الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ50%

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
ISBN: 978-600-5213-38-6
الصفحات: 108

  • البداية
  • السابق
  • 108 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17240 / تحميل: 6214
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٣٨-٦
العربية

١

٢

٣

مقدمة المركز

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا  محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد.

تمثّل الرسالة الإسلامية بكل تجلّياتها الأُسس التي يبتنىٰ عليها المجتمع  الإسلامي الصحيح ،والتي يرتكز عليها توازن الحياة في نفس الإنسان وعلاقته  بمجتمعه وبالحياة كلّها ،والانفتاح الفكري والعملي على تلك الرسالة لا يكون من دون  الارتباط بالقدوة الرمز من خلال التأثير المباشر بما جسدته سيرته من صور مشرقة  على مستوى الكلمة والحركة والموقف. قدوة يعيش الإسلام بروحه وعقله ،ويمتلك  جميع القيم الإسلامية ،ويستوعب جميع امتدادات رسالة التوحيد ،مع الفهم الثاقب  الذي لا يشتبه في شيء منها ،بحيث يكون رسالة تتحرّك على الأرض ،وعلماً يتفجّر  على الدوام ،وحقّاً لا باطل فيه ،ووعياً للرسالة وأهدافها ومقاصدها وكأنّه قرآن ناطق  ليدلّ على معالم الطريق. ولا خلاف بأن تلك الصفات قد تجسّدت كلّها في شخصية  الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله ،القدوة الفذّ الذي وقفت السماء لتؤيّده بكل قوّة ،حتىٰ استطاع من  خلال ذلك القضاء على كل ما خالف التصور الإسلامي الصحيح للرسالة في حياته  الشريفة ،ولم يكن هناك ثمة اختلاف كبير بين أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفضل شخصيته الفذّة ، ووحدة المرجعية آنذاك المتمثّلة في شخصه العظيم في كل شيء ،فكان مناراً للهدى  في كل حركاته وسكناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولهذا لم يُظْهِر بعض أصحابه في حياته ما أظهروه بعد  وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،لعلمهم بأنّ إشارةً واحدةً منه كافيةٌ لإسقاطهم على مرِّ الجديدين. والدين  الخاتِم الذي تكفّل ببيان شخص القدوة ،وحمّله ثقل الرسالة ومسؤوليتها ،وأمر الناس  ـكل الناسـباتّباعه ،وحذّرهم من معصيته ،لأجل الحفاظ على رسالته الفتية لا يعقل  أن يهمل تلك الرسالة بعده ،ولا يحافظ على مستقبلها ،ولا يعيّن من سيكمل تلك  المسيرة ،ويهدم كل ما بناه القدوة بترك الأمر للناس في اختيار القدوة الجديد كيفما  يشاءون حتىٰ لو لم يمتلك الحدّ الأدنى من شخصية الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله . وإذا كنّا نربأ  بالقائد الحكيم أن يهمل أمر رعيته ،فحاشا لله أن يهملا ذلك ولرسوله ،ومن هنا لم يكن  أحد من الصحابة يستفسر عن هذا الأمر الخطير بعد سماعهم وفي مواطن شتّى من  سيخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أُمته ،بدءاً من يوم الدار وانتهاءً بمرضه الأخير الذي توفي  فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله . نعم.. كانوا يعرفون قادتهم بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّهم اثنا عشر خليفة كلهم من  قريش ،وإنّهم مع القرآن الكريم ثقلان لا يفترقان حتىٰ يردا على النبي الحوض ،وأنهم  كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى ،وانهم كباب حطّة من دخله  

٤

غفر له ،وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه منهم ،أو لم تكن له بيعة لأحدهم مات ميتة  جاهلية ،وإن الأرض لا تخلو منهم طرفة عين ،وإنهم حجج الله على عباده ،وأُمناؤه  على وحيه ،وهم من أعلى الله تعالى ذكرهم ،وأمر بولايتهم ،وأوجب الصلاة عليهم ، وفرض مودتهم ،ومن كانوا من النبي والنبي منهم صلّى الله عليه وعليهم.

ترى فمن عساهم أن يكونوا غير من قال الله تعالى فيهم :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
) . بلى.. إنهمعليهم‌السلام أصحاب الكساء  الخيبري وكفىٰ.

وبهذا يمكننا الاقتراب من معالم شخصية من نريد الحديث عنه من أهل  البيتعليهم‌السلام وهو الإمام السبط الحسنعليه‌السلام ،إذ لابدّ وأن تكون شخصيته مجسّدة  لعناصر شخصية جده المصطفىٰصلى‌الله‌عليه‌وآله ،وأبعاد شخصية صاحب الولاية الكبرى  أميرالمؤمنينعليه‌السلام ،وروحانية سيدة نساء العالمين صلوات الله عليهم أجمعين.

