الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 111898
تحميل: 4256


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111898 / تحميل: 4256
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التنزّل أي أكثر المتنزّلين منهم كاذبون أي أكثر أخبارهم كاذبة.

و محصّل حجة الآيات الثلاث أنّ الشياطين لابتناء جبلّتهم على الشرّ لا يتنزّلون إلّا على كلّ كذّاب فاجر و أكثرهم كاذبون في أخبارهم، و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بأفّاك أثيم و لا ما يوحى إليه من الكلام كذباً مختلقاً فليس ممّن تتنزّل عليه الشياطين و لا الّذي يتنزّل عليه شيطاناً، و لا القرآن النازل عليه من إلقاء الشياطين.

قوله تعالى: ( وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ - إلى قوله -لا يَفْعَلُونَ ) جواب عن رمي المشركين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه شاعر، نبّه عليه بعد الجواب عن قولهم إنّ له شيطاناً يوحي إليه القرآن.

و هذان أعني قولهم إنّ من الجنّ من يأتيه، و قولهم إنّه شاعر، ممّا كانوا يكرّرونه في ألسنتهم بمكّة قبل الهجرة يدفعون به الدعوة الحقّة، و هذا ممّا يؤيّد نزول هذه الآيات بمكّة خلافاً لما قيل إنّها نزلت بالمدينة.

على أنّ الآيات مشتملة على ختام السورة أعني قوله:( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) و لا معنى لبقاء سورة هي من أقدم السور المكّيّة سنين على نعت النقص ثمّ تمامها بالمدينة، و لا دلالة في الاستثناء على أنّ المستثنين هم شعراء المؤمنين بعد الهجرة.

و كيف كان فالغيّ خلاف الرشد الّذي هو إصابة الواقع فالرشيد هو الّذي لا يهتمّ إلّا بما هو حقّ واقع و الغويّ هو السالك سبيل الباطل و المخطئ طريق الحقّ، و الغواية ممّا يختصّ به صناعة الشعر المبنيّة على التخييل و تصوير غير الواقع في صورة الواقع و لذلك لا يهتمّ به إلّا الغويّ المشعوف بالتزيينات الخياليّة و التصويرات الوهميّة الملهية عن الحقّ الصارفة عن الرشد، و لا يتّبع الشعراء الّذين يبتني صناعتهم على الغيّ و الغواية إلّا الغاوون و ذلك قوله تعالى:( وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) .

و قوله:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) يقال: هام يهيم هيمانا إذا ذهب على وجهه و المراد بهيمانهم في كلّ واد استرسالهم في القول

٣٦١

من غير أن يقفوا على حدّ فربّما مدحوا الباطل المذموم كما يمدح الحقّ المحمود و ربّما هجوا الجميل كما يهجى القبيح الدميم و ربّما دعوا إلى الباطل و صرفوا عن الحقّ و في ذلك انحراف عن سبيل الفطرة الإنسانيّة المبنيّة على الرشد الداعية إلى الحقّ، و كذا قولهم ما لا يفعلون من العدول عن صراط الفطرة.

و ملخّص حجّة الآيات الثلاث أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بشاعر لأنّ الشعراء يتّبعهم الغاوون لابتناء صناعتهم على الغواية و خلاف الرشد لكنّ الّذين يتّبعونه إنّما يتّبعونه ابتغاء للرشد و إصابة الواقع و طلباً للحقّ لابتناء ما عنده من الكلام المشتمل على الدعوة على الحقّ و الرشد دون الباطل و الغيّ.

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) إلخ، استثناء من الشعراء المذمومين، و المستثنون هم شعراء المؤمنين فإنّ الإيمان و صالحات الأعمال تردع الإنسان بالطبع عن ترك الحقّ و اتّباع الباطل ثمّ الذكر الكثير لله سبحانه يجعل الإنسان على ذكر منه تعالى مقبلاً إلى الحقّ الّذي يرتضيه مدبّراً عن الباطل الّذي لا يحبّ الاشتغال به فلا يعرض لهؤلاء ما كان يعرض لاُولئك.

و بهذا البيان يظهر وجه تقييد المستثنى بالإيمان و عمل الصالحات ثمّ عطف قوله:( وَ ذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) على ذلك.

