الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 111889
تحميل: 4255


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111889 / تحميل: 4255
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و عن ابن عساكر عن ابن عمر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لفظها: كلّ نسب و صهر ينقطع يوم القيامة إلّا نسبي و صهري.

و في المناقب، في حديث طاووس عن زين العابدينعليه‌السلام : خلق الله الجنّة لمن أطاع و أحسن و لو كان عبداً حبشيّاً، و خلق النار لمن عصاه و لو كان ولداً قرشيّاً أ ما سمعت قول الله تعالى:( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ ) و الله لا ينفعك غداً إلّا تقدّمة تقدّمها من عمل صالح.

أقول: سياق الآية كالآبي عن التخصيص و لعلّ من آثار نسبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يوفّق ذرّيّته من صالح العمل بما ينتفع به يوم القيامة.

و في تفسير القمّيّ: و قوله عزّوجلّ:( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) قال: تلهب عليهم فتحرقهم( وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ ) أي مفتوحي الفم متربّدي الوجوه.

و في التوحيد، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ) قال: بأعمالهم شقوا.

و في العلل، بإسناده عن مسعدة بن زياد قال: قال رجل لجعفر بن محمّدعليه‌السلام : يا أباعبدالله إنّا خلقنا للعجب. قال: و ما ذلك لله أنت؟ قال: خلقنا للفناء. قال: مه يا ابن أخ خلقنا للبقاء و كيف تفنى جنّة لا تبيد و نار لا تخمد؟ و لكن إنّما نتحوّل من دار إلى دار.

و في تفسير القمّيّ: قوله تعالى:( قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ - إلى قوله -فَسْئَلِ الْعادِّينَ ) قال: سل الملائكة الّذين يعدّون علينا الأيّام، و يكتبون ساعاتنا و أعمالنا الّتي اكتسبنا فيها.

و في الدرّ المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعيّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النار النار قال لأهل الجنّة كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم. قال: لنعم ما اتّجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي و رضواني و جنّتي اسكنوا فيها خالدين مخلّدين.

٨١

ثمّ يقول: يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم فيقول: بئس ما اتّجرتم في يوم أو بعض يوم ناري و سخطي امكثوا فيها خالدين.

أقول: و في انطباق معنى الحديث على الآية بما لها من السياق و بما تشهد به الآيات النظائر خفاء، و قد تقدّم البحث عن مدلول الآية مستمداً من الشواهد.

٨٢

( سورة النور مدنيّة و هي أربع و ستّون آية)

( سورة النور الآيات ١ - ١٠)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( ١ ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ  وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ٢ ) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ  وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( ٣ ) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا  وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( ٤ ) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٥ ) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ  إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ  إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ( ١٠ )

٨٣

( بيان‏)

غرض السورة ما ينبئ عنه مفتتحها( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فهي تذكرة نبذة من الأحكام المفروضة المشرّعة ثمّ جملة من المعارف الإلهيّة تناسبها و يتذكّر بها المؤمنون.

و هي سورة مدنيّة بلا خلاف و سياق آياتها يشهد بذلك و من غرر الآيات فيها آية النور.

قوله تعالى: ( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) السورة طائفة من الكلام يجمعها غرض واحد سيقت لأجله و لذا اعتبرت تارة نفس الآيات بما لها من المعاني فقيل:( فَرَضْناها ) ، و تارة ظرفاً لبعض الآيات ظرفيّة المجموع للبعض فقيل:( أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ ) و هي ممّا وضعه القرآن و سمّي به طائفة خاصّة من آياته و تكرّر استعمالها في كلامه تعالى، و كأنّه مأخوذ من سور البلد و هو الحائط الّذي يحيط به سمّيت به سورة القرآن لإحاطتها بما فيها من الآيات أو بالغرض الّذي سيقت له.

و قال الراغب: الفرض قطع الشي‏ء الصلب و التأثير فيه كفرض الحديد و فرض الزند و القوس. قال: و الفرض كالإيجاب لكنّ الإيجاب يقال اعتباراً بوقوعه و ثباته، و الفرض بقطع الحكم فيه، قال تعالى:( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها ) أي أوجبنا العمل بها عليك. قال: و كلّ موضع ورد( فرض الله عليه) ففي الإيجاب الّذي أدخله الله فيه، و ما ورد( فرض الله له) فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو( ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ) . انتهى.

