• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69664 / تحميل: 2592
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

الغطاريف من بني عبد مناف ) إن صحّت روايتهم على أنّ مراده ليس قتلهم في ذاك اليوم فقط ، بل في ذلك اليوم و في أيّام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بدر و غيرها .

هذا و أراد ابن ميثم أن يصحح كلام الراوندي فأتى بأغلط فقال : « كان طلحة و الزبير من بني عبد مناف من قبل الام » ١ فواضح أنّه لا يقال بنو فلان إلاّ لمن كان منسوبا إلى ذاك الفلان بالأب دون الام ، مع أنّ طلحة لم تكن امّه من بني عبد مناف أصلا ، بل يمنية من حضر موت اليمن ، و هي صعبة الحضرمية ،

و كيف تكون من عبد مناف و قد وصفها أبو سفيان بعدم نسب ثاقب لها ، فإنّها كانت قبل عبيد اللّه أبي طلحة تحت أبي سفيان فطلقها ثم تبعتها نفسه فقال :

إنّي و صعبة فيما يرى بعيدان

و الود دان قريب

فإن لم يكن نسب ثاقب

فعند الفتاة جمال و طيب

و أمّا الزبير و إن كانت امّه صفيّة بنت عبد المطلب ، إلاّ أنّه عرفت أنّ المراد من بني عبد مناف غير بني هاشم ، كما أنّ المراد بقريش في قوله : « لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب » باقي طوائف قريش غيرهم . ثم إنّ الخوئيّ توهم أنّ كلام ابن ميثم تحته شي‏ء ، فقال : رد ابن ميثم ابن أبي الحديد بكونهما من بني عبد مناف من قبل الام ٢ .

« و أفلتني » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : ( أفلتتني ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ و ( الخطيّة ) أي : فاتتني من : أفلت الطائر .

هذا و في ( الأغاني ) : كان الحرث بن خالد المخزومي الشاعر واليا على مكة من قبل عبد الملك ، و كان أبان بن عثمان ربما جاءه كتاب عبد الملك أن

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٢ .

 ( ٢ ) منهاج البراعة ( شرح الخوئي ) ١٤ : ١٨٧ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٩ .

 ( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٥١ ، و أفلتني أيضا .

١٦١

يصلّي بالناس و يقيم لهم حجّة ، فتأخر كتابه عنه في سنة حرب ابن الأشعث و لم يأت الحرث كتاب ، فلما حضر الموسم شخص أبان من المدينة فصلّى بالناس ، و عاونته بنو اميّة و مواليهم فغلب الحرث على الصلاة فقال الحرث :

فإن تنج منها يا أبان مسلما

فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب

فبلغ ذلك الحجّاج فقال : و ما لي و للحرث ، أ يغلبه أبان على الصلاة و يهتف بي ، ما ذكره إياي ١ .

« أعيان » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و الصواب : ( أعيار ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ و ( الخطيّة ) .

في ( الصحاح ) : العير : الحمار الوحشي و الأهلي أيضا ، و الانثى : عيرة و الجمع : أعيار .

قال أبو عمرو بن العلا : ذهب من كان يعرف معنى بيت الحارث بن حلزة « زعموا ان كل من ضرب العير موال لنا و أنا الولاّء » .

و معنى قولهم : « ما أدري من أيّ ضرب العير هو » أيّ النّاس هو . و عير القوم : سيدهم و قولهم : « عير بعير و زيادة عشرة » ، كان الخليفة من بني اميّة إذا مات و قام آخر زاد في أرزاقهم عشرة دراهم ٤ .

و في ( الأساس ) قولهم : ( هو كجوف العير ) العير : الحمار ، لأنّه ليس في جوفه ما ينتفع به ، و قيل رجل خرّب اللّه واديه ، قال :

لقد كان جوف العير للعين منظرا

أنيقا و فيه للمجاور منفس

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٣ : ٣٣٣ ٣٣٤ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٩ .

 ( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٣ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٥١ أعيان أيضا .

 ( ٤ ) الصحاح ٢ : ٧٦٢ ٧٦٣ ، مادة : ( عير ) .

١٦٢

و قد كان ذا نخل و زرع و جامل

فأمسى و ما فيه لباغ معرّس ١

هذا و في ( لحن العيون ) : قال فيل مولى زياد لزياد : اهدوا لنا همار وحش أي : حمار وحش فقال : ويلك ما تقول فقال : ( اهدوا لنا ايرا ) أي : عيرا ، فقال زياد : الأوّل خير .

بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي أحد بطون قريش .

قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : ( مروان من بني جمح ) . كان هذا الفقيه بعيدا من الأنساب ، فمروان من بني اميّة ، و جمح تميم بن عمرو أخو سهم بن عمرو رهط عمرو بن العاص ، و قد كان جمع منهم مع عايشة ، هربوا و لم يقتل منهم إلاّ اثنان ، هرب منهم عبد اللّه بن صفوان و يحيى بن حكيم و عامر بن مسعود المسمّى دحروجة الجعل لقصره و سواده و أيوب بن حبيب ، و قتل منهم عبد الرحمن بن وهب و عبد اللّه بن ربيعة ٢ .

