الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق0%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
تصنيف:

الصفحات: 780
المشاهدات: 362952
تحميل: 6447

توضيحات:

الأمالي شيخ الصدوق
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 362952 / تحميل: 6447
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

يا مصطفي محمّد وناصره، صل على محمّد وآل محمّد، واغفر لي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين. ثم تقول مائة مرة: أتوب إلى الله.

وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة وصلاة العيد كما تكبر أيام التشريق، تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا. ولا تقل فيه: ورزقنا من بهيمة الانعام، فإن ذلك إنما هو في أيام التشريق(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطيبين الطاهرين

______________

(١) الهداية: ٥٢، بحار الانوار ٩١: ١٢٧/٢٤.

١٦١

[ ٢٢ ]

المجلس الثاني والعشرون

وهو يوم العيد

غرة شهر شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٦١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح ابن عقبة، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله جل جلاله: عبادي كلكم ضال إلا من هديته، وكلكم فقير إلا من أغنيته، وكلكم مذنب إلا من عصمته(١) .

١٦٢/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان ابن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن علقمة، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فادعى عليه سبعين درهما ثمن ناقة، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أعرابي، ألم تستوف مني ذلك؟ فقال: لا. فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إني قد أوفيتك. قال الاعرابي: قد رضيت برجل يحكم بيني وبينك.

______________

(١) بحار الانوار ٥: ١٩٨/١٦.

١٦٢

فقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم معه، فتحاكما إلى رجل من قريش. فقال الرجل للاعرابي: ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه. فقال: ما تقول يا رسول الله؟ فقال: قد أوفيته. فقال القرشي: قد أقررت له يا رسول الله بحقه، فإما أن تقيم شاهدين يشهدان بأنك قد أوفيته، وإما أن توفيه السبعين التي يدعيها عليك.

فقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مغضبا يجر رداءه، وقال: والله لاقصدن من يحكم بيننا بحكم الله تعالى ذكره، فتحاكم معه إلى أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال للاعرابي: ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه. فقال: ما تقول يا رسول الله. قال: قد أوفيته. فقال يا أعرابي، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: قد أوفيتك، فهل صدق؟ قال: لا، ما أوفاني. فأخرج أميرالمؤمنين عليه السلام سيفه من غمده وضرب عنق الاعرابي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، لم قتلت الاعرابي؟ قال: لانه كذبك يا رسول الله، ومن كذبك فقد حل دمه ووجب قتله. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، والذي بعثني بالحق نبيا، ما أخطأت حكم الله تبارك وتعالى فيه، فلا تعد إلى مثلها(١) .

١٦٣/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان ابن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح، عن علقمة، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، وقد قلت له: يا بن رسول الله، أخبرني من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته. فقال: يا علقمة، كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته.

قال: فقلت له: تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال: يا علقمة، لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادات الانبياء والاوصياء (صلوات الله عليهم) لانهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه

______________

(١) بحار الانوار ٤٠: ٢٤١/١٨.

١٦٣

بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله عزّوجلّ داخل في ولاية الشيطان.

ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه، لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالدا فيها وبئس المصير.

قال علقمة: فقلت للصادق عليه السلام: يا بن رسول الله، إن الناس ينسبوننا إلى عظائم الامور، وقد ضاقت بذلك صدورنا. فقال عليه السلام: يا علقمة، إن رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، فكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام؟ ألم ينسبوا يوسف عليه السلام إلى أنه هم بالزنا؟ ألم ينسبوا أيوب عليه السلام إلى أنه ابتلى بذنوبه؟ ألم ينسبوا داود عليه السلام إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها؟ وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها؟ ألم ينسبوا موسى عليه السلام إلى أنه عنين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها؟ ألم ينسبوا جميع أنبياء الله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران عليهما السلام إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف؟

ألم ينسبوا نبينا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أنه شاعر مجنون؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء؟ حتى أظهره الله عزّوجلّ على القطيفة وبرأ نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم من الخيانة، وأنزل بذلك في كتابه:( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) ، ألم ينسبوه إلى أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ينطق عن الهوى في ابن عمه علي عليه السلام؟ حتى كذبهم الله عزّوجلّ، فقال سبحانه:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ

______________

(١) آل عمران ٣: ١٦١.

