• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69665 / تحميل: 2592
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

قلت : و هما كما ترى ، أما قول ابن أبي الحديد : فلم يقل أحد ان مستمع اللدم كناية عن الضبع ، و إنّما قالوا : إنّ الضبع تسمع اللدم ، أي : الصوت فتخرج فتصاد .

ففي ( الصحاح ) قال الأصمعي : اللدم صوت الحجر ، أو الشي‏ء يقع بالأرض و ليس بالصوت الشديد .

و في الحديث : و اللّه لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد . . . ١ ، و أين هو ممّا قال و إنّما اللدم هنا ضرب المرأة وجهها و صدرها في النياحة كما مر ، و يشهد له قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » . و أيّ ربط لسماع الناعي و حضور الباكي بالضبع ؟ كما أنّ تفسيره ( يسمع الناعي ) بسماعه خبر قتل عسكر الجمل حكيم بن جبلة ٢ من أين قاله ؟ مع أنّ الأصل في ( الخطية ) كما عرفت من رواية أبي مخنف و المفيد كان عند شخوص أصحاب الجمل من مكة قبل وصولهم إلى البصرة ، و قتلهم لحكيم كان بعد وصولهم إلى البصرة ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ قوله عليه السّلام « و اللّه . . . » لم يكن من الروايتين ، و إنّما أخذه الرضي من موضع آخر ،

حيث إنّ دأبه الجمع بين مختلفات موضوع من مواضع ، و لعلّه لذا قال في عنوانه : « في ذكر أهل البصرة » .

و أيضا قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » على سياق واحد ، فكيف فسّرهما بما قال من إنّه يسمع الناعي بقتل أصحابه ، فلا يكون عنده إنكار إلاّ أن يحضر الباكي ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ ١١٠ ، و النقل بتصرّف .

٢١

و أمّا ما ذكره ابن ميثم : فاللفظ أيضا قاصر عن إفادته مع أنّه غير السياق أيضا .

« ثم لا يعتبر » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و ليس هذا الكلام في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ رأسا ، و الظاهر أنّه كان حاشية اخذت من قول ابن أبي الحديد في ما مرّ في تفسيره ما قبله : « فلا يكون عندي من التغير . . . » و خلطت بالمتن .

٣

الخطبة ( ٦ ) و من كلام له عليه السّلام لمّا اشير عليه بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال :

وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اَللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى اَلْحَقِّ اَلْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ اَلْمُطِيعِ اَلْعَاصِيَ اَلْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي قول المصنف : « لمّا اشير عليه عليه السّلام بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال » اختلف في المشير عليه بذلك ، فروت العامّة كونه ابنه الحسن عليه السّلام ، و روت الخاصّة كونه اسامة .

أما الأوّل ، فقال ابن أبي الحديد : خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليّا عليه السّلام و قد صار بالربذة طالبا عايشة و أصحابها . قال طارق فقلت في نفسي : أفاقاتل امّ المؤمنين و حواري النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ هذا لعظيم ؟ ثم قلت :

أدع عليّا عليه السّلام و هو أوّل المؤمنين إيمانا باللّه و ابن عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه هذا

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٢ ) كذا في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ و لكن في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ « ثمّ لا يعتبر » أيضا.

٢٢

عظيم ثمّ أتيته فسلّمت عليه ، ثم جلست إليه ، فقص عليّ قصّة القوم و قصّته ،

فجاء الحسن ابنه فبكى بين يديه . قال : ما بالك ؟ قال : أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك ، أمّا إنّي أمرتك فعصيتني ، ثمّ أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ عليه السّلام : لا تزال تحنّ حنين الأمة ، ما الذي أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك حين أحاط النّاس بعثمان أن تعتزل ، فإنّ النّاس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتّى يبايعوك فلم تفعل ، ثم أمرتك لمّا قتل عثمان ألاّ توافقهم على البيعة حتّى يجتمع النّاس و يأتيك و فود العرب فلم تفعل ، ثم خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألاّ تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم ، فإن اجتمعت عليك الامّة فذاك و إلاّ رضيت بقضائه .

فقال عليّ عليه السّلام : و اللّه لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يدخل إليها طالبا فيعلق الحبل برجلها و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها الى آخر الفصل ١ .

و كان طارق يبكي إذا ذكر هذا الحديث . و نسب إلى ( أمالي المفيد ) روايته عن طارق الخبر و لكن لم أتحققه ٢ .