و قوله:( وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) الانتصار الانتقام، قيل: المراد به ردّ الشعراء من المؤمنين على المشركين أشعارهم الّتي هجوا بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو طعنوا فيها في الدين و قدحوا في الإسلام و المسلمين، و هو حسن يؤيّده المقام.

و قوله:( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) المنقلب اسم مكان أو مصدر ميميّ، و المعنى:( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) - و هم المشركون على ما يعطيه السياق - إلى أيّ مرجع و منصرف يرجعون و ينصرفون و هو النار أو ينقلبون أيّ انقلاب.

و فيه تهديد للمشركين و رجوع مختتم السورة إلى مفتتحها و قد وقع في أوّلها قوله:( فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

٣٦٢

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن الحجّال عمّن ذكره عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) قال: يبيّن الألسن و لا تبينه الألسن.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ) إلخ، قال الصادقعليه‌السلام : لو نزّلنا القرآن على العجم ما آمنت به العرب و قد نزّل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم.

و في الكافي، بإسناده عن عليّ بن عيسى القمّاط عن عمّه عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اُرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه بني اُميّة يصعدون على منبره من بعده و يضلّون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيباً حزيناً.

قال: فهبط جبرائيل فقال: يا رسول الله ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني اُميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلّون الناس عن الصراط القهقرى، فقال: و الّذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها. قال:( أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ) و أنزل عليه:( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) جعل الله ليلة القدر لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً من ألف شهر ملك بني اُميّة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال: رؤي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّه متحيّر فسألوه عن ذلك فقال: و لم و رأيت عدوّي يلون أمر اُمّتي من بعدي فنزلت:( أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ) فطابت نفسه.

أقول: و قوله: و لم و رأيت إلخ، فيه حذف و التقدير و لم لا أكون كذلك و قد رأيت إلخ.

٣٦٣

و فيه، أخرج أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في شعب الإيمان و في الدلائل عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشاً و عمّ و خصّ فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإنّي لا أملك لكم ضرّاً و لا نفعاً. يا معشر بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار فإنّي لا أملك لكم ضرّاً و لا نفعاً. يا معشر بني قصيّ أنقذوا أنفسكم من النار فإنّي لا أملك لكم ضرّاً و لا نفعاً. يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإنّي لا أملك لكم ضرّاً و لا نفعاً. يا بني عبدالمطّلب أنقذوا أنفسكم من النار فإنّي لا أملك لكم ضرّاً و لا نفعاً. يا فاطمة بنت محمّد أنقذي نفسك من النار فإنّي لا أملك لك ضرّاً و لا نفعاً. ألا إنّ لكم رحماً و سأبلّها ببلالها.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: لما نزلت( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جعل يدعوهم قبائل قبائل.

و فيه، أخرج سعيد بن منصور و البخاريّ و ابن مردويه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال: لما نزلت( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) و رهطك منهم المخلصين خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى صعد على الصفا فنادى يا صباحاه فقالوا: من هذا الّذي يهتف؟ قالوا: محمّد، فاجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو؟

فجاء أبولهب و قريش فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ رأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أ كنتم مصدّقيّ؟ قالوا: نعم ما جرّبنا عليك إلّا صدقاً. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبولهب: تبّا لك سائر اليوم أ لهذا جمعتنا؟ فنزلت:( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ) .

و فيه، أخرج الطبرانيّ و ابن مردويه عن أبي أمامة قال: لما نزلت( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع رسول الله بني هاشم فأجلسهم على الباب و جمع نساءه و أهله فأجلسهم في البيت ثمّ اطّلع عليهم فقال: يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار

٣٦٤

و اسعوا في فكاك رقابكم و افتكوها بأنفسكم من الله فإنّي لا أملك لكم من الله شيئاً.

ثمّ أقبل على أهل بيته فقال: يا عائشة بنت أبي بكر و يا حفصة بنت عمر و يا اُمّ سلمة و يا فاطمة بنت محمّد و يا اُمّ الزبير عمّة رسول الله اشتروا(١) أنفسكم من الله و اسعوا في فكاك رقابكم فإنّي لا أملك لكم من الله شيئاً و لا اُغني‏، الحديث.

