الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي0%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف: الصفحات: 799
المشاهدات: 838783
تحميل: 8070


توضيحات:

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 838783 / تحميل: 8070
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقبل وصيتي وأنجز مواعيدي وأد ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلغ عني من بعدي.

قال عليّعليه‌السلام : فلما نعى إلي نفسه، رجف فؤادي وألقي علي لقوله البكاء، فلم أقدر أن أجيبه بشئ، ثم عاد لقوله فقال: يا علي، أو تقبل وصيتي؟ قال: فقلت، وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أبين. نعم، يا رسول الله.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال ائتني بسوادي(١) ، ائتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وائتني بالعنزة(٢) والممشوق(٣) ؟ فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة.

ثم قال: ائتني بالمرتجز(٤) والعضباء(٥) ، ائتني باليعفور والدلدل(٦) ، فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثم قال: ائتني بالاتحمية(٧) والسحاب، فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشئ شئ، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتي بها، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والانصار.

ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا؛ ومد إصبعه، وقال: في حياة مني، وشهادة من في البيت، لكيلا ينازعك أحد من بعدي، فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتّى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال: يا علي أجلسني، فأجلسته وأسندته إلى صدري.

____________________

(١) أي أمتعته وثقله، ويطلق السواد على المال أيضا.

(٢) العنزة: شبه العكازة، أطول من العصاء وأقصر من الرمح، ولها زج من أسفلها.

(٣) الممشوق من القضبان: الطويل الدقيق.

(٤) المرتجز: فرسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمي به لحسن صهيله.

(٥) العضباء: ناقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سميت به لنجابتها.

(٦) اليعفور: حمار كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدلدل: بغلة شهباء كانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٧) الاتحمية: ضرب من البرود ينسج في بلاد العرب.

٦٠١

قال عليّعليه‌السلام : فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رأسه ليثقل ضعفا، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم: إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي عليّ بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، لا تبغضوا عليا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا، أضجعني يا علي، فأضجعته فقال: يا بلال ائتني بولدي الحسن والحسين، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره، فجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشمهما. قال عليّعليه‌السلام : فظننت أنهما قد غماه - قال أبوالجارود: يعني أكرباه - فذهبت لآخذهما عنه، فقال: دعهما يا علي يشماني وأشمهما، ويتزودا مني وأتزود منهما، فسيلقيان من بعدي أمرا عضالا، فلعن الله من يخيفهما، اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين.

١٢٤٥/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوأحمد عبيدالله بن الحسين بن إبراهيم العلوي النصيبي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني بالري، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنينعليهم‌السلام ، أنه قال: المرض لا أجر فيه، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه، وإنما الاجر في القول باللسان والعمل بالجوارح، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة.

١٢٤٦/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن الحسن الرزاز أبوالعباس، قال: حدّثنا أبوأمي محمّد بن عيسى أبوجعفر القيسي، قال: حدّثنا إسحاق بن يزيد الطائي، عن عبد الغفار بن القاسم، عن عبدالله بن شريك العامري، عن جندب بن عبدالله البجلي، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة، فجلست بينه وبينها فقالت: يابن أبي طالب، ما وجدت لاستك مكانا غير فخذي أمط عني، فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين كتفيها، ثم قال لها: ويل لك ما

٦٠٢

تريدين من أميرالمؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين.

١٢٤٧/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد أبوالقاسم الموسوي في منزله بمكة، قال: حدثني عبيدالله بن أحمد بن نهيك الكوفي بمكة، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الاشعري القمي، قال: حدثني عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: جاء رجل من الانصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله، ما حق العلم؟ قال: الانصات له. قال: ثم مه. قال: الاستماع له. قال: ثم مه. قال: ثم الحفظ. قال: ثم مه، يا نبي الله. قال: العمل به. قال: ثم مه. قال: ثم نشره.

١٢٤٨/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمود ابن بنت الاشج الكندي بأسوان، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن هشام الناشري الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، قال: حدّثنا عاصم بن حميد الحناط،. عن أبي حمزة ثابت بن أبي صفية، قال: حدثني أبوجعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام . قال عاصم: وحدثني أبوحمزة، عن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام ، عن أبيها الحسين، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان: الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.

١٢٤٩/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى الخنيسي، قال: حدّثنا منذر بن جيفر العبدي، عن الرصافي - واسمه عبيدالله بن الوليد -، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، عن أم سلمةرضي‌الله‌عنه ، قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.

