• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70562 / تحميل: 2663
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

مثل ظهر الحية حتى متى ، و إلى متى ؟ حسبي اللّه و نعم الوكيل . . .

هكذا وجدت في نسخته ، و لا يخلو من تصحيفات ، كما لا يخفى .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السّلام و قد قام اليه » ليست الكلمة في ( ابن أبي الحديد ١ و ابن ميثم ٢ ) .

« رجل من أصحابه » قد عرفت من رواية ( العقد ) أنّه كان رجلا أحدب .

« فقال : نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها ، فلم ندر » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : ( فما ندري ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) . أي : الأمرين ، الحكومة و تركها .

« أرشد » أي : أقرب إلى الصواب .

« فصفق عليه السّلام » أي : ضرب .

« إحدى » و في ( ابن ميثم ) : « باحدى » .

« يده على الاخرى ثم قال هذا جزاء من ترك العقدة » أي : استحكام الأمر ،

كمن يشدّ الشي‏ء بحبل ، قال ابن أبي الحديد ٤ : في هذا الكلام اعتراف بأنّه ظهر له في ما بعد أنّ الرأي الأصلح كان الاصرار و الثبات على الحرب ، و أنّ للإمام أن يعمل بموجب ما يغلب على ظنّه ، فلما نهاهم كان نهيه مصلحة ، و لما أمرهم كانت المصلحة في ظنّه قد تغيّرت ، كالطبيب الذي ينهى المريض اليوم عن أمر و يأمره بمثله غدا.

قلت : هو تفسير غلط ، كغلط اعتراض المعترضين ، فنهاهم أوّلا عن الحكومة لكونها مفسدة محضة ، و لما أجبروه عليها و عقد عهدا ، نهاهم عن

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩١ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١٤ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ١ : ٢٣٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩٢ .

٣٨١

نقض العهد ، لا أنّه أمرهم بالحكومة ، فلمّا كتبوا كتاب الصلح و ندموا .

قام محرز بن حريش كما في ( صفّين نصر ) ١ و قال له عليه السّلام : ما إلى الرجوع من هذا الكتاب سبيل ، فو اللّه إنّي لأخاف أن يورث إلاّ ؟ فقال عليه السّلام : أمّا بعد أن كتبناه ننقضه ، إنّ هذا لا يحلّ .

و لا غرو أن يعترضوا عليه عليه السّلام ، فقد اعترض فاروقهم على النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية ، ففي ( الطبري ) ٢ بعد ذكر كتابة الصلح بين النبي صلّى اللّه عليه و آله و قريش في الحديبية : أتى عمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال له : ألست برسول اللّه ؟ قال : بلى . قال :

أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى . قال : أو ليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى . قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله : أنا عبد اللّه و رسوله ، لن اخالف أمره و لن يضيعني .

و فيه ٣ : كان علي عليه السّلام ذات يوم في خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال علي عليه السّلام : اللّه أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل ، إن سكتوا عممناهم ، و إن تكلّموا حججناهم ، و إن خرجوا علينا قاتلناهم . فوثب يزيد بن عاصم المحاربي ، فقال : اللّهم إنّا نعوذ بك من اعطاء الدنية في ديننا ، فإنّ إعطاء الدنية في الدين إدهان في أمر اللّه ، و ذلّ راجع بأهله إلى سخط اللّه . . . .

و في ( ملل الشهرستاني ) ٤ : شبهات امّة كل نبي في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه ، فإن خفي علينا ذلك في الامم السالفة ، فلم يخف في هذه الامة أنّ شبهاتها نشأت من شبهات منافقي زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله ، إذ لم يرضوا بحكمه في ما كان يأمر و ينهى . . . .

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥١٩ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٤ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٢ .

( ٤ ) الملل للشهرستاني ١ : ١٠ .

٣٨٢

و من العجب أنّ الناس لم يريدوا أمير المؤمنين الذي كان نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله علما و عملا ، و أرادوا عمر الذي منع النبي صلّى اللّه عليه و آله من الوصية قائلا :

إنّه يهجر . و صار سببا لحصول هذه الفرق الباطلة ، مع أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال :

« أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي » .

فلما خطبهم قيس بن سعد بن عبادة بعد غدر الحكمين ، و قال لهم :

عودوا بنا إلى قتال عدوّنا و عدوّكم . قال عبد اللّه بن شجرة السلمي له : إنّ الحقّ قد أضاء لنا ، فلسنا نتابعكم أو تأتونا بمثل عمر .

قاتلهم اللّه ، يكفّرون أمير المؤمنين عليه السّلام بحكمية القرآن ، و لا يكفّرون عمر بحكمية عبد الرحمن بن عوف ، حتى يختار لإمامتهم رئيس بني امية ،

حتى يتخذوا دين اللّه دغلا و عباده خولا .

و يقول أبو سفيان يوم بويع عثمان بتدبير عمر : تداولوا الخلافة بينكم تداول الكرة فلا جنّة و لا نار . و يصلّى الوليد بن عقبة أخا عثمان لامّه أيام ولايته على الكوفة من قبله بالناس سكران ، و يصلّي الصبح بهم أربعا ،

و يقول : لو شئتم أزيدكم على الأربع .

