الناس وعثمان في الدار.

تاريخ الطبري ٥: ١١٣، الكامل لابن الأثير ٣: ٧٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥.

٨ - قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: اُستجيبت دعوة عليّعليه‌السلام في عثمان وعبد الرّحمن فما ماتا إلّا متهاجرين متعاديين، أرسل عبد الرَّحمن إلى عثمان يعاتبه (إلى أن قال): لَمّا بنى عثمان قصره طمار الزوراء وصنع طعاماً كثيراً ودعا الناس اليه كان فيهم عبد الرّحمن فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال: يا ابن عفان! لقد صدَّقنا عليك ما كنّا نكذِّب فيك، وإنِّي أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عنِّي يا غلام! فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه، فلم يكن يأتيه أحدٌ إلّا ابن عبَّاس كان يأتيه فيتعلّم منه القرآن والفرائض، ومرض عبد الرّحمن فعاده عثمان وكلّمه فلم يكلّمه حتّى مات. شرح ابن أبي الحديد ١: ٦٥، ٦٦.

٨٧

قول العسكري: اُستجيبت دعوة عليٍّ. إشارةٌ إلى ما ورد من قولهعليه‌السلام يوم الشورى لعبد الرَّحمن بن عوف: والله ما فعلتها إلّا لأنَّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دقَّ الله بينكما عطر منشم(١) .

ومنشم امرأة عطّارة من حمير، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم فصار مثلاً.

وقول عبد الرّحمن: لقد صدَّقنا عليك ما كنّا نكذِّب فيك. ايعازٌ إلى قول مولانا أمير المؤمنين يوم الشورى ايضاً: أما إنِّي أعلم أنَّهم سيولون عثمان، وليحدثنّ البدع و الأحداث، ولئن بقي لأذكرنَّك، وإن قُتل أو مات ليتداولونها بنو اُميَّة بينهم، وإن كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون(٢) .

قال الشيخ محمد عبده في شرح نهج البلاغة ١: ٣٥: لَمّا حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار، ووجد عليه كبار الصحابة روي إنَّه قيل لعبد الرحمن: هذا عمل يديك. فقال: ما كنت أظنُّ هذا به ولكن لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمه أبداً، ثمَّ مات عبد الرحمن وهو مهاجرٌ لعثمان، حتَّى قيل: أنَّ عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحوَّل إلى الحائط لا يكلّمه، والله أعلم والحكم لِلَّه يفعل ما يشاء.

وقال ابن قتيبة في المعارف ص ٢٣٩: كان عثمان بن عفّان مهاجراً لعبد الرّحمن ابن عوف حتّى ماتا.

قال الأميني، لا بدَّ أن يُسائل هؤلاء عن أشياء فيقال لهم: إنَّ سيرة الشيخين التي بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تخالفها؟ وعلى الأوّل فشرطها مستدركٌ، ولا شرط للخلافة إلّا مطابقة كتاب الله وسنَّة نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نقمة على تاركها إلّا بترك السنّة لا السيرة، فذكرها إلى جانب السنَّة الشريفة كضمِّ اللا حجَّة إلى الحجَّة، أو كوضع الحجر إلى جنب الإنسان، وعلى الثاني فإنَّ مِن

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ١: ٦٣.

٢ - شرح ابن ابى الحديد ١: ٦٤.

٨٨

الواجب على كلّ مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر، فكان من حقِّ المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنَّة فحسب. ولهذا لم يقبل مولانا أمير المؤمنين لَمّا ألقى إليه عبد الرّحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلّا مطابقة أمره للسنَّة والإجتهاد فيها(١) .

وليت شعري إنَّه لَمّا شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلى فرض علمه يتوجَّه عليه ما سطرناه على كلّ مِن الفرضين، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شيء، يُفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم حقيقته، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة؟ وما الفائدة في إشتراطه؟.

وللباقلاني في التمهيد ص ٢١٠ في بيان هذا الشرط وجهٌ نُجلُّ عنه ساحة كلِّ متعلّم فاهم فضلاً عن عالم مثله.