لقد وجدنا السبط الأكبرعليه‌السلام يمثل الطهارة والنقاء في عقله وقلبه وحركته وقوله  وفعله ،فكان لا يشتكي ،ولا يسخط ،ولا يبرم حتىٰ من أعدائه ،كان حلماً وكرماً وزهداً  وتقوى ،وكان علماً يتفجّر ،فإذا نطق جرت الموعظة والحكمة على لسانه عفواً ،وإذا  سكت فبلا عيّ بل عن فكر وتأمّل ،وكان صلوات الله عليه لا يقول ما لا يفعل ،بل يفعل  ما يقول وما لا يقول ،وكأنهعليه‌السلام يريد للفعل أن يتحدّث عن نفسه لأنه أبلغ في النفوس  من كل واعظ وخطيب. ومن معالم تلك الشخصية الفذّة الرمز أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد  غرس في شخصية سبطه الأكبر هيبته وسؤدده ،حتىٰ أنهعليه‌السلام كان إذا جلس بباب داره  انقطع الطريق من المارة هيبة له ،وكانعليه‌السلام يحجّ ماشياً فإذا رآه الصحابة لم يملكوا  أنفسهم إلاّ أن يترجّلوا ،ويسيروا بين يديه ومن خلفه إجلالاً ومهابة له. لقد أكّدت سيرة  الإمام الحسنعليه‌السلام شرعية إمامته وموقعها في حركة الواقع حتىٰ لم تعد بحاجة إلى تلك  النصوص الكثيرة التي ألمحنا إلى بعضها ،وذلك من خلال الفرص المتاحة له سواء  كان في موقع السلطة أو في خارجها ،إذ كان هادياً ومعلّماً ومرشداً وناصحاً لكل خير  مع الانفتاح على شرائح المجتمع كلها انطلاقاً من موقع القدوة والرمز ،الأمر الذي كان  يشكّل أكبر خطورة على مطامح ابن آكلة الأكباد في التخطيط لمستقبل السلطة من  بعده ،فكان المدبّر لفاجعة سم الحسنعليه‌السلام وشهادته. والكتاب الذي بين يديك  عزيزي القارئ قد سلّط الأضواء على بعض الجوانب المهمة في حياة إمامنا السبط  الحسنعليه‌السلام بعبارات واضحة مختصرة فسهّل بهذا مهمة الدخول إلى عالمه الأقدس ، سائلين المولى عزّوجلّ أن يتقبّله منه ،ويمهّد سبل الانتفاع به ،ويجزل المثوبة لمؤلّفه  إنّه سميع الدعاء.

مركز الرسالة

٥

المقدِّمة

الحمد لله ربّ العالمين ،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين  وعلى آله الطيّبين الطاهرين ،وبعد :

جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة للرسالات السماوية من أجل إقرار  المنهج الإلهي في الواقع الإنساني ،وتحقيق مفاهيمه وقيمه في صور عملية  واقعية تترجم فيها الأفكار والنصوص إلى مشاعر وأوضاع وممارسات  وارتباطات في واقع الحياة الإنسانية.

وقد جسّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك في أقواله وأفعاله وسيرته ،فجعل  المفاهيم والقيم حقيقةً واضحة ليقتدي بها المسلمون والناس جميعاً ويتوجّهوا في مسيرتهم نحو التكامل والسموّ والارتقاء ،وترك فيهم أئمة  وقادةٍ من أهل بيتهعليهم‌السلام ليكونوا قدوة للأجيال في جميع مراحل الحركة  الإنسانية.

وكان الإمام الحسنعليه‌السلام عنوانا مضيئاً في حياة الإنسانية ،ومعلماً شامخاً في حركة التاريخ والمسيرة الإنسانية ،نطق بتطهيره الوحي ،ونطق  بفضائله ومقاماته النبي ،ولهج بذكره المسلمون من جميع المذاهب ،وهو  علم الهدى وقدوة المتّقين ،عرف بالعلم والحكمة والإخلاص والوفاء  والصدق والحلم وسائر صفات الكمال في الشخصية الإسلامية. استقبله  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ اللحظات الأولى من ولادته فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في  اليسرى ،وسمّاه بهذا الإسم ،وهو اسم لم يكن معروفاً في الجاهلية ،وعقّ عنه  

٦

وحلق شعره ، واستمرّ على ملازمته ورعايته وتعليمه وتربيته ، وكان يوجّه  أنظار المسلمين إلى فضائله ومقاماته. وهكذا كان السبط الأكبر ترعرع في الأجواء النبوية يستمع الوحي والحديث النبوي ويتابع حركات جدّه  وسكناته؛ فكان منهجه في حياته منهجاً إيمانياً خالصاً.

وقفعليه‌السلام مسانداً للحق منذ صباه ،وعاش الأجواء السياسية التي  غُمطت فيها حقوق أهل البيتعليهم‌السلام وضح النهار ،ابتداءً من اقصاء أبيه  أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام عن حقه في خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ،وانتهاءً بموقف  الطلقاء منه في خلافتهعليه‌السلام . ومع كل ذلك كان حريصاً على رفعة الإسلام  وسموِّه متعالياً على جراحاته ،جاعلاً مصلحة الإسلام هي العليا في سياسته  والحاكمة على جميع خطواته ،حتى قاده ذلك إلى أن يكون الشجى  المعترض في حلق معاوية حتى بعد تنازله عن السلطة؛ لكي لا تفهم الأمة  أنهعليه‌السلام وجد الباغي للخلافة أهلاً فسلّمها إليه ،وهكذا كان السبط ميزان عدلٍ  للحكم على أفكار وممارسات السلطة الباغية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من  معنى؛ لأنه مرجع الأمة وإمامها الحق في زمانه.