٦٠٣

١٢٥٠/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبدالله ابن سليمان بن الاشعث السجستاني، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد النهشلي شاذان، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الخزاز، قال: حدّثنا مندل بن عليّ العنزي، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته، فغدا إليه عليّعليه‌السلام في الغداة، وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد، فدخل فإذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحن الدار، وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي، فقال: السلام عليك، كيف أصبح رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: بخير، يا أخا رسول الله. فقال عليّعليه‌السلام : جزاك الله عنا أهل البيت خيرا. قال له دحية: إني أحبك، وإن لك عندي مديحة أهديها إليك. أنت أميرالمؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين، لواء الحمد بيدك يوم القيامة، تزف أنت وشيعتك مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزبه إلى الجنان، قد أفلح من والاك، وخاب وخسر من خلاك، محبو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبوك، ومبغضوه مبغضوك، لا تنالهم شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ادن من صفوة الله. فأخذ رأس النبيّعليه‌السلام فوضعه في حجره، فانتبه النبيّعليه‌السلام فقال: ما هذه الهمهمة، فأخبره الحديث، فقال: لم يكن دحية، كان جبرئيلعليه‌السلام سماك باسم سماك الله (تعالى) به، وهو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين، ورهبتك في صدور الكافرين.

١٢٥١/٨ - قال أبوالمفضل: سمعت عبدالله بن أبي داود قبل أن يبنى له المنبر، يعتذر إلى أبي عبدالله المستملي من النصب، ثم أملى ذلك المجلس كله من حفظه في فضائل أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وهذا الحديث أول ما بدأ به: قال أبوالمفضل: وحدّثنا عبدالله بن سليمان بن الاشعث، قال: حدّثنا هشام بن يونس اللؤلؤي، قال: حدّثنا حسين بن سليمان - يعني الانصاري الرفاء -، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك، قال: نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأخذ بيده، وقال: يا علي، كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك.

١٢٥٢/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوجعفر

٦٠٤

محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي بالكوفة، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب أبوسعيد الاسدي، قال: أخبرني السيد بن عيسى الهمداني، عن الحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري، قال: كانت أمارة المنافقين بغض عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فبينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ذات يوم، في نفر من المهاجرين والانصار، وكنت فيهم، إذ أقبل عليّعليه‌السلام فتخطى القوم حتّى جلس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان هناك مجلسه الذي يعرف به، فسار رجل رجلا وكانا يرميان بالنفاق، فعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرادا، فغضب غضبا شديدا حتّى التمع وجهه، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يدخل عبد الجنة حتّى يحبني، ألا وكذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض هذا، وأخذ بكف عليّعليه‌السلام ، فأنزل الله (عزّوجلّ) هذه الآية في شأنهما( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ) (١) إلى آخر الآية.

____________________

(١) سورة المجادلة ٥٨: ٩.

٦٠٥

[ ٢٨ ]

مجلس يوم الجمعة

السابع من ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٥٣/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله روحه)، قال: أخبرنا جماعة، قال: حدّثنا أبوالمفضل محمّد بن عبدالله ابن المطلب الشيباني، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا مطر بن أرقم، عن الحسن بن عمرو النعيمي، عن أبي قبيصة صفوان بن قبيصة، عن الحارث بن سويد: أنه حدثه أن عبدالله بن مسعود أخبرهم، قال: قرأت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة من القرآن، أخذتها من فيه، وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان، وقرأت سائر - أو قال: بقية - القرآن على خير هذه الامة وأقضاهم بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه).

١٢٥٤/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الابواب، قال: حدّثنا محمّد بن الفضل بن المختار الباني، ويعرف بفضلان صاحب الجار، قال: حدثني أبي الفضل بن مختار، عن الحكم ابن ظهير الفزاري الكوفي، عن ثابت بن أبي صفية أبي حمزة، قال: حدثني أبوعامر

٦٠٦

القاسم بن عوف، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: حدثني سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عما يجد، وقمت لاخرج، فقال لي: اجلس يا سلمان، فسيشهدك الله (عزّوجلّ) أمرا إنه لمن خير الامور، فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمةعليها‌السلام ابنته فيمن دخل، فلما رأت ما برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضعف خنقتها العبرة حتّى فاض دمعها على خدها، فأبصر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما يبكيك يا بنية، أقر الله عينك، ولا أبكاها؟ قالت: وكيف لا أبكي، وأنا أرى ما بك من الضعف. قال لها: يا فاطمة، توكلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الانبياء، وأمهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟ قالت: بلى يا نبي الله - أو قالت: يا أبه -.