فقوله:( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها ) أي هذه سورة أنزلناها و أوجبنا العمل بما فيها من الأحكام فالعمل بالحكم الإيجابيّ هو الإتيان به و بالحكم التحريميّ الانتهاء عنه.

و قوله:( وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) المراد بها - بشهادة

٨٤

السياق - آية النور و ما يتلوها من الآيات المبيّنة لحقيقة الإيمان و الكفر و التوحيد و الشرك المذكرة لهذه المعارف الإلهيّة.

قوله تعالى: ( الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) الآية، الزنا المواقعة من غير عقد أو شبهة عقد أو ملك يمين، و الجلد هو الضرب بالسوط و الرأفة التحنّن و التعطّف و قيل: هي رحمة في توجّع، و الطائفة في الأصل هي الجماعة كانوا يطوفون بالارتحال من مكان إلى مكان قيل: و ربّما تطلق على الاثنين و على الواحد.

و قوله:( الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي ) إلخ، أي المرأة و الرجل اللّذان تحقّق منهما الزنا فاضربوا كلّ واحد منهما مائة سوط، و هو حدّ الزنا بنصّ الآية غير أنّها مخصّصة بصور: منها أن يكونا محصنين ذوي زوج أو يكون أحدهما محصناً فالرجم و منها أن يكونا غير حرّين أو أحدهما رقّا فنصف الحدّ.

قيل: و قدّمت الزانية في الذكر على الزاني لأنّ الزنا منهنّ أشنع و لكون الشهوة فيهنّ أقوى و أكثر، و الخطاب في الأمر بالجلد متوجّه إلى عامّة المسلمين فيقوم بمن قام بأمرهم من ذوي الولاية من النبيّ و الإمام و من ينوب منابه.

و قوله:( وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ) إلخ، النهي عن الرأفة من قبيل النهي عن المسبّب بالنهي عن سببه إذ الرأفة بمن يستحقّ نوعاً من العذاب توجب التساهل في إذاقته ما يستحقّه من العذاب بالتخفيف فيه و ربّما أدّى إلى تركه، و لذا قيّده بقوله:( فِي دِينِ اللهِ ) أي حال كون الرأفة أي المساهلة من جهتها في دين الله و شريعته.

و قيل: المراد بدين الله حكم الله كما في قوله تعالى:( ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ) يوسف: ٧٦ أي في حكمه أي لا تأخذكم بهما رأفة في إنفاذ حكم الله و إقامة حدّه.

و قوله:( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ) أي إن كنتم كذا و كذا فلا تأخذكم بهما رأفة و لا تساهلوا في أمرهما و فيه تأكيد للنهي.

٨٥

و قوله:( وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي و ليحضر و لينظر إلى ذلك جماعة منهم ليعتبروا بذلك فلا يقتربوا الفاحشة.

قوله تعالى: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ظاهر الآية و خاصّة بالنظر إلى سياق ذيلها المرتبط بصدرها أنّ الّذي تشمل عليه حكم تشريعيّ تحريميّ و إن كان صدرها وارداً في صورة الخبر فإنّ المراد النهي تأكيداً للطلب و هو شائع.

و المحصّل من معناها بتفسير من السنّة من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الزاني إذا اشتهر منه الزنا و اُقيم عليه الحدّ و لم تتبيّن منه التوبة يحرم عليه نكاح غير الزانية و المشركة، و الزانية إذا اشتهر منها الزنا و اُقيم عليها الحدّ و لم تتبيّن منها التوبة يحرم أن ينكحها إلّا زان أو مشرك.

فالآية محكمة باقية على إحكامها من غير نسخ و لا تأويل، و تقييدها بإقامة الحدّ و تبيّن التوبة ممّا يمكن أن يستفاد من السياق فإنّ وقوع الحكم بتحريم النكاح بعد الأمر بإقامة الحدّ يلوح إلى أنّ المراد به الزاني و الزانية المجلودان، و كذا إطلاق الزاني و الزانية على من ابتلي بذلك ثمّ تاب توبة نصوحاً و تبيّن منه ذلك، بعيد من دأب القرآن و أدبه.