ولهذا خطّطت السلطة لتغييبه بدسّ السمّ إليه ،فاستشهد مسموماً مظلوماً بعد أن أدّى مسؤوليّاته في بناء قاعدة شعبية تواصل مسيرة التكامل  والسموّ بقيادة وإمامة ثالث أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وسوف نقف في هذا الكتابـإن شاء الله تعالىـعلى معالم شخصية  الإمام الحسن السبطعليه‌السلام مع استجلاء صفحات سيرته العطرة وتاريخه  المشرق بالتضحية والعطاء.

٧



الفصل الأوّل

الإمام الحسنعليه‌السلام في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ولد الإمام الحسنعليه‌السلام في حياة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاش في ظلّ رعايته  وتربيته سبع سنوات وستّة أشهر ،وكانت هذه الفترة كافية للسموّ والتكامل  والارتقاء إلى أعلى قمم الإيمان والتقوى والصلاح. حيث تلقّى رعاية خاصّة من  جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابتدأت من اللحظات الأولى لولادته. حيث أذّن  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ،ولهذه الممارسة نتائج إيجابية على  شخصية الإنسان المستقبلية كما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من ولد له  مولود فيؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة ،وليقم في اليسرى؛ فإنّها عصمة من  الشيطان الرجيم»(١) . ومن الطبيعي أن تصل هذه العصمة إلى قمّتها حينما يكون  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو من يفعل ذلك ،وبمن؟ بسبطه ابن علي وفاطمة صلوات الله  عليهم. وهكذا أحيط الحسنعليه‌السلام منذ نعومة أظفاره بجميع مقوّمات التربية  والتعليم والرعاية النفسية والروحية؛ فأصبح بهذه المقوّماتـومن قبلها  الرعاية الإلهيّة ـ معصوماً بإرادته.

التقدير والتكريم والاهتمام : دلّت الدراسات العلمية والنفسية على دور  التقدير والتكريم في مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان في جميع مقوّماتها  الفكرية والعاطفية والسلوكية ،وقد ثبت « أنّ نموّ الطفل متكيّفاً تكيّفاً حسناً وكينونته راشداً صالحاً يتوقّف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً

__________________

(١) الكافي ٦:٢٤ / ٦ كتاب العقيقة ،باب :ما يفعل بالمولود.

٨

بالاطمئنان في البيت»(١) . وكلّما وجد الطفل التقدير والاهتمام والتكريم كان  منقاداً لمن يقدّره ويهتمّ به ويكرّمه. ويتوقّف تأثير ذلك على شخصيّة المربّي  وشخصية المراد تربيته والمحيط الاجتماعي الذي يعيشان فيه ،وفي مقامنا هذا  نرى أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام قد تلقّى ذلك من قبل جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،في مواقع  عديدة أمام مرأى ومسمع الصحابة ،وكلّ ذلك أسهمـمع بقيّة المقوّماتـعلى  أن يكون الإمامعليه‌السلام معصوما بإرادته التي تطابقت مع الإرادة الإلهيّة ،فاللهتعالى  هيّأ هذه المقوّمات وهي الوراثة الصالحة والتربية الصالحة والرعاية الروحية  والنفسية. وهذا النوع من الرعاية تعدّى رعاية الجدّ لحفيده ،وتعدّى الرعاية  العاطفية المحضة بل كانت مظاهرها العديدة تنبيهاً للأمة على دور الإمام  الحسنعليه‌السلام الريادي ودوره كقدوة وأسوة وإمام مفترض الطاعة ،ولولا هذا  الإشعار لأمكن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّره ويكرّمه بشكل آخر كما يفعل الأجداد والآباء ، وقد تجلّى ذلك في ممارسات عديدة.

عن البرّاء بن عازب قال : « رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حامل الحسن بن علي  رضي الله عنهما على عاتقه وهو يقول :اللهمّ إنّي أحبّ حسناً فأحبّه»(٢) . فقد  أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هذا الحبّ وهو حامل الإمام الحسنعليه‌السلام على عاتقه؛ ليُشْعِر  المسلمين بأهمية وضرورة هذا الحبّ؛ وهو الذي لا ينطق عن الهوى ،فهو حبّ  عقائدي يفرض على المسلمين أن يقتدوا بهذا المحبوب المكرّم من قبل  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعن جابر قال : « دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره  الحسن والحسين رضياللهعنهما ،وهو يقول:نعمالجمل جملكما ونعم العدلان أنتما»(٣) .

__________________

(١) علم النفس التربوي / فاخر عاقل :١١٠.

(٢) المعجم الكبير / الطبراني ٣ :٣٢ / ٢٥٨٤.

(٣) المعجم الكبير ٣ :٥٢ / ٢٦٦١.

٩

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : « حمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين على ظهره ،الحسن على أضلاعه اليمنى والحسين على أضلاعه اليسرى ،ثمّ مشى  وقال:نعم المطيّ مطيّكما ،ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما»(١) .

وهذه الممارسة قد يستهجنها البعض في تلك المرحلة القريبة من الجاهلية ، ولكنها مداليل عظيمة تبيّن عظمة هذين السبطين من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فهي  ليست ممارسة عاطفية محضة؛ بل هي ممارسة تربوية لتربية المسلمين على أهميّة  هذين السبطين في الحياة الإسلامية والإنسانية؛ هذه الأهمية دفعت  برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أداء هذه الممارسة. ليوجه أنظار الصحابة إلى الدور الذي  سيقوم به الحسنعليه‌السلام بعد رحيل جدّه وأبيه.

