الخصال

الخصال0%

الخصال مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 653

الخصال

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
تصنيف: الصفحات: 653
المشاهدات: 617454
تحميل: 5042


توضيحات:

الخصال المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 617454 / تحميل: 5042
الحجم الحجم الحجم
الخصال

الخصال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عبدالله العمري قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: خلقت الارض لسبعة بهم يرزقون وبهم يمطرون وبهم ينصرون: أبوذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبدالله بن مسعود، قال علي عليه السلام: وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة عليها السلام.

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله « خلقت الارض لسبعة نفر » ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها وإنما يعني بذلك أن الفائدة في الارض قدرت في ذلك الوقت لمن شهد الصلاة على فاطمة عليها السلام وهذا خلق تقدير لا خلق تكوين.

للنار سبعة أبواب

٥١ - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني محمد بن عبدالله قال: حدثني علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن الفضيل الرزقي، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: للنار سبعة أبواب: باب يدخل منه فرعون وهامان و قارون، وباب يدخل منه المشركون والكفار ممن لم يؤمن بالله طرفة عين، وباب يدخل منه بنو أمية هو لهم خاصة، لا يزاحمهم فيه أحد، وهو باب لظى، وهو باب سقر، وهو باب الهاوية تهوى بهم سبعين خريفا وكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا ثم تهوي بهم كذلك سبعين خريقا، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين، وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وأنه لاعظم الابواب وأشدها حرا. قال محمد بن الفضيل الرزقي: فقلت لابي عبدالله عليه السلام: الباب الذي ذكرت عن أبيك عن جدك عليهما السلام أنه يدخل منه بنو امية يدخله من مات منهم على الشرك أو من أدرك منهم الاسلام؟ فقال: لا أم لك، ألم تسمعه يقول: وباب يدخل منه المشركون والكفار فهذا الباب يدخل فيه كل مشرك وكل كافر لا يؤمن بيوم الحساب وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو امية لانه هو لابي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حطما لا تسمع لهم فيها واعية، ولا يحيون فيها

٣٦١

ولا يموتون(١) .

يحاج على عليه السلام الناس يوم القيامة بسبع خصال

٥٢ - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثنا عبد الرحمن بن الاسود،(٢) عن محمد بن عبدالله بن عبد الرحمن بن معمر، عن عمار بن ياسر، وعن جابر بن عبدالله قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: احاجك يوم القيامة فاحاجك بالنبوة وتحاج قومك فتحاجهم بسبع خصال: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل في الرعية والقسم بالسوية والاخذ بأمر الله عزّوجلّ، أما علمت يا علي أن إبراهيم عليه السلام موافينا يوم القيامة فيدعى فيقام عن يمين العرش فيكسى كسوة الجنة، ويحلى من حليها، ويسيل له ميزاب من ذهب من الجنة فيهب من الجنة ما هو أحلى من الشهد وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج، وادعى أنا فاقام عن شمال العرش فيفعل بي مثل ذلك، ثم تدعى أنت يا علي فيفعل بك مثل ذلك، أما ترضى يا علي أن تدعى إذا دعيت أنا وتكسى إذا كسيت أنا وتحلى إذا حليت أنا، إن الله عز ذكره أمرني أن ادنيك فلا اقصيك، واعلمك فلا أجفوك، وحقا عليك أن تعي وحقا علي أن اطيع ربي تبارك وتعالى.

٥٣ - حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا حمزة بن القاسم

______________

(١) قال العلامة المجلسي - رحمه الله -: الخبر يحتمل وجوها: الاول أنه عليه السلام لم يعد جميع الابواب بل عد أربعة هي معظمها واللظى وسقر والهاوية كلها أسماء باب بنى امية، والثاني أن يكون قوله: وهو باب لظى الضمير فيه راجعا إلى جنس الباب، والمعنى: من الابواب باب لظى فيكون غير باب بنى امية فيتم السبعة. الثالث أن تكون تلك الابواب أيضا لبنى امية، الرابع أن ينقسم باب بنى امية إلى تلك الابواب، ولم يذكر الباب السابع لسائر الناس لظهوره. الخامس أن تكون الثلاثة أسماء للابواب الثلاثة المتقدمة على اللف والنشر.

