المباهلة

المباهلة37%

المباهلة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 155

  • البداية
  • السابق
  • 155 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17708 / تحميل: 8111
الحجم الحجم الحجم
المباهلة

المباهلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقال محمد بن عيسى بن الطباع: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري، كان يقوى من الحديث على شيء لم يكن يقوى عليه سفيان، وسمعت وكيعاً يقول: نحوا عنّي هشيماً وهاتوا من شئتم - يعني في المذاكرة -.

وقال ابن مهدي: هشيم في حصين أثبت من سفيان وشعبة، وقال علي بن حجر: هشيم وأبو بشر مثل ابن عيينة في الزهري. وقال عيينة بن سعيد عن ابن المبارك قال: من غير الدهر حفظه فلم يغير حفظ هشيم، وقال العجلي: هشيم ثقة يدلس، وسئل أبو حاتم عن هشيم ويزيد بن هارون فقال: هشيم أحفظ منه ومن أبي عوانة »(١) .

عود إلى ترجمة الكلبي

وقد أثنى أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي على الكلبي، وجعله من أقران مجاهد والسدي حيث قال في ديباجة تفسيره: « وفرقة جرّدوا التفسير دون الأحكام وبيان الحلال والحرام، والحل عن العويصات المشكلات والرد على أهل الزيغ والشبهات، كمشايخ السلف الماضين والعلماء السابقين من التابعين وأتباعهم، مثل مجاهد، ومقاتل، والكلبي، والسدي، رضي الله عنهم أجمعين، ولكل من أهل الحق منهم غرض محمود وسعي مشكور »(٢) .

وقال ابن جزلة: « قال الحسن بن عثمان القاضي: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة: علم أبي حنيفة، وتفسير الكلبي، ومغازي محمد بن إسحاق »(٣) .

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن علي العامري: « قد خرجت هذا من التفاسير التي سمعتها من الأئمةرحمهم‌الله ، منها: ما سمعت من الأُستاذ الامام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإِسفراينيرحمه‌الله ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان

____________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). الكشف والبيان - مخطوط.

(٣). مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.

٢١

والحلبي والكلبي وغيرهما ولم أعتمد إلّا بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة أو روي في الصحاح بغير طعن الطاعن، والله الموفق لذلك »(١).

وقال ابن قتيبة: « الكلبي صاحب التفسير، وهو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، ويكنى أبا النضر وكان نسّاباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة سنة ١٤٦ »(٢) .

وقال البغوي: « وما نقلت فيه من التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، ومن بعده من التابعين، أئمة السلف مثل: مجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري،رضي‌الله‌عنه ، وقتادة، وأبي العالية، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم، والكلبي، والضحاك، ومقاتل بن حبان، ومقاتل بن سليمان، والسدّي، وغيرهم فأكثره مما أخبرني الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد الشريحي المذكور »(٣) .

وقال صديق حسن القنوجي: « وجمعته جمعاً حسناً، بعبارة سهلة، وألفاظ يسيرة، مع تعرض للترجيح بين التفاسير المتعارضة في مواضع كثيرة، وبيان المعنى العربي الإِعرابي واللغوي، مع حرص على إيراد صفوة ما ثبت عن التفسير النبوي، وعن عظماء الصحابة وعلماء التابعين، ومن دونهم من سلف الأئمة وأئمتها المعتبرين، كابن عباس حبر هذه الأمة ومن بعده من الأئمة، مثل مجاهد وعكرمة، وعطاء، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، والقرظي، والكلبي والضحاك، ومقاتل، والسدي، وغيرهم من علماء اللغة والنحو كالفراء، والزجّاج، وسيبويه، والمبرد، والخليل، والنحاس »(٤) .

وقال علي بن محمد البزدوي: « ليس من اتهم بوجه ما يسقط به كلّ حديثه

____________________

(١). الناسخ والمنسوخ - مخطوط.

(٢). المعارف ٥٣٥ - ٥٣٦.

(٣). معالم التنزيل ١ / ٣ هامش تفسير الخازن.

(٤). فتح البيان في مقاصد القرآن ١ / ١٧.

٢٢

مثل الكلبي وأمثاله، ومثل سفيان الثوري وأصحابه، مع جلالة قدره وتقدّمه في العلم والورع »(١).

وقال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في شرح كلام البزدوي المذكور ما نصه: « قوله: مثل الكلبي. هو أبو سعيد محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، ويقال له أبو النضر أيضاً، طعنوا فيه بأنه يروي تفسير كلّ آيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمى زوائد الكلبي، وبأنه روى حديثاً عند الحجاج، فسأل عمن يرويه فقال: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلمـّا خرجٍ قيل له: هل سمعت ذلك من الحسن؟ فقال: لا ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له.

وذكر في الأنساب: إن الثوري ومحمد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان حدثنا أبو النضر حتى لا يعرف. قال: وكان الكلبي سبائياً من أصحاب عبد الله ابن سبأ، من أولئك الذين يقولون إن علياً لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة، ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وإذا رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها، والرعد صوته والبرق سوطه، حتى تبرأ واحد منهم وقال:

ومن قوم إذا ذكروا علياً

يصلّون الصلاة على السحاب

مات الكلبي سنة ١٤٦.

وأمثاله. مثل عطاء بن السائب، والربيعة، وعبد الرحمن، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم، اختلطت عقولهم فلم يقبل رواياتهم التي بعد الاختلاط، وقبلت الروايات التي قبله.

فإنْ قيل: ما نقل عن الكلبي يوجب الطعن عاماً، فينبغي أن لا يقبل رواياته جميعاً.

____________________

(١). أصول الفقه ٣ / ٧٢ بشرح عبد العزيز البخاري.

٢٣

قلنا: إنما يوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريق القطع، فأما إذا اتهم به فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة، وينبغي أن لا يثبت في موضع التهمة أيضاً، إلّا أن ذلك يورث شبهة في الثبوت، وبالشبهة تردّ الحجة، وينتفي ترجح الصدق في الخبر، فلذلك لم يثبت أو معناه.

ليس كل من اتهم بوجه ساقط الحديث، مثل الكلبي، وعبد الله بن لهيعة والحسن بن عمارة، وسفيان الثوري وغيرهم، فإنه قد طعن في كل واحد منهم بوجه، ولكن علوّ درجتهم في الدين، وتقدّم رتبتهم في العلم والورع، منع من قبول ذلك الطعن في حقهم ومن ردّ حديثهم به، إذ لو ردّ حديث أمثال هؤلاء بطعن كل واحد انقطع الرواية واندرس الأخبار، إذ لم يوجد بعد الأنبياءعليهم‌السلام من لا يوجد فيه أدنى شيء مما يجرح إلاّ من شاء الله تعالى، فلذلك لم يلتفت إلى مثل هذا الطعن، فيحمل على أحسن الوجوه، وهو قصد الصيانة »(١) .

ترجمة عبد العزيز البخاري

وعبد العزيز البخاري شارح البزدوي وصاحب الكلام المزبور في الدفاع عن الكلبي، من مشاهير الأئمة الكبار، وقد أثنى عليه عبد القادر القرشي في ( الجواهر المضية في طبقات الحنفية ) ومحمود بن سليمان الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ) والكاتب الجلبي في ( كشف الظنون ).

____________________

(١). كشف الأسرار في شرح أصول الفقه ٣ / ٧٢.

