الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق0%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
تصنيف:

الصفحات: 780
المشاهدات: 363039
تحميل: 6447

توضيحات:

الأمالي شيخ الصدوق
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 363039 / تحميل: 6447
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

فحشيت حطبا، وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد، وأنشأ الحسين عليه السلام يقول:

يا دهر أف لك من خليل

كم لك في الاشراق والاصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الامر إلى الجليل

وكل حي سالك سبيلي

ثم قال لاصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، وتوضؤوا واغتسلوا، واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم. ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبئة الحرب، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار، ليقاتل القوم من وجه واحد.

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له، يقال له: ابن أبي جويرية المزني، فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده، ونادى: يا حسين وأصحاب حسين، أبشروا بالنار، فقد تعجلتموها في الدنيا! فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟ فقيل: ابن أبي جويرية المزني. فقال الحسين عليه السلام: اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر، يقال له: تميم بن حصين الفزاري، فنادى: يا حسين ويا أصحاب حسين، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات؟ والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعا(١) . فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟ فقيل: تميم بن حصين. فقال الحسين عليه السلام: هذا وأبوه من أهل النار، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم. قال: فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه، فوطئته الخيل بسنابكها فمات.

ثم أقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد، يقال له محمّد بن الاشعث به قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة، أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين عليه السلام هذه الآية( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ

______________

(١) في نسخة: جزعا.

٢٢١

عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (١) الآية، ثم قال: والله إن محمّدا لمن آل إبراهيم، وإن العترة الهادية لمن آل محمّد. من الرجل؟ فقيل: محمّد بن الاشعث بن قيس الكندي، فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أر محمّد بن الاشعث ذلا في هذا اليوم، لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا. فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز، فسلط الله عليه عقربا فلدغته، فمات بادي العورة.

فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه، فدخل عليه رجل من شيعته يقال له: برير بن خضير(٢) الهمداني - قال إبراهيم بن عبدالله راوي الحديث: هو خال أبي إسحاق الهمداني - فقال: يا بن رسول الله، أتأذن لي فاخرج إليهم، فأكلمهم. فأذن له فخرج إليهم، فقال: يا معشر الناس، إن الله عزّوجلّ بعث محمّدا بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه. فقالوا: يا برير(٣) ، قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله. فقال الحسين عليه السلام: اقعد يا برير(٤) .

ثم وثب الحسين عليه السلام متوكئا على سيفه، فنادى بأعلى صوته، فقال: أنشدكم الله، هل تعرفوني؟ قالوا: نعم، أنت ابن رسول الله وسبطيه. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد، أول نساء هذه الامة إسلاما؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفرا الطيار في الجنة عمي؟ قالوا: اللهم نعم. قال:

______________

(١) آل عمران ٣: ٣٣، ٣٤.

(٢) في نسخة: يزيد بن الحصين.

(٣) و (٤) في نسخة: يزيد.

٢٢٢

فأنشدكم الله، هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنا متقلده؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله، هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنا لابسها؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله، هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما، وأعلمهم علما، وأعظمهم حلما، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فبم تستحلون دمي، وأبي الذائد عن الحوض غدا، يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادي(١) عن الماء، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة؟ قالوا: قد علمنا ذلك كله، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.

فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته، وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة، ثم قال: اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا: عزير بن الله، واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا: المسيح بن الله، واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله، واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم.

قال: فضرب الحر بن يزيد فرسه، وجاز عسكر عمر بن سعد (لعنه الله) إلى عسكر الحسين عليه السلام، واضعا يده على رأسه، وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك. يا بن رسول الله، هل لي من توبة؟ قال: نعم تاب الله عليك. قال: يا بن رسول الله، أتأذن لي فأقاتل عنك؟ فأذن له، فبرز وهو يقول:

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا، ثم قتل، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب، فقال: بخ بخ يا حر، أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة، ثم أنشأ الحسن عليه السلام يقول:

لنعم الحر حر بني رياح

ونعم الحر مختلف الرماح(٢)

______________

(١) أي العطشان.