(٢) هو عبد الرحمن بن الاسود أبوعمر اليشكرى الكوفى وأما رواية تيمم فلم أجده وكذا شيخه محمد بن عبدالله.

٣٦٢

العلوي العباسي قال: حدثنا جعفر بن مالك الكوفي قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا عبدالله بن عبد القدوس قال: حدثنا الاعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية بن ربعي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: احاج الناس يوم القيامة بسبع إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والامر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والقسم بالسوية والعدل في الرعية، وإقام الحدود.

٥٤ - حدثنا الحسن بن محمد السكوني المزكي(١) الكوفي بالكوفة قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: حدثنا خلف بن خالد العبدي قال: حدثنا بشر بن إبراهيم الانصاري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: اخاصمك بالنبوة ولا نبي بعدي، وتخاصم الناس بسبع ولا يحاجك فيهن أحد من قريش لانك أنت أولهم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم في القضية، وأعظمهم عند الله مزية.

الاخوات من أهل الجنة سبع

٥٥ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: رحم الله الاخوات من أهل الجنة فسماهن: أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة، وخمس من بني هلال: ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلّى الله عليه واله، وام الفضل عند العباس اسمها هند، والغميصاء ام خالد بن الوليد، وعزة كانت في ثقيف الحجاج بن غلاظ، وحميدة ولم يكن لها عقب.

الكبائر سبع

٥٦ - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا

______________

(١) تقدم الكلام فيه.

٣٦٣

القطان قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني محمد بن عبدالله قال: حدثني علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الكبائر سبع فينا نزلت ومنا استحلت، فأولها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف وأنكار حقنا، وأما الشرك بالله فقد أنزل الله فينا ما أنزل وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله فينا ما قال، فكذبوا الله وكذبوا رسوله فأشركوا بالله عزّوجلّ، وأما قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن على عليهما السلام وأصحابه، وأما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا فأعطوه غيرنا، وأما عقوق الوالدين فقد أنزل الله عزّوجلّ في كتابه( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) فعقوا رسول الله صلّى الله عليه واله في ذريته وعقوا امهم خديجة في ذريتها، وأما قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمه عليها السلام على منابرهم(١) وأما الفرار من الزحف فقد اعطوا أميرالمؤمنين عليه السلام بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه، وأما إنكار حقنا فهذا مما لا يتنازعون فيه

٥٧ - حدثنا أبونصر محمد بن الحسين بن الحسن الديلمي الجوهري قال: حدثنا محمد بن يعقوب الاصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا عبدالله بن وهب قال: أخبرنا سليمان بن بلال، عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث(٢) ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه واله قال: اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يارسول الله وماهن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.

امتحان الله عزّوجلّ أوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن وبعد

وفاتهم في سبعة مواطن

٥٨ - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبدالله

______________

(١) لعل المراد بالقذف تكذيبها في قصة فدك أو نفيهم السبطين عليهما السلام عن أن يكونا بمنزلة ابني رسول الله صلّى الله عليه وآله.

(٢) هو سالم المدنى مولى ابن مطيع ثقة.

٣٦٤

قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال: حدثني جعفر بن محمد النوفلي، عن يعقوب بن يزيد قال: قال أبوعبدالله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثنا يعقوب بن عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عبيدة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن محمد بن - الحنفية رضي الله عنه، وعمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب عليه السلام عند منصرفه عن وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أميرالمؤمنين إني اريد أن أسالك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال: سل عما بدالك يا أخا اليهود؟ قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عزّوجلّ إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر امته من بعده وأن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذي عليه ويعمل به في امته من بعده وأن الله عزّوجلّ يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم فأخبرني كم يمتحن الله الاوصياء في حياة الانبياء؟ وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمر الاوصياء إذا رضي محنتهم؟.