وفي مقام آخر نجد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع خطبته وينزل عن منبره  ليحتضن الحسن والحسينعليهما‌السلام ويأخذهما معه إلى المنبر؛ لكي يستشعر الصحابة  ويستشعر المسلمون مقام هذين السبطين. قال ابن كثير : « وقد ثبت في الحديث  أنّهعليه‌السلام بينما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين فنزل إليهما  فاحتظنهما وأخذهما معه إلى المنبر ،وقال :صدق الله( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٢) ،إنّي رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن نزلت إليهما ،ثمّ قال : إنّكم لمن روح الله وإنّكم لتبجلون وتحبّبون»(٣) .

ومن مصاديق ومظاهر الاهتمام ما ورد عن أبي هريرة أنّه قال لمروان بن  الحكم : « أشهد لخرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى إذ كنّا ببعض الطريق سمع  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صوت الحسن والحسين وهما يبكيان مع أمّهما ،فأسرع السير  حتى أتاهما فسمعته يقول لها :ما شأن ابْنَيَّ ،فقالت :العطش ،قال :فاختلف  

__________________

(١) بحار الأنوار / المجلسي ٤٣ :٢٨٦ / ٥١ تاريخ الإمامين الهمامين ،باب ولادتهما.

(٢) سورة الأنفال :٨/٢٨.

(٣) البداية والنهاية / ابن كثير ٨ :٣٣.

١٠

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شنة يبتغي فيها ماء ، وكان الماء يومئذ أغدار ، والناس  يريدون الماء ، فنادى : هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبقَ أحد أخلف بيده إلى كلاَّبه يبتغي الماء في شنة ،فلم يجد أحد منهم قطرة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :ناوليني  أحدهما ،فناولته إيّاه من تحت الخدر ،فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يطغو ما  يسكت ،فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ أو سكن ،فلم أسمع له بكاء ، والآخر يبكي كما هو ما يسكت ،فقال :ناوليني الآخر ،فناولته إيّاه ففعل به  كذلك ،فسكتا»(١) . ومن خلال هذه الرواية نجد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أشبع  حاجات الحسن والحسين بنفسه ،وأبدى عناية واهتماما بهما أمام مرأى الصحابة  ليبيّن عظمة هذين السبطين ومكانتهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحُبّ : الحاجة إلى المحبّة أو الشعور بها حاجة أساسية للإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة ،والحبّ الذي يشعر به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب  شخصيّته الفكرية والعاطفية والسلوكية ،ويكون تأثير المحبّة أكثر إيجابية حينما  يكون المحبّ هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن فوقه الله تعالى ،ويكون المحبوب هو  الحسنعليه‌السلام المنحدر من سلالة طاهرة ،والمهيّأ من قبل الله تعالى ورسوله ليكون  إماماً مفترض الطاعة وحجّة على الإنسانية إلى يوم القيامة. وقد تواترت  الروايات على تأكيد هذا الحبّ بعد التصريح به من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في  مناسبات عديدة.

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله  أنّه قال للحسن : « اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه  وأحبب من يحبّه»(٢) .

وعن أسامة بن زيد قال : « طرقت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة في بعض الحاجة  

__________________

(١) المعجم الكبير ٣ :٥٠ ـ ٥١ / ٢٦٥٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ :٤٥٦ / ٥٦ باب فضائل الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١١

فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ، فلمّا فرغت من حاجتي ،  قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه ،  فقال : هذان إبناي وإبنا إبنتي اللهمّ إنّي أحبُّهما فأحبَّهُما واحبب من يحبُّهما»(١) .

وعن سلمانرضي‌الله‌عنه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن والحسين :من أحبّهما  أحببته ،ومن أحببته أحبّه الله ،ومن أحبّه الله أدخله جنّات النعيم ،ومن أبغضهما أو  بغى عليهما أبغضته ،ومن أبغضته أبغضه الله ،ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنّم  وله عذاب مقيم»(٢) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الحسن والحسين ،فقال : من أحبّ هذين ،وأباهما وأمّهما ،كان معي في درجتي يوم القيامة»(٣) . والدعوة  لحبّ أهل البيتعليهم‌السلام دعوة رسالية لتوجيه المسلمين إلى الارتباط بهم فكرياً وعاطفياً ومن ثمّ الاقتداء بهم والالتزام بأوامرهم وتوجيهاتهم لتكون  مفاهيمهم وقيمهم هي الحاكمة على حركة الإنسان والمجتمع المسلم.

المناغاة والتربية البدنية : تُعدُّ المناغاة في مراحل الإنسان الأولى من  الممارسات الضرورية له ولهذا نرى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد مارسها مع حفيده  الحسنعليه‌السلام فقد روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرقّص الحسن والحسينعليهما‌السلام ويقول :حزقّة حزقّة ترقّ عين بقّة. وفي رواية أنّه أخذ يديه جميعاً بكتفي الحسن  والحسين وقَدَماهما على قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول :ترقّ عين بقّة(٤) . وكانت  فاطمةعليها‌السلام ترقص ابنها حسنا وتقول :

 « أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحقّ الرسن

__________________

(١) سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٤ ، باب مناقب الإمام الحسنعليه‌السلام .

(٢) المعجم الكبير ٣ :٥٠ / ٢٦٥٥.