(٢) منصوب على الظرفية، أي عند مختلف الرماح. وفي مقتل أبي مخنف: ١٢٤: صبور عند مشتبك الرماح.

٢٢٣

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح

ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي، وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام:

اليوم نلقى جدك النبيا

وحسنا والمرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا، ثم صرع وهو يقول:

أنا زهير وأنا ابن القين

أذبكم بالسيف عن حسين

ثم برز من بعده حبيب بن مظهر(١) الاسدي (رضوان الله عليه)، وهو يقول:

أنا حبيب وأبي مظهر

لنحن أزكى منكم وأطهر

ننصر خيـرا الناس حين يذكر

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل (رضوان الله تعالى عليه).

ثم برز من بعده عبدالله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول:

قد علمت حقا بنو غفار

أني أذب في طلاب الثار

بالمشرفي(٢) والقنا(٣) الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله.

ثم برز من بعده برير بن خضير الهمداني، وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول:

أنا برير وأبي خضير

لا خير فيمن ليس فيه خير

فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل (رضوان الله عليه).

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول:

قد علمت كاهلها ودودان

والخندفيون وقيس عيلان

______________

(١) في نسخة: مظاهر، وفي اخرى: مطهر، وضبطه العلامة في الخلاصة: ٦١: مظهر، وكذا ابن حجر في الاصابة ١: ٣٧٣/١٩٤٩، أما الشيخ الطوسي فقد ضبطه في الرجال: ٧٢/١: مظاهر، وفي الكامل في التاريخ في عدة مواضع: مطهر.

(٢) المشارف: قرى من أرض اليمن، وقيل: من أرض العرب تدنو من الريف، والسيوف المشرفية منسوبة إليها.

(٣) القنا: جمع قناة، وهي الرمح، ورمح خطار: ذو اهتزاز.

٢٢٤

بأن قومي قصم(١) الاقران

يا قوم كونوا كأسود الجان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل (رضوان الله عليه).

وبرز من بعده زياد بن مهاصر(٢) الكندي، فحمل عليهم، وأنشأ يقول:

أنا زياد وأبي مهاصر

أشجع من ليث العرين الخادر

يا رب إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك مهاجر

فقتل منهم تسعة ثم قتل (رضوان الله عليه).

وبرز من بعده وهب بن وهب، وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين عليه السلام هو وامه، فاتبعوه إلى كربلاء، فركب فرسا وتناول بيده عود الفسطاط، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية، ثم استؤسر، فأتي به عمر بن سعد (لعنه الله) فأمر بضرب عنقه، فضربت عنقه، ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام وأخذت أمه سيفه وبرزت، فقال لها الحسين عليه السلام: يا أم وهب، اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء، إنك وابنك مع جدي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في الجنة.

ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها(٣)

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل (رضوان الله عليه).

وبرز من بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأنشأ يقول:

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وقد وجدت الموت شيئا مرا

أكره أن أدعى جبانا فرا

إن الجبان من عصى وفرا

فقتل منهم ثلاثة ثم قتل (رضوان الله عليه ورحمته).

______________

(١) القسم: من يحطم كل ما يلقاه.

(٢) في نسخة: مصاهر.

(٣) الافواق: جمع فوق، وهو مشق رأس السهم حيث يقع الوتر.

٢٢٥

وبرز من بعده عليّ بن الحسين الاصغر عليهما السلام، فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: اللهم كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم ابن رسولك، وأشبه الناس وجها وسمتا به، فجعل يرتجز وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ

نحن وبيت الله أولى بالنبي

أما ترون كيف أحمي عن أبي

فقتل منهم عشرة، ثم رجع إلى أبيه، فقال: يا أبه العطش، فقال الحسين عليه السلام: صبرا يا بني، يسقيك جدك بالكأس الاوفى. فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا، ثم قتل صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وهو يقول:

لا تجزعي نفسي فكل فان

اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة، ثم رمي عن فرسه (رضوان الله عليه وصلواته).

ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك. وحال بنو كلاب بينه وبين الماء، ورمي بسهم فوقع في نحره، وخر عن فرسه، فأخذ السهم فرمى به، وجعل يتلقى الدم بكفه، فلما امتلات لطخ بها رأسه ولحيته وهو يقول: ألقى الله عزّوجلّ وأنا مظلوم متلطخ بدمي. ثم خر على خده الايسر صريعا، وأقبل عدو الله سنان بن أنس الايادي، وشمر ابن ذي الجوشن العامري (لعنهما الله) في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل. فنزل سنان بن أنس الايادي (لعنه الله) وأخذ بلحية الحسين عليه السلام وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: والله إني لاحتز رأسك، وأنا أعلم أنك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخير الناس أبا وأما.

وأقبل فرس الحسين عليه السلام حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين عليه السلام، وجعل يركض ويصهل، فسمع بنات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صهيله، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب، فعرفن أن حسينا صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قتل، وخرجت أم كلثوم بنت

٢٢٦

الحسين عليه السلام واضعة يدها على رأسها، تندب وتقول: وا محمّداه، هذا الحسين بالعراء، قد سلب العمامة والرداء.

وأقبل سنان (لعنه الله) حتى أدخل رأس الحسين بن عليّ عليهما السلام على عبيد الله ابن زياد (لعنه الله) وهو يقول:

املا ركابي فضة وذهبا

إني(١) قتلت الملك المحجبا

قتلت خيرا الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عبيد الله بن زياد: ويحك! فإن علمت أنه خير الناس أبا وأما، لم قتلته إذن؟! فأمر به فضربت عنقه، وعجل الله بروحه إلى النار، وأرسل ابن زياد (لعنه الله) قاصدا إلى أم كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها: الحمد لله الذي قتل رجالكم، فكيف ترون ما فعل بكم؟ فقالت: يا بن زياد، لئن قرت عينك بقتل الحسين عليه السلام فطالما قرت عين جده صلّى الله عليه وآله وسلّم به، وكان يقبله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه. يا ابن زياد، أعد لجده جوابا، فإنه خصمك غدا(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: أنا.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٣١٠/١.

٢٢٧

[ ٣١ ]

المجلس الحادي والثلاثون

في بقية المقتل، يوم الاحد وهو يوم عاشوراء،

لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٤٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبدالله محمّد بن خالد البرقي، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي الجارود وابن بكير وبريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: أصيب الحسين بن عليّ عليهما السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضمرة بسيف أو رمية بسهم، فروي أنها كانت كلها في مقدمه لانه عليه السلام كان لا يولي(١) .

٢٤١/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن عبدالله بن الحسن المثنى، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام، قالت: دخلت الغاغة(٢) علينا الفسطاط، وأنا جارية صغيرة، وفي

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ٨٢/٧.

(٢) الغاغة: الكثير المختلط من الناس.

٢٢٨

رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجلا يفض الخلخالين من رجلي وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك، يا عدو الله؟! فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله! فقلت: لا تسلبني. قال: أخاف أن يجئ غيري فيأخذه. قالت: وانتهبوا ما في الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا(١) .

٢٤٢/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى البصري، قال: أخبرنا محمّد بن زكريا، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يزيد، قال: حدثني أبونعيم، قال: حدثني حاجب عبيد الله بن زياد، أنه لما جيئ برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبدالله. فقال رجل من القوم: مه، فإني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يلثم حيث تضع قضيبك. فقال: يوم بيوم بدر. ثم أمر بعليّ بن الحسين عليه السلام فغل، وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملئ رجالا ونساء، يضربون وجوههم ويبكون، فحبسوا في سجن وطبق(٢) عليهم.

ثم إن ابن زياد (لعنه الله) دعا بعليّ بن الحسين عليه السلام والنسوة، وأحضر رأس الحسين عليه السلام، وكانت زينب بنت علي عليه السلام فيهم، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أحاديثكم. فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد وطهرنا تطهيرا، إنما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر. قال: كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت؟ قالت: كتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده. فغضب ابن زياد (لعنه الله) عليها، وهم بها، فسكن منه عمرو بن حريث، فقالت زينب: يا بن زياد، حسبك ما ارتكبت منا، فلقد قتلت رجالنا، وقطعت أصلنا، وأبحت حريمنا، وسبيت نساءنا وذرارينا، فإن كان ذلك للاشتفاء فقد

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ٨٢/٩.