و رواه سيف كما في ( الطبري ) عن طارق مثله ، لكن فيه فقال عليّ : أي بني أما قولك لو خرجت من المدينة حين احيط بعثمان ، فو اللّه لقد احيط بنا كما احيط به ، و أما قولك لا تبايع حتّى يأتي بيعة الأمصار ، فإن الأمر أمر أهل المدينة و كرهنا أن يضيع هذا الأمر ، و أمّا قولك حين خرج طلحة و الزبير فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام ، و و اللّه ما زلت مقهورا مذ ولّيت منقوصا لا أصل إلى شي‏ء ممّا ينبغي ، و أما قولك اجلس في بيتك ، فكيف لي بما قد لزمني ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٦ ٢٢٧ .

 ( ٢ ) ما وجدت هذا الحديث في الأمالي .

٢٣

أو من تريدني ؟ أ تريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها و يقال دباب دباب ليست هاهنا حتّى يحلّ عرقوباها ثم تخرج . و إذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر و يعنيني فمن ينظر فيه ١ ؟

و روى الطبري عن العرني صاحب جمل عايشة بعد بيعة الجمل من أصحاب عايشة و سيره معهم إلى الحوأب و نبح كلابها عليها ، و قولها : ردّوني أنا و اللّه صاحبة كلاب الحوأب . ثم انصرافه عنهم و مجيئه معه عليه السّلام إلى ذى قار قال فقال عليه السّلام : قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم و هذه المرأة ، فقام إليه الحسن فبكى ، فقال له عليّ : قد جئت تحن حنين الجارية . فقال : أجل أمرتك فعصيتني ، فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك . قال : حدّث القوم بما أمرتني به . قال : أمرتك حين سار النّاس إلى عثمان ألاّ تبسط يدك ببيعة حتّى تجول جائلة العرب فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك فأبيت عليّ ، و أمرتك حين سارت هذه المرأة و صنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة و ترسل إلى من استجاب لك من شيعتك . قال عليّ : صدق و اللّه ، و لكن و اللّه يا بني ما كنت لأكون كالضبع و تستمع للدم ، إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبض و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني ،

فبايع النّاس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّه هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني فبايع النّاس عمر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّ عمر هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر منّي ، فجعلني سهما من ستّة أسهم ، فبايع النّاس عثمان فبايعت كما بايعوا ، ثمّ سار النّاس إلى عثمان فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين ، فأنا مقاتل من خالفني بمن اتّبعني حتّى يحكم اللّه بيني و بينهم ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٥ ٤٥٦ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٦ ٤٥٨ ، سنة ٣٦ .

٢٤

و أما الثاني : فروى المفيد في ( جمله ) : أنّه لمّا جاء كتاب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يخبره بخبر طلحة و الزبير و عايشة ، دعا عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر و عمارا و سهل بن حنيف ، و أخبرهم بما عليه القوم من المسير ، فقال محمّد بن أبي بكر : ما يريدون ؟ فتبسّم عليه السّلام و قال : يطلبون بدم عثمان . فقال محمّد : و اللّه ما قتله غيرهم .

ثم قال عليه السّلام : أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه . فقال عمّار : الرأي أن نسير إلى الكوفة فإن أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة . و قال ابن عبّاس : الرأي عندي أن تقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك إلى أن قال :

فبيناهم في ذلك إذ دخل اسامة بن زيد و قال له عليه السّلام : فداك أبي و امي لا تسر، و خلّف على المدينة رجلا ، و أقم بمالك ، فإنّ العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك.

فقال ابن عبّاس : يا اسامة إنّ هذا القول منك ، إن كان على غير دغل في صدرك ، فقد أخطأت وجه الرأي ، فبه نكون و اللّه كهيئة الضبع في مغارتها .

فقال له اسامة : فما الرأي ؟ قال : ما أشرت به و ما رأى أمير المؤمنين لنفسه . ثم نادى عليه السّلام في النّاس : تجهزوا ١ .

و الصواب هذا الذي يشهد له الاعتبار ، و أمّا خبرا طارق و العرفي فخلاف العقل ، فمع قطع النظر عن كون الحسن عليه السّلام معصوما لا يعترض على المعصوم ، إتباع طلحة و الزبير و عدمه لم يكن أمرا مشتبها مختلف الظاهر و الباطن حتّى يشتبه على الحسن عليه السّلام ، فمع إتباعه عليه السّلام لهما أفسدا تلك الإفسادات العظيمة ، فكيف كان لو خلاهما .