قلت : مع أنّ مروان لم يفلته بل شفع له الحسنان عليهما السّلام فأطلقه .

ففي ( المروج ) : جهّز عليّ عليه السّلام عايشة لرجوعها إلى المدينة ، ثم أتاها مع أهل بيته و شيعته ، فلمّا بصرت به النسوان صحن في وجهه و قلن : يا قاتل الأحبّة . فقال عليه السّلام : لو كانت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت و أشار إلى بيت من تلك البيوت قد اختفى فيه مروان و ابن الزبير و عبد اللّه بن عامر و غيرهم . فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لمّا علموا من في البيت ، مخافة أن يخرجوا فيغتالوهم ، فسألته عايشة أن يؤمن ابن اختها عبد اللّه بن الزبير فآمنه ، و تكلّم الحسنان عليهما السّلام في مروان فآمنه و آمن الوليد بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) أساس البلاغة : ٣١٨ ، مادة : ( عير ) .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ ١٢٥ .

١٦٣

عقبة و ولد عثمان و غيرهم من بني اميّة ١ .

ثم العجب ان ابن ميثم قال هنا أيضا : « و قيل كان مروان من جمح » ٢ .

« لقد اتلعوا » أي : مدّوا .

« أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله فوقصوا » أي : كسروا أعناقا من ( وقص يقص ) بمعنى الكسر للعنق لا ( وقص يوقص ) بمعنى قصره .

دونه أي : دون ذلك الأمر . قال ابن أبي الحديد : إن قلت : طلحة و الزبير لم يكونا أهلا تركت مذهب أصحابك ، و إن لم تقله خالفت قوله عليه السّلام . ثم قال : هما أهل ما لم يطلبها عليه السّلام ، فإذا طلبها لم يكونا هما و غيرهما أهلا ، و لو لا طاعته لمن تقدّم لم نحكم بصحة خلافتهم ٣ .

قلت : أي أثر لطاعة عن كره ؟ و هو عليه السّلام لم يقل إنّهما لم يكونا أهلا في مقابلي ، بل أصلا مع أنّ فاروقهم أيضا قال بعدم أهليتهما ، و إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مات و هو ساخط على طلحة ، و إنّ الزبير يوما إنسان و يوما شيطان .

هذا و يمكن ألاّ يكون المراد بقوله عليه السّلام بالأمر في قوله : « لقد اتلعوا إلى أمر » أمر الخلافة ، بل أمر الحرب ، و يكون الفاعل في ( أتلعوا ) مطلق قريش ، فمر في رواية ( جمل المفيد ) : أنّه عليه السّلام لمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال عليه السّلام : و لقد تقدمت إليكم و حذّرتكم عض السيوف ، و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، و لكن الحين و مصرع السوء . و مرت روايات اخرى في ذلك .

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٧ ٣٧٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٢ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٦ .

١٦٤

١٢

الخطبة ( ١٢ ) و من كلام له عليه السّلام لما أظفره اللّه بأصحاب الجمل ،

وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاَناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اَللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ ع :

أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ اَلزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ اَلْإِيمَانُ أقول : و روي نظيره عنه عليه السّلام في أهل النهروان ، لمّا أظفره اللّه بهم ، روى البرقي في ( محاسنه ) عن ابن شمون عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن الصباح المزني عن الحرث بن الحضيرة عن الحكم بن عيينه قال : لمّا قتل أمير المؤمنين عليه السّلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف و قتلنا معك هؤلاء الخوارج . فقال عليه السّلام : و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ، لقد شهدنا في هذا الموقف اناس لم يخلق اللّه آباءهم و لا أجدادهم بعد . فقال الرجل : و كيف يشهدنا قوم لم يخلقوا ؟ قال : بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا في ما نحن فيه ، و يسلّمون لنا فاولئك شركاؤنا في ما كنّا فيه حقا حقّا ١ .

قول المصنف : « لمّا أظفره اللّه بأصحاب الجمل » ، هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « لمّا ظفر بأصحاب الجمل » ٣ ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) المحاسن للبرقي ١ : ٢٦٢ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٣٩ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٧ .

 ( ٣ ) في شرح ابن ميثم ١ : ٢٨٨ : لمّا أظفره اللّه بأصحاب الجمل أيضا .

١٦٥

و كيف كان فروى النعماني في ( غيبته ) عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال :

لمّا التقى أمير المؤمنين و أهل البصرة نشر عليه السّلام راية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فزلزلت أقدامهم فما اصفرت الشمس حتّى قالوا : آمنا يابن أبي طالب . فعند ذلك قال : لا تقتلوا الاسراء ، و لا تجهزوا على جريح ، و لا تتبعوا موليا ، و من ألقى سلاحه فهو آمن ، و من أغلق بابه فهو آمن . و لمّا كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم ، فتحملوا عليه بالحسنين عليهما السّلام و عمّار . فقال : إنّ للقوم مدة يبلغونها ، و إنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم عليه السّلام ١ .