فقال له علي عليه السلام: والله الذي لا إله غيره، الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟ قال: نعم قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم، فقال له علي عليه السلام: إن الله عزّوجلّ يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الانبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم ويصير طاعة الاوصياء في أعناق الامم ممن يقول بطاعة الانبياء، ثم يمتحن الاوصياء بعد وفاة الانبياء عليهم السلام في سبعة مواطن ليبلو صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالانبياء، وقد أكمل لهم السعادة.

قال له رأس اليهود: صدقت يا أميرالمؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ وإلى ما يصير أخر أمرك؟ فأخذ علي عليه السلام

٣٦٥

بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أميرالمؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم، قالوا: ولم ذاك يا أميرالمؤمنين؟ قال: لامور بدت لي من كثير منكم، فقام إليه الاشتر فقال: يا أميرالمؤمنين أنبئنا بذلك، فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الارض وصي نبي سواك، وإنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا صلّى الله عليه وآله نبيا سواه وأن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا، فجلس علي عليه السلام وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله عزّوجلّ امتحنني في حياء نبينا محمد صلّى الله عليه واله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - بنعمة الله له مطيعا قال: وفيم وفيم يا أميرالمؤمنين؟ قال أما أولهن فإن الله عزّوجلّ أوحى إلى نبينا صلّى الله عليه واله وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته وأسعى في قضاء بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه وهجروه، ونابذوه(١) واعتزلوه واجتنبوه وسائر الناس مقصين له ومخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم وتدركه عقولهم، فأجبت رسول الله صلّى الله عليه وآله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج وما على وجه الارض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله صلّى الله عليه واله بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد رحمها الله(٢) وقد فعل ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين فقال عليه السلام:

وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الاراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلّى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار - دار الندوة - وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف(٣) ، فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلّى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد

______________

(١) نابذه: خالفه وفارقه عن عداوة.

(٢) يعنى به خديجة سلام الله عليها.

(٣) يعني مغيرة بن شعبة الثقفي.

٣٦٦

فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل عيله السلام على النبي صلّى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اقتل دونه، فمضى عليه السلام لوجهه واضطجعت في مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلّى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس، ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة(١) كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله صلّى الله عليه وآله مع صاحبي - رضي الله عنهما - وقد فعل وأنا أحدث أصحابي سنا وأقلهم للحرب تجربة، فقتل الله عزّوجلّ بيدي وليدا وشيبة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش(٢) في ذلك اليوم، وسوى من أسرت، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي واستشهد ابن عمي في ذلك رحمة الله عليه، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال علي عليه السلام:

وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم(٣) قد استحاشوا من يليهم من قبايل العرب وقريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر،

______________

(١) المراد شيبة وعتبة ابنا ربيعة، ووليد بن عتبة.

(٢) الجحاجحة جمع جحجاح: السيد الكريم، والهاء فيه لتأكيد الجمع (النهاية)

(٣) قال الجزرى في الحديث « جاءت هوازن على بكرة أبيها » هذه الكلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد، وانهم جاؤوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة حقيقة وهى التى يستقى عليها الماء فاستعيرت في هذا الموضع. وفى القاموس: حاش الصيد: جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة كأحاشه وأحوشه، والابل: جمعها وساقها، والتحويش التجميع، وحاوشته عليه: حرضته.

٣٦٧

فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وآله فأنبأه بذلك، فذهب النبي صلّى الله عليه وآله وعسكر بأصحابه في سد أحد، وأقبل المشركون إلينا فحملوا إلينا حملة رجل واحد، واستشهد من المسلمين من استشهد، وكان ممن بقي من الهزيمة، وبقيت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ومضى المهاجرون والانصار إلى منازلهم من المدينة كل يقول: قتل النبي صلّى الله عليه وآله وقتل أصحابه ثم ضرب الله عزّوجلّ وجوه المشركين وقد جرحت بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله نيفا وسبعين جرحة منها هذه وهذه - ثم ألقى عليه السلام رداءه وأمر يده على جراحاته - وكان مني في ذلك ما على الله عزّوجلّ ثوابه إن شاء الله، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا والعرب تجمعت وعقدت بينها عقدا وميثاقا لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة، واثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وآله فأنبأه بذلك فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والانصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف ترعد وتبرق(١) ورسول الله صلّى الله عليه وآله يدعوها إلى الله عزّوجلّ ويناشدها بالقرابة والرحم فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتوا، وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود، يهدر كالبعير المغتلم(٢) يدعو إلى البراز ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة(٣) لا يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، ولا حمية تهيجه ولا بصيرة تشجعه، فأنهضني إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وعممني بيده وأعطاني سيفه هذا، و ضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبدود، فقتله الله عزّوجلّ بيدي، والعرب لا تعدلها فارسا غيره، وضربني هذه الضربة