و كذلك قبوله عليه السّلام بيعة النّاس ، و أي معنى لقوله للعرب جولة ، فالعرب أين كانوا يوم السقيفة و يوم الدار ؟ و كيف يعبّر الحسن عليه السّلام مع أبيه بقوله :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

٢٥

« أمرتك فعصيتني » ألم يدر يقول : « أشرت عليك فما قبلت رأيي » ؟

و الخبر الأوّل و إن كان دخيلا كالثاني ، إلاّ انّ سيفا زاد في غشه كما هو دأبه إشارته على أبيه بخروجه من المدينة حين احيط بعثمان ، و انّ أباه قال له : لقد احيط بنا كما احيط بعثمان ، فإنّه كذب محض و افتراء واضح .

و لقد أغرب ( خلفاء ابن قتيبة ) و أتى بالمضحك من الكذب ، و الطبري و إن كان ينقل الروايات المتضادة هو يفتي بالمتناقض و المتضاد .

فقال : لمّا أتى كتاب معاوية ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلى و ضرب الرقاب إلى علي دخل عليه ابنه الحسن فقال له : قد كنت أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ: و ما أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك يوم عثمان أن تركب رواحلك فتلحق بمكة فلا تتهم به ، و أمرتك حين دعيت إلى البيعة ألاّ تبسط يدك إلاّ على بيعة جماعة فعصيتني، و أمرتك حين خالف عليك طلحة و الزبير ألاّ تكرههما على البيعة و تخلي بينهما و بين وجههما و تدع النّاس يتشاورون عاما كاملا ، فو اللّه لو تشاوروا عاما ما زويت عنك ، و لا وجدوا منك بدا ، و أنا آمرك اليوم أن تقيلهما بيعتهما و تردّ إلى النّاس أمرهم ، فإن رفضوك رفضتهم و إن قبلوك قبلتهم ، فإنّي قد رأيت الغدر في رؤوسهم ، و الكراهية في وجوههم . فقال له علي : أنا إذن مثلك يا بني ، و لكن اقاتل من عصاني بمن أطاعني ، و ايم اللّه ما زلت مبغيّا عليّ منذ هلك جدّك .

فقال له الحسن : يا أبة ليظهرن عليك معاوية ، لأنّه من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا .

فقال عليّ : يا بني و ما علينا ، ما ظلمناه و لا أمرنا و لا نصرنا عليه ، و لا كتبت فيه إلى أحد سوادا في بياض ، و إنّك لتعلم إنّ أباك أبرأ النّاس من دمه .

فقال له الحسن : دع عنك هذا ، انّي لا أظن ، بل لا أشك أنّ ما في المدينة

٢٦

عاتق و لا عذراء و لا صبيّ إلاّ و عليه كفل من دمه . فقال : يا بني إنّك لتعلم أنّ أباك قد ردّ عنه النّاس مرارا ، و قد أرسلتكما جميعا بسيفيكما لتنصراه و تموتا دونه ، فنهاكما عن القتال و نهى أهل الدار أجمعين ، و لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه أو أموت بين يديه . قال الحسن : دع عنك هذا حتّى يحكم اللّه بين عباده .

فهل أراد المخذول أن يصنع قصّة و يجعل معاوية الحسن ، و لقد أراد المفتري أن يجعل قتل عثمان ظلما ، فأخزاه اللّه حتى جعل أمير المؤمنين عليه السّلام و جميع أهل المدينة صغيرهم و كبيرهم ذكرهم و انثاهم داخلين في دمه ، فإن كان الأمر كما ذكر فهذا إجماع لا إجماع فوقه ، و لن تجمع امّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ضلال .

و بالجملة ، الأصل في العنوان أحد تلك الأخبار ، لكن عرفت أنّ الصحيح منها خبر ( جمل المفيد ) و المفهوم منه كون العنوان و إن لفظه أخصر لابن عبّاس لاله عليه السّلام فإن كان المصنّف وقف على مستند آخر فلعل .

« و اللّه لا اكون كالضّبع » سبع معروف ، و قال الجوهري في قول الشاعر :

فانّ قومي لم تأكلهم الضبع المراد بالضبع فيه : السنة المجدبة ١ ، لكن إرادة السبع المعروف الذي يأكل الجيف و أشلاء القتلى و الموتى غير بعيدة .

و المشهور أنّ الضبع الانثى و الذكر ضبعان ٢ . و عن ابن الانباري يطلق على الذكر و الانثى .

و في كتاب الدميري : و من أسماء الضبع جيل و جعار و جفصة ، و من كناها ام خنور و ام طريق و ام عامر و ام القبور و ام نوفل ، و الذكر أبو عامر

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٣ : ١٢٤٨ ، مادة : ( ضبع ) .

 ( ٢ ) المصدر نفسه .

٢٧

و أبو كلدة و أبو الهنبر ١ .

و من عجيب أمرها أنّها كالأرنب ، تكون سنة ذكرا و سنة انثى ، فتلقح في حال الذكورة و تلد في حال الانوثة نقله الجاحظ ٢ .