قال: أما علمت أن الله (تعالى) اختار أباك فجعله نبيا، وبعثه إلى كافة الخلق رسولا، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا.

يا فاطمة، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما، وأحلمهم حلما، وأثبتهم في الميزان قدرا، فاستبشرت فاطمةعليها‌السلام ، فأقبل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل سررتك يا فاطمة؟ قالت: نعم يا أبه. قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت: بلى يا نبي الله.

قال: إن عليا أول من آمن بالله (عزّوجلّ) ورسوله من هذه الامة، هو وخديجة أمك، وأول من وازرني على ما جئت.

يا فاطمة، إن عليا أخي وصفيي وأبو ولدي، إن عليا أعطي خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني عزاك، واعلمي أن أباك لاحق بالله (عزّوجلّ).

قالت: يا أبتاه فرحتني وأحزنتني. قال: كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟ قالت: بلى يا رسول الله.

٦٠٧

قال. إن الله (تعالى) خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعليا في خيرهما قسما، وذلك قوله (عزّوجلّ):( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) (١) ثم جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله (عزّوجلّ):( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) (٢) ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله (سبحانه):( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) ، ثم إن الله (تعالى) اختارني من أهل بيتي، واختار عليا والحسن والحسين وأختارك، فأنا سيد ولد ادم، وعلي سيد العرب، وأنت سيدة النساء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدي، يملا الله (عزّوجلّ) به الارض عدلاكما ملئت من قبله جورا.

١٢٥٥/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي، قال: حدثني هشام بن ناجية أبوثور القرشي بسلمية، قال: حدثني عطاء بن مسلم الحلبي، عن أزهر بن راشد، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أنه ذكروا علياعليه‌السلام ، فقال: إنه كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة خاصة، ولقد كانت له عليه دخلة لم تكن لاحد من الناس.

١٢٥٦/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن العباس بن اليزيدي النحوي أبوعبدالله، قال: حدّثنا أبوالأسود الخليل بن أسد النوشجاني، قال: حدثني محمّد بن سلام الجمحي، قال: حدثني يونس بن حبيب النحوي، وكان عثمانيا، قال: قلت للخليل بن أحمد: أريد أن أسالك عن مسألة فتكتمها علي؟ قال: إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال، فتكتمه أنت أيضا؟ قال: قلت: نعم، أيام حياتك. قال: سل. قال: قلت. ما بال أصحاب رسول

____________________

(١) سورة الواقعة ٥٦: ٢٧.

(٢) سورة الحجرات ٤٩: ١٣.

(٣) سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣.

٦٠٨

الله (صلّى الله عليه وآله ورحمهم) كأنهم كلهم بنو ام واحدة وعليّ بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة(١) ؟ قال: من أين لك هذا السؤال؟ قال: قلت: قد وعدتني الجواب. قال: وقد ضمنت الكتمان. قال: قلت: أيام حياتك.

فقال: إن علياعليه‌السلام تقدمهم إسلاما، وفاقهم علما، وبذهم(٢) شرفا، ورجحهم زهدا، وطالهم جهادا فحسدوه، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم، فافهم.

١٢٥٧/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبودلف هاشم بن مالك الخزاعي في مسجد الشرقية ببغداد سنة أربع وثلاث مائة، قال: حدّثنا العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدّثنا أبوزيد سعيد بن أوس، قال: سمعت أبا عمرو ابن العلاء:

لكل امرئ شكل من الناس مثله

فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا

لان صحيح العقل لست بواجد له

في طريق حين تفقده شكلا

١٢٥٨/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الحسن ابن عليّ بن زكريا البصري، قال: حدّثنا سليمان بن داود أبوأيوب الشاذكوني البصري، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول في مسجد الخيف: إنما سموا إخوانا لنزاهتهم عن الخيانة، وسموا أصدقاء لانهم يصادقوا حقوق المودة.

١٢٥٩/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إسحاق ابن محمّد بن مروان الغزال، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبوحفص الاعشى، قال: سمعت الحسن بن صالح بن حي، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: لقد عظمت منزلة الصديق حتّى إن أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم،

____________________

(١) العلة: الضرة، وبنو الغلات: بنو رجل وأحد من امهات شتى.