ثمَّ نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأوَّل وهلة، هل كل يعلم شيئاً ممَّا قدَّمناه من النسبة بين السنَّة والسيرة أولاً؟ فهلّا شرط الأمر على تقدير الموافقة؟ ورفضَه على فرض المخافة؟ وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطاً لا يدري ما هو؟ ثمَّ هل كان يعلم يومئذ أنَّه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنَّه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنَّه يتسنّى له أن ينوء به؟ وعلى الأوَّل فلماذا خالف ما اُشترط عليه وقبله ووجدت البيعة عليه؟ وحصل القبول والرضا من الاُمَّة به؟ ثمَّ جاء يعتذر لمـّا أخذه ابن عوف بمخالفته إيّاها بأنَّه لا يطيق ذلك فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده ١: ٦٨ من طريق شقيق: وأمّا قوله: ولِمَ أترك سنَّة عمر؟ فإنِّي لا اُطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٠٦.

وكيفما اُجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظريَّة عبد الرَّحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة، وهي من أوضح الحقايق لمن استشفَّ ما ذكرناه من قوله له: إنِّي أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ

____________________

١ - مسند احمد ١: ٧٥، تاريخ الطبرى ٥: ٤٠، تمهيد الباقلانى ص ٢٠٩، تاريخ ابن كثير ٧: ١٤٦.

٨٩

سيفى. إلخ. مستحلّا قتاله، وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه انَّه لم يره أهلاً للصَّلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلّى عليه الزبير، وهجره وحلف أن لا يكلّمه أبداً حتّى انَّه حوَّل وجهه إلى الحائط لمـّا جاء عائداً، وإنَّه كان لا يرى لتصرّفاته نفوذاً ولذلك لمـَّا بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن المخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود فأخذها فقسَّمها عبد الرّحمن في النّاس وعثمان في الدار، ولهذه كلّها كان يراه عثمان منافقاً و يقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق ص ٦٨ وأجاب عنه متسالماً عليه بأنَّه كان متوحِّشاً منه لأنَّه كان يجيئه كثيراً. إقرأ واضحك. وذكره الحلبي في السيرة ٢: ٨٧ فقال: أجاب عنه ابن حجر ولم يذكر الجواب لعلمه بأنَّه اُضحوكة.

ونسائل القوم بصورة اُخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه: إنَّ ما اُشترط على عثمان وعُقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء؟ أو كان لعثمان منتدحٌ عنه بتركه؟ وعلى الأوَّل فما وجه مخالفة الخليفة له؟ ولِماذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو عيبة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الاُمَّة منذ بدء أمرها إلى منصرمه، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة؟ فلماذا كان عثمان لا يروقه التنازل عن أمره لمـّا أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنَّه لا يُخلع؟ فلماذا تجمهروا عليه فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العدول كلّهم في نظر القوم، وإن كان لا يجب الوفاء به؟ فلماذا لم يبايعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام لَمّا جاء بعدم الإلتزام بما لا يجب الوفاء به؟ وما معنى إعتذار عبد الرَّحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها عليٌّعليه‌السلام ؟ ولِماذا ألزموا عثمان به؟ ولِماذا التزم به عثمان؟ ولِماذا تمَّت البيعة عليه؟ ولِماذا تجمهروا عليه لَمّا شاهدوا منه المخالفة؟.

وَلَيُسْئَلُنَّ يومَ القِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفتَروُن

فيومَئِذٍ لا يَنفَعُ الذين ظَلمُوا مَعْذِرَتُهم وَلا هُمْ يُستَعتَبون

٩٠

٤ - حديث طلحة بن عبيد الله

أحد العشرة المبشّرة، وأحد الستَّة أصحاب الشورى

١ - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في طلحة: والله ما استعجل متجرِّداً للطلب بدم عثمان إلّا خوفاً من أن يُطالَب بدمه لأنَّه مظنَّته، ولَم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالِط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك، ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالماً - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابذ ناصريه. ولئِن كان مظلوماً لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذِّرين فيه. ولئِن كان في شكّ من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانباً ويدع النّاس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره(١) .