(٢) في نسخة: وضيق.

٢٢٩

اشتفيت. فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن، وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين عليه السلام.

ثم أمر بالسبايا ورأس الحسين عليه السلام فحملوا إلى الشام، فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة: أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن على الحسين عليه السلام إلى الصباح، وقالوا: فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين عليه السلام: نحن سبايا آل محمّد. فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا، وفيهم عليّ بن الحسين عليهما السلام، وهو يومئذ فتى شاب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام، فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة. فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضى كلامه، قال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: أما قرأت كتاب الله عزّوجلّ؟ قال: نعم. قال: أما قرأت هذه الآية( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) ؟ قال: بلى. قال: فنحن أولئك. ثم قال: أما قرأت( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٢) ؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. قال: فهل قرأت هذه الآية:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) ؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. فرفع الشامي يده إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أتوب إليك. ثلاث مرات، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمّد، ومن قتلة أهل بيت محمّد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.

ثم أدخل نساء الحسين عليه السلام على يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولو لن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه، فقالت سكينة: والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه

______________

(١) الشورى ٤٢: ٢٣.

(٢) الاسراء ١٧: ٢٦.

(٣) الاحزاب ٣٣: ٣٣.

٢٣٠

ولا أجفى منه، وأقبل يقول وينظر إلى الرأس:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

ثم أمر برأس الحسين عليه السلام، فنصب على باب مسجد دمشق، فروي عن فاطمة بنت على عليه السلام، أنها قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شئ وألطفنا، ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إليه، فقال: يا أميرالمؤمنين، هب لي هذه الجارية. يعنيني، وكنت جارية وضيئة، فأرعبت وفرقت(١) ، وظننت أنه يفعل ذلك، فأخذت بثياب أختي، وهي أكبر مني وأعقل، فقالت: كذبت والله ولعنت، ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد (لعنه الله) فقال: بل كذبت والله، لو شئت لفعلته. قالت: لا والله، ما جعل الله ذلك لك، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا. فغضب يزيد (لعنه الله)، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. فقالت: بدين الله ودين أخي وأبي وجدي اهتديت أنت وجدك وأبوك. قال: كذبت يا عدوة الله. قالت: أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه.

قالت: فكأنه (لعنه الله) استحيى فسكت، فأعاد الشامي (لعنه الله) فقال يا أميرالمؤمنين، هب لي هذه الجارية. فقال له: اغرب(٢) ، وهب الله لك حتفا قاضيا(٣) .

٢٤٣/٤ - حدثني بذلك محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما): ثم إن يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن مع عليّ بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنهم من حر ولا قر حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الارض إلا

______________

(١) فرق: اشتد خوفه.

(٢) أي تنح وابعد، وفي نسخة: اعزب، وهي بمعناها.

(٣) بحار الانوار ٤٥: ١٥٤/٣.

٢٣١

وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج عليّ بن الحسين عليهما السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء(١) .

٢٤٤/٥ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن الديلمي، وهو سليمان، عن عبدالله بن لطيف التفليسي(٢) ، قال: قال الصادق أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام: لما ضرب الحسين بن عليّ عليهما السلام بالسيف، ثم ابتدر ليقطع رأسه، نادى مناد من قبل رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش، فقال: ألا أيتها الامة المتحيرة الضالة(٣) بعد نبيها، لا وفقكم الله لاضحى ولا فطر.

قال: ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: لا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون أبدا حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام.(٤)

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطيبين الطاهرين

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ١٤٠.

(٢) رواه في الكافي: عن محمّد بن سليمان، عن عبدالله بن لطيف التفليسي، عن رزين، ورواه في الفقيه باسناده عن عبدالله بن لطيف التفليسي، عن رزين، فالظاهر وجود سقط، كما أن تفسير الديلمي بسليمان سهو، وصحيحه محمّد بن سليمان كما في البحار ٩١: ١٣٤.