و للمفسّرين في معنى الآية تشاجرات طويلة و أقوال شتّى:

منها: أنّ الكلام مسوق للإخبار عمّا من شأن مرتكبي هذه الفاحشة أن يقصدوه و ذلك أنّ من خبثت فطرته لا يميل إلّا إلى من يشابهه في الخباثة و يجانسه في الفساد و الزاني لا يميل إلّا إلى الزانية المشاركة لها في الفحشاء و من هو أفسد منها و هي المشركة، و الزانية كذلك لا تميل إلّا إلى مثلها و هو الزاني و من هو أفسد منه و هو المشرك فالحكم وارد مورد الأعمّ الأغلب كما قيل في قوله تعالى:( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ ) الآية: ٢٦ من السورة.

و منها: أنّ المراد بالآية التقبيح، و المعنى: أنّ اللائق بحال الزاني أن لا ينكح إلّا زانية أو من هي دونها و هي المشركة و اللائق بحال الزانية أن لا ينكحها إلّا زان

٨٦

أو من هو دونه و هو المشرك، و المراد بالنكاح العقد، و قوله:( وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) معطوف على أوّل الآية، و المراد و حرّم الزنا على المؤمنين.

و فيه و في سابقه مخالفتهما لسياق الآية و خاصّة اتّصال ذيلها بصدرها كما تقدّمت الإشارة إليه.

و منها: أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى:( وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ ) .

و فيه أنّ النسبة بين الآيتين نسبة العموم و الخصوص و العامّ الوارد بعد الخاصّ لا ينسخه خلافاً لمن قال به نعم ربّما أمكن أن يستفاد النسخ من قوله تعالى:( وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢٢١، بدعوى أنّ الآية و إن كانت من العموم بعد الخصوص لكن لسانها آب عن التخصيص فتكون ناسخة بالنسبة إلى جواز النكاح بين المؤمن و المؤمنة و المشرك و المشركة، و قد ادّعى بعضهم أنّ نكاح الكافر للمسلمة كان جائزاً إلى سنة ستّ من الهجرة ثمّ نزل التحريم فلعلّ الآية الّتي نحن فيها نزلت قبل ذلك، و نزلت آية التحريم بعدها و في الآية أقوال اُخر تركنا إيرادها لظهور فسادها.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) إلخ الرمي معروف ثمّ أستعير لنسبة أمر غير مرضيّ إلى الإنسان كالزنا و السرقة و هو القذف، و السياق يشهد أنّ المراد به نسبة الزنا إلى المرأة المحصنة العفيفة، و المراد بالإتيان بأربعة شهداء و هم شهود الزنا إقامة الشهادة لإثبات ما قذف به، و قد أمر الله تعالى بإقامة الحدّ عليهم إن لم يقيموا الشهادة، و حكم بفسقهم و عدم قبول شهادتهم أبداً.

و المعنى: و الّذين يقذفون المحصنات من النساء بالزنا ثمّ لم يقيموا أربعة من الشهود على صدقهم في قذفهم فاجلدوهم ثمانين جلدة على قذفهم و هم فاسقون لا تقبلوا

٨٧

شهادتهم على شي‏ء أبداً.

و الآية كما ترى مطلقة تشمل من القاذف الذكر و الاُنثى و الحرّ و العبد، و بذلك تفسّرها روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة و هي قوله:( وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) لكنّها لما كانت تفيد معنى التعليل بالنسبة إلى قوله:( وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) - على ما يعطيه السياق - كان لازم ما تفيده من ارتفاع الحكم بالفسق ارتفاع الحكم بعدم قبول الشهادة أبداً، و لازم ذلك رجوع الاستثناء بحسب المعنى إلى الجملتين معاً.

و المعنى: إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا أعمالهم فإنّ الله غفور رحيم يغفر ذنبهم و يرحمهم فيرتفع عنهم الحكم بالفسق و الحكم بعدم قبول شهادتهم أبداً.

و ذكر بعضهم: أنّ الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فحسب فلو تاب القاذف و أصلح بعد إقامة الحدّ عليه غفر له ذنبه لكن لا تقبل شهادته أبداً خلافاً لمن قال برجوع الاستثناء إلى الجملتين معاً.

