الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي0%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف: الصفحات: 799
المشاهدات: 838581
تحميل: 8068


توضيحات:

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 838581 / تحميل: 8068
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

[ ٤٠ ]

مجلس يوم الجمعة

الثالث عشر من شهر رمضان سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه أحاديث الغضائري.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٤٩٨/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيرحمه‌الله ، قال: أخبرنا الحسين بن عبيدالله، عن أبي محمّد هارون بن موسى، قال: حدثني أبوعلي محمّد بن همام، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسين الهمداني، قال: حدّثنا محمّد بن خالد البرقي، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضل ابن عمر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إن الله (تعالى) لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت، يبقيه ما أحب البقاء، فإذا علم منه أنه سيأتي بما فيه بوار دينه قبضه إليه مكرما.

قال أبوعلي: فذكرت هذا الحديث لاحمد بن عليّ بن حمزة مولى الطالبيين - وكان راوية للحديث - فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي، عن محمّد بن القاسم، عن فضيل بن يسار، عن رجل، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: قال: من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش بالاعمال.

١٤٩٩/٢ - وبهذا الاسناد، عن أبي علي محمّد بن همام، قال: حدثني محمّد ابن عليّ بن الحسين الهمداني، قال: حدثني محمّد بن خالد البرقي، قال: حدّثنا

٧٠١

محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، عن آبائه، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام : أن أميرالمؤمنينعليه‌السلام كان ذات يوم جالسا بالرحبة، والناس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنك بالمكان الذي أنزلك الله (عزّوجلّ) به، وأبوك يعذب بالنار؟

فقال له: مه، فض الله فاك، والذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق نبيا، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الارض لشفعه الله فيهم، أبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار؟!

ثم قال: والذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار. نور محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونوري، ونور فاطمة، ونور الحسن، والحسين ومن ولده من الائمة، لان نوره من نورنا الذي خلقه الله (تعالى) من قبل أن يخلق آدم بألفي عام.

١٥٠٠/٣ - وعن موسى بن بكر، عن العبد الصالحعليه‌السلام ، قال: بكى أبوذر من خشية الله (تعالى) حتّى اشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله يشفي بصرك. فقال: إني عن ذلك مشغول، وما هو بأكبر همي. قالوا: وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمتان الجنة والنار.

١٥٠١/٤ - وعنه، عن العبد الصالحعليه‌السلام ، قال: سئل أبوذز: ما مالك؟ قال: عملي. قيل له: إنما نسألك عن الذهب والفضة؟ فقال: ما أصبح فلا أمسى، وما أمسى فلا أصبح، لناكندوج(١) نرفع فيه خير متاعنا، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كندوج المؤمن قبره.

١٥٠٢/٥ - وعنه، عن العبد الصالحعليه‌السلام ، قال: قال أبوذررحمه‌الله : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفي الشعير، أتغدى بأحدهما، وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف، أتزر باحداهما، وأرتدي بالاخرى.

١٥٠٣/٦ - وعنه، قال: خطب أميرالمؤمنينعليه‌السلام بالبصرة، فقال: يا جند

____________________

(١) الكندوج: شبه مخزن توضع فيه الحنطة ونحوها، ويطلق على الخزانة الصغيرة.

٧٠٢

المرأة، يا أصحاب البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فانهزمتم، الله أمركم بجهادي أم على الله تفترون!

ثم قال: يا بصرة، أي يوم لك لو تعلمين، وأي قوم لك لو تعلمين؟ إن لك من الماء يوما عظيما بلاؤه. وذكر كلاما كثيرا.

١٥٠٤/٧ - كثير، عن زيد بن علي، عن أبيهعليه‌السلام : أن الحسين بن عليّعليهما‌السلام أتى عمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال له: انزل عن منبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت يا بني، منبر أبيك لا منبر أبي. فقال عليّعليه‌السلام : ما هو والله عن رأيي. قال: صدقت والله ما أتهمتك يا أبا الحسن. ثم نزل عن المنبر، فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر، فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر، ثم قال: أيها الناس، سمعت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: احفظوني في عترتي وذريتي، فمن حفظني فيهم حفظه الله، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم! ثلاثا.

١٥٠٥/٨ - زيد بن علي، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: قال عليّعليه‌السلام : لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا، أحبب حبيبك هونا ما، وابغض بغيضك هونا ما.

