الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي0%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف: الصفحات: 799
المشاهدات: 838714
تحميل: 8069


توضيحات:

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 838714 / تحميل: 8069
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٠٢٩/٣٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى العراد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن شمون البصري، قال: حدثني الحسن ابن الفضل بن الربيع حاجب المنصور لقيته بمكة، قال: حدثني أبي، عن جدي الربيع، قال: دعاني المنصور يوما فقال: يا ربيع، أحضر لي جعفر بن محمّد الساعة والله لأقتلنة؟ فوجهت إليه، فلما وافى قلت: يابن رسول الله، إن كان لك وصية أو عهد تعهده إلى أحد فافعل. قال: فاسأذن لي عليه، فدخلت إلى المنصور فأعلمته موضعه، فقال: أدخله، فلما وقعت عين جعفرعليه‌السلام على المنصور رأيته يحرك شفتيه بشئ لم أفهمه، فلما سلم على المنصور نهض إليه فاعتنقه وأجلسه إلى جانبه، فقال له: ارفع حوائجك؟ فأخرج رقاعا لأقوام، وسأل في اخرين فقضيت حوائجه.

فقال المنصور: ارفع حوائجك في نفسك. فقال له جعفرعليه‌السلام : لا تدعني حتّى آتيك. فقال له المنصور: ما إلى ذلك سبيل، وأنت تزعم للناس - يا أبا عبدالله - أنك تعلم الغيب. فقال جعفرعليه‌السلام : من أخبرك بهذا، فأومأ المنصور إلى شيخ قاعد بين يديه، فقال جعفرعليه‌السلام للشيخ: أنت سمعتني أقول هذا القول؟ قال الشيخ: نعم. قال جعفرعليه‌السلام للمنصور: أيحلف يا أميرالمؤمنين؟ فقال له المنصور: احلف، فلما بدأ الشيخ في اليمين قال جعفرعليه‌السلام للمنصور: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام أن العبد إذا حلف باليمين التي ينزه الله (عزّوجلّ) فيها وهو كاذب امتنع الله من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله (عزّوجلّ)، ولكني أنا استحلفه. فقال المنصور: ذلك لك. فقال جعفرعليه‌السلام للشيخ: قل أبرأ إلى الله من حوله وقوته، وألجأ إلى حولي وقوتي، إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول فتلكأ الشيخ، فرفع المنصور عمودا كان في يده وقال: والله لئن لم تحلف لأعلونك بهذا العمود؟ فحلف الشيخ، فما أتم اليمين حتّى دلع لسانه كما يدلع الكلب، ومات لوقته، ونهض جعفرعليه‌السلام .

قال الربيع: فقال لي المنصور: ويلك اكتمها الناس لا يفتنون. قال الربيع:

٤٦١

فشيعت جعفراعليه‌السلام وقلت له: يابن رسول الله، إن المنصور كان قد هم بأمر عظيم، فلما وقعت عينك عليه وعينه عليك زال ذلك. فقال: يا ربيع، إني رأيت البارحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال لي: يا جعفر خفته. فقلت: نعم رسول الله. فقال لي: إذا وقعت عينك عليه فقل: (بسم الله استفتح، وبسم الله استنجح، وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبة أمري وكل صعوبة، وسهل لي حزونة أمري وكل حزونة، واكفني مؤنة أمري وكل مؤنة).

قال أبوالمفضل: حدّثنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي بسر من رأى، باسناد عن أهله لا أحفظه - فذكر هذا الحديث، وذكر فيه: أن المنصور قام إليه واعتنقه فقال لي: المنصور خليفة، ولا ينبغي للخليفة أن يقوم إلى أحد ولا إلى عمومته، وما قام المنصور إلا إلى أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليه‌السلام .

١٠٣٠/٣٦ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر ابن محمّد العلوي الحسنيرحمه‌الله سنة سبع وثلاث مائة، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: حدّثنا حسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين (صلوات الله عليهم)، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: المؤمن غر(١) كريم، والفاجر خب(٢) لئيم، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أشرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم، المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت، اولئك لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ

____________________

(١) أي ليس بذي نكر، فهو ينخذع لانقياده ولينه، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة، وقلة الفطنة للشر، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا، ولكنه كرم وحسن خلق.

(٢) الخب: الخداع، الذي يسعى بين الناس بالفساد.

٤٦٢

بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) (١) .