و الظاهر أنّ خلافهم هذا مبنيّ على المسألة الاُصوليّة المعنونة بأنّ الاستثناء الواقع بعد الجمل المتعدّدة هل يتعلّق بالجميع أو بالجملة الأخيرة و الحقّ في المسألة أنّ الاستثناء في نفسه صالح للأمرين جميعاً و تعيّن أحدهما منوط بما تقتضيه قرائن الكلام، و الّذي يعطيه السياق في الآية الّتي نحن فيها تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة غير أنّ إفادتها للتعليل تستلزم تقيّد الجملة السابقة أيضاً بمعناه كالأخيرة على ما تقدّم.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ - إلى قوله -مِنَ الْكاذِبِينَ ) أي لم يكن لهم شهداء يشهدون ما شهدوا فيتحمّلوا الشهادة ثمّ يؤدّوها إلّا أنفسهم، و قوله:( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ ) أي شهادة أحدهم يعني القاذف و هو واحد أربع شهادات متعلّقة بالله إنّه لمن الصادقين فيما يخبر به من القذف.

٨٨

و معنى الآيتين: و الّذين يقذفون أزواجهم و لم يكن لهم أربعة من الشهداء يشهدون ما شهدوا - و من طبع الأمر ذلك على تقدير صدقهم إذ لو ذهبوا يطلبون الشهداء ليحضروهم على الواقعة فيشهدوهم عليها فات الغرض بتفرّقهما - فالشهادة الّتي يجب على أحدهم أن يقيمها هي أن يشهد أربع شهادات أي يقول مرّة بعد مرّة:( اُشهد الله على صدقي فيما أقذفه به) أربع مرّات و خامستها أن يشهد و يقول: لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين.

قوله تعالى: ( وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ ) إلى آخر الآيتين، الدرء الدفع و المراد بالعذاب حدّ الزنا، و المعنى أنّ المرأة إن شهدت خمس شهادات بإزاء شهادات الرجل دفع ذلك عنه حدّ الزنا، و شهاداتها أن تشهد أربع مرّات تقول فيها: أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين ثمّ تشهد خامسة فتقول: لعنة الله عليَّ إن كان من الصادقين، و هذا هو اللعان الّذي ينفصل به الزوجان.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) جواب لو لا محذوف يدلّ عليه ما اُخذ في شرطه من القيود إذ معناه لو لا فضل الله و رحمته و توبته و حكمته لحلّ بكم ما دفعته عنكم هذه الصفات و الأفعال فالتقدير على ما يعطيه ما في الشرط من القيود لو لا ما أنعم الله عليكم من نعمة الدين و توبته لمذنبيكم و تشريعه الشرائع لنظم اُمور حياتكم لزمتكم الشقوة، و أهلكتكم المعصية و الخطيئة، و اختلّ نظام حياتكم بالجهالة. و الله أعلم.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن محمّد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: و سورة النور اُنزلت بعد سورة النساء، و تصديق ذلك أنّ الله عزّوجلّ أنزل عليه في سورة النساء:( وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) و السبيل الّذي قال الله عزّوجلّ:( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ

٨٩

بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

و في تفسير القمّيّ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما ) يقول: ضربهما( طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يجمع لهما الناس إذا جلدوا.

و في التهذيب، بإسناده عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ) قال: في إقامة الحدود، و في قوله تعالى:( وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: الطائفة واحد.

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: و أنزل بالمدينة( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فلم يسمّ الله الزاني مؤمناً و لا الزانية مؤمنة، و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس يمتري فيه أهل العلم أنّه قال لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن، و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن فإنّه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص.

و فيه، بإسناده عن زرارة قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: هنّ نساء مشهورات و رجال مشهورون بالزنا شهروا به، و عرفوا به و الناس اليوم بذلك المنزل فمن اُقيم عليه حدّ الزنا أو متّهم بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتّى يعرف منه التوبة.

أقول: و رواه أيضاً بإسناده عن أبي الصباح عنهعليه‌السلام مثله‏، و بإسناده عن محمّد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام و لفظه: هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهورين بالزنا فنهى الله عن اُولئك الرجال و النساء، و الناس اليوم على تلك المنزلة من شهر شيئاً من ذلك اُقيم عليه الحدّ فلا تزوّجوه حتّى تعرف توبته.