و روى ابن عبد ربه في ( عقده ) عن سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عايشة عشرون ألفا معهم ثمانمائة من بني ضبة ، و قتل من أصحاب عليّ عليه السّلام خمسمائة رجل لم يعرف منهم إلاّ عمّار بن الحرث السدوسي و هند الجملي . . . ٢ .

و في ( المروج ) : كانت الوقعة في الموضع المعروف بالحربية ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ( ٣٦ ) ٣ .

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كانت الحرب أربع ساعات من النهار ، فروى بعضهم أنّه قتل في ذلك اليوم نيف و ثلاثون ألفا ، ثم نادى مناديه عليه السّلام : ألا لا يجهز على جريح . . . ٤ .

و في ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قال : كنت أنا و الأسود بن أبي البختري و الزبير قد تواعدنا و تعاهدنا بالبصرة لئن لقينا القوم لنموتن أو لنقتلنّ عليّا إلى أن قال فانظر إلى عليّ و قد انتهى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الغيبة : ٢٠٨ .

 ( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ٧٤ ٧٥ .

 ( ٣ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٧ .

 ( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٣ .

١٦٦

إلى الجمل ، و سيفه يرعف دما و هو واضعه على عاتقه ، و هو يصيح بمحمّد بن أبي بكر اقطع البطان . فكانت الهزيمة ١ .

« و قد قال له بعض أصحابه : وددت أنّ أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك . فقال عليه السّلام له » هكذا في ( المصرية ) ٢ و كلمة ( له ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ و ( الخطيّة ) .

« أ هوى أخيك معنا ؟ فقال : نعم ، فقال : فقد شهدنا » في ( خصائص النسائي ) :

أنّه عليه السّلام قال بعد ظفره بأهل النهروان : و لقد شهدنا اناس باليمن ، قالوا : كيف ؟

فقال عليه السّلام : هواهم معنا ٤ .

و قال ابن أبي الحديد : قال حبة العرني : قسّم عليّ عليه السّلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة ، و أخذ عليه السّلام خمسمائة كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة ، فقال : يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي و إن غاب عنك جسمي ، فأعطني من الفي‏ء شيئا ، فدفع إليه الذي أخذه لنفسه ٥ .

قلت : و رواه ( المروج ) هكذا : دخل عليّ عليه السّلام بيت مال البصرة في جماعة من المهاجرين و الأنصار ، فنظر إلى ما فيه من العين و الورق فجعل يقول : « يا صفراء غري غيري » و أدام النظر إلى المال مفكّرا ، ثم قال : اقسموه بين أصحابي و من معي خمسمائة خمسمائة . ففعلوا فما نقص درهم واحد و عدد الرجال اثنا عشر ألفا . و قبض ما كان في عسكرهم من سلاح و دابة و متاع و آلة و غير ذلك ، فباعه و قسّمه بين أصحابه ، و أخذ لنفسه ما أخذ لكل واحد ممّن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٧٥ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٣٩ .

 ( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٧ و لكن في شرح ابن ميثم ١ : ٢٨٨ : قال له أيضا.

 ( ٤ ) خصائص أمير المؤمنين : ٣١٩ ح ١٨٤ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٥٠ .

١٦٧

معه خمسمائة درهم ، فأتاه رجل من أصحابه فقال : إنّي لم آخذ شيئا و خلّفني عن الحضور كذا و أدلى بعذر فأعطاه الخمسمائة التي له ١ .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال غندر : حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرّة قال :

سمعت عبد اللّه بن سلمة و كان مع عليّ عليه السّلام يوم الجمل و الحرث بن سويد و كان مع طلحة و الزبير و تذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحرث : و اللّه ما رأيت مثل يوم الجمل ، لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا و أشرعنا رماحنا في صدورهم ، و لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، فو اللّه لوددت أنّي لم أشهد ذلك اليوم ، و إنّي أعمى مقطوع اليدين و الرجلين . فقال عبد اللّه بن سلمة :

و اللّه ما يسرني أنّي غبت عن ذلك اليوم و لا عن مشهد شهده عليّ عليه السّلام بحمر النعم ٢ .

و في ( غارات الثقفي ) : في كتابه عليه السّلام إلى أهل مصر و إلى محمّد بن أبي بكر : إنّ اللّه عزّ و جلّ يعطي العبد على قدر نيّته ، و إذا أحبّ الخير و أهله و لم يعمله كان كمن عمله ، فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال حين رجع من تبوك : إنّ بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا هبطتم من واد إلاّ كانوا معكم ، ما حبسهم إلاّ المرض ، يقول : كانت لهم نيّة ٣ .