٢٤

(٢)

يحيى بن زياد الفراء

وفسّر يحيى بن زياد الفرّاء ( المولى ) بـ ( الأولى ) كما قال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى:( هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) : «( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وفي لفظ المولى هاهنا أقوال: أحدها - قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: أن المولى موضع الولي وهو القرب، فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني - قال الكلبي: يعني أولى بكم. وهو قول الزّجاج والفرّاء وأبي عبيدة »(١) .

ترجمة الفراء

١ - ابن خلكان: « أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، وقيل مولى بني منقر.

كان أبرع الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، حكى عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفراء لما كانت العربية، لأنه خلّصها وضبطها، ولو لا الفرّاء لسقطت العربية، لأنها كانت تتنازع، ويدّعيها كل من أراد، ويتكلّم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم. فتذهب.

وأخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، وهو والأحمر المقدّم ذكره من أشهر

____________________

(١). التفسير الكبير ٢٩ / ٢٢٧.

٢٥

أصحابه وأخصّهم به.

ولمـّا عزم الفرّاء على الاتصال بالمأمون كان يتردّد إلى الباب، فبينما هو ذات يوم على الباب، إذ جاء أبو بشر ثمامة بن الأشرس النمري المعتزلي - وكان خصيصاً بالمأمون - قال: فرأيت أبهة أديب، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحراً، وفاتشته عن النحو فوجدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلاً فقيهاً عارفاً باختلاف القوم، وبالنجوم ماهراً، وبالطب خبيراً، وبأيام العرب وأشعارها حاذقاً، فقلت: من تكون وما أظنك إلا الفرّاء؟ قال: انا هو، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر بإحضاره لوقته وكان سبب اتصاله به

وقال الخطيب في تاريخ بغداد: إنّ الفراء لما اتصل بالمأمون أمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ في كتاب المعاني، وقال الرّاوي: وأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإِملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضياً، فلم يزل يمليه حتى أتمّه

وكان سبب إملائه كتاب المعاني: أن أحد أصحابه - وهو عمر بن بكير - كان يصحب الحسن بن سهل المقدّم ذكره، فكتب إلى الفراء أنّ الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني فيها جواب، فإنْ رأيت أن تجمع لي أصولاً، وتجعل في ذلك كتاباً يرجع اليه فعلت. فلمـّا قرأ الكتاب قال لأصحابه: إجتمعوا حتى أملي عليكم في القرآن، وجعل لهم يوماً، فلمـّا حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فقال له: إقرأ. فقرأ فاتحة الكتاب، ففسّرها حتى مرّ في القرآن كلّه على ذلك، يقرأ الرجل والفرّاء يفسّره، وكتابه هذا نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يزيد عليه.

وكان المأمون قد وكّل الفرّاء يلقّن ابنيه النحو، فلما كان يوماً أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفرّاء يقدّمانها له، فتنازعا أيّهما

٢٦

يقدّمانها له، فاصطلحا على أن يقدّم كلّ واحد منهما فرداً فقدّماها

وقال الخطيب أيضاً: كان الفقيه محمد بن الحسن ابن خالة الفرّاء، وكان الفرّاء يوماً جالساً عنده فقال له الفرّاء: قلّ رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره إلّا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فأسألك عن باب من أبواب الفقه، فقال: هات على بركة الله تعالى. قال: ما تقول في رجل صلّى فسهى فسجد سجدتين للسهو فسهى فيهما؟ ففكّر الفرّاء فيهما ساعة ثم قال: لا شيء عليه. فقال له محمد: ولم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير له، وإنما السجدتان تمام الصلاة وليس للتمام تمام. فقال محمد: ما ظننت آدميّاً يلد مثلك

وقال سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفرّاء كيف كان يعظّم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.

ومولد الفرّاء بالكوفة وتوفّي الفرّاء سنة سبع ومائتين في طريق مكّة، وعمره ثلاثة وستون سنة، رحمه الله تعالى »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها الامام البارع النحوي، يحيى بن زياد الفرّاء الكوفي، أجلّ أصحاب الكسائي، كان رأساً في النحو واللغة، أبرع الكوفيّين وأعلمهم بفنون الأدب، على ما ذكر بعض المؤرّخين، وحكي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفرّاء »(٢) .

٣ - الذهبي: « الفرّاء أخباري علامة نحوي، كان رأساً في قوة الحفظ. أملى تصانيفه كلّها حفظاً، مات بطريق مكة سنة ٢٠٧. عن ثلاث وستين سنة. اسمه يحيى بن زياد »(٣) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٥ / ٢٢٥ - ٢٣٠.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٢٠٧.

(٣). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧٢.

٢٧

٤ - الذهبي أيضاً: « وهو أجلّ أصحاب الكسائي، وكان رأساً في النحو واللغة »(١) .

٥ - ابن الوردي: « أبرع الكوفيين نحواً وأدباً، وله كتاب الحدود وكتاب المعاني، وكتابان في المشكل، وكتاب النهي، وغير ذلك. توفي بطريق مكة، وعمره نحو ثلاث وستين، كان يفري الكلام فلقّب بذلك »(٢) .

(٣)

أبو زيد اللّغوي

وأمّا تصريح أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري اللّغوي بورود ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، فقد اعترف به ( الدهلوي ) نفسه في كلامه، كما جاء في كلام غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي في ترجمة ( التحفة الاثنا عشرية ) حيث قال في الجواب عن حديث الغدير: « ولا يخفى أنّ أوّل الغلط في هذا الاستدلال هو إنكار أهل العربيّة قاطبة ثبوت ورود المولى بمعنى الأولى، بل قالوا لم يجيء قط المفعل بمعنى أفعل في موضع ومادة أصلاً، فضلاً عن هذه المادة بالخصوص، إلّا أن أبا زيد اللّغوي جوّز هذا متمسكاً بقول أبي عبيدة في تفسير( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم ».

وستأتي ترجمة أبي زيد اللّغوي في الكتاب إنْ شاء الله تعالى.

____________________

(١). العبر حوادث ٢٠٧.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٢٠٧.

٢٨

(٤)

أبو عبيدة

وأمّا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنّى البصري ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد نصّ عليه الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) أيضاً كما سيأتي قريباً، وفي ( التفسير ) كما عرفت من عبارته الماضية، وكذا ذكره ابن الجوزي في ( زاد المسير )، واعترف به ( الدّهلوي ) كذلك، وصرّح به الأسلمي المذكور في ( الترجمة العبقريّة ).

ترجمة أبي عبيدة

١ - الذهبي: « أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري، اللغوي الحافظ، صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروبة وأبي عمرو بن شيبة. وعنه: أبو عثمان المازني وأبو العيناء وخلق.

قال الحافظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي عالم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره ابن المبارك فصحّح رواياته.

مات أبو عبيدة سنة عشر ومائتين، وقيل سنة تسع »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي، العلّامة الأخباري صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروة وأبي عمر بن العلا وكان أحد أوعية العلم. وقيل توفي سنة إحدى عشرة »(٢) .

٣ - وذكر ابن الأثير في خطبة كتابه ( النهاية ) القول بأنّ أبا عبيدة أوّل من

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧١.

(٢). العبر حوادث ٢١٠.

٢٩

ألّف في فن غريب الحديث بعد اختلاط الألسن وتداخل اللغات، حيث قال: « فلما أعضل الدّاء وعزّ الدّواء ألهم الله جماعة من أولى المعارف والنهى وذوي البصائر والحجى، أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفاً من عنايتهم، وجانباً من رعايتهم، فشرّعوا فيه للناس موارد، ومهّدوا فيه لهم معاهد، حراسة لهذا العلم الشريف من الضّياع، وحفظاً لهذا المهمّ العزيز من الاختلال، فقيل: إنّ أوّل من جمع في هذا الفن شيئاً وألّفه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتاباً »(١).