______________

(١) في النهاية: يقال: رعد وبرق وأرعد وأبرق: إذا توعد وتهدد.

(٢) الهدير: ترديد صوت البعير في حنجرته. واغتلم البعير: هاج من شهوة الضراب.

(٣) خطر الرجل بسيفه ورمحه يخطر - بالكسر -: رفعه مرة ووضعه اخرى.

٣٦٨

- وأومأ بيده إلى هامته - فهزم الله قريشا والعرب بذلك وبما كان مني فيهم من النكاية، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار وأكثر عدد، كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق، ودعيت إلى النزال وأهمت كل امرئ نفسه. والتفت بعض أصحابي إلي بعض وكل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى دارهم فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلا طحنته ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها حتى أفتتحها وحدي، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول لله صلّى الله عليه وآله لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عزّوجلّ آخرا كما دعاهم أولا فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه وينذرهم عذاب الله ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكة قأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي صلّى الله عليه وآله وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ويبدى لي البغضاء، ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم، ثم

٣٦٩

التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيه ربي عزّوجلّ مع نبيه صلّى الله عليه وآله فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، ليس لاحد فيها مثل الذي لي ولو شئت لوصفت ذلك ولكن الله عزّوجلّ نهى عن التزكية.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين: صدقت والله ولقد أعطاك الله عزّوجلّ الفضيلة بالقرابة من نبينا صلّى الله عيله وآله وسلم، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والاهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لاحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا صلّى الله عيله وآله ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أميرالمؤمنين ما امتحنك الله عزّوجلّ به بعد نبينا صلّى الله عليه وآله فاحتملته وصبرت، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود إن الله عزّوجلّ امتحنني بعد وفاة نبيه صلّى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - منه ونعمته صبورا.

واما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه(١) أو أتقرب به غير رسول الله صلّى الله علية وآله، هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب. وعال لي النفس والولد والاهل(٢) هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق(٣) عند الله عزّوجلّ فنزل بي من وفاة رسول - الله صلّى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به(٤) فرأيت الناس من

______________

(١) استنام إليه: سكن.

(٢) عال يعيل عيله إذا افتقر. وفى بعض النسخ « عالنى » وعاله الشئ اعوزه وأعجزه.

(٣) في البحار « معالى الحظوة » وهى بالضم والكسر: المكانة والمنزلة.

(٤) العنوة: القهر.

٣٧٠

أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوي على حمل فادح ما نزل به(١) قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والاسماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، و بين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرنى به من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، و وضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة(٢) ولا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عزّوجلّ ولرسوله صلّى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام:

وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله أمرني في حياته على جميع امته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لامري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والامير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الامر في حياة النبي صلّى الله عليه وآله ولا بعد وفاته، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع اسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحدا من أفناء العرب(٣) ولا من الاوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والانصار والمسلمين وغيرهم

______________

(١) الفادح: الثقيل.

(٢) « بادر دمعة » أي الدمعة التى تبدر بغير اختيار. والزفرة - بالفتح ويضم -: النفس الطويل. ولذع الحب قلبه: آلمه. والنار الشئ: لفحته.

(٣) أفناء الناس هم الذين لم يعلم ممن هم. والواحدة: فنو. وفى بعض النسخ « أبناء العرب ».