١٠٣١/٣٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد ابن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني الحسن بن حمزة أبومحمّد النوفلي، قال: حدثني أبي وخالي يعقوب بن الفضل بن عبدالرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن الزبير بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنيه أبوعبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه بين القبر والروضة، عن أبيه وعبيد الله بن أبي رافع جميعا، عن عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه وأبي رافع مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال أبوعبيدة: وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الاسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واُمه خديجة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخته لأمه فاطمة (صلوات الله عليها).

قال أبوعبيدة: وكان هؤلاء الثلاثة هند بن هالة وأبو رافع وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات لله عليه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ومبيته قبل ذلك على فراشه.

قال: وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة، واقتصاصه عن الثلاثة: هند وعمار وأبي رافع، وقد دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: كان الله (عزّوجلّ) مما يمنع نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعمه أبي طالب، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته، فلما مات أبوطالب نالت قريش من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى حتّى تركته لقى(٢) ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم! وصلتك رحم، فجزيت خيرا يا عم. ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر فاجتمع

____________________

(١) سورة الأنفال ٨: ٦٢، ٦٣.

(٢) اللقى: الملقى على الأرض.

٤٦٣

بذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزنان حتّى عرف ذلك فيه.

قال هند: ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة، ليأتمروا في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسروا ذلك بينهم، فقال بعضهم: نبني له علما، وينزل برجا نستودعه فيه، فلا يخلص من الضباة(١) إليه أحد، ولا يزال في رنق(٢) من العيش حتّى يتضيفه(٣) ريب المنون، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل وأمية وأبي ابنا خلف.

وقال قائل: بئس الرأي ما رأيتم، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن(٤) له الحدب(٥) الحميم والمولى الحليف، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من انشوطتكم(٦) قولوا قولكم.

قال عتبة وشيبة وشركهما أبوسفيان، قالوا: فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا، ونوثق محمّدا عليه كتافا وشدا، ثم نقصع البعير بأطراف الرماح، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك(٧) إربا إربا.

فقال صاحب رأيهم: إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاوة(٨) لسانه، فصبا القوم إليه، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة، فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب(٩) ، فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم؟! قولوا قولكم.

____________________

(١) الصباة: جمع صابي، الذي خرج من دين إلى دين غيره.

(٢) الرنق: الكدورة.

(٣) أي ينزل به.

(٤) تنمر: تشبه بالنمر، وتنمر له: تنكر وتغير.

(٥) الحدب: الشفيق، العطوف.

(٦) الانشوطة: عقدة يسهل إنحلالها.

(٧) الدكادك: الأرض التي فيها غلظ.

(٨) الطلاوة: الحسن والبهجة.

(٩) المقانب: جمع مقنب، وهو جماعة الخيل والفرسان.

٤٦٤

فقال له أبوجهل: لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة، فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا(١) ، ثم تسلحوه حساما عضبا(٢) ، وتمهل الفتية حتّى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبيشة بياتا، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم، فيرضون حينئذ بالعقل(٣) منهم، فقال صاحب رأيهم: أصبت يا أبا الحكم.

ثم أقبل عليهم فقال: هذا الرأي فلا تعدلوا به رأيا، وأوكئوا في ذلك أفواهكم(٤) حتّى يستتب أمركم، فخرج القوم عزين(٥) ، وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيلعليه‌السلام ، فتلا هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٦) .

فلما أخبره جبرئيلعليه‌السلام بأمر الله في ذلك ووحيه، وما عزم له من الهجرة، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام ، وقال له: يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا، يخبرني أن قريشا اجتمعوا على المكر بي وقتلي، وأنه أوحى إلي ربي (عزّوجلّ) أن أهجر دار قومي، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي - أو قال: مضجعي - ليخفى بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل، وما صانع؟ فقال عليّعليه‌السلام : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم عليّعليه‌السلام ضاحكا، وأهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا بما أنبأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سلامته، وكان علي (صلوات الله عليه) أول من سجد لله شكرا، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما

____________________

(١) النجد: الشجاع.

(٢) أي قاطعا.

(٣) العقل: الدية.

(٤) أي سدوها.

(٥) العزون: جمع عزة، وهي الفرقة من الناس.

(٦) سورة الأنفال ٨: ٣٠.

٤٦٥

رفع رأسه قال له: امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك، واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله.