٤ - وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب اللّغوي بعد ذكر الخليل: « وكان في هذا العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أخذ جلّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كلّه، وهم أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وكلّهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر، ورووا عنه القراءة. ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمرو أبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب، وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم وكان أبو زيد أحفظ الناس للّغة بعد أبي مالك وأوسعهم رواية وأكثرهم أخذاً عن البادية، وقال ابن منادر: كان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها

وأبو زيد من الأنصار، وهو من رواة الحديث، ثقة عندهم مأمون، وكذلك حاله في اللغة، وقد أخذ عنه اللغة أكابر الناس منهم سيبويه وحسبك، قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان قال: فإذا سمعته يقول: وحدثني من أثق بعربيته فإنّما يريدني.

وكبر سنّ أبي زيد حتى اختلّ حفظه ولم يختل عقله، ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد حدثنا محمد بن الحسن الأزدي عن أبي حاتم عن

____________________

(١). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.

٣٠

أبي زيد قال: كتب رجل من أهل رامهرمز إلى الخليل يسأله كيف يقال: ما أوقفك هاهنا ومن أوقفك؟ فكتب إليه: هما واحد. قال أبو زيد: ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك فقلت له: إنما يقال من وقفك وما أوقفك. قال: فرجع إلى قولي.

وأما أبو عبيدة فإنه كان أعلم الثلاثة بأيّام العرب وأخبارهم وأجمعهم لعلومهم، وكان أكمل القوم، قال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلّا عرفتهما وعرفت فارسيهما، وهو أوّل من ألّف في غريب الحديث ».

وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب: « أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم ابن حمد قال قال أبو حاتم: إذا فسّرت حروف القرآن المختلف فيها وحكيت عن العرب شيئاً فإنّما أحكيه عن الثقات منهم، مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس، وثقات من فصحاء الأعراب وحملة العلم »(١) .

(٥)

أبو الحسن الأخفش

وممن نصّ على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ): أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف بالأخفش قال الفخر الرازي: « إنّ أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً الأخفش والزّجاج وعلي بن عيسى واستشهدوا ببيت لبيد »(٢) .

____________________

(١). المزهر في اللغة ٢ / ٢٤٩.

(٢). نهاية العقول في الكلام ودراية الأصول - مخطوط.

٣١

ترجمة الأخفش

١ - ابن خلكان: « أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء النحوي البلخي المعروف بالأخفش الأوسط. أحد نحاة البصرة من أئمة العربية، وأخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه، وكان يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلّا وعرضه عليّ وكان يرى أنه أعلم به منّي وأنا اليوم أعلم به منه

وكانت وفاته سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل سنة إحدى وعشرين ومائتين رحمه الله تعالى »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها الأخفش الأوسط إمام العربية »(٢) .

٣ - السيوطي: « قال المبرد: أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشي ثم قطرب. قال: وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل »(٣) .

(٦)

أبو العباس ثعلب

وأما تفسير أبي العباس ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني البغدادي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد ذكره الحسين بن أحمد الزوزني في شرح المعلّقات السّبع حيث قال:

« فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

الفرج موضع المخافة، والفرج ما بين قوائم الدواب، فما بين اليدين فرج

____________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٢٢.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٢١٥.

(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٩٠.

٣٢

وما بين الرجلين فرج، والجمع فروج.

وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي هي الأولى بكم »(١) .

مصادر ترجمة ثعلب

ولقد ترجم لأبي العباس ثعلب بكل ثناء وتبجيل في المصادر التالية:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٨٤ - ٨٧.

٢ - تاريخ بغداد ٥ / ٢٠٤.

٣ - مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

٤ - العبر في خبر من غبر حوادث سنة ٢٩١.

٥ - تتمة المختصر في أخبار البشر حوادث سنة ٢٩١.

وقد أوردنا في الكتاب سابقاً ترجمته عن هذه الكتب.

وقال الذهبي بترجمته في ( تذكرة الحفاظ ): « ثعلب - العلّامة المحدّث شيخ اللّغة والعربية حدّث عنه: نفطويه ومحمد بن العباس اليزيدي وعلى الأخفش ومحمد بن الأعرابي وأحمد بن كامل وأبو عمرو الزاهد ومحمد بن مقسم وآخرون. مولده سنة ٢٠٠. وابتدأ بالطلب سنة ست عشرة حتى برع في علم الأدب، ولو سمع إذ ذاك لسمع من عفان ودونه.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من القواريري مائة ألف حديث. وقال الخطيب. وقال الخطيب: كان ثعلب ثقة حجة ديّناً صالحاً مشهوراً بالحفظ قال المبرّد: أعلم الكوفيين ثعلب. فذكر له الفرّاء فقال: لا يعشره »(٢) .

____________________

(١). شرح المعلقات للزوزني: ٩١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٦.

٣٣

(٧)

أبو العباس المبرد

وأما حكم أبي العباس محمد بن يزيد المبرد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد ذكره علم الهدى السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه حيث قال: « قال أبو العباس بالمبرّد في كتابه المترجم عن صفات الله تعالى: أصل يا ولي أولى الذي هو أولى وأحق، ومثله المولى »(١) .

مصادر ترجمة المبرد

وللمبرّد ترجمة في كثير من كتب التاريخ والأدب مع المدح العظيم والثناء الجميل، وقد أشرنا سابقاً إلى ترجمته في عدة من المصادر، مثل:

١ - وفيات الأعيان ٤ / ٣١٤.

٢ - العبر في خبر من غبر حوادث: ٢٨٥.

٣ - تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠ - ٣٨٧.

٤ - مرآة الجنان حوادث: ٢٨٥.

٥ - بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.

٦ - المنتظم في تاريخ الأمم ٧ / ٩ - ١١.

وقد نصّ جلال الدين السّيوطي على وثاقته حيث قال: « وكان فصيحاً بليغاً مفوهاً ثقةً أخباريا علّامة صاحب نوادر وظرافة »(٢) .

____________________

(١). الشافي في الامامة: ١٢٣.

(٢). بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.

٣٤

ترجمة الشريف المرتضى

وأما السيد المرتضى الذي نقل عن المبرد كلامه المذكور فمن كبار علمائنا الذي أطراهم علماء السنة وأثنوا عليهم الثناء البالغ، وذكروا فضائلهم وأوصافهم الحميدة في معاجم الرجال ومصادر التراجم وقد تقدم سابقاً في الكتاب طرف من كلماتهم في حقه. فراجع.

(٨)

أبو إسحاق الزجّاج

وأما حكم أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهو صريح كلام الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) وقد نقلناه آنفا.

ترجمة الزجاج

١ - السمعاني: « والمشهور بهذه النسبة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي الزجاج، صاحب كتاب معاني القرآن.

كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، حميد المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب »(١) .

٢ - النووي: « أبو اسحاق الزجاج الامام في العربية، مذكور في الروضة في الشرط في الطلاق، فيمن علّق طلاقها بأوّل ولد، هو أبو إسحاق [ إبراهيم ] بن السرّي بن سهل البصري النحوي، صاحب كتاب معاني القرآن قال الخطيب في

____________________

(١). الأنساب - الزجاج.