١٦٤

الْهَوَىٰ ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله: إنه رسول من الله إليهم؟ حتى أنزل الله عزّوجلّ عليه:( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) (٢) ، ولقد قال يوما: عرج بي البارحة إلى السماء. فقيل: والله ما فارق فراشه طول ليلته.

وما قالوا في الاوصياء عليهم السلام أكثر من ذلك، ألم ينسبوا سيد الاوصياء عليه السلام إلى أنه كان يطلب الدنيا والملك، وأنه كان يؤثر الفتنة على السكون، وأنه يسفك دماء المسلمين بغير حلها، وأنه لو كان فيه خير ما أمر خالد بن الوليد بضرب عنقه؟ ألم ينسبوه إلى أنه عليه السلام أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام، وأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شكاه على المنبر إلى المسلمين، فقال: إن عليا يريد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله، ألا إن فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن سرها فقد سرني، ومن غاظها فقد غاظني؟

ثم قال الصادق عليه السلام: يا علقمة، ما أعجب أقاويل الناس في علي عليه السلام! كم بين من يقول: إنه رب معبود، وبين من يقول: إنه عبد عاص للمعبود! ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية.

يا علقمة، ألم يقولوا لله عزّوجلّ: إنه ثالث ثلاثة؟ ألم يشبهوه بخلقه؟ ألم يقولوا: إنه الدهر؟ ألم يقولوا: إنه الفلك؟ ألم يقولوا: إنه جسم؟ ألم يقولوا: إنه صورة؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

يا علقمة، إن الالسنة التي تتناول ذات الله تعالى ذكره بما لا يليق بذاته كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه! فاستعينوا بالله واصبروا، إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، فإن بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام:( أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) ، فقال الله عزّوجلّ: قل لهم يا موسى:( عَسَىٰ

______________

(١) النجم ٥٣: ٣، ٤.

(٢) الانعام ٦: ٣٤.

١٦٥

رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (١) .

١٦٤/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن معقل القرميسيني، قال: حدّثنا جعفر الوراق، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الاشج، عن يحيى بن زيد بن علي، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم وصلى الفجر، ثم قال: معاشر الناس، أيكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا(٢) باللات والعزى ليقتلوني، وقد كذبوا ورب الكعبة. قال فأحجم الناس وما تكلم أحد، فقال: ما أحسب عليّ بن أبي طالب فيكم؟ فقام إليه عامر بن قتادة فقال: إنه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلي معك، أفتأذن لي أن أخبره؟ فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: شأنك، فمضى إليه فأخبره، فخرج أميرالمؤمنين علي عليه السلام كأنه أنشط من عقال(٣) ، وعليه إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله، ما هذا الخبر؟ قال: هذا رسول ربي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إلي لقتلي، وقد كذبوا ورب الكعبة. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، أنا لهم سرية وحدي، هو ذا ألبس علي ثيابي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بل هذه ثيابي، وهذه درعي، وهذا سيفي، فدرعه وعممه وقلده وأركبه فرسه.

وخرج أميرالمؤمنين عليه السلام، فمكث ثلاثة أيام، لا يأتيه جبرئيل بخبره، ولا خبر من الارض، فأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها، تقول: أوشك أن ييتم هذين الغلامين، فأسبل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عينه يبكي، ثم قال: معاشر الناس، من يأتيني بخبر علي ابشره بالجنة. وافترق الناس في الطلب لعظم ما رأوا بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي عليه السلام، وهبط جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره بما كان فيه، وأقبل أميرالمؤمنين

______________

(١) بحار الانوار ٧٠: ٢/٤، والآية من سورة الاعراف ٧: ١٢٩.

(٢) أي حلفوا.

(٣) أي حل وهو يقال للآخذ بسرعة في أي عمل كان.

١٦٦

علي عليه السلام ومعه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: تحب أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن؟ فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد أخذه المخاض، وهو الساعة يريد أن يحدثه! فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: بل تحدث أنت - يا أبا الحسن - لتكون شهيدا على القوم.