١٥٠٦/٩ - زيد بن علي، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: سئل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : من أفصح الناس؟ قال: المجيب المسكت عند بديهة السؤال.

١٥٠٧/١٠ - زيد بن علي، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: الورع نظام العبادة، فإذا انقطع الورع ذهبت الديانة، كما أنه إذا انقطع السلك اتبعه النظام(١) .

١٥٠٨/١١ - وروى منيف، عن جعفر بن محمّد مولاه، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام ، قال: قال عليّعليه‌السلام :

صبرت على مر الامور كراهة

وأبقيت في ذاك الصواب من الامر

إذا كنت لا تدري ولم تك سائلا

عن العلم من يدري جهلت ولا تدري

____________________

(١) النظام: الخيط الذي ينظم في اللؤلؤ ريخر،.

٧٠٣

[ ٤١ ]

مجلس يوم الجمعة

السادس والعشرين من شوال سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه أحاديث ابن الصلت الاهوازي.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥٠٩/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الصلت الاهوازي، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبدالرحمن الحافظ، قال: حدثني محمّد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير أبوبكر، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا المكي، قال: حدثني كثير ابن طارق، قال: سمعت زيد بن عليّ مصلوب الظالمين يقول: حدثني أبي عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: خطب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة، فقال:

الحمد لله المتوحد بالقدم والازلية، الذي ليس له غاية في دوامه، ولا له أولية، أنشأ صنوف البرية، لا من اصول كانت بدية، وارتفع عن مثاركة الانداد، وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد، هو الباقي بغير مدة، والمنشئ لا بأعوان، لا بآلة فطر، ولا بجوارح صرف ما خلق، لا يحتاج إلى محاولة التفكير، ولا مزاولة مثال ولا تقدير، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير، لا بروية ولا ضمير، سبق علمه في كل

٧٠٤

الامور، ونفذت مشيئته في كل ما يريد في الازمنة والدهور، وانفرد بصنعة الاشياء فأتقنها بلطائف التدبير، سبحانه من لطيف خبير، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

١٥١٠/٢ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيرحمه‌الله ، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الصلت الاهوازي، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبدالرحمن الحافظ، قال: حدثني محمّد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير أبوبكر، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا المكي، قال: حدثني كثير بن طارق، من ولد قنبر مولى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: حدثني زيد بن عليّعليه‌السلام في جارسوج(١) كندة بالكوفة: أن أباه حدثه عن أبيهعليهما‌السلام ، عن ابن عباس، قال: أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام خاتما فقال: يا علي، خذ هذا الخاتم للنقاش، لينقش عليه محمّد بن عبدالله، فأخذه أميرالمؤمنينعليه‌السلام فأعطاه النقاش، وقال له: انقش عليه محمّد بن عبدالله، فنقش النقاش، وأخطأت يده، فنقش عليه: محمّد رسول الله، فجاء أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقال: ما فعل الخاتم؟ فقال: هو ذا، فأخذه ونظر إلى نقشه، فقال: ما أمرتك بهذا، قال: صدقت، ولكن يدي أخطأت، فجاء به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: يا رسول الله، ما نقش النقاش ما أمرت به، ذكر أن يده أخطأت، فأخذه النبيّعليه‌السلام ونظر إليه، فقال: يا علي، أنا محمّد بن عبدالله، وأنا محمّد رسول الله، وتختم به، فلما أصبح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر إلى خاتمه، فإذا تحته منقوش: علي ولي الله، فتعجب من ذلك النبيّعليه‌السلام فجاء جبرئيل، فقال: يا جبرئيل، كان كذا وكذا. فقال: يا محمّد، كتبت ما أردت، وكتبنا ما أردنا.

____________________

(١) تقدم في الحديث: ٦٧، وعلى حاشية النسخة: الجارسوج، معناه المربع.

٧٠٥

[ ٤٢ ]

مجلس يوم الجمعة

الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه أحاديث ابن شاذان القمي، وابن الصلت الاهوازي.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥١١/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه ، قال: أخبرنا أبوالحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، قال: حدثني أحمد بن محمّد بن أيوب، قال: حدّثنا عمر بن الحسن القاضي، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد، قال: حدثني أبوحبيبة، قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عائشة.