و إذا اسس الأمر على ولاية صدّيقهم و فاروقهم يصير المرجع هكذا .

و من العجب أنّهم كانوا يرجّحون سنّتهما على سنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فلمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتاه عليه السّلام أصحابه و قالوا له : نحن أولياء من و اليت ، و أعداء من عاديت . فشرط لهم سنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فجاءه ربيعة بن شداد الخثعمي و كان شهد معه الجمل و صفّين ، و معه راية خثعم فقال عليه السّلام له :

بايع على كتاب اللّه و سنّة رسوله . فقال له ربيعة : على سنّة أبي بكر و عمر .

فقال عليه السّلام له : ويلك لو أنّ أبا بكر و عمر عملا بغير كتاب اللّه و سنّة رسوله لم يكونا على شي‏ء من الحق ، أما و اللّه لكأنّي بك و قد نفرت مع هذه الخوارج

٣٨٣

فقتلت ، و كأنّي بك و قد وطئتك الخيل بحوافرها . فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة ، و وطئته الخيل و شدخوا وجهه و رأسه .

كما أنّ أبا موسى يقول لعمرو بن العاص : نخلع عليّا و نحيي سنّة عمر .

لكن لا غرو هذه سنّة فطرية : كلّ يميل إلى سنخه ، و كلّ يعمل على شاكلته ، فأبو موسى الذي شهد حذيفة صاحب سر النبي صلّى اللّه عليه و آله بنفاقه ، و سعد و المغيرة بن شعبة و نظراؤهم من الذين اتفق على نفاقهم لم يريدوا غير عمر ، كما أنّ سلمان و أبا ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و نظراءهم ممّن اتفق على إيمانه لم يريدوا غير أمير المؤمنين عليه السّلام .

و خطب الحجاج فقال كما في ( العقد ) : يا أهل العراق بلغني أنّكم تروون أنّ من ملك عشرة رقاب من المسلمين جي‏ء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه ، حتى يفكّه العدل أو يوبقه الجور ، و ايم اللّه إنّي لأحب إليّ أن أحشر مع أبي بكر و عمر مغلولا ، من أحشر معكم مطلقا .

و نظير عدم تمييزهم بين نهيه عن الحكومة ، و أمره بالوفاء بالعهد بعد الكتابة : أنّ شيعته عليه السّلام لما بايعوه ثانية و قالوا له : « نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت » قالوا لهم : استبقتم أنتم و أهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان ، بايع معاوية أهل الشام على ما أحبوا و كرهوا ، و بايعتم أنتم عليّا على أنّكم أولياء من و إلى و أعداء من عادى . و معلوم أنّه عليه السّلام لم يحب إلاّ كتاب اللّه و سنّة نبيّه ، و لم يكره إلاّ تركهما ، كما أنّ معاوية بالعكس .

و أجابهم زياد بن النضر من شيعته فقال لهم : و اللّه ما بسط عليّ عليه السّلام يده فبايعناه إلاّ على كتاب اللّه و سنّة نبيّه ، و هو على الحق و الهدى ، و من خالفه ضال مضل . و لكونه عليه السّلام كذلك ترك يوم الشورى حقّه لمّا أراد ابن عوف حكم عمر منه قبول سنّة أبي بكر و عمر ، كما أنّ معاوية قال لهم عام

٣٨٤

الجماعة : ما بايعتكم على أن تصلّوا و تصوموا ، بل لأتأمّر عليكم . و قال : كلّ ما شرطت في بيعة الحسن فهو تحت قدمي .

و من العجب أنّهم رووا من صدّيقهم و فاروقهم ، و كذا ذي نوريهم في الست الاولى من خلافته الذين تولوه فيها ، تلك الخزايا المذكورة في محلّها ،

و المطوقة عليهم طوق الحمام و لم يقولوا شيئا . و امّا طعنهم عليه في السني الأخيرة حتى قتلوه فلم يكن غضبا للّه بل لأنفسهم ، حيث خصّ الدنيا ببني امية ، حتى إنّه عزل عمرو بن العاص ، و بخس عايشة زيادة يعطيها أبوها و عمر ، و أمّا بالنسبة إليه عليه السّلام فأجبروه على التحكيم ، و قالوا له : إنّ قتال معاوية الغدّار و لعين النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا قال لهم مكرا و خديعة : « بيننا كتاب اللّه » كفر . ثم قالوا له بعد الإجبار : إنّ قبوله عليه السّلام الحكم بالقرآن كفر ، و بيعة الناس له على الكتاب و السنّة كفر . و لا غرو فإنّ فرعون الذي استخف قومه فقال لهم :

أنا ربّكم الأعلى ١ لم يقولوا له : أنت بشر مثلنا . و يقول فرعون لموسى لمّا قال له : أنا رسول من ربكم إليكم إيت بآية إن كنت من الصادقين . فأتاه بآيتين عظيمتين ، فقالوا له : أنت ساحر عليم ٢ .