٣٥

تاريخ بغداد. كان أبو إسحاق الزجاج هذا من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد وحسن المذهب، له مصنّفات حسان في الأدب. روى عنه علي بن عبد الله بن المغيرة وغيره وتوفي الزجاج يوم الجمعة لإِحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣١١ »(١).

٣ - ابن خلكان: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين »(٢) .

٤ - اليافعي: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين المتين، وله من التصانيف في معاني القرآن وعلوم الأدب والعربية »(٣) .

(٩)

إبن الأنباري

وأما تصريح محمد بن القاسم الأنباري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد نقله السيد المرتضى حيث قال: « وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل: والموالي في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام، أوّلهنّ المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى الولي والمولى الأولى بالشيء، وذكر شاهداً عليه الآية التي قدّمنا ذكرها، وبيت لبيد، والمولى الجار، والمولى ابن العم، والمولى الصهر، والمولى الحليف، واستشهد على كلّ واحد من أقسام مولى بشيء من الشعر، لم نذكره لأن غرضنا سواه »(٤) .

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٧٠.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٣١ - ٣٣.

(٣). مرآة الجنان، حوادث ٣١٠.

(٤). الشافي في الامامة: ١٣٤.

٣٦

ترجمة ابن الأنباري

١ - السمعاني: « أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن ابن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنباري النحوي، صاحب التصانيف، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً روى عنه: أبو الحسن الدار قطني، وأبو عمر ابن حيويه الخزاز، وأبو الحسين بن البواب وطبقتهم.

وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً برّاً خيراً من أهل السنّة، وصنّف كتباً كثيرة في علم القرآن وغريب الحديث والمشكل والوقف والابتداء والرد على من خالف مصحف العامة، وكان يملي وأبوه حي، يملي هو في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وكان يملي من حفظه، وما كتب عنه الإِملاء قط إلّا من حفظه. وكانت ولادته في رجب سنة ٢٧١. وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة سنة ٣٢٨ »(١) .

٢ - ابن الأثير: « ثم صنّف الناس غير من ذكرنا في هذا الفن تصانيف كثيرة منهم: شمس بن حمدويه، وأبو العباس أحمد بن يحيى اللغوي المعروف بثعلب، وأبو العباس محمد بن يزيد الثمالي المعروف بالمبرد، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكندي، وأبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب وغيرهم.

هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث »(٢) .

٣ - ابن خلكان: « كان علّامة وقته في الأدب، وأكثر الناس حفظاً لها، وكان صدوقاً ثقة ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٣) .

____________________

(١). الأنساب - الأنباري.

(٢). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.

(٣). وفيات الأعيان ٣ / ٣٦٣.

٣٧

٤ - الذهبي: « ابن الأنباري الحافظ شيخ الإسلام كان من أفراد الدهر في سعة الحفظ مع الصّدق والدين. قال الخطيب: كان صدوقاً ديّناً من أهل السنّة »(١) .

٥ - الصفدي: « محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر ابن الأنباري النحوي اللغوي العلّامة كان إماماً في نحو الكوفيين، وأملى كتاب غريب الحديث في خمسة وأربعين ورقة ...»(٢) .

٦ - ابن الجزري: « الإِمام الكبير والأُستاذ الشهير قال أبو علي القالي: كان ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهداً في القرآن، وكان ثقة صدوقاً، وكان أحفظ من تقدّم من الكوفيين.

وقال حمزة بن محمد بن ماهر: كان زاهداً متواضعاً.

وقال الداني فيه: إمام في صناعته مع براعة فهـ وسعة علمه وصدق لهجته. وقال أبو علي التنوخي: كان ابن الأنباري يملي من حفظه، ما أملى قط من دفتر قال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر من علمه، حدّثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً. قال التميمي:

وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله. وحدّثت عنه أنّه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها ...»(٣) .

٧ - السيوطي: « قال الزبيدي: كان من أعظم الناس علماً بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً، سمع من ثعلب وخلق، وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٤) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٤٢.

(٢). الوافي بالوفيات ٤ / ٣٤٤.

(٣). طبقات القراء ٢ / ٢٣٠.

(٤). بغية الوعاة ١ / ٢١٢.

٣٨

(١٠)

محمد بن عزيز السجستاني

وأما تصريح محمد بن عزيز السجستاني العزيزي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في تفسيره لغريب القرآن المسمى ( نزهة القلوب ) حيث قال: « مولانا. أي: ولينا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف ».

نزهة القلوب

وهذا التفسير أوله: « الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله وسلّم تسليما، هذا تفسير غريب القرآن ألف على حروف المعجم ليقرب تناوله ويسهل حفظه على من أراده. وبالله التوفيق والعون ».

ذكره القاضي الشوكاني بقوله: « تفسير السجستاني المسمى نزهة القلوب أرويه بالإسناد السابق إلى الشماخي أيضا عن أحمد بن عباس السامري عن محمد ابن علي المؤذن عن عبد الله بن محمد بن دحمان عن محمد بن أحمد المعروف بابن الخطاب عن أبي الحسن عبد الباقي بن فارس المقري عن عبد الله بن الحسين بن حسنون المقري عن المؤلف »(١) .

ترجمة العزيزي السجستاني

١ - السيوطي: « محمد بن عزيز أبو بكر العزيزي السجستاني بزائين

____________________

(١). إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر: ٢٥.

٣٩

معجمتين كما ذكره الدارقطني وابن ماكولا وغيرهما. وقيل: الثانية مهملة نسبة لبني عزرة، وردّ بأن القياس فيه العزري لا العزيري.

كان أديباً فاضلاً متواضعاً، أخذ عن أبي بكر الأنباري، وصنّف غريب القرآن المشهور فجوّده، ويقال: إنه صنّفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه الأنباري يصلح فيه مواضع. رواه عنه ابن سحنون وغيره. مات سنة ٣٠٣.

وقال ابن النجّار في ترجمته: كان عبداً صالحاً، روى عنه غريب القرآن أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان المعروف بابن بطّة العكبري وأبو عمرو عثمان بن أحمد بن سمعان الوزّان، وأبو أحمد عبد الله بن حسنون المقري وغيرهم.

قال: والصحيح في اسم أبيه عزير آخره راء. هكذا رأيته بخط ابن ناصر الحافظ، وذكر أنه شاهده بخط يده وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه عنه وكانوا متقنين. وذكر لي شيخنا أبو محمد الأخضر أنه رأى نسخة بغريب القرآن بخط مصنفه وفي آخرها: كتبه محمد بن عزير بالراء المهملة »(١) .

٢ - السيوطي: أيضاً: « النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه، أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم: أبو عبيدة وأبو عمرو الزاهد وابن دريد. ومن أشهرها: كتاب العزيزي فقد أقام في تأليفه خمس عشرة سنة يحرّره هو وشيخه أبو بكر ابن الأنباري »(٢) .

٣ - السمعاني: « وكتاب غريب القرآن للعزيري، وهو: محمد بن عزير السجستاني المعروف بالعزيري لأنه من بني عزرة. هكذا ذكره القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن أبي البقاء القاضي، وروى الكتاب عن أبي موسى الأندلسي

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ١٧١.

(٢). الإِتقان في علوم القرآن ١ / ١١٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ويحكم لا تباهلوه..

لا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة).

- إلى يوم القيامة!.

- نعم: إلى يوم القيامة.