قال محمّد بن أحمد بن شاذان: وحدثني سهل بن أحمد، قال: حدّثنا أحمد ابن عمر الربيعي، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى، قال: حدّثنا أبوداود، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

قال ابن شاذان: وحدثني إبراهيم بن علي، باسناده عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بازاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وكانت حاملة بأمير

٧٠٦

المؤمنينعليه‌السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، قال: فوقفت بازاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي رب، إني مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكل نبي من أنبيائك، وبكل كتاب أنزلته، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناء، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب. لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله (تعالى)، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام. قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن.

قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعليّعليه‌السلام على يديها، ثم قالت: معاشر الناس، إن الله (عزّوجلّ) اختارني من خلقه، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبدالله فيه إلا اضطرارا، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الارض حتّى تساقط عليها رطبا جنيا، وإن الله (تعالى) اختارني وفضلني عليهما، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لاني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سميه عليا، فأنا العلي الاعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أول من يؤذن فوق بيتي، ويكسر الاصنام ويرميها على وجهها، ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الامام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيه،

٧٠٧

فطوبى لمن أحبه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.

قال: فلما راه أبوطالب سره وقال عليّعليه‌السلام : السلام عليك يا أبه، ورحمة الله وبركاته.

قال: ثم دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما دخل اهتز له أميرالمؤمنينعليه‌السلام وضحك في وجهه، وقال: السلام عليك، يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته.

قال: ثم تنحنح باذن الله (تعالى)، وقال:( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) إلى آخر الآيات. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله:( أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت والله أميرهم، تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة: اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به. فقالت: فإذا خرجت أنا، فمن يرويه؟ قال: أنا أرويه. فقالت فاطمة: أنت ترؤيه؟ قال: نعم، فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عثرة عينا، قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من عليّعليه‌السلام إلى عنان السماء.

قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط، قال: فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها باذن الله، ثم قال بعد ذلك: يا أمه لا تشدي يدي، فإني احتاج إلى أن أبصبص(٢) لربي بإصبعي. قال: فقال أبوطالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ.

قال: فلما كان من غد دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمة، فلما بصر

____________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣: ١ - ١١.

(٢) بصبص في دعائه: رفع سبابته إلى السماء وحركها.

٧٠٨

عليّعليه‌السلام برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلم عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالامس. قال: فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة. قال: فلكلام فاطمة، سمي ذلك اليوم يوم عرفة - يعني أن أميرالمؤمنينعليه‌السلام عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلما كان اليوم الثالث، وكان العاشر من ذي الحجة، أذن أبوطالب في الناس أذانا جامعا، وقال: هلموا إلى وليمة ابني علي. قال: ونحر ثلاث مائة من الابل وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمة عظيمة، وقال: معاشر الناس، ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر.

١٥١٢/٢ - وعنه، قال: أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الصلت الاهوازي، قال: أخبرنا أبوالعباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا جعفر بن عبدالله العلوي، قال: حدّثنا عمي القاسم بن جعفر بن عبدالله بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب أبومحمّد، قال: حدثني عبدالله بن محمّد بن عبدالله بن عليّ بن الحسين، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: أن القوم حين اجتمعوا للشورى فقالوا فيها، وناجى عبدالرحمن رجل منهم على حدة، ثم قال لعليّعليه‌السلام : عليك عهد الله وميثاقه، لئن وليت لتعملن بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال عليّعليه‌السلام : علي عهد الله وميثاقه، لئن وليت أمركم لاعملن بكتاب الله وسنة رسوله. فقال عبدالرحمن لعثمان كقوله لعليّعليه‌السلام ، فأجابه أن نعم، فرد عليهما القول ثلاثا كل ذلك يقول عليّعليه‌السلام كقوله، ويجيبه عثمان: أن نعم، فبايع عثمان عبدالرحمن عند ذلك.

١٥١٣/٣ - وباسناده، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد: أن الناس كلموا عثمان في أمر عبيدالله بن عمر وقتله الهرمزان، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد أكثرتم في أمر عبيدالله بن عمرو الهرمزان، وإنما قتله عبيدالله تهمة بدم أبيه، وإن أولى الناس بدم الهرمزان الله ثم

٧٠٩

الخليفة، ألا وإني قد وهبت دمه لعبيدالله، فقام المقداد بن الاسود، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما كان لله كان الله أملك به منك، وليس لك أن تهب ما الله أملك به منك. فقال: ننظر وتنظرون، فبلغ قول عثمان علياعليه‌السلام فقال: والله لئن ملكت لاقتلن عبيدالله بالهرمزان، فبلغ ذلك عبيدالله، فقال: والله لئن ملك لفعل.