و من العجب أنّهم لم يقبلوا من أمير المؤمنين عليه السّلام أن يحكّم ابن عباس ،

و يقولون له : إنّه مثلك . مع أنّ بينه عليه السّلام و بين ابن عباس ما بين السماء و الأرض ، و لم يقولوا لمعاوية : لا نقبل حكمية عمرو بن العاص مع أنّهما كانا كنفس واحدة ، من طفولتيهما إلى موتهما و نقاتلك حتى تحكّم حكما عدلا .

« اما و اللّه لو أنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به ، حملتكم على المكروه الذي يجعل

ــــــــــــ

( ١ ) النازعات : ٢٤ .

( ٢ ) معنى الآيات ١٠٤ ١٠٩ من سورة الأعراف .

٣٨٥

اللّه فيه خيرا » قال تعالى . . . و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم . . . ١.

« فإن استقمتم هديتكم ، و ان اعوججتم قوّمتكم ، و إن أبيتم تداركتكم ، لكانت الوثقى » قال ابن أبي الحديد معنى قوله : « اما و اللّه . . . » أي : لو كنت أحملكم على الحرب فإن استقمتم اهتديتم ، و إن اعوججتم بفتور و قلّة جد قوّمتكم بالتحريض ، و إن امتنعتم تداركت الأمر ، إمّا بالاستنجاد بغيركم من قبائل العرب ، كانت هي العقدة الوثقى . أي : الرأي الأصوب .

قلت : هذا أيضا غلط منه ، فلمّا زاغ في الكلام الأول حصل له الزيغ إلى الآخر ، فإنّ المراد إنّما هو أنّه عليه السّلام لو كان فعل ذلك كان العقدة الوثقى ، أي :

الاستحكام الكامل للأمر حتى لا يؤل إلى ما آل ، إذا كان متمكّنا من ذلك ، و لكن لم يتمكن كما قال بعد : « و لكن بمن و إلى من . . . » .

و من الغريب أنّ ابن أبي الحديد ٢ مع ادعائه المعرفة قال تفريعا على تفسيره الغلط : إنّ عليّا عليه السّلام ما أخطأ ، بمعنى : ارتكاب الإثم ، و لكنّه ترك الرأي الأصوب ، كما قال الحسن البصري : « هلا مضيت قدما لا أبا لك » و قد قيل : إنّ قول عليّ عليه السّلام :

لقد عثرت عثرة لا انجبر

سوف اكيس بعدها و استمر

و اجمع الرأي الشتيت المنتشر إشارة إلى هذا المعنى . و قيل فيه غير ذلك ، و قال الجاحظ : من عرفه عرف أنّه غير ملوم في الانقياد معهم إلى التحكيم ، فإنّه ملّ من القتل و تجريد السيف ليلا و نهارا ، و ملّت الخيل من تقحّم الأهوال بها ، و ضجر من دوام تلك الخطوب الجليلة و الارزاء العظيمة ، و استلاب الأنفس و تطاير الأيدي و الأرجل بين يديه ،

ــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢١٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩٢ ٢٩٣ .

٣٨٦

و أكلت الحرب أصحابه و أعداءه و عطلت السواعد ، و خدرت التي سلمت من وقايع السيوف بها ، و لو أنّ أهل الشام لم يستعفوا من الحرب و يستقيلوا من المقارعة و المصارمة ، لأدت الحال إلى قعود الفيلقين معا ، و لزومهم الأرض و القائهم السلاح . . . .

قلت : الحسن البصري و الجاحظ أيضا غلطا . أمّا قول الحسن : « هلا مضيت قدما » أين يمضي قدما ؟ فكانوا يقتلونه لو كان مضى ، و قد أراد الأشتر المضي فما خلوه ، و أجبروه عليه السّلام على منعه ، فقال إبراهيم بن الاشتر لمصعب :

كنت عند علي عليه السّلام حين أكرهه الناس على الحكومة ، و قالوا له : ابعث إلى الأشتر فليأتك . فأرسل ، فقال لرسوله : قل له : ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ، إنّي قد رجوت أن يفتح لي ، فلا تعجلني . فرجع الرسول إليه ، و قال له ، قالوا له عليه السّلام : لترسلنّ إلى الأشتر فليأتينّك ، أو لنقتلنّك كما قتلنا ابن عفان . فرجع الأشتر و قال لهم : أمهلوني عدو فرس . قالوا : اذن ندخل في خطيئتك .

و في ( العقد ) : أنّ الخوارج اعترضوا عليه اعتراضات ، فأجابهم عنها ،

و منها : و أمّا قولكم : إنّي لم أضربكم بسيفي يوم صفّين حتى تفيئوا إلى أمر اللّه،

فإنّ اللّه عز و جل يقول : و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ١ ، و كنتم عددا ، و أنا و أهل بيتي في عدّة يسيرة .

و أمّا قول الجاحظ ، فكيف كان عليه السّلام يملّ من الحرب و قد كان كتب إلى معاوية : جاءني كتابك تذكر أنّك لو علمت و علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت ، لم يجنها بعضنا على بعض . فإنّا و إيّاك منها في غاية لم تبلغها بعد ،

و إنّي لو قتلت في ذات اللّه و حييت ، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرّة ، لم أرجع عن

ــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٩٥ .