قال إبن أبي الحديد في الشرح ٢: ٥٠٦: فإن قلت: يُمكن أن يكون طلحة إعتقد إباحة دم عثمان أوَّلاً ثمَّ تبدَّل ذلك الإعتقاد بعد قتله فاعتقد أنَّ قتله حرامٌ وأنَّه يجب أن يقتصّ من قاتليه.

قلت: لو اعترف بذلك لم يقسم عليٌّعليه‌السلام هذا التقسيم و إنَّما قسَّمه لبقائه على إعتقاد واحد، وهذا التقسيم مع فرض بقائه على إعتقاد واحد صحيحٌ لا مطعن فيه، وكذا كان حال طلحة فإنَّه لَمُ يُنقل عنه إنَّه قال: ندمت على ما فعلت بعثمان.

فإن قلت: كيف قال أمير المؤمنين: فما فعل واحدةً من الثلاث؟ وقد فعل واحدة منها لأنَّه وازر قاتليه حيث كان محصوراً. قلت: مراده: إنَّه إن كان عثمان ظالماً وجب أن يوازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم ويمنعهم ممَّن يروم دماءهم، ومعلوم أنّه لم يفعل ذلك. وإنّما وازرهم وعثمان حيّ وذلك غير داخل في التقسيم. اهـ.

٢ - أخرج الطبري من طريق حكيم بن جابر قال: قال عليٌّ لطلحة - وعثمان محصورٌ -: أنشدك الله إلّا رددت النّاس عن عثمان قال: لا والله حتّى تعطي بنو اُميّة الحقَّ من أنفسها.

____________________

١ - نهج البلاغة ١: ٣٢٣.

٩١

تاريخ الطبري ٥: ١٣٩، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٨ فقال: فكان عليٌّعليه‌السلام يقول: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل.

٣ - أخرج الطبري من طريق بشر بن سعيد قال: حدّثني عبد الله بن عبّاس بن أبي ربيعة قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدَّثت عنه ساعة فقال: يا ابن عبّاس! تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام مَن على باب عثمان فسمعنا كلاماً، منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم مَن يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرَّ طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: هاهوذا. قال: فجاء ابن عديس فناجاه بشيء ثمَّ رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثمَّ قال عثمان: أللهمَّ اكفني طلحة بن عبيد الله فإنَّه حمل عليَّ هؤلاء وألَّبهم، والله إنِّي لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يُسفك دمه، انّه انتهك منِّي ما لا يحلُّ له، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلّا في إحدى ثلاث: رجلٌ كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجلٌ زنى بعد إحصانه فيرجم، أو رجلٌ قتل نفساً بغير نفس. ففيمَ اُقتل؟ قال: ثمَّ رجع عثمان. قال ابن عبّاس: فأردت أن أخرج فمنعوني حتّى مرَّ بي محمَّد بن أبي بكر فقال: خلّوه. فخلّوني. تاريخ الطبري ٥: ١٢٢، الكامل ابن الأثير ٣: ٧٣.

٤ - أخرج الطبري من طريق الحسن البصري: إنَّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة: إنَّ رجلاً تتسق هذه عنه(١) وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عزَّ وجلَّ لغريرٌ بالله سبحانه، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسِّمها حتّى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم. أو قال: الصفراء والبيضاء.

تاريخ الطبري ٥: ١٣٩، تاريخ ابن عساكر ٧: ٨١.

٥ - حكى ابن أبي الحديد عن الطبري: انَّ عثمان كان له على طلحة خمسون الفاً فخرج عثمان يوماً إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه فقال: هو لك

____________________

١ - فى شرح ابن ابى الحديد: عنده.

٩٢

يا أبا محمَّد معونة لك على مروءتك. قال: فكان عثمان يقول وهو محصورٌ جزاء سنمّار(١) .

وقال ابن أبي الحديد: كان طلحة من أشدِّ الناس تحريضاً عليه، وكان الزبير دونه في ذلك. روي انَّ عثمان قال: ويلي على ابن الحضرميَّة - يعني طلحة - أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي يحرِّض على نفسي، أللهمَّ لا تمتِّعه به ولقِّه عواقب بغيه.