قال: وإن القى عليك شبه مني، أو قال: شبهي، قال: إن - بمعنى نعم(١) - قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله (تعالى) يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبرا صبرا، فإن رحمة القريب من المحسنين. ثم ضمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صدره وبكى إليه وجدا به، وبكى عليّعليه‌السلام جشعا(٢) لفراق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واستتبع رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، ولبث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكانه مع عليّعليه‌السلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتّى صلى العشاءين.

ثم خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فحمة العشاء الآخرة، والرصد من قريش قد أطافوا بداره، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين، فخرج وهو يقرأ هذه الآية( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) (٣) وأخذ بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رؤوسهم، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم، ومضى حتّى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه، حتّى وصلوا إلى الغار.

ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر إلى الغار، فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع

____________________

(١) تأتي (إن) بمعنى (نعم) من أحرف الجواب.

(٢) الجشع: أشد الحرص.

(٣) سورة يس: ٣٦: ٩.

٤٦٦

الأثر، أقبل القوم على عليّعليه‌السلام يقذفونه بالحجارة والحلم(١) ، ولا يشكون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على علي (صلوات الله عليه)، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها، فلما بصر بهم عليّعليه‌السلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب له عليّعليه‌السلام فختله وهمز يده(٢) ، فجعل خالد يقمص قماص البكر(٣) ، ويرغو رغاء الجمل، ويذعر ويصيح، وهم في عرج الدار(٤) من خلفه، وشد عليهم عليّعليه‌السلام بسيفه - يعني سيف خالد - فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار، فتبصروه فإذا هو عليّعليه‌السلام ، فقالوا: إنك لعلي؟ قال: أنا علي. قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به، وقد كان علم - يعني علياعليه‌السلام - أن الله (تعالى) قد أنجى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه، فأذكت قريش عليه العيون(٥) ، وركبت في طلبه الصعب والذلول، وأمهل علي (صلوات الله عليه) حتّى إذا أعتم(٦) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتّى دخلا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هندأ أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبوبكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال: فهي لك بذلك، فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته رأداء أمانته.

وكانت قريش تدعو محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهلية الأمين، وكانت

____________________

(١) الحلم: جمع حلمة، وهي شجرة السعدان.

(٢) أي غمزها وضغطها.

(٣) القماص: الضرب بالرجل، البكر: الفتى من الابل.

(٤) عرج الدار: منعطفها أو مصعدها أو سلمها.

(٥) أي أرسلت عليه الطلائع.

(٦) أي دخل في العتمة.

٤٦٧

تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك، فأمر علياعليه‌السلام أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا: ألا من كان له قبل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته.

قال: وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتّى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم.

قال أبوعبيدة: فقلت لعبيد الله - يعني ابن أبي رافع - أو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدث بهذا الحديث، فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجةعليها‌السلام ؟ وقال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجةعليها‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفك من مالها الغارم والعاني(١) ويحمل الكل(٢) ، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة، وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين - يعني رحلة الشتاء والصيف - كانت طائفة من العير لخديجة، وكانت أكثر قريش مالا، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها.

قال: وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وهو يوصيه: وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي إليك، ولا تلبث بعده. وانطلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجهه يؤم المدينة، وكان مقامه في الغار ثلاثا، ومبيت علي (صلوات الله عليه) على الفراش أول ليلة.

قال عبيد الله بن أبي رافع: وقد قال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام شعرا يذكر فيه

____________________

(١) العاني: الأسير.

(٢) الكل: الضعيف ومن لا ولد له ولا والد، والعيال والثقل.

٤٦٨

مبيته على الفراش ومقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار ثلاثاً:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمّد لما خاف أن يمكروا به

فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

ويات رسول الله في الغار آمنا

هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثا ثم زمت قلائص قلائص

يفرين الحصا أينما تفري(١)

ولما ورد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة، نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبوبكر على دخوله المدينة وألاصه(٢) في ذلك، فقال: ما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن عمي وابنتي؟ يعني عليا وفاطمةعليهما‌السلام .

قال: قال أبواليقظان. فحدّثنا رسول الله ونحن معه بقباء، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت عليّعليه‌السلام على فراشه، قال: أوحى الله (عزّوجلّ) إلى جبرئيل وميكائيلعليه‌السلام أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: عبدي ألاكنتما مثل وليي عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل - أو قال: رقد - على فراشه يفديه بمهجته، اهبطا إلى الارض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب والله (عزّوجلّ) يباهي بك الملائكة! قال: فأنزل الله (عزّوجلّ) في عليّعليه‌السلام :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (٣) .