(٢) أي غلبهم وفاقهم.

٦٠٩

قال الله (تعالى) مخبرا:( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (١) .

١٢٦٠/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر العلوي الحسني، قال: حدّثنا أبونصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي، قال: حدّثنا عبدالله بن بكير، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام ، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن الدنيا كلها لقمة واحدة فأكلها العبد المسلم ثم قال: « الحمد لله » ، لكان قوله ذلك خيرا له من الدنيا وما فيها.

١٢٦١/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: أخبرنا رجاء بن يحيى أبوالحسين العبرتائي الكاتب، قال: حدّثنا أبوهاشم داود بن القاسم بن المفضل، قال: حدّثنا عبيدالله بن الفضل أبوعيسى النبهاني بالقسطاس، قال: حدّثنا هارون بن عيسى بن بهلول المصري الدهان، قال: حدّثنا بكار بن محمّد بن شعبة اليمامي، قال: حدثني محمّد بن شعبة الذهلي قاضي اليمامة، قال: حدثني بكر بن الملك الاعتق البصري، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جده أميرالمؤمنينعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، خلق الله الناس من أشجار شتى، وخلقني وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها، فطوبى لعبد تمسك بأصلها، وأكل من فرعها.

١٢٦٢/١٠ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد ابن سعيد بن محمّد بن شرحبيل أبوبكر الترخمي بحمص، وعبد الرزاق بن سليمان ابن غالب الازدي بأرتاح واللفظ له، قالا: حدّثنا أبوعبد الغني الحسن بن عليّ الازدي المعاني بمعان، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي، عن مينا بن أبي مينا مولى عبدالرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها.

____________________

(١) سورة الشعراء ٢٦: ١٠٠، ١٠١.

٦١٠

وزاد عبد الرزاق: وشيعتنا ورقها، الشجرة أصلها في جنة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنة.

١٢٦٣/١١ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبدالله ابن إسحاق بن إبراهيم بن حماد الخطيب المدائني، قال: حدّثنا عثمان بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا عبدالله بن لهيعة، عن أبي الزبير، قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: بينا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعليّعليه‌السلام تجاهه ونحن معه، إذ أومأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّعليه‌السلام فقال: ادن مني يا علي، فدنا منه، فقال: ضع خمسك - يعني كفك - في كفي، فأخذ بكفه، فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة، أنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، من تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة.

١٢٦٤/١٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الحسن ابن عليّ بن زكريا العاصمي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وأغصان الشجرة ذاهبة على ساقها، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته.

قيل: يا رسول الله، قد عرفنا الشجرة وفرعها، فمن أغصانها؟ قال: عترتي، فما من عبد أحبنا أهل البيت، وعمل بأعمالنا، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب، إلا أدخله الله (عزّوجلّ) الجنة.

٦١١

[ ٢٩ ]

مجلس يوم الجمعة

الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٦٥/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله روحه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا يحيى بن عليّ بن عبد الجبار السدوسي بالسيرجان، قال: حدثني عمي محمّد بن عبد الجبار، قال: حدّثنا حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان ومعاوية بن الريان، جميعا عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي، قال: كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلوسا، فأتى عليّعليه‌السلام فدخل المسجد، وقد وافق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قياما، فلما رأى عليا جلس، ثم أقبل عليه، فقال: يا أبا الحسن، إنك أتيت ووافق قياما فجلست لك، أفلا أخبرك ببعض ما فضلك الله به؟ أخبرك أني ختمت النبيين، وختمت أنت يا علي الوصيين، وحق على الله ألا يوقف موسى بن عمرانعليه‌السلام موقفا إلا أوقف معه وصيه يوشع بن نون، وإني أقف وتوقف وأسأل وتسأل، فاعدد يابن أبي طالب جوابا، فإنما أنت مني تزول أينما زلت.

قال عليّعليه‌السلام : يا نبي الله، فما الذي تبينه لي، لاهتدي بهداك لي؟

٦١٢

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وإنه (عزّوجلّ) هاديك ومعلمك، وحق لك أن تعي، لقد أخذ الله ميثاقي وميثاقك وميثاق شيعتك وأهل مودتك إلى يوم القيامة، فهم شيعتي ورذوي مودتي، وهم ذوي الالباب، يا علي حق على الله أن ينزلهم في جناته، ويسكنهم مساكن الملوك، وحق لهم أن يطيبوا.