هذا و في ( بلاغات البغدادي ) و ( عقد ابن عبد ربه ) : قال معاوية لزرقاء الهمدانية بعد أن كتب إلى عامله بإيفادها و ذكره لها حضّها في صفين عليه و خطبها في ذلك : و اللّه يا زرقاء لقد شركت عليّا في كل دم سفكه . فقالت :

أحسن اللّه بشارتك مثلك من بشر بخير و سر جليسه . فقال لها معاويه : و قد

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ .

 ( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ٧٥ .

 ( ٣ ) الغارات ١ : ٢٢٩ ٢٣٠ .

١٦٨

سرّك ذلك ؟ قالت : نعم و اللّه لقد سرّني قولك ، فإنّي بتصديق الفعل . فقال لها معاوية : و اللّه لوفاؤكم لعليّ بعد موته أعجب إليّ من حبكم له في حياته ١ .

و لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام ، هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و الصواب :

( قوم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ .

« في أصلاب الرجال و أرحام النساء » منهم السيّد الحميري حيث يقول :

إنّي ادين بما دان الوصيّ به

و شاركت كفّه كفي بصفينا

في سفك ما سفك منها إذا احتضروا

و أبرز اللّه للقسط الموازينا

تلك الدماء يا ربّ في عنقي

ثم اسقني مثلها آمين آمينا

و في ( العقد ) : كانت الشيعة من تعظيمهم له يلقون له و سارا بمسجد الكوفة فينشدهم ٤ .

قال بعض الشيعة :

إنّي ادين بحب آل محمّد

و بني الوصيّ شهودهم و الغيب

و أنا البري‏ء من الزبير و طلحة

و من التي نبحت كلام الحوب ٥

« سيرعف » الرعاف : خروج الدم من الأنف ، « بهم الزمان و يقوى بهم الايمان » قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :

و ما رعف الزمان بمثل عمرو

و لا تلد النساء له ضريبا ٦

قلت : و قيل لاعرأبي كيف ابنك ؟ و كان عاقّا فقال : عذاب رعف به الدهر

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ١ : ٣٤٦ ٣٤٩ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٣٩ .

 ( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٧ ، و لكن في شرح ابن ميثم ١ : ٢٨٨ : أقوام أيضا .

 ( ٤ ) العقد الفريد ٥ : ٩١ .

 ( ٥ ) العقد الفريد ٥ : ٧٩ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٧ .

١٦٩

فليتني قد أودعته القبر ، فإنّه بلاء و لا يقاومه الصبر ، و فائدة لا يجب فيها الشكر . و لبعضهم في شعر كتبه بالقلم :

و بيت على ظهر المطى بنيته

باسمر مشقوق الخياشيم مرعف

و وجه قوله عليه السّلام : إنّ كل من رضي بعمل آخر من خير أو شر فكأنّه عمله ، و لذا نسب اللّه تعالى عقر ناقة صالح إلى جميع قومه ، فقال سبحانه :

فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . و لا يخاف عقباها ١ ، مع أنّ العاقر كان واحدا و هو قيدار ، لرضى باقيهم بعمله .

و حينئذ فكما أنّ من كان هواه معه عليه السّلام ، كان كمن شهده في عسكره،

كان من كان هواه مع مخالفيه كأنه شهد حربه في عسكر عايشة ، و إخواننا السنّة لا يستوحشون من ذلك ، ففي سنة ( ٣٦٣ ) كما في ( الجزري ) : حملوا امرأة على جمل و سمّوها عايشة و سمّى بعضهم نفسه طلحة و بعضهم الزبير ، و قاتلوا شيعة بغداد و جعلوا يقولون : نقاتل أصحاب عليّ بن أبي طالب ٢ .

و في عصرنا كان المصريون يأتون في كل سنة بمحمل باسمها إلى مكّة ، حتّى منعتهم الوهابية بعد غلبتهم على الحجاز و نرضى لهم ما رضوا لأنفسهم .

هذا و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : أنشدنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه البندنيجي البغدادي ، قال : أنشدنا بعض مشائخنا أنّ ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء فجعل يبكي على الحسين عليه السّلام و قال :

أ حسين و المبعوث جدّك بالهدى

قسما يكون الحق عند مسائلي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الشمس : ١٤ ١٥ .

 ( ٢ ) الكامل ٧ : ٥١ ، سنة ٣٦٣ .

١٧٠

لو كنت شاهد كربلا لبذلت في

تنفس كربك جهد الباذل

و سقيت حد السيف من أعدائكم

عللا و حد السمهري الذابل

لكنني اخرت عنك لشقوتي

فبلا بلى بين الغري و بابل

هبني حرمت النصر من أعدائكم

فأقلّ من حزن و دمع سائل

ثم نام في مكانه فرأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المنام فقال له : يا فلان جزاك اللّه عنّي خيرا ، أبشر فإن اللّه قد كتبك ممّن جاهد بين يدي الحسين ١ .