(٣) في نسخة: الظالمة.

(٤) الكافي ٤: ١٧٠/٣، من لا يحضره الفقيه ٢: ١١٤/٤٨٨ و ٤٨٩، بحار الانوار ٤٥: ٢١٧/٤٢، و ٩١: ١٣٤/١.

٢٣٢

[ ٣٢ ]

المجلس الثاني والثلاثون

يوم الثلاثاء

الثاني عشر من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٤٥/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، قال: حدّثنا المعلى بن محمّد البصري، عن أحمد ابن محمّد بن عبدالله، عن عمرو بن زياد، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد هالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله عزّوجلّ الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء(١) .

٢٤٦/٢ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثني سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن شعيب الصيرفي، عن الهيثم أبي كهمس، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: ست خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته: ولد صالح يستغفر له، ومصحف يقرأ منه، وقليب(٢) يحفره، وغرس يغرسه، وصدقة

______________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٧٤٩، بحار الانوار ٢: ١٤/٢٦، و ٧: ٢٢٦/١٤٤.

(٢) القليب: البئر.

٢٣٣

ماء يجريه، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده(١) .

٢٤٧/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، قال: سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، فيقدم لي مخدة(٢) ، ويعرف لي قدرا، ويقول لي: يا مالك، إني أحبك، فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه.

قال: وكان عليه السلام رجلا لا يخلو من ثلاث خصال: إما صائما، وإما قائما، وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد، وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عزّوجلّ، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اخضر مرة، واصفر أخرى، حتى ينكره من يعرفه.

ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية، انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل يا بن رسول الله، ولابد لك من أن تقول. فقال: يا بن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول عزّوجلّ لي: لا لبيك ولا سعديك(٣) !

٢٤٨/٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي أحمد محمّد ابن زياد الازدي، عن مالك بن أنس، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أعجب لمن يبخل بالدنيا وهي مقبلة عليه، أو يبخل عليها وهي مدبرة عنه، فلا الانفاق مع الاقبال يضره، ولا الامساك مع الا دبار ينفعه(٤) .

٢٤٩/٥ - قال مالك بن أنس: وسمعت الصادق عليه السلام يقول: قيل لامير

______________

(١) الخصال: ٣٢٣/٩، بحار الانوار ٧١: ٢٥٧/٢، و ١٠٣: ٦٤/٣، و: ١٨١/١.

(٢) المخدة: الوسادة.

(٣) الخصال: ١٦٧/٢١٩، علل الشرائع: ٢٣٤/٤، بحار الانوار ٩٩: ١٨١/١.

(٤) بحار الانوار ٧٣: ٣٠٠/٣.

٢٣٤

المؤمنين عليه السلام: لم لا ت‍ شتري فرسا عتيقا(١) ؟ قال: لا حاجة لي فيه، فأنا لا أفر ممن كر علي، ولا أكر على من فر مني(٢) .

٢٥٠/٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد الصائغ العدل، قال: حدّثنا عيسى بن محمّد العلوي، قال: حدّثنا أحمد بن سلام الكوفي، قال: حدّثنا الحسين بن عبد الواحد، قال: حدّثنا حرب بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن إسماعيل بن صدقة، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ) (٣) قام رجلان من مجلسهما، فقالا: يا رسول الله، هو التوراة؟ قال: لا. قالا: فهو الانجيل؟ قال: لا. قالا فهو القرآن؟ قال: لا. قال: فأقبل أميرالمؤمنين علي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هو هذا، إنه الامام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شئ(٤) .

٢٥١/٧ - حدّثنا محمّد بن هارون الزنجاني، قال: حدّثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدّثنا عبدالله بن أسماء(٥) ، قال: حدّثنا جويرية(٦) ، عن سفيان، عن منصور، عن أبي وائل، عن وهب، قال: وجدت في بعض كتب الله عزّوجلّ: أن ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه، فبينا هو يسير وجنوده إذ مر على شيخ يصلي، فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته، فقال له ذو القرنين: كيف لم يرعوك ما حضرك من جنودي؟ قال: كنت أناجي من هو أكثر جنودا منك، وأعز سلطانا، وأشد قوة، ولو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: هل لك في أن تنطلق معي فاواسيك بنفسي، وأستعين بك على بعض أمري؟ فقال:

______________

(١) العتيق من الخيل: النجيب الاصيل.