١٥١٤/٤ - وباسناده، عن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عبدالرحمن بن أبي عمرة الانصاري، قال: لما قدم أبوذر على عثمان، قال: أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال: مهاجري. فقال: لست بمجاوري. قال: فألحق بحرم الله، فأكون فيه. قال لا: قال: فالكوفة أرض بها أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: لا. قال: فلست بمختار غيرهن، فأمره بالمسير إلى الربذة، فقال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي اسمع وأطع، وانفذ حيث قادوك، ولو لعبد حبشي مجدع.

فخرج إلى الربذة، وأقام مدة، ثم أتى إلى المدينة، فدخل على عثمان والناس عنده سماطين، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات، وليس لي خادم إلا محررة، ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة، فاعطني خادما وغنيمات أعش فيها، فحول وجهه عنه، فتحول عنه إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك، فقال له حبيب بن سلمة: لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمس مائة شاة. قال أبوذر: أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني، فإني إنما أسال حقي في كتاب الله.

فجاء عليّعليه‌السلام فقال له عثمان: ألا تغني عنا سفيهك هذا. قال: أئ سفيه؟ قال: أبوذر. قال عليّعليه‌السلام : ليس بسفيه، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون، إن يك كاذبا فعليه كذبه، وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم. قال عثمان: التراب في فيك. قال عليّعليه‌السلام : بل التراب في فيك، انشد بالله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك لابي ذر، فقام أبوهريرة وعشرة فشهدوا بذلك، فولي عليّعليه‌السلام .

١٥١٥/٥ - قال ابن عباس: كنت عند أبي على العشاء بعد المغرب إذ جاء

٧١٠

الخادم، فقال: هذا أميرالمؤمنين بالباب، فدخل عثمان فجلس، فقال له العباس: تعش. قال: تعشيت، فوضع يده، فلما فرغنا من العشاء قام من كان عنده وجلست وتكلم عثمان، فقال: يا خال، أشكو إليك ابن أخيك - يعني علياعليه‌السلام - فإنه أكثر في شتمي، ونطق في عرضي، وأنا أعوذ بالله من ظلمكم بني عبد المطلب، إن يكن هذا الامر لكم فقد سلمتموه إلى من هو أبعد مني، وإن لا يكن لكم فحقي أخذت.

فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر ما خص الله به قريشا منه، وما خص به بني عبد المطلب خاصة، ثم قال: أما بعد، فما حمدتك لابن أخي، ولا حمدت ابن أخي فيك، وما هو وحده، ولقد نطق غيره، فلو أنك هبطت مما صعدت، وصعدوا مما هبطوا لكان ذلك أقرب.

فقال: أنت وذلك يا خال. قال: فلم تكلم بذلك عنك؟ قال: نعم أعطهم عني ما شئت، وقام عثمان فخرج، فلم يلبث أن رجع إليه فسلم وهو قائم، ثم قال: يا خال، لا تعجل بشئ حتّى أعود إليك، فرفع العباس يديه واستقبل القبلة، فقال: اللهم استبق بي ما لا خير لي في إدراكه، فما مضت الجمعة حتّى مات.

١٥١٦/٦ - وباسناده، عن عبدالله بن أبي بكر بن محمّد، عن أبي بكر بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر: أنه نزل على خالد بن أسيد بمكة، فقال له: لو أتيت ابن عمك فوصلك، فأتى عثمان فكتب له إلى عبدالله بن عامر: أن صله بست مائة ألف، فنزل به من قابل فسأله، فقال له: قد بارك الله لي في مشورتك، فأتيته فأمر لي بست مائة ألف، فقال له ابن عمر: ستين ألفا! قال: مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف، ست مرات، فقال له ابن عمر: اسكت فما أسود(١) عثمان! وبايعه أهل مصر، فكتب أهل مصر إلى عثمان، وذكر الكتاب بطوله.

____________________

(١) أي ما أكثر ماله، والسواد: المال الكثير.