* * *

وذكروا أنّهم قالوا: (يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك.. وأن نقرك دينك، وأن نثبت على ديننا.

- « فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين. »

- لا نسلم.. ولا نترك دين آبائنا!.

- « أناجزكم القتال. »

إنّها الحرب المهلكة.. لا طاقة لنا بحرب العرب ولكن..

- « ولكن ماذا؟! »

نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّة، ألفاً في صفر وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد.

يقول اليعقوبي وغيره: فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ألفي حلّة من حلل الاواقي (كذا)، قيمة كلّ حلّة أربعون درهماً. فما زاد ونقص فعلى حساب ذلك، وكتب لهم رسول الله( ص ) كتاباً.

« بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد رسول الله، لنجران وحاشيتها، إذ كان له عليهم

٦١

حكمة في كلّ بيضاء، وصفراء، وثمرة، ورقيق، فما زاد ونقص، فعلى هذا الحساب ألف حلّة في صفر، وألف في رجب، وعليهم ثلاثون ديناراً مثواة رسلي فما فوق، وعليهم في كلّ حرب باليمن دروع عارية مضمونة، لهم بذلك جوار الله وذمة محمّد، فمن أكلّ الربا بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة. »

فقال العاقب:

يا رسول الله إنّا نخاف أن تأخذنا بجناية غيرنا.

فقال: « إكتبوا ولا يؤخذ أحد بجناية غيره. »

وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه:

« والذي نفسي بيده إنّ الهلاك تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا. »

موقف حسّاس، وهل من سامع لهذا الكلام من رسول الله، ومشاهد لموقف هؤلاء النفر إلى جانبه صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ لا يمثل قلبه إجلالاً وإكباراً، ثمّ لا يعترف بفضل الأنفس، والنساء، والأبناء، والمؤمنون العازفون عن الدنيا شعروا بمقامهم، وامتلأت قلوبهم إيماناً بمنزلتهم السامية، واعترفوا بتقدّمهم.

* * *

ولم يشأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقف هنا، ولم يدع الناس أن يمضوا قبل أن يتحدّث إليهم عن ربّه في نقاء هولاء الأربعة وطهرهم.

في هذه الساعة التي لا يزال الناس في دهشتهم وروعة الجلال التي

٦٢

ملكتهم، يعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقاء آل رسول الله، وطهرهم من كلّ دنس تقول السيدة عائشة:

(خرج رسول الله وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ، ثمّ قال:

( إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ ) .

ماذا بقي بعد هذا ما يحمل القلوب على الالتفاف حول أهل البيت. وأي شيء بعد الطهر والنقاء من كلّ رجس يحمل الناس على التهافت إلى حضيرتهم السامية؟.

صوت رفيع من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انطلق من حاضرة الإسلام مع الريح، ثمّ صار يشقّ طريقه في الفضاء رنّان الجرس، يقرع في سمع الأجيال جيلاً فجيل حتّى اليوم، وحتى قيام الساعة صارخاً.

هؤلاء فقط أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة.. هؤلاء فقط الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

كلمات طرقت الآذان، واستوعبتها مشاعر المؤمنين. رسالة السماء، وكلمات الله تنهج للناس الطريق الأمثل الأيلج، إنّه التنزيل بنصوص آياته، وروح معانيه، يرسم لنا صورة مثالية لأولياء ارتفعت عن التفكير والتصوير.

إنّه صوت الله يقرع الأسماع، فأين أين، وإلى أين؟

إنّها الرواسب الماديّة في نفوس جعلت من المسلمين صنفين.

٦٣

أفضل الخلق

يجدر بنا أن نقف عند هذا الحادث الخطير قليلاً، فإنّ لهذه المثاليّة السامية التي رسمها كتاب الله لآل رسوله حقوق في ذمّة المسلمين، لا يستطيع الزمن أن يقضي عليها، أو يتناولها بتحريف، مهما انتهج من أساليب، واصطنع من أعوان؛ لأنّ النهج الذي نهجه كتاب الله واضح، لا يدخله أي تعديل، ولا يمكن أن يتناوله التحريف، وإن تناوله التأويل، ومن ثمّة تشعّب الطريق بين المسلمين، وذر الخلاف قرنه، ولكنّ الحقّ عزيز الجانب، قد بثّ عيونه ونشر جنده.

ومن المستصوب أن نقف هنا موقف المعقب على هامش المباهلة، علّنا نخرج مع القارئ ولم يفتنا الصواب حينما يسفر البحث عن براهين متنوعة؛ لإثبات مثالية الأنفس، والنساء، والأبناء، وحينما تكون النتيجة أنّهم أفضل الخلق.

وهذا صحيح عن وجهة العقل، ومن وجهة الواقع من وجهة الاختيار الذي وقع عليهم.

فإنّه واضح جليّ، إنّ الاختيار الذي وقع على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، له أهميته الكبرى في تقرير مرتبة الفضيلة وانحصارها.

ولأنّ السبب الذي طوى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً، وخفرات المجد من عمر العلى، وشبيبة الحمد جميعاً، وأصحابه جميعاً، وأبناء

٦٤

المسلمين جميعاً، في زاوية، ولم يدعُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحداً من هؤلاء لم يبقِ مجالاً للشك بأنّ الذين وقع عليهم الاختيار، ولا يقاس بهم أحد من الناس إلاّ كان القياس خطأً؛ لأن القياس إنّما يقع في المرحلة التي يصحّ بها القياس، والذي لا مثيل له لا يقاس عليه.

والاختيار دلّنا على أنّهم لا مثيل لهم، والبداهة تستلزم ذلك، والعقل يحكم، ونحن لا نجد صعوبة في الفهم حين نفهم من هذا الاختيار التفضيل المطلق، والكمال المطلق في المرحلة الأخيرة.

ليس على الإنسان حساب في فهم التفضيل حينما يعلم أنّ الله سبحانه اختارهم في ساعة المقايسة والموازنة.( وَاللّهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) .

وهداية الله سبحانه تأخذ بيد الإنسان، فتخطو به إلى المثاليّة الرفيعة، ولي في العقل ما يمنع من الوصول إلى أعلى درجات الكمال، ولكنّ العقل لا يفهم هذا إلاّ باعتبار الوصول إلى فهم الحقيقة الإلهية فهماً كاملاً إلى حدّ الفناء في الله.

كما وإنّه ليس لاختيار الله مقاييس أخرى غير مقاييس الفضيلة على اعتبار الوصول إليه تعالى، وصولاً مقربّاً منه، وقد فنيت قلوب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذات الله، وكان لهم من الحياة الفضلى، والفناء ما يثبت لهم المثاليّة المطلقة في كلّ مقاييس الفضل، والكمال النفسي، والشخصي. وقد جاء الاختيار منه برهاناً ساطعاً لا يفسح مجالاً إلى قيل وقال، ولا إلى استدلال..

وبعد - فالعقل لا يتصور مثالية، ولا عبقريّة أرفع من مثاليتهم وعبقريتهم، فهم الراجحون في مقاييس الفضل، والسبق، والشرف، والإيمان.

٦٥

أولئك هم كيف واجهتهم، ومن أي النواحي أتيتهم، تجدهم الراجحين في مقاييس الفضل والفضيلة.