قال: نعم - يا رسول الله - لما صرت في الوادي، رأيت هؤلاء ركبانا على الاباعر، فنادوني: من أنت؟ فقلت: أنا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول الله. فقالوا: ما نعرف لله من رسول، سواء علينا وقعنا عليك أو على محمّد، وشد علي هذا المقتول، ودارت بيني وبينه ضربات، وهبت ريح حمراء سمعت صوتك فيها يا رسول الله وأنت تقول: قد قطعت لك جربان(١) درعه، فاضرب حبل عاتقه. فضربته فلم أحفه(٢) ، ثم هبت ريح صفراء، سمعت صوتك فيها يا رسول الله، وأنت تقول: قد قلبت لك الدرع عن فخذه، فاضرب فخذه. فضربته وكزته وقطعت رأسه ورميت به. وقال لي هذان الرجلان: بلغنا أن محمّدا رفيق شفيق رحيم، فاحملنا إليه ولا تعجل علينا، وصاحبنا كان يعد بألف فارس.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يا علي، أما الصوت الاول الذي صك مسامعك فصوت جبرئيل عليه السلام، وأما الآخر فصوت ميكائيل عليه السلام، قدم إلي أحد الرجلين. فقدمه، فقال: قل لا إله إلا الله، واشهد أني رسول الله، فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحب إلي من أن أقول هذه الكلمة. فقال: يا علي، أخره واضرب عنقه. ثم قال: قدم الآخر. فقال: قل لا إله إلا الله، واشهد أني رسول الله، فقال: ألحقني بصاحبي. قال: يا علي، أخره واضرب عنقه. فأخره، وقال أميرالمؤمنين عليه السلام ليضرب عنقه، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا محمّد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخي في قومه.

______________

(١) الجريان: جيب القميص.

(٢) الاحفاء: المبالغة في الاخذ.

١٦٧

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أمسك، فإن هذا رسول ربي عزّوجلّ يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه. فقال المشرك تحت السيف هذا رسول ربك يخبرك! قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) الخصال: ٩٤/٤١، بحار الانوار ٤١: ٧٣/٤.

١٦٨

[ ٢٣ ]

المجلس الثالث والعشرون

وهو يوم الاثنين

لليلتين خلتا من شوال سنة سبع وستين ثلاثمائة

١٦٥/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا علي ابن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن المغيرة بن توبة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: لما أشرف أميرالمؤمنين عليه السلام على المقابر، قال: يا أهل التربة، ويا أهل القربة، أما الدور فقد سكنت، وأما الازواج فقد نكحت، وأما الاموال فقد قسمت، فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم أن خير الزاد التقوى(١) .

١٦٦/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا بن آدم، أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل في خيرا، واعمل

______________

(١) كامل الزيارات: ٣٢٠/٧، بحار الانوار ١٠٢: ٢٩٦/١٠.

١٦٩

في خيرا، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعده أبدا(١) .

١٦٧/٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدثني عمي محمّد بن أبي القاسم، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: إن للمرء المسلم ثلاثة أخلاء: فخليل يقول له: أنا معك حيا وميتا، وهو عمله، وخليل يقول له: أنا معك حتى تموت، وهو ماله، فإذا مات صار للورثة، وخليل يقول له: أنا معك إلى باب قبرك ثم أخليك، وهو ولده(٢) .

١٦٨/٤ - حدّثنا جعفر بن عليّ الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن عبدالله ابن المغيرة، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله(٣) .

١٦٩/٥ - حدّثنا محمّد بن علي، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: أن أميرالمؤمنين عليه السلام خطب بالبصرة، فقال بعد ما حمد الله عزّوجلّ وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله: المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة، وليس لامس إن مضى عودة، ولا المرء من غد على ثقه، الاول للاوسط رائد، والاوسط للآخر قائد، وكل لكل مفارق، وكل بكل لاحق، والموت لكل غالب، واليوم الهائل لكل آزف، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ثم قال عليه السلام: معاشر شيعتي، اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه،

______________

(١) بحار الانوار ٧١: ١٨١/٣٥، و ٧٧: ٣٧٩/٣.