(٣) سير أعلام النبلاء / الذهبي ٣ :٢٥٤.

(٤) الحزقة :القصير الصغير الخُطا ،وعين بقّة :أصغر الأعين.

١٢

واعبد إلها ذا منن

ولا توال ذا الإحن»

وكانت أمّ سلمة ترقّص الحسن وتقول :

 « بأبي ابن علي

أنت بالخير مليّ

كن كأسنان حليّ

كن ككبش الحولي»(١)

التربية والتعليم : التربية والتعليم من المسؤوليّات العظيمة التي تساهم في  إعداد الإنسان للدخول في الحياة الاجتماعية؛ ليكون عنصراً فعّالاً في إصلاحها  وبنائها ،والأسرة هي نقطة البدء التي تتبنّى إنشاء وتنشئة الشخصية بجميع  مقوّماتها :الفكرية والعاطفية والسلوكية ،وهي نقطة البدء المؤثّرة في جميع  مراحل الحياة إيجاباً وسلباً ؛ وفي مقامنا هذا نجد إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أدّى  مسؤوليّته في أسرته ومجتمعه؛ فقد ربّى هذه الأسرة الكريمة على أساس مفاهيم  وقيم القرآن ،وقد أبدى عناية تربوية وتعليمية استثنائية وعظيمة لعظم  الشخصّيات المراد تربيتها وتعليمها لأنّها عدل للقرآن الكريم ولأنّها القرآن  الناطق ،ومنها الإمام الحسنعليه‌السلام ،فقد كان يصطحبه إلى المسجد وإلى المواقع  المتعدّدة التي يتواجد فيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ،ومن يتتبع الروايات وأخبار المؤرّخين يجد أنّ  أسرة علي وفاطمةعليهما‌السلام أقرب الأسر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث اللقاءات  والزيارات ،ولا نبالغ إذا قلنا إنّ لقاءاته مع هذه الأسرة الكريمة تكاد تكون أكثر  من لقاءاته مع زوجاته؛ فالإمام عليعليه‌السلام والحسن والحسينعليهما‌السلام كان يصحبونه  إلى المسجد أو يلتقون به في المسجد ،إضافة إلى اللقاءات المستمرّة في دارهم  تارة وفي دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تارة أخرى؛ ولهذا كانت الصحبة أدوم وأكثر نوعاً وكمّاً ،وكان تأثير التربية واضحاً على أفراد هذه الأسرة الكريمة لدوام ارتباطهم  برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودوام تلقّيهم لتوجيهاته وإرشاداته وتعاليمه. وقد دلّت الأخبار  

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ / ٥١ ، باب فضائل الإمامين الحسنينعليهما‌السلام .

١٣

على هذا القرب المكاني ، فقد ورد أنّ عليّاًعليه‌السلام أصاب منزلاً مستأخراً عن  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قليلاً ، فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي أريد أن أحوّلك إليّ». فحوّله بجنبه(١) . ولم  تنقطع العلاقة بهذه الأسرة يوماً ما ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قدم من غزو أو سفر  بدأ بالمسجد فصلى به ركعتين ثمّ يأتي فاطمة ، ثمّ يأتي أزواجه(٢) . ومن الطبيعي  أن يكون الحسنعليه‌السلام قريباً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصاحباً له في أغلب أوقاته ، ومن خلال هذا القرب وهذه المصاحبة أحاط الإمام الحسنعليه‌السلام بالعلوم  والمعارف والمفاهيم والقيم ،من طرق شتّى ،ويأتي التسديد الإلهي والإلهام في  طليعتها؛ باعتباره من الصفوة المختارة من قبل الله عزّوجلّ ،زيادة على التعلّم  المباشر والاستماع إلى توجيهات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ،وقد صرّح الإمام  الحسنعليه‌السلام بذلك وهذا واضح من خلال أقواله وتصريحاته ،فتارة يقول :  « علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ،وأخرى يقول : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

ففي مجال الدعاء ورد عنهعليه‌السلام أنّه قال : « علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمات أقولهنّ  في الوتر :اللهمّ اهدني فيمن هديت ،وعافني فيمن عافيت ،وتولّني فيمن تولّيت ، وبارك لي فيما أعطيت ،وقني شرّ ما قضيت ،فإنّك تقضي ولا يقضى عليك ،وإنه لا  يذلّ من واليت ،تباركت ربّنا وتعاليت»(٣) .

وفي مجال العبادة وما يتعلّق بها من مندوبات ورد عن عمير بن مأمون ، قال : « سمعت الحسن بن علي يقول :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :من صلى الغداة  فجلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار»(٤) .

وفي المجال الاجتماعي والأخلاقي يجيبعليه‌السلام عن تساؤلات البعض ،فقد ورد  

__________________

(١) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك / ابن الجوزي ٣ : ٨٧.

(٢) الاستيعاب / ابن عبد البر ٤ : ٣٧٦.

(٣) أسد الغابة ١ :٤٨٨.

(٤) أسد الغابة ١ :٤٨٩.