٩٠

و فيه، بإسناده عن حكم بن حكيم عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في الآية قال: إنّما ذلك في الجهر ثمّ قال: لو أنّ إنساناً زنا ثمّ تاب تزوّج حيث شاء.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و النسائيّ و الحاكم و صحّحه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه و أبو داود في ناسخه عن عبدالله بن عمر قال: كانت امرأة يقال لها: اُم مهزول، و كانت تسافح الرجل و تشرط أن تنفق عليه فأراد رجل من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزوّجها فأنزل الله:( الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) .

أقول: و روي ما يقرب منه عن عدّة من أصحاب الجوامع عن مجاهد.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما قدم المهاجرون المدينة قدموها و هم بجهد إلّا قليل منهم، و المدينة غالية السعر شديدة الجهد، و في السوق زوان متعالنات من أهل الكتاب، و أمّا الأنصار منهنّ اُميّة وليدة عبدالله بن اُبيّ و نسيكة بنت اُميّة لرجل من الأنصار في بغايا من ولائد الأنصار قد رفعت كلّ امرأة منهنّ علامة على بابها ليعرف أنّها زانية و كن من أخصب أهل المدينة و أكثره خيراً.

فرغب اُناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن للّذي هم فيه من الجهد فأشار بعضهم على بعض لو تزوّجنا بعض هؤلاء الزواني فنصيب من بعض أطعماتهنّ فقال بعضهم: نستأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتوه فقالوا: يا رسول الله قد شقّ علينا الجهد و لا نجد ما نأكل، و في السوق بغايا نساء أهل الكتاب و ولائدهنّ و ولائد الأنصار يكتسبن لأنفسهنّ فيصلح لنا أن نتزوّج منهنّ فنصيب من فضول ما يكتسبن؟ فإذا وجدنا عنهنّ غنى تركناهنّ فأنزل الله:( الزَّانِي لا يَنْكِحُ ) الآية فحرّم على المؤمنين أن يتزوّجوا الزواني المسافحات العالنات زناهنّ.

أقول: و الروايتان إنّما تذكران سبب نزول قوله:( الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) دون قوله:( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) .

و في المجمع: في قوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) اختلف في هذا الاستثناء إلى ما ذا يرجع على قولين: أحدهما أنّه يرجع إلى الفسق خاصّة دون قوله:( وَ لا تَقْبَلُوا

٩١

لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) - إلى أن قال - و الآخر أنّ الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته حدّ أم لم يحدّ عن ابن عبّاس - إلى أن قال - و قول أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد الرزّاق و عبد بن حميد و ابن المنذر عن سعيد بن المسيّب قال: شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا و نكل زياد فحدّ عمر الثلاثة، و قال لهم: توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان و لم يتب أبو بكرة فكان لا تقبل شهادته، و كان أبو بكرة أخا زياد لاُمّه فلمّا كان من أمر زياد ما كان حلف أبوبكرة أن لا يكلّمه أبداً فلم يكلّمه حتّى مات.

و في التهذيب، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا قذف العبد الحرّ جلد ثمانين. و قال: هذا من حقوق الناس.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ - إلى قوله -إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) فإنّها نزلت في اللعان فكان سبب ذلك أنّه لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة العجلانيّ و كان من الأنصار و قال: يا رسول الله إنّ امرأتي زنى بها شريك بن السمحاء و هي منه حامل فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعاد عليه القول فأعرض عنه حتّى فعل ذلك أربع مرّات.

فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزله فنزلت عليه آية اللعان فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و صلّى بالناس العصر، و قال لعويمر: ائتني بأهلك فقد أنزل الله عزّوجلّ فيكما قرآناً فجاء إليها و قال لها: رسول الله يدعوك و كانت في شرف من قومها فجاء معها جماعة فلمّا دخلت المسجد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعويمر: تقدّم إلى المنبر و التعنا فقال: كيف أصنع؟ فقال: تقدّم و قل: أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به فتقدّم و قالها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعدها فأعادها حتّى فعل ذلك أربع مرّات فقال له في الخامسة: عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال في الخامسة إنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به. ثمّ

٩٢

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اللعنة موجبة إن كنت كاذباً.