٧١١

[ ٤٣ ]

مجلس يوم الجمعة

الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث ابن الصلت الاهوازي.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥١٧/١ - حدّثنا أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه ، قال: بالاسناد الاول عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة الانصاري، قال: لما نزل المصريون بعثمان بن عفان في مرتهم الثانية، دعا مروان بن الحكم فاستشاره، فقال له: إن القوم ليس هم لاحد أطوع منهم لعليّ بن أبي طالب، وهو أطوع الناس في الناس، فابعثه إليهم فليعطهم الرضا، وليأخذ لك عليهم الطاعة، ويحذرهم الفتنة، فكتب عثمان إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « سلام عليكم، أما بعد، فإنه قد جاز السيل الزبا، وبلغ الحزام الطبيين(١) ، وارتفع أمر الناس بي فوق قدره، وطمع في من كان يعجز عن نفسه، فاقبل علي أولى، وتمثل:

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلا فأدركني ولما امزق

____________________

(١) أي اشتد الامر وتفاقم.

٧١٢

والسلام »

فجاءه عليّعليه‌السلام ، فقال: يا أبا الحسن، ائت هؤلاء القوم، فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: نعم، إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على أن تفي لهم بكل شئ أعطيته عنك لهم. فقال: نعم. فأخذ عليه عهدا غليظا ومشى إلى القوم، فلما دنا منهم، قالوا: وراءك(١) . قال: لا. قالوا: وراءك. قال: لا. فجاء بعضهم ليدفع في صدره حين قال ذلك، فقال القوم بعضهم لبعض: سبحان الله، أتاكم ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض كتاب الله! اسمعوا منه واقبلوا. قالوا: تضمن لنا كذلك. قال: نعم.

فاقبل معه أشرافهم ووجوههم حتّى دخلوا على عثمان فعاتبوه، فأجابهم إلى ما أحبوا، فقالوا: اكتب لنا على هذا كتاب، وليضمن علي عنك ما في الكتاب. قال: اكتبوا أنى شئتم، فكتبوا بينهم « بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ماكتب عبدالله عثمان بن عفان أميرالمؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين أن لكم علي أن أعمل بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن المحروم يعطى، وأن الخائف يؤمن، وأن المنفي يرد، وأن المبعوث لا يجمر(٢) ، وأن الفئ لا يكون دولة بين الاغنياء، وعليّ بن أبي طالب ضامن للمؤمنين والمسلمين على عثمان الوفاء لهم على ما في هذا الكتاب. شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن مالك، وعبدالله بن عمر، وأبو أيوب بن زيد. وكتب في ذي القعدة سنة خمس وعشرين »

فأخذوا الكتاب ثم انصرفوا، فلما نزلوا أيلة إذا هم براكب فأخذوه، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا رسول عثمان إلى عبدالله بن سعد. قال بعضهم لبعض: لو فتشناه لئلا يكون قد كتب فينا؟ ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا، فقال كنانة بن بشر التجيبي: انظروا

____________________

(١) وراءك: اسم فعل بمعنى ارجع أو تأخر.

(٢) جمر الجيش: حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم من الثغر، وفي الحديث: « لا تجمروا الجيش فتفتنوهم » .

٧١٣

إلى إدواته(١) ، فإن للناس حيلا، فإذا قارورة مختومة بموم(٢) ، فإذا فيها كتاب إلى عبدالله بن سعد: « إذا جاءك كتابي هذا، فاقطع أيدي الثلاثة مع أرجلهم »

فلما قرءوا الكتاب رجعوا حتّى أتوا علياعليه‌السلام ، فأتاه فدخل عليه، ففال: استعتبك القوم فأعتبتهم، ثم كتبت كتابك هذا، نعرفه الخط الخط والخاتم الخاتم؟! فخرج عليّعليه‌السلام مغضبا وأقبل الناس عليه، فخرج سعد من المدينة فلقيه رجل، فقال: يا أبا إسحاق، أين تريد؟ قال: إني قد فررت بديني من مكة إلى المدينة، وأنا اليوم أهرب بديني من المدينة إلى مكة.

وقال الحسن بن عليّعليهما‌السلام لعليّعليه‌السلام حين أحاط الناس بعثمان: اخرج من المدينة واعتزل، فإن الناس لا بد لهم منك، وإن هم ليأتونك ولو كنت بصنعاء اليمن، وأخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره. فقال: يا بني، أخرج عن دار هجرتي، وما أظن أحدا يجترئ على هذا القول كله.