أقول: و في معنى هذه الروايات بعض روايات اُخر و في بعضها أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّ بني عبد مناف بالإنذار فيشمل بني اُميّة و بني هاشم جميعاً.

و الروايات الثلاث الاُول لا تنطبق عليها الآية فإنّها تعمّم الإنذار قريشاً عامّة و الآية تصرّح بالعشيرة الأقربين و هم إمّا بنو عبدالمطّلب أو بنوهاشم و أبعد ما يكون من الآية الرواية الثانية حيث تقول: جعل يدعوهم قبائل قبائل.

على أنّ ما تقدّم من معنى الآية و هو نفي أن تكون قرابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغنيهم من تقوى الله و في الروايات إشارة إلى ذلك - حيث تقول: لا اُغني عنكم من الله‏ شيئاً - لا يناسب عمومه لغير الخاصّة من قرابتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و أمّا الرواية الرابعة فقوله تعالى:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) آية مكّيّة في سورة مكّيّة و لم يقل أحد بنزول الآية بالمدينة و أين كانت يوم نزولها عائشة و حفصة و اُمّ سلمة و لم يتزوّج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهنّ إلّا في المدينة؟ فالمعتمد من الروايات ما يدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّ بالإنذار يوم نزول الآية بني هاشم أو بني عبدالمطّلب، و من عجيب الكلام قول الآلوسيّ بعد نقل الروايات: و إذا صحّ الكلّ فطريق الجمع أن يقال بتعدّد الإنذار.

و في المجمع، عن تفسير الثعلبيّ بإسناده عن براء بن عازب قال: لما نزلت هذه الآية جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبدالمطّلب و هم يومئذ أربعون رجلاً الرجل منهم يأكل المسنة و يشرب العسّ فأمر عليّاً برجل شاة فأدمها ثمّ قال: ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتّى صدروا. ثمّ دعا بعقب من لبن فجرع منه

____________________

(١) كذا.

٣٦٥

جرعاً ثمّ قال لهم: اشربوا بسم الله فشربوا حتّى رووا فبدرهم أبولهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل فسكتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ و لم يتكلّم.

ثمّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام و الشراب ثمّ أنذرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا بني عبدالمطّلب إنّي أنا النذير إليكم من الله عزّوجلّ فأسلموا و أطيعوني تهتدوا.

ثمّ قال: من يواخيني و يوازرني و يكون وليّي و وصيّي بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟ فسكت القوم فأعادها ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم و يقول عليّ أنا فقال في المرّة الثالثة: أنت فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد اُمّر عليك.

قال الطبرسيّ: و روي عن أبي رافع هذه القصّة و أنّه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتّى تضلّعوا و سقاهم عسّا فشربوا كلّهم حتّى رووا. ثمّ قال: إنّ الله أمرني أن اُنذر عشيرتي و رهطي، و إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا جعل له من أهله أخاً و وزيراً و وارثاً و وصيّاً و خليفة في أهله فأيّكم يقوم فيبايعني على أنّه أخي و وارثي و وزيري و وصيّي و يكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ فقال عليّ: أنا فقال: ادن منّي ففتح فاه و مجّ في فيه من ريقه و تفل بين كتفيه و ثدييه فقال أبولهب: بئس ما حبوت به ابن عمّك أن أجابك فملأت فاه و وجهه بزاقاً فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملأته حكمة و علماً.

أقول: و روى السيوطيّ في الدرّ المنثور، ما في معنى حديث البراء عن ابن إسحاق و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبي نعيم و البيهقيّ في الدلائل من طرق عن عليّ رضي الله عنه و فيه: ثمّ تكلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا بني عبدالمطّلب إنّي و الله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يوازرني على أمري هذا؟ فقلت و أنا أحدثهم سنّا: إنّه أنا، فقام القوم يضحكون.

و في علل الشرائع، بإسناده عن عبدالله بن الحارث بن نوفل عن عليّ بن

٣٦٦

أبي طالبعليه‌السلام قال: لما نزلت( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) أي رهطك المخلصين دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبدالمطّلب و هم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً و ينقصون رجلاً فقال: أيّكم يكون أخي و وارثي و وزيري و وصيّي و خليفتي فيكم بعدي، فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلّهم يأبى ذلك حتّى أتى عليّ فقلت: أنا يا رسول الله.