قال أبوعبيدة: قال أبي وابن أبي رافع: ثم كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى

____________________

(١) القلائص: جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، وفرى الأرض: سارها وقطعها.

(٢) ألاصه: أي أداره على الشئ الذي يرومه منه.

(٣) سورة البقرة ٢: ٢٠٧.

٤٦٩

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التلوم(١) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلما أتاه كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهيأ للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى، وخرج عليّعليه‌السلام بفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب - وقد قيل هي ضباعة - وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو واقد رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم، فقال علي (صلوات الله عليه): ارفق بالنسوة يا أبا واقد، إنهن من الضعائف. قال: إني أخاف أن يدركنا الطالب - أو قال: الطلب - فقال عليّعليه‌السلام : اربع عليك(٢) ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: يا علي، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه. ثم جعل - يعني علياعليه‌السلام - يسرق بهن سرقا رفيقا وهو يرتجز ويقول:

ليس إلا الله فارفع ظنكا

يكفيك رب الناس ما أهمكا

 وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين(٣) ، وثامنهم مولى لحرب بن امية يدعى جناحا، فأقبل عليّعليه‌السلام على أيمن وأبي واقد، وقد تراءى القوم، فقال لهما: أنيخا الإبل واعقلاها، وتقدم حتّى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهمعليه‌السلام منتضيا سيفه، فاقبلوا عليه فقالوا: أظننت أنك يا غدر(٤) ناج بالنسوة؟! ارجع لا أبا لك. قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما، أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال عليّعليه‌السلام بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ عليّعليه‌السلام عن ضربته وتختله عليّعليه‌السلام فضربه على عاتقه، فأسرع السيف

____________________

(١) التلوم: الانتظار والتمكث.

(٢) أي توقف وتحبس.

(٣) استلأم الرجل: لبس اللأمة، وهي أداة الحرب وعدتها.

(٤) أي يا غادر.

٤٧٠

مضيا فيه حتّى مس كاثبة فرسه(١) ، فكانعليه‌السلام يشد على قدمه شد الفرس، أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع عنه القوم وقالوا له: اغن عنا نفسك يابن أبي طالب. قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيثرب، فمن سره أن افري لحمه واريق دمه فليتعقبني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطايا كما.

ثم سار ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فظل ليلته تلك هو والفواطم - امه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة بنت الزبير - طررا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر فصلىعليه‌السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلا بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتّى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله (تعالى):( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) إلى قوله:( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ) الذكر علي، والانثى الفواطم المتقدم ذكرهن، وهن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير( بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) يقول: علي من فاطمة - أو قال: الفواطم - وهن من علي( فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (٢)

____________________

(١) كاثبة الفرس: المنسج أو مقدمه حيث تقع عليه يد الفارس. وقيل: أعلى الظهر.

(٢) سورة آل عمران ٣: ١٩١، ١٩٥.

٤٧١

وتلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١) .

قال: وقال. يا علي، أنت أول هذه الامة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك - والذي نفسي بيده - إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.

تمّ المجلس السادس عشر، والحمد لله رب العالمين،

ويتلوه المجلس السابع عشر.

____________________

(١) سورة البقرة ٢: ٢٠٧.

٤٧٢

[ ١٧ ]

المجلس السابع عشر

من روايات أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني، رواية المسمين في أول المجلس عنه، رواية محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي عنهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٠٣٢/١ - أخبرنا جماعة منهم الحسين بن عبيد الله، وأحمد بن محمّد بن عبدون، والحسن بن إسماعيل بن أشناس وأبو طالب بن غرور وأبو الحسن الصقال، قالوا: حدّثنا أبوالمفضل محمّد بن عبدالله الشيباني، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله بن سابور أبوالعباس الدقاق، قال: حدّثنا أيوب بن محمّد الرقي الوزان، قال: حدّثنا سلام ابن رزين الحراني، قال: حدثني إسرائيل بن يونس الكوفي، عن جده أبي إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة، وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة.