هذا و عن ( المناقب ) : كان بالمدينة رجل ناصبي فتشيع ، فسئل عن السبب ؟ فقال : رأيت في منامي عليّا عليه السّلام ، فقال لي : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل ؟ فأطرقت افكّر . فقال : يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ، اعطوا قفاه . فصفقت حتّى انتبهت و قد ورم قفاي فرجعت إليه ٢ .

و في ( المناقب ) : عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : « ليرعفن جبار من جبارة بني اميّة على منبري هذا » فرئي عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه على المنبر ٣ .

و في ( الخلفاء ) : ولّى يزيد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي على المدينة و مكة و على الموسم ، فلمّا استولى على المنبر رعف فقال رجل مستقبله : جئت و اللّه بالدم ، فتلقاه رجل آخر بعمامته فقال : مه و اللّه عم النّاس ، ثم قام يخطب فتناول عصا لها شعبتان فقال : مه شعب و اللّه أمر النّاس ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تذكرة الخواص : ٢٧٣ .

 ( ٢ ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٢ : ١٦٨ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٩٦ .

 ( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢٠٥ .

١٧١

١٣

الخطبة ( ٩ ) و من كلام له عليه السّلام :

وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا وَ مَعَ هَذَيْنِ اَلْأَمْرَيْنِ اَلْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لاَ نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ أقول : و رواه المفيد في ( جمله ) أبسط مع اختلاف ، فقال : و بلغ أمير المؤمنين عليه السّلام لغط القوم و اجتماعهم على حربه فقام خطيبا ، ثم قال : إنّ طلحة و الزبير قدما البصرة و قد اجتمع أهلها على طاعة اللّه و بيعتي ، فدعواهم إلى معصية اللّه و خلافي ، فمن أطاعهما منهم فتنوه ، و من عصاهما قتلوه ، و قد كان من قتلهما حكيم بن جبلة ما بلغكم و قتلهما السبابجة ، و فعلهما بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم ، و قد كشفوا الآن القناع و آذنوا بالحرب . و قام طلحة بالشتم و القدح في أديانكم و قد أرعد ( هو ) و صاحبه و أبرقا ، و هذان أمران معهما الفشل إلى أن قال و لسنا نرعد حتّى نوقع و لا نسيل حتّى نمطر ، و قد خرجوا من هدى إلى ضلال و دعوناهم إلى الرضى و دعونا إلى السخط ، فحلّ لنا و لكم ردّهم إلى الحق بالقتال و حل لهم بقصاصهم القتل ، و قد و اللّه مشوا إليكم ضرارا ، و أذاقوكم أمس من الجمر ، فإذا لقيتم القوم غدا فاعذروا في الدعاء و أحسنوا في التقية ، و استعينوا اللّه ، و اصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين .

فقام إليه حكيم بن مناف حتّى وقف بين يديه و قال :

أبا حسن أيقظت من كان نائما

و ما كل من يدعى إلى الحق يسمع ١

و روى ( الكافي ) : عن الحسن بن محبوب : إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام خطب يوم الجمل و قال : و قد كنت و ما اهدّد بالحرب و لا ارهّب بالضرب أنصف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٣١ ٣٣٢ .

١٧٢

القارة من راماها ، فلغيري فليبرقوا و ليرعدوا ، فأنا أبو الحسن الذي فللت حدّهم و فرّقت جماعتهم ١ .

« و قد أرعدوا و أبرقوا » في ( كامل المبرد ) : زعم الأصمعي أنّ أرعد خطأ ،

و أنّ الكميت أخطأ في قوله :

أرعدوا برق يا يزيد

فما وعيدك لي بضائر ٢

و زعم أنّ البيت الذي يروى لمهلهل :

انبضوا معجس القسى و أبرقنا

كما ترعد الفحول الفحولا

مصنوع محدث . و روى غير الأصمعي أرعد و أبرق ٣ .

و في ( الجمهرة ) : قال أبو حاتم للأصمعي لا تقول في التهدّد : أرعد و أبرق ، و قد قاله الكميت ، فقال : هو جر مقاني من أهل الموصل . و قال : وقف علينا أعرابي محرم فقلت : أتقول : أرعد و أبرق ؟ فقال : نعم . فأخبرت بذلك الأصمعي فلم يلتفت إليه و أنشدني :

إذا ما جاوزت من ذات عرق تنية

فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد ٤

قلت : و الصواب خطأ الأصمعي ، فاستعمال رعد و برق لا يدل على عدم جواز استعمال أرعد و أبرق . فقال ابن السكيت : حكى ابو عبيدة و أبو عمرو اللغتين عن العرب و جوّزه أبو زيد و الفراء و غيرهما ، و يدل على بطلان قوله مضافا إلى كلامه عليه السّلام و بيت الكميت و قول الأعرابي و بيت مهلهل و ادعاؤه أنّه مصنوع بلا شاهد كلامه عليه السلام في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر ،

ففي الطبري أنّه عليه السّلام كتب إليه مشيرا إلى معاوية و عمرو بن العاص ( فلا يهلك

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٥ : ٥٣ .