فقال: يا بني عبدالمطّلب هذا وارثي و وزيري و خليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع و تطيع لهذا الغلام.

أقول: و من الممكن أن يستفاد من قولهعليه‌السلام : أي رهطك المخلصين أنّ ما نسب إلى قراءة أهل البيت( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ رهطك منهم المخلصين) و نسب أيضاً إلى قرآن اُبيّ بن كعب كان من قبيل التفسير.

و في المجمع: في قوله تعالى:( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) قيل: معناه و تقلّبك في الساجدين الموحّدين من نبيّ إلى نبيّ حتّى أخرجك نبيّاً: عن ابن عبّاس في رواية عطاء و عكرمة و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام قالا: أصلاب النبيّين نبيّ بعد نبيّ حتّى أخرجه من صلب أبيه عن نكاح غير سفاح من لدن آدم.

أقول: و رواه غيره من رواة الشيعة، و رواه في الدرّ المنثور، عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبي نعيم و غيرهم عن ابن عبّاس و غيرهم.

و في المجمع، روى جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ترفعوا قبلي و لا تضعوا قبلي فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ثمّ تلا هذه الآية.

أقول: يريدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع الجبهة على الأرض و رفعها في السجدة و رواه في الدرّ المنثور، عن ابن عبّاس و غيره.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأن يمتلئ جوف أحدكم

٣٦٧

قيحا خير له من أن يمتلئ شعراً.

أقول: و هو مرويّ من طرق الشيعة أيضاً عن الصادقعليه‌السلام عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ، قال: يعظون الناس و لا يتعظّون و ينهون عن المنكر و لا ينتهون و يأمرون بالمعروف و لا يعملون و هم الّذين قال الله فيهم:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) أي في كلّ مذهب يذهبون( وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) و هم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم.

و في اعتقادات الصدوق: سئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) قال: هم القصّاص.

أقول: هم من المصاديق و المعنى الجامع ما تقدّم في ذيل الآية.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ من الشعر حكماً و إنّ من البيان سحراً.

أقول: و روى الجملة الاُولى أيضاً عنه عن بريدة و ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أيضاً عن ابن مردويه عن أبي هريرة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لفظه: إنّ من الشعر حكمة، و الممدوح من الشعر ما فيه نصرة الحقّ و لا تشمله الآية.

و في المجمع، عن الزهريّ قال: حدّثني عبدالرحمن بن كعب بن مالك: أنّ كعب بن مالك قال: يا رسول الله ما ذا تقول في الشعراء؟ قال: إنّ المؤمن مجاهد بسيفه و لسانه و الّذي نفسي بيده لكأنّما تنضخونهم بالنبل.

قال الطبرسيّ: و قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحسّان بن ثابت: اهجهم أو هاجهم و روح القدس معك: رواه البخاريّ و مسلم في الصحيحين.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و أبوداود في ناسخه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الحسن سالم البرّاد قال: لما نزلت( وَ الشُّعَراءُ ) الآية جاء عبدالله بن رواحة و كعب بن مالك و حسّان بن ثابت و هم يبكون فقالوا: يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية و هو يعلم أنّا شعراء

٣٦٨

أهلكنا؟ فأنزل الله( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) فدعاهم رسول الله فتلاها عليهم.

أقول: هذه الرواية و ما في معناها هي الّتي دعا بعضهم إلى القول بكون الآيات الخمس من آخر السورة مدنيّات و قد عرفت الكلام في ذلك عند تفسير الآيات.

و في الكافي، بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً. ثمّ قال: لا أعني سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلّا الله و الله أكبر، و إن كان منه و لكن ذكر الله عند ما أحلّ و حرّم فإن كان طاعة عمل بها و إن كان معصية تركها.

أقول: فيه تأييد لما تقدّم في تفسير الآية.