١٤

عن أبي الحوراء ، قال : « قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما : مثل من كنت في عهد  رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وما عقلت عنه؟ قال : عقلت عنه أنّي سمعته يقول : دع ما يريبك إلى  ما لا يريبك ، فإنّ الشرّ ريبة ، والخير طمأنينة ، وعقلت عنه الصلوات الخمس ، وكلمات  أقولهنّ عند انقضائهنّ قال : اللهمّ اهدني »(١) . وقالعليه‌السلام : « أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن  نلبس أجود ما نجد ، وأن نتطيّب بأجود ما نجد ، وأن نضحّي بأسمن ما نجد ، البقرة عن  سبعة ، والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير ، وعلينا السكينة والوقار»(٢) .

وفي مجال الفقه والتشريع كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتدخّلـأحياناً ـليعلّم  الحسنعليه‌السلام بعض الأحكام عن طريق الموقف العملي ،فقد ورد عن ربيعة بن  شيبان قال : « قلت للحسن بن عليرضي‌الله‌عنه :ما تعقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال :صعدت معه غرفة الصدقة ،فأخذت تمرة فلكتها ،فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :القها فإنّا  لا تحلّ لنا الصدقة»(٣) .

وفي مجال الثواب والتعويض يوم القيامة ،قال الأصبغ بن نباتة : « دخلت مع  عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه إلى الحسن بن علي نعوده ،فقال له عليّ  رضياللهعنه :كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال :أصبحت بحمد الله بارئاً ،قال : كذلك إن شاء الله ،ثمّ قال الحسن رضياللهعنه :أسندوني ،فأسنده علي رضيالله عنه إلى صدره ،فقال :سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :إنّ في الجنّة شجرة يقال  لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ،فلا يرفع لهم ديوان ،ولا ينصب لهم  ميزان ،يُصبّ عليهم الأجر صبّا»(٤) . وكان الحسنعليه‌السلام يحضر مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن سبع سنين ،فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه ،وكلّما  

__________________

(١) المعجم الكبير ٣ : ٧٥ / ٢٧٠٨.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ٩٠ / ٢٧٥٦.

(٣) المعجم الكبير ٣ :٨٦ / ٢٧٤١.

(٤) المعجم الكبير ٣ :٩٣ / ٢٧٦٠.

١٥

دخل عليّعليه‌السلام وجد عندها علماً بالتنزيل ، فيسألها عن ذلك ، فتقول : « من ولدك  الحسن»(١) . وهذا الحضور وفي عمر مبكّر يؤهّل صاحبه لأنّ يكون قمّة في العلم  والمعرفة ، فقد كان الحسنعليه‌السلام يستمع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برغبته ويصغي إليه  فيحفظ ما يقوله من آيات قرآنية ومن أحاديث شريفة ، ولم يكتف بهذا الحفظ ،  بل يلقي إلى أمّه فاطمة الزهراءعليها‌السلام ما حفظه ، فتأخذ به مسلمة بصحّة صدوره ،  لمعرفتها وثقتها بالقدرة العلمية لولدها لأنّه ذو شأن عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكان  الحسنعليه‌السلام يبادر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأسئلة ليتعلّم منه ما يحتاجه من علوم  ومعارف في مختلف جوانب الحياة الإنسانية ومنها الارتباط الروحيبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآثاره الإيجابية. قال الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام « بينا  الحسن بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ رفع رأسه فقال :يا أبة ما  لمن زارك بعد موتك ،قال :يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة ،ومن أتى  أباك زائراً بعد موته فله الجنّة ،ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة ،ومن أتاك  زائراً بعد موتك فله الجنّة»(٢) .

حضور الحسنين عليهما‌السلام بيعة الرضوان : من أساسيّات المنهج الإسلامي  الاعتماد على الأمّة في إنجاح المسيرة التكاملية لحركة الإسلام الواقعية ، ومسؤوليّة إنجاح المسيرة تكليف عام يشمل جميع المكلّفين القادرين على العمل  والنشاط والفاعلية ،ومن هنا جاءت البيعة تعبيراً عن توزيع المسؤولية بين  القائد وبين الأمّة ،وكان لها دور كبير في انطلاقة المسلمين في العهد النبوي ، ولأهميّتها عمل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،وطلب من المسلمين أن يبايعوه في مواقف  عديدة ومنها بيعة الرضوان ،وكان جابر بن عبداللهيقول : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم  

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٨ / ١١.

(٢) روضة الواعظين / محمد بن الفتّال النيسابوري :١٨٦.

١٦

يبايعنا على الموت ، ولكن بايعنا على أن لا نفرّ»(١) . ولا فرق كبير بين الاثنين ،  فمن يبايع على الموت يكون قد بايع على عدم الفرار؛ لأنّ الإنسان غالباً ما يفرّ  من المعركة إن أصابه الخوف من الموت؛ فهي بيعة على الجهاد والثبات والتضحية.

وقد شارك كبار الصحابة في هذه البيعة كما شارك في البيعة جمع من  الصحابة الشباب ، ولم يشارك من صغار السنّ إلاّ الحسن والحسينعليهما‌السلام كما ورد  في قول الإمام محمد الجوادعليه‌السلام مخاطباً المأمون والعباسيين في أحد المجالس : « أما  علمتم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنّه غيره.  وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما ابنا دون الستّ سنين ، ولم يبايع صبيّاً غيرهما »(٢) . وبيعتهما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعبّر عن النضوج والمعرفة الرشيدة والإرادة الصلبة لمن يحسنون اليقين باللهتعالى والتوكّل عليه والاتّجاه نحوه ، ويحسنون العمل والسلوك والتصرّف مع القائد ومع المسلمين ،وتعبّر تلك البيعة  عن الشجاعة الفائقة والثبات المنقطع النظير على تكاليف الرسالة؛ وهي ليست  بيعة يراد منها التشجيع ،ولا بيعة عاطفية؛ بل هي بيعة رسالية حقيقية بين القائد  وأتباعه لا بين الجدّ وأحفاده ،وهي بيعة يراد منها توجيه أنظار وعقول  المسلمين إلى عظم شخصية الحسن والحسينعليهما‌السلام وإلى دورهم الريادي في  المجتمع الإنساني؛ لأنّ ما يصدر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكون عبثاً بل حكمة يراد  منها أمر هام في حياة المسلمين.