(٢) الخصال: ١١٤/٩٢، معاني الاخبار: ٢٣٢/١، بحار الانوار ٨٢: ١٧٤/٩.

(٣) الزهد: ٨١/٢١٧، بحار الانوار ٦: ١٣٠/٢٢، و ٧٣: ١٦٦/٢٨.

١٧٠

واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه، إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله عزّوجلّ، اعلموا أنكم في أجل محدود وأمل ممدود ونفس معدود، ولا بد للاجل أن يتناهى، وللامل أن يطوى، وللنفس أن يحصى، ثم دمعت عيناه وقرأ:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَامًا كَاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (١) .

١٧٠/٦ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي أيوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر، والسكوت، والكلام، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرة، وسكوته فكرة، وكلامه ذكرا، وبكى على خطيئته، وأمن الناس شره(٢) .

١٧١/٧ - حدّثنا الحسين بن أحمد رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: اغتمنوا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الاذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنها ليس لها حجاب دون العرش(٣) .

١٧٢/٨ - حدّثنا محمّد بن(٤) القاسم الاسترابادي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن

______________

(١) بحار الانوار ٧٧: ٣٨٠/٤، والآية في سورة الانفطار ٨٢: ١٠ - ١٢.

(٢) المحاسن: ٥/١٠، ثواب الاعمال: ١٧٧، الخصال: ٩٨/٤٧، معاني الاخبار: ٣٤٤/١، بحار الانوار ٧١: ٢٧٥/٢، و ٣٢٤/١٥، و ٧٧: ٤٠٦/٣٧، و ٧٨: ٥٤/٩٨، و ٩٣: ٣٣٢/١٨، وتقدم في المجلس (٨) الحديث (٢).

(٣) بحار الانوار ٩٣: ٣٤٣/١.

(٤) زاد في النسخ: أبي، والصواب حذفها، انظر: نوابغ الرواة: ٢٩٩.

١٧١

علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه، وإنما هو كفنه، ويبني بيتا(١) ليسكنه، وإنما هو موضع قبره(٢) .

١٧٣/٩ - وقيل لامير المؤمنين عليه السلام: ما الاستعداد للموت؟ قال: أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت، أم وقع الموت عليه(٣) .

١٧٤/١٠ - وقال أميرالمؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: أيها الناس، إن الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفي عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففي الدنيا حييتم(٤) ، وللآخرة خلقتم، إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه، إن العبد إذا مات قالت الملائكة: ما قدم؟ وقال الناس: ما أخر؟ فقدموا فضلا يكن لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم، فإن المحروم من حرم خير ماله، والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة بها مهاده، وطيب على الصراط بها مسلكه(٥) .

١٧٥/١١ - حدّثنا أحمد بن محمّد رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن عبد الجبار، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان، عن ثابت بن دينار، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الاوصياء أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول

______________

(١) في نسخة: بناء.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٧/٥٤ تنبيه الخواطر ٢: ١٥٨، بحار الانوار ٦: ١٣٢/٢٧، و ٧٣: ٨٨/٥٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٧/٥٥، تنبيه الخواطر ٢: ١٥٨، بحار الانوار ٧١: ٢٦٣/١.

(٤) في نسخة: حبستم.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٨/٥٦، بحار الانوار ٧٣: ٨٨/٥٦.

١٧٢

الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الائمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها(١) .

١٧٦/١٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد القبطي، قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد عليه السلام: أغفل الناس قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم مشربة(٢) أم إبراهيم، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه، إذ جاء علي عليه السلام فلم يفرجوا له، فلما رآهم لا يفرجون له قال: يا معشر الناس، هؤلاء(٣) أهل بيتي تستخفون بهم وأنا حي بين ظهرانيكم، أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم، إن الروح والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه، وسلم له وللاوصياء من ولده، حقا علي أن أدخلهم في شفاعتي لانهم أتباعي، فمن تبعني فإنه مني، سنة جرت في من إبراهيم عليه السلام، لاني من إبراهيم وإبراهيم مني، وفضلي له فضل، وفضله فضلي، وأنا أفضل منه، تصديق ذلك قول ربي:( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤) . وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وثئت(٥) رجله في مشربة أم إبراهيم حتى عاده الناس(٦) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله وسلم تسليما

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦٥/٣٤، كمال الدين وتمام النعمة: ٢٨٢/٣٥، بحار الانوار ٣٦: ٢٢٦/١.