٣٧١

والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر امته أن يمضي جيش اسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الايعاز(١) وأكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلّى الله عليه وآله إلا برجال من بعث اسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله فيما أنهضهم له و أمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عزّوجلّ لي ولرسوله صلّى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لانفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لاحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم(٢) من بيعتى، فعلو ذلك وأنا برسول الله صلّى الله عليه وآله مشغول وبتجهيزه عن سائر الاشياء مصدود فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذالك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي صلّى الله عليه وآله كان يلقاني معتذرا في كل أيامه ويلوم غيره(٣) ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي وسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيامه، ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لى عفوا(٤) هنيئا من غير أن أحدث في الاسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة

______________

(١) أوعز إليه في كذا: تقدم.

(٢) استقاله البيعة طلب منه أن يحلها.

(٣) في بعض النسخ « ويلزم غيره » أي كان يقول: لم يكن هذا منى بل كان من غيرى.

(٤) العفو: السهل المتيسر.

٣٧٢

لعل فلانا يقول فيها: نعم وفلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الاسلام يأتوني عودا وبدءا(١) وعلانية وسرا فيدعوني إلى أخذ حقي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلى بذلك بيعتى في أعناقهم، فأقول رويدا وصبرا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة ولا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله، وطمع في الامر بعده من ليس له بأهل، فقال كل قوم: منا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الامر، فلما دنت وفاة القائم(٢) وانقضت أيامه صير الامر بعده لصاحبه، فكانت هذه اخت اختها، ومحلها مني مثل محلها وأخذا مني ما جعله الله لي، فاجتمع إلى من أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله ممن مضى وممن بقي ممن أخره الله(٣) من اجتمع فقالوا لى فيها مثل الذي قالوا في اختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الاول صبرا واحتسابا ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله صلّى الله عليه وآله باللين مرة وبالشدة اخرى، وبالنذر مرة(٤) وبالسيف اخرى حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار(٥) والشبع والري، واللباس والوطاء والدثار(٦) و نحن أهل بيت محمد صلّى الله عليه وآله لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد، وما أشبهها ولا وطاء لنا ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي

______________

(١) يقال: رجع عودا على بدء أي لم يتم ذهابه حتى وصله برجوعه.

(٢) أي القائم بعد الرسول صلّى الله عليه وآله يعنى أبا بكر.

(٣) في البحار وبعض النسخ « من مضى رحمه الله ومن بقى ممن أخره الله ».

(٤) في بعض النسخ والبحار « بالبذل مرة ».

(٥) كذا ولعل المراد الاخذ والجر. ويحتمل أن يكون تصحيف الكزم والقزم - بالمعجمتين - كما قاله العلامة المجلسي، والكزم بالتحريك -: شدة الاكل، والقزم: اللوم والشح.

(٦) الوطاء خلاف الغطاء أي ما تفترشه، والدثار: الثوب الذى يستدفأ به من فوق الشعار، وما يتغطى به النائم.

٣٧٣

الليالي والايام عامتنا، وربما أتانا الشئ مما أفاءه الله علينا وصيره لنا خاصة دون غيرنا ونحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول الله صلّى الله عليه وآله أرباب النعم والاموال تألفا منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التى ألفها رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يحملها على الخطة التي(١) لاخلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لاني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منى وفي أمري على إحدى منزلتين إما متبع مقاتل، وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وإما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم الله أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحل به في مخالفتي والامساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضى بما أحب أزيد لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم( وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ) و لو لم أتق هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عددا وأعز عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها، وقد قبض محمد صلّى الله عليه وآله وإن ولاية الامة في يده وفي بيته، لا في يد الاولى تناولوها(٢) ولا في بيوتهم، ولاهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالامر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالو: بلى يا أميرالمؤمنين فقال عليه السلام:

وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الامور فيصدرها عن أمري ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا ولا يعلمه أصحابي يناظره(٣) في ذلك غيري، ولا يطمع في الامر بعده سواي، فلما (أن) أتته

______________

(١) الخطة الامر المشكل الذى لا يهتدى إليه.

(٢) أولاء واولى: اسم موصول. يعنى يد الذين تناولوها كما في الاختصار للمفيد (ره)

(٣) في بعض النسخ المخطوطة من البحار « لا يناظره ».