١٠٣٣/٢ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن عثمان بن نصر النريزي ببرديج الحافظ، قال: حدّثنا يحيى بن عمر بن فضلان التنوخي، قال: حدّثنا أحمد بن سليمان بن حميد الخفتاني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بالمدينة،

٤٧٣

عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّعليه‌السلام ، عن جابر بن عبدالله، قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عبدالله (عزّوجلّ) بشئ أفضل من فقه في دين - أو قال: في دينه - قال الخفتاني: فذكرته لمالك بن أنس فقيه أهل دار الهجرة فعرفه وأثبته لي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام .

١٠٣٤/٣ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوسعد داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول النحوي بالأنبار، قال: حدثني جدي إسحاق بن البهلول التنوخي، قال: حدثني أبي البهلول بن حسان، قال: حدثني طلحة بن زيد الرقي، عن الوضين بن عطاء، عن عمير بن هانئ العبسي، عن جنادة بن أبي امية، عن عبادة بن الصامت، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغتر فيها بيد ولا لسان، فقال عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه): يا رسول الله، وفيهم يومئذ مؤمنون؟ قال: نعم. قال فينقص ذلك من إيمانهم شيئا؟ قال: لا، إلاكما ينقص القطر من الصفا، إنهم يكرهونه بقلوبهم.

١٠٣٥/٤ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان بن زياد الكوفي ببغداد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سالم الفراء، عن حماد بن عثمان، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن عليّعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة فرأيت فيها قيعانا يققا(١) من مسك، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ قالوا: حتّى تأتينا النفقة. قلت. وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن (سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فإذا قالهن بنينا، وإذا سكت وأمسك أمسكنا.

١٠٣٦/٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر الحسنيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثني أيوب بن محمّد بن فروخ الوزان

____________________

(١) أي بيضا.

٤٧٤

بالرقة، قال: حدّثنا سعيد بن مسلمة، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جدهعليه‌السلام ، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن السخاء شجرة من أشجار الجنة، لها أغصان متدلية في الدنيا، فمن كان سخيا تعلق بغصن من أغصانها، فساقه ذلك الغصن إلى الجنة؟ والبخل شجرة من أشجار النار لها أغصان متدلية في الدنيا، فمن كان بخيلا تعلق بغصن من أغصانها، فساقه ذلك الغصن إلى النار.

١٠٣٧/٦ - قال أبوالمفضل: قال لنا أبوعبدالله الحسني: وحدثني شيخ من أهلنا، عن أبيه، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، بحديثه هذا، حديث السخاء والبخل، قال: فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : ليس السخي المبذر الذي ينفق ماله في غير حقه، ولكنه الذي يؤدي إلى الله (عزّوجلّ) ما افترض عليه في ماله من الزكاة وغيرها، والبخيل الذي لا يؤدي حق الله (عزّوجلّ) عليه في ماله.

١٠٣٨/٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمود ابن بنت الأشج الكندي باسران، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالرحمن أبوجعفر الذهلي، قال: حدّثنا عمار بن الصباح، قال: حدثني عبد الغفور أبوالصباح الواسطي، عن عبد العزيز بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، عن جده - وكانت له صحبة - عن أم سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت: حب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع بأزواجه، فكان يأوي في كل يوم وليلة إلى امرأة منهن وهو حرام(١) يبتغي بذلك العدل بينهن.

قالت: فلما أن كانت ليلة عائشة ويومها خلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يناجيه وهما يسيران، فأطال مناجاته، فشق ذلك على عائشة، فقالت: إني أريد أن أذهب إلى علي فأناله - أو قالت: أتناوله - بلساني، في حبسه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عني، فنهيتها، فنصت(٢) ناقتها في السير، ثم إنها رجعت إلي

____________________

(١) أي محرم.

(٢) نص ناقته: استحثها واستقصى آخر ما عندها من السير.

٤٧٥

وهي تبكي، فقلت: مالك؟ قالت: إني أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يابن أبي طالب، ما تزال تحبس عني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تحولي بيني وبين علي، إنه لا يحاقه في أحد، وإنه لا يبغضه - والذي نفسي بيده - مؤمن ولا يحبه كافر، ألا إن الحق بعدي مع علي، يميل معه حيثما مال، لا يفترقان جميعا حتّى يردا علي الحوض. قالت أم سلمة: فقلت لها قد نهيتك فأبيت إلا ما صنعت.