* * *

في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة، ولسنا في حجّة إلى تصوير من فيه منهنّ الكفاية من ناحية الدين، والخلق، والكمال. فإنّهنّ أمهات المؤمنين حقّاً، وفي المدينة من المهاجرين، والأنصار، وبني هاشم، جمع غفير تجاوز عشرات المئات إلى عشرات الألوف. وفيهم النخبة الصالحة الممتازة من المقيمين على الحقّ، اعتصموا بحبل الله، وحبل الرسول، صبروا على الأذى، وجاهدوا في سبيل الله، أولو سابقة في الإسلام، أخلصوا لله في نيّاتهم، وتوجّهوا إليه بقلوبهم، وأعمالهم، راضوا أنفسهم في سبيل كمالها؛ فرضوا من الدنيا بالكفاف. وفي بني هاشم، والمسلمين من الأبناء ما يزيد عن العدّ، احتفل بهم التاريخ، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوى هؤلاء جميعاً، وأولئك جميعاً، وتركهم جانباً، ثمّ خرج بعليٍّ ( ع ) من الأنفس، وبفاطمة ( ع ) من النساء، وبالحسن والحسين ( ع ) من الأبناء، ولم يخرج معه أحداً غيرهم.

ولماذا؟؟..

حدّثونا فيما حدثونا به عن أبي رباح مولى أم سلمة، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب هذا السؤال إنّه قال: « لو علم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي، وفاطمة، والحسن، والحسين لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء

٦٦

- وهم أفضل الخلق - فغلبت بهم النصارى. »

بهذا يواجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه حيث يسأل، وبهذه الكلمات الوجيزة يعلن عن قيم أصحاب الكساء، وأهل آية المباهلة، وقدسهم وسموهم، وعن مكانتهم من الله عزّ وعلا.

حقّاً إنّ مثل هذا الخبر له قيمته في تعرف قيم آل رسول الله، الذين اختارهم الله؛ ليباهل بهم رسولُهُ قسس نجران.

ونحن لا نجد تصويراً لسموّ فضلهم، أدقّ وأصدق من هذا التصوير المعلن برفيع مكانتهم، وكبير قدرهم، وسامي منزلتهم، وعظيم فضلهم، ويحسبنا أن نستمع إليه يقول: « لو علم الله أن في الأرض أكرم من عليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ لأمرني أن أباهل بهم » بخ بخ ليس في علم الله أحد أفضل منهم. لا في الأرض، ولا في السماء.

وإنّ هذا التعبير ينشئ في نفوسنا صوراً شتّى من القيم المثالية، التي تعبّر عن قيمهم الرفيعة في المجتمع الروحاني الأقدس، وهذا هو الشرف العظيم الذي تطامن إليه الرقاب بخوعاً.

ولهذا الحديث منشآة عالية في النفوس، فهو ينشئ في نفوسنا صوراً من قدس النفس، وعظيم المنزلة، وينشئ في نفوسنا صورة من الفضل والكرامة عند الله تعالى، وإنّه ليس أحدٌ أكرم عليه منهم، وينشئ في نفوسنا صورة مثالية رفيعة، ارتفعت عن كلّ تفكير، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باهل بهم، وهم أفضل الخلق، وبهم غلب النصارى. وحسب الناظر في هذا الحديث، وغيره من الأحاديث الصحيحة أن يثبت أعلى درجات الكمال، ويحسبه

٦٧

أن يكون رجع إليه وعيه، وثاب إلى رشده فاثبت ذلك بعقله.

ونحن اليوم نعيش في عصر المحاكمات، وقياس الأمور بأقيسة الأرقام، لا بأقيسة الثقل.

وبعد - فلا أحسب أنّ أحداً من المسلمين يستطيع أن يرجع هذا إلى مظهر من مظاهر عطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل بيته، وإن وجد فيهم من يعتقد مثل هذا - والعياذ بالله - فقد قصدت نفسه إلى نوازع الشيطان، التي تحيك في السرائر، وزلقت قدمه فتدحرج إلى هوّة سحيقة، فخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. فإنّ رسول الله.

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏* إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى‏* عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) ( إنّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ* وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ* تَنزِيلٌ مِن رَبّ الْعَالَمِينَ* وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين* ثمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِنْ أحد عَنْهُ حَاجِزِينَ) .

* * *

وليست آية المباهلة بالآية الأولى والأخيرة التي التقى فيها القرآن المجيد بآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد التقى بهم مرات في كثير من النواحي. يقول ابن العباس:

(نزل في عليّ أكثر من ثلثمائة آية في مدحه. وعن الأعمش عن أصحاب ابن عباس قال: ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلاّ وعليّ أميرها، وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في غير مكان،

٦٨

وما ذكر عليّا إلاّ بخير)

ولا نريد هنا أن ننقل إلى القارئ كلّ ما نزل فيه، وفي أصحاب الكساء. إذ ربما يكون في النقل الكثير شيء من الإطناب، ولكن مع إمساكنا عن التبسّط في الحديث لا يسعنا إلاّ أن نلفت نظر القارئ إلى شيء ميسور فهمه. ذلك أنّ المفسرين، وحملة الحديث لم يتّفقوا على شيء من الآيات التي يدّعى نزولها في بعض الصحابة كما اتفقوا على الآيات التي نزلت في أصحاب الكساء، في مدحهم، والثناء عليهم. ونظرة عجلى في ذلك تثبت لنا صحّة الدعوة، ومثالاً واحداً نضعه بين يديك، اقرأ قوله تعالى من سورة الدهر:

( إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى‏ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إنّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) .

اقرأ ذلك إلى قوله تعالى( إِنّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً )

اقرأ ذلك لتعلم مقام أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وقد ورد من طرق عديدة إنّ هذه الآيات نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين(١) .

____________________

(١) أخرج غير واحد من أعلام أهل السنة عن ابن عباس، أنّ هذه الآيات نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين. وإليك نص ما قاله الزمخشري في كشّافه: (وعن ابن عباس (رض) إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا يا أبا الحسن -

٦٩

وهل من قارئ لهذه الآيات لا يمتلئ قلبه إكباراً وإجلالا وتقديساً لهؤلاء الأبرار؟ وهذه ناحية من نواحي عظمتهم المرموقة.

أجل. إن هذه الآيات وغيرها من الآيات الكثيرة تلقي ضوءاً على عبقرية أهل البيت (عليهم السلام)، ويكاد أن يعتقد كلّ منصف إنّه لا يجد في المسلمين من يشاركهم في فضلهم، وبوضوح ترسم لنا ألوانا من السموّ، وتحتفل بضروب من العظمة، وهي بمجموعها تمثل لنا صورة من المنزلة العالية

____________________

- لو نذرت على ولديك؛ فنذر عليّ وفاطمة، وفضّة - جارية لهما - إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا. وما معهما شيء؛ فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء. وأصبحوا صيّاماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ عليّ (رضي الله عنه) بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: « ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم »، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، وقد التصقت بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه جبرائيل عليه السلام وقال: « خذها يا محمّد، هنّاك الله في أهل بيتك » فأقرأه السورة. انتهى. من الكشاف في تفسير سورة هل أتى ( الدهر).

٧٠

والمقام الرفيع عند الله تعالى، وبالأخير المثالية التي خرجت عن حدود المقاييس والموازين.

وليس هناك ما يمنعهم من هذه المثالية، وقد خرجوا من البيت الذي خرجت منه الدعوة الإسلامية، وساروا في الطريق التي يسير فيها القرآن المجيد، ويدخلون كلّ بيت يدخله القرآن، ولا يفترقون عنه حتّى يردوا على رسول الله يوم القيامة(١) .