« تنام على طول اللدم » قال الجوهريّ : قال الأصمعيّ : اللدم : صوت الحجر أو الشي‏ء يقع بالأرض ، و ليس بالصوت الشديد ٣ .

و قال ابن دريد : اللدم : ضربك الحجر بحجر أو غيره ، و كل ضرب لدم ،

و النساء يلتدمن في المأتم . و في حديث عليّ رضى اللّه عنه : « لا أكون كالضبع تسمع اللدم » ٤ .

« حتى يصل إليها طالبها و يختلها » أي : يخدعها .

« راصدها » قال ابن أبي الحديد : قال أبو عبيدة : يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفيفا ، و ذلك هو اللدم ، و يقول : « خامري ام عامر » مرارا بصوت ليس بشديد فينام على ذلك ٥ .

و قال : تزعم العرب أنّ الصائد يدخل عليها و جارها فيقول لها : اطرقي أم طريق ، خامري ام عامر . فتلجأ إلى أقصى مغارها و تنقبض . فيقول : ام عامر ليست في وجارها ، ام عامر نائمة . فتمد يديها و رجليها و تستلقي ، فيدخل عليها فيوثقها و يقول لها : أبشري ام عامر بكمر الرجال ، ابشري ام عامر بشاة هزلى و جراد عظلى ، فيشدّ عراقيبها و لا تتحرك ، و لو شاءت أن تقتله لأمكنها .

قال الكميت :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الدميري : حياة الحيوان ١ : ٦٤١ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٢ ) كتاب الحيوان ٧ : ١٦٨ .

 ( ٣ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٤ ) الجمهرة ٢ : ٦٨١ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٥ .

٢٨

فعل المقرّة للمقالة

خامري يا امّ عامر

و قال الشنفري :

لا تقبروني إنّ قبري محرّم

عليكم و لكن خامري امّ عامر ١

و في كتاب الدميري : إنّ الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في جحرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده ، فتخرج لتأخذه فتصاد . و يقال لها و هي في جحرها : اطرقي ام طريق خامري أم عامر أبشري بجراد عظلى و شاة هزلى .

فلا يزال يقال لها ذلك حتّى يدخل عليها الصائد فيربط يديها و رجليها ثم يجرها .

قال : و الجاحظ يرى هذا من خرافات العرب ٢ .

و في رواية سيف المتقدمة : مثل الضبع التي يحاط بها و يقال : « دباب دباب ليست هاهنا ، حتّى يحل عرقوبها ثم تخرج » . و مثل ذلك مثلهم : « اطرق كرا إنّ النعام في القرى » . أو « اطرق كرا يحلب لك » . أو « اطرق كرا إنّك لن ترى » .

و قال الخليل كما في ( أمثال الميداني ) : الكرا : الذكر من الكروان ،

يصيدونه بهذه الكلمة ، فإذا سمعها تلبد بالأرض ، فيلقى عليه ثوب فيصاد .

و هو معنى : « انّ النعام بالقرى » أي : يأتيك فيدوسك بأخفافها ٣ .

« و لكني اضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه » هكذا في ( المصرية ) ٤ و مثلها ( ابن أبي الحديد ) ٥ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « وجه المدبر عنه » ٦ . و لا يبعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٤ .

 ( ٢ ) الدميري حياة الحيوان ١ : ٦٤٣ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٣ ) مجمع الأمثال ٢ : ٢٨٥ تحت الرقم ٢٢٧٢ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٣٧ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٣ .

 ( ٦ ) في شرح ابن ميثم المطبوع ١ : ٢٨٠ « الحقّ المدبر عنه » أيضا .

٢٩

أصحيته حيث أنّ نسخته بخط مصنّفه .

« و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتّى يأتي عليّ يومي » حيث إنّ الجهاد واجب أبدا مع شرائطه .

هذا و العجب أنّ سيفا الذي يضع في كلّ شي‏ء قال : لمّا دخل طلحة و الزبير البصرة و اصطلحا مع عثمان بن حنيف عامل عليّ على أن يبعثوا كعب بن سور إلى المدينة يستخبرهم في بيعتهما ، فإن أخبروه بأنّ عليّا أكرههما فالأمر أمرهما ، و إن بايعاه طوعا فالأمر أمره . و لمّا جاء كعب و سألهم ، سكت جميع النّاس خوفا من سهل عامل عليّ إلاّ اسامة ، فوثب سهل عليه ، فأفلته صهيب و قال له : قد علمت أنّ ام عامر حامقة ، أما وسعك ما وسعنا من السكوت ١ .