٣٨٧

الشدّة في ذات اللّه ، و الجهاد لأعداء اللّه . ذكره صفين نصر ١ .

و فيه ٢ : انّ رجلا من أهل الشام خرج بين الصفّين ، و دعاه عليه السّلام فخرج إليه فقال له عليه السّلام : إنّ لك قدما في الاسلام و هجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب ؟ ترجع و نرجع . فقال عليه السّلام له:

لقد عرفت أنّك إنّما عرضت هذا نصيحة و إشفاقا ، و لقد أهمّني هذا الأمر و أسهرني ، و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلاّ القتال ، أو الكفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، إنّ اللّه تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجات الأغلال في جهنم . فرجع الشامي و هو يسترجع .

نعم ما ذكره من ملل أصحابه صحيح ، و هو السبب في إجبارهم له على القبول.

و فيه ٣ ، في رجوعه عليه السّلام عن صفين : لقي عليه السّلام عبد اللّه بن وديعة الأنصاري ، قال : ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا ؟ قال : يقولون : إنّ عليّا كان له جمع عظيم ففرّقه ، و حصن حصين فهدمه ، فحتى متى يبني مثل ما قد هدّم ، و يجمع مثل ما قد فرّق ؟ فلو أنّه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره اللّه أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم . فقال علي عليه السّلام :

أنا هدمت أم هم هدموا : أنا فرّقت أم هم تفرّقوا ، و أمّا قولهم : لو أنّه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه يقاتل حتى يظفر أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم ، فو اللّه ما غبى عن رأيي ذلك ، و إن كنت سخي النفس عن الدنيا ، طيب

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧١ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧٤ .

( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٢٩ .

٣٨٨

النفس بالموت ، و لقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني ، فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلّى اللّه عليه و آله من هذه الامّة . فكرهت ذلك و أشفقت على هذين أن يهلكا ، و لقد علمت أنّ لو لا مكاني لم يستقدما يعني ابنيه الحسنين عليهما السّلام و ايم اللّه لئن لقيتهم بعد يومي هذا ، لقيتهم و ليسا معي في عسكر . . . .

و كيف يمكنه عليه السّلام المضي و لم يقنعوا بجبره على ترك الحرب ،

فأجبروه على جعل أبي موسى مع عداوته معه و مبغضيته له عليه السّلام حكما له عليه السّلام ؟

« و لكن بمن و إلى من اريد أن أداوي بكم و أنتم دائي ؟ » فجمع من أصحابه صاروا خوارج كفّروه بقبوله حكمية القرآن ، و جمع أغلقوا أبوابهم على أنفسهم ، كلّما حرّضهم لم يتحرّكوا .

« كناقش الشوكة بالشوكة » في ( الجمهرة ) : نقشت عن الشوكة : إذا كشفت عنها اللحم و الجلد حتى تستخرجها بالمنقاش ، و أصل النقش : استقصاؤك الكشف عن الشي‏ء ، و منه الحديث : من نوقش الحساب عذب .

« و هو يعلم ان ضلعها معها » أي : ميل المنقوش بها مع المنقوش عنها ، و في ( الصحاح ) في المثل : « لا تنقش الشوكة بالشوكة ، فإنّ ضلعها معها » : يضرب للرجل يخاصم الآخر ، فيقول : اجعل بيني و بينك فلانا . لرجل يهوى هواه .

« اللّهم قد ملّت أطباء هذا الداء الدوي » هو كقوله عليه السّلام في موضع آخر: ما داؤكم و ما دواؤكم ؟

« وكلّت » أي : أعيت .

« النزعة » جمع النازع : من نزع الدلو من البئر .

« بأشطان » جمع الشطن : الحبل الطويل .

٣٨٩

« الركي » أي : البئر .

« أين القوم الذين دعوا الى الاسلام فقبلوه » في ( صفين نصر ) ١ عن عمر بن سعد ، عن مسلم الملاي ، عن حبة العرني ، قال : لما نزل علي عليه السّلام الرقة بمكان يقال له : بليخ ، على جانب الفرات ، نزل راهب من صومعته ، و قال له عليه السّلام :

إنّ عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه عيسى بن مريم عليه السّلام ، أعرضه عليك ؟

قال علي عليه السّلام : نعم ، فما هو ؟ قال الراهب : بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي قضى ما قضى و سطر ما سطر : أنّه باعث في الاميين رسولا منهم ، يعلّمهم الكتاب و الحكمة ، و يدلهم على سبيل اللّه ، لا فظّ و لا غليظ ، و لا صخّاب في السواق ، و لا يجزي بالسيئة السيئة ، و لكن يعفو و يصفح ، امّته الحمادون الذين يحمدون اللّه على كلّ نشز ، و في كلّ صعود و هبوط ، تذل ألسنتهم بالتهليل و التكبير ،

و ينصره اللّه على كلّ من ناواه ، فاذا توفّاه اللّه اختلفت امّته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء اللّه ثم اختلفت ، فيمرّ رجل بشاطى‏ء هذا الفرات ، يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يقضي بالحق ، و لا يرتشي في الحكم ، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت الريح ، و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ ،