قال: وروى الناس الذين صنَّفوا في واقعة الدار: انَّ طلحة كان يوم قُتل عثمان مقنّعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، ورووا ايضاً: انَّه لمـَّا اُمتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دارٍ لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوَّروا منها على عثمان داره فقتلوه. شرح ابن أبي الحديد ٢: ٤٠٤.

٦ - روى المدائني في كتاب مقتل عثمان: إنَّ طلحة منع من دفنه ثلاثة أيّام، وإنَّ عليّاً لم يبايع الناس إلّا بعد قتل عثمان بخمسة أيّام، وأنَّ حكيم بن حزام أحد بني أسد ابن عبد العزى وجبير بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعليّ على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناساً بالحجارة فخرج به نفرٌ يسيرٌ من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يُعرف بحشِّ كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلمَّا صار هناك رجم سريره وهمُّوا بطرحه، فأرسل عليٌّ إلى الناس يعزم عليهم ليكفّوا عنه، فكفّوا فانطلقوا به حتّى دفنوه في حشِّ كوكب.

وأخرج المدائني في الكتاب قال: دُفن عثمان بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلّا مروان بن الحكم وابنة عثمان وثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل طلحة ناساً هناك أكمنهم كميناً فأخذتهم الحجارة وصاحوا: نعثل نعثل، فقالوا: الحائط الحائط. فدفن في حائط هناك.

٧ - أخرج الواقدي قال: لَمّا قُتل عثمان تكلّموا في دفنه فقال طلحة: يُدفن بدير سلع. يعني مقابر اليهود. ورواه طبري في تاريخه ٥: ١٤٣ غير أنَّ فيه مكان طلحة: رجل.

٨ - أخرج الطبري بالاسناد قال: حُصر عثمان وعليٌّ بخيبر فلمّا قدم أرسل إليه

____________________

١ - هذا الحديث اخرجه الطبرى فى تاريخه ٥: ١٣٩ وليس فيه ما حكاه عنه ابن أبى الحديد (فكان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار).

٩٣

عثمان يدعوه فانطلق فقلت: لأنطلقنَّ معه ولأسمعنَّ مقالتهما، فلمّا دخل عليه كلّمه عثمان فحمد الله وأثني عليه ثمَّ قال: أمّا بعد فإنَّ لي عليك حقوقاً حقُّ الإسلام وحقُّ الإخاء، وقد علمت أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين الصحابة آخى وبيني وبينك، وبيِّن حقَّ القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق، فوالله لو لم يكن من هذا شيءٌ ثمَّ كنّا إنَّما نحن في جاهليَّة لَكان مُبطّاً على بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو بني تيم ملكهم. فتكلّم عليٌّ فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أمّا بعد: فكلّ ما ذكرتَ من حقِّك عليَّ على ما ذكرت، أمّا قولك: لو كنّا في جاهليّة لَكان مُبطّاً على بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو بني تيم ملكهم، فصدقت وسيأتيك الخبر. ثمَّ خرج فدخل المسجد فرأى اُسامة جالساً فدعاه فاعتمد على يده فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار طلحة بن عبيد الله وهي رجّاسٌ من الناس فقام إليه فقال: يا طلحة! ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟ فقال: يا أبا حسن! بعد ما مسَّ الحزام الطبيين(١) فانصرف عليٌّ ولم يُحر إليه شيئاً حتّى أتى بيت المال فقال: افتحوا هذا الباب. فلم يقدر على المفاتيح فقال: اكسروه فكُسر باب بيت المال فقال: أخرجوا المال. فجعل يُعطي النّاس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع عليٌّ فجعلوا يتسلّلون إليه حتّى تُرك طلحة وحده، وبلغ الخبر عثمان فسرَّ بذلك، ثمَّ أقبل طلحة يمشي عائداً إلى دار عثمان فقلت: والله لأنظرنَّ ما يقول هذا فتتبَّعته فاستأذن على عثمان فلمّا دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين! أستغفر الله وأتوب إليه أردت أمراً فحال الله بيني وبينه، فقال عثمان: إنّك والله ما جئت تائباً ولكنَّك جئت مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة. تاريخ الطبري ٦: ١٥٤، كامل ابن الأثير ٣: ٧٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥!. تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٩٧.