شهادة الإمام الحسن عليه‌السلام على كتاب ثقيف : كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى  ثقيف كتاباً بيّن فيه بعض الأمور المتعلّقة بحقوقهم ،وقد جاء فيه :« هذا كتاب  

__________________

(١) السيرة النبوية / ابن هشام ٣ : ٣٣٠.

(٢) بحار الأنوار ٥٠ : ٧٨ / ح٣ ونحوه في العقد الفريد / ابن عبد ربه ٥ : ١٣٣.

١٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لثقيف ، كتب : أنّ لهم ذمّة الله الذي لا إله إلاّ هو ، وذمّة  محمد بن عبدالله النبي ، على ما كتب عليهم في هذه الصحيفة : أنّ  واديهم حرام محرّم لله كلّه : عضاهه ، وصيده وظلم فيه ، وشرق فيه أو  إساءة ، وثقيف أحقّ الناس بوجّ ، ولا يعبر طائعهم ، ولا يدخله عليهم  أحد من المسلمين يغلبهم عليه وشهد على نسخة هذه الصحيفة :  علي بن أبي طالب وحسن بن علي وحسين بن علي ، وكتب نسختها  لمكان الشهادة». قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه : إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة الحسن والحسين»(١) . واثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادتهماعليهما‌السلام وهما في ذلك السن لم  يكن نابعاً عن هوى أو نزوة أو رغبة عاطفية لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم من  جميع ذلك ، فكلّ عمل أو ممارسة تصدر منه إنّما تصدر عن وحي يوحى وعن  تسديد إلهي ، بل هو إشارة واضحة إلى تكاملهما في جميع مقوّمات الشخصية ،  خصوصاً وأن تلك الشهاة قد جاءت في قضية مهمّة تتحدّد فيها علاقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ثقيف وهي من العشائر الكبيرة في عدّتها وعددها. ومن  الأمور الملفتة للنظر إنّ الطرف الآخر وهو ثقيف لم يعترض على هذه الشهادة  باعتبار صغر سن الحسنينعليهما‌السلام ،وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على قناعة ثقيف  بأهليتهما الكاملة للشهادة وهما في هذا العمر المبكر.

ولا يخفى ما في هذا الأسلوب النبوي الفذ من إلفات النظر إلى تصحيح  مواقف الحسنعليه‌السلام المستقبلية والاعتراف بسلامتها العقائدية والتشريعية ،ومن  هذه المواقفـالتي سيأتي البحث عنهاـشهادته لأمّه فاطمةعليها‌السلام في مسألة  فدك ،ومنها قوله لأبي بكر ومن ثمّ لعمر بن الخطّاب « إنزل عن منبر أبي» ،فهي لم  تكن شهادة صبي ولا اعتراض صبي ،بل هي شهادة رسالية واعتراض رسالي يعبّر  

__________________

(١) الأموال / أبي عبيد القاسم بن سلام : ٢٠٥ و٢٠٧.

١٨

عن إدراك كامل لما يجري من أحداث ومواقف ومدى سلامتها الفكرية والشرعية.

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من أبي سفيان : صالح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قادة  قريش على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهنّ الناس ويكفّ  بعضهم عن بعض ، إلاّ أنّ قادة قريش نقضت بعض بنود الصلح بالاعتداء على  خزاعة الذين كانوا في عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهده ، فقرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التوجّه  إلى مكّة ، وحينما سمع أبو سفيان بالأمر توجّه إلى المدينة ، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّمه في تجديد العهد ، فلم يردّ عليه شيئاً ، ثمّ كلّم بعض الصحابة فلم يستجيبوا  له ، فتوجّه إلى الإمام عليعليه‌السلام فدخل عليه فقال : « يا أبا الحسن تمشي معي إلى  ابن عمّك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتاباً ، فقال : يا أبا سفيان لقد  عقد لك رسول الله عقداً لا يرجع عنه أبداً» ، وكانت فاطمةعليها‌السلام من وراء الستر  والحسن يدرج بين يديها وهو من أبناء أربعة عشر شهراً ، فقال لها : « يا بنت  محمد قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم ، فأقبل  الحسن إلى أبي سفيان وضرب احدى يديه على أنفه والأخرى على لحيته ، ثم  أنطقه الله عزّوجلّ بأن قال : يا أبا سفيان قل : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ؛ حتى  أكون شفيعاً»(١) . وفي هذه الواقعة يتّضح شأن الحسنعليه‌السلام وإدراكه العميق  للأشخاص والأحداث ،فقد مارس عملية تأديب لأبي سفيان كان مستحقّاً لها  لنقضه عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،وقد دعاه إلى الإسلام لأنه العلاج الأساسي للأزمة  التي حدثت ،فجعل شفاعته مشروطة بإسلامه.