 ( ٢ ) جمهرة اللغة ٢ : ٦٣٢ .

 ( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرد : ١٠٥٧ مطبعة البابي الحلبي ، مصر ، ط ١ .

 ( ٤ ) جمهرة اللغة ٢ : ٦٣٢ .

١٧٣

إرعادهما و إبراقهما ) ١ ، و بيت معاوية بن الضحاك صاحب راية بني سليم مع معاوية في صفين :

فلا أرى إلاّ تركنا الشام جهرة

و إن أبرق الفجفاج فيها و أرعدا ٢

و بيت معاوية بن أبي سفيان مشيرا إلى ابن عبّاس :

فأبرق و أرعد ما استطعت فإنّني

إليك بما يشجيك سبط الأنامل ٣

ذكر كليهما ( صفين نصر ) . و بيت شاعر تميمي في وقعة الخوارج بالأهواز أيّام ابن الزبير كما في كامل المبرد :

فأرعد من قبل اللقاء ابن معمر

و أبرق و البرق اليماني خوّان

و بيت أعشى همدان في هزيمتهم من الحجاج يوم ابن الأشعث :

و لمّا زحفنا لابن يوسف غدوة

و أبرق منا العارضان و أرعدا

و بيت عثمان بن ربيعة كما في ( الطبري ) في عنوان خبر المرتدين باليمن أيام أبي‌بكر:

و أبرق بارق لمّا التقينا

فعادت خلّبا تلك البروق ٤

و بيت ابن نبهان في مسلمة كما في ( تاريخ ابن أعثم ) :

و أرعد كتاب اليمامة جهرة

و أكلب فيها باللسان و باليد

و بيت عمرو بن معد يكرب في الأشعث بن قيس و قومه كما في ( أمالي القالي ) :

حبست سراتهم بالضحّ حتّى

أنابوا بعد إبراق و رعد

و بيت عبد اللّه بن الحرث السهمي الذي اشتهر بالمبرق له كما في

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري ٣ : ١٣٠ حوادث ، سنة ٣٨ .

 ( ٢ ) وقعة صفّين : ٤٦٩ .

 ( ٣ ) وقعة صفين : ٤١٦ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٢٠ ، سنة ١١ .

١٧٤

( الاستيعاب ) و ( سيرة ابن هشام ) :

إذا أنا لم أبرق فلا يسعنني

من الأرض برّ و فضاء و لا بحر ١

و في ديوان عمر بن أبي ربيعة :

من المرعدات الطرف تنفذ عينها

إلى نحو حيزوم المجرب ذي العقل

و يدلّ على بطلان قوله حديث المغيرة كما في ( نهاية الجرزي ) : « بليلة الإرعاد » بليلة : ريح فيها ندى أي : لا يزال يرعده و يهدّده ٢ .

و قول المختار ، ففي ( الطبري ) : قال ابن العرق : رأيت المختار أشتر العين فسألته ، فقال : شترها ابن زياد ، يابن العرق إنّ الفتنة أرعدت و أبرقت و كان قد أينعت ٣ .

و قول الحجاج في كتابه إلى عبد الملك لمّا أرسل عروة الزبير إليه ليستخرج منه الأموال كما في ( العقد ) : كالعارض المبرق لاعدائه ٤ .

و مما ورد بلفظ أرعد و أبرق من المتأخرين و إن لم يكن فيه حجية قول أبي العتاهية :

مالي أرى النّاس قد أبرقوا بلؤم الفعال و قد أرعدوا و قول إبراهيم بن العباس الصولي كما في ( ديوان العسكري ) :

فكن كيف شئت و قل ما تشأ و أبرق يمينا و أرعد شمالا و قول السري الموصلي كما في ( يتيمة الثعالبي ) :

و من عجب أنّ الغبيين أبرقا مغيرين في أقطار شعري و أرعدا و قول آخر كما في ( مناقب السروي ) :

ــــــــــــ

 ( ١ ) سيرة ابن هشام ١ : ٣٥٥ .

 ( ٢ ) النهاية ١ : ١٥٤ ، مادة : ( بلل ) .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٧٢ ، سنة ٦٤ .

 ( ٤ ) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ٥ : ٤٤ ٤٥ دار الكتاب العربي ، بيروت .

١٧٥

سألنا ملحدا إثبات دين فعاندنا و مجمج في دليله و أرعد ثم أبرق ثم ولّى . . .