وقام كنانة بن بشر، فقال: يا عبدالله، أقم لنا كتاب الله، فإنا لا نرضى بالقول دون الفعل، قد كتبت وأشهدت لنا شهودا، وأعطيتنا عهد الله وميثاقه. فقال: ما كتبت بينكم كتابا، فقام إليه المغيرة بن الاخنس، فضرب بكتابه وجهه، وخرج إليهم عثمان ليكلمهم، فصعد المنبر، فرفعت عائشة قميص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونادت « أيها الناس، هذا قميص رسول الله لم يبل، وقد غيرت سنته! » فنهض الناس، وكثر اللغط، وحصبوا عثمان حتّى نزل من المنبر فدخل بيته، فكتب نسخة واحدة إلى معاوية وعبدالله بن عامر: « أما بعد، فإن أهل السفه والبغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة أحاطوا بداري، ولن يرضيهم مني دون خلعي أو قتلي، وأنا ملاق الله قبل أن أتابعهم على شئ من ذلك، فأعينوني »

فلما بلغ كتابه ابن عامر قام وقال: أيها الناس، إن أمير المومنين عثمان ذكر أن

____________________

(١) الادواة: إناء صغير من جلد. (٢) الموم: الشمع، معرب.

٧١٤

شرذمة من أهل مصر والعراق نزلوا بساحته، فدعاهم إلى الحق فلم يجيبوا، فكتب إلي أن أبعث إليه منكم ذوي الرأي والدين والصلاح، لعل الله أن يدفع عنه ظلم الظالمين وعدوان المعتدين. فلم يجيبوه إلى الخروج، ثم إنه نزل.

فقدموا من كل فج حتّى حضروا المدينة، وقيل لعليّعليه‌السلام : إن عثمان قد منع الماء، فأمر بالروايا فعكمت(١) ، وجاء للناس عليّعليه‌السلام فصاح بهم صيحة فانفرجوا، فدخلت الروايا، فلما رأى عليّعليه‌السلام اجتماع الناس ووجوههم، دخل على طلحة بن عبيدالله وهو متكئ على وسائد، فقال: إن هذا الرجل مقتول فامنعوه. فقال: أما والله دون أن تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.

١٥١٨/٢ - وباسناده، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: حدثني أبوجعفر محمّد ابن عليّعليهما‌السلام ، قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة الانصاري، قال: سماني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الرحمن. قال: لما بلغ علياعليه‌السلام مسير طلحة والزبير خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال:

أما بعد، فقد بلغني مسير هذين الرجلين، واستخفافهما حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستفزازهما أبناء الطلقاء، وتلبيسهما على الناس بدم عثمان، وهما ألبا عليه، وفعلا به الافاعيل، وخرجا ليضربا الناس بعضهم ببعض، اللهم فاكف المسلمين مؤنتهما، واجزهما الجوازي، وحض الناس على الخروج في طلبهما، فقام إليه أبومسعود عقبة بن عمرو، وقال: يا أميرالمؤمنين، إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومجلسك فيما بين قبره ومنبره، أعظم مما ترجو من الشام والعراق، فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام عمر وكفاه سعد زحف القادسية، وكفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند، وكفاه أبوموسى زحف تستر، وكفاه خالد بن الوليد زحف الشام، فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك نرعاه فيك ونذكرك به.

ثم قال أبومسعود:

____________________

(١) عكم الشئ: شده.

٧١٥

بكت الارض والسماء على الشا

خص منا يريد أهل العراق

يا وزير النبيّ قد عظم الخطب

وطعم الفراق مر المذاق

وإذا القوم خاصموك فقوم

ناكسو الطرف خاضعو الاعناق

لا يقولون إذ تقول وإن

قلت فقول المبرز السباق

فعيون الحجاز تذرف بالدمع

وتلك القلوب عند التراقي

فعليك السلام ما ذرت الشمس

ولاح السراب بالرقراق

فقال قيس بن سعد: يا أمير المومنين، ما على الارض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك، لانك نجمنا الذي نهتدي به، ومفزعنا الذي نصير إليه، وإن فقدناك لتظلمن أرضنا وسماؤنا، ولكن والله لو خليت معاوية للمكر، ليرومن مصر، وليفسدن اليمن، وليطمعن في العراق، ومعه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان، وقد اكتفوا بالظن عن العلم، وبالشك عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق، ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه، ويقصر له من نفسه. فقال: أحسنت والله يا قيس، وأجملت.

وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى عليّعليه‌السلام تخبره بمسير عائشة وطلحة والزبير، فأزمع المسير، فبلغه تثاقل سعد وأسامة بن زيد ومحمّد بن مسلمة، فقال سعد: لا أشهر سيفا حتّى يعرف المؤمن من الكافر، وقال أسامة: لا أقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله، ولو كنت في فم الاسد لدخلت فيه معك، وقال محمّد بن مسلمة: أعطاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيفا، وقال: إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد، والزم بيتك، وتخلف عنه عبدالله بن عمر.

فقال عمار بن ياسر: دع القوم، أما عبدالله فضعيف، وأما سعد فحسود، وأما محمّد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت قاتل أخيه مرحبا.

ثم قال عمار لمحمّد بن مسلمة: أما تقاتل المحاربين؟ فوالله لو مال علي جانبا لملت مع علي.

وقال كعب بن مالك: يا أميرالمؤمنين، إنه بلغك عنا معشر الانصار، ما لو كان

٧١٦

غيرنا لم يقم معك، والله ما كل ما رأينا حلالا حلال، ولا كل ما رأينا حراما حرام، وفي الناس من هو أعلم بعذر عثمان ممن قتله، وأنت أعلم بحالنا منا، فإن كان قتل ظالما قبلنا، وإن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا، فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا وشكك، وقد قلت لنا: عندي نقض ما اجتمعوا عليه، وفصل ما اختلفوا فيه. وقال:

كان أولى أهل المدينة بالنص

ـر عليا وآل عبد مناف

للذي في يديه من حرم الل‍

ـه وقرب الولاء بعد التصافي

وكان كعب بن مالك شيعة لعثمان.

وقام الاشتر إلى عليّعليه‌السلام ، فكلمه بكلام بحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك عليّعليه‌السلام حتّى شكاه، وكان من رأي عليّعليه‌السلام ألا يذكرهم بشئ.

فقال الاشتر: يا أميرالمؤمنين، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والانصار، فإنا فيهم، وهذه بيعة عامة، والخارج منها عاص، والمبطئ عنها مقصر، فإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف، وما من ثقل عنك كمن خف معك، وإنما أرادك القوم لانفسهم فأردهم لنفسك. فقال عليّعليه‌السلام : يا مالك دعني. وأقبل عليّعليه‌السلام عليهم، فقال: أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نكث بيعته، أكنتم تستحلون قتالهم؟ قالوا: نعم. قال: فكيف تحرجون من القتال معي وقد بايعتموني؟ قالوا: إنا لا نزعم أنك مخطئ، وأنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك، ولكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الاشتر: دعني يا أميرالمؤمنين، أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له عليّعليه‌السلام : كف عني، فانصرف الاشتر وهو مغضب.

ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الاشتر في نفر من المهاجرين والانصار، فقال قيس للاشتر: يا مالك، كلما ضاق صدرك بشئ أخرجته، وكلما استبطأت أمرا استعجلته، إن أدب الصبر التسليم، وأدب العجلة الاناة، وإن شر القول ما ضاهى العيب، وشر الرأي ما ضاهى التهمة، وإذا ابتليت فاسأل، وإذا أمرت فأطع، ولا تسأل قبل البلاء، ولا تكلف قبل أن ينزل الامر، فإن في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشق على صاحبك؟ فغضب الاشتر، ثم إن الانصار مشوا إلى الاشتر في ذلك فرضوه عن غضبه

٧١٧

فرضي.

فلما هم عليّعليه‌السلام بالنهوض، قام إليه أبوأيوب خالد بن زيد صاحب منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: يا أميرالمؤمنين، لو أقمت بهذه البلدة، فإنها مهاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبها قبره ومنبره، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك، وإن وكلت إلى المسير فقد أعذرت. فأجابه عليّعليه‌السلام بعذره في المسير.

ثم خرج لما سمع توجه طلحة والزبير إلى البصرة وتمكث حتّى عظم جيشه، وأغذ(١) السير في طلبهم، فجعلوا لا يرتحلون من منزل إلا نزله حتّى نزل بذي قار، فقال: والله إنه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من معي، فأرسل إلى الكوفة الحسن بن عليّعليهما‌السلام وعمار بن ياسر وقيس بن سعد، وكتب إليهم كتابا، فقدموا الكوفة، فخطب الناس الحسن بن عليّعليهما‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر علياعليه‌السلام وسابقته في الاسلام، وبيعة الناس له، وخلاف من خالفه، ثم أمر بكتاب عليّعليه‌السلام فقرئ عليهم.

 « بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإني اخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه عيانه، إن الناس طعنوا عليه، وكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه، وأقل عيبه، وكان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف، وقد كان من أمر عائشة فلتة على غضب، فأتيح له قوم فقتلوه، ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين، وكان هذان الرجلان أول من فعل على ما بويع عليه من كان قبلي، ثم إنهما استأذناني في العمرة، وليسا يريدانها، فنقضا العهد، وآذنا بحرب، وأخرجا عائشة من بيتها، ليتخذانها فئة، وقد سارا إلى البصرة اختيارا لها، وقد سرت إليكم اختيارا لكم، ولعمري ما إياي تجيبون، ما تجيبون إلا الله ورسوله، ولن أقاتلهم وفي نفسي منهم حاجة، وقد بعثت إليكم بالحسن بن عليّ وعمار بن ياسر وقيس بن سعد مستنفرين فكونوا عند ظني بكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله » .

____________________

(١) أي أسرع.

٧١٨

فلما قرئ الكتاب على الناس قام خطباء الكوفة، شريح بن هاني وغيره، فقالوا: والله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتّى نعلم علم عثمان، فقد أنبانا الله به في بيوتنا، ثم بذلوا السمع والطاعة، وقالوا: رضينا بأميرالمؤمنين، ونطيع أمره، ولا نتخلف عن دعوته، والله لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا وطاعة.

فلما سمع الحسن بن عليّعليهما‌السلام ذلك قام خطيبا فقال: أيها الناس، إنه قد كان من أميرالمؤمنين علي ما تكفيكم جملته، وقد أتيناكم مستنفرين لكم، لانكم جبهة الامصار، ورؤساء العرب، وقد كان من نقض طلحة والزبير بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم، وهو ضعف النساء، وضعف رأيهن، وقد قال الله (تعالى):( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) (١) وأيم الله لو لم ينصره أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والانصار، ومن يبعث الله له من نجباء الناس كفاية، فانصروا الله ينصركم. ثم جلس.

وقام عمار بن ياسر، فقال. يا أهل الكوفة، إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا، إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم، (فبه) أحيا الله من أحيا، وقتل من قتل، وإن طلحة والزبير أول من طعن، وآخر من أمر، ثم بايعا أول من بايع، فلما أخطأهما ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان، وهذا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستنفركم، وقد أظلكم في المهاجرين والانصار، فانصروه ينصركم الله.

وقام قيس بن سعد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن هذا الامر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في سابقته وهجرته وعلمه، وكان قتال من أبى ذلك حلالا، فكيف والحجة قامت على طلحة والزبير، وقد بايعاه وخلعاه حسدا؟!

فقام خطباؤهم فأسرع الرد بالاجابة، فقال النجاشي في ذلك:

____________________

(١) سورة النساء ٤: ٣٤.

٧١٩

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا

علي وأبناء النبيّ محمّد

وقلنا له أهلا وسهلا ومرحبا

نمد يدينا من هوى وتودد

فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا

بصم العوالي والصفيح المهند

وتسويد من سودت غير مدافع

وإن كان من سودت غير مسود

فإن نلت ما تهوى فذاك نريده

وإن تخط ما تهوى فغير تعمد

وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة:

جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة

أجابوا ولم يأتوا بخذلان من خذل

وقالوا علي خير حاف وناعل

رضينا به من ناقض العهد من بدل

هما أبرزا زوج النبيّ تعمدا

يسوق بها الحادي المنيخ على جمل

فما هكذا كانت وصاة نبيكم

وما هكذا الانصاف أعظم بذا المثل

فهل بعد هذا من مقال لقائل

ألا قبح الله الاماني والعلل

قال: فلما فرغ الخطباء وأجاب الناس، قام أبوموسى فخطب الناس، وأمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال، ثم قال: أما بعد، فإن الله حرم علينا دماءنا وأموالنا، فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) (١) وقال:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) (٢) يا أهل الكوفة...

١٥١٩/٣ - (وباسناده، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: قمت إلى) متوضأ لي، فسمعت جارية لجار لي تغني وتضرب، فبقيت ساعة أسمع، قال: ثم خرجت، فلما أن كان الليل دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فحين استقبلني قال: الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، اجتنبوا قول الزور. قال: فما زال يقول: الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، قال: فضاق بي المجلس، وعلمت أنه يعنيني، فلما أن خرجت قلت

____________________

(١) سورة النساء ٤: ٢٩.

(٢) سورة النساء ٤: ٩٣.

٧٢٠