٣٦٩

( سورة النمل مكّيّة و هي ثلاث و تسعون آية)

( سورة النمل الآيات ١ - ٦)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طس  تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ( ١ ) هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ( ٢ ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ( ٣ ) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ( ٤ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ( ٥ ) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ( ٦ )

( بيان)

غرض السورة - على ما تدلّ عليه آيات صدرها و الآيات الخمس الخاتمة لها - التبشير و الإنذار و قد استشهد لذلك بطرف من قصص موسى و داود و سليمان و صالح و لوطعليهم‌السلام ثمّ عقّبها ببيان نبذة من اُصول المعارف كوحدانيّته تعالى في الربوبيّة و المعاد و غير ذلك.

قوله تعالى: ( تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ ) الإشارة بتلك - كما مرّ في أوّل سورة الشعراء - إلى آيات السورة ممّا ستنزّل بعد و ما نزلت قبل، و التعبير باللفظ الخاصّ بالبعيد للدلالة على رفعة قدرها و بعد منالها.

و القرآن اسم للكتاب باعتبار كونه مقروّا، و المبين من الإبانة بمعنى الإظهار، و تنكير( الْقُرْآنِ ) للتفخيم أي تلك الآيات الرفيعة القدر الّتي ننزّلها آيات الكتاب و آيات كتاب مقروّ عظيم الشأن مبين لمقاصده من غير إبهام و لا تعقيد.

٣٧٠

قال في مجمع البيان: وصفه بالصفتين يعني الكتاب و القرآن ليفيد أنّه ممّا يظهر بالقراءة و يظهر بالكتابة و هو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعاً، و وصفه بأنّه مبين تشبيه له بالناطق بكذا. انتهى.

قوله تعالى: ( هُدىً وَ بُشْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) المصدران أعني( هُدىً وَ بُشْرى) بمعنى اسم الفاعل أو المراد بهما المعنى المصدريّ للمبالغة.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) إلخ، المراد إتيان الأعمال الصالحة و إنّما اقتصر على الصلاة و الزكاة لكون كلّ منها ركناً في بابه فالصلاة فيما يرجع إلى الله تعالى و الزكاة فيما يرجع إلى الناس و بنظر آخر الصلاة في الأعمال البدنيّة و الزكاة في الأعمال الماليّة.

و قوله:( وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) وصف آخر للمؤمنين معطوف على ما قبله جي‏ء به للإشارة إلى أنّ هذه الأعمال الصالحة إنّما تقع موقعها و تصيب غرضها مع الإيقان بالآخرة فإنّ العمل يحبط مع تكذيب الآخرة، قال تعالى:( وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) الأعراف: ١٤٧.

و تكرار الضمير في قوله:( وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ ) إلخ للدلالة على أنّ هذا الإيقان من شأنهم و هم أهله المترقّب منهم ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ) العمه التحيّر في الأمر و معنى تزيين العمل جعله بحيث ينجذب إليه الإنسان و الّذين لا يؤمنون بالآخرة لما أنكروها و هي غاية مسيرهم بقوا في الدنيا و هي سبيل لا غاية فتعلّقوا بأعمالهم فيها و كانوا متحيّرين في الطريق لا غاية لهم يقصدونها.

قوله تعالى: ( أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ ) إلخ إيعاد بمطلق العذاب من دنيويّ و اُخرويّ بدليل ما في قوله:( وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ) و لعلّ وجه كونهم أخسر الناس أنّ سائر العصاة لهم صحائف أعمال مثبتة فيها سيّئاتهم و حسناتهم يجازون بها و أمّا هؤلاء فسيّئاتهم محفوظة عليهم يجازون بها و حسناتهم حابطة.

٣٧١

قوله تعالى: ( وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) التلقية قريبة المعنى من التلقين، و تنكير( حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) للتعظيم، و التصريح بكون هذا القرآن من عنده تعالى ليكون ذلك حجّة على الرسالة و تأييداً لما تقدّم من المعارف و لصحّة ما سيذكره من قصص الأنبياءعليهم‌السلام .

و تخصيص الاسمين الكريمين للدلالة على نزوله من ينبوع الحكمة فلا ينقضه ناقض و لا يوهنه موهن، و منبع العلم فلا يكذب في خبره و لا يخطئ في قضائه.