قال الأميني: هذا لفظ تاريخ الطبري المطبوع وقد لعبت به أيدي الهوى بالتحريف وزادت فيه حديث الإخاء بين عثمان وعليّ المتسالم على بطلانه بين فرق المسلمين، كأنَّ القوم آلوا على أنفسهم بأن لا يدعو حديثاً إلّا شوَّهوه بالإختلاق، وقد حكى ابن أبي الحديد هذا الحديث عن تاريخ الطبري في شرحه ٢: ٥٠٦ ولا توجد فيه مسألة الإخاء وإليك لفظه:

____________________

١ - أى: اشتدّ الامر وتفاقم. كتب عثمان الى عليّ عليه ‌السلام : قد بلغ السيل الزبا وجاوز الحزام الطبيين. تاج العروس ١: ٢٢٢.

٩٤

روى الطبري في التاريخ: أنَّ عثمان لَمّا حُصر كان عليٌّعليه‌السلام بخيبر في أمواله فلمّا قدم أرسل إليه يدعوه فلمّا دخل عليه قال له: إنَّ لي عليك حقوقاً: حقَّ الإسلام، وحقّ النسب، وحقّ مالي عليك من العهد والميثاق، ووالله إن لو لم يكن من هذا كلّه شيءٌ وكنّا في جاهليَّة لكان عاراً علي بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو تيم ملكهم يعني طلحة، فقال لهعليه‌السلام : سيأتيك الخبر. إلى آخر الحديث باللفظ المذكور.

وقد أسلفنا في الجزء الثالث ص ١٠٤ - ١١٦ حديث المواخاة بأوسع ما يُسطر وفيه: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي واخى أمير المؤمنينعليه‌السلام لا غيره.

٩ - ذكر البلاذري في حديث: إنَّ طلحة قال لعثمان: إنَّك أحدثت أحداثاً لَم يكن النَّاس يعهدونها، فقال عثمان: ما أحدثت أحداثاً ولكنَّكم أظنّاء تفسدون عليَّ النّاس وتؤلّبوهم. الأنساب ٥: ٤٤.

١٠ - حكى البلاذري عن أبي مخنف وغيره: حرس القوم عثمان ومنعوا من أن يُدخل عليه، وأشار عليه سعيد بن العاص بأن يُحرم ويُلبِّي ويخرج فيأتي مكّة فلا يقدم عليه. فبلغهم قوله فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه حتّى يحكم الله بيننا وبينه، واشتدَّ عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار، ومنع من أن يُدخل إليه الماء حتّى غضب عليُّ ابن أبي طالب من ذلك، فاُدخلت عليه روايا الماء. الأنساب ٥: ٧١.

١١ - في رواية للبلاذري ص ٩٠: كان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر، و منع طلحة عثمان من أن يدخل عليه الماء العذب فأرسل عليٌّ إلى طلحة وهو في أرض له على ميل من المدينة: أن دع هذا الرجل فليشرب من مائة ومن بئره يعني بئر رومة، و لا تقتلوه من العطش. فأبى فقال عليٌّ: لولا أنِّي قد آليت يوم ذي خُشب انَّه إن لم يُعطني لا أردُّ عنه أحداً لأ دخلت عليه الماء.

وفي الإمامة والسياسة ١: ٣٤: أقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً و نهاراً وطلحة يحرِّض الفريقين جميعاً على عثمان، ثمَّ إنَّ طلحة قال لهم: إنَّ عثمان لا يبالي ما حضرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه.

١٢ - قال البلاذري: قالوا: مرَّ مجمع بن جارية الأنصاري بطلحة بن عبيد الله فقال: يا مجمَّع ما فعل صاحبك؟ قال: أظنكم والله قاتليه. فقال طلحة: فإن قُتل فلا

٩٥

ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ. الأنساب ٥: ٧٤.