١٢٦٦/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدّثنا أيوب بن نوح بن دراج، قال: حدثني محمّد بن أبي عقيلة، قال: حدثني الحسين بن زيد، قال: حدثني أبي زيد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: سمعته يقول: من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير، وأعظم من ذلك من عد فائتها سلامة نالها، وغنيمة أعين عليها.

١٢٦٧/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبيدالله ابن محمّد بن عبيد بن ياسين بن محمّد بن عجلان التميمي العابد، قال: سمعت سيدي أبا الحسن عليّ بن محمّد ابن الرضاعليهم‌السلام بسرمن رأى، يقول: الغوغاء قتلة الانبياء، والعامة اسم مشتق من العمى، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتّى قال: (بل هم أضل)(١) .

١٢٦٨/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: أخبرنا رجاء بن يحيى أبوالحسين العبرتائي الكاتب، قال: حدّثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بسر من رأى، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّعليهم‌السلام ، قال: أردت سفرا، فأوصاني أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال في وصيته: إياك يا بني أن تصاحب الاحمق أو تخالطه واهجره ولا تحادثه، فإن الاحمق هجنة(٢) غائبا كان أو حاضرا، إن تكلم فضحه حمقه، وإن سكت قصر به عيه، وإن

____________________

(١) سورة الفرقان ٢٥: ٤٤.

(٢) الهجنة في الكلام: العيب والقبح، وفي العلم: إضاعته.

٦١٣

عمل أفسد، وان استرعى أضاع، لاعلمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود أمه أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعني من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.

١٢٦٩/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني إبراهيم ابن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة، قال: حدّثنا عبيد بن الهيثم الانماطي بحلب، قال: حدّثنا الحسين بن علوان الكاتب، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، يحدث عن آبائهعليهم‌السلام ، عن علي (صلوات الله عليه) رفعه، قال: حسن البشر بالناس نصف العقل، والتقدير نصف المعيشة، والمرأة الصالحة أحد الكاسبين.

١٢٧٠/٦ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من وضيع، وحليم من سفيه، ومؤمن من فاجر.

١٢٧١/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي بأرتاح، قال: حدّثنا أبوعبد الغني الحسن بن عليّ الازدي المعاني، قال: حدّثنا عبد الوهاب بن همام الحميري، قال: حدّثنا جعفر ابن سليمان الضبعي البصري قدم علينا اليمن، قال: حدّثنا أبوهارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: حدثني حذيفة بن اليمان، قال: لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم جعفر والنبيعليه‌السلام بأرض خيبر، فأتاه بالفرع(١) من الغالية والقطيفة، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لادفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فمد أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعناقهم إليها، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر فدعا علياعليه‌السلام ، فلما جاء قال له النبيّعليه‌السلام : يا علي، خذ القطيفة إليك، فأخذها عليّعليه‌السلام وأمهل حتّى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع، وهو سوق المدينة، فأمر صائغا ففصل

____________________

(١) فرع كل شئ أعلاه، والمراد بالنفيس العالي منهما.

٦١٤

القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب، وكان ألف مثال، ففرقه عليّعليه‌السلام في فقراء المهاجرين والانصار، ثم رجع إلى منزله، ولم يترك له من الذهب قليلا ولا كثيرا، فلقيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار، فقال: يا علي، إنك أخذت بالامر ألف مثقال، فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك، ولم يكن عليّعليه‌السلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض(١) ذهب أو فضة، فقال حياء منه وتكرما: نعم يا رسول الله، وفي الرحب والسعة، ادخل يا نبي الله أنت ومن معك. قال: فدخل لنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال لنا: ادخلوا.

قال حذيفة: وكنا خمسة نفر، أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقدادرضي‌الله‌عنهم ، فدخلنا ودخل علي على فاطمةعليها‌السلام يبتغي عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور، وعليها عراق(٢) كثير، كأن رائحتها المسك، فحملها عليّعليه‌السلام حتّى وضعها بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن حضر معه، فأكلنا منها حتّى تملانا، ولا ينقص منها قليل ولا كثير، وقام النبيّعليه‌السلام حتّى دخل على فاطمةعليها‌السلام ، وقال: أنى لك هذا الطعام، يا فاطمة؟ فردت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت:( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٣) .

فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلينا مستعبرا، وهو يقول. الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيت لابنتي ما رأى زكرياعليه‌السلام لمريم. كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها: يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول:( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .

١٢٧٢/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن قيس بن مسكان أبوعمر المصيصي الفقيه من أصل كتابه، قال: حدّثنا

____________________

(١) العروض: جمع عرض، وهو المتاع وحطام الدنيا.

(٢) العراق: العظم جرد لحمه.

(٣) سورة آل عمران ٣: ٣٧.

٦١٥

عبدالله بن الحسين بن جابر أبومحمّد إمام جامع المصيصة، قال: حدثني عبد الحميد ابن عبدالرحمن بن بشير الحماني، قال: حدثني عبدالله بن قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبح عليّعليه‌السلام ذات يوم ساغبا، فقال: يا فاطمة، هل عندك شئ تطعميني؟ قالت: والذي أكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شئ يطعمه بشر، وما كان من شئ أطعمك منذ يومين إلا شئ كنت اوثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين. قال: أعلى الصبيين! ألا أعلمتني فأتيكم بشئ؟ قالت: يا أبا الحسن، إني لاستحي من إلهي أن اكلفك ما لا تقدر.

فخرج واثقا بالله حسن الظن به، فاستقرض دينارا، فبينا الدينار في يد عليّعليه‌السلام إذ عرض له المقدادرضي‌الله‌عنه في يوم شديد الحر، قد لوحته الشمس من فوقه وتحته، فأنكر عليّعليه‌السلام شأنه، فقال: يا مقداد، ما أزعجك هذه الساعة؟ قال: خل سبيلي يا أبا الحسن، ولا تكشفني عما ورائي. قال: إنه لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك. قال: يا أبا الحسن، إلى الله ثم إليك أن تخلي سبيلي، ولا تكشفني عن حالي. فقال عليّعليه‌السلام : إنه لا يسعك أن تكتمني حالك. فقال: إذا أبيت، فوالذي أكرم محمّدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني إلا الجهد، ولقد تركت عيالي بحال لم تحملني لها الارض، فخرجت مهموما وركبت رأسي فهذه حالي. فهملت عينا عليّعليه‌السلام بالدموع حتّى أخضلت دموعه لحيته، ثم قال: أحلف بالذي حلفت به، ما أزعجني من أهلي إلا الذي أزعجك، ولقد استقرضت دينارا فخذه، فدفع الدينار إليه، وآثره به على نفسه.

وانطلق إلى أن دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب مر بعليّ بن أبي طالب وهو في الصف الاول، فغمزه برجله، فقام عليّعليه‌السلام مستعقبا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلم عليه، فرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أبا الحسن، هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك؟ فمكث

٦١٦

مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه، وأين وجهه، وقد كان أوحى الله (تعالى) إلى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتعشى الليلة عند عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن، مالك لا تقول: لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما: فاذهب بنا.

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهي في مصلاها، قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رحلها خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال لها: يا بنتاه، كيف أمسيت رحمك الله. قالت: بخير، قال: غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة، فوضعتها بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما نظر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الطعام وشم رائحته، رمى فاطمةعليها‌السلام ببصره رميا شحيحا، فقالت له فاطمةعليها‌السلام : سبحان الله، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي، وأنت تحلفين بالله مجتهدة، ما طعمت طعاما مذ يومين؟ قال: فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها: يا فاطمة، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشم مثل ريحه قط، وما أكلت أطيب منه قط؟

قال: فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفه الطيبة المباركة بين كتفي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فغمزها، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله( إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) ثم استعبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكيا، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتّى يجزيكما، ويجزيك يا علي

____________________

(١) سورة آل عمران ٣: ٣٧.

٦١٧

بمنزلة زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.

١٢٧٣/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، باسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألت أم سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه.

فقالت أم سلمةرضي‌الله‌عنه : زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي. فقال: يا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت كان لها من الاجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله (عزّوجلّ)، فإذا وضعت قيل لها: قد غفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.

١٢٧٤/١٠ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني احمد ابن إسحاق بن العباس أبوالقاسم الموسوي بديبل، قال: أخبرني أبي إسحاق بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد، قال: حدثني عليّ بن جعفر بن محمّد وعليّ بن موسى بن جعفر، هذا عن أخيه، وهذا عن أبيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أغزى علياعليه‌السلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته، فقال رجل من الانصار لاخ له: اغز بنا في سرية علي، لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به، فبلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله، فقال: إنما الاعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله، فقد وقع أجره على الله، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى.