(٢) بحار الانوار ٤١: ٧٥/٥.

(٣) يس ٣٦: ١٢.

(٤) معاني الاخبار: ٩٥/١، بحار الانوار ٣٥: ٤٢٧/٢.

(٥) منسوب إلى الجد، فهو عبدالله بن محمّد بن أسماء. انظر تهذيب التهذيب ٦: ٥/٣.

(٦) في بعض النسخ: جويرية، تصحيف صحيحه ما أثبتناه، انظر تهذيب الكمال ١٦: ٤٤.

٢٣٥

نعم، إن ضمنت لي أربع خصال: نعيما لا يزول، وصحة لا سقم فيها، وشبابا لا هرم فيه، وحياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين وأي مخلوق يقدر على هذه الخصال! فقال الشيخ: فإني مع من يقدر عليها ويملكها وإياك.

ثم مر برجل عالم، فقال لذي القرنين: أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزّوجلّ قائمين، وعن شيئين جاريين، وعن شيئين مختلفين، وشيئين متباغضين؟ فقال له ذو القرنين: أما الشيئان القائمان فالسماوات والارض، وأما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، وأما الشيئان المختلفان فالليل والنهار، وأما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة. فقال: انطلق فإنك عالم.

فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى، فوقف عليه بجنوده، فقال، له أخبرني - أيها الشيخ - لاي شئ تقلب هذه الجماجم؟ قال: لاعرف الشريف من الوضيع، والغني من الفقير، فما عرفت، وإني لاقلبها منذ عشرين سنة، فانطلق ذو القرنين وتركه، وقال: ما عنيت بهذا أحدا غيري.

فبينا هو يسير إذ وقع على الامة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فلما رآهم قال لهم: أيها القوم، أخبروني بخبركم، فإني قد درت الارض شرقها غربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها، فلم ألق مثلكم، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ قالوا: فعنا ذلك لئلا ننسي الموت، ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا لص ولا ظنين(١) ، وليس فينا إلا أمين. قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لا نتظالم. قال: فما بالكم ليس بينكم حكام؟ قالوا: لا نختصم. قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لا نتكاثر. قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: من قبل أنا متواسون متراحمون. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا. قال: فما بالكم لا تستبون ولا تقتتلون؟ قالوا: من قبل أنا غلبنا طبائعنا

______________

(١) أي متهم.

٢٣٦

بالعزم، وسسنا أنفسنا بالحلم. قال: فما بالكم كلمتكم واحدة، وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا. قال: فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنا نقسم بالسوية. قال: فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع. قال: فلم جعلكم الله عزّوجلّ أطول الناس أعمارا؟ قالوا: من قبل أنا نتعاطي الحق ونحكم بالعدل. قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا: من قبل أنا وطنا أنفسنا على البلاء فعزينا أنفسنا. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات؟ قالوا: من قبل أنا لا نتوكل على غير الله عزّوجلّ، ولا نستمطر بالانواء والنجوم.

قال: فحدثوني أيها القوم، هكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم، ويواسون فقيرهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويستغفرون لمسيئهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدون أمانتهم، ويصدقون ولا يكذبون، فأصلح الله لهم بذلك أمرهم. فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض، وكان له خمسمائة عام(١) .

٢٥٢/٨ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عليّ بن مهزياز، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم بنو المصطلق من بني جذيمة، وكان بينهم وبين بني مخزوم إحنة(٢) في الجاهلية، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخذوا منه كتابا، فلما ورد عليهم خالد أمر مناديا فنادي بالصلاة فصلى وصلوا، فلما كانت صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلى وصلوا، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة، فقتل وأصاب، فطلبوا كتابهم فوجدوه، فأتوا به

______________

(١) علل الشرائع: ٤٧٢/٣٤، بحار الانوار ١٢: ١٧٥/٢.

(٢) الاحنة: الحقد والضغن.