٣٧٢

( سورة النمل الآيات ٧ - ١٤)

إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( ٧ ) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٨ ) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٩ ) وَأَلْقِ عَصَاكَ  فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ  يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ( ١٠ ) إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١١ ) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ  فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( ١٢ ) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ( ١٣ ) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا  فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( ١٤ )

( بيان)

أوّل القصص الخمس الّتي اُشير إليها في السورة استشهاداً لما في صدرها من التبشير و الإنذار و الوعد و الوعيد و تغلب في الثلاث الاُول منها و هي قصص موسى و داود و سليمان جهة الوعد على الوعيد و في الأخيرتين بالعكس.

قوله تعالى: ( إِذْ قالَ مُوسى‏ لِأَهْلِهِ ) إلخ المراد بأهله امرأته و هي بنت شعيب على ما ذكره الله تعالى في سورة القصص قال في المجمع: إنّ خطابها بقوله:( آتِيكُمْ ) بصيغة الجمع لإقامتها مقام الجماعة في الاُنس بها في الأمكنة الموحشة. انتهى و من المحتمل أنّه كان معها غيرها من خادم أو مكار أو غيرهما.

٣٧٣

و في المجمع: الإيناس الإبصار، و قيل: آنست أي أحسست بالشي‏ء من جهة يؤنس بها و ما آنست به فقد أحسست به مع سكون نفسك إليه. انتهى و الشهاب على ما في المجمع:، نور كالعمود من النّار و كلّ نور يمتدّ كالعمود يسمّى شهاباً و المراد الشعلة من النار، و في المفردات:، الشهاب الشعلة الساطعة من النار الموقدة و من العارض في الجوّ و في المفردات، أيضاً: القبس المتناول من الشعلة، و الاصطلاء بالنار الاستدفاء بها.

و سياق الآية يشهد و يؤيّده ما وقع من القصّة في سور اُخرى أنّه كان حين ذاك يسير بأهله و قد ضلّ الطريق و أصابه و أهله البرد في ليلة داجية فأبصر ناراً من بعيد فأراد أن يذهب إليها فإن وجد عندها إنساناً استخبره أو يأخذ قبساً يأتي به إلى أهله فيوقدوا ناراً يصطلون بها. فقال لأهله امكثوا إنّي أحسست و أبصرت ناراً فالزموا مكانكم سآتيكم منها أي من عندها بخبر نهتدي به أو آتيكم بشعلة متناولة من النار لعلكم توقدون بها ناراً تصطلون و تستدفؤن بها.

و يظهر من السياق أيضاً أنّ النار إنّما ظهرت لهعليه‌السلام و لم يشاهدها غيره و إلّا عبّر عنها بالإشارة دون التنكير.

و لعلّ اختلاف الإتيان بالخبر و الإتيان بالنار نوعاً هو الموجب لتكرار لفظ الإتيان حيث قال:( سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ ) .

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها وَ سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي فلمّا أتى النار و حضر عندها نودي أن بورك إلخ.

و المراد بالمباركة إعطاء الخير الكثير يقال: باركه و بارك عليه و بارك فيه أي ألبسه الخير الكثير و حباه به، و قد وقع في سورة طه في هذا الموضع من القصّة قوله:( فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى‏ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) طه: ١٣. و يستأنس منه أنّ المراد بمن حول النار موسى أو هو ممّن حول النار، و مباركته اختياره بعد تقديسه.

٣٧٤

و أمّا المراد بمن في النار فقد قيل: إنّ معناه من ظهر سلطانه و قدرته في النار فإنّ التكليم كان من الشجرة - على ما في سورة القصص - و قد أحاطت بها النار، و على هذا فالمعنى: تبارك من تجلّى لك بكلامه من النار و بارك فيك، و يكون قوله:( وَ سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) تنزيها له سبحانه من أن يكون جسماً أو جسمانيّاً يحيط به المكان أو يجاوره الحدثان لا لتعجيب موسى كما قيل.

و قيل: المراد بمن في النار الملائكة الحاضرون فيها كما أنّ المراد بمن حولها موسىعليه‌السلام .

و قيل: المراد به موسىعليه‌السلام و بمن حولها الملائكة.