فإنّه وضعه في مقابل رواية ( جمل المفيد ) ٢ المتقدّمة في أصل العنوان .

٤

الخطبة ( ٣١ ) و من كلام له عليه السّلام لابن عباس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل :

لاَ تَلْقَيَنَّ ؟ طَلْحَةَ ؟ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ اَلصَّعْبَ وَ يَقُولُ هُوَ اَلذَّلُولُ وَ لَكِنِ اِلْقَ ؟ اَلزُّبَيْرَ ؟ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ اِبْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي ؟ بِالْحِجَازِ ؟ وَ أَنْكَرْتَنِي ؟ بِالْعِرَاقِ ؟ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ، أعني « فما عدا ممّا بدا » ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

٣٠

قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ما في ( ابن ميثم ) : « و من كلام له عليه السّلام لمّا أنفذ عبد اللّه بن العبّاس إلى الزبير قبل وقوع حرب الجمل يستفيئه إلى طاعته » ٢ ، و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكن فيه بدل « وقوع حرب الجمل » : « وقوع الحرب يوم الجمل » ٣ .

و أما العنوان فقال ابن أبي الحديد : روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) :

انّ عليّا عليه السّلام لمّا سار إلى البصرة بعث ابن عبّاس فقال : ايت الزبير فاقرأ عليه السّلام و قل له : يا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال ابن عبّاس : أفلا آتي طلحة ؟ قال : لا ، إذن تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل . قال : فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار و عبد اللّه ابنه عنده ، فقال : مرحبا بك يابن لبابة ، أجئت زائرا أم سفيرا ؟ قلت : كلاّ ، إنّ ابن خالك يقرأ عليك السلام و يقول لك يا أبا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال :

علقهم أني خلقت عصبه

قتادة تعلقت بنشبه

لن أدعهم حتّى آلف بينهم . فأردت منه جوابا غير ذلك ، قال لي ابنه : « قل له بيننا و بينك دم خليفة و وصيّة خليفة و اجتماع اثنين و انفراد واحد ، و ام مبرورة و مشاورة العشيرة » . فعلمت انّه ليس وراء هذا الكلام إلاّ الحرب ،

فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته .

قال ابن بكار : هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه ، و قال : إنّي

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٧٢ .

 ( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ ما في العنوان في نهج البلاغة .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ .

٣١

رأيت جدّي الزبير في المنام و هو يعتذر من يوم الجمل ، فقلت له : كيف تعتذر منه و أنت القائل : « علقتهم إلى آلف بينهم » ؟ فقال : لم أقله ١ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : و روى جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن جدّه قال : سألت ابن عبّاس عن ذلك فقال : إنّي أتيت الزبير فقلت له . . . فقال : قل له إنّي اريد ما تريد كأنه يقول : الملك لم يزد على ذلك . فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته.

و روى محمّد بن إسحاق الكلبيّ عن ابن عبّاس قال : قلت الكلمة للزبير ،

فلم يزدني على ان قال : قل له :

إنّا مع الخوف الشديد لنطمع

و سئل ابن عبّاس عمّا يعني بقوله هذا ، فقال : يقول : إنّا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم .

و قال قوم : أراد أنّا مع الخوف من اللّه لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب ٢ .

قلت : و رواه الجاحظ في ( بيانه ) و ابن قتيبة في ( عيونه ) و ابن عبد ربه في ( عقده ) ، قال الأوّل : قال عبد اللّه بن مصعب : أرسل عليّ كرم اللّه وجهه لمّا قدم البصرة ابن عبّاس و قال له : ايت الزبير و لا تأت طلحة ، فإن الزبير ألين ، و انّك تجد طلحة كالثور عاقصا قرنه يركب الصعوبة و يقول هي السهل ، فأقرئه السلام و قل له : يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق ، فما عدا ممّا بدا لك قال : فأتيت الزبير ، فقال : مرحبا بابن لبابة ، أزائرا جئت أم سفيرا ؟ قلت : كل ذلك . و أبلغته ما قال عليّ عليه السّلام ، فقال الزبير : أبلغه السلام و قل له : بيننا و بينك عهد خليفة و دم خليفة و اجتماع ثلاثة و انفراد واحد و ام

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٩ ١٧٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٦ ١٦٧ .

٣٢

مبرورة و مشاورة العشيرة و نشر المصاحف ، فنحلّ ما أحلّت و نحرّم ما حرّمت ١ .

و مثله الثاني : و الثاني بدون النسبة إلى ابن مصعب ٢ .

قوله عليه السّلام : « لا تلقين طلحة » عن مثالب هشام الكلبي كما في ( الطرائف ):

كانت لامّه صعبة راية بمكة و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها و تزوجها عبيد اللّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم ، فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى امه فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة .

فقال حسّان :

فيا عجبا من عبد شمس و تركها

أخاها زنا بابعد ريش القوادم

و كان أبوه يلعب به و يتخنّث ٣ .

« فإنّك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه » في ( الجمهرة ) : شاة عقصاء إذا كانت منقلبة القرن ٤ . و في ( الأساس ) : ( في قرن الشاة عقص ) أي التواء ، و هي عقصاء القرن ٥ . هذا و في ( ميزان الذهبي ) في ثور بن يزيد الذي كان يرى القدر : حكي عن ابن أبي رواد أنّه كان يقول إذا أتاه من يريد الشام : « إنّ بها ثورا فاحذر لا ينطحك بقرنيه » . و سئل سفيان عنه فقال : خذوا عنه و اتقوا قرنيه ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٦٤ .

 ( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ١٩٥ .

 ( ٣ ) الطرائف ٢ : ٤٩٥ ٤٩٦ .

 ( ٤ ) جمهرة اللّغة ٢ : ١١٧٢ .

 ( ٥ ) أساس البلاغة : ٣٠٩ ، مادة : ( عقص ) .

 ( ٦ ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ١ : ٣٧٤ دار المعرفة بيروت .

٣٣

« يركب الصعب و يقول هو الذلول » قال ابن قتيبة : كلّم عليّ طلحة و الزبير قبل القتال ، فقال لهما : استحلفا عايشة بحقّ اللّه و بحقّ رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها : هل تعلم رجلا من قريش أولى منّي باللّه و رسوله ؟

و إسلامي قبل كافّة النّاس أجمعين ، و كفايتي رسول اللّه كفّار العرب بسيفي و رمحي ؟ و على أنّي لم استكره أحدا على بيعة ؟ و على أنّي ألم أكن أحسن قولا منكما في عثمان ؟

فأجابه طلحة جوابا غليظا ، و رقّ له الزبير . ثم رجع عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقالوا : بم كلمت الرجلين ؟ فقال عليه السّلام : إنّ شأنهما لمختلف ، أما الزبير فقاده اللجاج و لن يقاتلكم ، و أما طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل ،

و لقيته باليقين و لقيني بالشك ، فو اللّه ما نفعه حقّي و لا ضرّني باطله ، مقتول غدا في الرعيل الأوّل ١ .

و قد وصفه عمر لمّا عينه للشورى مع عيبه فقال : أما إنّي أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم احد بالبأو الذي حدث لك ، و لقد بات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساخطا عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب ٢ .

قال الجاحظ : أشار عمر إلى أنّ طلحة لمّا انزلت آية الحجاب ، قال بمحضر ممّن نقل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم و سيموت غدا فننكحهنّ ٣ .

و في ( المروج ) : سار أهل الجمل في ستمائة راكب نحو البصرة ، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب ، فنبحت كلابهم على الركب ، فقالت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧١ ٧٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ ١٨٦ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ .

٣٤

عايشة : ما اسم هذا الموضع ؟ فقال سائق جملها : الحوأب ، فاسترجعت و ذكرت ما قيل لها في ذلك ، فقالت : ردّوني . فقال ابن الزبير : و اللّه ما هذا بحوأب ،

و لقد غلط فيما أخبرك به . و كان طلحة في ساقة النّاس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب ، و شهد معهما خمسون ، فكان ذلك أوّل شهادة زور اقيمت في الإسلام ١ .

« و لكن الق الزبير فانّه ألين عريكة » أي : طبيعة ، في ( الطبري ) : قال قتادة:

سار عليّ عليه السّلام من الزاوية يريد طلحة و الزبير و عايشة ، و ساروا من الفرضة يريدون عليّا عليه السّلام ، فالتقوا عند موضع قصر عبيد اللّه بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ( ٣٦ ) ، فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، فقيل لعلي عليه السّلام : هذا الزبير ، أما إنّه أحرى الرجلين إن ذكر باللّه أن يذكر ،

و خرج طلحة فخرج إليهما عليّ عليه السّلام فدنا منهم حتّى اختلفت أعناق دوابهم فقال عليّ عليه السّلام لهما : لعمري لقد أعددتما سلاحا و خيلا و رجالا ، إن كنتما أعددتما عند اللّه عذرا فاتّقيا اللّه سبحانه و لا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ٢ ، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي و احرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال طلحة : ألّبت النّاس على عثمان . فقال له عليّ عليه السّلام :

يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحقّ و يعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين ٣ ، يا طلحة تطلب بدم عثمان ؟ فلعن اللّه قتلة عثمان . يا زبير أتذكر يوم مررت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بني غنم فنظر إليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ضحك و ضحكت إليه ، فقلت أنت :

لا يدع ابن أبي طالب زهوه . فقال لك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : صه ، إنّه ليس به زهو ، و لتقاتلنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ .

 ( ٢ ) النحل : ٩٢ .

 ( ٣ ) النور : ٢٥ .

٣٥

و أنت له ظالم ؟ فقال : اللّهمّ نعم ، و لو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، و اللّه لا اقاتلك أبدا .

فانصرف عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقال : امّا الزبير فقد أعطى اللّه عهدا ألاّ يقاتلكم ، فرجع الزبير إلى عايشة فقال : ما كنت في موطن منذ عقلت إلاّ و أنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا . قالت : فما تريد أن تصنع ؟ قال : اريد أن أدعهم و أذهب . فقال له ابنه : جمعت بين هذين الغارين ، حتّى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم و تذهب ، أحسست رايات ابن أبي طالب ، و علمت أنّها تحملها فتية أنجاد . قال : إنّي حلفت ألاّ اقاتله و أحفظه ما قال ابنه له فقال : كفّر عن يمينك و قاتل . فدعا بغلام يقال له مكحول فأعتقه .

فقال عبد الرحمن التميمي :

لم أر كاليوم أخا إخوان

أعجب من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن ١

قلت : قوله عليه السّلام في الخبر : يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللّه قتلة عثمان أراد : ( منّي و منكم يا طلحة و الزبير و عايشة ) فلعنهم اللّه بما لا يستطعون إنكارا و لا اعتراضا ، لا إنّه لعن جميع قتلته ، كما لا يخفى .

و قد وصفه عمر يوم الشورى بقوله له : « أما أنت يا زبير فوعق لقس ،

مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، و يوما شيطان ، و لعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير . أفرأيت إن أفضت إليك ،

فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا إماما ، و من يكون للناس يوم تغضب إماما ٢ ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٥٠١ ٥٠٢ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ .

٣٦

« يقول لك ابن خالك » كان عليه السّلام كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابن خال الزبير لأبيه ، فكانت صفيّة ام الزبير من ام حمزة دون أبي طالب و عبد اللّه ، و كان الزبير يعدّ أوّلا من الهاشميين من قبل امّه و إن كان أسديا أبا لكونه معه عليه السّلام يوم السقيفة حتّى نشأ ابنه عبد اللّه المبغض له عليه السّلام من قبل امّه أسماء بنت أبي بكر .

و روى أبو مخنف : أنّ أبا الأسود أتى الزبير في الجمل فقال له : عهد النّاس بك يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من أبن أبي طالب ، و أين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له الزبير دم عثمان ، فقال له أبو الأسود : أنت و صاحبك و ليتماه فيما بلغنا . فقال له : فاذهب إلى طلحة فاسمع ما يقول لك . فذهب إليه فوجدوه سادرا في غيّه مصرّا على الحرب و الفتنة ١ .

عبّر عليه السّلام بقوله : « ابن خالك » استعطافا ، فقالوا نظير قول هارون « يابن امّ » .

« عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق » حيث بايعه بالحجاز و نصب له الحرب بالعراق .

هذا و قال البحتري في عتاب ابن بسطام :

فكنّا بالشآم أخال خيرا

لرعي الودّ منّا بالعراق

و هجا بعض الشعراء المازني فقال :

و فتى من مازن

ساد أهل البصره

امّه معرفة

و أبوه نكره

و في ( الأغاني ) : استأذن أبو العتاهية على عمرو بن مسعدة فحجب ،

فكتب إليه أبياتا منها :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٢٦ .

٣٧

قد كان وجهي لديك معرفة

فاليوم أضحى حرفا من النكرة ١

« فما عدا » أي : جاوز .

« ممّا بدا » أي : ابتدأت به ان كان الأصل فيه الهمز ، أو ظهر لك أوّلا إن كان معتلا.

و روى ( جمل المفيد ) : أنّه عليه السّلام أرسل ابن عبّاس إلى عايشة و قال له قل لها : « إنّك كنت أشدّ النّاس على عثمان ، فما عدا ممّا بدا » ٢ .

و روى ( عيون القتيبي ) : أنّ عرار بن أدهم الشامي لمّا دعا في صفين العبّاس بن ربيعة الهاشمي إلى البراز ، فبرز إليه و ضربه ضربة خر لوجهه و كبّر النّاس تكبيرة ارتجت لها الأرض ، سأل عليه السّلام عن المبارز فقيل له : العبّاس بن ربيعة ابن أخيكم . فقال عليه السّلام له : ألم أنهك و ابن عبّاس أن تخلا بمركز كما أو تباشرا حربا ؟ فما عدا ممّا بدا . قال العبّاس : فادعى إلى البراز فما اجيب ٣ .