١٣ - وروى البلاذري في حديث: وسلّم عثمان على جماعة فيهم طلحة فلم يردُّوا عليه فقال: يا طلحة! من كنت أرى إنِّه أعيش إلى أن اُسلّم عليك فلا تردّ عليَّ السَّلام الأنساب ٥: ٧٦.

كأنَّ هذه القضيَّة غير ما وقع في أيّام الحصار الثاني ممّا ذكره الديار بكري في تاريخ الخميس ٢: ٢٦٠ قال: أشرف عثمان عليهم ذات يوم وقال: السَّلام عليكم. فما سمع أحداً من الناس يردّ عليه إلّا أن يردَّ في نفسه. وسيوافيك حديث جبلة بن عمرو الأنصاري ونهيه الناس عن ردِّ السَّلام على عثمان إذا سلّمهم.

١٤ - أخرج البلاذري من طريق يحيى بن سعيد قال: كان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار، فبعث عثمان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب إلى عليّ بهذا البيت:

وإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي

وإلّا فأدركني ولمـَّا اُمزَّق(١)

وقال أبو مخنف: صلّى عليٌّ بالناس يوم النحر وعثمان محصورٌ فبعث إليه عثمان ببيت الممزّق، وكان رسوله به عبد الله بن الحارث ففرَّق عليٌّ الناس عن طلحة، فلمّا رأى ذلك طلحة دخل على عثمان فاعتذر فقال له عثمان: يا ابن الحضرميَّة! ألَّبت عليَّ الناس ودعوتهم إلى قتلي حتّى إذا فاتك ما تريد جئت معتذراً، لا قَبل الله ممّن قبل عذرك. الأنساب ٥: ٧٧.

١٥ - روى البلاذري باسناده من طريق ابن سيرين انَّه قال: لم يكن من أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ على عثمان من طلحة. الأنساب ٥: ٨١، وذكره ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٦٩.

١٦ - أخرج ابن سعد وابن عساكر قال: كان طلحة يقول يوم الجمل: إنّا داهنّا في أمر عثمان فلا نجد شيئاً أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، أللهمَّ خذ لعثمان منِّي اليوم حتّى ترضى. طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر ٧: ٨٤، تذكرة السبط ص ٤٤.

١٧ - أخرج ابن عساكر قال: كان مروان بن الحكم في الجيش - يوم الجمل -

____________________

١ - هذا البيت للممزق العبدى شاش بن لها بن الاسود. وبه سمى الممزق.

٩٦

فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فهو الذي رمى طلحة فقتله، ثمَّ قال لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، وكان السهم قد وقع في عين ركبته، فكانوا إذا أمسكوها انتفخت وإذا أرسلوها انبعثت فقال: دعوها فانَّها سهمٌ أرسله الله. تاريخ ابن عساكر ٧: ٨٤.

قال أبو عمر في الاستيعاب: لا يختلف العلماء الثقات في أنَّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه، روى عبد الرّحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

شريت رضا بني جرم برغمي(١)

أللهمَّ خذ منِّي لعثمان حتى يرضى.

« بيان » الكسع: حيٌّ من قيس عيلان، وقيل: هم حيٌّ من اليمن رماة، و منهم الكسعيُّ الذي يضرب به المثل في الندامة وهو رجلٌ رامٍ رمى بعد ما أسدف الليل عِيراً فأصابه وظنَّ انَّه أخطأه فكسَّر قوسه وقيل: وقطع إصبعه ثمَّ ندم من الغد حين نظر إلى العِير مقتولا وسهمه فيه، فصار مثلاً لكلِّ نادم على فعل يفعله. وإيّاه عني الفرزدق بقوله:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

غدت منِّي مطلّقةً نوارُ

وقال آخر:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

رأت عيناه ما فعلت يداه

وقيل: كان اسم الكُسعيِّ محارب بن قيس.

وأخرج أبو عمر من طريق ابن أبي سبرة قال: نظر مروان إلى طلحة يوم الجمل فقال: لا أطلب بثاري بعد اليوم. فرماه بسهم فقتله.