و قال حسين بن عبد اللّه العباسي لعبد اللّه بن معاوية الجعفري كما في ( كتاب الزبيري ) :

أبرق لمن يخشى و أرعد غير قومك بالسلاح و بالجملة لا ريب في جواز ( أرعد و أبرق ) بل أحسنيته من رعد و برق لكثرة الأوّل و قلة الثاني فلم نقف إلاّ على ذاك البيت و ما نسب إلى المتلمس :

فاذا حللت و دون بيتي غادة فأبرق بأرضك ما بدا لك و ارعد و ما نسب إلى ابن أحمر :

بأجل ما بعدت عليك بلادنا فأبرق بأرضك ما بدا لك و ارعد مع أنّ الأصل في البيتين واحد فكأنّ قول : « فأبرق بأرضك ما بدا لك و ارعد » مثل لوقوعه في البيتين . و أما بيت عبيد بن الأبرص لمّا خيّره المنذر بن ماء السماء في أنحاء قتله لما لقاه يوم بؤسه كما في ( تنبيه البكري ) :

و خيّر في ذو البؤس فى يوم بؤسه

خلالا أرى في كلها الموت قد رعد

فليس ( رعد ) فيه للتهديد بل للرعد الحقيقي استعارة .

هذا و قريب من قوله عليه السّلام قول البحتري :

خطروا خطرة الجهام و ساروا

في نواحي الظنون سير السراب

و قول الكميت في أزد شنؤه و سمّوا بارقا كما في ( السيرة ) لأنهم تبعوا البرق و أزد شنؤه اندرؤا علينا :

بجمّ يحسبون لها قرونا

و ما قلنا لبارق اعتبونا

« و مع هذين الفشل » أي : الجبن ، روى الواقدي عن عبد اللّه بن عمر بن عليّ عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات النّاس يوم الجمل و قد ارتفعت قال لابنه

١٧٦

محمّد : ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان . فشدّ عليهم و أصحابه يهشّون في وجهه يقولون : ارتفعت الشمس ، و هو يقول : الصبر أبلغ حجة ثم قام خطيبا يتوكأ على قوس عربية و قال : أمّا بعد فإنّ الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب فأقدموا و لا تنكلوا و هذه الأصوات التي تسمعونها من عدوكم فشل و اختلاف ١ .

و كما أنّ الإرعاد و الإبراق و الصياح و الجلبة علامة الفشل ، كذلك السكوت و الصمت علامة الاطمينان بالغلبة . و لمّا بعث قريش يوم بدر عمرو بن وهب الجمحي ليرى عسكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صعّد و صوّب ثم رجع إليهم و قال :

نواضح يثرب قد حملت السمّ الناقع ، أما ترونهم خرسى لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلاّ سيوفهم .

و كان أبو مسلم يقول لقواده إذا أخرجهم : لا تكلموا النّاس إلاّ رمزا و لا تلحظوهم إلاّ شزرا لتمتلي صدورهم من هيبتكم .

« و لسنا نرعد حتّى نوقع و لا نسيل حتّى نمطر » في ( جمل المفيد ) : قال معاذ بن عبد اللّه التميمي : لمّا قدمنا البصرة مع عايشة و أقمنا ندعو النّاس إلى نصرتنا إلى أن قال و تقدم عليّ و الراية بين كتفيه و جرّد سيفه و ضرب رجلا فأبان كفه ثم انتهى إلى الجمل و قد اجتمع النّاس حوله و اختلطوا و أحدقوا به من كل جانب و استجن النّاس تحت بطان الجمل ، فأنظر و اللّه إلى عليّ يصيح بمحمد بن أبي بكر : « اقطع البطان » و أرى عليّا قد قتل ممن أخذ بخطام الجمل عشرة بيده و كلما قتل رجلا مسح سيفه في ثيابه حتّى صرنا في أيديهم كأننا غنم نساق فانصرفنا و تلاومنا و ندمنا ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٥٨ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣٧٣ ٣٧٤ .

١٧٧

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : شقّ عليّ عليه السّلام في عسكر القوم يطعن و يقتل ثم خرج و هو يقول : الماء الماء فأتاه رجل بإداوة فيها عسل و قال : الماء لا يصلح لك في هذا المقام فحسا عليه السّلام منه حسوة ثم قال إنّ عسلك هذا لطائفي . قال الرجل : لعجبا منك ، و اللّه يا أمير المؤمنين لمعرفتك الطائفي من غيره في هذا اليوم و قد بلغت القلوب الحناجر فقال له عليّ عليه السّلام : و اللّه يابن اخي ما ملأ صدر عمك شي‏ء قط و لا أهابه شي‏ء . ثم اعطى الراية لابنه محمّد و قال : هكذا فاصنع ١ .

هذا و من أمثالهم ( رعدا و برقا و الجهام جافر ) ( و بارقة تروق و لا تريق ) .