قول المصنّف : قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ،

أعني « فما عدا ممّا بدا » ، هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٥ : « و قال الرضي رحمه اللّه : و هو عليه السّلام أوّل من قالها » . و قد عرفت أنّه عليه السّلام قالها مرارا .

و عن ( أوائل أبي هلال العسكري ) : أنّه عليه السّلام أوّل من قال : « جعلت فداك » .

قاله للنبي صلّى اللّه عليه و آله يوم عمرو بن عبدود ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٤ : ٢١ ٢٢ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣١٦ .

 ( ٣ ) عيون الأخبار ١ : ١٧٩ ١٨٠ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

 ( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ و شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ « و هو عليه السّلام أوّل من سمعت . . . » أيضا .

 ( ٦ ) الأوائل لأبي هلال العسكري : ٢٩٦ دار الكتب العلمية .

٣٨

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أوّل من قال : « لا ينتطح فيها عنزان » . قاله صلّى اللّه عليه و آله في قتل عمير بن عدي عصماء بنت مروان اليهودي التي كانت تؤذي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ١ .

٥

الخطبة ( ١٦٩ ) و من خطبة له عليه السّلام عند مسير أهل الجمل إلى البصرة :

إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إِلاَّ هَالِكٌ وَ إِنَّ اَلْمُبْتَدَعَاتِ اَلْمُشَبَّهَاتِ مِنَ اَلْمُهْلِكَاتُ إِلاَّ مَا حَفِظَ اَللَّهُ مِنْهَا وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اَللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَ لاَ مُسْتَكْرَهَةٍ بِهَا وَ اَللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اَللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ اَلْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا اَلرَّأْيِ اِنْقَطَعَ نِظَامُ اَلْمُسْلِمِينَ أقول : العنوان كلّه مأخوذ من ( الطبري ) ٢ في رواية سيفه ، التي إمّا مصنوعة كلا و إمّا مدخولة منه ، كما أخذ منه عنوان قبله « قيل له عليه السّلام : لو عاقبت قوما ممّن اجلب على عثمان » كما مر في فصل عثمان ، و مر ثمة شرح مقدار من افتعالاته و تصرفاته ، و مر بعضها في ٣ من هذا الفصل .

و روايته هنا هكذا : « استأذن طلحة و الزبير عليّا في العمرة فأذن لهما ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٧ ٢٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٤٤ ، سنة ٣٦ .

٣٩

فلحقا بمكّة ، و أحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي عليّ في معاوية و انتقاضه ،

ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة ، أ يجسر عليه أو ينكل عنه ؟ و قد بلغهم أنّ الحسن دخل عليه و دعاه إلى القعود و ترك النّاس إلى أن قال و دعا عليّ ابن الحنفية فدفع إليه اللواء ، و ولّى ابن عبّاس ميمنته و عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان ميسرته ، و أبا ليلى ابن أخي ابن عبيدة مقدمته ، و استخلف على المدينة قثم بن عبّاس ، و لم يولّ ممّن خرج على عثمان أحدا ، و كتب إلى قيس بن سعد و إلى عثمان بن حنيف و إلى أبي موسى أن يندبوا النّاس إلى الشام ،

و دعا أهل المدينة إلى قتال أهل الفرقة ، و قال : « إنّ اللّه بعث رسولا هاديا مهديا ،

بكتاب ناطق ، و أمر قائم واضح ، لا يهلك عنه إلاّ هالك . و إنّ المبتدعات و الشبهات هنّ المهلكات إلاّ من حفظ اللّه ، و إنّ في سلطان اللّه عصمة أمركم ،

فأعطوه طاعتكم غير ملوية و لا مستكره بها ، و اللّه لتفعلن أو لينقلن اللّه عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر إليها . انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يفرّقون جماعتكم ، لعل اللّه يصلح بكم ما أفسد أهل الافاق ،

و تقضون الذي عليكم » .

فبيناهم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر و تمام على خلاف ،

فقام فيهم بذلك ، فقال : « إنّ اللّه جعل لظالم هذه الأمّة العفو و المغفرة ، و جعل لمن لزم الأمر و استقام الفوز و النجاة ، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل . ألا و إنّ طلحة و الزبير و امّ المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ، و دعوا النّاس إلى الاصلاح ، و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم . و أكفّ إن كفّوا و أقتصر على ما بلغني منهم » .

ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس و الإصلاح ، فتعبّى للخروج إليهم و قال : إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، و ما كان عليهم

٤٠