وأخرج من طريق يحيى بن سعيد عن عمِّه انَّه قال: رمى مروان طلحة بسهم ثمَّ التفت إلى أبان بن عثمان قال: قد كفينا بعض قتلة أبيك.

وأخرج من طريق قيس نقلاً عن ابن أبي شيبة انَّ مروان قتل طلحة، ومن طريق وكيع واحمد بن زهير باسنادهما عن قيس بن أبي حازم حديث: لا أطلب بثاري

____________________

١ - هذا البيت معه ثلاثة ابيات اخر ذكرها ابن الاثير فى اسد الغابة ٣: ١٠٤، وسبط ابن الجوزى فى التذكرة ص ٤٤.

٩٧

بعد اليوم. وزاد في « اسد الغابة » ما مرَّ من قول مروان لأبان.

وقال ابن حجر في الإصابة ٢: ٢٣٠: روى ابن عساكر من طرق(١) متعددة: أنَّ مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله، منها: وأخرجه أبو القاسم البغوي بسند صحيح عن الجارود بن أبي سبرة قال: لَمّا كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثاري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله.

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم أنَّ مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل فقال: هذا أعان على عثمان فرماه بسهم في ركبته، فما زال الدم يسيح حتّى مات. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣: و ٣٧٠.

أخرجه عبد الحميد بن صالح عن قيس، وأخرجه الطبراني من طريق يحيى بن سليمان الجعفي عن وكيع بهذا السند قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته، فما زال الدم يسيح إلى أن مات.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٣٧٠ من طريق عكراش قال: كنّا نقاتل عليّاً مع طلحة ومعنا مروان قال: فانهزمنا فقال مروان: لا أدرك بثأري بعد اليوم من طلحة فرماه بسهم فقتله.

وقال محبّ الدين الطبري في الرياض ٢: ٢٥٩: المشهور أنَّ مروان بن الحكم هو الذي قتله رماه بسهم وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم. وذلك أنَّ طلحة زعموا انَّه كان ممَّن حاصر عثمان واشتدَّ عليه.

وأخرج البلاذري في « الأنساب » ص ١٣٥ في حديث عن روح بن زِنباع: إنَّه قال: رمى مروان طلحة فاستقاد منه لعثمان.

يوجد حديث قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله أخذاً بثار عثمان في مروج الذهب ٢: ١١، القعد الفريد ٢: ٢٧٩، مستدرك الحاكم ٣: ٣٧٠، الكامل لابن الأثير ٣، ١٠٤، صفة الصفوة لإبن الجوزي ١: ١٣٢، اُسد الغابة ٣: ٦١، دول الإسلام للذهبي

____________________

١ - حذفتها يد الطبع الامينة على ودايع العلم حيا الله الامانة. لقد لعبت يد الشيخ عبد القادر بن بدران بتاريخ ابن عساكر لمـّا هذبه ورتبه على زعمه فأخرجه عما هو عليه، وجعله مسيخا مشوّهاً بادخال آرائه الساقطة فيه، وأسقط منه أحاديث كثيرة متنا واسناداً ممّا لا يروقه.

٩٨

١، ١٨، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٤٧، تذكرة السبط ص ٤٤، مرآة الجنان لليافعي ١: ٩٧، تهذيب التهذيب ٥: ٢١، تاريخ ابن شحنة هامش الكامل ٧: ١٨٩.

١٨ - أخرج ابن سعد بالاسناد عن شيخ من كلب قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أنَّ أمير المؤمنين مروان أخبرني انَّه قتل طلحة ما تركت أحداً من ولد طلحة إلّا قتلته بعثمان.

١٩ - أخرج الحميدي في النوادر من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن مروان قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له الوليد: ما دخلتَ عليَّ قطُّ إلّا هممتُ بقتلك لولا أنَّ أبي أخبرني أنَّ مروان قتل طلحة. تهذيب التهذيب ٥: ٢٢.

