حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218984 / تحميل: 5245
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

واختلاف الفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب (الأمر الثالث) أنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بادلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس لو لم نقل بان نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا، وكذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلا انه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه باحكامه وآثاره وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس بلا بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه اشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات والروايات على تقدير

______________________________

 (قوله: واختلاف الفاظ) معطوف على اختلاف نقل الاجماع (قوله: موهون جدا) لعدم الوثوق بصدق الناقل لو لم يكن الوثوق بخطئه (قوله: متضمنا له) يعني لرأي الامام (ع) (قوله: لنقل السبب) أي نقل رأي غير الامام وتسميته سببا بلحاظ مقام الاثبات أي كون العلم به سببا للعلم برأي الامام، وأما بلحاظ مقام الثبوت فالأنسب أن يكون رأي غيره مسببا عن رأيه (قوله: فيعامل حينئذ مع) سيأتي انشاء الله أنه لا فرق في إثبات الخبر كسائر الامارات بين المدلول المطابقي والتضمني والالتزامي وبين اللازم العقلي والعادي والاتفاقي لأنه كما يكشف عن المدول المطابقي. يكشف عن جميع المداليل المذكورة فإذا كان دليل الحجية مطلقا دل على حجيته في الجميع (قوله: الناقل بوجه) سواء أكان الوجه عقليا أم عاديا أم اتفاقيا (قوله: أظهره عدم نهوض) يعني أن أدلة الحجية للخبر لا تشمل الخبر عن حدس بل قد يدعى دخوله في معقد الاجماع على عدم حجية رأي المجتهد بالنسبة إلى مجتهد غيره إذ لا فرق بين نقله لرأى المعصوم معتمدا على قاعدة اللطف أو الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي أو قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت العمل أو غيرها من القواعد التي تقع

١٠١

دلالتهما ذلك خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا فيما انكشف الحال وأما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فان عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم انه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث أنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشئ على التوقف والتفتيش عن أن عن حدس أو حس بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك. نعم لا يبعد أن يكن بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك امارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان نقل المسبب كان مستندا إلى الحس فلابد في الاجماعات المنقولة بالفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة الفاظها ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل

______________________________

في طريق استنباط الاحكام والتفصيل بلا فاصل (قوله: دلالتهما ذلك) أي غير ذلك أي ما كان عن حس (قوله: فان عمدة أدلة حجية) بل لو كان المستند فيها الآيات والروايات وكانت منصرفة إلى خصوص الخبر عن حس جاز الاعتماد مع الشك لبناء العقلاء على كون الخبر عن حس مع الشك في كونه كذلك فلا فرق في بنائهم على ذلك بين كون دليل الحجية الآيات والروايات أو نفس بناء العقلاء فتأمل (قوله: يعملون به فيما يحتمل) وإن لم يكن ظهور شخصي في كونه عن حس، ويشهد له عدم صحة الاحتجاج عند ترك العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس فلاحظ (قوله: حال الناقل) بملاحظة كونه من أهل التبحر والاطلاع والتثبت في النقل وانه لا يعتمد على ظاهر كلمات مشايخه في نقل الاجماع أو على بعض الوجوه التي يراها طريقا إلى فتوى الاصحاب في المسألة، ولا يبعد أن يكون الجامع لمثل هذه الصفات جماعة من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني واضرابهم من المتبحرين المتثبتين قدس الله أرواحهم (قوله: وخصوص موضع النقل) بملاحظة كونه محررا في كتب الاصحاب أو مهملا في اكثرها

١٠٢

فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل فان كان بمقدار تمام السبب والا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الاقوال أو سائر الامارات بانه تم فافهم (فتلخص) بما ذكرنا أن الاجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الامام (ع) بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه (ع) وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والاجمال وتعمه أدلة اعتباره وينقسم باقسامه ويشاركه في أحكامه وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية وأما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الاقوال التي نقلت إليه على الاجمال بالفاظ نقل الاجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات مقدار كان المجموع منه وما نقله بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه وبه قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه - عليه السلام - من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور (الأول) أنه قد مر أن مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا

______________________________

 (قوله: تمام السبب) بان كان المقدار المنقول ملازما لرأي المعصوم بحيث يلزم من العلم به العلم به والا فلا يجدي النقل ما لم ينضم إلى المنقول ما لم انضم إليه لكان العلم بهما موجبا للعلم برأي المعصوم (قوله: إذا كان من نقل) قد عرفت أن أدلة الحجية بعد ما كانت لا تصلح لاثبات حجية الخبر عن حدس فلا وجه للالتزام بحجية الاجماع المنقول من حيث حكاية رأي المعصوم حتى عند من يرى الملازمة بل ليس الحجة الا نفس حكاية السبب الكاشفة عن ثبوت المسبب عند المحكى له من جهة بنائه على الملازمة لا حكاية نفس المسبب ولو عند من يرى الملازمة كما هو ظاهر، وعبارة المتن لا تخلو من ابهام (قوله: ولا تفاوت في اعتبار الخبر)

١٠٣

لقاعدة اللطف وهي باطلة، أو اتفاقا بحدس رأيه (ع) من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الاصحاب كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله - عليه السلام - على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف بعض الاوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز

______________________________

يريد أن يدفع اشكالا يرد على حجية الاجماع المنقول إذا لم يكن حاكيا لتمام السبب، وحاصله: أن بعض السبب إذا كان لا يترتب عليه الاثر وانما يترتب على التمام امتنع أن تشمله أدلة الحجية لأنه لابد من الأثر المصحح للتعبد كما لا يخفى وحاصل الدفع: أنه يكفي في الأثر المصحح للتعبد الأثر الضمني إذ لا ريب في حجية قول كل واحد من جزئي البينة مع أن الأثر لا يترتب إلا على تمام الخبرين ومجموعهما فكذا في المقام، ويشهد له أيضا ما ذكره من حجية الخبر الحاكي لبعض الخصوصيات التي لها دخل في الحكم مثل خصوصية السائل والزمان والمكان وغيرها مع أنها لا يترتب عليها تمام الأثر بالضرورة (قوله: لقاعدة اللطف) وهي التي اعتمدها الشيخ (ره) في حجية الاجماع، وحاصلها: أنه إذا أجمعت العلماء على رأي لابد أن يكون موافقا لرأي المعصوم (ع) لأنه يجب لطفا عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة فلو كان العلماء على خلاف رأيه عليه السلام لردعهم وبين لهم الحق (قوله: وهي باطلة) إذ لا دليل عليها من شرع أو عقل، أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الامام كما عن السيد المرتضى فقد قال في محكي كلامه: أنه يجوز ان يكون الحق فيما عند الامام (ع) والاقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لانا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكلما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه من الأحكام نكون قد اوتينا من قبل نفوسنا ولو ازلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى الينا الحق الذي عنده

١٠٤

من لفظه بما اكتف به من حال أو مقال ويعامل معه معاملة المحصل (الثاني) أنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن نقل الفتاى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها الا ذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها ولو مع اطلاعه على الخلاف، وهو وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا انه مع عدم الاطلاع عليها الا مجملا بعيد

______________________________

انتهى. قال الشيخ (ره) في العدة بعد نقل هذا الكلام: وهذا عندي غير صحيح لانه يؤدي الى انه لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة أصلا لانا لا نعلم بدخول الامام (ع) الا بالاعتبار الذي بيناه فمتى جوزنا انفراده (ع) بالقول ولا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع... الخ، وما ذكره الشيخ (ره) من الوجه كما ترى ومثله ما اشار إليه في كلامه الذي يرجع إلى أنه لو لم يجب عليه الظهور لم يحسن التكليف، فان ذلك لو تم لاقتضى وجوب اظهار الحق لكل احد من الامة وهو كما ترى ايضا فانه قريب من بعض شبهات التصويب، فلاحظ وتأمل (قوله: من لفظه) الضمير راجع إلى النقل (قوله: بما اكتنف) الباء بمعنى مع يعني ان نقل الاجماع حينئذ يكون اجداؤه من حيث كونه نقلا للسبب فلابد حينئذ من ملاحظة ظاهر النقل ولو من جهة الفرائن المكتنفة به حالية أو مقالية، فان كان ظاهرا فيما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة على رأي المعصوم ويكتفى به وإن لم يكن ظاهرا في ذلك وحصل له من غير جهة النقل ما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة والا فلا ينفع شيئا كما تقدم (قوله: فلا يكون التعارض الا) التعارض - كما سيأتي انشاء الله - تكاذب الدليلين وتنافيهما بحسب المدلول المطابقى أو التضمني أو الالتزامي فإذا نقل الاجماع على حكم والاجماع على

١٠٥

* فافهم (الثالث) انه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواثر وانه من حيث المسبب لابد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجماع بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم بها

______________________________

خلافه فهما من حيث حكم الامام (ع) متعارضان لتنافيهما فيه، واما من حيث السبب وهو نقل آراء غيره من العلماء، فان كان ظاهر نقل الاجماع حكاية آراء جميع العلماء كما لو كان مبنى الناقل قاعدة اللطف كان النقلان متعارضين أيضا لامتناع اجتماع العلماء على الحكمين معا فيكون النقلان أيضا متنافيين، وان كان ظاهر النقل حكاية آراء جماعة منهم حصل للناقل القطع برأي المعصوم (ع) من القطع برأيهم لحسن ظنه بهم لم يكونا متعارضين وجاز صدق كل منهما معا وحينئذ يثبت الخلاف عند المنقول إليه ولا يترتب على كل واحد من النقلين أثر إلا إذا كان السبب في أحدهما ملازما لرأي المعصوم (ع) لخصوصية فيه دون الآخر فيكون ذلك النقل حجة لدلالته بالالتزام على رأي المعصوم وكذا لو كان السبب في أحدهما قد انضم إليه ما يلازم رأي المعصوم مما حصله بنفسه أو نقله له ثالث غيرهما لكن الفرض الأول استبعده المصنف (ره) (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى عدم الفرق بين الاطلاع الاجمالي والتفصيلي فان الاطلاع التفصيلي إذا كان ملازما لرأي المعصوم (ع) كان نقله ولو اجمالا حجة لانه مدلول التزامي للمنقول فتأمل أو إلى منع الا استبعاد لاختلاف حال الناقل عصره ومشايخه الذين اعتمدهم ومجرد الخلاف لا أثر له وكم من مسألة ليس المستند فيها إلا الاجماع مع وجود الخلاف وسبر المسائل الفقهية شاهد بذلك والخلاف إنما يقدح في الاجماع بناء على قاعدة اللطف لا غير (قوله: من حيث المسبب لابد) المتعارف من نقل التواتر نقل السبب ولا يرتبط بنقل المسبب بالمرة فلابد من اجراء أحكام نقل السبب لا غير عليه (قوله: لابد في اعتباره) يعني انما يعتبر نقل التواتر بلحاظ نقل السبب إذا كان يتضمن نقل مقدار من الأخبار بحيث تكون ملازمة للمسبب بنظر المنقول إليه أيضا هذا ولكن عرفت أن نقل المسبب إذا كان مستندا إلى الحدس لا يكون