٣٧٤

منيته على فجأة بلا مرض كان قبله ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي(١) في عافية بالمنزلة التى كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت التمسها وإن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت، وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم، ولم يستوني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول ولا قرابة ولا صهر ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي ولا أثر من آثارى، وصيرها شورى بيننا وصير ابنه فيها حاكما علينا وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الامر فيهم إن لم ينفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا - يا أخا اليهود - صبرا فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي وأيامهم وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم وذكرتهم عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله إليهم وتأكيد ما أكده من البيعة لى في أعناقهم، دعاهم حب الامارة وبسط الايدي والالسن في الامر والنهي والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطا أن اصيرها له بعدي فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله عزّوجلّ ووصية الرسول وإعطاء كل امرئ منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له(٢) أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستوبه (؟) وبواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم لاببدر(٣) التى هي سنام فخرهم ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله ومن اختصه معه من أهل بيته عليه السلام ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم ونكصوا على أعقابهم وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الايام بالمستبد بالامر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب

______________

(١) قال العلامة المجلسي (ره): أمثال هذا الكلام انما صدر عنه عليه السلام بناء على ظاهر الامر، مع قطع النظر عما كان يعلمه باخبار الله ورسوله من استيلاء هؤلاء الاشقياء، وحاصل الكلام أن حق المقام كان يقتضى أن لا يشك في ذلك كما قيل في قوله تعالى « لا ريب فيه ».

(٢) زاد هنا في الاختصاص « شد من القوم مستبد فأزالها عفى - الخ »

(٣) يعنى غزوة بدر.

٣٧٥

رسول الله صلّى الله عليه وآله عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من اختها وأفظع(١) وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه ولا يحد وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها، ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عزّوجلّ على حقي، فوالله - يا أخا اليهود - ما منعني منا إلا الذي منعني من اختيها قبلها، ورأيت الابقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى، ولقد كنت عاهدت الله عزّوجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عزّوجلّ ولرسوله، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عزّوجلّ فأنزل الله فينا( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) (٢) حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله والمنتظر - يا أخ االيهود - وما بدلت تبديلا، وما سكتني عن ابن عفان وحثني على الامساك عنه إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الاباعد إلى قتله وخلعه فضلا عن الاقارب وأنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من « لا »، ولا « نعم » ثم أتاني القوم وأنا - علم الله - كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقال الامول والمرح في الارض وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي وشديد عادة منتزعة(٣) فلما لم يجدوا عندي تعللوا الاعاليل، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟

______________

(١) في بعض النسخ « أقطع ».

(٢) الاحزاب: ٢٣. وزاد في الاختصاص « فمن قضى نحبه حمزة - الخ ».

(٣) كذا في النسخ. ولعل قوله: « عادة » مبتدء و « شديد » خبره، أي انتزاع العادة وسلبها شديد.

٣٧٦

فقالوا: بلى يا أميرالمؤمنين فقال عليه السلام:

وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني(١) وثبوا بالمرأة علي وأنا ولي أمرها، والوصي عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي(٢) وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الاولى في حياة النبي صلّى الله عليه وآله حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم عازبة آراؤهم، وهم جيران بدو ووراد بحر، فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالاعذار والانذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عزّوجلّ في، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منه فكانت عليهم الدبرة،(٣) وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الاغضاء والامساك ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بامساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الاطراف، وسفك الدماء

______________

(١) يعنى تلك الاماني والاطماع التي لهم في دولة الباطل من اعتقال الاموال و المرح في أرض الله. ويعنى بالمرأة عائشة ام المؤمنين.

(٢) خبط البعير الارض بيده خبطا: ضربها، ومنه قيل: خبط عشواء، وهى الناقة التى في بصرها ضعف إذا مشت لا تتوقى شيئا. وخبطه: ضربه شديدا. والقوم بسيفه: جلدهم. والشجر: شدها ثم نفض ورقها. والفيافي جمع الفيفى والفيفاء والفيفاة. وهى المفازة لا ماء فيها، والمكان المستوى.

(٣) الدبرة - بالتحريك - الادبار والهزيمة.