(٢) المشربة: الغرفة.

(٣) في النسخ: هذا، وما أثبتناه من البصائر، وفي بشارة المصطفى: هذا علي من أهل بيتي وتستخفون بهم... والرواية في البشارة عن الشيخ الصدوق، فلعل في نسخ الامالي سقطا.

(٤) آل عمران ٣: ٣٤.

(٥) يقال: وثئت رجله، أو وثئت: أي أصابها وهن، دون الخلع والكسر.

(٦) بصائر الدرجات: ٧٣/١، فضائل الشيعة: ٦٩/٢٨، بشارة المصطفى: ٢٠، بحار الانوار ٣٦: ٢٤٨/٦٥، و ٣٨: ٩٥/١٢.

١٧٣

[ ٢٤ ]

المجلس الرابع والعشرون

يوم الاربعاء

الرابع من شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٧٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن يوسف بن الحارث، عن محمّد بن مهران، عن عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن معاوية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا كان يوم القيامة زين عرش رب العالمين بكل زينة، ثم يؤتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل، فيوضع أحدهما عن يمين العرش، والآخر عن يسار العرش، ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما السلام، فيقوم الحسن على أحدهما، والحسين على الآخر، يزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما يزين المرأة قرطاها(١) .

١٧٨/٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد ابن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن

______________

(١) إرشاد القلوب: ٢٩٤، بحار الانوار ٤٣: ٢٦١/٣، والقرط: ما يعلق في شحمة الاذن من در أو ذهب أو فضة أو نحوها.

١٧٤

يزيد النوفلي، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين عليه السلام، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام، فلما رآها بكى، ثم قال: إلى يا بنية، فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الايمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته!

فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لاكرم الخلق على الله عزّوجلّ، وما على وجه الارض نسمة أحب إلي منهم. أما عليّ بن أبي طالب فإنه أخي وشفيقي، وصاحب الامر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لاني ذكرت غدر الامة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهو نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الانسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر(١) نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الارض، ويقول الله عزّوجلّ لملائكته: يا

______________

(١) أي تلالا وأشرق.

١٧٥

ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها(١) من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار. وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها(٢) ، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، يا فاطمة( اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٣) .

ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عزّوجلّ إليها مريم بنت عمران، تمرضها وتؤنسها في علتها، فتقول عند ذلك: يا رب، إني قد سئمت الحياة، وتبرمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي. فيلحقها الله عزّوجلّ بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأما الحسن فإنه ابني وولدي، ومني، وقرة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الامة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي، فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي الملائكة

______________

(١) الفرائص: جمعه فريصة، وهي لحمة بين الكتف والصدر ترتعد عند الفزع.

(٢) في نسخة: جبينها، وفي اخرى: جنبتها.

(٣) آل عمران ٣: ٤٢، ٤٣.

١٧٦

والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمي العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره، في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الاقدام.

وأما الحسين فإنه مني، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجة الله على خلقه أجمعين، وهو سيد شباب أهل الجنة، وباب نجاة الامة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري(١) فلا يجار، فأضمه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة على دار هجرتي، وأبشره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء امتي يوم القيامة، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما. ثم بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام صلّى الله عليه وآله وسلّم: وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله(٢) .

١٧٩/٣ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام: أن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوما إلى الحسن عليه السلام، فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبدالله؟ قال: أبكى لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فاقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من

______________

(١) في نسخة: وقربي.

(٢) بحار الانوار ٢٨: ٣٧/١.

(٣) كذا والظاهر أنه أحمد بن محمّد بن عيسى، انظر معجم رجال الحديث ١٠: ١٤٣.