ثمّ قال له: تنحّ فتنحّى ثمّ قال لزوجته: تشهدين كما شهد، و إلّا أقمت عليك حدّ الله فنظرت في وجوه قومها فقالت: لا اُسوّد هذه الوجوه في هذه العشيّة فتقدّمت إلى المنبر و قالت: أشهد بالله إنّ عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعيديها فأعادتها حتّى أعادتها أربع مرات، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به، فقالت في الخامسة إنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويلك إنّها موجبة إن كنت كاذبة.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزوجها: اذهب فلا تحلّ لك أبداً. قال: يا رسول الله فمالي الّذي أعطيتها. قال: إن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه، و إن كنت صادقاً فهو لها بما استحللت من فرجها. الحديث.

و في المجمع، في رواية عكرمة عن ابن عبّاس: قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع و قد يفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتّى آتي بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتّى يفرغ من حاجته و يذهب، و إن قلت ما رأيت إنّ في ظهري لثمانين جلدة.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر الأنصار ما تسمعون إلى ما قال سيّدكم؟ فقالوا: لا تلمه فإنّه رجل غيور ما تزوّج امرأة قطّ إلّا بكراً، و لا طلّق امرأة له فاجتري رجل منّا أن يتزوّجها، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله بأبي أنت و اُمّي و الله إنّي لأعرف أنّها من الله و أنّها حقّ و لكن عجبت من ذلك لما أخبرتك، فقال: فإنّ الله يأبى إلّا ذلك، فقال: صدق الله و رسوله.

فلم يلبثوا إلّا يسيراً حتّى جاء ابن عمّ له يقال له: هلال بن اُميّة من حديقة له قد رأى رجلاً مع امرأته فلمّا أصبح غدا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت معها رجلاً رأيته بعيني و سمعته بأذني، فكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى رئي الكراهة في وجهه فقال هلال: إنّي لأرى الكراهة في وجهك و الله يعلم

٩٣

إنّي لصادق، و إنّي لأرجو أن يجعل الله فرجاً فهمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضربه.

قال: و اجتمعت الأنصار و قالوا: ابتلينا بما قال سعد أ يجلد هلال و يبطل شهادته؟ فنزل الوحي و أمسكوا عن الكلام حين عرفوا أنّ الوحي قد نزل فأنزل الله تعالى:( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) الآيات.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبشر يا هلال فإنّ الله تعالى قد جعل فرجاً فقال: قد كنت أرجو ذلك من الله تعالى، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرسلوا إليها فجاءت فلاعن بينهما فلمّا انقضى اللعان فرّق بينهما و قضى أنّ الولد لها و لا يدعى لأب و لا يرمى ولدها.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن جاءت به كذا و كذا فهو لزوجها و إن جاءت به كذا و كذا فهو للّذي قيل فيه.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من أرباب الجوامع عن ابن عبّاس.

٩٤

( سورة النور الآيات ١١ - ٢٦)

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ  لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم  بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ  وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١١ ) لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ( ١٢ ) لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ  فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ ( ١٥ ) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ( ١٦ ) يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ  وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ( ٢٠ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ  وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم

٩٥

مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ  وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ٢١ ) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ  وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا  أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ  وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٢٢ ) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ٢٣ ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ٢٤ ) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( ٢٥ ) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ  وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ  أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ  لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( ٢٦ )

( بيان)

الآيات تشير إلى حديث الإفك، و قد روى أهل السنّة أنّ المقذوفة في قصّة الإفك هي أم المؤمنين عائشة، و روت الشيعة أنّها مارية القبطيّة اُمّ إبراهيم الّتي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و كلّ من الحديثين لا يخلو عن شي‏ء على ما سيجي‏ء في البحث الروائيّ الآتي.

فالأحرى أن نبحث عن متن الآيات في معزل من الروايتين جميعاً غير أنّ من المسلّم أنّ الإفك المذكور فيها كان راجعاً إلى بعض أهل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا زوجه و أمّا اُمّ ولده و ربّما لوّح إليه قوله تعالى:( وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) و كذا ما يستفاد من الآيات أنّ الحديث كان قد شاع بينهم و أفاضوا فيه و سائر ما يومئ إليه من الآيات.