١٠٣٩/٨ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلد الجعفي الدهان بالكوفة، قال: حدثني عباد بن سعيد الجعفي وهو جده لأمه، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي البهلول، قال: حدّثنا صالح بن أبي الاسود، عن أبي الجارود، عن حكيم بن جبير، عن سالم الجعفي، قال: قال علي (صلوات الله عليه) وهو في الرحبة جالس: انتدبوا؟ وهو على المسير من السواد، فانتدبوا نحو من مائة، فقال: ورب السماء ورب الأرض، لقد حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الامة ستغدر بي من بعده عهدا معهودا وقضاء مقضيا، وقد خاب من افترى.

١٠٤٠/٩ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا مسدد بن يعقوب بن إسحاق بن زياد القلوسي البصري قاضي تنيس، قال: حدّثنا إسحاق بن سيار النصيبي، قال: حدثني أبونعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا فطر بن خليفة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت ثعلبة بن مرثد الحماني، قال: سمعت عليا (صلوات الله عليه)، قال: والله إنه لعهد عهده إلي النبيّ الامي أن الامة ستغدر بك بعدي.

١٠٤١/١٠ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبونصر ليث بن محمّد بن نصر بن الليث البلخي، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الصمد بن مزاحم الهروي، سنة إحدى وستين ومائتين، قال: حدثني خالي عبد السلام بن صالح أبوالصلت الهروي، قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، قال: حدّثنا أبوهارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: حج عمر بن الخطاب في إمرته، فلما افتتح الطواف حاذى الحجر الأسود، ومر فاستلمه وقبله، وقال: أقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بك حفيا ولولا أني رأيته

٤٧٦

يقبلك ما قبلتك.

قال: وكان في الحجيج عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: بلى والله إنه ليضر وينفع. قال: فبم قلت ذلك، يا أبا الحسن؟ قال: بكتاب الله (تعالى). قال: أشهد أنك لذو علم بكتاب الله (تعالى)، فأين ذلك من الكتاب؟ قال: قوله (تعالى):( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) (١) وأخبرك أن الله (تعالى) لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذريته من صلبه في هيئة الذر، فألزمهم العقل، وقررهم أنه الرب وأنهم العبيد، فأقروا له بالربوبية، وشهدوا على أنفسهم بالعبودية، والله (عزّوجلّ) يعلم أنهم في ذلك في منازل مختلفة، فكتب أسماء عبيده في رق، وكان لهذا الحجر يومئذ عينان وشفتان ولسان، فقال: افتح فاك، ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، فلما هبط آدمعليه‌السلام هبط والحجر معه، فجعل في موضعه الذي ترى من هذا الركن، وكانت الملائكة تحج هذا البيت من قبل أن يخلق الله (تعالي) آدمعليه‌السلام ، ثم حجه آدم، ثم نوح من بعده، ثم هدم البيت ودرست قواعده، فاستودع الحجر من أبي قبيس، فلما أعاد إبراميم وإسماعيل بناء البيت وبناء قواعده، واستخرجا الحجر من أبي قبيس بوحي من الله (عزّوجلّ)، فجعلاه بحيث هو اليوم من هذا الركن، وهو من حجارة الجنة، وكان لما انزل في مثل لون الدر وبياضه، وصفاء الياقوت وضيائه، فسودته أيدي الكفار ومن كان يلمسه من أهل الشرك بعتائر هم(٢) . قال: فقال عمر: لا عشت في امة لست فيها يا أبا الحسن.

١٠٤٢/١١ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني أبوعبدالله جعفر ابن محمّد بن جعفر العلوي الحسنيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثني محمّد بن عليّ بن

____________________

(١) سورة الاعراف ٧: ١٧٢.

(٢) الغتائر، جمع عتيرة: وهي شاة يذبحها أهل الجاهلية في رجب تقربون بها، وهي أيضا الذبيحة التي كانت تذبح للاصنام، فيصب دمها على رأسها.

٤٧٧

الحسين بن زيد بن علي، قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بمكارم الاخلاق، فإن الله (عزّوجلّ) بعثني بها، وإن من مكارم الاخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده.

١٠٤٣/١٢ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق ابن البهلول القاضي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبي البهلول بن حسان، عن أبي شيبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ستّاً: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويسمته(١) إذا عطس، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذ دعاه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه(٢) .