١٠٦

ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا اخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد التواتر فلابد في معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب الا الظن بانها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به - مع أن دعوى القطع بانه ليس بمناط

______________________________

حجة وإنما يكون الخبر حجة حينئذ بلحاظ نقل السبب فيدل بالالتزام على وجود المسبب إذا كانت الملازمة ثابتة عند المنقول إليه فاللازم عدم التعرض لنقل التواتر من حيث نقل المسبب والاقتصار على حكمه من حيث نقل السبب لا غير (قوله: ومن حيث السبب) يعني ينظر إلى لسان النقل ولو بقرينة حال الناقل فان كان دالا على مقدار من الاخبار تلازم رأي المعصوم بنظر المنقول إليه كان حجة كما عرفت وإلا فلا إلا أن ينضم إليه ما يوجب العلم بالواقع كما فصل سابقا (قوله: وتوهم دلالة أدلة) هذا أحد الوجوه التي يتوهم منها حجية الشهرة وحاصله: ان الأدلة الدالة على حجية الخبر تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة لأنها أولى من الخبر لكون الظن الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل بالخبر (قوله: ضرورة عدم دلالتها) يعني أن مفهوم الموافقة إنما يكون حجة إذا كان قد أحرز مناط حكم المنطوق ولم يثبت كون مناط حجية الخبر كونه مفيدا للظن غاية الامر أنه يظن

١٠٧

غير مجازفة وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية: (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به) هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى. نعم بناء على حجية الخبر

______________________________

كون المناط هو الظن والظن بالمناط لا اعتبار به لعدم دليل على اعتباره (قوله: غير مجازفة) إذ لو كان هو المناط لم يتخلف عند الحكم واللازم باطل إذ لا ريب في عدم حجية فتوى الفقيه مع إفادتها للظن، مضافا إلى أن كون الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر أول الكلام، كيف وقد ذكر في المعالم أن خبر العادل أقوى الظنون ؟ فلاحظ (قوله: وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة) هذا هو الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة وحاصله الاستدلال بالنصوص الخاصة عليه (أحدها) ما رواه ابن أبي جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال يا زرارة: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر... الحديث، فانها تدل على وجوب الأخذ بما اشتهر مطلقا ولو كان فتوى، ولو سلم أنها ظاهرة في خصوص الرواية لكن تعلق الحكم على وصف الاشتهار يدل على كونه مناط الحكم (ثانيها) ما رواه المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة (وفيها) بعد ما فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ونحوها قال (ع): ينظر في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه... الحديث، ووجه الاستدلال ما تقدم بل هو هنا أظهر من جهة الاشتمال على التعليق بقوله: فان المجمع... الخ، فانه يقتضي التعدي عن مورده كما هو ظاهر والرواية الاولى تسمى في لسانهم (المشهورة) والثانية (المقبولة) ووجه التسمية ظاهر (قوله: هو الرواية) لانصرافها من لفظ الموصول فلا إطلاق له يشمل

١٠٨

ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية كل امارة مفيدة للظن أو الاطمينان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد

فصل

المشور بين الاصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أن هذه المسألة من اهم المسائل الاصولية وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة وعليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن احوال الدليل ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها

______________________________

الفتوى وأما تعليق الحكم على الوصف فليس ظاهرا في العلية بحيث يعول عليه ولذا قيل: انه يشعر بالعلية، والاشعار ليس ظهورا وأما التعليل فانما يقتضي وجوب الأخذ بما لا ريب فيه وهو مما لا ريب فيه إلا أن المشهور فتوى ليس كذلك (قوله: دون اثبات ذلك) الظاهر أن المشار إليه بذلك حجية الخبر ببناء العقلاء لكن يشكل قوله: خرط القتاد، لما تقدم من أن عمدة أدلة حجية الخبر بناء العقلاء، وسيأتي اثباته بذلك ايضا ولو كان المشار إليه هو الدعوى التي لم يستبعدها فعدم المناسبة ظاهرة أيضا

حجية خبر الواحد

(قوله: في طريق الاستنباط) يعني استنباط الأحكام الكلية الذي هو وظيفة المجتهد لا الأحكام الجزئية التي هي وظيفة العامي فان ما يقع في طريق استنباطها هو المسائل الفرعية (قوله: وعليه لا يكاد يفيد) يعني بناء على ما اشتهر من

١٠٩

كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة وهي (قول الحجة أو فعله أو تقريره) هل يثبت بخبر الواحد أو لا يثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة ؟ فان التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى

______________________________

أن الموضوع لعلم الأصول هو الأدلة الأربعة يشكل جعل مسألة حجية الخبر من مسائل الأصول لأن موضوعها وهو الخبر ليس من الأدلة الأربعة، أما كونه ليس الكتاب والاجماع والعقل فواضح، وأما أنه ليس من السنة فلأن السنة فعل المعصوم، وقوله، تقريره، وليس هو أحدها وإنما هو حاك عن أحدها والحاكي غير المحكي. ومن هنا يظهر أن ما تجشمه صاحب الفصول (ره) في دفع الاشكال من أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن حال الدليل ليس له مساس في دفع هذا الاشكال لأن البحث عن حجية الخبر وإن كان بحثا عن دليلية الخبر لكنه ليس بحثا عن دليلية أحد الأدلة الأربعة بل هو بحث عن دليلية الحاكي لأحدها. ومنه يظهر الاشكال على شيخنا الاعظم (ره) حيث يظهر منه صحة ذلك جوابا عن الاشكال لولا أنه تجشم، ووجه كونه تجشما كون المسائل الاصولية يبحث فيها عن أحوال الادلة في فرض كونها أدلة فلا يكون البحث عن دليلتها بحثا في المسألة أصولية (قوله: كما لا يكاد يفيد) هذا تعريض بشيخنا الاعظم (ره) حيث أجاب عن الاشكال بان مرجع البحث في المقام إلى أن السنة - أعني قول المعصوم وفعله وتقريره - هل تثبت بخبر الواحد ؟ فيكون البحث حينئذ بحثا عن عوارض الدليل وهو السنة وحاصل التعريض: أن الثبوت المبحوث عنه ليس هو الثبوت حقيقة بل الثبوت تعبدا الراجع إلى وجوب العمل وترتيب آثار الثبوت الحقيقي وهذا المعنى من الثبوت ليس من عوارض السنة إذ لا نزاع في وجوب العمل بالسنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذي هو مؤدى الخبر ومن أحواله كما هو ظاهر، وقد

١١٠

- مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح، وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس عدم حجية الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم والروايات الدالة على رد ما لم يعلم انه قولهم - عليهم السلام - أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان، أو لم يكن موافقا

______________________________

تقدم (قوله: مع أنه لازم لما يبحث عنه) يعني مع أنه يرد عليه اشكال آخر وهو أن الثبوت ليس هو المبحوث عنه بل المبحوث عنه هو الحجية ومن لوازمها الثبوت المذكور والملاك الذى تعد به المسألة من مسائل الفن كون نفس المبحوث عنه من عوارض الموضوع فلا يكفي كون لازمه من العوارض إلا أن يقال: إن الحجية لما كانت عند بعضهم بن الاعتباريات المنتزعة فالبحث عنها لابد أن يكون بحثا عن نفس منشأ الانتزاع وهو ثبوت المؤدى، والملاك الذي به تعد المسألة من مسائل الفن ما يكون المبحوث عنه حقيقة من العوارض لا ما يكون المبحوث عنه عرضا كذلك كما أشار إليه في مبحث الاجتماع فتأمل، وربما يجاب بانه لما كان مفاد أدلة حجية الخبر كونه بمنزلة العلم - كما أشرنا إليه في مبحث قيام الامارات مقام العلم - كان البحث في الحقيقة عن أن السنة هل تعلم بالخبر أولا ؟ فيكون المبحوث عنه العلم بها وهو من العوارض للسنة الواقعية (فان قلت): العلم ليس من عوارض السنة الواقعية لان العلم لا يتعلق بالوجودات الواقعية وانما يتعلق بالصور الذهنية، (قلت): يكفي ذلك في عده من عوارض الواقع لحكاية الصور عن الواقع والحاكي بنظر عين المحكي ولذا كان موضوع علم الفقه فعل المكلف مع أن الاحكام التكليفية لا تتعلق بالفعل الخارجي بل تتعلق بنفس الصورة ايضا نظير العلم. ويمكن الخدشة فيه بان البحث عن كون السنة معلومة إن كان بلحاظ الآثار الشرعية للعلم كانت المسألة من المبادئ التصديقية لعلم الفقه لكون البحث فيها عن وجود

١١١

للقرآن إليهم أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة... إلى غير ذلك، والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي عنه انه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة، والجواب أما عن الآيات فبأن الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية، ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الاخبار، وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فانها أخبار آحاد (لا يقال): إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الا انها متواترة إجمالا

______________________________

الموضوع وإن كان بلحاظ وجوب العمل فليس ذلك من آثار العلم بالسنة المقصود بالبحث لان وجوب العمل (عقلا) من آثار منجزية الخبر للواقع وقد عرفت أن المناط فيه ليس هو العلم بالنسة (وشرعا) من آثار نفس قيام الحجة ولو لم تكن علما، مع أن ثبوته محل اشكال فتأمل (قوله: للقرآن إليهم) كلمة (إليهم) متعلقة بقوله: رد ما لم يعلم (قوله: أو على بطلان) معطوف على قوله: على رد (قوله: فبأن الظاهر منها أو) يمكن منع ذلك فان موردها وإن كان أصول الدين إلا أن ورودها مورد التنديد بالكفار والتعليل في بعضها بان الظن لا يغني عن الحق شيئا مما يوجب حفظ ظهورها في العموم كما لعله ظاهر بالتأمل، (قوله: ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة) بل الظاهر أن تلك الادلة حاكمة على ما دل منها على عدم جواز العمل بغير العلم مثل قوله سبحانه: ولا تقف ما ليس لك به علم، بناء على أن مفاد أدلة الحجية جعل الخبر علما تنزيلا بل هي كذلك بالاضافة إلى ما دل على عدم جواز العمل بالظن بناء على أن مفادها (أي أدلة الحجية) نفي كونه ظنا وأنه علم، مضافا إلى امكان دعوى ظهور أدلة المنع عن الظن في كونه ليس في نفسه من حيث كونه ظنا حجة، وحينئذ فلا تنافي أدلة الحجية الدالة على أنه من حيث كونه ظنا خاصا حجة لعدم التنافي بين المقتضي واللا مقتضي كما هو ظاهر