١٧٧

أمة جدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار(١) .

١٨٠/٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى(٢) ، قال: حدّثنا العباس بن معروف، (عن عبدالله بن المغيرة)(٣) ، قال: حدّثنا أبوحفص العبدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا سألتم الله عزّوجلّ فاسألوه لي الوسيلة. فسألت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الوسيلة، فقال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهرا، وهي ما بين مرقاة جوهر إلى مرقاة زبرجد، ومرقاة ياقوت إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة، فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين، فهي في درج النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته، فيأتي النداء من عند الله عزّوجلّ، يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمّد.

فاقبل وأنا يومئذ متزر بريطة(٤) من نور، علي تاج الملك وإكليل الكرامة، وعلي ابن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي، وهو لواء الحمد، مكتوب عليه: لا إله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله. وإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما، وإذا مررنا بالملائكة قالوا: هذان نبيان مرسلان، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها، وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقى

______________

(١) اللهوف في قتلى الطفوف: ١١، بحار الانوار ٤٥: ٢١٨/٤٤.

(٢) في النسخ: أحمد بن محمّد بن يحيى، وما أثبتناه من العلل، والمعاني، وانظر معجم رجال الحديث ٨: ٨٠ و ٩: ٢٤١.

(٣) أثبتناه من المعاني والعلل، وانظر معجم رجال الحديث ٩: ٢٤١، و ١٠: ٣٤٢.

(٤) الريطة: كل ثوب لين رقيق.

١٧٨

يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لهذين العبدين، ما أكرمهما على الله! فيأتي النداء من قبل الله جل جلاله، يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمّد، وهذا وليي علي، طوبى لمن أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه.

ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فلا يبقى يومئذ أحد أحبك - يا علي - إلا استروح إلى هذا الكلام، وابيض وجهه، وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إلي، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد. فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت؟ فما أحسن وجهك وأطيب ريحك! فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة، بعث بها إليك رب العزة، فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها إلى أخي عليّ بن أبي طالب. ثم يرجع رضوان، فيدنو مالك فيقول: السلام عليك يا أحمد. فأقول: السلام عليك أيها الملك من أنت، فما أقبح وجهك، وأنكر رؤيتك! فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار، بعث بها إليك رب العزة، فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها إلى أخي عليّ بن أبي طالب.

ثم يرجع مالك، فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار حتى يقف على عجزة جهنم وقد تطاير شررها، وعلا زفيرها، واشتد حرها، وعلي آخذ بزمامها، فتقول له جهنم: جزني يا علي، فقد أطفأ نورك لهبي. فيقول لها علي: قري يا جهنم، وخذي هذا، واتركي هذا، خذي هذا عدوي، واتركي هذا وليي، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق(١) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله

______________

(١) بصائر الدرجات: ٤٣٦/١١، تفسير القمي ٢: ٣٢٤، معاني الاخبار: ١١٦/١، علل الشرائع: ١٦٤/٦، بحار الانوار ٧: ٣٢٦/٢.

١٧٩

[ ٢٥ ]

المجلس الخامس والعشرون

مما أملاه علينا بطوس بمشهد الرضا عليّ بن موسى (صلوات الله عليه وعلى آبائه)

يوم الجمعة السابع عشر من ذي الحجة سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٨١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن حماد، عن عبدالله بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد(١) ، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: يخرج رجل من ولد ابني موسى، اسمه اسم أميرالمؤمنين عليه السلام، فيدفن في أرض طوس وهي بخراسان، يقتل فيها بالسم، فيدفن فيها غريبا، من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عزّوجلّ أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل(٢) .

١٨٢/٢ - حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم ابن هاشم، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان البصري، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي حجر الاسلمي، قال: حدّثنا قبيصة، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت وصي الاوصياء ووارث علم الانبياء أبا جعفر محمّد بن علي

______________

(١) كذا، وفي البحار: الحسين بن زيد.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٢٥٥/٣، من لا يحضره الفقيه ٢: ٣٤٩/١٦٠٠، بحار الانوار ١٠٢: ٣٣/٩.

١٨٠