و قيل: في الكلام تقدير و الأصل بورك من في المكان الّذي فيه النار - و هو البقعة المباركة الّتي كانت فيها الشجرة كما في سورة القصص - و من فيها هو موسى و حولها هي الأرض المقدّسة الّتي هي الشامات، و من حولها هم الأنبياء القاطنون فيها من آل إبراهيم و بني إسرائيل.

و قيل: المراد بمن في النار نور الله تعالى و بمن حولها موسى.

و قيل: المراد بمن في النار الشجرة فإنّها كانت محاطة بالنار بمن حولها الملائكة المسبّحون.

و أكثر هذه الوجوه لا يخلو من تحكّم ظاهر.

قوله تعالى: ( يا مُوسى‏ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) تعرف منه تعالى لموسىعليه‌السلام ليعلم أنّ الّذي يشافهه بالكلام ربّه تعالى فهذه الآية في هذه السورة تحاذي قوله من سورة طه( نُودِيَ يا مُوسى‏ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ ) إلخ، فارجع إلى سورة طه و تدبّر في الآيات.

قوله تعالى: ( وَ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ ) إلخ، الاهتزاز التحرّك الشديد، و الجانّ الحيّة الصغيرة السريعة الحركة، و الإدبار خلاف الإقبال، و التعقيب الكرّ بعد الفرّ من عقّب المقاتل إذا كرّ بعد فراره.

٣٧٥

و في الآية حذف و إيجاز تفصح عنه الفاء الفصيحة في قوله:( فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ ) و التقدير و ألق عصاك فلمّا ألقاها إذا هي ثعبان مبين يهتزّ كأنّه جانّ و لما رآها تهتزّ إلخ.

و لا منافاة بين صيرورة العصا ثعباناً مبيناً كما وقع في قصّتهعليه‌السلام من سورتي الأعراف و الشعراء - و الثعبان الحيّة العظيمة الجثّة و بين تشبيهها في هذه السورة بالجانّ فإنّ التشبيه إنّما وقع في الاهتزاز و سرعة الحركة و الاضطراب حيث شاهد العصا و قد تبدّلت ثعباناً عظيم الجثّة هائل المنظر يهتزّ و يتحرّك بسرعة اهتزاز الجانّ و تحرّكه بسرعة و ليس تشبيها لنفس العصا أو الثعبان بنفس الجانّ.

و قيل: إنّ آية العصا كانت مختلفة الظهور فقد ظهرت العصا لأوّل مرّة في صورة الجانّ كما وقع في سورة طه:( فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى‏ ) آية: ٢٠ من السورة ثمّ ظهرت لما ألقاها عند فرعون في صورة ثعبان مبين كما في سورتي الأعراف و الشعراء.

و فيه أنّ هذا الوجه و إن كان لا يخلو بالنظر إلى سياق الآيات عن وجاهة لكنّه لا يندفع به إشكال تشبيه الشي‏ء بنفسه أو عدم تبدّلها حيّة فالمعوّل في دفع الإشكال على ما تقدّم.

قوله تعالى: ( يا مُوسى‏ لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) حكاية نفس الخطاب الصادر هناك و هو في معنى قال الله يا موسى لا تخف إلخ.

و قوله:( لا تَخَفْ ) نهي مطلق يؤمنه عن كلّ ما يسوء ممّا يخاف منه ما دام في حضرة القرب و المشافهة سواء كان المخوف منه عصا أو غيرها و لذا علّل النهي بقوله:( إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) فإنّ تقييد النفي بقوله:( لَدَيَّ ) يفيد أنّ مقام القرب و الحضور يلازم الأمن و لا يجامع مكروهاً يخاف منه، و يؤيّده تبديل هذه الجملة في القصّة من سورة القصص من قوله:( إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) فيتحصّل المعنى: لا تخف من شي‏ء إنّك مرسل و المرسلون - و هم لديّ في مقام القرب - في مقام الأمن و لا خوف مع الأمن.