٩٦

و المستفاد من الآيات أنّهم رموا بعض أهل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفحشاء، و كان الرامون عصبة من القوم فشاع الحديث بين الناس يتلقّاه هذا من ذاك، و كان بعض المنافقين أو الّذين في قلوبهم مرض يساعدون على إذاعة الحديث حبّاً منهم أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا فأنزل الله الآيات و دافع عن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) إلخ، الإفك على ما ذكره الراغب الكذب مطلقاً و الأصل في معناه أنّه كلّ مصروف عن وجهه الّذي يحقّ أن يكون عليه كالاعتقاد المصروف عن الحقّ إلى الباطل - و الفعل المصروف عن الجميل إلى القبيح، و القول المصروف عن الصدق إلى الكذب، و قد استعمل في كلامه تعالى في جميع هذه المعاني.

و ذكر أيضاً أنّ العصبة جماعة متعصّبة متعاضدة، و قيل: إنّها عشرة إلى أربعين.

و الخطاب في الآية و ما يتلوها من الآيات لعامّة المؤمنين ممّن ظاهره الإيمان أعمّ من المؤمن بحقيقة الإيمان و المنافق و من في قلبه مرض، و أمّا قول بعضهم: إنّ المخاطب بالخطابات الأربعة الاُول أو الثاني و الثالث و الرابع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المقذوفة و المقذوف ففيه تفكيك بين الخطابات الواقعة في الآيات العشر الاُول و هي نيّف و عشرون خطاباً أكثرها لعامّة المؤمنين بلا ريب.

و أسوأ حالاً منه قول بعض آخر إنّ الخطابات الأربعة أو الثلاثة المذكورة لمن ساءه ذلك من المؤمنين فإنّه مضافاً إلى استلزامه التفكيك بين الخطابات المتوالية مجازفة ظاهرة.

و المعنى: إنّ الّذين أتوا بهذا الكذب - و اللّام في الإفك للعهد - جماعة معدودة منكم مرتبط بعضهم ببعض، و في ذلك إشارة إلى أنّ هناك تواطؤا منهم على إذاعة هذا الخبر ليطعنوا به في نزاهة بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يفضحوه بين الناس.

و هذا هو فائدة الخبر في قوله:( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) لا تسلية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تسليته و تسلية من ساءه هذا الإفك كما ذكره بعضهم فإنّ

٩٧

السياق لا يساعد عليه.

و قوله:( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) مقتضى كون الخطاب لعامّة المؤمنين أن يكون المراد بنفي كونه شرّاً لهم و إثبات كونه خيراً أنّ المجتمع الصالح من سعادته أن يتميّز فيه أهل الزيغ و الفساد ليكونوا على بصيرة من أمرهم و ينهضوا لإصلاح ما فسد من أعضائهم، و خاصّة في مجتمع دينيّ متّصل بالوحي ينزل عليهم الوحي عند وقوع أمثال هذه الوقائع فيعظهم و يذكّرهم بما هم في غفلة منه أو مساهلة حتّى يحتاطوا لدينهم و يتفطّنوا لما يهمّهم.

و الدليل على ما ذكرنا قوله بعد:( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) فإنّ الإثم هو الأثر السيّئ الّذي يبقى للإنسان عن اقتراف المعصية فظاهر الجملة أنّ أهل الإفك الجائين به يعرفون بإثمه و يتميّزون به عندكم فيفتضحون به بدل ما أرادوا أن يفضحوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و أمّا قول من قال: إنّ المراد بكونه خيراً لهم أنّهم يثابون بما اتّهموهم بالإفك كما أنّ أهل الإفك يتأثّمون به فمبنيّ على كون الخطاب للمتّهمين خاصّة و قد عرفت فساده.

و قوله:( وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ ) فسّروا كبره بمعنى معظمه و الضمير للإفك، و المعنى: و الّذي تولّى معظم الإفك و أصرّ على إذاعته بين الناس من هؤلاء الآفكين له عذاب عظيم.

قوله تعالى: ( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) توبيخ لهم إذ لم يردّوا الحديث حينما سمعوه و لم يظنّوا بمن رمي به خيراً.

و قوله:( ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ ) من وضع الظاهر موضع المضمر، و الأصل( ظننتم بأنفسكم) و الوجه في تبديل الضمير وصفاً الدلالة على علّة الحكم فإنّ صفة الإيمان رادعة بالطبع تردع المتلبّس بها عن الفحشاء و المنكر في القول و الفعل فعلى المتلبّس بها أن يظنّ على المتلبّسين بها خيراً، و أن يجتنب القول

٩٨

فيهم بغير علم فإنّهم جميعاً كنفس واحدة في التلبس بالإيمان و لوازمه و آثاره.