فضائل الإمام الحسنعليه‌السلام وإمامته :

أولاًـمن القرآن الكريم :

أهل البيتعليهم‌السلام عنوان مضيء في حياة الإنسانية وحركة التاريخ والمسيرة  

__________________

(١) المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ٩ ، ونحوه في السيرة النبوية / ابن هشام ٤ : ٣٨.

١٩

الإسلامية ، أراد الله تعالى لهم أن يكونوا أعلام الهدى وقدوة المتّقين ومأوى  أفئدة المسلمين ، وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييرية في المسيرة الإنسانية؛  ولهذا أبدى القرآن الكريم عناية فائقة بذكر دورهم وفضائلهم وسموّ مكانتهم ،  وفيما يلي نستعرّض جملة من آيات القرآن الكريم التي تطرّقت إلى ذلك لكونها  شاملة للإمام الحسنعليه‌السلام كواحد من أهل البيتعليهم‌السلام .

١ ـ آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ  وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) : تظافرت التفاسير والروايات إلى أنّ المقصود بأهل  البيتعليهم‌السلام هم أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن  والحسينعليهم‌السلام . فقد روي عن أمّ سلمة وبطرق عديدة أنّها قالت : « لمّا نزلت هذه  الآية دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً  خيبرياً، فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت  أمّ سلمة : ألست منهم؟ فقال : أنت إلى خير»(٢) . وهذه الآية الكريمة تدلّ على  عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ومنهم الحسنعليه‌السلام كما ورد في تفسيرها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : « أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب»(٣) . وقال الإمام الحسنعليه‌السلام في  بعض خطبه : « وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ،ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»(٤) . وآية  التطهير تؤكّد العناية والرعاية الإلهيّة الخاصّة والاستثنائية وذلك بإبعادهم عن  الزلل والخطأ والإنحراف وهكذا أصبح أهل البيتعليهم‌السلام الميزان الثابت الذي توزن  به الأفكار والعواطف والممارسات ،وتقوّم من خلاله الإشخاص والكيانات  

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٢) جامع البيان / الطبرسي ٢٢ : ٦ ، الدرّ المنثور / السيوطي ٦ : ٦٠٣.

(٣) البداية والنهاية ٢ : ٢٥٧ ، دلائل النبوّة / البيهقي ١ : ١٧٠.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ :١٧٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

1 ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

2 ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

3 ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(1)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

1 ـ لاحظ عدة الأُصول : 1 / 366.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى 381 هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم 1049 ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(1) .

2 ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم 211 ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(2) ، والمتوفّى سنة 423 هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(3) .

3 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة 249 هـ والمتوفّى سنة 333 هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(4)

__________________

1 ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة 495 ، الرقم 25 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 156 ، تحت الرقم 695 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 184 ، تحت الرقم 709.

2 ـ رجال الشيخ : 450 ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

3 ـ الفهرس : 4 ـ 6 ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم 7 و « الطبعة الثانية » : 27 ـ 29.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 44 ، الرقم 30 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص 28 ،

٤٣

4 ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام 280 هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(1)

5 ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 207 ) والشيخ الطوسي(2) وتوفّي سنة 401 هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

6 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(3) .

7 ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة 350 هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم 223 ) ، له كتاب « الطبقات ».

8 ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 236 ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(4) .

9 ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام 149 هـ ، والمتوفّى عام 224 هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم 76 ، وفي « الطبعة الثانية » ص 52 ، تحت الرقم 86 ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233.

1 ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم 196 ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 24 ، تحت الرقم 63 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 48 ، تحت الرقم 73 ، وفي الرجال في الصفحة 453 ، الرقم 90.

2 ـ رجال الشيخ : 449 ، الرقم 64 ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 33 ، تحت الرقم 89 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 57 ، تحت الرقم 99.

3 ـ ترجمه الشيخ في رجاله : 456 ، الرقم 108 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 37 ، تحت الرقم 107 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 61 ، تحت الرقم 117.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 454 ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة 29 ، تحت الرقم 78 : « توفي سنة 346 هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة 53 ، تحت الرقم 88.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(1) .

10 ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة 254 هـ ، وقيل 260 هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (2) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(3) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(4) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

1 ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : 347 ، الرقم 9 والصفحة 372 ، الرقم 11 والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 46 ، تحت الرقم 151 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 72 ، تحت الرقم 162.

2 ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 124 ، تحت الرقم 552 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 150 ، تحت الرقم 564 ، وفي الرجال في الصفحة 420 ، الرقم 1 ، والصفحة 434 ، الرقم 2.

3 ـ الخلاصة : 251 ، طبع النجف.

4 ـ طبع الكتاب عام 1378.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(1) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (2) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (4) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (5) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(1) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ـ 12 ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الثمانية.

2 ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام 219 هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(1) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

1 ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

1 ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(1) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(2) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(3) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1018.

2 ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة 141 ، الرقم 604 ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة 167 الرقم 615.

3 ـ رجال الشيخ : 497.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(1) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(2) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(3) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

1 ـ راجع رجال النجاشي : الرقم 944.

2 ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

3 ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 34 ، الرقم 90 ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة 58 ، الرقم 100.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(1) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

2 ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(3) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 17.

2 ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

3 ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء 12 ، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108