١١٢

للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (فانه يقال): إنها وإن كانت كذلك الا انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد في اثبات السلب كليا كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة والالتزام به ليس بضائر

______________________________

فان لم يتم شئ مما ذكرنا كان الجواب ما ذكره المصنف (ره) من كون أدلة حجية الخبر مخصصة لها لاختصاصها بالخبر في الفروع، وعموم تلك الادلة لغير الخبر وللأصول (قوله: للعلم الاجمالي بصدور) لا يخلو من تأمل فان الحر - رحمه الله - قد عقد في كتاب القضاء من وسائله بابا ذكر فيه الأخبار المذكورة إلا أن أكثرها وارد في المتعارضين، وليس مما نحن فيه وفى كون الباقي مما يبلغ حد التواتر الاجمالي محل تأمل ومحتاج إلى المراجعة (قوله: إلا فيما توافقت عليه) فان المضمون الذي توافقت عليه النصوص المعلوم إجمالا صدور بعضها مما يعلم بصدوره عن المعصوم أما ما اختلفت فلا يعلم صدوره فلا يعلم وجوب العمل به (قوله: وهو غير مفيد) يعني أن ما توافقت عليه النصوص وان كان يجب العمل به لكنه لا ينفع في اثبات نفي الحجية عن كل فرد من الخبر كما هو مدعى النافين وإنما ينفع في نفي الحجية عن نوع خاص منه وذلك ليس محل الكلام هنا لان الكلام في حجية الخبر في الجملة ولو لبعض أفراده بمعنى الموجبة الجزئية والدليل المذكور للنافي إنما يقتضي السالبة الجزئية وهي لا تنافي الموجبة الجزئية التي يدعيها المثبت ولا تثبت السالبة الكلية التي يدعيها النافي (قوله: وإنما تفيد عدم) هذا بيان لما اتفقت عليه النصوص وأنه عدم حجية المخالف للكتاب السنة معا لكن ذلك يتوقف على عدم التواتر الاجمالي فيما ليس بهذا المضمون لان الاخبار المتضمنة لهذا المضمون نادرة فلاحظ (قوله: ليس بضائر) يعني لا يقدح في دعوى حجية الخبر في الجملة. هذا ولكن بناء القائلين بحجية الخبر على تخصيص الكتاب والسنة المتواترة به فلابد حينئذ من التفصي عن هذا الاستدلال بوجه آخر ولا بأس بان يقال: إن من جملة الاخبار المانعة ما دل

١١٣

بل لا محيص عنه في مقام المعارضة وأما عن الاجماع فبأن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة كما يظهر وجهه للمتامل - مع أنه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه وقد استدل للمشهور بالأدلة الاربعة

فصل في الايات التى استدل بها

فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط

______________________________

على أن الخبر المخالف للكتاب زخرف - كما في رواية ابن الحر - أو: لم أقله - كما في قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية هشام بن الحكم - وحيث أن هذا المضمون مما يأبى عن التخصيص وجب حمل المخالفة فيه على المخالفة بنحو التباين للعلم الاجمالي بصدور الاخبار المخالفة عن المعصومين - صلى الله عليهم أجمعين - فيكون المتيقن من أدلة المنع ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين ويبقى غيره خاليا عن المانع فيرجع فيه إلى الأدلة الدالة على الحجية (قوله: بل لا محيص عنه) بل هو مسلم ظاهرا بين القائلين بالحجية (قوله: غير قابل) لعدم ثبوت حجيته كما تقدم (قوله: خصوصا في المسألة) لأن حجيته على المنع تتوقف على اثبات حجية الخبر فكيف يكون نافيا لها لان حجيته حينئذ يلزم من وجودها عدمها، ولو قيل: إنه لا يشمل نفسه، قلنا: ولكن لا يثبت نفسه، وإن شئت قلت: يعلم إجمالا بعدم حجية هذا الاجماع المنقول إما لأن الخبر حجة فيكون مخالفا للواقع أو ليس بحجة وهو من أفراده (قوله: معارض بمثله) وهو إجماع الشيخ (ره) المعتضد باجماع جماعة كما قيل (قوله: من وجوه) احدها من جهة مفهوم الوصف المبتني على القول بحجية مفهوم الوصف (ثانيها) من جهة مفهوم خصوص الوصف الخاص أعني الفسق فان خصوصيته مناسبته لعدم القبول من جهة

١١٤

وأن تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذي جيئ به على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفائه. ولا يخفى أنه

______________________________

عدم ما يوجب الأمن من تعمد الكذب في الفاسق (ثالثها) من جهة التبين المأمور به إذ ليس المراد به التبين العلمي بل التبين العرفي، ومن المعلوم حصوله بنفس خبر العادل فيكون بنفسه حجة (رابعها) من جهة التعليل في الآية الشريفة بمخافة الوقوع في الندم وخبر العادل لا يخاف من الوقوع في الندم من العمل به لان الندم إنما يحسن اطلاقه على ارتكاب ما لا يحسن فعله عند العقلاء كالاعتماد على خبر الفاسق ولا كذلك الاعتماد على خبر العادل ولو انكشف كونه مخالفا للواقع، وكأن المصنف (ره) أشار بقوله: أظهرها، إلى ما فيها من الاشكال إذ (الاول) مبني على القول بمفهوم الوصف والتحقيق خلافه (والثاني) يرجع إلى الظن بالعلية غير المستند إلى ظاهر الكلام وحجية مثله أول الكلام (والثالث) مبني على ارادة التبين العرفي المسامحي من قوله تعالى: فتبينوا، وهو خلاف الظاهر من مادة البيان (والرابع) فيه أن ظاهر الآية كون الندم على مجرد إصابة القوم بالجهالة من حيث كونها جهالة وهذا المعنى موجود بخبر العادل، وليس المراد منه السفاهة فانه خلاف الظاهر، لكن سيأتي قريبا من المصنف (ره) أن دعوى ذلك غير بعيدة لكن لا يخفى أنها خلاف مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد بن عقبة - لعنه الله - إذ لا ريب في انه لم يكن سفاهة كما هو واضح جدا (قوله: وأن تعليق الحكم بايجاب) من أهم مقاصد المثبتين والنافين والمستدلين بهذه الآية الشريفة والرادين معرفة أن موضوع القضة الشرطية هو مطلق النبأ والشرط حال من احواله أو هو نبأ الفاسق والشرط وجوده، وتوضيح ذلك: أن من الموضح في محله أن الحكم في المفهوم يجب أن يكون نقيضا للحكم في المنطوق وإنما جاز اجتماعهما في القضايا الشرطية لكون أحدهما ثابتا في حال الشرط والآخر ثابتا في حال نقيضه، مثلا مفهوم قولنا: ان جاء زيد فأكرمه، إن لم يجئ زيد لا يجب اكرامه، وقولنا: لا يجب اكرام زيد، نقيض قولنا: يجب إكرامه،

١١٥

على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع

______________________________

المستفاد من جزاء الشرطية فإذا كان المفهوم نقيضا للمنطوق يجب أن يكون متحدا معه في جميع الخصوصيات المأخوذة فيه في القضية من الموضوع والمكان والزمان وغير ذلك، فان الاتحاد في الخصوصيات من مقومات التناقض بين الشيئين وحينئذ فإذا كان موضوع الحكم في الجزاء هو خبر الفاسق والشرط وجوده بحيث يكون مفاد الآية الشريفة مفاد قولنا: إن وجد خبر الفاسق فتبين عنه، امتنع افادة الآية لحجية خبر العادل لأن خبر العادل لما كان غير خبر الفاسق فعدم التبين عنه لا يكون نقيضا لوجوب التبين عن خبر الفاسق لاختلاف الموضوع المانع من ثبوت التناقض بينهما وإذا كان موضوع الحكم نفس النبأ مطلقا والشرط حال من أحواله وهو كون الجائي به فاسقا دلت الآية على حجية خبر العادل لأنه من أفراد موضوع الحكم فيه فينتفي عنه الحكم بوجوب التبين لانتفاء الشرط وهو كون الجائي به فاسقا وحينئذ فالعمدة في المقام تشخيص ظهور الآية في أحد المفادين، والذي يطهر من المصنف (ره) أنها ظاهرة في المفاد الثاني وأن موضوع الحكم نفس النبأ والشرط كون الجائي به فاسقا خلافا لشيخه (ره) في رسائله فادعى ظهورها في الاول وأنها من قبيل: إن رزقت ولدا فاختنه، و: إن تزوجت فلا تضيع حق زوجتك، ونحوهما، وهذا الذي ادعاه شيخه (ره) هو الذي يقتضيه التدبر، فان قوله تعالى فتبينوا، وإن كان خاليا عن الصلة إلا أنها بتقدير (عنه) يعني فتبينوا عنه كما اعترف به المصنف (ره) والضمير إنما يرجع إلى النبأ الذي جاء به الفاسق المذكور في الشرط، ولا وجه لارجاع إلى مطلق النبأ، وقوله تعالى: إن جاءكم، بمنزلة قوله: إن أخبركم، والاخبار عين وجوده الخبر فالشرط حينئذ نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر فكيف يدعى ظهورها في غيره ؟ (قوله: على هذا التقرير لا يرد) لم يتقدم منه إلا تصوير التقرير بلا تعرض لاثباته وبيان ما يوجب كونه ظاهر الآية كما لا يخفى وحينئذ فلا يجدي

١١٦

فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم. نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيئ الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع - مع أنه يمكن أن يقال: إن القضية - ولو كانت مسوقة لذلك - إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبر

______________________________

في دفع الايراد المذكور (قوله: فلا مفهوم له أو مفهومه) الظاهر أن القضية في المقام مما لا مفهوم لها لا أن مفهومها سالبة بانتفاء الموضوع وذلك من جهة أن وجوب التبين يمتنع أن يكون نفسيا إذ لا ريب في خلافه ولا غيريا لعدم كونه مقدمة لواجب شرعي ولا إرشاد بالعدم وجوب التبين عقلا إلا في مقامات مخصوصة توقف فيها العلم بالامتثال على العلم بالواقع فلابد أن يكون كناية عن عدم حجية الخبر فكأنه قيل إن جاءكم فاسق بنبأ فخبره ليس بحجة، وحينئذ فالمفهوم يكون موجبة بانتفاء الموضوع لا سالبة كذلك، وحيث أن الموجبة بانتفاء الموضوع ممتنعة لا مجال لدعوى المفهوم في المقام أصلا، مضافا إلى أنه لو سلم كون حكم المنطوق موجبا وأن المفهوم يكون سالبة بانتفاء الموضوع لكن ثبوت المفهوم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إنما يصح في القضايا الشرطية الخبرية لا الشرعية لان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ضروري ذاتي لا شرعي فلا مجال لاعمال التشريع فيه فقولنا: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب عليك ختانه، ليست مما يمكن أن تكون شرعية كما هو ظاهر، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم، (قوله: مع أنه يمكن أن يقال ان) لعل الوجه فيما ذكره أن المفهوم وان كان يجب أن يتحد مع المنطوق في جميع الخصوصيات المذكورة في القضية من موضوع وغيره لكن يجب أن يعرى عن خصوصية الشرط فيكون المنطوق ثابتا في حال الشرط والمفهوم ثابتا في غير حاله وحينئذ فإذا كان الشرط نفس الموضوع فمقتضي لزوم تعريته عن خصوصية الشرط لزوم تعريته عن خصوصية الموضوع فيكون

١١٧

* ولكنه يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل باصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم. ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة

______________________________

المفهوم حينئذ عدم حكم المنطوق ولو في غير ذلك الموضوع فيكون المفهوم في المقام عدم وجوب التبين ولو عن غير الفاسق إذا لم يوجد خبر الفاسق وهو المطلوب (وفيه) أن التعرية عن خصوصية الشرط وان كانت مسلمة لكن خصوصية الشرط في المقام وجود الموضوع وتعريته عن وجود الموضوع لا يقتضي تعريته عن نفس الموضوع مثلا إذا قيل إذا وجد لك ولد فاختنه، فالضمير في الجزاء راجع إلى وجوده حينئذ فتعرية الحكم عن وجود الولد لا يقضتي تعريته عن نفس الولد ولذا كان المفهوم: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب ختانه، فالضمير راجع إلى ولده لا إلى مطلق الولد فكذا في المقام ولا وجه حيئذ لظهور الآية في عدم وجوب التبين عن مطلق الخبر. هذا لو أراد المصنف (ره) دعوى الدلالة من جهة أداة الشرط وأما لو أراد دعوى الدلالة من جهة أخرى فقد عرفتها وعرفت ما فيها ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فتدبر، (قوله: ولكنه يشكل بانه ليس) هذا الاشكال الثاني من الاشكالين اللذين زعم شيخنا الأعظم في رسائله عدم امكان الذب عنهما (يعني عدم امكان دفعهما) وحاصله: أنه لو سلم كون القضية المذكورة في نفسها ظاهرة في المفهوم فهي لما كانت معللة بعدم اصابة القوم بالجهالة المستفاد من قوله تعالى: أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، دلت على أن الوجه في وجوب التبين هو اصابة قوم بجهالة والوقوع في خلاف الواقع، ومن المعلوم أن هذا المانع لا يختص بخبر الفاسق فان خبر العادل مثله أيضا فيدل التعليل على المنع عن العمل بخبر العادل، وحينئذ يقع التعارض بين المفهوم المقتضي لجواز العمل يخبر العادل والتعليل المانع عنه، ولا ريب في كون التعليل مقدما على المعلل لكونه حاكما عليه فقد يرفع به اليد عن عمومه كما في أكرم العلماء لانهم عدول، أو عن خصوصه كما في قوله: أكرم زيدا لأنه عادل

١١٨

* بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة. ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام - عليه السلام - بواسطة أو وسائط فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي

______________________________

فانه في الأول يقتضي التخصيص بالعدول من العلماء، وفي الثاني يقتضي التعميم لكل عادل بل وكذا في الأول فيوجب اكرام الجهلاء العدول كما انه في الثاني يقتضي التخصيص بحال العدالة فلا يشمل زيدا حال الفسق فكذا الحال في المقام يقتضي تعميم المنع لخبر العادل أيضا (فان قلت): المفهوم حاكم على التعليل في المقام لأنه إذا دل على جواز العمل بخبر العادل فقد دل على كونه علما تنزيلا كما عرفت الاشارة إليه فلا يكون العمل به موجبا لاصابة قوم بجهالة بل يكون بعلم كما لا يخفى (قلت): الاصل في التعليل أن يكون ارتكازيا لا تعبديا والارتكاز العقلائي يقتضي كون المنع من جهة كون خبر الفاسق جهلا حقيقة بذاته، وهذا المانع بعينه حاصل في خبر العادل ولو بالنظر إلى المفهوم لان المفهوم إنما يقتضي كونه علما تعبدا لا حقيقة، وكونه علما تعبدا لا يوجب ارتفاع المحذور المذكور في التعليل كما هو ظاهر (فان قلت): المفهوم أخص مطلقا من التعليل والخاص - ولو كان مفهوما - مقدم على العام ولو كان تعليلا (قلت): هذا مسلم إذا كان المفهوم مستفادا من الكلام الخالي عن التعليل أما إذا كان مستفادا منه فلا، والسر فيه: ان المفهوم لما كان مدلولا للكلام من جهة دلالته على خصوصية في المنطوق تلازم المفهوم يقع التعارض في الحقيقة بين التعليل وبين المعلل في دلالته على الخصوصية وقد عرفت أن التعليل مقدم والظهور المنعقد تابع له (قوله: بمعنى عدم العلم) كما هو مقتضي مادة الاشتقاق (قوله: غير بعيدة) بل هي بعيدة بملاحظة مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد - لعنه الله - (قوله: فانه كيف يمكن الحكم) إعلم أن في ثبوت السنة بالاخبار بالواسطة - كما لو أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا (ع) أنه يجب الغسل يوم الجمعة - إشكالين أحدهما

١١٩

ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لانه وإن كان أثرا شرعيا لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في ان يكون بلحاظه أيضا حيث أنه صار أثرا يجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل

______________________________

ما أشار إليه المصنف (ره) بهذا الكلام وهو يختص بالاخبار عن الواسطة كخبر الكليني، وثانيهما يختص بخبر البزنطي وما بعده ولا يشمل خبر الكليني، وحاصل الاشكال الاول أنه لا ريب في أن جعل الحجية للخبر ووجوب تصديقه في فرض يكون لمؤداه أثر عملي وإلا كان الجعل لغوا بل لا معنى له أصلا، وعليه فالاثر للمؤدى يكون من علل وجود الحجية ووجوب التصديق فلابد أن يكون متقدما عليه رتبة تقدم العلة على معلولها فإذا كان مؤدى الخبر خبرا آخر كخبر الكليني الحاكي عن خبر علي بن ابراهيم ولم يكن للخبر المؤدى أثر غير وجوب تصديقه يلزم أن يكون وجوب التصديق الثابت للخبر الحاكي كخبر الكليني منشأ بلحاظ وجوب التصديق الثابت لخبر علي بن ابراهيم فيكون الأثر المصحح لوجوب تصديق خبر الكليني عين وجوب التصديق وهو مستحيل لما عرفت من وجوب كونه غيره متقدما عليه رتبة، وهذا الاشكال بعينه يجري في الاخبار بالعدالة من حيث ترتب وجوب التصديق على خبره لا غيره من الآثار مثل جواز الائتمام به ونحوه فانه لا مجال للاشكال فيه لاختلاف الأثر (قوله: ليس إلا بمعنى) يعنى ليس معنى وجوب التصديق إلا وجوب ترتيب الأثر الشرعي الثابت للمخبر به فيكون أثر المؤدى من قبيل الموضوع لوجوب تصديق الخبر (قوله: بلحاظ نفس هذا) لان الأثر الشرعي عين هذا الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ويكون بنفسه مصححا لنفسه (قوله: نعم لو أنشأ هذا) يعني لو كان هناك إنشاءان أحدهما إنشاء

١٢٠

* واحد فتدبر. ويمكن الذب عن الاشكال بانه إنما إذا لم يكن القضية طبيعية والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر بل بلحاظ أفراده وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط

______________________________

وجوب التصديق لخبر الواسطة والثاني انشاؤه للخبر الحاكي عنها صح ولم يتوجه الاشكال لأن أحدهما غير الآخر فيصح أن يكون أحدهما مصححا للآخر وموضوعا له ولا يكون اتحاد الحكم والموضوع (قوله: والحكم فيها بلحاظ طبيعة) حاصل الجواب: أن الأثر الثابت للمؤدى الذي يكون مصححا لجعل الحجية ووجوب تصديق الخبر (تارة) يلحظ بما هو طبيعة الأثر (وأخرى) يلحظ بما أنه حاك عن الأفراد، والاشكال إنما يلزم لو كان ملحوظا على النحو الثاني لأن الفرد الملحوظ الذي أخذ موضوعا لوجوب التصديق لابد أن يكون غير الحكم بوجوب التصديق أما إذا كان ملحوظا على النحو الاول فلا يلزم الاشكال لأن طبيعة الاثر غير الحكم بوجوب التصديق فيجوز أن تكون موضوعا له، ومن المعلوم أنه لا مانع من أن يكون الموضوع نفس الطبيعة فإذا ثبت الحكم لتلك الطبيعة وكانت تلك الطبيعة تسرى إلى نفس وجوب التصديق سرى إليه حكمها ايضا سراية حكم الطبيعة إلى افرادها التي تسري هي إليها، ويمكن الخدشة فيه (أولا) بأن المصحح لجعل الحجية ليس طبيعة الأثر بما هي طبيعة الأثر وإنما المصحح له مصداق الاثر فلا يمكن أخذ الاثر المصحح بنحو الطبيعة فتأمل (وثانيا) بأن طبيعة الأثر الملحوظة إما أن تلحظ مطلقة أو مهملة، والاول ممتنع للزوم المحذور بعينه لان الموضوع إذا كان يجب عقلا أن يكن مغايرا لحكمه كيف يمكن أن يكون له اطلاق يشمل حكمه ؟ وهو ظاهر جدا، والثاني يوجب قصورا الآية عن شمول الخبر إذا كان أثر مؤداه وجوب التصديق وهو عين الاشكال فيبقى الاشكال بحاله (قوله: مضافا إلى القطع بتحقق) يعني لو سلمنا عدم شمول الدليل للخبر الحاكي عن الواسطة يمكن أن نقول بان الآية إنما دلت على جوب تصديق كل خبر حتى خبر الواسطة لكن بلحاظ ما عداه من الآثار المترتبة على المؤدى لا بلحاظ وجوب التصديق، إلا أنه