٣٧٧

وقتل الرعية وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال، كعادة بنى الاصفر(١) ومن مضى من ملوك سبأ والامم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أولا وآخرا، وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم أهجم على الامر إلا بعدما قدمت وأخرت، وتأنيت وراجعت، وأرسلت وسافرت، وأعذرت وأنذرت وأعطيت القوم كل شئ يلتمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شئ لم يلتمسوه، فلما أبوا إلا تلك، أقدمت عليها، فبلغ الله بي وبهم ما أراد، وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين، فقال عليه السلام:

وأما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم [ الحكمين ] ومحاربة ابن آكلة الاكباد وهو طليق معاند لله عزّوجلّ ولرسوله والمؤمنين منذ بعث الله محمدا إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فاخذت بيعته وبيعة أبيه لى معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالامس(٢) أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلى، ويجدد لي بيعته كلما أتاني، وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقى وأقر في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطعمه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيئ دون قسمه درهما، وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقيل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناواه، ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والانباء تأتيني والاخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف(٣) فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لاداريه بما اوليه منها وفي الذي أشار به الرأي

______________

(١) يعنى أهل الروم لان أباهم أصفر اللون.

(٢) المراد أبوسفيان في اول خلافة أبى بكر.

(٣) يعنى مغيرة بن شعبة الثقفي.

٣٧٨

في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عزّوجلّ في توليته لي مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت الرأي(١) في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عزّوجلّ و لرسوله صلّى الله عليه وآله ولي وللمؤمنين فان رأيه في ابن آكلة الاكباد كرأيي، ينهاني عن توليته ويحذرني أن ادخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة وأخا الاشعريين مرة(٢) كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما أرضاه، فلما لم أراه [ أن ] يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله البدريين والذين ارتضى الله عزّوجلّ أمرهم ورضي عنهم بعد بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه و محاربته ومنعه مما نالت يده، وإني نهضت إليه بأصحابى، أنفذ إليه من كل موضع كتبي وأوجه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه، والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الاماني ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عزّوجلّ ورسوله ولا المسلمون، ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله أبرارا، فيهم عمار بن ياسر، وأين مثل عمار؟ والله لقد رأيتنا مع النبي صلّى الله عليه وآله وما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم، ولا أربعة إلا كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان، ولعمر والله ما ألب على عثمان(٣) ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن، فلما لم اجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا(٤) فاتبعوه، وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم

______________

(١) في بعض النسخ « قأعملت الرأى ». وفى الاختصاص « فما عملت الرأى ».

(٢) يعنى بالاول جرير بن عبدالله البجلى وبالثانى زياد بن النضر أو أبا موسى الاشعري ظاهرا ولم أعثر مهما تتبعت الكتب على ارسال أحدهما إلى معاوية ولعله سهو من الراوى. وفى بعض النسخ « واخا الاشعريين اخرى ».

(٣) ألب بالتحفيف - تجمع وتحشد. ألب بينهم أفسد.

(٤) موه عليه الامر أو الخبر: زوره عليه وزخرفه ولبسه.

٣٧٩

وحاكمناهم إلى الله عزّوجلّ بعد الاعذار والانذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودناه من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله صلّى الله عليه وآله بأيدينا، لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التى لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته، لا يدري كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها علي الاعلام والدعاء إلى ما فيها وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وتقيا(١) وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره، فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب ومن بقي من أصحابي بعد فناء أخيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم وظنوا أن ابن آكلة الاكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت حى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بان عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته. فجهدت - علم الله جهدي - ولم أدع غلة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني ورأيى فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومأ بيده إلى الاشتر - وعصبة من أهل بيتي، فوالله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان - وأومأ بيده إلى الحسن والحسين عليه السلام - فينقطع نسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا - وأومأ بيده إلى عبدالله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما - فإني أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرع على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عزّوجلّ فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الامور وتخيروا الاحكام والآراء وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن، وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في

______________

(١) في البحار « وبقيا ». وفي الاختصاص « أهل بصيرة ورحمة ومعنى ».

٣٨٠