* * *

ليس من السهل الهيّن على الإنسان أن ينتزع من نفسه الأنسجة

____________________

(١) من جملة حديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرف بين المحدّثين بحديث الثقلين، أو حديث التمسّك، ولفظه عند الترمذي « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟! ».

ولقد بسطنا البحث فيه في كتابنا (تحت راية الحقّ). وهو من الأخبار المتواترة، أجمع المحدثون على روايته، وأخرجوه من طرق عديدة. أخرجه مسلم في صحيحه، وصاحب الجمع بين الصحاح الست، وصاحب الجمع بين الصحيحين، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والطبراني، والطبري، والبيهقي، والبزّار، والملا، وأبو يعلى إلى كثير منهم، وقد أجمعوا على صحّته. نعم البخاري لم يخرجه وإن صحّ من طريقه، ولكن حال البخاري في أمثال هذا الحديث معلوم لكلّ متتبع. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

٧١

التي يحاك منها الخطأ؛ ليشاهد الحقيقة الماثلة أمام عينيه واضحة جليلة لا يسترها ستر. ولكن من السهل الهيّين أن يوقظ في نفسه الروح العلميّة؛ فتقوده إلى دراسة النفسيات، والشخصيات عن طريق الحوادث التاريخية. وبهذا يستطيع - إذا كان جريئاً، وكان صافي النفس - أن يكشف الستار عن الحقائق، ويجليها من الأصداء المتراكمة عليها طوال السنين، ومن السهل عليه إذن أن يكون ضميره أسرع إلى اقتباس الحقائق من عينيه، ويأمن كلّ خطأ.

وأيضاً يجب أن لا نشك أنّ لكلّ جيل، ولكلّ حضارة قيم اجتماعية هي مقياس الفضيلة في الموازين.

وكذلك لا شك في اختلاف هذه القيم، وتفاوت نسبها سموّاً واعتباراً، وواجب الباحث الفصل بينها بكلّ الاعتبارات المقوّمة لهذه القيم.

والإنسان الذي يرجّح في كفّة الميزان هو الذي تحفُّ بشخصه أعلا القيم، وأمثلها. وذلك بالحصول على أمثل الصفات وأعلاها، التي هي تجعله فريداً وحيداً. وأن يتّصف بالصفات التي تقرّبه من الله « تخلّقوا بأخلاق الله »، وكلما كان الإنسان قريباً من الله، فانياً في ذات الله، كانت إنسانيته أكمل، ومنزلته أعلى وأرفع.

أمّا علي فإنّه (في كلّ ناحية من نواحي الإنسانية ملتقى بسيرته(١» ، وقد (ورث عليّ بحكم مولده، ومربّاه مناقب النبوّة، ومواهب الرسالة، وبلاغة الوحي، وصراحة المؤمن)(٢) وقد تجمعت فيه أخلاق محمّد صلى الله عليه وآله

____________________

(١) عبقريّة الإمام للعقّاد.

(٢) تاريخ الآداب العربية للزيات.

٧٢

وسلم، ومحمد إنسان تجمّعت في إنسانيته صفات روحيّة، جعلته أفضل مخلوق، وأشرف مخلوق، وفوق كلّ مخلوق.

وعليٌّ رديف محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا للنبوة، وهذا للإمامة، وهو غرسه قد أخذ عنه أمثل الأخلاق، وأسمى الصفات؛ فكان عنواناً كاملاً لأسمى الصفات، وأمثل الأخلاق. والإسلام لم يعرف قط أصدق إسلاماً، ولا أشدّ إيماناً منه، ولم ينفذ الإسلام إلى أعماق قلب مسلم، كما نفذ إلى أعماق قلبه. كان يؤثر الآخرة على الأولى، ويعمل لإرضاء الله ورسوله، لإرضاء الناس، ولقد وصفه ضرار فأجاد الوصف قال:

(كان والله بعيد المدى، شديد القوى. يقول فصلاً، ويحكم عدلاً. يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطف الحكمة من نواحيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبّئنا إذا استنبأناه. ونحن مع تقريبه إيّانا، وقربه منّا لا نكاد نكلّمه؛ لهيبته، ولا نبتدئه؛ لعظمته. يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين. لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثُل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين يقول:

« يا دنيا إليكِ عنّي غرّي غيري، أ بي تعرّضتِ أم إليّ تشوقتِ؟ هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة لي عليكِ، فعمركِ قصير، وخطركِ حقير، وخطبكِ يسير. آه من قلّة الزاد، وبعد السفر. »

٧٣

حقاً هذا هو عليّ عليه السلام، الشديد في محاسبة نفسه، وهذا هو علي حقّاً في كفة الميزان. فهل يرجح عليه أحد، أو يساويه أحد من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟.

هذا هو علي ( ع )، وتاريخه المجيد منذ طفولته مفعم بمئات من الأدلة والشواهد. وحسب القارئ أن يرجع إلى الأحاديث الصحيحة، والمشهورة، والمتواترة، الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في فضل عليّ عليه السلام، وقد مرّ عليك شيء منها، ونزيدك هنا بما يرجّحه في كفّة الميزان إذا نصبت الموازين:

رووا إنّه ُقدّم لرسول الله ( ص ) طير مشوي فقال:

« اللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. »

فجاءه عليٌّ( ع ) فأكل معه(١) .

وعن سعد بن أبي وقاص(٢) (أمر معاوية بسبّ عليّ فامتنعتُ؛ فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟. قال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلن أسبّه، ولإن تكون لي واحدة منهن أحبّ

____________________

(١) أحمد في مسنده، وموفق بن أحمد عن ابن عباس، وعن أنس، والترمذي عن أنس، وابن أبي داوود، وابن المعازي من عشرين طريق.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، عن عامر أيضاً إلاّ أنّه قال: (أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ خير لي من حمر النعم). والترمذي أيضاً بعين ما عند مسلم.

٧٤

إليّ من حمر النعم. سمعت رسول الله ( ص ) يقول له حين خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: « يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان. »

فقال له رسول الله (ص): « أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبوة بعدي. » وسمعته يقول يوم خيبر: « لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. » قال فتطاولنا لها فقال: « ادعوا عليّاً » فأتي به أرمداً؛ فبصق في عينيه، ودفع الراية له؛ ففتح الله عليه. ولمّا نزلت الآية( ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال« اللهم هؤلاء أهلي. »

ومن رواية أبي بكر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيّم خيمته، وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال:« يا معشر المسلمين، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلاّ سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلاّ شقيّ الجد رديء الولادة. »

وحسب عليّ عليه السلام أن يكون مع القرآن، والقرآن معه. وأن يكون مع الحقّ، والحق معه، يدور معه كيف دار. وأن يكون عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ.

* * *

وأما الزهراء فبحسبها أن تكون مختارة الله؛ ليباهل بها رسول الله من تسع نسوة هنّ أمهات المؤمنين، ومن بين نسوة زكيّات المغرس في المنبت الأثيل، والشرف الموروث في المجد المؤثل خفرات عمر العلى غرّة المجد، وعقائل شيبة الحمد، كأم هاني وصفية.

٧٥

ولا يجوز عند العقل أن يكون اختيار، ولا تكون أفضلية. ولا يتأتّى الاختيار إذا لم يكن هناك كمال مطلق، وأفضلية على سائر النساء. وإلاّ لزم الترجيح بدون مرجّح وهذا مستحيل عند العقل، لا يجوز على الحكيم.

ومن أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق بدون مشاركة؛ لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة، والمشاركة في الكمال.