١٠٤٤/١٣ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن إبراهيم بن الفضل الدبيلي بمكة، قال: حدّثنا عبد الحميد بن صبيح أبويحيى العبدي بعدن، قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن أبي هارون العبدي، قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال: مرحبا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: سيأتيكم قوم من أقطار الارض يتفقهون، فإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرا. قال: ويقول: أنتم ومية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٠٤٥/١٤ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفمل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدّثنا جدي لامي محمّد بن عيسى القيسي، قال: حدّثنا إسحاق ابن يزيد الطائي، قال: حدّثنا هاشم بن البريد، عن أبي سعيد التيمي، قال: سمعت أبا ثابت مولى أبي ذررحمه‌الله يقول: سمعت أم سلمةرضي‌الله‌عنه تقول: سمعت رسول

____________________

(١) في نسخة: يشمته، وكلاهما بمعنى، يقال: سمعت العاطس أو شمته، إذا دعا له بقوله: يرحمك الله أو نحوه.

(٢) يأتي في الحديث: ١٣١٠.

٤٧٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلات الحجرة من أصحابه: أيها الناس، يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم كتاب الله (عزّوجلّ) وعترتي أهل بيتي.

ثم أخذ بيد عليّعليه‌السلام فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، خليفتان بصيران لا يفترقان حتّى يردا علي الحوض، فأسألهما ماذا خلفت فيهما.

١٠٤٦/١٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن موسى بن سعدان المعدل بالانبار، قال: حدّثنا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الطلحي، قال: حدثني جدي أبونعيم الفضل بن دكين، قال: حدثني موسى بن قيس الحضرمي، قال: حدثني سلمة بن كهيل، عن عياض بن عياض، وكان من خيار أهل القبلة، عن مالك بن جعونة، عن أم سلمةرضي‌الله‌عنه ، قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وهو آخذ بكف عليّعليه‌السلام : الحق بعدي مع علي، يدور معه حيث دار.

١٠٤٧/١٠ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن شاذان بن حباب الازدي الخلال بالكوفة، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عبد الواحد المزني، قال: حدّثنا حسن بن حسين العرني، عن يحيى بن يعلى، عن عمر بن موسى - يعني الوجيهي -، عن زيد بن علي، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال: ألا إنك المبتلى والمبتلى بك، أما إنك الهادي لمن اتبعك، ومن خالف طريقتك ضل إلى يوم القيامة(١) .

١٠٤٨/١٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوسليمان أحمد ابن هوذة بن أبي هراسة الباهلي بالنهروان من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي ٠ بشر الاحمري بنهاوند، قال: أخبرنا عبدالله بن حماد الانصاري، عن عبد العزيز بن محمّد بن الدراوردي، قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وأنا عنده، فقال له جعفرعليه‌السلام : يا سفيان، إنك رجل مطلوب،

____________________

(١) يأتي في الحديث: ١٠٩٤.

٤٧٩

وأنا رجل تسرع إلي الالسن، فسل عما بدا لك. فقال: ما أتيتك يابن رسول الله إلا لاستفيد منك خيرا.

قال: يا سفيان، إني رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظم عند من تسد يه إليه.

يا سفبان، إذا أنعم الله على أحد بنعمة فليحمد الله (عزّوجلّ)، وإذا استبطأ الرزق فليستغفر الله، وإذا احزنه أمر قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

يا سفيان، ثلاث أيما ثلاث! نعمت الهدية، نعمت العطية الكلمة الصالحة بسمعها المؤمن فينطوي عليها حتي يهديها إلى أخيه المؤمن.

وقالعليه‌السلام : المعروف كاسمه، وليس شئ أعظم من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من يحب أن يمنع المعروف يصنعه، ولا كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه.

١٠٤٩/١٨ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي بسر من رأى، قال: حدثني أبي عبد الصمد بن موسى، قال: حدثني عمي عبد الوهاب بن محمّد بن إبراهيم، عن أبيه محمّد بن إبراهيم، قال: بعث أبوجعفر المنصور إلى أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام وأمر بفرش فطرحت إلى جانبه فأجلسه عليها، ثم قال: علي بمحمّد، علي بالمهدي، يقول ذلك مرارا، فقيل له: الساعة يأتي يا أميرالمؤمنين، ما يحبسه إلا أنه يتبخر.

فما لبث أن وافى وقد سبقته رائحته، فأقبل المنصور على جعفرعليه‌السلام ، فقال: يا أبا عبدالله، حديث حدثنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي، قال: نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصير ها الله (عزّوجلّ) ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها ثلاث سنين، ثم تلاعليه‌السلام :

٤٨٠