١٢١

في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا لأجل المحذور وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب التصديق وهو خبر العدل ولو بنفس الحكم في الآية فافهم. ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك

______________________________

لما علم بوجود المناط فيه ايضا وأنه لا فرق بينه وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب أو لم يكن قول بالفصل بينه وبين غيره من الآثار نقول بوجوب ترتيبه ايضا كغيره من الآثار. هذا ولكن لا يخفى أن هذا فرار عن الاشكال لا جواب عنه، ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم، أو أن العلم بالمناط وعدم القول بالفصل يستكشف بهما جعل الحكم ثانيا بانشاء مستقل وهو خلاف الفرض (قوله: في سائر) متعلق بمحذوف حال أو صفة للمناط (قوله: في هذا الاثر) متعلق بتحقق (قوله: أي وجوب) تفسير لهذا الاثر (قوله: أو إلى عدم القول) معطوف على قوله: إلى القطع (قوله: في وجوب) متعلق بالفصل (قوله: وهو خبر) الضمير راجع إلى الموضوع. هذا (والأولى) أن يقال: ان الكلام في أمثال المقام (تارة) يكون بلحاظ مقام الثبوت والواقع (وأخرى) بلحاظ مقام الاثبات، اما الكلام في المقام الاول فنقول فيه: انه لا ريب في أن وجوب التصديق الثابت للخبر ليس وجوبا واحدا شخصيا بل هو منحل إلى وجوبات متعددة بتعدد أفراد الخبر فكل خبر يكون له شخص من وجوب التصديق لا يكون للخبر الآخر فإذا أخبرا لكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا (ع) فلكل من الخبر الحاكي والمحكي وجوب تصديق غير ما يكون للآخر فيجوز أن يكون أحدها مصححا للآخر وموضوعا له فوجوب التصديق الثابت لخبر البزنطي موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر ابراهيم والثاني موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر ابنه وهو موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر الكليني ولا اشكال في ذلك بعد تغايرها، وأما الكلام في

١٢٢

للاشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بانه لا يكاد يكون خبر تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد فيكف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا وذلك لانه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية

______________________________

المقام الثاني فهو أنه لا مانع من انشاء أحكام متعددة مترتبة بعضها موضوع للآخر بانشاء واحد وجعلها بجعل واحد كذلك لان ترتيبها في مقام الثبوت وفى أنفسها لا يقتضي ترتيبها في مقام الانشاء فيجوز حينئذ للجاعل أن ينشئ هذه الوجوبات المترتبة بانشاء واحد والوجه في ذلك أن الوجوب الذي يكون موضوعا للآخر ليس موضوعا له بوجوده الانشائي الخارجي حتى يتوقف انشاء وجوب التصديق للخبر الحاكي عن الواسطة على انشاء أثر لخبر الواسطة ويمتنع انشاؤها بانشاء واحد بل يكون موضوعا بوجوده الفرضي فيرجع لسان دليل الجعل إلى أنه مهما كان لمؤدى الخبر أثر وجب تصديق الخبر وترتيب ذلك الأثر وإن كان من سنخ وجوب التصديق فيثبت لكل خبر هذا الحكم منوطا بان يكون لمؤداه أثر وان كان ذلك الأثر من سنخ هذا الحكم. هذا ملخص ما أفاده بعض مشايخنا المعاصرين زيد تأييده (قوله: للاشكال في خصوص) هذا هو الاشكال الثاني في المقام الذي ذكره شيخنا الأعظم (قده) في رسائله الذي عرفت أنه يختص بخبر الواسطة لا غير وحاصله أن خبر الواسطة إنما صار خبرا تعبدا بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها فيمتنع أن يكون موضوعا لوجوب التصديق لأن ما يكون معلولا للحكم ومتأخرا عنه يمتنع أن يثبت له ذلك الحكم للزوم الدور فانه موقوف على الحكم حسب الفرض والحكم موقوف عليه حسب الدعوى (قوله: وذلك لأنه إذا كان) هذا بيان لوجه الاندفاع وحاصله ما أشار إليه سابقا من أن الاشكال انما يتوجه لو كان وجوب التصديق ثابتا للخبر بلحاظ الأفراد أما إذا كان حكما على

١٢٣

أو لشمول الحكم فيها له مناطا وان لم يشمله لفظا أو لعدم القول بالفصل فتأمل جيدا (ومنها) آية النفر قال الله تبارك وتعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة.. الآية) وربما يستدل بها من وجوه (أحدها) أن كلمة (لعل) وإن كانت مستعملة على التحقيق

______________________________

طبيعة الخبر فنفس الطبيعة مما لم تكن ناشئة عن الحكم المذكور فإذا ثبت الحكم للطبيعة وثبت خبر الواسطة بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها كان خبر الواسطة من أفراد تلك الطبيعة وسرى إليه حكمها سراية حكم الطبيعة إلى افرادها (وفيه) ما عرفت من أن الخبر الموضوع لوجوب التصديق إن أخذ مطلقا لزم المحال وان أخذ مهملا جاء الاشكال لأن المهملة في قوة الجزئية فلا تصلح لاثبات الحكم بوجوب التصديق لخبر الواسطة (وبالجملة): ثبوت الحكم لما ينشأ عنه مستحيل ولا يدفع استحالته بما ذكر (قوله: أو لشمول الحكم) معطوف على قوله: لأنه، وكذا قوله: أو لعدم القول بالفصل، يعني انا نستكشف الحكم لخبر الواسطة بتوسط العلم بالمناط أو عدم القول بالفصل وان كان الدليل المذكور لا يشمله، وقد عرفت أن هذا فرار عن الاشكال فالأولى الرجوع إلى ما ذكره بعض مشايخنا المتقدم إليه الاشارة من كون الحكم بوجوب التصديق للخبر ليس حكما واحدا غير قابل للتحليل بل هو منحل إلى أحكام متعددة بتعدد الخبر والحكم الثابت لخبر الواسطة لم ينشأ منه الخبر وانما نشأ من مثله الثابت للخبر الحاكي عن الواسطة، ولا مانع من انشاء هذه الاحكام المترتبة بانشاء واحد، فلاحظ وتأمل والله سبحانه أعلم.

آية النفر

(قوله: الآية) تمام الآية: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ومحل الاستدلال منها قوله تعالى: لعلهم يحذرون، وتقريب الاستدلال بها أحد الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن،

١٢٤

في معناها الحقيقي وهو الترجي الإيقاعي الانشائي إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان هو محبوبية التحذر عند الانذار وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم حسنه بل عدم امكانه بدونه (ثانيها) انه لما وجب الانذار لكونه غايه للنفر الواجب كما هو قضية كلمة (لو لا) التحضيضية وجب التحذر وإلا لغى وجوبه (ثالثها) أنه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب. ويشكل الوجه الاول بأن التحذر لرجاء ادراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو

______________________________

 (قوله: في معناها الحقيقي) حسبما تقدم منه بيانه في صيغة الأمر (قوله: يستحيل في حقه) وجه استحالة الترجي الحقيقي في حقه تعالى أنه يعتبر فيه الجهل بوقوع الأمر المرجو (قوله: شرعا) قيد لوجوبه (قوله: لعدم الفصل) دليل على الوجوب الشرعي لان كل من رجح الحذر فقد أوجبه (قوله: وعقلا) معطوف على قوله: شرعا، يعني إذا ثبت محبوبية الحذر وجب عقلا لانه إذا كان له مقتض وجب والا لم يحسن كذا قرر في المعالم (قوله: بل عدم امكانه) يعني إذا لم يكن مقتض للحذر لم يمكن الحذر لان الحذر هو الاحتياط في دفع المكروه فإذا لم يكن مقتض للحذر بان كان المكروه مأمونا لا معنى للحذر حينئذ كما لا معنى للاحتياط (قوله: لكونه غاية) لدخول لام الغاية عليه (قوله: كما هو) بيان لوجه وجوب النفر (قوله: لو لا التحضيضية) هي احدى حروف التحضيض الأربع وهي (لو لا) و (لو ما) و (الا) و (هلا) والمعروف عند النحاة أنها إذا دخلت على المضارع أفادت طلب الفعل والحث عليه وعلى الماضي أفادت التوبيخ على تركه والحض على الشئ الحث عليه، ومنه قوله تعالى: ولا تحاضون على طعام المسكين (قوله: جعل غاية للانذار) فان (لعل) في هذا المقام واقعة موقعها في قوله تعالى: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (قوله: بأن التحذر لرجاء) حاصله أن الحذر وإن كان عبارة عن

١٢٥

الوقوع في المفسدة حسن وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ولم يثبت ها هنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل. والوجه الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بايجاب

______________________________

الاحتياط في دفع المكروه إلا أن المكروه (تارة) يراد به العقاب ونحوه مما يترتب على المعصية (وأخرى) يراد به الوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة مما يترتب على مخالفة التكليف، فان كان المراد به في المقام هو الاول امتنع التفكيك بين حسنه ووجوبه شرعا لعدم القول بالفصل وعقلا لوجوبه مع وجود مقتضيه... الخ ما ذكر في تقريب الاستدلال، أما إذا كان المراد به الثاني فلا مانع من التفكيك بين حسنه ووجوبه وعدم الفصل بينهما لم يثبت غاية الأمر عدم القول بالفصل وهو لا يدل على عدم الفصل، كما أن قول المستدل: لوجوبه مع وجود مقتضيه، ممنوع بل لا ريب في حسنه مع وجود مقتضيه مع عدم وجوبه كما في جميع موارد الاحتياط في الشبهات البدوية التي يرجع فيها إلى أصالة البراءة. نعم يشكل ذلك بان الحذر بالمعني المذكور إنما يترتب على مجرد احتمال الواقع بلا توسط الخبر فترتيبه على الخبر يقتضي أن يكون المراد به المعنى الاول (قوله: ها هنا) يعني إذا لم تقم حجة على التكليف (قوله: غايته عدم القول) بل لا ريب في ثبوت القول بالفصل لما عرفت من حسن الاحتياط عندهم في الشبهات البدوية مع كون المرجع فيها البراءة (قوله: والوجه الثاني والثالث) معطوف على الاول يعني يشكل الوجهان بعدم انحصار... الخ وحاصل إشكالهما: أنه وإن سلم اقتضاء ما ذكر من التقريبين لوجوب الحذر المترتب على الانذار لكن لم يظهر من الآية وجوبه مطلقا وإن لم يحصل العلم بل المستفاد منها وجوبه في الجملة ولو كان مختصا بصورة إفادة الانذار للعلم إذ يكفي ذلك في كونه فائدة لوجوب الانذار وعدم كونه لغوا كما يكفي في كونه غاية للواجب (فان قلت): اختصاص وجوب الحذر بصورة افادة الانذار للعلم خلاف إطلاق الآية (قلت): الآية ليست مسوقة لبيان وجوب الحذر لكونه فائدة لوجوب الانذار أو غاية للانذار بل هي مسوقة لبيان وجوب النفر