يخاف اللّه في السرّ و ينصح له في العلانية ، و لا يخاف في اللّه لومة لائم ، من أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فآمن به ، كان ثوابه رضواني و الجنّة ، و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فإنّ القتل معه شهادة . فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك . فبكى علي عليه السّلام ثم قال : الحمد للّه الذي لم يجعلني عنده منسيّا ، الحمد للّه الذي ذكرني في كتب الأبرار . و مضى الراهب معه ، و كان في ما ذكره يتغدى مع عليّ عليه السّلام و يتعشى ، حتى اصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم ، قال عليّ عليه السّلام : اطلبوه . فلما وجدوه

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٧ .

٣٩٠

صلّى عليه و دفنه ، و قال : هذا منّا أهل البيت . و استغفر له مرارا .

« و قرؤوا القرآن فاحكموه ، و هيجوا الى القتال » هكذا في ( المصرية ) ١ ،

و الصواب : ( إلى الجهاد ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ).

« فولهوا و له اللقاح » جمع اللقحة و اللقوح ، أي : الناقة الدرور و الحلوب ، قال ابو عمرو : إذا نتجت الناقة فهي لقوح ، شهرين أو ثلاثة ، ثم هي لبون .

« الى أولادها ، و سلبوا السيوف أغمادها » كناية عن مقاتلتهم و استماتتهم ،

و في ( صفين نصر ) ٤ : كان الأشتر يقاتل و في يده صحيفة يمانية ، إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا ، و إذا رفعها كان يغشي البصر شعاعها ، يضرب بسيفه قدما و هو يقول : « غمرات ثم ينجلين » فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي ،

فدنا منه و قال له : جزاك اللّه عن أمير المؤمنين ، و جماعة المسلمين خيرا . و قال منقذ الناعطي لأخيه حمير : ما في العرب رجل مثل هذا .

« و أخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا » أي : يجرّون أنفسهم إلى العدو ،

كالصبي الذي يزحف على الأرض قبل أن يمشي .

و في ( صفين نصر ) ٥ : خرج عمّار إلى القتال و صفّت الخيول و زحف الناس ، و على عمّار درع و هو يقول : أيّها الناس الرواح إلى الجنة . فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله ، و كثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد رجل أو رجله .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٢٣٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩١ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١٥ .

( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٤ ٢٥٥ .

( ٥ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٣٩ .

٣٩١

و فيه١ : قال الأحنف : كنت إلى جانب عمّار ، حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمّار : احمل فداك أبي و امي . فقال له هاشم : رحمك اللّه إنّك رجل تأخذك خفة في الحرب ، و إنّي إنّما أزحف باللواء زحفا و أرجو أن أنال بذلك حاجتي ، و إنّي إن خففت لم آمن الهلكة . و قد كان معاوية قال لعمرو : ويحك إنّ اللواء اليوم مع هاشم ، و قد كان من قبل يرقل به إرقالا ، و إنّه إن زحف به اليوم أنّه لليوم الأطول لأهل الشام .

« بعض هلك » كزيد بن صوحان في الجمل ، و عمّار و المرقال و ابن بديل من المعروفين في صفين .

« و بعض نجا » كالأشتر و محمّد بن أبي بكر من معروفيهم ، نجيا من القتل في الجمل و صفين ، و لكن استشهدا بعد .

و في ( صفين نصر ) ٢ : قال الاشتر لمذحج : عليكم بهذا السواد الأعظم ،

فإنّ اللّه لو قد فضه تبعه من بجانبيه ، كما يتبع السيل مقدمه . قالوا : خذ بنا حيث أحببت . و استقبله سنام من همدان و كانوا ثمانمائة مقاتل ، و كانوا صبروا في ميمنة عليّ عليه السّلام حتى اصيب منهم ثمانون و مائة رجل ، و قتل منهم أحد عشر رئيسا ، كلّما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر إلى أن قال اذ مرّ الأشتر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر ، فقال : من هذا ؟ قيل : زياد بن النظر ، استلحم هو و أصحابه في الميمنة ، فتقدّم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته ، فصبروا و قاتل حتى صرع . ثم لم يمكثوا إلاّ كلا شي‏ء حتى مرّوا بيزيد بن قيس محمولا إلى العسكر ، فقال : من هذا ؟ قالوا : يزيد بن قيس ، لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته ، فقاتل حتى صرع ، فقال الأشتر : هكذا و اللّه

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤٠ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٢ .

٣٩٢

الصبر الجميل ، و الفعل الكريم .

« لا يبشرون بالأحياء و لا يعزون بالموتى » هكذا في ( المصرية ) ١ ،

و الصواب : ( عن الموتى ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ).