٣٧٦

و أمّا فرار موسىعليه‌السلام من العصا و قد تصوّرت بتلك الصورة الهائلة و هي تهتزّ كأنّها جانّ فقد كان جرياً منه على ما جبل الله الطبيعة الإنسانيّة عليه إذا فاجأه من المخاطر ما لا سبيل له إلى دفعه عن نفسه إلّا الفرار و قد كان أعزل لا سلاح معه إلّا عصاه و هي الّتي يخافها على نفسه و لم يرد عليه من جانبه تعالى أمر سابق أن يلزم مكانه أو نهي عن الفرار ممّا يخافه على نفسه إلّا قوله تعالى:( وَ أَلْقِ عَصاكَ ) و قد امتثله، و ليس الفرار من المخاطر العظيمة الّتي لا دافع لها إلّا الفرار، من الجبن المذموم حتّى يذمّ عليه.

و أمّا أنّ الأنبياء و المرسلين لا يخافون شيئاً و هم عند ربّهم - على ما يدلّ عليه قوله:( إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) - فهم لا يملكون هذه الكرامة من عند أنفسهم بل إنّما ذلك بتعليم من الله و تأديب و إذ كان موقف ليلة الطور أوّل موقف من موسى قرّبه الله إليه فيه و خصّه بالتكليم و حباه بالرسالة و الكرامة فقوله:( لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) و قوله:( لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) تعليم و تأديب إلهيّ لهعليه‌السلام .

فتبيّن بذلك أنّ قوله:( لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) تأديب و تربية إلهيّة لموسىعليه‌السلام و ليس من التوبيخ و التأنيب في شي‏ء.

قوله تعالى: ( إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الّذي ينبغي أن يقال - و الله أعلم - أنّ الآية السابقة لما أخبرت عن أنّ المرسلين آمنون لا يخافون فهم منه أنّ غيرهم من أهل الظلم غير آمنين لهم أن يخافوا استدرك في هذه الآية حال أهل التوبة من جملة أهل الظلم فبيّن أنّهم لتوبتهم و تبديلهم ظلمهم - و هو السوء - حسناً بعد سوء مغفور لهم مرحومون فلا يخافون أيضاً.

فالاستثناء من المرسلين و هو استثناء منقطع و المراد بالظلم مطلق المعصية و بالحسن بعد السوء التوبة بعد المعصية أو العمل الصالح بعد السيّئ، و المعنى: لكن من ظلم باقتراف المعصية ثمّ بدّل ذلك حسناً بعد سوء و توبة بعد معصية أو عملاً صالحاً بعد سيّئ فإنّي غفور رحيم أغفر ظلمه و أرحمه فلا يخافنّ بعد ذلك شيئاً.

٣٧٧

قوله تعالى: ( وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) إلخ، فسّر السوء بالبرص و قد تقدّم، و قوله:( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ ) يمكن أن يستظهر من السياق أوّلاً أنّ( فِي تِسْعِ ) حال من الآيتين جميعاً، و المعنى: آتيتك هاتين الآيتين - العصا و اليد - حال كونهما في تسع آيات.

و ثانياً: أنّ الآيتين من جملة الآيات التسع، و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) إسراء: ١٠١، كلام في تفصيل الآيات التسع، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ) المبصرة بمعنى الواضحة الجليّة، و في قولهم:( هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ) إزراء و إهانة بالآيات حيث أهملوا الدلالة على خصوصيّات الآيات حتّى العدد فلم يعبؤا بها إلّا بمقدار أنّها أمر مّا.

قوله تعالى: ( وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا ) إلخ، قال الراغب: الجحد نفي ما في القلب إثباته و إثبات ما في القلب نفيه. انتهى. و الاستيقان و الإيقان بمعنى.

٣٧٨

( سورة النمل الآيات ١٥ - ٤٤)

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا  وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ( ١٥ ) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ  وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ  إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ( ١٦ ) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ( ١٧ ) حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( ١٨ ) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ( ١٩ ) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ( ٢٠ ) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( ٢١ ) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ( ٢٢ ) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ( ٢٣ ) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ( ٢٤ ) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ( ٢٥ ) اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ

٣٧٩

الْعَظِيمِ  ( ٢٦ ) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( ٢٧ ) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ( ٢٨ ) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ( ٢٩ ) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( ٣٠ ) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ( ٣١ ) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ( ٣٢ ) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ( ٣٣ ) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً  وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ( ٣٤ ) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( ٣٥ ) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ( ٣٦ ) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ( ٣٧ ) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ( ٣٨ ) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ  وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ( ٣٩ ) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ  فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ  وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ  وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ( ٤٠ ) قَالَ نَكِّرُوا

٣٨٠