فلابد إذن من أفضلية، وأكمليّة؛ ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.

وإذا كانت سلام الله عليها قد اختارها الله مع من اختار، فما ذلك إلاّ من سموّ القدس، وغلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذبة، وإذا غلبت الروحانية فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالية.

وعلى قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانيّة، وترفع إلى منزلتها السامية التي أعدت لها في المكان الأرفع.

وحيث تجمعّت القوى الروحية، والنواميس القدسيّة في هذا الملاك النسوي الطاهر؛ فقد تهيأت النفس للمثل العليا، وخرقت العادة في اطّرادها البشري، حتّى تستحيل إلى معجزة في كمال الوجود، وكمال الفضيلة.

وهكذا كانت فاطمة بنت محمّد عليه وعليها السلام. فقد تجمّع في نسويتها نواميس روحية، وكمالات نفسيّة رفعتها في الإنسانية إلى أسمى الدرجات التي يصحّ في العقل أن ترتفع إليها امرأة، فهي إذن سيدة نساء العالمين. وكتب الحديث مليئة بالشواهد، والبراهين على فضلها، وعلو مقامها. وحسبها أنّها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من آذاها آذى رسول الله، ومن أغضبها أغضبه.

٧٦

أمّا الحسنان فبحسبهما هذا الاختيار لهما من الله تعالى.

وهذا الاختيار منه يجب أن يقطع جميع النوازع التي تحاك في الصدور، وقد لا يكون صعوبة في فهم الأفضلية حينما نفهم أنّ الاختيار من الله الحكيم، وقد رأينا من قبل أنّ الحكيم لا يختار إلاّ الأكمل الأفضل.

والقول بأنّ الله اختارهما، أمرٌ يقتضيه العقل، ويقرّه البرهان، والمنطق السديد.

والناس يخطئون فهم العقل، ويخطئون صواب المنطق، ويخطئون النبي حين يفهمون أنّ هذا الاختيار كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان تفسيراً منه للأنفس، والنساء، والأبناء، مأخوذاً بالعاطفة الإنسانية.

والمباهلة تشريع في المرحلة الحاسمة، جاء النص بها من الله سبحانه، وكما ترى المسألة مسألة إلزام الخصم حين لم ينفع معه البرهان. وإذن ليس لرسول الله( ص ) أن يختار مأخوذاً بالعاطفة، إذا جوزنا عليه ذلك تمشياً مع الخصم.

على أنّه في عرف اللغة العربية ما يشهد لنا ببنوّة الحسنين عليهما السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإذن فالآية نصّ صريح.

٧٧

المفسرون

توطئة: القرآن الكريم هو كتاب الله المنزّل على نبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لهداية البشر، وهو آخر كتاب سماويٍ منزّل على آخر نبيّ مبعوث من عند الله سبحانه مربّياً وهادياً، ومنمياً للإحساس ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ،( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )

والقرآن هو الكتاب الخالد الذي لا تخلق جدته، وما زال، ولا يزال، ولن يزال مظهراً من مظاهر هداية الله، طبقاً لما في علمه الأزلي، يسير مع العصور في كلّ بيئة، ولكل جيل حتّى النهاية، وإلى قيام الساعة، وهو الكتاب الذي يتسامى عند العقل على كلّ كتاب أنزله الله جلّ وعلا، ومهمته هداية الناس إلى السعادتين.

وإنّه لمن الميسور جدّاً فهم القرآن الكريم، سواء في ذلك محكمه، ومتشابهه؛ لأن مردّه إلى اللغة، وإلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والراسخين في العلم من بعده حفظته، ومنفّذي أحكامه، وأعرف بحلاله وحرامه، وخاصه وعامه، ومطلقه ومقيّده.

والقرآن هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، والمخلصون لله وللدين لا يعدمون فيه الدليل على أيّ تكليف من التكاليف، أصولاً وفروعاً

٧٨

فإنّ في القرآن تبيان كلّ شيء يحتاجه المسلمون لمعالم دينهم( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) ، مما يرجع إلى أحكام الإسلام، وأصوله( إلاّ أحصاها ) القرآن، وأشار إليها صريحاً حيناً، وتلويحاً حيناً آخر.

وأما الصراع الذي نشاهده أحياناً في التفسير، فليس مرجعه عجز القرآن، أو قصور لغته، أو عجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة من بعده عن تفسيره، وإنّما مرجع ذلك الصراع إلى الخلاف الذي انغمس فيه المسلمون منذ الساعة الأولى، وأكبر عناصر هذا الصراع، هو الصراع الذي شقّ المسلمين إلى نصفين، نصف إلى اليمين، ونصف إلى الشمال، والقرآن بينهما.

ولعلّ المفسرين انحرفوا مع ميولهم؛ متأثرين بالسياسة من ناحية، وبالعقيدة من ناحية أخرى، وأسدلوا على الواقع ستائر كثيفة مستندين إلى أحاديث أحسن ما توصف به أنّها من وضع السياسة، ومالوا إلى تأويلات تتجافاها اللغة، وتأباها الملابسات في البداية والنهاية.

ولعلّ السياسة في الصدر الأول شاءت أن تزج آية في غير مكانها؛ لغرض صرف الآية عن المعنى الذي سيقت له، كما ترى ذلك في آية:( إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

وليس أدلّ على تأثير العقيدة، والسياسة على تفكير المفسرين من ذلك الصراع الحاد في تفسير قوله تعالى:( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) . فإنّ هذه الآية الكريمة أحيطت بميول، ونوازع دفعت المفسرين إلى التفسير البعيد الذي لا يتصل بالآية، ولا بملابساتها، ولعلّ تلك الميول أرادت أن تصرف الآية عن معناها إلى معنى آخر

٧٩

يكاد أن يكون غريباً عن المعنى الذي يلوح به قوله( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ) فإنّه ليس في الشريعة من أحكام يخشى إظهارها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ليس فيها تكاليف هي موضع العتبى؛ ليعصمه الله من الناس، وعند نزول الآية كانت الشريعة تامةً كاملةً.

ولا نريد أن ننكر أنّ في المفسرين من لا قصد له، ولكنّه انخدع في الظواهر؛ فسار في طريقه، ورائده حسن الظن.

ولكن يجب أن لا نشكّ بأنّ التفسير مع الإخلاص، وحسن النيّة يلزمه البحث في كلّ مرحلة من مراحل الملابسات، والعلل، وأسباب النزول، وبدايتها، ونهايتها. وموقع الآية من الكلام، وما إلى ذلك من مراحل ظواهر الآيات، وسياقها وإن تغاضى المفسر عن شيء من ذلك فقد أشطط في القول، وصرف الكلام العربي البليغ عن معناه.

وكذلك نرى العقيدة حكمت على بعض المفسرين بصرف معنى الولاية في آية( إنّما وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فلقد فرّقوا بين الولاية لله ولرسوله، والولاية لأولي الأمر الذين يعطون الزكاة وهم راكعون. ولم يكن من داعٍ لذلك سوى أنّ الذي أعطى الزكاة هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( ع ).

وإنّه لمن المؤسف أشد الأسف أن نجد من المفسرين من جرفته السياسة الخادعة إلى اصطناع أساليب بعيدة عن المقصد السامي الذي يحاوله كتاب الله المجيد، ويجترئون على صرف الآيات عن مقصدها؛ لغرض أكثر ما يتّصل بالسياسة والعقيدة، وهذه الجرأة قد أدّت إلى القول بالرأي في كتاب

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155