و كيف كان ، فالمراد بمن لا يبشر و لا يعزى : من كان من غير الأشراف من المؤمنين ، و في ( صفات شيعة ابن بابويه ) عن الباقر عليه السّلام لجابر الجعفي :

شيعة عليّ عليه السّلام من لا يهرّ هرير الكلب ، و لا يطمع طمع الغراب ، و لا يسأل الناس و ان مات جوعا ، اولئك الخفيفة عيشتهم ، المنتقلة ديارهم ، إن شهدوا لم يعرفوا ، و إن ماتوا لم يشهدوا ، و ان مرضوا لم يعادوا ، في قبورهم يتزاورون .

فقال له جابر : أين أطلبهم ؟ قال : في أطراف الأرض ، و بين الأسواق .

« مره » في ( الصحاح ) : قال أبو عبيدة : المرهة : البياض الذي لا يخالطه ،

غيره و إنّما قيل للعين التي ليس فيها كحل : مرهاء ، لهذا المعنى .

« العيون من البكاء ، خمص البطون » أي : ضامرة .

« من الصيام » في ( ذيل الطبري ) ٤ عن امّ الحكم بنت عمّار : لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار ، كان معه ضيح من لبن ، ينتظر وجوب الشمس أن يفطر ،

فحين وجبت شرب الضيح و قال : سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن » ثم اقترب فقاتل حتى قتل .

و زاد ( الارشاد ) ٥ في وصف شيعته عليه السّلام : حدب الظهور من القيام .

« ذبل » من : ذبل البقل ، أي : زوى .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٢٣٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩١ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١٥ .

( ٤ ) ذيل المذيل للطبري ٨ : ١٥ .

( ٥ ) الإرشاد : ٢٣٧ ، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام .

٣٩٣

« الشفاه من الدعاء » في ( الطبري ) ١ : قتل عبد اللّه بن كعب المرادي في صفّين ، فمرّ به الأسود المرادي بآخر رمق ، فقال له : أما و اللّه أن كان جارك ليأمن بوائقك ، و أن كنت من الذاكرين اللّه كثيرا ، أوصني رحمك اللّه . فقال :

اوصيك بتقوى اللّه ، و أن تناصح أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قاتل معه المحلين.

« صفر اللون من السهر » أي : الأرق و عدم النوم .

« على وجوههم غبرة الخاشعين » في ( صفين نصر ) ٢ : قال ذو الكلاع الحميري و هو من أصحاب معاوية لأبي نوح الحميري ، و هو من أصحاب علي عليه السّلام : حدّثنا عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : « يلتقي أهل الشام و أهل العراق ، و في إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى ،

و معه عمّار » . فقال له أبو نوح : إنّ عمّارا لفينا إلى أن قال بعد مسير أبي نوح مع ذي الكلاع إلى عمرو بن العاص بالأمان فقال له عمرو إنّي لأرى عليك سيماء أبي تراب ؟ قال له أبو نوح : نعم عليّ سيماء النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه ،

و عليك سيماء أبي جهل و سيماء فرعون . فقام أبو الأعور فسلّ سيفه ، فقال : لا أرى هذا يشاتمنا بين أظهرنا و عليه سيماء أبي تراب . فقال له ذو الكلاع : لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ، عقدت له بذمتي و جئت به إليكما ،

ليخبر كما عمّا تماريتم فيه من أمر عمّار .

« اولئك إخواني الذاهبون » في ( صفات شيعة ابن بابويه ) عن محمّد بن الحنفية : لما قدم أبي البصرة بعد قتال أهل الجمل دعاه الأحنف و اتخذ له طعاما ، فقال عليه السّلام له : ادع لي أصحابي . فدخل عليه قوم متخشّعون كأنّهم شنان بوال ، فقال الأحنف له عليه السّلام : ما هذا الذي نزل بهم ؟ أمن قلّة الطعام ، أم من

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٣٣ .

٣٩٤

هول الحرب ؟ فقال عليه السّلام له : يا أحنف إنّ للّه سبحانه عبادا تنسّكوا إليه في دار الدنيا ، تنسّك من هجم على ما علم ، من قربهم من يوم القيامة من قبل ان يشاهدوها ، فحملوا أنفسهم على مجهودها ، و كانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على اللّه تعالى ، توهموا خروج عنق تخرج من النار تحشر الخلائق إلى ربهم ، و كتاب يبدو على رؤوس الأشهاد فيه فضائح لهم ، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا ، أو تطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيرانا ، فكانوا يحنون حنين الواله في دجى الظلم ، فمضوا ذبل الأجسام ، حزينة قلوبهم ، كالحة وجوههم ،

ذابلة شفاههم ، خامصة بطونهم .

و عن الأصبغ قال : خرج علي عليه السّلام ذات يوم و نحن مجتمعون ، فقال : من أنتم ، و ما اجتماعكم ؟ قلنا : قوم من شيعتك . فقال : مالي لا أرى سيماء شيعتي عليكم ؟ فقلنا : و ما سيماهم ؟ فقال : صفر الوجوه من صلاة الليل ، عمش العيون من مخافة اللّه ، ذبل الشفاه من الصيام ، عليهم غبرة الخاشعين .

« فحق لنا أن نظمأ اليهم » فيه عن السجاد عليه السّلام : كان جالسا في البيت إذ قرع عليهم قوم الباب ، فقال : للجارية انظري من بالباب ؟ فقالوا : قوم من شيعتك.