١٢٦

التحذر تعبدا لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايتيه التحذر ولعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بكونه مشروطا به فان النفر انما يكون لاجل التفقه وتعلم معالم الدين ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية لكي يحذروا إذا أنذروا بها وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الانذار بها كما لا يخفى

______________________________

وإذا لم تكن مسوقة لذلك لم يكن لها اطلاق لعدم كون المتكلم في مقام البيان الذي هو شرط ثبوت اطلاق الكلام (فان قلت): إذا كانت الآية مسوقة لبيان وجوب النفر فقد دلت على وجوب النفر على كل أحد من الطائفة كما دلت على وجوب الانذار بكل ما علم فحينئذ نقول: لو اختص وجوب الحذر بصورة حصول العلم لزم كون وجوب الانذار غير الموجب للعلم بلا فائدة أو ليس له غاية واجبة وهو باطل (قلت): لم يظهر من الآية كون الحذر فائدة لوجوب كل إنذار مستقلا أو غاية له كذلك، بل المحتمل قريبا أن يكون فائدة لعموم الحكم وهو الوجوب على الطائفة لا الوجوب لكل واحد وكذا كونه غاية بل لعل تخصيص الوجوب بطائفة من كل فرقة مشعر بذلك والأصل في الحكم الثابت للجماعة ان يكون ثابتا لهم في حال الاجتماع لا مطلقا (قوله: التحذر تعبدا) يعني وان لم يحصل العلم (قوله: لو لم نقل بكونه مشروطا) هذا إشكال آخر ذكره الشيخ (ره) في رسائله مضافا إلى الاشكال الاول وحاصل هذا الاشكال: أن ظاهر الآية كون الحذر الواجب هو ما يكون بعد الانذار بما تفقهوا فيه من الأمور الدينية فلابد في الحكم بوجوب الحذر من إحراز كون الانذار بالأمور الدينية المتفقه فيها ومع الشك في ذلك يشك في وجوب الحذر فإذا لم يعلم بصدق المخبر لم يعلم أنه منذر بالأمور الواقعية فلا يجب عقلا الحذر للشك في موضوعه (قوله: على الوجهين في تفسير) ففي أحدهما

١٢٧

(تم) إنه أشكل أيضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر حيث انه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله لا التخويف والانذار وانما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد (قلت): لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا من النبي - صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام - والامام عليه السلام، من الأحكام إلى الانام

______________________________

أن المراد تفقه النافرين لينذروا المتخلفين وفى الآخر تفقه المتخلفين لينذورا النافرين عند رجوعهم إلى المتخلفين فعلى الاول ضمير (يتفقهوا) و (ينذروا) و (رجعوا) راجع إلى الطائفة النافرين وضمير (إليهم) و (لعلهم) راجع إلى المتخلفين، وعلى الثاني ضمير (يتفقهوا) و (ينذروا) و (إليهم) راجع إلى المتخلفين وضمير (رجعوا) و (لعلهم) راجع إلى النافرين (قوله: ثم انه أشكل أيضا) هذا الاشكال ثالث الاشكالات التى ذكرها الشيخ (ره) في الاستدلال بالآية الشريفة، وحاصله: أن الآية دلت على وجوب الحذر عقيب الانذار المترتب عليه والانذار هو الابلاغ بقصد التخويف والتخويف إنما يكون باعمال النظر فهو من وظيفة المجتهد فوجوب الحذر بعده راجع إلى جعل حجية اجتهاده وحيث أن اجتهاد المجتهد لا يكون حجة على مجتهد مثله فلابد من تخصيص الآية بمن يجب عليه الرجوع إلى المجتهد لحجية رأيه عليه ولا تكون مما نحن فيه من حجية الخبر، وبهذا التقرير لم يتضح ايراد المصنف (ره) عليه بأنه لو فرض دلالتها على... الخ الراجع إلى أن ظاهر الآية حجية الخبر مع التخويف من حيث أنه خبر وبضميمة عدم القول بالفصل تدل على حجية غيره، ووجه الاشكال: انه لم يظهر من الآية حجية الخبر من حيث أنه خبر - بناء على البيان الذي ذكرناه - وإنما دلت على حجية الانذار المتقوم بالخبر والتخويف، وحيث أن الثاني اجتهادي فقد دلت على حجية الاجتهاد فالتخويف مقوم للحجية لا أنه ظرف للحجية ليتم

١٢٨

* إلا كحال نقلة الفتاوي إلى العوام ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الابلاغ والانذار والتحذير بالبلاغ فكذا من الرواة فالأية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه أيضا لعدم الفصل بينهما جزما فافهم (ومنها) آية الكتمان: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية وتقريب الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم القبول عقلا للزوم لغويته بدونه ولا يخفى انه لو سلمت هذه اللازمة لا مجال للايراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم فانها تنافيهما كما لا يخفى، لكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه لئلا يكون للناس على الله حجة بل كان عليهم الحجة البالغة (ومنها) آية السؤال عن أهل الذكر (فأسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وتقريب الاستدلال

______________________________

عدم القول بالفصل ولعل قوله: فافهم، إشارة إلى ذلك. هذا والإنصاف أن الآية الشريفة لا تدل على حجية الخبر ولا على حجية الاجتهاد بل هي أجنبية عنهما بالمرة، وإنما تدل على وجوب التفقه في الدين وتعلم معالمه في الاصول والفروع لغاية تعليم الجاهلين وتفقيههم باقامة الحجة عليهم وإقناعهم بالطريق الذي تعلموا به وتفقهوا بلا دلالة لها على حجية الاجتهاد أو الخبر أصلا لا مطابقة ولا التزاما، وظني أن ذلك ظاهر بأدنى تأمل (قوله: إلا كحال نقلة) يعني أنهم نقلة لا أنهم مفتون وإذا كانوا من قبيل النقلة لا المفتين فإذا صح التخويف منهم ولا يخرجون به عن كونهم ناقلين فالآية تدل على حجية نقلهم في حال التخويف لا على حجية اجتهادهم وإذا دلت على حجية نقلهم في حال التخويف دلت على حجيته في غيره لعدم القول بالفصل، لكن عرفت تقريب الاشكال بنحو لا يتوجه عليه ما ذكر إلا أن يكون مقصود المصنف (ره) منع كون التخويف اجتهاديا ولكنه كما ترى فلاحظ (قوله: لو سلمت هذه الملازمة لا مجال) كانه قصد بذلك

١٢٩

بها ما في آية الكتمان وفيه أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب وقد أورد عليها بانه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي فانه بما هور اولا يكون من أهل الذكر والعلم فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية (وفيه) أن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع على رأى الامام - عليه السلام - كزارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ويصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل الذكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزما في وجوب القبول

______________________________

الايراد على ما في الرسائل حيث ذكر فيها الايراد ان الأولان المذكوران سابقا في الجواب عن الاستدلال بآية النفر ولم يتعرض فيها لنفي الملازمة بنحو يظهر منه تسليمها، لكن الظاهر من عبارة الرسائل نفي الملازمة بذكر الايرادين كما يظهر من قوله (ره) فيها: نعم لو وجب الاظهار... الخ فليلحظ (قوله: لا للتعبد بالجواب) هذا غير ظاهر بل خلاف الظاهر، ويشهد له أن المضمون المذكور موجود في جملة من الاخبار التى استدل بها على حجية الخبر ولم يتوهم هذا الاشكال فيها. نعم من أجل أن مورد الآية الشريقة أصول الدين التي يجب فيها تحصيل العلم لابد من حملها على ذلك مع امكان دعوى كون المقصود الاحتجاج على اليهود باقوال علمائهم التي هي حجة باعتقادهم وليست في مقام جعلها حجة كما لا يخفى فليتأمل (قوله: وقد اورد عليها بانه) هذا الايراد ذكره شيخنا الاعظم في رسائله (قوله: وفيه أن كثيرا من الرواة) وفيه أنه إذا سلم كون المراد من أهل الذكر أهل العلم والفتوى فظاهر الآية سؤالهم عما هم فيه من اهل العلم لا في غيره فزرارة ومحمد بن مسلم ونحوهما إذا كانوا من اهل الفتوى فوجوب سؤالهم يختص بما هم فيه من أهل الفتوى ولا يشمل غيره كالاقوال المسموعة من المعصوم (ع) نعم لو أريد من أهل العلم مطلق من كان كثير العلم ولو بالمسموعات والمبصرات

١٣٠

* بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من اهل الذكر وإنما يروي ما سمعه أو رأه فافهم (ومنها) آية الاذن: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) فانه تبارك وتعالى مدح نبيه بانه يصدق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى. وفيه اولا أنه إنما مدحه بانه أذن وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبدا. وثانيا أنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التى تنفعهم ولا تضر غيرهم لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ويظهر ذلك من تصديقه للتمام بانه ما نمه وتصديقه لله تعالى بانه نمه كما هو المراد من التصديق في قوله - عليه السلام -: فصدقه وكذبهم حيث قال - على ما في الخبر -: (يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون

______________________________

توجه الاشكال لكنه ليس مبنى الايراد فلتلحظ عبارة الرسائل، إلا أن يكون مقصود المصنف (ره) الايراد من هذه الجهة، وأن المراد من أهل الذكر كثيروا العلم والاطلاع ولو بنحو المسموعات والمبصرات فيشمل مثل زرارة من حيث الرواية ويتعدى إلى غيره بضميمة عدم القول بالفصل فيكون إشكالا في محله إلا ان مناسبة الحكم والموضوع تقضي بكون الظاهر إرادة السؤال ممن هو عالم في موضوع السؤال بلا دخل للاجتهاد وكثرة الاطلاع، فلاحظ (قوله: بين المبتدأ والمسبوق) إشارة إلى دفع اشكال آخر على الاستدلال بالآية بانها أخص من المدعى لأنها إنما تدل على الخبر المسبوق بالسؤال فلا تعم الخبر الابتدائي وحاصل الدفع: أنه لا يمكن الفصل بين النوعين في الحجية فإذا دلت على حجية أحدهما دلت على حجية الآخر (قوله: خصوص الآثار التى) كما يشهد به قوله تعالى: أذن خير لكم، الظاهر في أنه أذن خير لجميع الناس إذ لو كان المراد ترتيب جميع الآثار كان أذن خير للمخبر - بالكسر - لا غير كما أوضحه في الرسائل فراجع (قوله: من تصديقه للتمام) كما عن تفسير القمي أنه نم منافق

١٣١

قسامة أنه قال قولا وقال: لم أقله فصدقه وكذبهم) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرهم وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم والا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين ؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة اسماعيل فتأمل جيدا

فصل

(في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد)

وهي وإن كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل وغيرها إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد غير متفقة على لفظ ولا على معنى فتكون متواترة لفظا أو معنى ولكنه مندفع بانها وان كانت كذلك إلا أنها متواترة إجمالا ضرورة أنه يعلم بصدور بعضها منهم - عليهم السلام - وقضيته وان كان حجية خبر أخصها مضمونا الا انه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية وقد دل على حجية ما كان أعم فافهم.

______________________________

على النبي صلى الله عليه وآله فاخبره الله تعالى بذلك فاحضره النبي صلى الله عليه وآله وسأله فحلف له أنه لم ينم عليه فقبل منه النبي صلى الله عليه وآله فاخذ الرجل يطعن على النبي صلى الله عليه وآله ويقول: إنه يقبل كل ما يسمع، حكاه في الرسائل فراجع (قوله: قسامة) بالفتح الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم (قوله: في قصة اسماعيل) المحكية في الرسائل حيث قال له أبوه - عليه السلام -: إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم (قوله: من مراجعة الوسائل) والرسائل أيضا حيث قسمها فيها إلى طوائف (قوله: أخصها مضمونا) أخص الاخبار مضمونا ما دل على حجية خبر العادل ويوجد فيها خبر العادل الدال على حجية خبر الثقة فتستنتج حجية خبر الثقة. بل يمكن دعوى التواتر الاجمالي في غير ما دل على حجية خبر العادل فيكون ما دل على حجية خبر الثقة أخص مضمونا من غيره فتستفاد حجية خبر الثقة بلا واسطة. نعم فيها ما يدل على عدم حجية خبر غير الامامي مثل

١٣٢

فصل

(في الاجماع على حجية الخبر)

وتقريره من وجوه (أحدها) دعوى الاجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ فيكشف رضاه - عليه السلام - بذلك ويقطع به أو من تتبع الاجماعات المنقولة على الحجية ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما اخذ في اعتباره من الخصوصيات ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضائه - عليه السلام - من تتبعها. وهكذا حال تتبع الاجماعات المنقولة. اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة وإنما الاختلاف في الخصوصيات

______________________________

مكاتبة علي بن سويد: لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك إن تعديتهم أخذت دينك من الخائنين... الحديث، ولكنه - مع معارضته بغيره مما دل على جواز العمل بكتب بني فضال والشلمغاني وما ورد في تفسير قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) فظاهر التعليل فيه أن المانع من العمل باخبارهم عدم الائتمان فتأمل، ثم إني لم أجد فيما رأيت من أخبار الثقات ما يدل على حجية ما هو أعم من ذلك فلابد من التتبع والتأمل، كما أن الظاهر مما دل على حجية خبر الثقة من تلك النصوص اعتبار كونه ثقة في خصوص ذلك الخبر ولا يعتبر كونه ثقة في نفسه، وكأن الوجه في ذلك مناسبة الحكم لموضوعه وإلا فاطلاق الثقة يقتضي كونه ثقة مطلقا، فقرينة المناسبة المذكورة ولا سيما بملاحظة الارتكاز العقلائي أوجبت كون الظاهر ما ذكرنا، ولأجل ذلك استقر بناء الأصحاب على العمل باخبار الضعفة مع اقترانها بما يوجب الوثوق بصدورها ولو كان ذلك مثل عمل المشهور أو الاساطين بها كما لا يبعد أن يكون المراد من الوثوق الوثوق النوعي جريا على مقتضي الارتكاز العقلائي (قوله: من تتبع فتاوى) فيكون الاجماع حينئذ محصلا (قوله: أو من تتبع الاجماعات) فيكون الإجماع محكيا متواترا لا بنقل الآحاد حتى يلزم الدور (قوله: إلا أن يدعى تواطؤها)

١٣٣

المعتبرة فيها ولكن دون اثباته خرط القتاد (ثانيها) دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها. وفيه - مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الاول، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين أو بما هم عقلاء ولو لم يلزموا بدين كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الامور الدينية من الامور العادية فيرجع إلى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان

______________________________

يعني أن الاختلاف في خصوصيات الفتاوى أو معاقد الاجماعات المنقولة مانع من حصول الاتفاق على الحجية إلا إذا كان الاختلاف راجعا إلى الاختلاف فيما هو الحجة بحيث لو انكشف لبعض بطلان مذهبه لابد أن يلتزم باحد المذاهب الباقية فلو ادعي ذلك كان اجماعا وحجة، إلا أن اثبات هذه الدعوى صعب جدا، لكن الانصاف ان ذلك ليس بذلك البعيد (قوله: دعوى اتفاق العلماء عملا) الفرق بين هذا الوجه والوجه الاول هو الفرق بين الطريق والواقع فان الاجماع العملي انما يكون حجة من جهة كشفه عن الاجماع القولي (قوله: مضافا إلى ما عرفت) من جهة اختلاف العلماء عملا فلا يكشف عن اتفاقهم قولا على الحجية الا إذا كان عن تواطء منهم على الحجية (قوله: لم يحرز أنهم اتفقوا... الخ) يعني أن الاتفاق العملي وان كان كاشفا عن الاتفاق القولي لكنه مجمل من حيث أن قولهم بذلك بما أنهم مسلمون ومتدينون فيكون الاتفاق القولي المستكشف بالعمل من قبيل الاتفاق على الحكم الشرعي فيعلم أنه مأخوذ من الشارع يدا بيد إلى زماننا هذا، أو بما أنهم عقلاء فلا يرتبط بجهة الشارع أصلا بل يكون ذلك بناء منهم كسائر أبنية العقلاء ويكون حينئذ راجعا إلى الوجه الثالث وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء... الخ. وقد يقرر هذا الوجه على وجوه (الاول) أن الشارع

١٣٤

الاقدس كما كان في مقام جعل الاحكام كان في مقام جعل الطرق الواصلة إلى المكلفين ايضا وحيث أن العقلاء بناؤهم على طريقية خبر الثقة ولم يكن قد نصب الشارع طريقا غيره يعلم أنه الطريق المجعول عنده ويكون قد اعتمد في ايصاله إلى المكلفين ببناء العقلاء عليه إذا لولا ذلك لزم الإخلال بغرضه وهو مستحيل، وهذا الوجه يتوقف على مقدمات ثلاث (الاولى) كون الشارع في مقام نصب الطرق (الثانية) كونه طريقا عند العقلاء (الثالثة) عدم ثبوت طريق سواه، (والاولى) ممنوعة كما اعترف بذلك شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الاول من تنبيهات الانسداد فليلحظ (والثانية) مسلمة (والثالثة) مبنية على عدم تمامية الادلة المتقدمة على الحجية (الثاني) أن الشارع بعد ما جعل أحكاما واقعية وكان خبر الثقة عند العقلاء طريق ارتكازيا يجرون معه حيث ما جرى وينتهون معه حيث ما انتهى لاعتقاد كونه طريقا إلى تلك الأحكام لكون طريقيته مما تقتضيها فطرتهم وجبلت عليها نفوسهم فلو سلكوه فأخطأ كان عقابهم عقابا بلا بيان لفرض الغفلة منهم وعدم تنبيه الشارع لهم، وهذا الوجه لا يتوقف الا على اثبات كونه طريقا عند العقلاء على النحو المذكور، إلا أنه لا يجدي الا في حق العامل بالخبر غفلة منه وجريا على مقتضى ارتكاز طريقيته، أما المتنبه الملتفت الشاك في طريقيته فلا يجدي في حقه لعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في حقه إذ مع الشك يرجع إلى ما يحكم به عقله من البراءة أو الاشتغال حسب اختلاف الموارد، (الثالث) بناء العقلاء على كون خبر الثقة مقتضيا للحجية فهو بنفسه منجز للواقع وعذر في مخالفته وبذاته معيار للاطاعة والمعصية ومناط للثواب والعقاب إذا لم يردع عنه المولى ومع احتمال الردع يبنى على عدمه تعبدا منهم أو إذا قام على عدمه طريق من ظاهر قول أو فعل أو حال معتبر، وهذا الوجه من أحسن الوجوه إلا أنه غير ثابت (الرابع) بناؤهم على كونه حجة بينهم يعامل معاملة الحجج الذاتية إلا أن ارتكاز حجيته عندهم أوجب اعتقاد كونه حجة عند الشارع فانه مولاهم وسيدهم، وحيث أن ذلك البناء منهم لو كان على خلاف الواقع كان الواجب

١٣٥

ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به في الشرعيات ايضا (ان قلت): يكفي في الردع الايات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم وناهيك قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (قلت): لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك فانه مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين. ولو سلم فانما المتيقن - لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها - هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة، لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر وذلك لان الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة هو يتوقف على الردع عنها بها وإلا لكانت مخصصه أو مقيدة لها كما لا يخفى