١٤

الخطبة ( ١١٨ ) و من كلام له عليه السّلام :

أَنْتُمُ اَلْأَنْصَارُ عَلَى اَلْحَقِّ وَ اَلْإِخْوَانُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلْجُنَنُ يَوْمَ اَلْبَأْسِ وَ اَلْبِطَانَةُ دُونَ اَلنَّاسِ بِكُمْ أَضْرِبُ اَلْمُدْبِرَ وَ أَرْجُو طَاعَةَ اَلْمُقْبِلِ فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ اَلْغِشِّ سَلِيمَةٍ مِنَ اَلرَّيْبِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى اَلنَّاسِ بِالنَّاسِ قال ابن أبي الحديد : ذكر المدائني و الواقدي في كتابيهما أنّ هذا الكلام قاله عليه السّلام للأنصار بعد فراغه من حرب الجمل ٢ .

« أنتم الانصار على الحق » لمّا أحسّ عليه السّلام من قريش و أتباع معاوية اتّباع الباطل قال عليه السّلام ذلك لأنصاره ، كما حكى تعالى عن عيسى عليه السّلام في قوله : فلما أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٧٦ طبع البابي الحلبي ، سنة ١٩٦٩ القاهرة .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٨٤ .

١٧٨

الحواريّون نحن أنصار اللّه . . . ١ .

« و الإخوان في الدين » فكانوا مؤمنين و قد قال تعالى : إنّما المؤمنون إخوة . . . ٢.

« و الجنن يوم البأس » أي : كما أنّ الترس يحفظ صاحبه في الحرب كذلك أنتم .

« و البطانة دون النّاس » كناية عن كونهم خواصه عليه السّلام .

« بكم أضرب المدبر » أهل صفين كما ضرب بهم أهل الجمل .

« و أرجو طاعة المقبل » فلحق به عليه السّلام جمع كثير لما كان له أولئك الأنصار و أطاعوه و لولاهم لما كان ذلك .

« فأعينوني بمناصحة خلية من الغش سليمة من الريب » روى ( أمالي المفيد ) عن أبي مخنف : أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا قدم من البصرة إلى الكوفة قال قعد عن نصري رجال منكم و أنا عليهم عاتب فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتّى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى . فقام إليه أبو بردة الأزدي و كان عثمانيا تخلف عنه يوم الجمل و حضر معه يوم صفين نيّة في نصرته فقال له عليه السّلام : أرأيت القتلى حول عايشه و طلحة و الزبير بم قتلوا ؟

فقال عليه السّلام بما قتلوا شيعتي و عمّالي و بقتلهم أخا ربيعة العبدي رضى اللّه عنه في عصابة من المسلمين قالوا لا ننكث البيعة و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم ظلما و عدوانا فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة اخواني لنقتلهم بهم ، ثم كتاب اللّه بيني و بينهم فأبوا عليّ و قاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء نحو ألف من شيعتي فقتلتهم بذلك . أفي شك أنت من ذلك ؟ قال : كنت في شكّ ، و أمّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ٥٢ .

 ( ٢ ) الحجرات : ١٠ .

١٧٩

الآن فقد عرفت و استبان خطأ القوم و إنّك المهتدي المصيب و كان مع حضوره صفين ينافق و يكاتب معاوية سرا ، فلما ظهر معاوية اقطعه قطيعة بالفلوجة ١ .

و في ( صفين نصر ) عن محمّد بن مخنف قال : دخلت مع أبي على عليّ عليه السّلام حين قدم من البصرة فإذا بين يديه رجال يؤنّبهم و يقول لهم : ما بطّا بكم عني و أنتم أشراف قومكم و اللّه لئن كان من ضعف النية و تقصير البصيرة إنّكم لبود و و اللّه لئن كان من شك في فضلي و مظاهرة عليّ إنّكم لعدو قالوا : حاش للّه نحن سلمك و حرب عدوّك . ثم اعتذر القوم . فنظرت إليهم فعرفتهم فإذا عبد اللّه بن معتمر العبسي و إذا حنظلة التميمي و أبو بردة الأزدي و غريب الهمداني . و نظر عليّ إلى أبي فقال : لكن مخنف بن سليم و قومه لم يتخلّفوا و لم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال تعالى فيهم : و إنّ منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا و لئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم و بينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ٢ .

« و اللّه إنّي لأولى النّاس بالناس » روى ابراهيم الثقفي كما في ( أمالي المفيد ) أنّ عبد الرحمان بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال إنّي سائلك لآخذ عنك و قد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله ، ألا تحدّثنا عن أمرك أكان بعهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو شي‏ء رأيته ، فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل و أوثقه عندنا ما سمعناه من فيك إنّا كنا نقول لو رجعت إليكم بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم ينازعكم فيها أحد ، و اللّه ما أدري إذا سئلت ما أقول : أزعم أنّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) أمالي المفيد : ١٢٧ ١٢٩ .

 ( ٢ ) وقعة صفين : ٧ ٨ و الآيات ٧٢ ٧٣ من سورة النساء .

١٨٠