١٢٧٥/١١ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن جعفر بن مسافر الهذلي بتنيس، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمّد بن يعلى، عن أبي نعيم عمر بن صبح الهروي، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال

٦١٨

ابن سبرة، عن عليّعليه‌السلام و عبدالله بن مسعود، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: من خرج يطلب بابا من علم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما.

١٢٧٦/١٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبومحمّد الحسن بن عليّ بن نعيم بن سهل بن أبان النعيمي الطائفي، وكان مجاورا بمكة، قال: حدّثنا عقبة بن المنهال بن بحر أبوزياد، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الهاشمي، قال: حدّثنا المتفجع بن مصعب بن توبة بن ثبيت المزني، قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن جده. قال: وحدّثنا عقبة بن المنهال بن بحر، قال: حدّثنا عبدالله بن حميد بن البناء، قال: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جاءني جبرئيل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض. إني افترضت محبة علي على خلقي، فبلغهم ذلك عني.

١٢٧٧/١٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبويعلى محمّد بن زهير القاضي بالابلة، قال: حدّثنا عليّ بن أيمن، قال: حدثني مصبح ابن هلقام أبوعلي العجلي، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن قروزي بالرملة، قال: حدّثنا أبوأمية محمّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، قال: حدّثنا الحسن بن عطية، قال: كان أبي ينال من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأتي في المنام فقيل له: أنت الساب عليا؟ فخنق حتّى أحدث في فراشه ثلاثا، يعني صنع به ذلك في المنام ثلاث ليال.

١٢٧٨/١٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد ابن إبراهيم بن توزون، قال: حدّثنا أحمد بن داود بن موسى المكي بمصر، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الكسائي، قال: حدّثنا نوح بن دراج القاضي، عن ابن أبي ليلى، عن أبي جعفر المنصور، قال: كان عندنا بالشراة قاض إذا فرغ من قصصه ذكر علياعليه‌السلام فشتمه، فبينا هو كذلك إذ ترك ذلك يوما ومن الغد، فقالوا: نسي، فلما كان اليوم الثالث

٦١٩

تركه أيضا، فقالوا له وسألوه، فقال: لا والله لا أذكره بشتيمة أبدا، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا فيأتون النبيّعليه‌السلام فيقول لرجل: اسقهم، حتّى وردت على النبيّعليه‌السلام فقال له: اسقه، فطردني فشكوت ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله، مره فليسقني. قال: اسقه، فسقاني قطرانا، فأصبحت وأنا أتحشاه.

١٢٧٩/١٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد ابن جعفر بن محمّد بن أصرم البجلي بالكوفة، قال: حدّثنا محمّد بن عمارة الاسدي، قال: أخبرني يحيى بن ثعلبة، قال: وحدثني أبونعيم محمّد بن جعفر بن محمّد الحافظ بالرملة، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، قال: حدّثنا هشام بن محمّد بن السائب أبوالمنذر، قال: حدثني يحيى بن ثعلبة أبوالمقوم الانصاري، عن أمه عائشة بنت عبدالرحمن بن السائب، عن أبيها، قال: جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة وأشرافهم في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أميرالمؤمنينعليه‌السلام والبراءة منه، وكنت فيهم، فكان الناس من ذلك في أمر عظيم، فغلبتني عيناي فنمت، فرأيت في النوم شيئا طويلا، طويل العنق، أهدل، أهدب(١) فقلت: من أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة. قلت: وما النقاد؟ قال: طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه من جديد الاض، كما عتا وحاول ما ليس له بحق. قال: فانتبهت فزعا، وأنا في جماعة من قومي، فقلت: هل رأيتم ما رأيت؟ فقال رجلان منهم. رأينا كيت وكيت بالصفة، وقال الباقون: ما رأينا شيئا، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد، فقال: يا هؤلاء انصرفوا، فإن الامير عنكم مشغول، فسألناه عن خبره، فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت، فما تفرقنا حتّى سمعنا الواعية عليه، فأنشأت أقول في ذلك:

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم حين ناداهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الاسلام حين يرى

له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتهيا عما أراد بنا

حتّى تناوله النقاد ذو الرقبه

____________________

(١) الاهدل: المسترخي المشفر أو الشفة، والاهدب: الذي طال هدب عينيه، وكثرت أشفارهما.

٦٢٠