______________________________

عليه لقاعدة اللطف ردعهم وتنبيههم على خطئهم فحيث لم يرد عهم على أن اعتقادهم كان موافقا للواقع واحتمال وجود مفسدة في الردع أو مصلحة في عدم الردع خلاف الظاهر نعم لابد من احراز مقدمات الامضاء من الاطلاع وامكان الردع مما يوجب الظهور في الامضاء وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يعول عليه هنا وفي سائر موارد بناء العقلاء (قوله: ومن الواضح انه يكشف) لم يظهر الوجه في هذا الاستكشاف ولم يتضح أن المصنف (ره) بان على أي التقريرات المذكورة، وعبارته هنا مجملة، نعم سيأتي في آخر الفصل قوله: ضرورة ان ما جرت... الخ ونبين هناك أنه تقرير آخر غير ما ذكر (قوله: في اصول الدين) قد عرفت وجه التأمل فيه في أول مبحث الخبر فراجع (قوله: اطلاقها) فاعل لقوله: المنصرف (قوله: هو خصوص) خبر لقوله: المتيقن، ثم إن في دعوى الانصراف المذكورة تأملا أو منعا، بل الظاهر أنه لو دل على حجية بعض الظنون دليل كان مخصصا أو حاكما على الآيات الشريفة كما تقدم بيان ذلك إجمالا، ولو تمت دعوى الانصراف المذكورة كان الدليل واردا عليها، فلاحظ (قوله: لا يكاد يكون الردع) خبر قوله سابقا (فانه) (قوله: لان الردع بها يتوقف... الخ) من الواضح أن

١٣٦

* مقتضى الاخذ بظاهر الآيات الشريفة ينافي مقتضي الاخذ بالسيرة، وحينئذ يقع الكلام في أن مقتضى القاعدة تقديم الاول بجعل الآيات رادعة عن السيرة، أو الثاني يجعل السيرة مخصصة لعموم الآيات فنقول: تارة تكون السيرة مانعة عن انعقاد ظهور الآيات في الردع عنها وأخرى لا تكون كذلك بل تكون مانعة من حجية ظهور الآيات في الردع، فعلى الاول لا ينبغي التأمل في وجوب الاخذ بمقتضى السيرة لان اقتضاء الآيات للردع يتوقف على ظهورها فيه وظهورها فيه يتوقف على عدم وجود السيرة - حسب الفرض - فإذا فرض وجود السيرة كان مانعا عن انعقاد ظهور الآيات في الردع فيمتنع الردع بها عن السيرة، وعلى الثاني لابد من الأخذ بمقتضى الآيات ورفع اليد عن السيرة، وذلك لان الردع بالآيات يتوقف على ظهورها فيه وكون ذلك الظهور حجة، أما ظهورها فمسلم حسب الفرض، واما كون ذلك الظهور حجة فلعدم المزاحم له في الحجية الا السيرة والسيرة أيضا لا تصلح للمزاحمة لأن حجيتها مشروطة بعدم وجود الرادع وظهور الآيات يكفي في الردع (فان قلت): يمكن دعوى العكس بأن نقول: حجية الظهور في الردع موقوفة على عدم حجية السيرة وإلا كانت مخصصة للظهور مانعة عن حجيته (قلت): وجود مقتضي الحجية في ظهور الآيات في الردع غير موقوف على شئ وإنما الموقوف على عدم مانعية السيرة فعلية الحجية للظهور بخلاف مقتضي الحجية في السيرة فانه موقوف على عدم الرادع عنها فيكون مقتضي الحجية في الظهور تنجزيا وفي السيرة تعليقيا، ولا ريب أن المقتضي التنجيزي لا يصلح لمعارضته المقتضي التعليقي لأن الثاني ينتفي بثبوت الاول لأنه مقتضي كونه تعليقيا على عدم الآخر كما هو ظاهر بالتأمل، ومن ذلك يظهر لك الاشكال في قول المصنف (ره): لان الردع بها يتوقف على عدم التخصيص أو التقييد بالسيرة، لان فعلية التخصيص متأخرة رتبة عن اقتضاء السيرة للتخصيص وفي رتبة الاقتضاء المذكور لا مانع من فعلية الردع فإذا كان الردع فعليا ارتفع اقتضاء السيرة للتخصيص فتمتنع فعليته فعدم التخصيص معلول الردع لا موقوف عليه الردع، فتأمل في المقام فانه به

١٣٧

(لا يقال): على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلا على وجه دائر فان اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها وهو يتوقف على تخصيصها بها وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها (فانه يقال): إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى ضرورة أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الاطاعة والمعصية وفى استحقاق العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون عقلا في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات

______________________________

حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (قوله: على هذا لا يكون اعتبار) يعني أن لازم ما ذكر من أن الردع يتوقف على عدم التخصيص ان عدم الردع موقوف على التخصيص لأن ما يتوقف على عدمه وجود الشئ يكون مانعا عن وجود الشئ، وإذا كان مانعا عنه كان علة لعدمه وكذا قوله: عدم التخصيص موقوف على الردع، ملازم لقولنا: التخصيص موقوف على عدم الردع (قوله: وهو يتوقف) يعني عدم الردع موقوف على تخصيصها بها وهذه المقدمة من لوازم كون الردع موقوفا على عدم التخصيص (قوله: وهو يتوقف) يعني تخصيصها يتوقف على عدم الردع بها هذه المقدمة من لوزام كون عدم التخصيص موقوفا على الردع (قوله: يكفي في حجيته بها عدم) حاصل الاشكال المنع عما ذكر في السؤال من أن اعتبار الخبر بالسيرة يتوقف على عدم الردع بل انما يتوقف على عدم ثبوع الردع فلا دور (قوله: ضرورة ان ما جرت عليه) تعليل لجواز الاعتماد على السيرة إذا لم يثبت الردع، وحاصل التعليل: ان الاطاعة الواجبة بحكم العقل والمعصية المحرمة كذلك ما كان طاعة أو معصية عند العقلاء ومن المعلوم ان خبر الثقة إذا كان حجة عند العقلاء كان سلوكه طاعة عندهم ومخالفته معصية فيجب سلوكه عقلا لانه طاعة عند العقلاء وتحرم مخالفته لانها معصية كذلك، نعم لو قام دليل شرعي على خلاف ما عند العقلاء كان واجب الاتباع

١٣٨

فافهم وتأمل (١)

______________________________

عقلا (وفيه) انه لا ريب فيما ذكر من كون الاطاعة والمعصية الواجبة والمحرمة ما كان طاعة ومعصية عند العقلاء لكن المراد به انه يجب الرجوع إلى العقلاء في تشخيص مفهوم الاطاعة والمعصية مثل قصد الامر والوجه والتمييز أو غير ذلك مما يعتبر في مفهوم الاطاعة والعمد ونحوه مما يعتبر في مفهوم المعصية لا غير ذلك مما يرجع إلى المصداق وحينئذ فإذا كان سلوك ما هو طريق عند المولى طاعة ومخالفته معصية ولم يثبت كون خبر الثقة طريقا عند الشارع لا يكون سلوكه طاعة للشارع عندهم، ولا مخالفته معصية له عندهم أصلا، ومجرد كونه طريقا عندهم بنحو تكون موافقته طاعة ومخالفته معصية عندهم بالاضافة إلى مواليهم لا يلازم كونه كذلك بالاضافة إلى الشارع، نعم لو كان العقلاء مرجعا في تشخيص مصداقهما كان ما ذكر في محله الا انه في غاية المنع، وهذا الوجه الذي ذكره المصنف (ره) خامس تقريرات حجية السيرة التي اشرنا إليها سابقا، وقد عرفت أن الوجه المتعين منها هو الرابع المتوقف على احراز رضا الشارع وامضائه ولو بظاهر الحال الله سبحانه اعلم (قوله: فافهم وتأمل) قد أشار

______________

(١) قولنا: فافهم وتأمل، اشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ولو قيل بسقوط كل من السيرة والاطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الامر بين ردعها به وتقييده بها وذلك لاجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين (فان قلت): لا مجال لاحتمال التقييد بها فان دليل اعتبارها مغي بعدم الردع عنها ومعه لا تكون صالحة لتقييد الاطلاق مع صلاحيته للردع عنها كما لا يخفى (قلت): الدليل ليس إلا إمضاء الشارع لها ورضاه بها المستكشف بعدم ردعه عنها في زمان مع إمكانه وهو غير مغي. نعم يمكن ان يكون له واقعا وفي علمه تعالى أمد خاص كحكمه الابتدائي حيث انه ربما يكون له أمد فينسخ فالردع في الحكم الامضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغي كما لا يخفى (وبالجملة) ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاص المقدم والعام والمؤخر في -

١٣٩

في الحاشية في وجه ذلك إلى تقرير آخر في حجية السيرة على حجية خبر الثقة وحاصله: ان سيرة العقلاء على العمل بالخبر قبل نزول الآيات المذكورة كانت بلا رادع فتكون حجة على الحجية وبعد نزول الآيات يدور الامر بين تخصيص الايات بها وكونها رادعة عنها كما هو الحال في الخاص المقدم على العام إذ يدور الامر بين كونه مخصصا للعام ومنسوخا به، وقد تقدم ان الاولى القول بالتخصيص ولو فرض التوقف فالمرجع اصالة الحجية (ثم) اورد على نفسه بان ذلك يتم لو لم يكن دليل اعتبار السيرة معني بعدم الردع عنها اما إذا كان مغيي بذلك ففي زمان نزول الآيات يمتنع ان تكون السيرة مقيدة أو مخصصة لاطلاقها أو عمومها لعدم الدليل على اعتبارها حينئذ من جهة تحقق غاية الاعتبار (ثم) اجاب بان الدليل على اعتبارها إمضاء الشارع لها ورضاه المستكشف بعدم الردع عنها في زمان وهو غير مغيي بعدم الرادع نظير دليل الحكم الابتدائي هذا ملخص كلامه (ولكن) الانصاف يقتضي الفرق بين الاحكام الابتدائية والاحكام الامضائية فان ظهور أدلة الثانية في الدوام والاستمرار في غاية الاشكال وان كان مسلما في ادلة الاول لان الوجه في ذلك الظهور ظهور الاحكام الابتدائية في كونها احكاما قانونية ليست مخصصة بزمان دون زمان وليس الامر كذلك في الاحكام الامضائية، كيف والغالب كون تبليغ الاحكام على التدريج ؟ ولذا لا يصح أن يدعى أن جميع الاحكام الابتدائية في الشريعة المقدسة كانت ناسخة لما كان قبلها من الاحكام الامضائية بل النسخ يختص بالاحكام الابتدائية التي تعقبها حكم على خلافها، نعم لو فرض عدم الردع إلى زمان انقطاع

______________

- دوران الأمر بين التخصيص بالخاص أو النسخ بالعام ففيهما يدور الأمر ايضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم. منه قدس سره

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617