٢٠ - أخرج الطبري في حديث: فقام طلحة والزبير خطيبين (يعني بالبصرة) فقالا: يا أهل البصرة توبةٌ بحوبة، إنَّما أردنا أن يُستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نُرد قتله فغلب سفهاء النّاس الحلماء حتّى قتلوه. فقال النّاس طلحة: يا أبا محمَّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا. تاريخ الطبري ٥: ١٧٩.

٢١ - ذكر المسعودي في حديث وقعة الجمل: ثمَّ نادى عليٌّ رضي الله عنه طلحة حين رجع الزبير: يا أبا محمَّد! ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال عليٌّ: قتل الله أولانا بدم عثمان(١) مروج الذهب ٢: ١١.

٢٢ – لمـّا نزل طلحة والزبير السبخة(٢) أتاهما عبد الله بن الحكيم التميمي لكتب كانا كتباها إليه فقال لطلحة: يا أبا محمد! أما هذه كتبك إلينا؟ قال: بلي، قال: فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتّى إذا قتلته أتيتنا ثائراً بدمه، فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد إلّا هذه الدنيا، مهلاً إذا كان هذا رأيك فَلمَ قبلت من عليّ ما عرض عليك من البيعة؟ فبايعته طائعاً راضياً ثمَّ نكثت بيعتك، ثمَّ جئت لتدخلنا في فتنتك. ألحديث(٣) .

٢٣ - قال ابن قتيبة: ذكروا انَّه لَمّا نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة إصطفَّ

____________________

١ - لقد استجاب الله تعالى دعاء الامام عليه‌ السلام فقتل طلحة فى اسرع وقت.

٢ - السبخة بالتحريك موضع بالبصرة.

٣ - شرح ابن ابى الحديد ٢: ٥٠٠.

٩٩

لها النّاس في الطريق يقولون: يا اُمَّ المؤمنين! ما الذي أخرجكِ من بيتكِ؟ فلمّا أكثروا عليها تكلّمت بلسان طلق وكانت من أبلغ النّاس فحمدت الله وأثنت عليه ثمَّ قالت: أيّها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يُستحلَّ دمه(١) ولقد قُتل مظلوماً، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل، وإنَّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ثمّ يُردُّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطّاب. فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. فلم يبرح النّاس يقولون ذلك حتّى ضرب بعضهم وجوه بعض فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال نعم. قال: فما ردَّك على ما كنت عليه، وكنت أمس تكتب الينا تؤلِّبنا على قتل عثمان وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه؟ وقد زعمتما انَّ عليّاً دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسنَّ منه فأبيتما إلّا أن تقدِّ ماه لقرابته وسابقته فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟ قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس، فعلمنا حين عرض علينا انَّه غير فاعل ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار، وخفنا أن نردَّ بيعته فنقتل فبايعناه كارهين، قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قال: ذكرنا ما كان من طعننا عليه و خذلاننا إيّاه، فلم نجد من ذلك مخرجاً إلّا الطلب بدمه. قال: ما تأمراني به؟ قال: بايعنا على قتال عليّ ونقض بيعته، قال: أرأيتما إن أتانا بعدكما مَن يدعونا اليه ما نصنع؟ قالا: لا تبايعه. قال ما أنصفتما أتأمراني أن اُقاتل عليّاً وأنقض بيعته وهي في أعناقكما وتنهاني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟ أما إنَّنا قد بايعنا عليّاً، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا. قال: ثمَّ تفرق الناس فصارت فرقةٌ مع عثمان بن حنيف، وفرقةٌ مع طلحة والزبير. ثمَّ جاء جارية بن قدامة فقال: يا اُمَّ المؤمنين! لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجكِ من بيتكِ على هذا الجمل الملعون، انَّه كانت لكِ من الله حرمة و ستر، فهتكتِ سترَك، وأبحتِ حرمتكِ، انَّه من رأى قتالكِ، فقد رأى قتلكِ، فإن كنت يا اُمّ المؤمنين! أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى منزلكِ، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟ فاستعتبي(٢) .

____________________

١ - أنّى هذا المحال والتمحل من قوارصها التى مرّت في ص ٧٧ - ٨٥.

٢ - الامامة والسياسة ١: ٦٠.

١٠٠