فوثب عجلان حتى كاد أن يقع ، و لما فتح الباب و نظر إليهم رجع ، و قال : كذبوا،

فأين السمت في الوجوه و أين أثر العبادة . . . .

« و نعض الأيدي على فراقهم » في ( الطبري ) ١ : حزن علي عليه السّلام على محمّد بن أبي بكر لمّا بلغه قتله ، حتى رئي ذلك في وجهه و تبيّن فيه ، فقام خطيبا و قال : و إنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمه اللّه ، فعند اللّه نحتسبه ، أما و اللّه أن كان ما علمت: لممن ينتظر القضاء ، و يعمل للجزاء ، و يبغض شكل الفاجر ، و يحب هدى المؤمن .

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٠٨ .

٣٩٥

و فيه ١ : قام الحسين عليه السّلام بذي حسم بعد التقائه بالحرّ و أصحابه ،

و قال : إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، و إنّ الدنيا قد تغيّرت و تنكرت ، و أدبر معروفها و استمريت جدّا ، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به ، و انّ الباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة ، و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما . فقام زهير بن القين فقال لأصحابه : تكلّمون أم أتكلّم ؟ قالوا : بل تكلّم . فقال : سمعنا مقالتك : لو كانت الدنيا لنا باقية ، و كنّا فيها مخلدين ، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها .

« إنّ الشيطان يسني » أي : يسهل .

« لكم طرقه و يريد أن يحلّ » أي : يفتح .

« دينكم عقدة عقدة ، فاصدفوا » أي : اعرضوا .

« عن نزغاته » أي : إغراءاته .

« و نفثاته » أي : نفحاته .

« و اقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم ، و اعقلوها » أي : احبسوها .

« على أنفسكم » .

٦

الخطبة ( ٤٠ ) و من كلام له عليه السّلام في الخوارج لما سمع قولهم : « لا حكم إلاّ للّه » قال عليه السّلام :

كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا اَلْبَاطِلُ نَعَمْ إِنَّهُ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لَكِنَّ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ لاَ إِمْرَةَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ إِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٣ ٤٠٤ .

٣٩٦

اَلْمُؤْمِنُ وَ يَسْتَمْتِعُ فِيهَا اَلْكَافِرُ وَ يُبَلِّغُ اَللَّهُ فِيهَا اَلْأَجَلَ وَ يُجْمَعُ بِهِ اَلْفَيْ‏ءُ وَ يُقَاتَلُ بِهِ اَلْعَدُوُّ وَ تَأْمَنُ بِهِ اَلسُّبُلُ وَ يُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ اَلْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ ع لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اَللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ وَ قَالَ أَمَّا اَلْإِمْرَةُ اَلْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا اَلتَّقِيُّ وَ أَمَّا اَلْإِمْرَةُ اَلْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا اَلشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَ تُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ و الحكمة ( ١٩٨ ) و قال عليه السّلام لمّا سمع قول الخوارج :

كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ و الحكمة ( ٣٣٢ ) و قال ع : اَلسُّلْطَانُ وَزَعَةُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ أقول : العنوان الثاني جزء من العنوان الأول ، فهو من تكرار غفل عنه المصنف .

ثمّ في العنوان الأول روايات ، إحداها ما في ( أنساب البلاذري ) عن روح بن عبد المؤمن ، عن ابي الوليد الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق عن عاصم : إنّ حرورية على عهد عليّ عليه السّلام قالوا : « لا حكم إلاّ للّه » فقال عليّ : « إنّه كذلك ، و لكنهم يقولون : لا إمرة . و لا بد للناس من أمير ، برّ أو فاجر ، يعمل في إمرته المؤمن ، و يستمتع الكافر ، و يبلغ الكتاب أجله » .

و روى ايضا عن عبد اللّه بن صالح ، عن يحيى بن آدم ، عن رجل ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : بعث عليّ عليه السّلام عبد اللّه بن عباس إلى الحرورية إلى أن

٣٩٧

قال ثم خرجوا فتوافوا بالنهروان ، و أقبلوا يحكمون ، فقال علي عليه السّلام : « إنّ هؤلاء يقولون : لا إمرة . و لا بد من أمير يعمل في إمرته المؤمن ، و يستمتع الفاجر ، و يبلغ الكتاب الأجل ، و إنّها لكلمة حق يعتزون بها الباطل ، فإن تكلّموا حججناهم ، و إن سكتوا غممناهم » .

و روى عن بكر بن الهيثم عن أبي الحكم العبدي عن معمر عن الزهري في خبر : فاذا صلّى علي عليه السّلام و خطب حكموا ، فيقول عليّ عليه السّلام : كلمة حق يعتزون بها باطل .

و روى عن عباس بن هشام ، عن أبيه ، عن أبي مخنف ، عن ابن أبي جرة الحنفي : أنّ عليّا عليه السّلام خرج ذات يوم فخطب ، فإنّه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال عليّ عليه السّلام : كلمة حق يعزى بها أو قال : يراد بها باطل نعم إنّه لا حكم إلاّ للّه ، و لكنّهم يقولون : إنّه لا إمرة . و لا بدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن ، و يستمتع الفاجر ، فإن سكتوا تركناهم أو قال :

عذرناهم و إن تكلّموا حججناهم ، و إن خرجوا علينا قاتلناهم .