٢٣٧

النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد، فاستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.

قال: ثم قدم على رسول الله تبر(١) ومتاع، فقال لعلي عليه السلام: يا علي، أئت بني جذيمة من بني المصطلق، فأرضهم مما صنع خالد. ثم رفع صلّى الله عليه وآله وسلّم قدميه فقال: يا علي، اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك.

فأتاهم علي عليه السلام، فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله، فلما رجع إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: يا علي، أخبرني بما صنعت. فقال: يا رسول الله، عمدت فأعطيت لكل دم دية، ولكل جنين غرة(٢) ، ولكل مال مالا، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة(٣) كلابهم وحبلة(٤) رعاتهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله.

فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أعطيتهم ليرضوا عني، رضي الله عنك يا علي، إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(٥) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطيبين الطاهرين

______________

(١) التبر: فتات الذهب أو الفضة قبل أن يصاغا.

(٢) قال الجزري: وفي الحديث: (أنه جعل في الجنين غرة عبدا أو أمة) الغرة: العبد نفسه أو الامة، وأصل الغرة: البياض الذي يكون في وجه الفرس، وكان أبوعمرو بن العلاء يقول: الغرة: عبد أبيض أو أمة بيضاء، وسمي غرة لبياضه، فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء. وليس ذلك شرطا عند الفقهاء، وإنما الغرة عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والاماء. وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا، فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة. « النهاية ٣: ٣٥٣ ».

(٣) الميلغة: الاناء الذي يلغ فيه الكلب.

(٤) الحبلة: الرسن، وبالتحريك: الجنين الساقط من الدوات والمواشي.

(٥) بحار الانوار ٢١: ١٤٢/٥، و ١٠٤: ٤٢٣/١.

٢٣٨

[ ٣٣ ]

المجلس الثالث والثلاثون

وهو يوم الجمعة

النصف من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٥٣/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الاسترابادي(١) رضي الله عنه، قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله تبارك وتعالى: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد:( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي، وحق علي أن أتمم له أموره. وابارك له في أحواله، فإذا قال:( الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال الله جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي، وأن البلايا التي دفعت(٢) عنه

______________

(١) كذا، ورواه في العيون عن محمّد بن القاسم المفسر الاسترابادي، ويؤيد صحة ما في العيون سند الحديث الثالث.

(٢) في نسخة: رفعت.

٢٣٩

فبتطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، وأدفع(١) عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال:( الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) قال الله جل جلاله: شهد لي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لاوفرن من رحمتي حظه، ولاجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال:( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال الله عزّوجلّ: أشهدكم، كما اعترف لي أني أنا مالك يوم الدين، لاسهلن يوم الحساب حسابه، ولا تقبلن حسناته، ولا تجاوزن عن سيئاته، فإذا قال:( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) قال الله عزّوجلّ: صدق عبدي إياي يعبد، أشهدكم لاثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال:( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) قال الله عزّوجلّ: بي استعان وإلي التجأ، أشهدكم لاعيننه على أمره، ولاغيثنه في شدائده، ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (٢) إلى آخر السورة، قال الله عزّوجلّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، قد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل، وآمنته مما منه وجل(٣) .

٢٥٤/٢ - وقيل لامير المؤمنين عليه السلام: يا أميرالمؤمنين، أخبرنا عن( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) أهي من فاتحة الكتاب؟ فقال: نعم، كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقرأها ويعدها آية منه، ويقول: فاتحة الكتاب؟ هي السبع المثاني(٤) .

٢٥٥/٣ - حدّثنا محمّد بن القاسم، قال: حدثني يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه عليّ بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه

______________

(١) في نسخة: وارفع.

(٢) الفاتحة ١: ١ - ٦.

(٣) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري: ٥٨/٣٠، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠٠/٥٩، بحار الانوار ٨٥: ٥٩/٤٧، و ٩٢: ٢٢٦/٣.

(٤) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري: ٥٨/٣٠، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠٠/٥٩، بحار الانوار ٨٥: ٥٩/٤٧، و ٩٢: ٢٢٦/٣.

٢٤٠