فالمعنى: و لو لا إذ سمعتم الإفك ظننتم بمن رمي به خيراً فإنّكم جميعاً مؤمنون بعضكم من بعض و المرميّ به من أنفسكم و على المؤمن أن يظنّ بالمؤمن خيراً و لا يصفه بما لا علم له به.

و قوله:( قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) أي قال المؤمنون و المؤمنات و هم السامعون - أي قلتم - هذا إفك مبين لأنّ الخبر الّذي لا علم لمخبره به و الدعوى الّتي لا بيّنة لمدّعيها عليها محكوم شرعاً بالكذب سواء كان بحسب الواقع صدقاً أو كذباً، و الدليل عليه قوله في الآية التالية:( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) .

قوله تعالى: ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) أي لو كانوا صادقين فيما يقولون و يرمون لأقاموا عليه الشهادة و هي في الزنا بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فهم محكومون شرعاً بالكذب لأنّ الدعوى من غير بيّنة كذب و إفك.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) إفاضة القوم في الحديث خوضهم فيه.

و قوله:( وَ لَوْ لا فَضْلُ اللهِ ) إلخ، عطف على قوله:( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) إلخ، و فيه كرّة ثانية على المؤمنين، و في تقييد الفضل و الرحمة بقوله:( فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ) دلالة على كون العذاب المذكور ذيلاً هو عذاب الدنيا و الآخرة.

و المعنى: و لو لا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الآخرة لوصل إليكم بسبب ما خضتم فيه من الإفك عذاب عظيم في الدنيا و الآخرة.

قوله تعالى: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) إلخ، الظرف متعلّق بقوله:( أَفَضْتُمْ ) و تلقّي الإنسان القول أخذه القول الّذي ألقاه إليه غيره، و تقييد التلقّي بالألسنة للدلالة على أنّه كان مجرّد انتقال القول من لسان إلى لسان من غير تثبّت و تدبّر فيه.

و على هذا فقوله:( وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) من قبيل عطف

٩٩

التفسير، و تقييده أيضاً بقوله:( بِأَفْواهِكُمْ ) للإشارة إلى أنّ القول لم يكن عن تثبّت و تبيّن قلبيّ و لم يكن له موطن إلّا الأفواه لا يتعدّاها.

و المعنى: أفضتم و خضتم فيه إذ تأخذونه و تنقلونه لساناً عن لسان و تتلفّظون بما لا علم لكم به.

و قوله:( وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) أي تظنّون التلقّي بألسنتكم و القول بأفواهكم من غير علم سهلاً و هو عندالله عظيم لأنّه بهتان و افتراء، على أنّ الأمر مرتبط بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و شيوع إفك هذا شأنه بين الناس يفضحه عندهم و يفسد أمر الدعوة الدينيّة.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) عطف بعد عطف على قوله:( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) إلخ، و فيه كرّة ثالثة على المؤمنين بالتوبيخ، و قوله:( سُبْحانَكَ ) اعتراض بالتنزيه لله سبحانه و هو من أدب القرآن أن ينزّه الله بالتسبيح عند تنزيه كلّ منزّه.

و البهتان الافتراء سمّي به لأنّه يبهت الإنسان المفتري عليه و كونه بهتاناً عظيماً لأنّه افتراء في عرض و خاصّة إذ كان متعلّقه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إنّما كان بهتاناً لكونه إخباراً من غير علم و دعوى من غير بيّنة كما تقدّم في قوله:( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ) إلى آخر الآيتين موعظة بالنهي عن العود لمثله، و معنى الآيتين ظاهر.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) إلى آخر الآية إن كانت الآية نازلة في جملة آيات الإفك و متّصلة بما تقدّمها و موردها الرمي بالزنا بغير بيّنة كان مضمونها تهديد الرامين المفيضين في الإفك لكونه فاحشة و إشاعته في المؤمنين حبّاً منهم لشيوع الفاحشة.

فالمراد بالفاحشة مطلق الفحشاء كالزنا و القذف و غير ذلك. و حبّ شيوعها و منها القذف في المؤمنين يستوجب عذاباً أليماً لمحبّيه في الدنيا و الآخرة.

١٠٠