قول المصنف في الأوّل « و من كلام له عليه السّلام في الخوارج » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ) ٣ : « في معنى الخوارج » .

« لما سمع قولهم : لا حكم إلاّ للّه » في ( كامل المبرد ) ٤ : قيل : إنّ أول من حكم من الخوارج عروة بن أدية : و قيل : بل سعيد ، رجل من بني محارب بن خصفة بن قيس عيلان . و قيل : بل الحجاج بن عبد اللّه المعروف بالبرك ، و هو

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٠١ .

( ٤ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٥٩ ١٦٠ .

٣٩٨

الذي ضرب معاوية على أليته . و أول من حكم بين الصفّين رجل من بني يشكر ، قتل رجلا من أصحابه عليه السّلام غيلة ، ثم مرق بين الصفين و حكم ، و حمل على أهل الشام ، فكثروه فرجع ، و حمل على أصحابه عليه السّلام ، فخرج إليه رجل من همدان فقتله ، فقال شاعر همدان :

و ما كان أغنى اليشكري عن التي

تصلى بها جمرا من النار حاميا

« قال عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و ليس في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) كلمة : « عليه السّلام » ، و في ( ابن ميثم ) : « فقال » .

و كيف كان فكلمة : « قال » أو « فقال » زائدة بعد قوله : « و من كلام له عليه السّلام » .

قوله عليه السّلام في العنوانين : « كلمة حق » أي : قولهم « لا حكم إلاّ للّه » ، ورد في القرآن كرارا ، قال تعالى : . . . إن الحكم الاّ للّه أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه . . . ٤ . . . إن الحكم إلاّ للّه عليه توكلت . . . ٥ . . . إن الحكم إلاّ للّه يقص الحق و هو خير الفاصلين ٦ .

« يراد بها الباطل » هكذا في ( المصرية ) في الأول ، و الصواب : ( باطل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ، و كما في الثاني ، و لأنّ المراد ( باطل ) مخصوص كالحق و لأنّ مستنده بلفظ ( باطل ) ، فروى الطبري ٧ أنّه عليه السّلام خرج ذات يوم يخطب إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال عليّ عليه السّلام : اللّه

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٠١ .

( ٤ ) يوسف : ٤٠ .

( ٥ ) يوسف : ٦٧ .

( ٦ ) الأنعام : ٥٧ .

( ٧ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٢ .

٣٩٩

أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل ، إن سكتوا عممناهم ، و إن تكلّموا حججناهم ، و ان خرجوا علينا قاتلناهم . فوثب يزيد بن عاصم المحاربي ، و قال : اللّهم إنّا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا إلى أن قال ثم خرج هو و إخوة له ثلاثة ،

فاصيبوا مع الخوارج بالنهر ، و اصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة .

و روى الخطيب ١ في أبي قتادة الأنصاري عنه : أنّه لما فرغنا من قتال أهل النهروان قفلت ، و معي ستون أو سبعون من الأنصار ، فبدأت بعايشة فقالت : قصّ عليّ القصة . فقلت : تفرّقت المحكمة و هم نحو من اثني عشر الفا ينادون : لا حكم إلاّ للّه ، فقال عليّ عليه السّلام : كلمة حق يراد بها باطل إلى أن قال فقالت عايشة : ما يمنعني ما بيني و بين عليّ أن أقول الحق : سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « تفترق امّتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة محلّقة رؤوسهم ، محفّون شواربهم ، ازرهم إلى أنصاف سوقهم ، يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ،

يقتلهم أحبّهم إليّ و أحبهم إلى اللّه تعالى » . فقلت لعايشة : فأنت تعلمين هذا ، فلم الذي كان منك ؟ قالت : يا أبا قتادة ، كان أمر اللّه قدرا مقدروا ، و للقدر أسباب.

و روى في عبيد اللّه بن أبي رافع عنه : أنّ الحرورية لمّا خرجت فقالت : « لا حكم إلاّ للّه » قال عليّ عليه السّلام : كلمة حق يراد بها باطل ، إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وصف لي ناسا ، إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا و أشار إلى حلقه و هم من أبغض خلق اللّه إليه و فيهم أسود إحدى يديه كأنّها طبي شاة أو حلمة ثدي . فلما قتلهم قال : انظروا . فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال :

ارجعوا فو اللّه ما كذبت و لا كذبت مرتين أو ثلاثا . فوجدوه في خربة .

ثمّ إنّ المصنف إنّما قال : « إنّه عليه السّلام قال قوله : ( كلمة حقّ يراد بها باطل ) لمّا سمع قول الخوارج : ( لا حكم إلاّ للّه ) » مع أنّه لم ينحصر به ، فقاله عليه السّلام لما دعا

ــــــــــــ

( ١ ) الخطيب ١ : ١٥٩ ١٦٠ .

٤٠٠